جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧

وكذا كل من أدخل عليه غير زوجته فظنها زوجته ، سواء كانت أعلى أو أدون ، ولو دخل مع العلم لم يرجع على أحد.

ولو شرط البكارة ، فإن ثبت سبق الثيوبة فالأقرب أن له الفسخ ، ويدفع المهر ويرجع به على من دلسها ، فإن كانت هي رجع ، إلاّ بأقل ما يمكن أن يكون مهرا ، وإن لم يثبت فلا فسخ ، لاحتمال تجدده بسبب خفي.

وقيل : له نقص شي‌ء من مهرها ، وهو ما بين مهر البكر والثيب عادة.

______________________________________________________

فأدخلت عليه غيرها حكمها ما ذكرنا ، سواء كانت أعلى من الزوجة أو أدون.

والى هذا أشار بقوله : ( وكذا كل من أدخل عليه غير زوجته فظنها زوجته سواء كانت أعلى أو أدون ).

وإنما قيد بقوله : ( فظنها زوجته ) ، لأنه لو علم أنها غيرها وهي جاهلة ثم دخل بها وجب عليه مهر المثل لها ، ولم يرجع به على أحد ، لانتفاء الغرور والى هذا أشار بقوله : ( ولو دخل مع العلم لم يرجع على أحد ).

قوله : ( ولو شرط البكارة ، فإن ثبت سبق الثيبوبة فالأقرب أن له الفسخ ، ويدفع المهر ويرجع به على من دلسها ، فإن كانت هي رجع إلاّ بأقل ما يمكن أن يكون مهرا ، وإن لم يثبت فلا فسخ لاحتمال تجدده بسبب خفي وقيل : له نقص شي‌ء من مهرها وهو ما بين مهر البكر والثيب عادة ).

إذا تزوج امرأة على أنها بكر فظهرت ثيبا ، ففي ثبوت الفسخ بذلك وعدمه خلاف ، وعلى القول بعدم ثبوت الفسخ فهل له أن ينقص شيئا من مهرها؟ فيه خلاف ايضا ، وتحقيق ذلك يقع في مقامين :

الأول : الفسخ وقد نفاه أبو الصلاح ، فإنه قال : إذا تزوج بكرا فوجدها ثيبا فأقرت الزوجة بذلك حسب أو قامت به البيّنة فليس بعيب يوجب الرد ولا نقصان‌

٣٠١

______________________________________________________

في المهر (١).

وهذا هو الظاهر من كلام جمع من الأصحاب ، إلاّ أن عباراتهم مطلقة ليس فيها تصريح باشتراط ذلك في العقد ولا بعدمه.

والذي يلوح من عبارة أبي الصلاح أن نفي الفسخ ليس مع اشتراط البكارة فتظهر الثيبوبة ، وإنما هو لكون الثيبوبة ليست عيبا ، فإن الفسخ بالعيب لا يتوقف على اشتراط السلامة.

والظاهر أن هذا إنما هو مراد الأصحاب لكنهم سكتوا عن حكم الاشتراط ، قال المصنف في المختلف : وأبو الصلاح إن قصد التزويج بالبكر مع عدم شرط البكارة فهو مسلم ، وإن قصد ذلك مع اشتراط البكارة فهو ممنوع (٢).

وهذا الكلام يدل على أن عبارته محتملة ، ولا شك عندنا في الاحتمال إلاّ أنها أظهر في عدم الاشتراط كما قلناه.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن المصنف ذهب الى ثبوت الفسخ مع الاشتراط ، كما صرح به في المختلف والإرشاد وقربه هنا وقيّده بثبوت سبق الثيبوبة على العقد بطريق شرعي ، وتبعه جملة المتأخرين فيه (٣) ، وهو الأصح ، لعموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤) ، وقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٥) ولأن ذلك فائدة الشرط فلولاه لكان ذكره لغوا وهو باطل.

ويحتمل العدم تمسكا بلزوم العقد ، وهو ضعيف ، لأن الشرط السائغ أخرجه عن‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٢٩٦.

(٢) المختلف : ٥٤٦.

(٣) منهم الشهيد في اللمعة : ١٩٩.

(٤) المائدة : ١.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.

٣٠٢

______________________________________________________

اللزوم.

ولا ريب أن الفسخ إنما يثبت إذا علم سبق الثيبوبة على العقد كما ذكره ، وإنما يثبت بإقرارها أو البينة الشرعية وما جرى مجراهما ، فلو لم يثبت ذلك فلا فسخ ، لإمكان تجددها بسبب خفي كالنزوة والعلة ، وهو غير مناف للشرط.

ومتى ثبت الخيار وفسخ قبل الدخول فلا مهر ، وبعده يجب لها المسمّى ، ويرجع به على المدلّس وهو العاقد العالم بحالها وإلاّ فعليها ، لكن هنا يستثني لها أقل ما يمكن أن يكون مهرا ، وقد سبقت هذه الأحكام غير مرة.

الثاني : حيث لا فسخ فهل ينقص من مهرها شي‌ء؟ فيه قولان :

أحدهما العدم ، صرح به أبو الصلاح (١) ، وهو اللائح من قول ابن البراج : جاز أن ينقص من مهرها شيئا وليس ذلك بواجب (٢).

ووجهه : إن العقد اقتضى وجوب جميعه والأصل بقاؤه.

والثاني : إنه ينقص ، واختلفوا في قدره على أقوال :

الأول : إنه ينقص شي‌ء في الجملة ، صرح به الشيخ في النهاية (٣) ، وابن البراج (٤) ، لرواية محمد بن خرك قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام : رجل تزوج جارية بكرا فوجدها ثيبا ، هل يجب لها الصداق وافيا أم ينقص؟ قال : « ينقص » (٥). وجه الاستدلال به : أنه لا بد من إضمار مفعول ينقص ، والمناسب تقدير لفظة شي‌ء ، لاقتضاء المقام إياه.

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٢٩٦.

(٢) المهذب ٢ : ٢١٣.

(٣) النهاية : ٤٧٥.

(٤) المهذب ٢ : ٢١٣.

(٥) الكافي ٥ : ٤١٣ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٤٢٨ حديث ١٧٠٦.

٣٠٣

______________________________________________________

الثاني : إنه ينقص السدس ، ذكره الراوندي في شرح مشكل النهاية ، لأن الشي‌ء في عرف الشرع السدس لما ورد في الوصية.

وغلّطه المحقق نجم الدين في النكت بأن الشي‌ء لم يذكر في الرواية ، وانما وجب تقديره ، لاقتضاء المقام إياه (١).

والذي يقدر هو الشي‌ء المنكر ، لأنه الذي يقتضيه المقام ، لا الشي‌ء الذي هو السدس ، لأن ذلك معيّن ولا دليل عليه.

ولو سلّم فيكون الشي‌ء السدس في الوصية لا يقتضي كونه كذلك في كل موضع ، لانتفاء ذلك في الإقرار وغيره.

الثالث : أن ينقص منه مقدار ما بين مهر البكر إلى الثيب ، اختاره ابن إدريس.

واعترضه الشارح السيد الفاضل بأنه ربما أدى الى سقوط المهر رأسا ، لأن التفاوت بين المهرين قد يكون بقدر المسمّى ، فإن مهر مثلها بكرا ربما كان خمسين وثيبا أربعين والمسمّى عشرة ، فإذا نقص قدر التفاوت سقط المسمّى وأجيب بأن المراد النقص بنسبة التفاوت إلى مهر البكر وهو الخمس ، فينقص في الفرض المذكور ديناران.

أو أن المراد نقص شي‌ء من المسمّى لها باعتبار كونها بكرا يقتضي نظر العقلاء نقصه باعتبار ظهور ثيبوبتها.

وهذا هو الذي أراده المصنف بقوله في الكتاب : ( وهو ما بين مهر البكر والثيب عادة ) واختاره في التحرير (٢).

الرابع : إحالة تقدير ذلك على نظر الحاكم لانتفاء تقدير النقص وتفسير اللفظ‌

__________________

(١) نكت النهاية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٦٣٧.

(٢) التحرير ٢ : ٣٠.

٣٠٤

ولو تزوج متعة فبانت كتابية ، أو دواما على رأي من سوغه ، فلا فسخ ، إلاّ أن يطلق أو يهب المدة ، ولا يسقط من المهر شي‌ء ، ولو شرط الإسلام فله الفسخ.

______________________________________________________

الوارد به لغة ، وشرعا ، فيرجع فيه إلى رأي الحاكم ، وهو قريب مما ذكره المصنف.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن إطلاق كلامهم يقتضي ثبوت النقص سواء علم سبق الثيبوبة أم لا ، وكلام المحقق في النكت صريح في ذلك (١).

وهذا الحكم مشهور بين الأصحاب ، والذي يقتضيه الدليل عدم نقص شي‌ء كما يراه أبو الصلاح (٢) ، إلاّ أن مخالفة الأصحاب لا يخلو من شي‌ء ، فإن قلنا به فكلام المحقق قريب.

قوله : ( ولو تزوج متعة فبانت كتابية ، أو دواما على رأي من سوغه فلا فسخ ، إلاّ أن يطلق أو يهب المدة ولا يسقط من المهر شي‌ء ).

أي : لو تزوج امرأة يظن أنها مسلمة ، أو على أنها مسلمة لكن لم يشترط إسلامها في العقد فظهرت كتابية والنكاح متعة على رأي المصنف ومن جرى مجراه في القول بمنع نكاح المسلم الكتابية دواما وتجويز المتعة ، أو دائم على قول من جوز نكاحها دواما.

ولما كان هذا غير مرضي عند المصنف بناه على رأي من سوغه ليستقيم الحكم ، لأن إثبات الفسخ ونفيه فرع صحة النكاح في نفسه كما لا يخفى ما يثبت للزوج بذلك فسخ ، لأن عدم الإسلام في الزوجة لا يعد عيبا بالنسبة إلى النكاح.

ولا ينقص بسببه الاستمتاع فلا ينقص من المهر بسببه شي‌ء بخلاف ما إذا تزوج على انها بكر فظهرت ثيبا.

فان قيل ، قوله : ( إلاّ أن يطلق أو يهب المدة ) استثناء مما ذا؟

__________________

(١) نكت النهاية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٦٣٨.

(٢) الكافي في الفقه : ٢٩٦.

٣٠٥

______________________________________________________

قلنا : هو استثناء من محذوف تقديره : فلا فسخ في حال من الأحوال إلاّ في حال طلاقه إذا كان النكاح دواما أو هبة المدة إياها إذا كان النكاح متعة. فهو مع ما قبله لفّ ونشر غير مرتب.

ويمكن أن يكون استثناء منقطعا ، والمعنى فلا فسخ على حال من الأحوال لكن له أن يطلق وأن يهبها المدة.

فإن قيل : فما الباعث عليه؟.

قلنا : لما كان نفي الفسخ يقتضي العموم بيّن أن المراد نفي الفسخ بغير طلاق وهبة المدة.

فإن قيل : فيتوهم من عموم نفي الفسخ عدم ثبوته لو كان ، ثم أحد العيوب الموجبة له أو غير ذلك من أسبابه.

قلنا : هذا الوهم مدفوع بأن ظاهر المقام انتفاء سبب آخر من أسباب الفسخ ، أو ما يتوهم بسببه ثبوت الفسخ سوى كفر الزوجة فلا حاجة إلى التحرز.

وأما إبانة النكاح بالطلاق وهبة المدة فإنه منوط باختيار الزوج متى شاء فحسن التعرض إليهما.

ولو شرط في العقد إسلام الزوجة وقد نكحها متعة ، على ما اختاره المصنف ، أو دواما على رأي من سوغه للكتابية ، ثم ظهرت كتابية كان له الفسخ بها ، لفوات الشرط المقتضي لتزلزل العقد ، وقد ذكرنا التوجيه في نظائره غير مرة ، وإنما قيّدنا في تصوير المسألة بكون النكاح متعة عند المصنف أو دواما على رأي من سوغه ، لأن ثبوت الفسخ فرع صحة العقد في نفسه ، وقد ذكره المصنف في تصوير أصل المسألة ، وإلى هذا القسم أشار المصنف بقوله : ( ولو شرط الإسلام فله الفسخ ) ، أي : ولو شرط الإسلام في هذه الصورة المفروضة في نفس العقد فظهرت كتابية فسخ إن شاء.

٣٠٦

ولو أدخلت امرأة كل واحد من الزوجين على صاحبه فوطأها ، فلها المسمّى على زوجها ومهر المثل على واطئها ، وترد كل منهما على زوجها ، ولا يطأها إلاّ بعد العدة.

ولو ماتتا في العدة أو مات الزوجان ورث كل زوجته ، وبالعكس.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أدخلت امرأة كل من الزوجين على صاحبه فوطأها فلها المسمّى على زوجها ومهر المثل على واطئها ، وترد كل منهما على زوجها ولا يطأها إلاّ بعد العدة ، ولو ماتتا في العدة أو مات الزوجان ورث كل زوجته وبالعكس ).

قال الشيخ في النهاية : إذا عقد الرجلان على امرأتين ، فأدخلت امرأة هذا على هذا والأخرى على الآخر ثم علم بعد ذلك ، فإن كانا قد دخلا بهما كان لكل واحدة منهما الصداق ، وإن كان الولي قد تعمد ذلك اغرم الصداق.

ولا يقرب كل واحد منهما امرأته حتى تنقضي عدتها ، فإن ماتتا قبل انقضاء العدة فليرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما ويرثاهما الرجلان ، وإن مات الرجلان وهما في العدة فإنهما ترثانهما ولهما المسمّى (١) ، هذا كلامه رحمه‌الله.

قال ابن إدريس : الصحيح من الأقوال أن بموت أحد الزوجين أما المرأة أو الرجل يستقر جميع المهر كملا ، سواء دخل بها الرجل أم لا (٢).

احتج الشيخ بما رواه جميل بن صالح عن بعض أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام : في أختين أهديتا إلى أخوين في ليلة فأدخلت امرأة هذا على هذا وأدخلت امرأة هذا على هذا ، قال : « لكل منهما الصداق بالغشيان ، وإن كان وليهما يعلم ذلك اغرم الصداق ولا يقرب واحد منهما امرأته حتى تنقضي العدة ، فإذا انقضت العدة‌

__________________

(١) النهاية : ٤٨٨.

(٢) السرائر : ٣١٠.

٣٠٧

______________________________________________________

صارت كل واحدة منهما الى زوجها بالنكاح الأول » ، قيل له : فإن ماتتا قبل انقضاء العدة ، قال : فقال : « يرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما ويرثاهما الرجلان » (١).

والأصح وجوب المهر كملا ، والرواية ضعيفة وحملها المصنف في المختلف على أن المرأتين ليس لهما ولد ، فيرجع الزوجان بنصف المهر إذا كانا قد دفعاه على سبيل الميراث (٢).

ثم تنبه لأمور :

الأول : استحقاق كل من المرأتين على من أدخلت عليه مهر المثل إنما هو مع الوطء للشبهة ، لا بدونه ، وهو ظاهر.

وكذا وجوب العدة إنما هو مع الوطء لا بدونه ، فيرد كل منهما على زوجها بغير عدة ، ولو وطئت إحداهما خاصة. اختص الحكم بها.

الثاني : إنما يجب لها المهر المذكور بالوطء إذا لم تعلم بالتحريم ، اما بأن تجهل كون الزوجة غيرها ، أو تعلمه وتجهل تحريم الوطء ، فلو علمتهما فلا شي‌ء لها ، لأنها بغي ولا اعتبار بعلم الزوج وعدمه.

أما العدة فإن وجوبها يتحقق بجهل أحدهما ، ليكون الوطء من طرفه محترما.

الثالث : يرجع كل من الزوجين بما غرمه من مهر المثل على الولي ، وفي رواية التقييد بتعمده ، وكذا في عبارة الشيخ على ما سبق ذكره.

وينبغي أن يقال : إن تعمد الولي والزوجة أو كانا جاهلين فالغرم عليها دون الولي ، لأن سببيتها أقوى.

نعم يستثني لها أقل ما يصلح مهرا ، وإن تعمد أحدهما خاصة فالغرم مختص به ، فإن تعمدت هي فلا بد من استثناء الأقل ، ولو علم الزوج بالحال وجهلت المرأة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٠٧ حديث ١١ ، الفقيه ٣ : ٢٦٧ حديث ١٢٦٩ ، التهذيب ٧ : ٤٣٤ حديث ١٧٣٠.

(٢) المختلف : ٥٥٧.

٣٠٨

ولو اشتبه على كل منهما زوجته بالأخرى قبل الدخول ، منع منه والزم بالطلاق ولا تحسب في الثلث ويلزم نصف المهر ، فيقسم بينهما بالسوية إن تداعياه ، أو يقرع فيه ، أو يوقف حتى يصطلحا.

ويحرم على كل منهما أم كل واحدة منهما ، وتحرم كل منهما على أب الزوج وابنه. والميراث كالمهر ، ويحتمل القرعة ابتداء ،

______________________________________________________

غرم مهر المثل ولا يرجع به على أحد ، وينبغي تأمل هذا التفصيل لأني لم أجد به قائلا.

الرابع : لو مات أحد الزوجين ورثه الآخر ، سواء كان في عدة الشبهة أم لا.

وقول المصنف : ( ولو ماتتا في العدة. ) يوهم أن لها دخلا في الإرث ، وليس كذلك ، والمصنف تبع في ذلك عبارة الشيخ ولفظ الرواية لا يلزم منه تخصيص ، لأن السؤال وقع عن حكم موتهما في العدة فكان الجواب على طبقه.

قوله : ( ولو اشتبهت على كل منهما زوجته بالأخرى قبل الدخول منع منه والزم الطلاق ، ولا يحسب الثلاث ، ويلزم تنصيف المهر فيقسم بينهما بالسوية إن تداعياه ، أو يقرع فيه ، أو يوقف حتى يصطلحا ، ويحرم على كل واحد منهما أم كل واحدة منهما ، وتحرم كل منهما على أب الزوج وابنه ، والميراث كالمهر ويحتمل القرعة ابتداء ).

إذا عقد رجلان على امرأتين بمهرين ثم اشتبهت زوجة كل واحد منهما بالأخرى فبيان أحكامها في مسائل :

الأولى : تحريمهما على الزوجين. فإن الزوجة إذا اشتبهت بالأجنبية حرمتا ، لوجوب اجتناب الأجنبية ولا يتم إلاّ باجتنابهما ، ولا يرتفع بذلك النكاح قطعا وإنما تحرم الاستمتاعات التي شأنها أن تحل به.

وكذا النظر واللمس وما جرى مجراهما ، فعلى هذا لو لم يكونا قد دخلا بهما منعا‌

٣٠٩

______________________________________________________

من الدخول لا محالة.

الثانية : تحرم على كل واحد منهما أم كل واحدة منهما ، وكذا غير الام ممن اقتضى النكاح تحريمهما بالمصاهرة عينا أو جمعا بهما ، لأن المقتضي للتحريم وهو النكاح حاصل ، والاشتباه لا يمنع تأثيره ، واجتناب أم الزوجة لكل منهما لا يتم إلاّ باجتنابهما ، وكذا البواقي ، وكذا تحرم كل منهما على أب كل من الزوجين وابنه لمثل ما ذكرناه.

الثالثة : إلزام كل من الزوجين بالطلاق بمعنى وجوب ذلك ، لظاهر قوله تعالى : ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) وقد تعذر الأول فتعيّن الثاني.

والمراد به الطلاق فيكون واجبا ، فإن امتنع منه اجبر عليه ، ولا يقدح في صحته ، لأن الإجبار شرعا لا ينافي الصحة ، كما في إجبار المديون إذا امتنع من البيع وتوقف الأداء عليه.

ويتحقق الطلاق بأن يطلّق كل منهما زوجته من المرأتين ، أو يطلق كل واحدة منهما بعينها فيقع الطلاق على الزوجة ويبطل في الأجنبية.

ويحتمل عدم وجوب الطلاق ، للأصل ، ولا نسلم أن الإمساك بمعروف متعذر للاشتباه.

ولو سلّمنا فلا نسلم تحتم الثاني ، لجواز أن يراد من الآية وجوب أحد الأمرين مع القدرة ، لامتناع التكليف بدونها ، ولا تعلق له بحال التعذر ، فتجب حينئذ القرعة ، لأنه أمر مشكل ، وفي كل أمر مشكل القرعة كما ورد به النص (١) ، فمن عينت القرعة زوجيته تعينت وثبت له أحكام الزوجية.

وهذا هو المراد من قول المصنف : ( ويحتمل القرعة ابتداء ) أي : في أول الأمر من حين حصول الاشتباه.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٥١ باب الحكم بالقرعة ، التهذيب ٧ : ٢٣٣ حديث ٥٧١ ، الاستبصار ٣ : ٣٩ حديث ١٣١.

٣١٠

______________________________________________________

ويحتمل أن يقال : يتلطف بهما ، فإن طلقا وقع وإلاّ سلطنا المرأتين على الفسخ ، أو فسخ الحاكم كما سبق في تزويج الوليين المرأة لرجلين مع نسيان السابق من العقدين ، وقد سبق تحقيق ذلك كله.

إذا تقرر ذلك فلو طلق كل منهما لم يكن الطلاق محسوبا في الثلاث ، بمعنى أنه لو تزوج بعد ذلك لا يكون معه على طلقتين بل الثلاث بحالها.

كذا ذكره المصنف ، ومراده إنه إذا تزوّج واحدة منهما ، لأنه إنما طلق الزوجة ولم تكن زوجيتها معلومة بالنسبة إليه والأصل عدمها ، وكذا الأصل بقاء الحل إلى التطليقة الثالثة.

أما إذا تزوجهما معا ـ حيث يجوز له جمعهما ـ ثم طلقهما اثنتين فقد استكملت إحداهما الثلاث قطعا ، لأن إحداهما كانت زوجة حين طلاق الاولى وقد حصل الاشتباه فتحرمان كما لو اشتبهت الزوجة بالمطلقة إلاّ بالمحلل ، فلو تزوجهما ثم طلقهما بعد ذلك افتقر الى المحلل أيضا ، لأن الأخرى قد استكملت الثلاث وهي مشتبهة إلاّ على القول بأن التحليل يهدم ما دون الثلاث.

الرابعة : إذا وقع الطلاق من كل منهما لكل من الزوجين قبل الدخول الزم كل منهما بنصف المهر ، لأن ذلك مقتضى الطلاق قبل الدخول ، فإن تساوى المهران جنسا وقدرا وصفة وتسليما فالحكم ظاهر فإن كل واحدة منهما تأخذ نصفا.

وإن اختلف الجنس كالذهب والفضة ، أو القدر كمائة وخمسين ، أو الوصف كالجيد والردي‌ء ، أو تعذر الاستيفاء من إحداهما لإعساره دون الأخرى ، فإما أن يعلم كل من الزوجين ما عليه وان جهل مستحقه ، أو لا ، فإن علما واختلف الجنس أو الوصف خاصة أدى كل واحد منهما نصف ما عليه.

ثم الزوجان إما أن يدّعي كل منهما زوجية إحديهما واستحقاق نصف العين ، أو أحدهما أو لا تداعيا شيئا للاشتباه عليهما.

٣١١

______________________________________________________

فإن تصادمت دعواهما في نصف بخصوصه ففيه ثلاثة أوجه : اقتسامه ، لانتفاء المرجح ويحلف كل واحد منهما للأخرى. والقرعة ، لأنه أمر مشكل. أو الإيقاف حتى يصطلحا ، لتعذر الوقوف على مستحقه ولا مخرج سوى الصلح.

لكن مع الاقتسام يجعل النصف الآخر عند الحاكم كسائر الأموال المجهولة الملاّك ، ولو رجعت إحداهما إلى دعوى النصف الآخر لم يبعد سماعها ، إذ ليس فيها إلاّ إكذاب دعواها الاولى ، ولأنه لا يزيد على إكذاب المقر له الإقرار ثم يرجع الى التصديق ، فترد ما أخذته على الأخرى ويسلّم إليها النصف الثاني ، لانحصاره فيها ، فإن الأولى قد دفعته عن نفسها ، وإن حكمنا بالقرعة ، فمن خرج اسمها استحقت فيتعين للأخرى النصف الآخر.

وإن ادعت كل واحدة غير ما ادعته الأخرى دفع الى كل منهما ما تدعيه ، لانحصار الاستحقاق فيهما وانتفاء التنازع بينهما.

وإن ادعت إحداهما وسكتت الأخرى دفع الى المدعية ما ادعته ، لانتفاء المنازع وإمكان صدقها.

ويحتمل في النصف الآخر دفعه إلى الأخرى ، لانحصار الحق فيها وقد نفته المدعية عن نفسها فانحصر استحقاقه في الأخرى.

وإن سكتتا معا ولم تدع واحدة منهما شيئا معيّنا فقد قال الشارح الفاضل ولد المصنف : إنه إما أن يقسم كل نصف بينهما نصفين ، أو يقرع بينهما ، أو يوقف الحال في كل نصف حتى تصطلحا (١) ، وليس بجيد ، لأن اقتسامهما كلا من النصفين يقتضي إعطاء الحق لغير مستحقه قطعا ، للقطع بأن كل نصف لواحدة لا يشاركها فيه الأخرى.

__________________

(١) إيضاح الاشتباه ٣ : ١٨٨.

٣١٢

______________________________________________________

وليس هذا مثل قسمة أحد النصفين بينهما عند التداعي لاستوائهما في المقتضي للاستحقاق وهو التداعي هناك ، بخلاف ما هنا ، فيكون فيه احتمال القرعة والإيقاف إلى الصلح خاصة.

ومثله في الفساد قوله : بعد تداعيهما أحد النصفين بعينه وقسمته بينهما في النصف الآخر ، ولو ادعتاه اقتسمتا. ،

وذلك لأن كل نصف لواحدة فكيف يمكن قسمته لكل منهما وتسلط من لا يستحق على مال غيره ، وفيه فساد آخر وهو أن دعوى واحدة نصفا معينا إنما يكون إذا ادعت زوجة من وجب عليه ذلك النصف ، فكيف تتصور زوجية كل منهما لكل من الزوجين.

ومثله في الفساد دعوى كل واحدة منهما كل واحد من النصفين اقتراحا ، ولو حمل على رجوعهما عن الدعوى الاولى إلى هذه بعد حكم الحاكم ففي السماع احتمال ، هذا حكم ما إذا اختلفا جنسا أو وصفا.

فإن اختلفا قدرا واتحد الجنس دفع كل من الزوجين بقدر نصف المهر الأقل ، فيقسم بينهما ويبقى نصف الزيادة يؤخذ ممن وجب عليه.

فإن ادعتاه جرت فيه الاحتمالات الثلاثة ، وإن ادعته إحداهما أو لم تدعه واحدة منهما فحكمه معلوم مما سبق ، وإن كان الاختلاف بين المهرين باعتبار لزوم التسليم وعدمه أخذ النصف المعجل.

ويجري فيه ما سبق باعتبار التداعي وعدمه ، ويبقى النصف المتخلف إلى حين حصوله تستفاد أحكامه مما سبق.

وإن جهل كل من الزوجين ما عليه بخصوصه ، فإن اتحد الجنس واختلف القدر أخذ من كل منهما بقدر نصف الأقل وبقي النصف الزائد ، إن تبرع به أحدهما فلا بحث ، وإلاّ كان حقا مجهول المحل والمستحق منحصر في اثنين.

٣١٣

______________________________________________________

ولو اختلف الجنس أو الوصف فالحكم في مجموع النصفين مثل ما قلناه آنفا في الزيادة.

وكذا الحكم لو كان جهة الاختلاف بين المهرين وجوب التسليم وعدمه فقط ، فإن المطالبة بأحد الوصفين متعذرة إلى حين حضور وقت استحقاق الآخر.

ولو ادعت احدى الزوجتين على أحد الزوجين بأحد الجنسين المختلفين أنها تستحقه عليه ، فالذي تقتضيه الأصول عدم الاكتفاء بقوله : لا اعلم ، بل يكلف الجواب على البت ، فإن لم يحلف حلفت واستحقت ، فإن ادعت الأخرى بعد يمينه للأولى سمعت الدعوى وكلف الجواب الى آخر ما سبق ، وإن كان بعد يمينها فقد سبق في الشفعة في نظير هذه المسألة في الفصل الخامس في التنازع قبل قوله : ( ولو اختلف المتبايعان في الثمن ) عدم سماع الدعوى الأخرى ، لئلا يلزم الحكم ببطلان القضاء الأول فيجي‌ء مثله ها هنا.

وينبغي تأمل هذا المبحث خصوصا هذه الأحكام الأخيرة ، فإني لم أقف عليها في كلام أحد. واعلم أن حكم الميراث إذا مات أحد الزوجين أو الزوجتين أو هما حكم المهر ، فمع التداعي اما القسمة أو القرعة أو الإيقاف.

ثم اعلم أن قول المصنف : ( ويلزم بنصف المهر ) معناه : ويلزم كل واحدة منهما بنصف المهر ، فيكون الواجب النصفين.

وقوله : ( فيقسم بينهما ) إن عاد الضمير إلى كل منهما فهو مشكل ، لامتناع ادعاء كل من الزوجين لكل من النصفين ، وعوده إلى نصف واحد خلاف الظاهر ، ومع ذلك فلا بد من التقييد بما إذا اختلف المهران بأحد الأمور السابقة ، وتحقيق كل من الزوجين ما عليه ، فإطلاق العبارة لا يخلو من شي‌ء.

٣١٤

ويثبت المسمّى في كل وطء عن عقد صحيح وإن انفسخ بعيب سابق على الوطء أو العقد ، ومهر المثل في كل وطء عن عقد باطل في أصله لا المسمّى.

فروع :

أ : لو شرط الاستيلاد فخرجت عقيما فلا فسخ ، لإمكان تجدد شرطه‌

______________________________________________________

قوله : ( ويثبت المسمّى في كل وطء عن عقد صحيح وإن انفسخ بعيب سابق على الوطء أو العقد ، ومهر المثل في كل وطء عن عقد باطل في أصله لا المسمّى ).

وجهه : ان الموجب للمهر المسمّى هو العقد الصحيح على ما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى ، والفسخ لا يرفعه من أصله وإنما يبطله من حين وقوع الفسخ وإن كان بعيب سابق على العقد ، وقول الشيخ (١) والشافعي (٢) بوجوب مهر المثل ضعيف. أما إذا كان العقد فاسدا فإنما يجب بالوطء فيه مهر المثل دون المسمّى ، لأن الفاسد لما لم يترتب عليه أثره كان وجوده كعدمه.

ومع الوطء يجب عوض المثل لمنفعة البضع وذلك مهر المثل ، وقد سبق في نكاح المماليك قول لجمع من الأصحاب بوجوب المسمّى فيما إذا تزوّج الحر أمة بغير اذن مالكها ووطأ قبل الرضى ، وقد ذكرنا ما فيه هناك.

وإن انتفى الوطء ، فإن كان العقد فاسدا فلا شي‌ء ، لانتفاء المقتضي ، وإن كان صحيحا ووقعت الفرقة بفسخ فلا شي‌ء أيضا ، إلاّ في العنة فيجب نصف المهر كما سبق ، وكذا إذا طلق قبل الدخول.

قوله : ( فروع : أ : لو شرط الاستيلاد فخرجت عقيما فلا فسخ ،

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٥٣.

(٢) المجموع ١٦ : ٢٧٣.

٣١٥

في الشيخوخة ، وعدم العلم بالعقم من دونه ، وجواز استناده إليه.

______________________________________________________

لإمكان تجدد شرطه في الشيخوخة ، وعدم العلم بالعقم من دونه ، وجواز استناده إليه ).

الشيخوخة مصدر شاخ يشيخ ، وينبغي أن يراد بها الطعن في السن إلى نهاية العمر ، وتحرير البحث أنه إذا شرط الرجل في عقد النكاح استيلاد المرأة يعني ، كونها بحيث تستولد بمعنى أن لا تكون عقيما ، فمضى عليها مدة طويلة ولم تلد مع انتفاء مانع آخر ظاهر سوى العقم لم يثبت بذلك فسخ ، وإلاّ لزم ثبوت الخيار مع تحقق انتفاء الشرط ، والثاني باطل بالنص والإجماع فالمقدم مثله.

بيان الملازمة عدم تحقق العقم بما ذكر ، لإمكان تجدد الاستيلاد في الشيخوخة كما في قصة إبراهيم وزكريا عليهما‌السلام وعلى نبينا الصلاة والسلام وآله ، ولانتفاء العلم بالعقم من دون حصول الشيخوخة ، لأن كل زمان يتجدد حصوله يرجى فيه حصول الاستيلاد وتجدده قبل تحقق الشرط ، ولأن انتفاء استيلاد المرأة قد يكون مستندا إلى الزوج ، فلا يكون عدم استيلادها دليلا على عقمها ، فهذه دلائل ثلاثة ذكرها المصنف رحمه‌الله على عدم ثبوت الفسخ في المسألة المذكورة.

وتنقيح المقام بجعلها دلائل التلازم في القياس الاستثنائي أولى ، وعلى ما قلناه فيكون الضمير في قوله : ( لإمكان تجدده ) عائدا إلى الاستيلاد ، ويكون الضمير في‌

قوله : ( من دونه ) عائدا إلى الشيخوخة بضرب من التأويل ، أي ولعدم العلم بالعقم من دون مضي زمان الشيخوخة.

ويمكن عوده الى العقم ، أي ولعدم العلم بالعقم من دون العقم ، لأن العلم بحصول شي‌ء فرع حصول ذلك الشي‌ء في نفسه ، لأن العلم يستدعي المطابقة.

وربما قيل بإمكان عوده الى ما دل عليه إمكان التجدد ، أي وعدم العلم بالعقم من دون عدم إمكان التجدد ، فيكون هذا وما قبله دليلا واحدا ، تقريره لإمكان تجدد الاستيلاد فيه ، ومن التكليف والبعد ما لا يخفى.

٣١٦

ب : كل شرط يشرطه في العقد يثبت له الخيار مع فقده ، سواء كان دون ما وصف أو أعلى على اشكال.

نعم لو تزوجها متعة أو دواما على رأي بشرط أنها كتابية فظهرت مسلمة فلا خيار.

______________________________________________________

واعلم أن قول المصنف : ( لو شرط الاستيلاد فخرجت عقيما ) لا يخلو من مسامحة ، لأن خروجها عقيما يقتضي انتفاء الشرط فيثبت الخيار ، والمراد حصول ما يتوهم منه العقم ، والضمير في ( شرطه ) يعود الى الاستيلاد أو الى الزوج.

قوله : ( ب : كل شرط يشترط في العقد يثبت له الخيار مع فقده ، سواء كان دون ما وصف أو أعلى على اشكال ، نعم لو تزوجها متعة أو دواما على رأي بشرط أنها كتابية فظهرت مسلمة فلا خيار ).

لا ريب أن كل ما يشترطه الزوج في عقد النكاح من صفات الكمال ، مما لا ينافي مقصود النكاح ولا يخالف الكتاب ولا السنة صحيح ، فإذا تبيّن انتفاؤه وخلوها من الكمال لم يكن النكاح باطلا ، لأن فقد الشرط لا يقتضي بطلانه ، لكن يثبت للمشروط الخيار ، لأن فوات الشرط يقلب العقد اللازم جائزا.

ولو اشترط شيئا من الصفات التي لا تعد كمالا ، كما لو شرط كونها قبيحة الصورة أو جاهلة بتدبير المنزل ، فالمتجه صحة الشرط ، لأن الغرض قد يتعلق بذلك.

وليس فيه منافاة للكتاب ولا للسنة ، فلو انتفى الشرط وظهر الاتصاف بالضد ـ ففي المثال المذكور ظهر كونها جميلة أو عالمة بتدبير المنزل ـ ففي ثبوت الخيار في ذلك وأمثاله عند المصنف إشكال ينشأ : من أن ثبوت الخيار وسيلة إلى التخلص من النقص ولا نقص هنا فلا خيار ، ومن أن فوات الشرط المحكوم بصحته لو لم يثبت به الخيار كان الاشتراط وعدمه سواء ، وهو معلوم البطلان.

وتنقيح المقام أن صفة النقص قد يقارنها ما يلحقها بصفة الكمال ، ويتعلق بها‌

٣١٧

______________________________________________________

الغرض كما يتعلق بصفة الكمال ، كما لو كان الرجل مثلا كثير الاسفار ، وليس له من يخلفه في أهله ، فرغب في قبيحة المنظر لتكون أبعد عن تطلع الأجانب إليها.

وكذا لو خشي من حذق الزوجة في أمور المنزل لحوق بعض المتاعب له بطمع بعض المتغلبين ، ونحو ذلك.

وذهب الشارح الفاضل ولد المصنف الى بطلان هذه الشروط ، محتجا ببعد النكاح عن قبول الخيار قال : وإنما يصح شرط الحرية والنسب والبكارة ، وما يرى هذه في الكفارة للنص (١).

ولقائل أن يقول : إن النص لم يرد بثبوت الخيار باشتراط البكارة ، فيكون اشتراطه خروجا عن النص ، ومع ذلك فالكتاب والسنة واردان بصحة الشرط السائغ ، الذي لا ينافي مقتضى النكاح ، ويلزم منه ثبوت الخيار بفواته ، فيكون الخيار حينئذ ثابتا بالنص ، فلا يتم ما ذكره.

ولو سلّم فالبعيد عن النكاح اشتراط الخيار ، لا اشتراط ما يقتضي فواته الخيار ، فحينئذ القول بثبوت الخيار في نحو ذلك ليس بذلك البعيد.

وقول المصنف : ( نعم لو تزوجها. ) المراد به أنه إذا تزوج امرأة وشرط كونها كتابية ، وكان النكاح متعة عندنا ودواما على رأي من يجوز نكاح الكتابية دواما ، فظهرت مسلمة ، فإن هذا الشرط لا يوجب فواته الخيار ، بخلاف غيره من الشروط المتعلقة بصفات النقص ، فإن فيها اشكالا عند المصنف ، فيكون هذا الشرط مستثنى من عموم الكلية السابقة ، فإن لفظ نعم في مثل هذا التركيب للاستدراك.

ووجهه أن اشتراط صفة الكفر وعدم الرضى بالإسلام ظاهره ترجيح الكفر على الإسلام ، وذلك من الأمور الشنيعة المستهجنة شرعا ، فيناسب كون هذا الشرط‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ١٨٩.

٣١٨

ج : لو تزوج العبد على أنها حرة فظهرت أمة فكالحر ، فإن فسخ قبل‌

______________________________________________________

باطلا ، وآنفا ذكره وهو كلام وجيه.

وينبغي أن يكون ما جرى مجراه كذلك ، كما لو شرط كونها غير عفيفة نعوذ بالله من ذلك فظهرت عفيفة ، لأن هذا الشرط ينافي المروءة.

وعند التحقيق فليس هذا النوع من الشروط بسائغ شرعا ، فإن ما خالف الدين والمروءة فهو مخالف للكتاب والسنة.

ثم تنبه لشي‌ء وهو أن تقييد المصنف النكاح إذا شرط كون المنكوحة كتابية بكونه متعة على رأيه ، أو دواما على رأي قوم اخرين ، يشعر بأنه لو تزوجها دواما وشرط كونها كتابية لا يصح النكاح عنده ، وبه صرح الشيخ في المبسوط (١).

وجهه أن العقود تابعة للقصود ، فإذا عقد على امرأة دواما وقد شرط كونها كتابية ، فقد عقد على من يعتقد بطلان عقدها ، فيكون قاصدا إلى عقد يعتقد بطلانه ، فيجب أن يكون باطلا.

ويطرد هذا الحكم فيما لو طلق طلاقا يعتقد بطلانه ، أو يتردد فيه للتردد في حصول شرطه ، كما لو لم يعلم انتقالها من طهر الى آخر ، حيث يشترط ذلك لانتفاء قصده الى عقد صحيح ، والقصد معتبر اتفاقا.

وقد حكى المصنف في التحرير (٢) قول الشيخ في المبسوط ولم يفت بشي‌ء.

ولقائل أن يقول : إن المقدمة القائلة أن القصد الى العقد الفاسد يمنع صحته مسلّمة ، لكن لا نسلم أن من تزوج امرأة دواما على أنها كتابية قاصدا إلى عقد فاسد ، لأنه لا يلزم من اشتراط كونها كتابية اعتقاد كونها كذلك بحسب الواقع ، والأصل في المكلف في بلاد الإسلام أن يكون مسلما ، والأصل من الأمور المقطوع بها شرعا.

قوله : ( ج : لو تزوّج العبد على أنها حرة فظهرت أمة فكالحر ، فإن‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٥٤.

(٢) التحرير ٢ : ٣١.

٣١٩

الدخول فلا شي‌ء ، وبعده المسمّى على سيده أو في كسبه ، ويرجع به على المدلّس ويكون للمولى.

ولو أعتق قبل الفسخ فالأقرب أن المرجوع به للعبد ،

______________________________________________________

فسخ قبل الدخول فلا شي‌ء ، وبعده المسمّى على سيده أو في كسبه ويرجع به على المدلس ويكون للمولى ، ولو أعتق قبل الفسخ فالأقرب أن الرجوع به للعبد ).

أي : لو تزوج عبد امرأة على أنها حرة ، إما بأن شرط ذلك في عقد النكاح ، أو سبق الاخبار بحريتها قبله ، ثم جرى العقد على ذلك فظهرت أمة ، فالحكم هنا كما سبق فيما إذا تزوج الحر على أنها حرة في ثبوت الخيار في كل من الصورتين عند المصنف كما اختاره سابقا ، وقد حققنا البحث واستوفينا الكلام فيه فلا حاجة الى إعادته.

وليس لقائل أن يقول : إن المتجه هنا عدم الخيار ، لتكافؤ الزوجين في كون كل منهما رقا ، بخلاف الحر ، لأن المقتضي للفسخ هو الغرور بالعقد على من شرطت حريتها فظهر خلاف الشرط ، أو وصفت بالحرية بحيث جرى العقد على ذلك ثم تبيّن العدم لا عدم التكافؤ ، فيجب ثبوته وهو حق للعبد ، ولو ظهر بعضها رقا فكالرقية جميعا.

إذا تقرر ذلك فإن فسخ قبل الدخول فلا مهر ، وإن فسخ بعده فالمسمّى على السيد إن كان النكاح بإذنه أو في كسبه على ما سبق بيانه في نكاح الإماء ، فإذا حصل الفسخ وغرم السيد المهر يرجع به على المدلس ويكون للمولى لا محالة ، لأن العبد لا يملك.

ولو أعتق العبد قبل الفسخ ثم حصل الفسخ بالنسب المذكور فالأقرب عند المصنف أن الرجوع بالمهر في هذه الحالة على المدلس للمعتق.

٣٢٠