جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧

بالوصف الرافع للجهالة مع ذكر قدره إن كان ذا قدر ، فلو أبهم فسد وصح العقد.

______________________________________________________

أو بالوصف الرافع للجهالة مع ذكر قدره إن كان ذا قدر ، فلو أبهم فسد وصح العقد ).

أي : ليس ذكر المهر شرطا وإنما يفيد ذكره في العقد التعيين والتقدير ، وإذا كان كذلك فيشترط في صحة المهر مع ذكره التعيين ليخرج عن الجهالة ، ويتحقق التعيين بأمرين :

أحدهما : المشاهدة وإن جهل كيله إن كان مكيلا ، ووزنه إن كان موزونا فالأول كقبة من طعام ، والثاني كقطعة من ذهب ، وذلك لأن معظم الغرر يندفع بالمشاهدة ، وليس النكاح من المعاوضات الحقيقية بحيث ينافيه هذا القدر اليسير من الغرر. لكن لو تلف قبل التسليم أو بعده وقد طلقها قبل الدخول أمكن وجوب مهر المثل في الأول ، وفي الثاني إشكال.

الطريق الثاني للتعيين : الوصف الرافع للجهالة ، وإنما يرفع الجهالة استقصاء الصفات المعتبرة في بيع السلم وقد سبق ذكرها.

ويعتبر مع ذلك تقديره إن كان ذا قدر كقفيز من حنطة ، بخلاف ما إذا لم يكن تعيينه محتاجا الى تقدير كعبد تركي مثلا ، فإن ذكر صفاته كاف في تعيينه ، فلو أبهم الزوجان الصداق بحيث ذكراه ولم يعيناه بواحد من الطريقين المذكورين فسد الصداق ، لأن في النكاح شبه المعاوضة والمجهول يمتنع تسليمه وصح عقد النكاح ، لما قررنا من أن الصداق ليس ركنا فيه ، وانه يجوز إخلاؤه منه.

ثم ارجع إلى العبارة واعلم أن جملة : ( وإنما يفيد ذكره التعيين ) معطوف على جملة : ( وليس ذكره شرطا ) ، وقوله : ( أو بالوصف الرافع للجهالة ) معطوف على قوله : ( اما بالمشاهدة ).

وقوله : ( وإن جهل كيله ) وصلي لما قبله وفيه لف ونشر غير مرتب ، لأن القبة‌

٣٤١

ولو تزوجهن بمهر واحد صح وقسط على مهور الأمثال على رأي.

______________________________________________________

من الطعام مما له كيل والقطعة من الذهب مما له وزن.

قوله : ( ولو تزوجهن بمهر واحد صح وقسط على مهر الأمثال على رأي ).

أي : لو تزوج رجل عدة نساء بمهر واحد صح النكاح والمهر ، لانتفاء الجهالة حيث ان المجموع معلوم ولا يضر جهالة استحقاق كل واحدة منهن ، لأن العقد جرى على الكل ، واستعلام حق كل واحدة منهن يحصل بأدنى تأمل ، فعلى هذا كيف يقسم بينهن؟ للأصحاب في كيفية ذلك قولان :

أحدهما : ـ واختاره الشيخ في المبسوط (١) ، وتبعه ابن البراج (٢) ـ انه يقسم بينهن بالسوية ، فإن كن ثلاثا فلكل واحدة ثلث المسمّى ، ويوجه ذلك بمقابلة المهر لهن والتفاضل على خلاف الأصل.

وثانيهما : ـ واختاره المصنف هنا وفي المختلف وغيرهما (٣) ، وجمع من المتأخرين ، (٤) وهو الأصح ـ أنه يقسط على مهور أمثالهن وتعطي كل واحدة منهن ما يقتضيه التقسيط ، كما إذا باع عبده وعبد غيره ، أو جمع بين بيع ونكاح.

وذلك لأن العوض المالي إذا قوبل بعوض متقوم كانت القيمة ملحوظة ، ومن ثم تكون زيادة العوض ونقصانه ناشئا عن زيادتها ونقصانها غالبا ، وقيمة البضع إنما هي مهر المثل ، فيكون قسط كل واحدة من المسمّى بحسبه لا محالة.

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٩٢.

(٢) المهذب ٢ : ٢٠٩.

(٣) المختلف : ٥٥١ ، التحرير ٢ : ٣٢.

(٤) منهم ولد العلاّمة في الإيضاح ٣ : ١٩٥.

٣٤٢

ولو تزوجها على خادم أو بيت أو دار ولم يعيّن ولا وصف ، قيل : كان لها وسط ذلك.

______________________________________________________

قوله : ( ولو تزوجها على خادم أو بيت أو دار ولم يعيّن ولا وصف قيل : كان لها وسط ذلك ).

القول المحكي في كلامه هو قول الشيخ في النهاية والمبسوط (١) ، ويلوح من ابن إدريس اختياره (٢) حيث أورده بصيغة وروي ولم يرده.

ويلوح من عبارة المصنف هنا عدم الصحة ، وكذا في المختلف (٣) ، وتردد في التحرير (٤) ، وعلى البطلان فيصح النكاح ويجب مهر المثل.

حجة الأول : أما على الخادم والبيت بما رواه الشيخ عن علي بن أبي حمزة قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : رجل تزوج امرأة على خادم قال : « لها وسط من الخدام » قال : قلت : على بيت قال : « وسط من البيوت » (٥).

واما على الدار فما رواه الشيخ أيضا عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن عليه‌السلام : في رجل تزوج امرأة على دار قال : « لها دار وسط » (٦).

والجواب : أن علي بن أبي حمزة ضعيف لا يستند إلى ما ينفرد به ، ورواية ابن أبي عمير مرسلة ومع ذلك لا يمكن العمل بها ، لأن الوسط من الدور والبيوت والخدام ليس شيئا معينا مضبوطا ، ولا هو مختلف اختلافا يسيرا ، بل هو في غاية البعد عن الضبط ، فإن الأعلى والأدنى من ذلك لا يكاد يوقف عليه.

__________________

(١) النهاية : ٤٧٣ ، المبسوط ٤ : ٣١٩.

(٢) السرائر : ٣٠٣.

(٣) المختلف : ٥٥٠.

(٤) التحرير ٢ : ٣٢.

(٥) الكافي ٥ : ٣٨١ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ٣٦٦ حديث ١٤٨٥.

(٦) التهذيب ٧ : ٣٧٥ حديث ١٥٢٠.

٣٤٣

ولو تزوجها على كتاب الله تعالى وسنة نبيه ولم يسم مهرا فمهرها خمسمائة درهم.

ولو أصدقها تعليم سورة لم يجب تعيين الحرف ، ولقنها الجائز على رأي ، ولا يلزمه غيرها لو طلبت.

______________________________________________________

والوسط إن أريد به ما بين الطرفين فمعلوم شدة اختلاف افراده وتباين قيمها ، وان ذلك مثير للتنازع والتخاصم وموقع للحاكم في التحير.

وإن أريد به أوسط ما بين الطرفين فهو أبعد ، لأن هذا لا يكاد يوقف عليه ، فالقول بعدم الصحة والرجوع الى مهر المثل لا يخلو من قوة ، لأن الشارع احكم من أن ينيط الأحكام بما لا ينضبط.

قوله : ( ولو أصدقها على كتاب الله تعالى وسنة نبيه ولم يسمّ مهرا فمهرها خمسمائة درهم ).

قد تقدم في رواية المفضل بن عمر ما يصلح أن يكون دليلا على ذلك مضافا الى الإجماع ، وكذا غيرها من الروايات المقتضية ، روى أسامة بن حفص وكان قيما لأبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : قلت له : رجل يتزوج امرأة ولم يسمّ مهرا وكان في الكلام : اتزوجك على كتاب الله وسنة نبيه فمات عنها ، أو أراد أن يدخل عليها فما لها من المهر؟ قال : « مهر السنة خمسمائة درهم » (١) الحديث.

ويشكل ذلك مع جهل الزوجين أو أحدهما بما جرت به السنة من المهر.

قوله : ( ولو أصدقها تعليم سورة لم يجب تعيين الحروف ولقنها الجائز على رأي ، ولا يلزمه غيرها لو طلبت ).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٦٣ حديث ١٤٧٠ ، الاستبصار ٣ : ٢٢٥ حديث ٨١٦.

٣٤٤

وحدّه أن تستقل بالتلاوة ، ولا يكفي تتبع نطقه ، ولو نسيت الآية الاولى عقيب تلقين الثانية لم يجب اعادة التعليم على اشكال.

______________________________________________________

المراد بالحروف هنا‌ القراءة كقراءة حمزة وغيره من السبعة أو العشرة على أقرب القولين ، والرأي الذي ذكره المصنف للشيخ في المبسوط والنهاية (١) ، وغيره من الأصحاب (٢).

ووجهه ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعيّن على من عقد له على تعليم شي‌ء من القرآن ، ولو كان شرطا امتنع الإخلال به ، فعلى هذا إذا أطلق العقد على تعليم سورة صح وبري‌ء بتعليمها الجائز من القراءات دون ما كان شاذا ، وفي قول نقله جمع من الأصحاب ـ ولا نعرف القائل به ـ انه يشترط تعيين قراءة من القراءات الجائزة ، لأنها متفاوتة في السهولة والصعوبة ، فلو لم يعين لزم الغرر ، وضعفه ظاهر ، والمذهب الأول.

وعلى هذا فلو طلبت غير الجائز على إطلاقه الصادق على مطلق القراءات ، أو الملفق منها بأن طلبت قراءة خاصة أو نحو ذلك لم يجب عليه الإجابة ، لأن الواجب أمر كلي ، فهو مخيّر في تعيينه وإيجاده في ضمن أي فرد شاء.

ولا يخفى أن جواز الاصداق لا ينحصر في السورة ، بل كل ما يعتد به ويكون مقصودا يصح إصداقه لا نحو قوله تعالى ( مُدْهامَّتانِ ) (٣).

قوله : ( وحده أن تستقل بالتلاوة ولا يكفي تتبع نطقه ، ولو نسيت الآية الأولى عقيب تلاوة الثانية لم يجب اعادة التعليم على اشكال ).

أي : حد التعليم الذي سبق ذكر جعله صداقا في النكاح.

ولا ريب أن ما يشترط لصحة الإجارة على المنافع ، من تعليم وخياطة وبناء‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٧٣ ، النهاية : ٤٦٩.

(٢) منهم ابن البراج في المهذب ٢ : ١٩٩.

(٣) الرحمن : ٦٤.

٣٤٥

______________________________________________________

وغيرها كاشتراط تقديرها بالعمل أو بالزمان أو بغير ذلك ، فيشترط في إصداق المنفعة سواء ، ويتحقق التسليم بإيجاد تلك المنفعلة وإدخالها تحت يد الزوجة ، ولا خفاء في ذلك بالنسبة إلى أغلب المنافع.

لكن في التعليم خفاء بالنسبة الى بعض الأفراد ، وقد حده المصنف باستقلالها بالتلاوة.

ولا شبهة في أن التعليم لا يتحقق من دون الاستقلال بها ، فلا يكفي تتبع نطقه وإنما الإشكال في شيئين :

أحدهما : مقدار ما يتحقق بالاستقلال بتلاوة التعليم.

والثاني : مقدار مدة بقاء ذلك الاستقلال حتى لا يقدح فيه تعقب النسيان له.

أما الأول فلا ريب عندهم في أن الاستقلال بتلاوة ما دون الآية لا يعد تعليما وإنما هو مذاكرة وإن علمها مقدار ثلاث آيات ، فمقتضى كلام الشيخ في المبسوط القطع بأنه يتحقق بذلك التعليم ، لأن أقل ما يقع به الاعجاز ثلاث آيات مثل سورة قصيرة : فإن علمها آية فقط ففي تحقق الإقباض بذلك وجهان ، هما طرفا الإشكال في كلام المصنف.

أحدهما : نعم ، لأن إيجاب تعليم مجموع الآيات يقتضي إيجاب تعليم الآية الواحدة ، فإذا أتى به برئت ذمته منه وقواه في المبسوط (١).

والثاني : لا ، لما قلناه من أن الإعجاز إنما يقع بثلاث آيات ، فما يترتب على المجموع لا يترتب على البعض ، هذا حاصل ما وجهوا به ، وقضيته أن الاثنتين كالواحدة.

وفي كل من الوجهين نظر ، لأن إيجاب تعليم الآية الواحدة في ضمن مجموع‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٧٤.

٣٤٦

______________________________________________________

لا يستلزم براءة ذمة الزوج من تعليمها ، لانتقاضه بالجملة الواحدة بل الكلمة ، وكون الاعجاز لا يقع إلاّ على ثلاث آيات لا يستلزم نفي الإقباض عن تعليم ما دون الثلاث ، والملازمة غير ظاهرة.

واما الثاني : فلا ريب أن الاستقلال بالتلاوة إذا صار ملكه صدق الإقباض وتحقق البراءة ، وإن كان بحيث إذا استقل بتعليم الآية الثانية مثلا نسيت الأولى ففي تحقق الإقباض به وجهان :

أحدهما : نعم ، لأن النسيان الطارئ بتفريطها فلا يخل بالتعليم.

والثاني : العدم ، لأن ما لا ثبات له لا يعد تعليما. وأقول : إن الظاهر من كلام الجماعة كالشيخ في المبسوط (١) ، والمصنف في التحرير (٢) أن كلما لا يعد الاستقلال بتلاوته تعليما من آية واحدة أو ثلاث على الوجهين لا يضر عروض النسيان له بالانتقال الى غيره ، فيكون الإشكال في كلامه ناظرا الى تعيين ما يعد الاستقلال بتلاوته تعليما خاصة.

ولقائل أن يقول : إن المتبادر إلى الأفهام من التعليم في العادة إما التلقين إلى أن يصير المحفوظ ثابتا ، أو التدريب للقراءة في المصحف بحيث يستقل بنفسه بالقراءة فيه ، وبدون الأمرين لا يكاد يصدق التعليم ، ولا خفاء في أن المعقود عليه اعني التعليم أمر عرفي ، فيجب اتباع العرف فيه لا محالة.

والذي يقتضيه النظر اتباع العرف في ذلك ، فإن كان هناك معنى معلوم واحد وجب العمل عليه وإن اضطرب العرف ، أو لم يكن هناك معنى واحد اشترط التعيين.

وينبغي أن يكون هذا البحث إذا كان المعقود عليه آيات ، فلو كان آية واحدة أو آيتين فينبغي الجزم بالاكتفاء بتعليمها.

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٧٤.

(٢) التحرير ٢ : ٣١.

٣٤٧

ولو لم يحسن السورة صح ، فإن تعذر تعلمها أو تعلمت من غيره فعليه الأجرة ، وكذا الصنعة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو لم يحسن السورة صح ).

لو أصدقها تعليم سورة وهو يعلمها فحكمه ما سبق ، ولو كان لا يعلمها فإن التزم التعليم في الذمة بأن قال : علي أن أحصل لك تعليم ذلك جاز لا محالة ، وإن قال : علي أن أعلّمك أنا ففي الصحة وجهان :

أحدهما : وبه جزم المصنف هنا وقربه في التحرير انه يصح ، لأنه يمكنه أن يتعلمها ويعلم كما لو أصدقها ألفا وهو لا يملك شيئا (١).

والثاني : العدم ، كما لو أصدقها منفعة عبد وهو لا يملكه. ويمكن الفرق بأن منفعة العبد المعيّن غير مملوكة له ويستحيل ثبوتها في الذمة ، بخلاف موضع النزاع ، والمنافع أموال فكما يجوز العقد على مال يحصله بالكسب كذا ينبغي أن يجوز على منفعة يحصلها بالتعليم ، وليس القول بالصحة بذلك البعيد ، فعلى هذا إن أمهلته إلى أن يتعلم فلا بحث ، وإلاّ ففي وجوب الصبر الى التعلم أو اجرة المثل أو مهر المثل أوجه.

قوله : ( فإن تعذر تعلمها أو تعلمت من غيره فعليه الأجرة ).

المراد انه إذا أصدقها تعليم سورة وتعذر تعلمها إما لبلادتها ، أو لموتها ، أو لموت الزوج حيث يشترط كون التعليم منه ، أو تعلمت من غيره فعليه اجرة المثل ، لأنها عوض التعليم ، وهذا أحد الوجهين.

والآخر انه يجب مهر المثل ، لتعذر المسمّى ، والأول أقوى ، لإمكان العوض.

ولو احتاج في تعليمها إلى مشقة عظيمة وطول زمان زائد على العادة كثيرا فليس ببعيد الحاقه بالمتعذر.

قوله : ( وكذا تعليم الصنعة ).

__________________

(١) التحرير ٢ : ٣١.

٣٤٨

ولو عقد مرتين على مهرين فالثابت الأول ، سرا كان أو جهرا.

والمهر مضمون في يد الزوج إلى أن يسلّمه ، فإن تلف قبله بفعل المرأة بري‌ء وكان قبضا.

وإن تلف بفعل أجنبي تخيّرت بين الرجوع على الأجنبي أو الزوج ، ويرجع الزوج عليه.

______________________________________________________

أي : وكذا تعليم الصنعة‌ إذا جعله صداقا في أن تعلمها إنما يتحقق باستقلالها بفعلها ، وكذا باقي الأحكام التي سبقت جميعها ، ولا يكاد يشك في أن تعليم الصنعة إنما يصدق عرفا إذا صارت ملكه.

ولا يخفى انه يشترط في الصنعة أن تكون محللة ، ومثل تعليم القرآن والصنعة تعليم الفقه والحكم والآداب ، وما جرى هذا المجرى ، حتى الشعر إذا لم يكن محظورا.

قوله : ( ولو عقد مرتين على مهرين فالثابت الأول ، سرا كان أو جهرا ).

وذلك لأنها بالعقد الأول تصير زوجة. يجب المسمّى فيه ، فيكون العقد الثاني باطلا. وأشار بقوله : ( سرا كان أو جهرا ) الى خلاف الشافعي ، ففي قول له أن المهر مهر السر ، وفي آخر أن المهر مهر العلانية (١) ، ونزل الأول اصابه على ما إذا تقدّم العقد على مهر في السر ، ثم جي‌ء بلفظ العقد في العلانية ، بأكثر من مهر السر تجملا ، والثاني على ما إذا تواعدوا المهر الأقل سرا وعقدوا على الأكثر علانية.

قوله : ( والمهر مضمون في يد الزوج إلى أن يسلّمه ، فإن تلف قبله بفعل المرأة بري‌ء وكان قبضا ، وإن تلف بفعل أجنبي تخيّرت بين الرجوع على الأجنبي أو الزوج ، ويرجع الزوج عليه.

__________________

(١) انظر : المجموع ١٦ : ٣٢٧.

٣٤٩

وإن تلف بفعل الزوج أو بغير فعل أحد رجعت عليه بمثله ، فإن لم يكن مثليا فالقيمة ، فيحتمل أكثر ما كانت من حين العقد إلى حين التلف ، لأنه مضمون في جميع الأحوال ، وحين التلف ، لأنه مضمون بغير تعد منه

أما لو طالبته بالتسليم فيمنعها ، فعلى الأول يضمنه بأكثر ما كانت قيمته من حين العقد إلى حين التلف ، وعلى الثاني بأكثر ما كانت قيمته من حين المطالبة إلى حين التلف ، لأنه غاصب.

______________________________________________________

وإن تلف بفعل الزوج أو بغير فعل أحد رجعت عليه بمثله ، فإن لم يكن مثليا فالقيمة ، فيحتمل أكثر ما كانت من حين العقد إلى حين التلف ، لأنه مضمون في جميع الأحوال ، وحين التلف لأنه مضمون بغير تعد منه. أما لو طالبته بالتسليم فمنعها : فعلى الأول يضمنه بأكثر ما كانت قيمته من حين العقد إلى حين التلف ، وعلى الثاني أكثر ما كانت قيمته من حين المطالبة إلى حين التلف ، لأنه غاصب ).

هنا مسائل :

الأولى : المهر قبل تسليمه الى الزوجة مضمون في يد الزوج لا محالة ، لكن هل ضمانه كضمان المبيع في يد البائع ، أم كضمان المقبوض بالسوم وما جرى مجراه؟

المعروف عند أصحابنا الثاني ، وأصحهما عند الشافعية الأول ، ويعبر عن الأول بضمان العقد ، وعن الثاني بضمان اليد.

وجه الأول : إن الصداق مملوك بعقد معاوضة ، فكان كالعوض في البيع.

ووجه الثاني : إنه ليس عوضا حقيقيا ، فإن النكاح لا ينفسخ بتلفه ولا يفسد بفساده ولا يتزلزل بتزلزله ، ولا شي‌ء من الأعواض الحقيقية كذلك. ومن ثم سماه الله تعالى في كتابه صدقة ونحلة ، فعلى المذهب لو كان معينا وتلف بنفسه قبل القبض يكون تلفه على ملك الزوجة ، فتجب مؤن تجهيزه لو كان عبدا ، ويجب على الزوج مثله لو‌

٣٥٠

______________________________________________________

كان مثليا وقيمته إن كان قيميا.

وعلى الأول يجب مهر المثل كما لو تلف المبيع في يد المشتري قبل تسليم الثمن ، فإن البيع ينفسخ ويجب مثل المبيع أو قيمته.

الثانية : إذا تلف الصداق قبل التسليم : فإما أن يكون بإتلاف الزوجة ، أو بإتلاف الزوج ، أو بإتلاف أجنبي ، أو بغير فعل أحد.

فإن كان بإتلاف الزوجة كان قبضا منها له ، فيبرأ الزوج قطعا.

وإن كان بإتلاف أجنبي تخيّرت بين الرجوع بعوضه على الزوج وعلى الأجنبي لا محالة ، ولا يتطرق اليه احتمال الانفساخ ، فإن رجعت على الزوج رجع هو على الأجنبي ، وإن رجعت على الأجنبي لم يرجع على الزوج.

وإن كان بإتلاف الزوج ، أو كان بغير فعل أحد منهم فالواجب هو المثل في المثلي والقيمة في القيمي.

وكل ذلك متفرع على المختار عند الأصحاب ، وعلى القول بضمان العقد فالواجب مهر المثل إذا كان التلف بغير فعل أحد ، ويتخير بإتلاف الأجنبي بين الفسخ فيطالب الزوج بمهر المثل ، وعدمه فترجع على من شاءت منهما بالمثل أو القيمة.

الثالثة : متى ثبت لها مطالبة الزوج بالقيمة ، ففي تعين القيمة التي يستحق المطالبة بها احتمالان :

أحدهما : أعلى القيم وأكثرها من حين العقد الى حين التلف ، لأنه مضمون في جميع الأحوال ، ومن جملتها زمان علو القيمة ، فلا تسقط الزيادة بتجدد النقص.

والثاني : قيمة يوم التلف ، لأن العين ما دامت موجودة لا تجب القيمة قطعا إنما يجب رد العين ، ومعنى ضمانها حينئذ كونها بحيث لو تلفت وجب الانتقال الى البدل‌

٣٥١

ولو تعيّب في يده قيل : تخيرت في أخذه أو القيمة ، والأقرب أخذه وأخذ أرشه

______________________________________________________

فيكون الانتقال اليه حين التلف ، وهو الأصح.

وتعليل المصنف هذا الاحتمال بأنه مضمون بغير تعد منه ضعيف ، لأن التعدي لا دخل له في إيجاب ما لم يقم الدليل على وجوبه ، فكأنه يلحظ في ذلك أن التعدي يناسبه التغليظ ، وضعفه ظاهر.

ويجي‌ء احتمال ثالث مذكور في نظائره ، وهو وجوب قيمته يوم الاصداق ، لأنها التي يتناولها العقد ، والأصح وجوب القيمة حين التلف.

الرابعة : الاحتمالان المذكوران في تعيين القيمة إنما يأتيان على تقدير عدم مطالبة الزوج بالتسليم ، أو مطالبتها حيث لم يحصل منه منع ، فإن طالبته في محل وجوب التسليم منع.

فعلى الاحتمال الأول يضمن أعلى القيم من حين العقد الى حين التلف.

وعلى الثاني يضمن أعلاها من حين المطالبة إلى حين التلف ، فإن علل الاحتمال الثاني بانتفاء التعدي وقد ثبت التعدي بالمنع فيجب أعلى القيم من حينه ، وقد بينا ضعف ذلك ، فالأصح وجوب قيمته حين التلف مطلقا.

قوله : ( ولو تعيب في يده ، قيل : تخيرت في أخذه أو القيمة ، والأقرب أخذه وأخذ أرشه ).

القول المحكي قول الشيخ في المبسوط (١) ، ووجهه أن الصداق مضمون على الزوج ، والعقد إنما جرى عليه سليما ، فإذا تعيب كان لها رده والمطالبة بالسليم ، وإن شاءت أخذته.

والأقرب عند المصنف تحتم أخذه والمطالبة بأرشه ، لأن الموجود حقها ، لان‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٣٢١.

٣٥٢

ولها أن تمتنع قبل الدخول من تسليم نفسها حتى تقبض المهر ، سواء كان الزوج موسرا أو معسرا.

______________________________________________________

الغرض أن العقد جرى على العين فتأخذه وتطالب ببدل التالف وهو الأرش ، لأنه مضمون على الزوج.

وأقول : إن قول الشيخ بتخيرها لا أرى له وجها على القول بضمان اليد ، لأن تعيب المغصوب في يد الغاصب لا يوجب الخيار إنما يوجب الأرش.

قوله : ( ولها أن تمنع قبل الدخول من تسليم نفسها الى الزوج حتى تقبض المهر ، سواء كان الزوج معسرا أو موسرا ).

لا كلام في أن للزوجة أن تمتنع قبل الدخول من تسليم نفسها الى الزوج حتى تقبض الصداق ، إذا كان ذلك قبل الدخول وكان المهر حالا ، سواء كان المهر عينا أو منفعلة متعينا أو في الذمة ، لأن في النكاح معنى المعاوضة.

ولا ريب أن لكل من المتعاوضين الامتناع من التسليم إلى أن يسلم اليه الآخر ، فيجبرهما الحاكم معا على التقابض ، لعدم الأولوية ، بأن يأمر الزوج بوضع الصداق عند عدل ويأمرها بالتمكين ، ولا يختلف هذا الحكم بإعسار الزوج وإيساره.

ويفهم من عبارة ابن إدريس في السرائر إنه ليس لها الامتناع مع الإعسار ، لمنع مطالبته (١).

ويضعف بأن منع المطالبة لا يقتضي وجوب التسليم قبل قبض العوض. إذا تقرر ذلك فمع اليسار يستحق النفقة إذا بذلت التمكين بشرط المهر ويأثم الزوج بالمنع ، وفي استحقاقها بذلك مع الإعسار وجهان :

أحدهما : لا ، واختاره شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد ، لانتفاء التمكين ، إذ هو معلق بأمر ممتنع عادة.

__________________

(١) السرائر : ٣٠٣.

٣٥٣

وهل لها ذلك بعد الدخول؟ خلاف.

______________________________________________________

والثاني : نعم كما في الموسر ، لاشتراكهما في بذل التمكين بشرط تسليم المهر ، وامتناع التسليم عادة لا دخل له في الفرق مع جواز الامتناع.

قوله : ( وهل لها ذلك بعد الدخول؟ خلاف ).

اختلف كلام الأصحاب في أن المرأة إذا سلمت نفسها للزوج فدخل بها ، هل لها الامتناع بعد ذلك حتى تقبض المهر؟ على قولين :

أحدهما : ـ وهو ظاهر إطلاق الشيخ في النهاية (١) ، وظاهر إطلاق ابن البراج في كتابيه (٢) ، وبه قال المفيد (٣) ـ أن لها ذلك ، وهو الذي قواه في المبسوط (٤) ، لأن المقصود بعقد النكاح منافع البضع ، فيكون المهر في مقابلها ، ويكون تعلق الوطء الأول به كتعلق غيره.

والثاني : ـ وهو مختار الشيخ في الخلاف (٥) ، وابي الصلاح (٦) ، والسيد المرتضى في الانتصار (٧) ، وعامة المتأخرين (٨) ـ إنه ليس لها ذلك ، وهو الأصح ، للإجماع على أن المهر يستقر بالوطء الأول ، فلا يكون لما عداه به تعلق ، وقد حصل تسليمها نفسها برضاها واستقر المهر ، فانحصر حقها في المطالبة دون الامتناع ، ولأن النكاح معاوضة ، ومتى سلّم أحد المتعاوضين العوض الذي من قبله باختياره لم يكن له بعد ذلك حبسه لتسليم العوض الآخر ، ولأن منعها نفسها قبل الدخول لأجل المهر ثابت بالإجماع ، أما بعده‌

__________________

(١) النهاية : ٤٧٥.

(٢) المهذب ٢ : ٢١٤.

(٣) المقنعة : ٧٨.

(٤) المبسوط ٤ : ٣١٣.

(٥) الخلاف ٣ : ١٢ مسألة ٣٩ كتاب الصداق.

(٦) الكافي في الفقه : ٢٩٤.

(٧) الانتصار : ١٢٢.

(٨) منهم ولد العلاّمة في الإيضاح ٣ : ١٩٧ ، والشهيد في اللمعة : ١٩٧.

٣٥٤

ولو كان مؤجلا لم يكن لها الامتناع ، فإن امتنعت وحلّ لم يكن لها الامتناع على رأي ، لاستقرار وجوب التسليم قبل الحلول.

______________________________________________________

فلا دليل عليه فينتفي بالأصل ، فإن التسليم حق عليها والمهر حق عليه ، والأصل عدم تعلق أحد الحقين بالآخر ، فيتمسك به الى أن يثبت الناقل وهو منتف هنا.

فرع : لو دخل بها كرها فهل حق الامتناع باق بحاله أم لا؟ فيه وجهان :

أحدهما : لا ، لصدق القبض.

والثاني : نعم ، لأنه قبض فاسد ، لعدم جوازه شرعا فلا يترتب عليه أثر الصحيح ، ولأصالة البقاء إلى أن يثبت الناقل ، وليس بثابت.

ولو سلم ولي المجنونة ومن جرى مجراها قبل قبض الصداق فهل لها الامتناع بعد الكمال؟ يحتمل ذلك.

ويحتمل أن يقال : هل يجب على الولي حبسها حتى تقبض المهر كما في المعاوضات المالية؟ إن قلنا نعم كان لها الامتناع لا محالة.

قوله : ( ولو كان مؤجلا لم يكن لها الامتناع ، فإن امتنعت وحل لم يكن لها الامتناع على رأي ، لاستقرار وجوب التسليم قبل الدخول ).

ما سبق حكم الصداق إذا كان كله حالا وإن أطلق العبارة ولم يقيد بالحلول ، لأن ذكر المؤجل بعده يقتضي ذلك ، فأما إذا كان كله مؤجلا فليس لها الامتناع قبل حلول الأجل قطعا ، إذ لا يجب لها عليه شي‌ء حينئذ ، فيبقى وجوب حقه عليه بغير معارض ، فإن أقدمت على فعل المحرم فامتنعت الى أن حل الأجل. فهل لها الامتناع حينئذ الى أن تقبضه؟ فيه قولان :

أحدهما : نعم ، لمساواته بعد حلوله الحال من أول الأمر ، ويظهر من عبارة الشارح الفاضل السيد اسناد هذا القول الى ظاهر كلام الشيخ في النهاية (١) ، حيث‌

__________________

(١) النهاية : ٤٧٥.

٣٥٥

وإنما يجب تسليمه لو كانت متهيأة للاستمتاع ، فإن كانت محبوسة أو ممنوعة بعذر لم يلزم.

ولو كانت صبية فالأقرب وجوب التسليم مع طلب الولي.

______________________________________________________

قال : للمرأة أن تمتنع من زوجها حتى تقبض منه المهر ولم يفصل بين الحال والمؤجل ، لكن المصنف قال في المختلف : إن الخلاف إنما هو في المهر الحال أما المؤجل فلا (١).

والثاني : لا ، لاستقرار وجوب التسليم قبل الحلول فيجب استصحابه ، ولأنها لما رضيت بالتأجيل بنت أمرها على أن لا حق لها في الامتناع ، فيمتنع ثبوته بعد ذلك لانتفاء المقتضي ، وهو الأصح.

فرع : لو كان بعض المهر مؤجلا وبعضه معجلا كان للبعض المؤجل حكم المهر المؤجل وللمعجل حكم المعجل.

قوله : ( وإنما يجب تسليمه لو كانت مهيأة للاستمتاع ، فإن كانت محبوسة أو ممنوعة لعذر لم يلزم ).

إنما يجب تسليم المهر إذا كانت الزوجة مهيأة للاستمتاع مستعدة له لا مانع لها منه ، فإن كانت محبوسة بحق أو باطل لم يجب عليه تسليمه ، لأن الواجب هو التسليم من الجانبين ، فإذا تعذر من أحدهما لم يجب من الجانب الآخر. وكذا لو كانت ممنوعة لعذر شرعي كالمحرمة والمعتدة عن وطء الشبهة.

قوله : ( ولو كانت صبية فالأقرب وجوب التسليم مع طلب الولي ).

هذا في حكم الاستثناء من إطلاق ما قبله ، فإن الصغيرة وهي من لم تستكمل تسع سنين غير مهيأة للاستمتاع ، فإنه لا يجوز له الدخول بها قطعا ، ومع ذلك فالأقرب عند المصنف وجوب تسليم مهرها إذا طلبه الولي ، ولو طلب الزوج تسليمها اليه لما عدا الوطء من الاستمتاعات ففي الوجوب وجهان :

__________________

(١) المختلف : ٥٤٧.

٣٥٦

______________________________________________________

أحدهما : يجب ، لأن الممنوع الوطء دون غيره ، وباقي الاستمتاعات حق له فيجب التسليم بها.

والثاني : لا ، لأن الصغيرة ليست محل الاستمتاع وإمساكها شرعا حضانة ، والزوج ليس أهلا لها ، وإنما هي حق للأقارب. وأيضا فإن الزوج إذا خلا بها لم يؤمن أن يأتيها فتتضرر ، وربما أدى ذلك إلى إفضائها وهلاكها ، وعلى هذا لو بذلت له على هذا الوجه لم يجب القبول.

إذا تقرر ذلك فوجه قرب وجوب التسليم أنه حق ثابت حال طلبه من له حق الطلب ، فوجب دفعه كغيره من الحقوق الثابتة.

لا يقال : النكاح معاوضة وحكم المعاوضات عدم وجوب تسليم أحد العوضين إلاّ مع تسليم الآخر ، وصغر الزوجة مانع من وجوب تسليمها فلا يجب تسليم الصداق.

لأنا نقول : إن الزوج لما عقد على الصغيرة بمهر حال أوجب على نفسه العوض في الحال ، ورضي بتأخير قبض العوض الى زمان البلوغ ، بناء على القول بعدم وجوب تسليمها الى الزوج ، فلم يكن له منع التسليم الى زمان التسليم كما لو تزوجت الكاملة بمهر معلوم مؤجل ، فإنه يجب عليها تسليم نفسها قبل قبض المهر.

ويحتمل عدم الوجوب ، وهو اختيار الشيخ في النهاية (١) ، وجزم به أبو الصلاح (٢) ، كما لا يجب تسليم النفقة ، لأن الاستمتاع غير ممكن.

وضعفه ظاهر ، لأنه بعقد النكاح أوجب على نفسه المهر لمن يتأخر الاستمتاع بها الى زمان بلوغها ، وليست النفقة كذلك ، لأن سبب وجوبها هو التمكين التام دون العقد.

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٣١٣.

(٢) الكافي في الفقه : ٢٩٤.

٣٥٧

ولو منعت من التمكين لا للتسليم ففي وجوب التسليم اشكال.

______________________________________________________

قوله : ( ولو منعت من التمكين لا للتسليم ففي وجوب التسليم إشكال ).

أي : لو منعت الزوجة نفسها من الزوج فلم تمكنه من نفسها وهي مهيأة للاستمتاع ، والصداق حال تستحق المطالبة به ، وعلم منها أن منعها نفسها ليس لأجل تسليم المهر ، ففي وجوب تسليم المهر على الزوج لو طلبته في هذه الحالة إشكال ينشأ : من أن منعها نفسها من التمكين الى زمان تسليم المهر على الوجه الذي قدمناه حق ثابت لها ، غير مسقط لوجوب تسليمها المهر مع طلبها إياه.

ولا فرق بين كون المنع لأجل التسليم أو لأجل غيره ، لعدم اختلاف المنع على التقديرين ، والاختلاف إنما هو في القصد.

ومن أن المستحق لها هو المنع لتسليم المهر ، لأن ذلك هو مقتضى المعاوضة لا المنع لغيره ، فإذا منعت لغير التسليم انتفى البذل المعتبر شرعا في وجوب التسليم.

واعلم أن تحرير الكلام في هذا المبحث يستدعي أمورا :

الأول : الزوجان بالنسبة إلى تسليم البضع والمهر عند الطلب منهما : إما أن يتفقا على التسليم ، أو يختلفا. فإن اتفقا فلا بحث ، وإن اختلفا : فإما أن يبذل واحد منهما ما عليه ويمتنع الآخر ، أو يمتنع كل منهما من التسليم حتى يسلم الآخر. فإن بذل أحدهما ما عليه وتمكن الآخر من تسليمه اجبر الآخر على التسليم إجماعا ، وإن قال كل منهما : لا أسلّم حتى اتسلم ، ففيه وفي نظائره من المعاوضات ثلاثة أقوال :

الأول : أن يجبر الزوج على تسليم الصداق أولا ثم تسلم نفسها.

الثاني : لا يجبر واحد منهما ، لكن إذا بادر أحدهما إلى التسليم اجبر الآخر.

الثالث : أنهما يجبران معا ، بأن يؤمر الزوج بوضع الصداق عند عدل وتؤمر بالتمكين ، فإذا مكنت سلّم العدل الصداق إليها.

٣٥٨

______________________________________________________

ولم يذكر الشيخ في المبسوط إلاّ القولين الأخيرين وقوى الثالث (١) ، وحكاه المصنف عنه في التحرير (٢) ، ولم يصرح بقبوله ولا رده ، والأشهر في جميع المعاوضات إجبار المتعاوضين معا على التسليم ، وبه صرح شيخنا في شرح الإرشاد حتى في النكاح ، وكلام المصنف هنا محتمل لكل من القولين الأول والثالث.

لا يقال : ظاهره الأول ، لأن جواز منعها نفسها حتى تقبض الصداق يقتضي وجوب تسليم الزوج أولا.

لأنا نقول : لا نسلم أن لكل منهما المنع الى أن يتسلم من الآخر ، فلا يكون تجويز المنع للزوجة إلى زمان القبض منافيا لثبوته مثله للزوج.

نعم يظهر من استشكال وجوب تسليم المهر على تقدير منع التمكين لا للتسليم ترجيح الثالث ، إذ لو وجب تسليم الزوج أولا لوجب عليه التسليم ، فإذا سلم فلم تسلم أجبرت على التمكين ولم يتجه الإشكال.

فإن قيل : قوله سابقا : ( وإنما يجب تسليمه لو كانت مهيأة للاستمتاع. ) يقتضي ترجيح الأول ، إذ لا فائدة فيه بدونه.

قلنا : لا يقتضيه ، وفائدته أن هذا الحكم ثابت على جميع الأقوال ، فهو مجمع عليه.

إذا تقرر ذلك فاعلم ان منعها نفسها لا لأجل تسليم الصداق وإن كان حراما عليها ، إلاّ أن إجبار الحاكم كلا منهما على تسليم ما عليه على الوجه السابق لا يسقط بذلك ، ولا يتعين به الحكم.

الثاني : ذكر الشارح الفاضل ولد المصنف لبيان أحد وجهي الاشكال أن‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٣١٦.

(٢) التحرير ٢ : ٣٣.

٣٥٩

ولو مكنت كان لها الطلب وإن لم يطأ ، فإن رجعت إلى الامتناع سقط طلبها ، إلاّ إذا وطأها فإن المهر يستقر بالوطء مرة.

______________________________________________________

وجوب التمكين موقوف على تقدير وجوب التسليم (١) ، وهذا إنما يتم على القول بوجوب تسليم الزوج المهر أولا ، وعلى هذا القول يسقط الإشكال ، لأنه يجب على الزوج التسليم أولا ، فإذا سلم ولم تسلم نفسها أجبرها الحاكم على ذلك.

الثالث : حمل الشارح السيد العبارة على ان الاشكال في وجوب تسليمها نفسها ، فيكون تقديرها : ولو منعت من التمكين لا لتسليم المهر إليها ففي وجوب تسليمها نفسها اشكال ، وهو خلاف المتبادر من العبارة ، ولو أراد ذلك لكان الأنسب أن يقول : ففي وجوب التمكين اشكال.

وكيف قدرنا فلا يختلف الحكم ، فيأمر الحاكم الزوج بتسليم المهر الى عدل ، ثم يأمرها بالتمكين مع طلب الزوج ، لأنه إنما يستحق التمكين بعد بذل المهر قضاء لحق المعاوضة ، فإذا لم تطلبه أبقى في يد العدل إلى أن تطلبه ، ولو صرحت بالرضى ببقائه في يد الزوج أو ذمته ولم يمكن فالظاهر أنها تجبر على التمكين بدون تسليم المهر ، لأنها أسقطت حقها من تقديم تسليمه.

قوله : ( ولو مكنت كان لها المطالبة وإن لم يطأ فإن رجعت الى الامتناع سقط طلبها ، إلاّ إذا وطأها فإن المهر يستقر بالوطء مرة ).

أي : لو بادرت الى تمكين الزوج من نفسها متبرعة بذلك كان لها طلب الصداق إجماعا ، ويجب على الزوج بذله قطعا ، سواء وطأ أو لم يطأ ، لأن التأخير منه.

فإن رجعت الى الامتناع ، نظر فإن كان قبل الوطء كان لها ذلك كما كان قبل التمكين سواء ، لأن القبض بالنسبة إلى المعقود عليه هو الوطء ، وحينئذ فيسقط طلبها‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ١٩٨.

٣٦٠