جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧

ولو ضمه إلى المعلوم احتمل فساد الجميع ، فيجب مهر المثل واحتساب المعلوم من مهر المثل فيجب الباقي.

فلو زاد عن مهر المثل لم تجب الزيادة على الأول دون الثاني.

______________________________________________________

قوله : ( ولو ضمه إلى المعلوم احتمل فساد الجميع ، فيجب مهر المثل واحتساب المعلوم من مهر المثل فيجب الباقي ، فلو زاد عن مهر المثل لم تجب الزيادة على الأول دون الثاني ).

الثاني من صور الجهالة : ما إذا ضم المعلوم الى المجهول ، وجعل المجموع صداقا ففيه وجهان :

أحدهما : فساد المهر من أصله ، لأن المهر هو المجموع الحاصل من المعلوم والمجهول ، وهو مجهول ، لأن جهالة الجزء يستلزم جهالة الكل ، لأن العلم بعوض المجهول موقوف على العلم بنسبة المعلوم الى الكل ، وكذا بنسبة المجهول إليه ، وهو ممتنع ، فيكون العلم بالصداق ممتنعا ، فيبطل ويجب مهر المثل ، وعلى هذا فلا يكون المعلوم من جملة الصداق الواجب ، فلا يجب على الزوج دفعه عن مهر المثل بل له دفع غيره.

والثاني : انه يحتسب المعلوم من مهر المثل ، وهذا الوجه يستجمع شيئين : وجوب مهر المثل ، وكون المعلوم من المسمّى واجبا للزوجة.

أما الأول ، فلأن المسمّى لما كان بعضه يمتنع كونه من جملة المهر لجهالته ، وجب مهر المثل ، لأن مقابل البضع إما المسمّى أو مهر المثل ، ولما امتنع الأول تعيّن الثاني.

وأما الثاني : فلأن المعلوم قد ذكر في العقد بخصوصه ، والغرض يتعلق بخصوصيات الأموال ، ولا دليل على بطلان تسميته من أصله ، ولا يلزم من بطلان كون المهر الواجب بالتسمية أن لا يكون محسوبا من مهر المثل.

وقول الشارح الفاضل ولد المصنف : إنّ وجوب العين ومهر المثل يستلزم‌

٣٨١

______________________________________________________

اجتماع النقيضين ، إن أراد به وجوب العين باعتبار كونها المهر المسمّى فصحيح ، وإن أراد وجوبها على أنها من مهر المثل فلا استحالة في ذلك (١).

إذا عرفت ذلك فالمعلوم : إما أن يكون بقدر مهر المثل ، أو زائدا عليه ، أو ناقصا عنه. فإن كان بقدره لم يجب غيره ، لانتفاء الموجب ، وإن نقص وجب إكماله لا محالة ، وإن كان زائدا وجبت الزيادة على هذا الاحتمال ، لأنا صححنا التسمية فيه على أنه من مهر المثل ، بخلاف ما إذا قلنا ببطلان المسمّى من أصله ، وعدم اعتبار التسمية في المعلوم كالمجهول.

وإلى هذا أشار المصنف بقوله : ( فلو زاد عن مهر المثل لم تجب الزيادة على الأول دون الثاني ) فإنه يريد بالأول احتمال فساد الجميع ، وبالثاني احتساب المعلوم من مهر المثل.

واعلم أن المصنف ذكر فيما لو أصدقها عبدين فبان أحدهما حرا احتمالين : أحدهما : وجوب قدر حصة الحر من مهر المثل ، ولم يتعرض الى هذا الاحتمال هنا ، وكأنه نظر الى أن المجهول يتعذر تقويمه فيتعذر معرفة حصته من مهر المثل ، بخلاف الحر على تقدير عبوديته. ولو قيل بمجي‌ء هذا الاحتمال باعتبار أن حصة المجهولة من مهر المثل يمكن استعلامها بطريقين :

أحدهما : ان المسمّى لما كان عبارة عن المعلوم والمجهول كان كل منهما مجهولا جزءا له ، والأصل عدم التفاضل بينهما ، فيكون كل واحد نصفا ، كما لو اوصى بشي‌ء لزيد والملك ، فإن لزيد النصف في وجه ، فيكون حصة المجهول نصف مهر المثل.

والثاني : تقدير المجهول أقل ما يتمول ، لأنه متيقن والزائد مشكوك فيه ، فإذا جرى المعلوم أجزأ كل منها أقل ما يتموّل ضم المجهول إليها ونسب الى المجموع‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٢٠٤.

٣٨٢

______________________________________________________

وأخذ له بتلك النسبة من مهر المثل.

وكيف كان فانا في هذه المسألة من المتوقفين.

ثم اعلم أيضا أن الشارح الفاضل ولد المصنف ذكر احتمالين على تقدير احتساب المعلوم من مهر المثل :

أحدهما : أن يكون أداء لمهر المثل ، كما لو شرطا أداء المسمّى الصحيح من مال بعينه.

والثاني : انه يجب لكونه جزءا من المسمّى ، ويجب للجزء الآخر وهو المجهول حصته من مهر المثل ، ويستعلم حصته منه بأحد الطريقين اللذين مر ذكرهما ، وزعم أن قول المصنف : ( فلو زاد لم يجب الزيادة على الأول ) إشارة إلى كون وجوب المعلوم لكونه أداء لمهر المثل ، وأن قوله : ( دون الثاني ) إشارة إلى إيجاب المعلوم ، لكونه جزءا من المسمّى (١). وما ذكره رحمه‌الله فاسد لوجوه :

الأول : ان المصنف لم يذكر في عبارته سوى احتمال فساد الجميع ، واحتمال احتساب المعلوم من مهر المثل ، فإرادته الأول والثاني على ما ذكره الشارح (٢) ارادة لما ليس بمذكور ، بل ولا يدل عليه شي‌ء في كلامه أصلا ، وهو واضح الفساد.

الثاني : ان هذا الذي زعم أن المصنف أراده ولا دليل عليه فاسد في نفسه ، لأن احتساب المعلوم من مهر المثل لا يستقيم إلاّ على الاحتمال الأول من الاحتمالين اللذين ذكرهما دون الثاني ، لأن المعلوم على هذا الاحتمال واجب لكونه جزء المسمّى ، وعوض الجزء المجهول حصته من مهر المثل ، فلا يكون المعلوم محسوبا من مهر المثل على هذا الاحتمال ، فكيف يكون متشعبا من احتساب المعلوم من مهر المثل.

الثالث : ان قوله بعدم وجوب الزيادة عن مهر المثل على الاحتمال الأول من‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٢٠٤.

(٢) إيضاح الفوائد ٣ : ٢٠٤.

٣٨٣

ولو تزوج واشترى واستأجر بسط على مهر المثل وثمنه وأجرته.

ولو زوجه جاريته وباعها منه بطل النكاح ، وسقط من المسمّى بنسبة مهر المثل.

______________________________________________________

الاحتمالين اللذين ذكرهما غير مستقيم ، فإنه مع كونه خلاف مدلول عبارة المصنف لا يمتنع أن يجب المعلوم لذكره بخصوصه في العقد ، فإن ساوى مهر المثل أو زاد لم يجب شي‌ء آخر لحصول مهر المثل مع الزيادة ، وإن نقص وجب إكماله ، فيكون مهر المثل واجبا ، لعدم التسمية المعتبرة ، ويجب الزيادة على تقدير حصولها لثبوت مقتضاها وانتفاء ما يدل على بطلانها.

والشارح السيد لم يزد على أن الأول هو احتمال الفساد في الجميع ، والثاني هو احتساب المعلوم من مهر المثل ، ولم يعرج على ما ذكره ولد المصنف.

قوله : ( ولو تزوج واشترى واستأجر بسط على مهر المثل وثمنه وأجرته ).

أي : ثمن المثل واجرة المثل ، وطريق البسط جمع مهر المثل وثمنه وأجرته ونسبة كل منهما الى المجموع ، والأخذ من المسمّى بنسبة كل الى المجموع. والضمير في ( بسط ) يعود إلى محذوف مدلول عليه ، لأن المراد أنه تزوج واشترى واستأجر بعوض واحد.

وتصور ذلك سهل ، فإنه إذا زوجته نفسها وباعته عبدها وآجرته دارها سنة بمائة تحقق ذلك ، وإنما ذكر المصنف هذه المسألة هنا للرد على من يقول بفساد ذلك.

قوله : ( ولو زوجه جاريته وباعها منه بطل النكاح وسقط من المسمّى بنسبة مهر المثل ).

أي : لو زوج الولي جاريته من شخص وباعها منه ، صح البيع وبطل النكاح ، ويحتمل بطلانهما.

٣٨٤

ولو تزوج بها واشترى منها دينارا بدينار بطل البيع ، ووجب مهر المثل. والأقوى ما يقتضيه التقسيط من المسمّى ،

______________________________________________________

أما صحة البيع ، فلأن المقتضي لصحته ـ وهو الصيغة المعتبرة ـ موجود ، ولا يضر بطلان النكاح ، لأنه في قوة عقدين ، ولا يلزم من بطلان أحد العقدين بطلان الآخر.

وأما بطلان النكاح ، فلأن الزوج إذا طرأ ملكه لزوجته على النكاح بعد الحكم بصحته بطل النكاح ، فإذا قارنه أبطله بطريق أولى.

وأما احتمال بطلانهما ، فلأنهما شيئان تضمنهما عقد واحد ، فلا يوصف بعضه بالصحة وبعضه بالفساد. ويضعف بأن العقد وإن كان واحدا في الصورة إلاّ أنه في الحقيقة عقدان ، لأن نقل الأعيان على الوجه المخصوص بيع منضم الى النكاح ، فلا يلزم من بطلان أحدهما بطلان الآخر.

إذا تقرر ذلك فطريق تقسيط المسمّى على المهر وثمن المبيع : أن ينظر مجموع مهر المثل للجارية وقيمتها السوقية ، ثم ينسب كل واحد منهما الى المجموع ، فيأخذ له بمثل تلك النسبة من المسمّى ، فإذا كان مهر المثل خمسين والقيمة مائة كان المهر ثلثا والقيمة ثلثين ، فإذا كان المسمّى مائة كان قسط المهر ثلثها يرجع الى الزوج ، لبطلان النكاح ، وقسط الثمن ثلثاها ستة وستون وثلثان يستحقها المولى.

قوله : ( ولو تزوج بها واشترى منها دينارا بدينار بطل البيع ووجب مهر المثل ، والأقوى ما يقتضيه التقسيط من المسمّى ).

أي : لو تزوج رجل بامرأة واشترى منها دينارا ، وعوض الأمرين معا هو دينار واحد ، فقد جمع بين النكاح والصرف على وجه يلزم منه الربا ، لأن الثمن والمثمن من جنس واحد ، وبعض المسمّى مهر لا محالة ، فيبقى بعض الدينار في مقابل الدينار ، فيبطل الصرف للربا.

٣٨٥

ولو اختلف الجنس صح الجميع.

______________________________________________________

وفي قول يبطل النكاح أيضا ، والأصح صحته ، لوجود المقتضي وهو العقد المركب من الإيجاب والقبول ، وانتفاء المانع إذ ليس إلاّ مقارنة الصرف المشتمل على الربا إياه ، وهو غير صالح للمانعية ، لأن بطلان أحد العقدين المتقاربين لا يقتضي بطلان الآخر.

ويجب مهر المثل عند الشيخ في المبسوط (١) ، احتجاجا ، بأن الدينار يقع في مقابلة الدينار فيبقى النكاح بغير مهر ، وفيه نظر ، لأن الدينار في مقابل كل من الدينار والبضع ، فيكون لكل منهما منه ما يقتضيه التقسيط ، ومن ثم لزم فساد البيع فيكون الأصح ما قوّاه المصنف.

فإذا كان مهر مثلها عشرة دنانير مثلا ، قسّم الدينار المسمّى على أحد عشر جزءا ، لما قلناه من أنه مهر وثمن ، ومهر المثل

عشرة دنانير وثمن المثل دينار ، فيكون المهر عشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من الدينار ، والثمن جزءا من أحد عشر جزءا من الدينار.

قوله : ( ولو اختلف الجنس صح الجميع ).

أي : لو اختلف الجنس في المسألة المذكورة ، بأن كان المبيع مثلا درهما والمسمّى دينارا وبالعكس ، صح النكاح والصرف ، لانتفاء الربا حينئذ ، لأن التفاضل مع اختلاف الجنس غير قادح في الصحة ، لكن لا بد من التقابض في المجلس هنا ، لأن الصرف يبطل بالتفرق قبله.

ولا يخفى أن المصنف إنما ذكر هذه المسائل هنا وإن لم يكن من مسائل جهالة المهر ، لدفع توهم من عدّها من صور الجهالة.

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٨٩.

٣٨٦

الثالث : الشرط ، ولو شرط في العقد ما لا يخل بمقصود النكاح وإن كان غرضا مقصودا في الجملة لم يبطل النكاح.

بل الشرط إن خالف المشروع مثل أن يشترط أن لا يتزوج عليها ، أو لا يتسرى ، أولا يمنعها من الخروج ، أو لا يقسم لضرتها ، فالعقد والمهر صحيحان ، ويبطل الشرط خاصة.

وكذا لو شرط تسليم المهر في أجل ، فإن لم يسلمه كان العقد باطلا ، فإنه يبطل الشرط خاصة.

وفي فساد المهر وجه ، فإن الشرط كالعوض المضاف إلى الصداق ، ويتعذر الرجوع الى قيمة المشروط فيثبت مهر المثل.

______________________________________________________

قوله : ( الثالث : الشرط ، ولو شرط في العقد ما لا يخل بمقصود النكاح وإن كان غرضا مقصودا في الجملة ، لم يبطل النكاح ، بل الشرط إن خالف المشروع مثل أن يشترط أن لا يتزوج عليها ، أو لا يتسرى ، أو لا يمنعها من الخروج ، أو لا يقسم لضرتها ، فالعقد والمهر صحيحان ويبطل الشرط خاصة. وكذا لو شرط تسليم المهر في أجل ، فإن لم يسلم كان العقد باطلا ، فإنه يبطل الشرط خاصة ، وفي فساد المهر وجه ، فإن الشرط كالعوض المضاف إلى الصداق ، ويتعذر الرجوع الى قيمة الشرط فيثبت مهر المثل ).

الشروط التي تذكر في عقد النكاح أقسام : منها ما يخل بمقصود النكاح ، ومنها ما يقتضيه عقد النكاح ، ومنها ما لا يكون واحدا من الأمرين ، وهو إما أن يخالف المشروع أو لا يخالفه ، ومنها ما لا يتعلق به غرض.

فالأول : مثل أن يشترط في النكاح أن يطلقها أو لا يطأها ، ونحو ذلك. ومقتضى القولين عدم صحة النكاح والشرط في هذا القسم ، لأن عقد النكاح يقتضي ثبوت‌

٣٨٧

______________________________________________________

الشرط ، وثبوت الشرط يقتضي رفع النكاح لما بينهما من المنافاة ، لأن الشرط لما كان منافيا لمقتضى النكاح كان منافيا له ، وثبوت أحد المتنافيين يقتضي رفع الآخر ، وقد تقدّم قبل النكاح المنقطع بيان حكم بعض أفراد هذا النوع.

والثاني : مثل أن يشترط أن يقسم لها أو ينفق عليها أو لا تخرج إلاّ باذنه ، ونحو ذلك. وحكمه أن ذلك ثابت مع الشرط وبدونه ، وفائدة الاشتراط تأكيد الثبوت.

وأما الثالث : فإن خالف المشروع ، مثل أن يشترط لها أن لا يتزوج عليها ، أو لا يتسري ، أو لا يمنعها من الخروج حيث شاءت ، أو لا يقسم لضرتها ، ونحو ذلك ، فقد صرح المصنف بأن المهر والعقد صحيحان والشرط فاسد. وكذا غيره من الأصحاب كالشيخ في المبسوط (١) ، وابن حمزة (٢) ، وابن إدريس (٣) ، وغيرهم (٤). أما فساد الشرط فظاهر ، وأما صحة العقد فلإطباق الأصحاب عليه.

يلوح ذلك من عبارة الشيخ في المبسوط ، حيث قال في هذه المسألة : ولا يفسد المهر عندنا ، فإن صحة المهر إنما يكون مع صحة العقد ، وفرّقوا بين هذا النوع من الشروط وبين النوع الأول ، حيث صرح جمع ببطلان العقد من رأس هناك وصرحوا بالصحة هنا ، وكأنهم نظروا إلى ظهور المنافاة بين العقد والشرط هناك وانتفائه هنا ، لأن غاية تأثير فساد هذا النوع من الشروط أن يؤثر في فساد المهر ، وفساده لا يقتضي فساد النكاح ، لأنه غير مشروط به ، بخلاف البيع ونحوه.

وأما المهر فقد صرح أكثرهم بصحته ايضا ، لوجود المقتضي للصحة ، إذ ليس إلاّ الشرط الفاسد وهو غير صالح للمانعية ، لأن فساد أحد الشيئين المتضمن لا يقتضي‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٣٠٣.

(٢) الوسيلة : ٣٥٠.

(٣) السرائر : ٣٠٣.

(٤) منهم ابن البراج في المهذب ٢ : ٢٠٧.

٣٨٨

______________________________________________________

فساد الآخر ، وفي وجه أنه يفسد وإليه الإشارة بقوله : ( وفي فساد المهر وجه ).

أي : وفي فساد المهر في المسائل المذكورة وجه ، وأشار إلى دليله بقوله : ( فإن الشرط كالعوض المضاف إلى الصداق. ).

وتقريره : إن فساد الشرط يقتضي فوات بعض العوض ، لأن العوض في الحقيقة مركب من المسمّى والشرط ، لأن الشرط ارتفاق فهو في حكم المال ، والرجوع الى قيمته متعذر ، للجهالة ، فيجهل الصداق ، فيتعين الرجوع إلى مهر المثل.

ولقائل أن يقول : إن الدليل أخص من الدعوى ، لأن الدليل لو تمّ إنما ينتج ثبوت مهر المثل إذا كان الشرط من الزوج للزوجة ليكون بعض العوض ، لأنه إذا كان من الزوجة للزوج لا يكون بعض العوض فلا يتجهل الصداق بفواته.

ويمكن الجواب : بأن الدليل مركب من أمرين ، ذكر أحدهما ونبّه بالمذكور على ما لم يذكره.

وتقريره : ان الشرط إما من الزوج للزوجة ، أو من الزوجة للزوج. فإن كان الأول فوجهه ما تقدم ، وإن كان الثاني فوجهه أن الشرط حينئذ بمنزلة بعض العوض ، والصداق مبذول في مقابل الجميع ، وبفساد الشرط يفوت بعض المعوض ، وقيمته مجهولة على ما سبق ، فلا يعلم نصيب الباقي من المعوض من الصداق فيثبت مهر المثل ، وهنا كلامان :

أحدهما : إن إطلاق عبارة المصنف يعم ما إذا كان مهر المثل بقدر المسمّى أو أزيد أو انقص. وفي وجه أنه إن زاد المسمّى والشرط لها فالواجب المسمّى ، لأنه قد رضي ببدله مع التزام ترك حق ، فمع انتفاء اللزوم يكون الرضى بالمسمّى أولى. وكذا إن نقص والشرط عليها ، لأنها قد رضيت بذلك القدر مع ترك حق لها فبدونه أولى ، وليس هذا الوجه ببعيد.

الثاني : انه قد سبق في بحث الجهالة فيما لو ضم المجهول الى المعلوم ، أن فيه‌

٣٨٩

______________________________________________________

احتمالين : أحدهما وجوب مهر المثل ، والآخر احتساب المعلوم من مهر المثل فيجب الباقي ، فينبغي أن يطرد الاحتمالان هنا ، لأن هذه أيضا من مسائل ذلك الباب ، وإطلاق المصنف وجوب مهر المثل على القول بفساد المهر ينافي الاحتمال الثاني.

ويمكن أن يتعذر له بأن الاحتمالين لما كانا مذكورين قبل هذا البحث بيسير اعتمد على ظهور اطرادهما هنا فلم يتعرض إليهما ، ثم تنبه لشيئين :

الأول : ان اللائح من قول المصنف : ( وكذا لو شرط تسليم المهر في أجل. ) أن هذه من صور اشتراط ما لا يخل بمقصود النكاح ، وليس بواضح ، لأن الشرط المذكور يخل بنفس النكاح ، وما أخل بنفس النكاح فهو مخل بمقصوده لا محالة.

فإن قوله : ( فإن لم يسلم كان العقد باطلا ) من جملة الشرط ، وهو أشد منافاة للعقد من اشتراط الطلاق ، وقد صرح الشارح الفاضل ولد المصنف بأن الشرط المذكور مخل بمقصود النكاح ، وزعم أن النكاح معه صحيح (١).

وقد روى محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قضى علي عليه‌السلام في رجل يتزوج المرأة إلى أجل مسمّى ، فإن جاء بصداقها إلى أجل مسمّى فهي امرأته ، وإن لم يجي‌ء بالصداق فليس له عليها سبيل شرطوا بينهم حيث انكحوا ، فقضى أن بيد الرجل بضع امرأته وأحبط شرطهم » (٢).

وقد ذكر المصنف في التحرير أن الرواية حسنة ، لكن المتبادر منها أن التزوج إلى أجل مسمّى ، وذلك غير محل النزاع ، فالبطلان أوجه (٣).

الثاني : ان قول المصنف : ( وفي فساد المهر وجه ) الظاهر أنه يتعلق بجميع‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٢٠٧.

(٢) الكافي ٥ : ٤٠٢ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٧٠ حديث ١٤٩٨.

(٣) التحرير ٢ : ٣٤.

٣٩٠

ولو شرط أن لا يقتضها لزم الشرط ، فإن أذنت بعد ذلك جاز ، وعندي فيه اشكال ، وقيل : يختص بالمؤجل.

______________________________________________________

المسائل التي ذكر كون الشرط فيها فاسدا والنكاح صحيحا ، لأن الوجه ثابت في الجميع ، فلا معنى لقصره على المسألة الأخيرة كما تخيّله الشارح الفاضل ولد المصنف (١) ، وذكره بعد هذه المسألة لا يقتضي اختصاصه بها.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن هذا حكم ما إذا خالف الشرط المشروع ولم يخل بمقصود النكاح ، فلو لم يخل ولم يخالف المشروع فلا بحث في الصحة.

ويستفاد من قول المصنف : ( وإن كان غرضا مقصودا في الجملة ) أن ما لم يخل بمقصود النكاح وليس بمشروع لا يصح اشتراطه ، سواء كان غرضا مقصودا في الجملة أو ليس بمقصود أصلا. ويفهم منه أن ما ليس مخلا بمقصود النكاح إذا كان مشروعا يصح اشتراطه ، سواء كان غرضا مقصودا أم لا ، وفيه نظر ، لأن الأوجه إلغاء ما لا يتعلق به غرض أصلا ، كما لو شرط أحدهما مكيالا أو صنجة معيّنة دون ما سواه ، فإنه قد تقدم في السلف إلغاء مثل هذا الشرط ففي النكاح أولى.

قوله : ( ولو شرط ألاّ يقتضها لزم الشرط ، فإن أذنت بعد ذلك جاز ، وعندي فيه اشكال ، وقيل : يختص بالمؤجل ).

لو شرط الزوجان في العقد عدم اقتضاض الزوجة حيث كانت بكرا ، ففي صحة العقد والشرط أو فسادهما ، أو صحة العقد وفساد الشرط ثلاثة أقوال للأصحاب :

أحدها : القول بصحتهما ، اختاره الشيخ في النهاية (٢) ، محتجا برواية إسحاق بن عمار عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : رجل تزوج بجارية عاتق على أن لا‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٢٠٧.

(٢) النهاية : ٤٧٤.

٣٩١

______________________________________________________

يقتضها ، ثم أذنت له بعد ذلك ، فقال : « إذا أذنت له فلا بأس » (١).

وبرواية سماعة بن مهران عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : رجل جاء الى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها ، فقالت : أزوجك نفسي على أن تلتمس مني ما شئت من نظر أو التماس ، وتنال مني ما ينال الرجل من أهله ، إلاّ أنك لا تدخل فرجك في فرجي ، وتتلذذ مني بما شئت ، فإني أخاف الفضيحة ، قال : « ليس له منها إلاّ ما اشترطته » (٢).

والثاني : القول بصحة العقد وبطلان الشرط ، اختاره ابن البراج (٣) ، وابن إدريس (٤) ، اما صحة العقد فلصدوره من أهله في محله ، والأصل في العقود الصحة ، وأما بطلان الشرط ، فلأنه مناف لمقتضى العقد.

والثالث : القول بصحة الشرط في المتعة وبطلانه (٥) في الدوام ، اختاره الشيخ في المبسوط (٦) ، وقطب الدين الكيدري (٧) ، والمصنف في المختلف (٨) وهو الأصح.

أما الصحة في المتعة ، فلعموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٩) ، وقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (١٠). وليس هذا الشرط يقتضي نكاح المتعة ، فإن المقصود الأصلي منه التمتع والتلذذ وكسر الشهوة دون التوالد والتناسل ، وذلك لا‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٩٧ حديث ١٤١٣ ، التهذيب ٧ : ٣٦٩ حديث ١٤٩٦.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٦٩ حديث ١٤٩٥.

(٣) المهذب ٢ : ٢٠٧.

(٤) السرائر : ٣٠٣.

(٥) في نسخة « ش » : وبطلان العقد.

(٦) المبسوط ٤ : ٣٠٤.

(٧) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٤٥.

(٨) المختلف : ٥٤٥.

(٩) المائدة : ١.

(١٠) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.

٣٩٢

______________________________________________________

يستدعي الوطء ، وعليه تنزل الأخبار الواردة بالصحة (١) وإن ضعف السند.

وأما البطلان في الدوام ، فلأنه مناف لمقتضاه ، لأن المقصود الأصلي منه النسل ، وهو يستدعي الوطء ، ويكون الشرط فاسدا ويفسد به العقد ، للمنافاة ، ولعدم الرضى بالعقد إلاّ به.

ويظهر من عبارة ابن حمزة قول رابع وهو بطلان الشرط دون العقد في الدائم ، وصحتهما في نكاح المتعة (٢).

ثم عد إلى عبارة الكتاب وتنبّه لأمور :

أ : إن اشتراط عدم الوطء بمنزلة اشتراط عدم الاقتضاض ، فيأتي فيه ما سبق. وهل اشتراط عدم التقبيل ونحوه من مقدمات الوطء وتوابعه كذلك؟ لم أقف فيه على شي‌ء ، وإلحاقه باشتراط عدم الوطء ليس ببعيد ، وينبغي أن يسوّى في ذلك الدائم والمتعة.

ب : منشأ الاشكال الذي ذكره المصنف ظاهر مما قررناه ، فإن عموم الآية (٣) والرواية (٤) تقتضي الصحة مطلقا ، وكذا رواية إسحاق بن عمار ، وسماعة بن مهران السالفتين. ومنافاة الشرط لمقصود النكاح ومخالفته لظاهر الكتاب والسنة يقتضي بطلانه ، وبه يبطل العقد ، لما تقدّم.

ج : الضمير في قوله : ( وقيل : يختص بالمؤجل ) يعود إلى لزوم الشرط المذكور ، أي : وقيل : يختص لزوم الشرط ، وهو إشارة إلى قول الشيخ في المبسوط (٥) ، ويمكن أن‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٦٩ حديث ١٤٩٥.

(٢) الوسيلة : ٣٥٠.

(٣) المائدة : ١.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.

(٥) المبسوط ٤ : ٣٠٤.

٣٩٣

ولو شرط الخيار في النكاح بطل العقد ، وإن شرطه في المهر صح العقد والمهر والشرط ، فإن اختار بقاءه لزم ، وإلاّ ثبت مهر المثل.

______________________________________________________

يكون إشارة إلى قول ابن حمزة (١) ، لأنه لم يتعرّض إلى صحة العقد الدائم وفساده ، وإنما يدل كلامه على بطلان الشرط.

د : على القول بصحة العقد وفساد الشرط يطرد الوجه بفساد المهر هنا ، فتصير هذه المسألة من مسائل هذا الباب.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنها إذا شرطت عدم الاقتضاض حيث يصح الشرط لزم ولم يجز له فعله ، فإن أذنت بعد ذلك ففي جوازه بالاذن قولان :

أحدهما : الجواز ، لأن المنع حق لها فيزول بإذنها ، ولرواية إسحاق بن عمار السابقة (٢).

وثانيهما : العدم ، لأن الفروج لا تحل بالاذن بل بالعقد ، ولما لم يكن العقد مثمرا للحل لم يكن للاذن اعتبار ، والرواية ضعيفة ، فالأصح العدم (٣).

واعلم أن الضمير في قوله : ( فيه ) من قوله : ( وعندي فيه اشكال ) يعود الى ما دل عليه الكلام السابق من لزوم الشرط وجواز الاقتضاض بعد العقد بالاذن ، ويكون مرجع الضمير في قوله : ( يختص ) من قوله : ( وقيل يختص بالمؤجل ) هو ذلك أيضا ، ويمكن أن يكون مرجعه هو لزوم الشرط ، إلاّ أنه يلزم اختلاف مرجع الضمائر بغير مائز ، وليس بجائز.

قوله : ( ولو شرط الخيار في النكاح بطل العقد ، وإن شرط في المهر صح العقد والمهر والشرط ، فإن اختار بقاءه لزم ، وإلاّ ثبت مهر المثل ).

لا يصح اشتراط الخيار في نفس النكاح قطعا ، لأن في النكاح شائبة التعبد ،

__________________

(١) الوسيلة : ٣٥٠.

(٢) ذهب اليه الشيخ في النهاية : ٤٧٤.

(٣) ذهب اليه الشيخ في المبسوط ٤ : ٣٠٤.

٣٩٤

______________________________________________________

وليس هو من عقود المعاوضات ، فلو شرط فيه بطل الشرط والعقد عند عامة الفقهاء ، لأنه يخرجه عن وضعه.

ولو شرط الخيار في الصداق صح قطعا ، لانتفاء المانع ، لأن الصداق ليس ركنا في النكاح ، وإنما هو عقد مستقل بنفسه ، والمقصود منه المال ، فإذا شرط فيه الخيار صح ، ولا يبطل الصداق عندنا.

وللعامة في بطلان الشرط والصداق معا ، وصحتهما معا ، وصحة الصداق وبطلان الشرط ثلاثة أوجه (١).

فإذا اشترط واختار بقاءه لزم ، وإن اختار الفسخ انفسخ وثبت مهر المثل بالدخول.

وهل يجب في اشتراط الخيار تعيين مدة ثبوته بحيث لا يحتمل الزيادة والنقصان ، أم يجوز اشتراطه مطلقا من غير تعيين لزمانه؟

عبارات الفقهاء مطلقة خالية من التعرض إلى ذلك نفيا وإثباتا ، لكن في المبسوط عنون المسألة باشتراط الخيار في الصداق ثلاثا (٢) ، وهو غير صريح في اشتراط التعيين ، لكنه يشعر به.

ولو قيل باشتراط التعيين أمكن كما في البيع ونحوه ، لأن في النكاح معنى المعاوضة ، فيراعى فيه انتفاء الغرر.

وقول المصنف : ( فإن اختار بقاءه لزم ) المراد به : ان المشترط للخيار من الزوجين ان اختار بقاء المهر لزم واندفع عنه التزلزل.

وقوله : ( وإلا ثبت مهر المثل ) ظاهره يتناول أمرين : اختيار الفسخ ، وعدم اختيار شي‌ء ، وهو صحيح بالنسبة إلى الأول دون الثاني ، فإنه إذا لم يختر شيئا بقي الخيار ثابتا بحاله.

__________________

(١) انظر المجموع ١٦ : ٣٣٨.

(٢) المبسوط ٤ : ٣٠٤.

٣٩٥

ولو سمّى لها شيئا ولأبيها شيئا لزم مسمّاها خاصة.

ولو أمهرها شيئا وشرط أن يعطي أباها منه شيئا ، قيل : لزم الشرط.

______________________________________________________

قوله : ( ولو سمّى لها شيئا ولأبيها شيئا لزم مسمّاها خاصة ، ولو أمهرها شيئا وشرط أن يعطي أباها منه شيئا ، قيل : لزم الشرط ).

هنا مسألتان ، لأنه إما أن يكون المسمّى للأب خارجا عن المهر ، أو من جملة المهر.

الاولى : أن يكون خارجا عن المهر فيصح العقد ويلغو ما سماه للأب ، صرح به الشيخ في النهاية (١) ، وعامة الأصحاب ، لرواية الوشاء عن الرضا عليه‌السلام انه سمعه يقول : « لو أن رجلا تزوج امرأة وجعل مهرها عشرين ألف وجعل لأبيها عشرة آلاف ، كان المهر جائزا والذي جعله لأبيها فاسدا » (٢).

وقال ابن الجنيد : ولا يلزم الزوج غير المهر من جعالة جعلها الولي أو واسطة ، ولو وفى الزوج بذلك تطوعا كان أحوط ، فإن طلقها قبل الدخول لم يكن عليه إلاّ نصف الصداق دون غيره ، فإن كان قد دفع ذلك يرجع بنصف المهر وكل الجعالة على الواسطة (٣).

وقال المصنف في المختلف : إن كان قد جعل للواسطة شيئا على فعل مباح وفعله لزمه ولم يسقط منه شي‌ء بالطلاق (٤). وما ذكره المصنف صحيح ، إلاّ أنه على ما فرض لا دخل لذكر ذلك في العقد بالنسبة إلى اللزوم وعدمه.

وينبغي أن يكون موضوع المسألة ما إذا اشترط لأبيها شيئا ، يكون ثبوته مستندا الى عقد النكاح. أما إذا اشترط له شيئا على جهة التبرع خارجا عن المهر‌

__________________

(١) النهاية : ٤٧٣.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٦١ حديث ١٤٦٥ ، الاستبصار ٣ : ٢٢٤ حديث ٨١١.

(٣) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٤٩.

(٤) المختلف : ٥٤٩.

٣٩٦

______________________________________________________

وعن كونه جعالة فيناسب الأصول الصحة ، إذ لا مانع من صحة هذا الشرط ولزومه ، لأنه فعل سائغ شرعا ، فيدخل في عموم قوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (١).

ولا فرق في ذلك بين كون الاشتراط المذكور باستدعاء الزوجة ، أو بفعل الزوج ابتداء. وينبغي على تقدير الصحة أن لا يؤثّر الطلاق في شي‌ء من الشرط المذكور.

الثاني : أن يكون من جملة المهر ، فظاهر كلام ابن الجنيد لزومه ، لأنه قال : فإن كانت المرأة اشترطت رجع عليها بنصف صداقها ونصف ما أخذه من شرطت له ذلك ، يعني مع الطلاق قال ، لأن ذلك كله بعض الصداق الذي لم يرض نكاحها إلاّ به.

وقال المصنف في المختلف : إن المسمّى للواسطة إن لم يكن على جهة الجعالة بل ذكره في العقد ، لم يكن عليه منه شي‌ء سواء أطلق أو لا. وأورد عليه شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد أن ذلك شرط مباح فيلزم ، لعموم قوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم ».

والذي يقتضيه صحيح النظر أن ما سمّاه للأب على أنه من جملة المهر إن قصد كونه للأب ابتداء لا من قبل الزوجة فهو باطل ، لأن بعض المهر يمتنع كونه ابتداء لغير الزوجة ، وعليه تنزل رواية الوشاء السالفة.

فإن كان قد سمّى المجموع للزوجة مهرا ، وشرط عليها أن تدفع إلى أبيها منه شيئا على جهة التبرع منها والإحسان ، فالفساد لا وجه له ، لأن ذلك شرط لا يخالف الكتاب والسنة فلا وجه لإبطاله.

وعلى هذا فلو طلقها رجع بنصف المجموع ، لأن جميعه هو المهر ، والشق الثاني مما ذكرناه هو المسألة الثانية في العبارة.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.

٣٩٧

ولو شرط ألا يخرجها من بلدها ، قيل : لزم الشرط للرواية ، وهل يتعدّى إلى منزلها؟ اشكال.

______________________________________________________

وأشار بقوله : ( قيل : لزم الشرط ) إلى القول المحكي عن ابن الجنيد في عقد النكاح (١) ، واعلم أنه لا فرق بين الأب وغيره بالنسبة إلى الشرط المذكور حيث يصح أو يفسد.

قوله : ( ولو شرط أن لا يخرجها من بلدها ، قيل : لزم الشرط ، للرواية ، وهل يتعدى إلى منزلها؟ إشكال ).

أي : لو شرط الزوج للزوجة في عقد النكاح ألا يخرجها من بلدها الذي هي قاطنة به ، قيل : لزم الشرط ، والقائل بذلك الشيخ في النهاية (٢) ، وابن البراج (٣) ، وابن حمزة (٤) ، والمصنف في المختلف (٥).

والرواية المشار إليها هي رواية أبي العباس الصحيحة عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يتزوج امرأة ويشترط لها أن لا يخرجها من بلدها ، قال : « يفي لها بذلك أو قال : يلزمه ذلك » (٦).

وذهب الشيخ في المبسوط والخلاف إلى بطلان الشرط (٧) ، وكذا ابن إدريس (٨) ، لأن الاستمتاع بالزوجة في الأزمنة والأمكنة حق للزوج في أصل الشرع ، وكذا السلطنة له عليها في ذلك حق له ثابت ، فإذا شرط ما يخالفه وجب أن يكون باطلا ،

__________________

(١) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٤٩.

(٢) النهاية : ٤٧٤.

(٣) المهذب ٢ : ٢١٢.

(٤) الوسيلة : ٣٥٠.

(٥) المختلف : ٥٢٦.

(٦) الكافي ٥ : ٤٠٢ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٧٢ حديث ١٥٠٦.

(٧) المبسوط ٤ : ٣٠٣ ، الخلاف ٣ : ١٠ مسألة ٣٢ كتاب الصداق.

(٨) السرائر : ٣١٢.

٣٩٨

ولو شرط لها مهرا إن لم يخرجها من بلدها ، وأزيد إن أخرجها ، فأخرجها إلى بلد الشرك لم يلزم اجابته ولها الزائد.

وإن أخرجها إلى بلد الإسلام كان الشرط لازما ، وفيه نظر.

______________________________________________________

وهو الأقوى.

وتحمل الرواية على الاستحباب ، ولا يبطل العقد ، لدلالة الرواية على صحته.

إذا تقرر ذلك ، فعلى القول باللزوم لو شرط لها أن لا يخرجها من منزلها هل يتعدى الحكم باللزوم من المسألة الاولى إلى هذه؟ فيه إشكال ينشأ : من أن ذلك غرض مطلوب للعقلاء وليس بممنوع منه شرعا ، فجاز اشتراطه ، لعموم قوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (١). ومن أن اشتراط ذلك على خلاف الأصل ، لما قلناه من أن سلطنة إسكان الزوجة بيد الزوج ، فيقتصر فيه على مورد النص ، والأصح عدم التعدي.

قوله : ( ولو شرط لها مهرا إن لم يخرجها من بلدها ، وأزيد إن أخرجها ، فأخرجها إلى دار الشرك لم يلزم اجابته ولها الزائد ، وإن أخرجها إلى بلاد الإسلام كان الشرط لازما ، وفيه نظر ).

القول بلزوم الشرط على الوجه المذكور قول الشيخ في النهاية (٢) ، وابن البراج (٣) ، وابن حمزة (٤). ومستنده ما روي في الحسن عن علي بن رئاب عن الكاظم عليه‌السلام قال : سئل وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة على مائة دينار على أن تخرج معه الى بلاده ، وإن لم تخرج معه فمهرها خمسون دينارا ، أرأيت إن لم تخرج معه الى بلاده؟ قال : فقال : « إن أراد أن يخرج بها الى بلاد الشرط فلا شرط له عليها في ذلك ،

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.

(٢) النهاية : ٤٧٤.

(٣) المهذب ٢ : ٢١٢.

(٤) الوسيلة : ٣٥٠.

٣٩٩

ولو شرط عدم الإنفاق بطل الشرط.

الرابع : استلزام ثبوته نفيه ، كما لو قبل نكاح عبد جعل رقبته صداقا لحرة أو لمن انعتق بعضها ، فإن النكاح يبطل.

______________________________________________________

ولها مائة دينار التي أصدقها إياها. وإن أراد أن يخرج بها الى بلاد المسلمين ودار الإسلام فله ما اشترط عليها والمسلمون عند شروطهم ، وليس له أن يخرج بها الى بلاده حتى يؤدي لها صداقها ، أو ترضى من ذلك بما رضيت وهو جائز له » (١).

وفي هذه الرواية مخالفة لأصول المذهب من وجهين :

أحدهما : إن الصداق غير معيّن ، بل هو خمسون على تقدير ، ومائة على تقدير آخر.

والثاني : وجوب المائة على تقدير ارادة الخروج بها الى بلاد الشرك ، وان لا شرط له عليها ، وذلك خلاف الشرط ، لأن استحقاقها للمائة إنما هو على تقدير خروجه بها الى بلاده على ما عيّن في العقد ، ومع ذلك فليست من الصحيح.

وجمع من الأصحاب لا يعملون بها ، فلا تكاد تنهض حجة في العدول عن مقتضى أصول المذهب. ومنشأ النظر الذي ذكره المصنف : من عموم الآية والرواية بالوفاء بالشرط ، ومن مخالفة الشرط ، لما دل عليه الكتاب والسنة من كون سلطنة الإسكان حق للزوج ، ومنافاة أصول المذهب. ولم أجد تصريحا لأحد ببطلان الشرط والعقد معا ، بل القائلون بعدم الصحة قصروا البطلان على الشرط خاصة.

قوله : ( الرابع : استلزام ثبوته نفيه ، كما لو قبل نكاح عبد جعل رقبته صداقا لحرة أو لمن انعتق بعضها ، فإن النكاح يبطل ).

السبب الرابع من أسباب فساد المهر استلزام ثبوته نفيه ، وذلك إما أن يكون باعتبار تأثيره في رفع النكاح أو لا ، وقد مثل المصنف لكل منهما بمثال معلوم.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٠٤ حديث ٩ ، التهذيب ٧ : ٣٧٣ حديث ١٥٠٧.

٤٠٠