جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧

______________________________________________________

ووجه القرب : إن الأصل في العوض وجوبه على من ملك المعوض ، فإن ذلك مقتضى المعاوضة ، وإنما يجب على غير المعاوض كما في المملوك إذا زوجه مولاه فإنه لا يملك شيئا ، فإذا وقع النكاح باذن المولى وجب عليه المهر لئلا يلزم الإضرار بالزوجة.

وكذا إذا زوّج الأب ابنه الصغير المعسر ، فإذا دفع الأب والمولى المهر كان دفعه عن الابن والعبد ، لأنه وإن وجب عليهما إلاّ أن الوجوب بالتحمل للعارض ، فإذا طلق الابن بعد بلوغه رجع نصف المهر إليه ، لأن دفعه عنه في قوة الهبة له وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

وكذا القول في العبد إذا طلّق بعد عتقه فإنه يستحق نصف المهر ، ولأن المهر قد خرج عن ملك المولى بدفعه إلى الزوجة وملكته ، فإذا اقتضى الفسخ ملكه كان ملكا مبتدأ ناشئا عن إخراج المعوض عن الملك فيكون للمعتق ، لأنه في مقابله ، ولأن وجوبه بسبب فسخ النكاح وهو متعلق بالمعتق ، ولا تعلق للمولى به فيكون له كسائر ما يكتسبه بعد الحرية ، لأن المانع من ملكيته ـ وهو رقه ـ منتف.

ويحتمل عوده الى المولى ، لأن المقتضي لوجوبه ـ وهو العقد ـ وقع متزلزلا فيكون وجوبه متزلزلا ، فإذا حصل الفسخ عاد الى المولى ، لعدم انقطاع علاقته به.

وفيه ضعف ، لأن وجوبه ثبت واستقر بالدخول وانقطعت علاقة المولى عنه ، وتزلزل العقد لا يقتضي تزلزله ، لأن الواجب بالفسخ غيره.

وقد يوجه الاحتمال بأن المهر لم يدخل في ملك العبد بحال حين دفعه المولى ، لأنه لا يملك فلا يعود إليه.

وفيه نظر ، لأن وجوبه على المولى بالتحمل عن العبد فله به علاقة ، وعدم ملكه إياه لوجود المانع وهو الرقية لا يمنع ملكه إياه بسبب الفسخ الذي هو حقه بعد زوال المانع ، ومن هذا يظهر أن ما قربه المصنف قريب.

٣٢١

ثم إن كان الغار الوكيل رجع بالجميع ، وإن كانت هي فكذلك تتبع به ، لأنه ليس برجوع في المهر ، لأن المهر استحقه السيد ورجوعه يكون في ذمتها.

ولو حصل منهما رجع بنصفه على الوكيل حالا ، ونصفه عليها تتبع به.

______________________________________________________

قوله : ( ثم إن كان الغار الوكيل رجع بالجميع ، وإن كانت هي فكذلك يتبع به ، لأنه ليس برجوع في المهر ، لأن المهر استحقه السيد ورجوعه يكون في ذمتها ، ولو حصل منهما رجع بنصفه على الوكيل حالا ونصفه عليها يتبع به ).

بعد تحقق ما سبق ينظر في الغار في كل موضع يحصل الفسخ ، فإما أن تكون الأمة ، أو وكيلها ، أو سيدها.

فإن كان الوكيل رجع عليه بالجميع ، عملا بمقتضى التغرير. وكذا إن كانت هي ، لأن الرجوع عليها ليس رجوعا بالمهر الذي حقه أن يدفع الى الزوجة ، لأن المهر استحقه السيد حتى لو كانت عينه باقية لم تسترد ، وإنما هو رجوع بعوض المهر الذي أوجبه التدليس فلا يسقط عنها منه شي‌ء ولا يطلب منها في الحال ، لأن ما بيدها للمولى ، بل يتبع به إذا أعتقت وأيسرت.

ولو كان التغرير بفعلها أو فعل الوكيل فالغرم عليها ، إلاّ أنه يرجع على الوكيل بالنصف في الحال إن شاء ، وأما هي فإنما يرجع عليها بالنصف الآخر إذا أعتقت وأيسرت.

ولا يخفى أن لفظة : ( حالا ) في عبارة الكتاب ينبغي أن تكون مخففة ، لأنها في مقابل الرجوع على الأمة في مستقبل الزمان إذا أعتقت.

وبقي قسم ثالث ، وهو ما إذا كان الغار هو السيد ولم يلزم من تغريره عتق الأمة ، فإن الرجوع عليه بالمهر إلاّ بأقل ما يمكن أن يكون مهرا على أقرب القولين.

٣٢٢

ولو أولد كان الولد رقا لمولاه إن كان المدلّس سيدها ، أو أذن لها مطلقا ، أو في التزويج به أو بأي عبد.

______________________________________________________

ولو لم يكن قد دفع إليه وقع التقاص فيما عدا الأقل المذكور فإنه متحتم اللزوم ولو لزم تغريره عتقها فلا فسخ.

قوله : ( ولو أولد كان الولد رقا لمولاه إن كان المدلّس سيدها ، أو اذن لها مطلقا ، أو في التزويج به ، أو بأي عبد ).

أي : لو أولد العبد المذكور الأمة التي اشترطت حريتها ، فإما أن يكون النكاح باذن مولاها ، اما لكونه هو الذي دلّسها ، أو لأنه اذن لها في التزويج مطلقا ، بحيث يتناول تزويجها بعبد أو حر ، فيكون تزويجها بهذا العبد داخلا في إطلاق اللفظ.

أو لأنه اذن لها في التزويج بهذا العبد بخصوصه أو بأيّ عبد كان. أو لا يكون بإذنه أصلا ، فإن كان باذن مولاها فالولد لمولى العبد ، لأن الولد الحاصل بنكاح المماليك لمن لم يأذن من الموليين إذا اذن الآخر ، وإن إذنا أو لم يأذن واحد منهما فالولد لهما معا.

وها هنا كلامان :

أحدهما : إن قضية كلام المصنف أن نكاح العبد كان باذن المولى ، ولو لا ذلك لم يجب المسمّى على السيد أو في كسب العبد ولم يكن لفسخ النكاح موقع ، لأنه حينئذ يكون فاسدا ، وعلى هذا فكيف يستقيم قوله : ( ان الولد رق لمولى الزوج ).

الثاني : ذهب الشيخ في المبسوط إلى أن الولد في الصورة المذكورة حر محتجا بأن العبد إنما دخل في العقد على ذلك ، لأن المفروض أنه تزوجها على انها حرة ، وولد الحرة حر وإن كان الزوج رقيقا ، وأوجب عليه قيمة الولد يوم سقوطه حيا لمولى الأمة.

وحكى أن في محل وجوبها ثلاثة أقوال : أحدها في كسبه ، والثاني في رقبته ، والثالث في ذمته (١).

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٥٦.

٣٢٣

د : لو غرّته المكاتبة ، فإن اختار الإمساك فلها المهر ، وإن اختار الفسخ فلا مهر قبل الدخول ، وبعده إن كان قد دفعه رجع بجميعه أو به ، إلاّ بأقل ما يمكن أن يكون مهرا ، وإن لم يدفع فلا شي‌ء أو يجب الأقل.

______________________________________________________

قال المصنف في التحرير : وهذه الأقوال للجمهور ، وقد حكى المصنف في التحرير قول الشيخ (١) ولم يصرح باختيار شي‌ء ، وكلامه وكلام المصنف هنا محل النظر والتأمل ، واعلم أن حكم المدبرة وأم الولد حكم القنّة.

قوله : ( لو غرته المكاتبة : فإن اختار الإمساك فلها المهر ، وإن اختار الفسخ فلا مهر قبل الدخول ، وبعده إن كان قد دفعه رجع به أو بجميعه ، إلاّ أقل ما يمكن أن يكون مهرا ، وإن لم يدفعه فلا شي‌ء أو يجب الأقل ).

أما وجوب المهر مع اختيار الإمساك ، فلأنه قد رضي بالنكاح حينئذ فيجب المسمّى ، وإن اختار الفسخ وقد دخل ودفع المهر رجع عليها به لتدليسها. وعلى القول الآخر يستثني لها أقل ما يمكن أن يكون مهرا ، لأن الوطء المحترم يجب أن لا يخلو عن عوض ، وقد تقدّم الكلام عليهما مستوفى.

ومع عدم الدفع فهل يجب دفع الأقل أم لا يجب شي‌ء أصلا؟ فيه القولان ، وإنما أفرد المكاتبة ، لأنها كالحرة في ذلك ، فإن المهر حق لها كالحرة ، لانقطاع سلطنة المولى عنها مع كونها رقيقة ، بخلاف القنة ومن جرا مجراها ، لأن المهر في نكاحهن للمولى لا لهن ، فإذا اقتضى التغرير الرجوع عليهن رجع بجميع المهر ، إلاّ أن مقتضى التغرير الرجوع على السيد ، فإنه يرجع عليه بما عدا الأقل على الخلاف ، والأمر في المكاتبة كالحرة وإليه الإشارة بقوله : ( ولو غره الوكيل رجع عليه بالجميع ).

فإن الوكيل صادق على السيد. لأنه لا يجوز له تزويجها إلاّ بإذنها. واعلم أن الضمير في قوله في أول البحث : ( لو غرته المكاتبة ) يرجع الى ما دل عليه سوق‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ٣٠.

٣٢٤

ولو غرّه الوكيل رجع عليه بالجميع. ولو أتت بولد فهو حر ، لأنه دخل على ذلك ويغرم قيمته ، ويتبع في الاستحقاق أرش الجناية على ولد المكاتبة.

______________________________________________________

الكلام ، وهو المتزوج بها ، ويظهر منه أن الزوج حر ، فإن المفهوم من قوله : ( إن كان قد دفعه رجع بجميعه ) ذلك ، وكذا ما بعده.

قوله : ( ولو أتت بولد فهو حر ، لأنه دخل على ذلك ويغرم قيمته ، ويتبع في الاستحقاق أرش الجناية على ولد المكاتب ).

أي : لو أتت المكاتبة المتزوجة بحر على أنها حرة بولد فالولد حر ، لأن الزوج دخل في العقد على ذلك ، لأنه وقع على أنها حرة ، ولأنه لو وطأ أمة الغير ظنا على أنها أمته أو زوجته الحرة كان الولد حرا فهنا أولى ، لانتفاء الشرط ثم وثبوته هنا ، لكنه يغرم قيمته ، لأنها رقيقة في الواقع ، فيكون باستيلاده إياها قد فوته على المولى.

ولا فرق في ذلك بين أن يتخيّر العقد أو الفسخ ، ويرجع بها على الغار ، لأنه لم يدخل على ضمانها ، بخلاف المهر فإنه إذا لم يفسخ النكاح لم يرجع به ، لأنه دخل على ضمانه عوضا لمنافع البضع ، وفي مستحق هذه القيمة خلاف مبني على أن المستحق لأرش الجنايات على ولد المكاتبة هل هو السيد أو الأم.

فإن قلنا السيد فالقيمة هنا له ، فإن كان الغار الوكيل رجع عليه الزوج بكمالها ، وإن كانت هي رجع عليها بما في يدها ، لأنه كالدين عليها.

وإن قلنا الام فكذا هنا ، فإن كان الغار الوكيل رجع عليه بجميعها ، وإن كانت هي وقع التقاص.

واعلم أن الضمير في قول المصنف : ( ويتبع في الاستحقاق. ) يرجع الى القيمة ، ومعناه أن القيمة تتبع أرش الجناية في استحقاق المستحق ، فمن ثبت كونه المستحق للأرش في الجناية فهو المستحق هنا بغير تفاوت.

٣٢٥

ولو ضربها أجنبي فألقته لزمه دية جنين حر لأبيه ، فإن كان هو الضارب فللأقرب إليه دونه ، وإلاّ فللإمام ، وعلى المغرور للسيد عشر قيمة أمة إن قلنا إن الأرش له.

______________________________________________________

قوله : ( ولو ضربها أجنبي فألقته لزمه دية جنين حر لأبيه ، فإن كان هو الضارب فللأقرب إليه دونه ، وإلاّ فللإمام ، وعلى المغرور للسيد عشر قيمة أمة إن قلنا إن الأرش له ).

ما سبق حكم ما إذا خرج الولد حيا ، أما إذا ألقته ميتا ، فإن كان بغير جناية جان فلا شي‌ء على الزوج ، لأنه لا قيمة للميت ، نعم لو نقصت لزمه أرش نقصها.

وإن كان بجناية جان ، فإن كان الجاني أجنبيا لزمه مع الكفارة دية جنين حر ، لانعقاده حرا ، وسيأتي بيانها في الديات إن شاء تعالى.

ويستحقها أبو الجنين وهو المغرور دون الأم ، لأنها مكاتبة فلا ترث ، وحينئذ فيضمن دية جنين أمة وهي عشر قيمة الأم للسيد أو المكاتبة على اختلاف القولين ، وذلك لأن الجنين في هذه الحالة انفصل مضمونا للمغرور فيضمنه ، لأنه يقوّم له فيقوّم عليه ، كما أن العبد الجاني إذا قتل تعلق حق المجني عليه بقيمته ، ولو مات لم يكن على السيد شي‌ء (١) في قول ، لأن المغرور لا يضمن ، لأنه لا قيمة للميت ، واختاره الشيخ في المبسوط (٢) ، والمصنف في التحرير (٣).

إذا تقرر ذلك فعشر قيمة الأم لا يخلو : إما أن يكون بقدر دية جنين الحر ، أو أنقص. فإن كان بقدرها أو أنقص فلا بحث في كونه هو الواجب ، وإن كان أكثر فوجهان :

__________________

(١) في نسخة « ض » : لم يكن عليه شي‌ء.

(٢) المبسوط ٤ : ٢٥٧.

(٣) التحرير ٢ : ٣٠.

٣٢٦

هـ : لا يرجع بالغرامة على الغار إلاّ بعد أن يغرم القيمة أو المهر‌

______________________________________________________

أحدهما : وهو الظاهر من عبارة المصنف حيث أطلق وجوب العشر ، لأنه لو انفصل رقيقا بالجناية لوجب على الجاني عشر قيمة الأم ، فإذا فوت ذلك غرمه لمستحقه من السيد والام ، كما أنه يستحق قيمته عند انفصاله حيا وإن زادت على الدية.

والثاني : إنه ليس له إلاّ قدر دية الجنين الحر ، لأن سبب غرامة الميت هو الجناية الموجبة لدية جنين الحر ، فلا يزيد الفرع على أصله فيكون الواجب أقل الأمرين.

وهذا بناء على إمكان زيادة دية جنين الأمة على جنين الحرة أو وجوب العشر ، وتحقيقه في بابه هذا إذا كان الجاني أجنبيا ، فإن كان هو المغرور لزمه دية جنين حر ولا يرثها ، لأنه قاتل بل يكون لمن يليه في الاستحقاق وهو الأقرب إليه ، فإن لم يكن غيره فهي للإمام عليه‌السلام وعليه عشر القيمة كما أطلقه المصنف ، أو أقل الأمرين منه ومن دية جنين الحر على ما سبق.

وعلى ما اختاره الشيخ في المبسوط (١) والمصنف في التحرير (٢) من عدم وجوب شي‌ء سوى دية الجنين الحر لا يجب العشر ، فإن أوجبناه فهو للسيد إن قلنا أرش الجناية على ولد المكاتبة للسيد ، والى ذلك أشار المصنف بقوله : ( وعلى المغرور للسيد عشر قيمة أمة ان قلنا إن الأرش له ).

ومراده بذلك وجوب العشر في الصورتين المذكورتين ، وهما إلقاء الجنين بضرب الأجنبي لها ، وإلقاؤه بضرب الزوج ، وسكت عما إذا لم نقل بأن الأرش للسيد استغناء بقوله فيما تقدم : ( ويتبع في الاستحقاق أرش الجناية على ولد المكاتبة ).

قوله : ( لا يرجع بالغرامة على الغار إلاّ بعد أن يغرم القيمة أو المهر‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٥٧.

(٢) التحرير ٢ : ٣٠.

٣٢٧

للسيد ، لأنه إنما يرجع بما غرمه.

______________________________________________________

للسيد ، لأنه إنما يرجع بما غرمه ).

وكذا لو رجع الشاهدان بإتلاف مال أو جناية بعد الحكم لم يرجع المحكوم عليه عليهما إلاّ بعد الغرم.

وكذا الضامن يرجع بعد الدفع ، وللمغرور مطالبة الغار بالتخليص من مطالبة المرأة أو السيد ، كما أن الضامن يطالب المضمون عليه بالتخليص.

هنا أحكام ذكر بعضها استطرادا :

الأول : لا يرجع المغرور على الغار بالغرامة اللازمة له في هذا الباب جميعه إلاّ بعد أن يغرمها ، فلا يرجع بالمهر على المدلس ولا بقيمة الولد حيث يجبان ، وكذا النفقة إن جوزنا الرجوع بها إلاّ إذا دفع ذلك إلى مستحقه ، لأن سبب الرجوع هو الغرم مع الغرور ولا يتقدم المسبب على السبب ، وبجواز سقوطه عنه بإبراء ونحوه.

ويمكن أن يكون هذا الحكم متعلقا بمسألة المكاتبة لاتصالها بها ، ولأن قيمة الولد مذكورة في هذه المسألة وحكم باقي مسائل الباب يستفاد بالملامحة.

الثاني : لو شهد الشاهدان على إنسان بإتلافه مالا لآخر ، أو بصدور جناية منه عليه ، فحكم الحاكم بذلك لعدالتهما عنده ، ثم رجعا عن الشهادة بعد الحكم ، فعليهما الغرم ، لكن إنما يطالبهما المحكوم عليه بعد أن يغرم على ما سبق.

الثالث : قد سبق أن الضمان ناقل للدين من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن ، فإنه إذا كان الضمان باذن المضمون عنه استحق الضامن الرجوع عليه ، لكن إنما يرجع عليه بعد دفع الدين.

وكذا الحكم إذا ظهر استحقاق المبيع بما غرم المشتري الجاهل عوض المنافع التي استوفاها ، فإنه يرجع بها على البائع ، ورجوعه إنما يكون بعد غرمه. وقول‌

٣٢٨

وكذا لو رجع الشاهدان بإتلاف مال أو جناية بعد الحكم لم يرجع المحكوم عليه عليهما إلاّ بعد الغرم ، وكذا الضامن يرجع بعد الدفع.

وللمغرور مطالبة الغار بالتخليص من مطالبة المرأة أو السيد ، كما أن الضامن يطالب المضمون عنه بالتخليص.

و : لو انتسب إلى قبيلة فبان من غيرها ، أعلى أو أدون ، فالأقرب أنه‌

______________________________________________________

المصنف : ( وللمغرور مطالبة الغار بالتخليص من مطالبة المرأة أو السيد. ) معناه أن المغرور وإن كان لا يرجع بما يوجب التغرير من الغرم حتى يغرم ، لكن له مطالبة الغار بالتخليص من مطالبة المرأة بالمهر ، حيث تكون حرة أو مكاتبة ، أو مطالبة السيد إذا كانت أمة.

وذلك كما يطالب الضامن المضمون عنه بالتخليص حيث يكون الضمان بإذنه ، فإنه وإن لم يكن له عليه رجوع بالمال المضمون إلاّ بعد أدائه ، لكن له هذا القدر من الارتفاق ، وهو مطالبته بالتخليص منه ، لأنّ إبراء ذمته من المطالبة وقطع السلطنة عنه غرض مطلوب.

والظاهر أن مراده التنبيه على استحقاق المغرور مطالبة الغار بالتخليص في المسائل الثلاث التي ذكرها ، إلاّ أنه لم يذكر سوى مطالبة المرأة والسيد ، وكأنه أخرج ذلك مخرج المثال.

واعلم أن المصنف ذكر في الضمان أنه ليس للضامن مطالبة المضمون عنه بالتخليص قبل المطالبة ، وذكر في استحقاق مطالبته إذا طولب ولما يغرم اشكالا ، وهنا أطلق استحقاقه المطالبة بالتخليص ، ولا يستقيم الإطلاق بل ينزل على ما إذا طولب ، فيكون رجوعا عن الإشكال الذي ذكره في الضمان الى الجزم.

قوله : ( لو انتسب إلى قبيلة فبان من غيرها أعلى أو أدون فالأقرب‌

٣٢٩

لا فسخ ، وكذا المرأة.

نعم لو شرط أحدهما على الآخر نسبا فظهر من غيره ، كان له الفسخ ، لمخالفة الشرط ، وكذا لو شرط بياضا أو سوادا أو جمالا.

______________________________________________________

انه لا فسخ ، وكذا المرأة. نعم لو شرط أحدهما على الآخر نسبا فظهر من غيره كان له الفسخ لمخالفة الشرط ، وكذا لو شرط بياضا أو سوادا أو جمالا ).

إذا انتسب الرجل إلى قبيلة فعقد له النكاح ، ثم ظهر أنه ليس منها ، سواء كان أعلى أو أدون ، فإما أن يشترط مع ذلك كونه من القبيلة في عقد النكاح أو لا ، فهنا مبحثان :

الأول : أن لا يشترط ذلك في العقد ، وفي حكمه أقوال للأصحاب :

أ : انه يبطل بذلك النكاح ، اختاره الشيخ في النهاية (١) ، وابن الجنيد (٢) ، وابن حمزة (٣) ، وجعله ابن البراج في كتابيه رواية (٤).

وسيأتي أن الرواية لا تدل على البطلان وانما تدل على ثبوت الفسخ ، ولعل ذلك مرادهم. وكلام المصنف في المختلف (٥) يدل على ذلك حيث حكى عن المبسوط مثل ما حكاه عن ابن البراج ، فإنه في المبسوط حكى القول بالخيار ثم قال : وقد روي ذلك في أخبارنا (٦).

__________________

(١) النهاية : ٤٨٩.

(٢) المختلف : ٥٥٥.

(٣) الوسيلة : ٣٦٧.

(٤) المهذب ٢ : ٢٣٩.

(٥) المختلف : ٥٥٥.

(٦) المبسوط ٤ : ١٨٩.

٣٣٠

______________________________________________________

ب : عدم البطلان والخيار ، اختاره في المبسوط (١) ، وكذا ابن إدريس (٢) ، والمصنف هنا ، وهو الأصح ، لأن الخيار على خلاف الأصل ، فيجب التمسك بلزوم النكاح.

فإن قيل : قد روى الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام ، قال في رجل يتزوج المرأة فيقول : أنا من بني فلان فلا يكون كذلك ، قال : « يفسخ النكاح أو قال ترد » (٣) كان الشك من السائل.

وجه الاستدلال بها : أنه حكم بثبوت الفسخ لأجل مخالفة القول المذكور ، وذلك ينافي المدعى.

قلنا : لا دلالة فيه ، لأنّ الظاهر من قوله : فيقول الى آخره انه تفصيل لقوله : يتزوج ، على حد قول القائل : توضأ فغسل وجهه وذراعيه إلى أخره ، وقوله : صلى فحرم وقرأ إلى أخره ، فيكون الظاهر منه وقوع هذا اللفظ في العقد وذلك غير محل النزاع.

ج : ثبوت الخيار إن بان أدنى من المرأة بحيث لا يلائم شرفها ، اختاره المصنف في المختلف ، واحتج عليه بلزوم الضرر الحاصل من الغضاضة والنقص وبالرواية المتقدمة (٤).

فأما الرواية فقد بيّنا ما فيها ، وأما الضرر فلا نسلم بلوغه مرتبة يقتضي ثبوت الخيار ، على أنها بتفريطها في استعلام الحال وتعويلها على مجرد إخباره معرضة نفسها لهذا الضرر ، فكيف تسلط على فسخ النكاح بذلك البحث.

الثاني : أن يشترط ذلك في العقد ، وحينئذ يثبت الفسخ بظهور الخلاف ، صرح‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ١٨٩.

(٢) السرائر : ٣٠٨.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٣٢ حديث ١٧٢٤.

(٤) المختلف : ٥٥٥.

٣٣١

______________________________________________________

به المصنف وابن إدريس (١) ، وحكى الشارح الفاضل ولد المصنف فيه الإجماع (٢) ، وقد بيّنا دلالة الرواية عليه.

إذا عرفت ذلك فهل حكم المرأة حكم الرجل في هذا كله؟ صرح المصنف هنا باستوائهما في ذلك ، وحكاه في المختلف عن ابن الجنيد (٣) وابن حمزة (٤) ، وهو واضح.

وأما الشرط فظاهر ، لعموم قوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٥) وأما مع العدم ، فلانتفاء المقتضي.

وكذا الحكم فيما لو شرط أحدهما على الآخر بياضا أو سوادا فظهر ضدّه.

وكذا الحكم فيما لو شرط أحدهما على الآخر جمالا فظهر الخلاف ، فإن المشترط يتسلط على الفسخ بذلك ، صرح المصنف بذلك ، ونص عليه ابن إدريس (٦) ، إلاّ أن المصنف ذكر سابقا اشكالا لو ظهر خلاف الوصف وكانت أعلى ، وكلامه هنا مطلق فيحتمل أنه اعتمد على التفصيل السابق فأطلق هنا.

ويحتمل أن يكون رجوعا عن الإشكال إلى الجزم بثبوت الخيار.

والظاهر أن اشتراط الصنعة كاشتراط القبيلة وفاقا لابن الجنيد (٧) ، وتقريبه ما سبق.

__________________

(١) السرائر : ٣٠٩.

(٢) إيضاح الفوائد ٣ : ١٩٢.

(٣) المختلف : ٥٥٥.

(٤) الوسيلة : ٣٦٧.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.

(٦) السرائر : ٣٠٩.

(٧) المختلف : ٥٥٥.

٣٣٢

المقصد الثاني : في المهر ، وفيه فصول :

الأول : في الصحيح : وهو كل مملوك يصح نقله عينا كان أو منفعة ، وإن كانت منفعة حر كتعليم صنعة ، أو سورة ، أو عمل محلل ، أو إجارة الزوج نفسه مدة معينة على رأي ، سواء كانت معيّنة أو مضمونة.

______________________________________________________

قوله : ( المقصد الثاني : في المهر وفيه فصول :

الأول : في الصحيح : وهو كل مملوك يصح نقله عينا كان أو منفعة وإن كانت منفعة حر كتعليم صنعة أو سورة أو عمل

محلل أو إجارة الزوج مدة معينة على رأي ، سواء كانت معيّنة أو مضمونة ).

المقصد الثاني من توابع النكاح في المهر ، وإنما كان المهر من التوابع ، لأنه ليس ركنا في العقد ، ولهذا يجوز إخلاؤه منه بل اشتراط عدمه.

ولها أسماء منها الصدقة ، قال الله تعالى ( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ) (١).

ومنها الأجر ، قال تعالى ( فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (٢).

ومنها العليقة ، روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « أدوا العلائق » قيل : وما العلائق؟ قال : « ما تراضى عليه الأهلون » (٣).

ومنها العقر ، ومنها النحلة ، والحياء ، والفريضة ، والصداق ، يقال : أصدقتها ومهرتها ، ويقال : أمهرتها أيضا.

والمهر وإن لم يكن ركنا في النكاح إلاّ أن الواجب تسميته مهرا ، لئلا يشبه نكاح الواهبة نفسها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليكون ادفع للخصومة والمنازعة. وليس للصداق مقدّر ، بل كل ما يتموّل يجوز جعله صداقا ، وبعض العامة قدره بنصاب‌

__________________

(١) النساء : ٤.

(٢) النساء : ٢٤.

(٣) سنن البيهقي ٧ : ٢٣٩ ، عوالي اللئالي ١ : ٢٢٩ حديث ١٢٤.

٣٣٣

______________________________________________________

السرقة (١).

وقد ضبطه المصنف بأنه : ( كل مملوك يصح نقله ، عينا كان أو منفعة ).

واحترز بـ ( المملوك ) عما لا يملك أصلا ، وعما هو مملوك للغير. وبما يصح نقله عن الوقف وما جرى مجراه ، ولا بدّ من تقييده بكونه بحيث يعد مالا في العادة ، فحبة الحنطة ونحوها مملوك يصح نقله ولا يجوز جعله مهرا ، لكونه لا يعد مالا.

ولا فرق في ذلك بين العين والمنفعة ، لأنها مال ، حتى منافع الحر كتعليم صنعة محللة ، أو سورة من القرآن ، وما دونها مما يقع عليه الإجارة ، أو غيره من الحكم والآداب والشعر ، أو عمل مقصود محلل ، أو إجارة الزوج نفسه مدة معيّنة ، سواء تشخص زمانها أم لا.

ولا خلاف في ذلك كله ، سوى العقد على منفعة الزوج ، فإن الشيخ رحمه‌الله في النهاية منع من العقد على المرأة على عمل من الزوج لها أو لوليها (٢) ، وتبعه ابن البراج في الكامل (٣) ، وهو الظاهر من كلام ابن حمزة (٤).

وذهب الشيخ في المبسوط (٥) والخلاف (٦) ، والمفيد (٧) ، وابن الجنيد (٨) ، وسلار (٩) ،

__________________

(١) قاله أبو حنيفة ، انظر : المغني لابن قدامة ٨ : ٥ ، الشرح الكبير ٨ : ٥.

(٢) النهاية : ٤٦٩.

(٣) ذكره في المهذب ٢ : ٢٠١.

(٤) الوسيلة : ٣٤٧.

(٥) المبسوط ٤ : ٢٧٣.

(٦) الخلاف ٣ : ٢ مسألة ٣ كتاب الصداق.

(٧) المقنعة : ٧٨.

(٨) المختلف : ٥٤٢.

(٩) المراسم : ١٥٢.

٣٣٤

______________________________________________________

وابن إدريس (١) ، والمحقق نجم الدين (٢) ، وأكثر الأصحاب إلى الجواز ، واختاره المصنف وهو الأصح.

لنا : إن الأصل الجواز ، ولأن المقتضي للصحة ـ وهو كونها منفعة مقصودة محللة ـ موجود ، والمانع منتف إذ ليس إلاّ كونها منفعة الزوج وهو غير صالح للمانعية.

وما تضمنته رواية سهل بن سعد الساعدي في التي وهبت نفسها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تزويجه إياها بما معه من القرآن (٣).

وجه الاستدلال بها : انه جعل القرآن الذي معه صداقا لها ، وهو غير ممكن ، فالظاهر أنه جعل الصداق تعلميها إياه.

وما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن الباقر عليه‌السلام قال : جاءت امرأة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : زوجني ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من لهذه » ، فقام رجل : أنا يا رسول الله زوجنيها ، فقال : « ما تعطيها؟ » ، فقال : مالي شي‌ء ، فقال : لا ، فأعادت فأعاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يقم أحد غير الرجل ، هكذا ثلاثا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المرّة الثالثة : « أتحسن شيئا من القرآن؟ » فقال : نعم ، فقال : « قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن تعلمها إياه » (٤).

وهذا نص في الباب ، وعمومات الكتاب والسنة يتناول ذلك.

احتج الشيخ بأن ذلك ربما أفضى إلى عراء البضع عن العوض بموته أو عجزه ، وذلك باطل. وبما رواه احمد بن محمد في القوي عن ابي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يتزوّج المرأة ويشترط اجارة شهرين ، فقال : « إن موسى عليه‌

__________________

(١) السرائر : ٣٠١.

(٢) الشرائع ٢ : ٣٢٤.

(٣) سنن البيهقي ٧ : ٢٣٦ ، سنن الدار قطني ٣ : ٢٤٧ حديث ٢١ ، سنن ابن داود ٢ : ٢٣٦ حديث ٢١١١.

(٤) الكافي ٥ : ٣٨٠ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ٣٥٤ حديث ١٤٤٤.

٣٣٥

ولو عقد الذميان على خمر أو خنزير صح ، فإن أسلم أحدهما بعد‌

______________________________________________________

السلام قد علم انه سيتم له شرطه ، فكيف لهذا بأن يعلم انه سيبقى حتى يفي ، وقد كان الرجل على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتزوج المرأة على السورة من القرآن وعلى القبضة من الحنطة » (١).

والجواب بعد تسليم السند أن هذا لازم في كل مهر شخصي ، والجواب في الكل واحد.

وأجاب ابن إدريس بأن شعيبا استأجر موسى عليه‌السلام ليرعى له لا لابنته ، وقد كان هذا جائزا في شرعهم وليس بجائز في شرعنا ، والمتنازع فيه هنا هو إجارة الزوج نفسه لها فليس من ذلك في شي‌ء (٢).

ولقائل أن يقول : إن الظاهر من الرواية أن المانع من الصحة هو عدم العلم ببقائه.

وكيف كان فالمشهور هو المذهب ، ثم ارجع الى عبارة الكتاب واعلم أنه أراد بالعين ما قابل المنفعة ، سواء كانت متعيّنة أو مضمونة في الذمة.

ولا ريب أنه يشترط في جعل تعليم الصنعة مهرا كونها محللة وليس جواز صداق تعليم القرآن مقصورا على السورة وإن لم يذكر غيرها. نعم يشترط أن لا يكون لقلته بحيث لا يقابل بأجرة. وأراد بإجارة الزوج نفسه ضربا من المجاز ، وهو العمل الذي شأنه أن يستأجر عليه ، وكما تضبط المنفعة بالمدة كذا تضبط بالتعيين كبناء جدار ونحوه.

قوله : ( ولو عقد الذميان على خمر أو خنزير صح ، فإن أسلم أحدهما‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤١٤ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٣٦٦ حديث ١٤٨٣.

(٢) السرائر : ٣٠٠.

٣٣٦

الدفع بري‌ء الزوج ، وقبله تجب القيمة عند مستحيلة ، سواء كان معيّنا أو مضمونا.

ولا يتقدر المهر قلة وكثرة على رأي ، ما لم يقصر عن التقوم كحبة‌

______________________________________________________

بعد الدفع بري‌ء الزوج ، وقيل تجب القيمة عند مستحليه سواء كان معيّنا أو مضمونا ).

إذا عقد الذميان ومن جرى مجراهما على ما لا يصح تملكه للمسلم كالخمر والخنزير صح فيما بينهم ، فإن أسلم أحد الزوجين بعد دفع المهر المعقود عليه فلا شي‌ء عليه للزوجة ، لأن الزوج قد بري‌ء بما دفعه قبل الإسلام ، وفي قول لبعض العامة أن لها مهر المثل ، لفساد ذلك القبض (١).

ولا فرق في ذلك بين كون المسلم هو الزوج أو الزوجة ، لأن المسلم لا يجوز له دفع الخمر دينا ولا قبوله كذلك ، وإن كان إسلامه قبل الدفع لم يجز دفع المعقود عليه ، ثم ما الذي يجب؟ الأصح أنه تجب القيمة عند مستحيلة ، ويحتمل وجوب مهر المثل ، ويحتمل وجوب المتعة بالطلاق قبل الدخول ، وقد سبق تحقيق ذلك في نكاح الكفر.

ولا فرق في ذلك بين كون المهر المحرم معينا أو دينا مضمونا في الذمّة.

وذهب بعض العامة إلى أنه لا شي‌ء لها ، لأنها رضيت بالخمر فيدام عليه حكم رضاها ، وقد تعذر القبض بالإسلام فسقطت المطالبة (٢).

وذهب بعض الى أن المسمّى إن كان معينا وهو محرم لم يستحق غيره ولا رجوع الى مهر المثل (٣).

قوله : ( ولا يتقدر المهر قلة وكثرة على رأي ما لم يقصر عن التقويم‌

__________________

(١) انظر المنتقى ٣ : ٢٨٨.

(٢) انظر : المجموع ١٦ : ٣٣٢ ، المنتقى ٣ : ٢٨٨.

(٣) انظر : المنتقى ٣ : ٢٨٨.

٣٣٧

حنطة.

______________________________________________________

كحبة حنطة ).

لا خلاف عند أصحابنا في أن المهر لا يتقدر قلّة إلاّ بأقل ما يتملك ، وأما الكثرة فالمشهور بين الأصحاب عدم تقديرها ، فيصح العقد على ما شاء من غير تقدير ذهب إليه الشيخان (١) ، وابن أبي عقيل (٢) ، وسلار (٣) ، وأبو الصلاح (٤) ، وابن البراج (٥) ، وابن إدريس (٦) ، وعامة المتأخرين (٧) ، وهو الأصح.

قال المرتضى : انه لا يجوز تجاوز مهر السنة خمسمائة درهم جياد قيمتها خمسون دينارا ، فمن زاد على ذلك رد إلى السنة (٨) ، وهو ظاهر كلام ابن الجنيد (٩) وابن بابويه في الفقيه (١٠).

لنا قوله تعالى ( وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ) (١١) والقنطار : المال العظيم من قنطرت الشي‌ء إذا رفعته ومنه القنطرة.

وفي القاموس : القنطار بالكسر وزن أربعين أوقية من ذهب أو فضة والف دينار ، أو ألف ومائتا أوقية ، أو سبعون ألف دينار ، أو ثمانون ألف درهم ، أو مائة رطل من ذهب أو فضة ، أو ألف دينار أو مل‌ء مسك ثور ذهبا أو فضة (١٢).

__________________

(١) المقنعة : ٧٨ ، المبسوط ٤ : ٢٧٢.

(٢) المختلف : ٥٤١.

(٣) المراسم : ١٥٢.

(٤) الكافي في الفقه : ٢٩٣.

(٥) المهذب ٢ : ١٩٨.

(٦) السرائر : ٣٠٠.

(٧) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ٣٠٥ ، والشهيد في اللمعة : ١٩٥.

(٨) الانتصار : ١٢٤.

(٩) المختلف : ٥٤١.

(١٠) الفقيه ٣ : ٢٥٣.

(١١) النساء : ٢٠.

(١٢) القاموس المحيط ٢ : ١٢٢.

٣٣٨

______________________________________________________

وعموم قوله تعالى ( فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (١).

وكذا قوله تعالى ( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ) (٢).

وقوله تعالى ( فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (٣).

وصحيحة الوشّاء عن الرضا عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « لو أن رجلا تزوج امرأة وجعل مهرها عشرين ألفا وجعل لأبيها عشرة آلاف كان المهر جائزا والذي جعله لأبيها فاسدا » (٤).

ولأنه نوع معاوضة فيتبع اختيار المتعاضدين في القدر كغيره من المعاوضات.

احتج السيد بإجماع الطائفة المحقة ، وبأن المهر يتبعه أحكام شرعية ، فإذا وقع العقد على مهر السنة فما دون ترتبت عليه الأحكام بالإجماع. وأما الزائد فليس عليه إجماع ولا دليل شرعي فيجب نفيه (٥).

وقد روى المفضل بن عمر قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت له : أخبرني عن مهر المرأة الذي لا يجوز للمؤمن أن يجوزه؟ قال : فقال : « السنة المحمدية خمسمائة درهم ، فمن زاد على ذلك رد إلى السنة ولا شي‌ء عليه أكثر من الخمسمائة » (٦).

والجواب أن الدلائل الشرعية الدالة على جواز العقد على المهر وإن كان زائدا على السنة كثيرة موجودة في الكتاب والسنة فلا سبيل إلى إنكارها ، ورواية المفضل‌

__________________

(١) البقرة : ٢٣٧.

(٢) النساء : ٤.

(٣) النساء : ٢٤.

(٤) التهذيب ٧ ـ ٣٦١ حديث ١٤٦٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٤ حديث ٨١٠.

(٥) الانتصار : ١٢٤.

(٦) التهذيب ٧ : ٣٦١ حديث ١٤٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٢٢٤ حديث ٨١٠.

٣٣٩

وليس ذكره شرطا ، فلو أخل به أو شرط عدمه صح العقد ، فإن دخل فلها مهر المثل.

وإنما يفيد ذكره التعيين والتقدير ، فيشترط في صحته مع ذكره التعيين ، إما بالمشاهدة وإن جهل كيله أو وزنه كقطعة من ذهب وقبة من طعام ، أو‌

______________________________________________________

ابن عمر ضعيفة ، فإن في طريقها محمد بن سنان ، قال الشيخ : إنه مطعون عليه ضعيف جدا ، وما يختص بروايته ولا يشركه فيه غيره لا يعمل عليه (١) ، هذا كلام الشيخ ، وحملها المصنف في المختلف على الاستحباب ، قال : ومع الزيادة يستحب الرد بالإبراء إلى مهر السنة فإذا حصل الإبراء لم يلزم أكثر منه (٢) ، وهو حسن.

قوله : ( وليس ذكره شرطا ، فلو أخل به أو شرط عدمه صح العقد ، فإن دخل فلها مهر المثل ).

لما لم يكن للنكاح معاوضة حقيقة لم يكن ذكر الصداق في العقد شرطا لصحته ، إذ ليس بركن فيه ، فعلى هذا لو حصل الإخلال بذكره عمدا أو سهوا أو عقدا مشترطين أن لا مهر صح ، لعدم المنافي.

لكن إذا دخل بها وجب مهر المثل ، والأخبار على ذلك مستفيضة ، روى الشيخ عن منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام في رجل يتزوج امرأة ولم يفرض لها صداق قال : « لا شي‌ء لها من الصداق ، فإن كان دخل بها فلها مهر نسائها » (٣).

قوله : ( وإنما يفيد ذكره التعيين والتقدير ، فيشترط في صحته مع ذكره التعيين ، إما بالمشاهدة وإن جهل كيله ووزنه كقطعة من ذهب وقبة من طعام ،

__________________

(١) المصدرين السابقين.

(٢) المختلف : ٤٢٥.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٦٢ حديث ١٤٦٦ ، الاستبصار ٣ : ٢٢٥ حديث ٢١٣.

٣٤٠