جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧

الفصل الثالث : في التدليس : ويتحقق بإخبار الزوجة ، أو وليها أو‌

______________________________________________________

وهذا هو المراد من ثبوت الخيار ، وليس هذا الوجه بعيدا من الصواب.

وهذا على القول الأصح لأصحابنا من أن الولاية في النكاح إنما تثبت على طريق الإجبار ، أما على القول بثبوتها على طريق التشريك بين المرأة والولي إذا كانت بكرا بالغة رشيدة فقد فرق بوجه آخر ، وهو أن الولي إنما يكون له اعتراض في مثل ذلك في ابتداء العقد دون الدوام ، نظرا إلى أنها لو رغبت في نكاح عبد كان لوليها المنع ولو عتقت أمة تحت عبد ورضيت بالمقام معه لم يكن لوليها الاعتراض.

وعلى هذا فيكون نظر الولي في العقد مع أحد العيوب بعد وقوعه إذا تجدد علمه به كنظره في حال إيقاعه فيعتمد المصلحة ، والحجة على ذلك ثبوت هذا النظر قبل العقد فيستصحب ، وعلى هذا فكل من اختار الفسخ منه ومنها قدّم اختياره.

واعلم أن في كلام الشارح الفاضل هنا مناقشة يجب التنبه لها ، فإنه في الفرق أطلق أن المرأة البكر لو رغبت في نكاح عبد كان للأولياء المنع على القول بأن عليها ولاية ، وقيّد الحكم بنفي تسلط وليها على الفسخ إذا أعتقت تحت عبد ورضيت بالمقام. معه بما إذا تجدد جنونها بعد الرضى.

وهذا القيد غير محتاج إليه وإنما ارتكبه ظنا منه الاحتياج اليه ، وإنما قلنا انه غير محتاج إليه ، لأنها إذا تجدد عتقها بعد العقد وقبل زوال البكارة فالولاية باقية ، وإن لم يعرض جنون الثاني على القول بثبوت الخيار إذا اختار الولي الفسخ نفذ ، وإن اختار الإمضاء لم يسقط خيار المولى عليه بعد كماله ، كما لو زوّج أحد الصغيرين بمن به عيب مع المصلحة فإن له الخيار بعد البلوغ ، وقد حققناه في أول كتاب النكاح.

قوله : ( الفصل الثالث : في التدليس ، ويتحقق بإخبار الزوجة أو وليها ،

٢٨١

ولي الزوج ، أو السفير بينهما على اشكال بالصحة ، أو الكمالية عقيب الاستعلام ، أو بدونه. وهل يتحقق لو زوجت نفسها ، أو زوجها الولي مطلقا؟ اشكال. ولا يتحقق بالاخبار لا للتزويج ، أو له لغير الزوج ،

______________________________________________________

أو ولي الزوج أو السفير بينهما ، على اشكال بالصحة أو الكمالية عقيب الاستعلام أو بدونه ، وهل يتحقق لو زوجت نفسها أو زوجها الولي مطلقا؟ اشكال ، ولا يتحقق بالاخبار لا للتزويج ، ولا لغيره ).

قد عنون الفصل الجامع لهذه المسائل في كلام المصنف وكلام غيره بالتدليس وما قبله بالعيوب ، مع أن أحكام التدليس غير مقصورة على مسائل هذا الفصل ، بل هي ثابتة مع العيوب.

وكان المناسبة لذلك هي أن الرد في هذه المسائل لا يثبت إلاّ بسبب اشتراط صفة كمال هي غير موجودة ، فلم يكن للخيار منشأ إلاّ التدليس ، بخلاف الخيار في العيب فإن منشأه وجود العيب فقط.

وقد ضبط المصنف التدليس بضابط هو أعم من تدليس هذا الفصل ، فكأنه حاول بذلك شموله للتدليس هنا وفي العيوب ، وفيه إشكالات سنذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى ، فهنا مباحث :

الأول : يتحقق التدليس على ما ذكره رحمه‌الله في طرف الزوجة بأخبارها بصحتها فيظهر الخلاف ، أو بكماليتها بصفة من صفات الكمال كالحرية والبكارة فيظهر العدم ، سواء كان هذا الاخبار عقيب الاستعلام أو بدونه.

وكذا يتحقق بإخبار ولي الزوجة بذلك ، وفي طرف الزوج باخباره كذلك وباخبار وليه ، وأشار بقوله : ( بالصحة ) إلى التدليس في العيوب ، وبقوله : ( أو الكمالية ) الى التدليس هنا.

وهل يتحقق التدليس بالاخبار من السفير ـ وهو الواسطة بين الزوج‌

٢٨٢

______________________________________________________

والزوجة ، وهو فعيل من السفارة وهي الرسالة ـ؟ فيه اشكال عند المصنف ينشأ : من أن الأجنبي لا تعلق له بالنكاح فإنه ليس أحد الزوجين ولا قائما مقامه ، وإنما هو أجنبي كذّب في اخباره ، والتفريط ممن قبل قوله ، ومن حصول التغرير بقوله ، وهو المراد من التدليس.

الثاني : هل يتحقق التدليس لو زوّجت نفسها مطلقا ، يعني من غير أخبار بالصحة في ذات العيب وبالكمالية في ذات النقص ، أو زوجها وليها مطلقا؟ فيه إشكال ينشأ : من أنه لما لم يحصل الاخبار من أحد الزوجين ولا من وليه ، ولا من السفير بالصحة ولا الكمالية لم يحصل التغرير فانتفى التدليس ، لأنه بمعناه. ومن أن تركه للاخبار بالعيب أو بالنقص مع بناء الزوج ، على أن الأصل السلامة وعدم النقص ، يجري مجرى الأخبار بالصحة والكمالية في التغرير ، وهذا هو المراد من التدليس.

الثالث : لا يتحقق التدليس بالاخبار بالصحة أو الكمالية إلاّ للزوج حيث لم يكن مطابقا ، لأن العادة جارية بالتسامح في ذلك ، ولأن الأغراض متعلقة بستر العيب تعلقا قويا فلا يتحقق التغرير بذلك ، وإنما التقصير من الزوج بتعويله على ذلك. ومثله ، لو كان الاخبار للتزويج لكن لغير الزوج ، إذ لا يتحقق التدليس على الزوج بالاخبار لغيره.

هذا حاصل ما ذكره المصنف في الضابط ، والكلام عليه من وجوه :

أحدها : أن هذا الضابط غير صحيح ، لأن مجرد الاخبار لا يعد تدليسا ، لا في العيب ولا في نقص صفة من صفات الكمال.

أما العيب ، فلأن المفهوم من كلام الفقهاء والنصوص عن أئمة الهدى عليهم‌السلام أن التدليس فيه يتحقق بالعقد على ذات العيب مع العلم به وعدم الاعلام ، مثل قول الشيخ في المبسوط : إن الولي إذا زوجها فلا يخلو من أن يكون ممن لا يخفى عليه حالها فالرجوع عليه ، أو يكون ممن يخفى عليه ذلك ، فإن صدقته المرأة إنه لا يعلم‌

٢٨٣

______________________________________________________

فالرجوع عليها ، وإن كذبته فالقول قوله بيمينه والرجوع عليها دونه (١). فإن مقتضاه كون الرجوع وعدمه دائرا مع علمه وعدمه وكلام ابن الجنيد نحو هذا (٢).

ومحصل كلام المصنف في التحرير أن الغار إن كان ممن يجوز له النظر إلى وليته كالأب رجع عليه مع علمه بالعيب لتغريره ، ومع عدمه لتفريطه بترك الاستعلام. وإن لم يجز له النظر كابن العم والأجنبي ، فإن علم بالعيب رجع عليه ، وإن لم يعلم كان الرجوع على المرأة (٣).

والنصوص مثل قوله عليه‌السلام في رواية أبي عبيدة : « ويأخذ الزوج المهر من وليها الذي كان دلسها ، فإن لم يكن له علم بشي‌ء من ذلك فلا شي‌ء عليه وترد إلى أهلها » (٤) فإن مقتضاه كون مناط التدليس عدم علمه.

وكذا قوله عليه‌السلام في رواية رفاعة بن موسى : « وان المهر على الذي زوجها ، وإنما صار المهر عليه ، لأنه دلسها. ولو أن رجلا تزوج امرأة أو زوجها رجلا لا يعرف دخيلة أمرها لم يكن عليه شي‌ء وكان المهر يأخذه منها » (٥) فإن ظاهرها أن التدليس ينتفي بانتفاء العلم ، ويثبت بثبوته للذي زوجها ، فاعتبار أمر زائد وهو وصفه إياها بالصحة خلاف ما دل عليه النص.

وهذه الأخيرة شاملة للأجنبي إذا كان له وصف التزويج والعلم بالعيب والاولى وإن تضمنت ذكر الولي إلاّ أنه لا يراد به من له الولاية ، لأن فيها : « إذا دلست العفلاء الى آخره » والمدلسة شرعا لا تكون إلاّ بالغة رشيدة ، لأن فعل غير البالغ لا‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٥٢.

(٢) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٥٧.

(٣) التحرير ٢ : ٢٩.

(٤) الكافي ٥ : ٤٠٨ حديث ١٤ ، التهذيب ٧ : ٤٢٥ حديث ١٦٩٩ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٧ حديث ٨٨٥.

(٥) الكافي ٥ : ٤٠٧ حديث ٩ ، التهذيب ٧ : ٤٢٤ حديث ١٦٩٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٥ حديث ٨٧٨.

٢٨٤

______________________________________________________

يعتد به ، فينبغي أن يراد به من يلي أمرها فيعم الأجنبي.

وأما نقص الصفة فلا يكفي في التدليس الموجب للفسخ والرجوع بالمهر الوصف بالكمالية ، بل لا بد من اشتراطه في العقد

على ما سيأتي من كلام المصنف في كونها بنت مهيرة فتظهر بنت أمة ، وكونها بكرا فتظهر ثيبا ، وكونها من قبيلة فتظهر من غيرها ، ولا يستثني من ذلك إلاّ وصف الحرية ، فإذا زوجها على أنها حرة فبانت أمة لم يتوقف استحقاق الرجوع بالمهر على اشتراط الحرية.

بل يكفي الوصف بذلك فيظهر خلافه فيرجع بالمهر على الواصف ، سواء كان هو الولي أو الشاهدين لها بالحرية أو هي. وكأن مدار الرجوع مع التدليس على فساد النكاح بالرقية حيث لم يرض المولى أو فسخ الزوج لأجلها إن رضي ، أو لفوات الشرط من بكارة ونحوها.

ولهذا لو حصل الرضى بالنكاح لم يكن له الرجوع قطعا ، لسلامة العوض في مقابل المهر فلم يكن ثم تخيير يقتضي الرجوع.

وثانيها : أن السفير في كلام المصنف إما أن يريد به الأجنبي المتولي للعقد بين الزوجين ، أو الأجنبي الذي كان سفيرا بينهما والمتولي للعقد غيره ، فإن أراد به الأول لم يكن للإشكال وجه ، لأن النص وكلام الأصحاب صريحان في أن العاقد على ذات العيب يغرم مهرها إلاّ إذا لم يكن عالما بحالها فالغرم عليها ، وإن أراد به الثاني فالغرم على العاقد لا عليه.

نعم يجي‌ء الإشكال في مثل ما إذا كان العاقد بعيدا عن العلم بأحوال الزوجة والواسطة عالما بأحوالها ، فإنه حينئذ غار فيغرم ، وظاهر النص ينفي عنه الغرم ، لتعلقه بالمنكح.

ومثله ما لو أخبر السفير الولي بأنه اعلم الزوج بالعيب مثلا وكان كاذبا ، فإن الإشكال في تغريمه من حيث انه غار ، ومن حيث ان الولي مفرط في الركون إلى‌

٢٨٥

______________________________________________________

خبره ، هذا حكم العيب.

وأما حكم النقص فإن الغرم على من وصف المرأة بالحرية فظهرت أمة وعلى من شرط البكارة فظهر ضدها ، ولا تفاوت بين كونه وليا أو أجنبيا.

وثالثها : الإشكال الذي ذكره فيما لو زوجت نفسها أو زوجها غيرها مطلقا ، وظهرت ذات عيب غير موجّه ، لأن النص وكلام الأصحاب صريحان في أن العقد على ذات العيب موجب للغرم ، فأي وجه للإشكال حينئذ من كونه تدليسا.

أما إذا ظهرت ناقصة صفة من صفات الكمال غير الحرية فلا يتحقق عند المصنف (١) وجمع من الأصحاب (٢) بذلك تدليس ، فلا وجه للإشكال حينئذ.

وكذا الحرية عنده إذا تزوجها بشرط الحرية فبانت أمة ، أو لم يشترطها في العقد لكنه تزوجها على ذلك فظهر الخلاف ، وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى.

فإن قيل : الاشكال المذكور إشارة إلى الخلاف بين الأصحاب.

قلنا : القول الضعيف كيف يستقيم جعله وجها للإشكال.

واعلم أن قول المصنف : ( ولا يتحقق بالاخبار له لغير الزوج ) ينبغي أن يريد بالغير من عدا وكيل الزوج ، لأن وكيل الزوج بمنزلة الزوج لا سيما إذا عقد النكاح معه.

وينبغي أن يريد به غير السفير بينهما أيضا ، لأن الغرور ينشأ عن اخبار السفير ، لأن إخباره يستند إليه في العادات المستمرة.

وقد سبق في أول الضابط فيه إشكال ، إلاّ أن يقال : المراد بالسفير العاقد الذي ليس بولي ، وكيف قدرنا فكلامه في هذا الضابط غير مستقيم.

__________________

(١) المختلف : ٥٥٣.

(٢) منهم الشيخ الطوسي في النهاية : ٤٨٦ ، وابن إدريس في السرائر : ٣٠٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٥٨.

٢٨٦

فلو شرط الحرية فظهرت أمة فله الفسخ وإن دخل ، فإن فسخ قبل الدخول فلا شي‌ء ، وبعده المسمى للمولى ، وقيل : العشر أو نصفه.

ويرجع بما غرمه على المدلس ، فإن كان هي تبعت بعد العتق.

ولو كان قد دفعه إليها استعاد ما وجده وتبعها بما بقي.

ولو كان مولاها ، فإن تلفظ بما يقتضي العتق حكم عليه بحريتها وصح العقد وكان المهر للأمة ، وإلاّ فهي على الرق ، ولا شي‌ء له ولا لها على الزوج إذا فسخ.

وإن كان بعد الدخول ، فالأقرب وجوب أقل ما يصح أن يكون مهرا للمولى.

ولو كان قد دفعه إليها وتلف ، احتمل تضمين السيد ، لغروره وضعف المباشرة والرجوع في كسبها ، والتبعية بعد العتق.

______________________________________________________

قوله : ( فلو شرط الحرية فظهرت أمة فله الفسخ وإن دخل ، فإن فسخ قبل الدخول فلا شي‌ء ، وبعده المسمّى للمولى ، وقيل : العشر أو نصفه ويرجع بما غرمه على المدلس ، فإن كانت هي تبعت بعد العتق ولو كان قد دفعه إليها استعاد ما وجده وتبعها بما بقي ، ولو كان مولاها فإن تلفظ بما يقتضي العتق حكم عليه بحريتها وصح العقد وكان المهر للأمة ، وإلاّ فهي على الرق ولا شي‌ء له ولا لها على الزوج إذا فسخ ، وإن كان بعد الدخول فالأقرب وجوب أقل ما يصلح أن يكون مهرا للمولى. ولو كان قد دفعه إليها وتلف احتمل تضمين السيد لغروره ، وضعف المباشر والرجوع في كسبها والتبعية بعد العتق ).

هنا مسائل :

٢٨٧

______________________________________________________

الاولى : متى شرط العاقد حرية الزوجة فظهرت أمة فله فسخ النكاح قطعا ، لأن ذلك فائدة الشرط فإنه يقلب العقد اللازم جائزا ، سواء دخل أم لا ، فإن الدخول لا يسقط الخيار كما سبق في العيوب.

ثم إن كان العقد باذن المولى ، أو من يقوم مقامه كوليه إن كان محجورا عليه ، أو وكيله إن لم يكن وكان العاقد ممن يجوز له نكاح الأمة فالعقد صحيح ، غاية ما فيه أنه متزلزل للزوج فسخه.

ولا فرق في ذلك بين أن يتولى العقد المولى أو من اذن له وان كانت الأمة ، لأنه عقد صدر من أهله في محله ، وليس فيه إلاّ انتفاء الشرط وهو الحرية.

وذلك لا يقتضي الفساد ، بل يتسلط على الفسخ وإن كان بغير اذنه ، سواء باشرت العقد الأمة أو أجنبي ، ففي وقوعه فاسدا أو موقوفا على أجازته قولان تقدما في نكاح المماليك أصحهما الثاني ، ولو كان العاقد ممن لا يجوز له نكاح الأمة كان العقد باطلا لا محالة.

الثانية : إذا رضي الزوج بالعقد والسيد أيضا حيث لم يأذن فلا بحث وإن فسخ فإن كان قبل الدخول فلا شي‌ء كما سبق في العيوب ، وإن كان بعده وجب المسمّى مع كون العقد صحيحا.

وذلك حيث يأذن السيد ، فإن لم يأذن ففي وجوب المسمّى أو مهر المثل أو العشر إن كانت بكرا أو نصف العشر إن كانت ثيبا أقوال ، بشرط أن لا تكون عالمة بالتحريم على أصح القولين ، ويلزم أرش البكارة مطلقا لو كانت بكرا ، وقد تقدّم الكلام على ذلك كله مستوفى فلا حاجة الى إعادته.

الثالثة : إذا فسخ بعد الدخول فلا كلام في وجوب المهر للمولى ، ثم يرجع به على المدلس وإن كانت هي تبعها بعد العتق ، لأن الرجوع عليها في الرق رجوع على السيد في الحقيقة ، وهو باطل. ولو كان قد دفعه إليها استعاده ، لأنه باق على ملكه ،

٢٨٨

______________________________________________________

لأن قبضها إياه قبض فاسد بغير حق ، وإن تلف شي‌ء منه أخذ ما وجد منه وتبعها بالباقي كما في تلف الجميع سواء.

ولو كان المدلس هو المولى ، فإن تلفظ بما يقتضي العتق مثل قوله : هي حرة إنشاء أو إقرارا حكم عليه بحريتها ، أعمالا للسبب بحسب مقتضاه ، وحينئذ فيكون العقد لازما ، وهو الذي أراده المصنف بقوله : ( صح العقد ) فإنه في مقابل جواز الفسخ ، ويكون المهر للزوجة دون السيد ، لانتفاء سلطنته عنها.

ويعتبر لصحة النكاح حينئذ اذنها سابقا أو إجازتها لاحقا ، وإن لم يتلفظ بما يقتضي العتق فهي على الرق ، ويتصور ذلك بمثل أن يقدّم الزوج القبول فيتزوجها بكذا بشرط كونها حرة فيأتي السيد بالإيجاب.

وكذا ينبغي أن يكون عكسه ، فإن لفظ الاشتراط لا يقتضي العتق إنشاء ولا إقرارا ، وجعله في المبسوط موجبا للعتق (١). وللنظر فيه مجال ، وحينئذ فلا شي‌ء للسيد ولا لها إذا فسخ الزوج وإن كان بعد الدخول ، أما هي فظاهر ، لأن المملوكة لا تستحق من مهرها شيئا.

وأما السيد ، فلأنه وإن استحق المهر بالدخول إلاّ أن للزوج الرجوع عليه به ، لتغريره إياه وتدليسه ، ولا وجه لدفعه إليه ثم ارتجاعه منه ، وهل يستثني للسيد وجوب أقل ما يصلح أن يجعل مهرا ، وهو أقل ما يتمول على ما سبق ، وعلى قول ابن الجنيد (٢) أقل ما يكون مهر أمثالها؟ فيه قولان ، أقربهما عند المصنف وجوب ذلك ، لأن الوطء المحترم في غير اباحة المملوكة يمتنع خلوه عن العوض.

وقيل : لا يجب شي‌ء ، للأصل ، وهو ضعيف ، وإنما كان هذا للسيد دونها ، لأن منافع‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٥٤.

(٢) المختلف : ٥٥٧.

٢٨٩

______________________________________________________

البضع حق له خاصة ، ولو كان قد دفع المهر إليها في حال تدليس المولى إياها حيث لم يتلفظ بما يقتضي العتق ، بناء على حريتها التي توهمها بالشرط ، فإن كانت عينه باقية فظاهر.

وإن تلف في يدها ففي حكمه احتمالات ثلاثة :

أحدها : الرجوع على المولى : إما بكله ، أو بما عدا أقل ما يصلح أن يكون مهرا على اختلاف القولين ، لأن يدها وإن كانت يد ضمان ، لأن الأعواض المقبوضة من مهر وغيره مضمونة على القابض لها بهذا الوجه ، والزوج هو المباشر لدفع المهر إليها ، فهو كالمتلف بدفعه إلى من لا يجوز الرجوع عليه في الحال ، إلاّ أن الدفع بتغرير المولى فيضعف المباشر ويكون السبب أقوى.

كما إذا قدم إلى غيره طعام ذلك الغير ، فأكله فإن إتلافه طعام نفسه في هذه الحالة لا يمنع الرجوع عليه.

وثانيها : أن يضمن المهر في كسبها إن كانت مكتسبة.

ومقتضاه أن يؤمر بالاكتساب وتلزم (١) به ووجهه أنها مباشرة للإتلاف ولا مال لها والسيد غار ، والأصل براءة ذمته ، فبملاحظة المباشرة والغرور يؤخذ من كسبها أعمالا للمقتضيين ، فإن لم تكن كاسبة أمكن إيجابه على السيد ، للغرور ، وعليها بعد العتق ، للمباشرة.

والثالث : أن يتبع به إذا أعتقت ، لأن يدها يد ضمان ، وعلى اليد ما أخذت حتى تؤدي ، ولا مال لها إلاّ بعد عتقها ، لأن كسبها للسيد ، ولا يلزم من اشتراط السيد حريتها اذنه في إقباضها المهر وإنما ذلك بفعل الزوج ، ولو اذن لها في القبض فلا بحث في تعلق الضمان به ، وفي الوجه الأول قوة ، لأن اشتراط السيد حريتها يقتضي‌

__________________

(١) في ( ض ) : ويؤمر.

٢٩٠

ولو لم يشترط الحرية بل تزوجها على أنها حرة فخرجت أمة ،

______________________________________________________

استحقاقها المهر ووجوب تسليمها إياه ، فيكون ذلك ناشئا عنه.

وبقي قسم ثالث وهو ما إذا كان المدلس أجنبيا غيرها وغير المولى ، لم يذكر المصنف حكمه وكأنه تركه لظهوره ، إذ لا بحث في الرجوع عليه بجميع المهر المستحق للمولى ، ولو دفعه إليها في هذه الحالة فتلف في يدها ، فإن حكمنا بالتبعية لها فيما سبق إذا أعتقت غرم مهرا آخر للسيد ورجع به على المدلس ، وإن حكمنا بالرجوع على السيد هناك رجع على المدلس هنا بكل من المهرين.

إذا عرفت ذلك فارجع إلى عبارة الكتاب واعلم أن قوله : ( وإن دخل ) وصلي لما قبله ، وقوله : ( وإن فسخ ) كلام مستأنف.

وقوله : ( وبعده المسمّى للمولى ) صحيح إذا كان العقد باذن المولى سابقا أو لاحقا ، أما إذا كان بغير اذنه فإن وجوب المسمّى (١) غير ظاهر لفساد النكاح ، والمصنف جرى على ما اختاره في أول باب نكاح المماليك ، وقد بينا ما فيه.

وقوله : ( ويرجع بما غرمه ) ظاهره يتناول الرجوع بجميع المهر ، وقد سبق قبل العيوب في كلامه إشكال في الرجوع بما زاد على مهر المثل وهو آت هنا ، وكذا يشمل الرجوع بالنفقة فإنها من جملة ما غرمه ، وذلك مع فساد النكاح ظاهر ، أما مع صحته فمحتمل.

وأما قيمة الولد فيرجع بها لا محالة ، لأن لزومها محض تخسير ، لأن الزوج لم يدخل في العقد على ضمانها ، لأن العقد على الحرة يقتضي عدم العوض عن الولد.

قوله : ( ولو لم يشترط الحرية بل تزوجها على أنها حرة فخرجت أمة‌

__________________

(١) في ( ض ) : المهر.

٢٩١

فكما تقدم.

ولو تزوج لا على أنها حرة ولا شرطها فلا خيار.

______________________________________________________

فكما تقدّم ، ولو تزوج لا على أنها حرة ولا شرطها فلا خيار ).

هنا مسألتان :

الأولى : إذا تزوج امرأة على أنها حرة ولم يشترط ذلك في العقد ، فحكمها حكم من شرط حريتها في العقد صرح بذلك المصنف في هذا الكتاب.

وذهب الشيخ في المبسوط إلى أنه إن اشترط الحرية في العقد ثبت الخيار ، لظهور الرقية ، وإلاّ كان النكاح ماضيا (١) ، وكلام باقي الأصحاب محتمل ، لأن عبارة الأكثر إذا تزوجها على أنها حرة.

وظاهر هذه العبارة لا يمتنع أن يراد به الاشتراط في العقد لكنه مع ذلك محتمل بجريان العقد عليه قبله ، وإرادته من غير أن يتعرض إليه في العقد ، وكذا عبارة المصنف في التحرير (٢) ، وعندي في ذلك تردد.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه يتحقق من تزوجها على ذلك بأن يقول المتولي للنكاح في معرض الترغيب فيه للزوج : فلانة حرة فتزوجها ، ونحو ذلك ، ثم يترتب عليه تزويجها ، بخلاف ما لو أخبر بذلك لا للتزويج فاتفق تزويج السامع بها ، أو أخبر به للتزويج لكن لغير الزوج على ما ذكره المصنف في الضابط سابقا.

ويلوح من إطلاق عبارة المصنف أنه لا دخل لاتصال العقد بهذا القول وانفصاله عنه في ثبوت التدليس وعدمه ، وهو متجه بل ينبغي أن يكون المعتبر كون ذلك له دخل في حصول النكاح.

وظاهر قول المصنف : ( فكما تقدم ) ثبوت خيار الفسخ مع صحة النكاح‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٥٤.

(٢) التحرير ٢ : ٣٠.

٢٩٢

______________________________________________________

بالشروط المتقدمة ، ووجوب المهر بالدخول المسمّى مع الصحة ، ومهر المثل مع الفساد والرجوع بالمهر على المدلس على حد ما سبق.

الثانية : إذا تزوجها لا على أنها حرة ، كما ذكره في البحث السابق ، ولا يشترط الحرية في العقد على ما ذكره في البحث الذي قبله ، وكان ممن يجوز له نكاح الأمة ، فالنكاح صحيح ولا خيار له ، لانتفاء المقتضي. وإنما يستقيم ذلك إذا كان التزويج باذن المولى ليكون العقد صحيحا ، فإن كان بغير اذنه ولم يرض وحصل الدخول فالمناسب أن له الرجوع بالمهر على من زوجه بها مع علمه بحالها ، لأنه إنما دخل على أن النكاح صحيح مستمر وأن المهر في مقابل ملك منافع البضع وقد فات ذلك ، وحيث انه لم يعلمه بالحال وأوقعه في نكاح فاسد يوجب المهر فعليه المهر للغرور ، ولم أجد بذلك تصريحا بكلام من الأصحاب. ولا يخفى أن وجوب المهر مشروط بعدم علمها بالتحريم كما سبق غير مرة.

ولو كانت هي المتولية لذلك ، أو الباعثة عليه لمن يجهل حالها ، فليس ببعيد أن يكون الرجوع عليها إذا أعتقت إلاّ بأقل ما يكون مهرا.

ولو كان التزويج باذن السيد في الفرض المذكور لكن الزوج ممن لا يحل له نكاح الأمة ، ففي ثبوت الغرور تردد ينشأ : من أن تزويجه بأمة من غير أن يعلمه بحالها ، وإن لم يعلم انه ممن يحل له نكاح الأمة ، إيقاع له في الغرم. ومن أن ذلك مستند الى تقصيره بترك السؤال عن حال الزوجة وأنه يجوز له نكاحها.

وليس هذا من الأمور الظاهرة التي يعلمها عامة الناس ليكون التقصير من الزوج ، كما لو زوجه امرأة فظهر كونها محرما له وهو لا يعلم.

واعلم أن المصنف ذكر في الضابط فيما إذا زوجت نفسها أو زوجها غيرها مطلقا ثم ظهرت ناقصة إشكالا في كون ذلك تدليسا يوجب الخيار ، وجزم بانتفاء الخيار في هذه الصورة هنا ، وهو رجوع عن الإشكال إلى الجزم.

٢٩٣

ويثبت الخيار مع رقية بعضها ، ويرجع بنصيبه من المهر خاصة ، فإن كانت هي المدلسة رجع بنصيبه معجلا وتبعت بالباقي مع عتقها أجمع.

______________________________________________________

قوله : ( ويثبت الخيار مع رقية بعضها خاصة ، فإن كانت هي المدلسة رجع بنصفه معجلا وتبعت بالباقي مع عتقها أجمع ).

كما يكون التدليس للأمة المحضة وتترتب عليه الأحكام السابقة ، كذا يكون التدليس للتي بعضها حر وبعضها رقيق ، وتترتب عليه أحكامه ، فلو تزوج المبعضة بشرط كونها حرة ، أو لم يشترط الحرية في العقد لكن تزوجها على ذلك ، ثبت الخيار لا محالة ، كما في الأمة المحضة على ما ذكره المصنف ، لكنه هنا إنما يرجع بنصيب الرقية من المهر ، فلو كان نصفها حرا رجع بنصف المهر خاصة ، لأن النصف الحر لم يقع فيه تدليس لصدق الخبر بالنسبة إليه ، فإن الأخبار بحريتها متضمن حرية ذلك النصف فلا ترجع بنصيبه من المهر.

وهكذا حكم ما غرمه من النفقة وقيمة الولد ، فإن كان المدلس أجنبيا رجع عليه به ، وإن كانت هي رجع عليها بنصف نصيب الرقية معجلا باعتبار نصفها الحر ، ويبقى النصف الآخر تتبع به إذا أعتق باقيها.

وذلك لأن الرجوع عليها به ـ وهو نصف المهر في هذه الصورة ـ يجب توزيعه على ما فيها من الحرية والرقية ، لأن الإتلاف بالتدليس مستند الى مجموعها ، فيوفر على كل منهما مقتضاه ، ولو كان ما فيها من الرقية زائدا على النصف أو ناقصا عنه فنصيبه من المهر بحسبه.

ومما ذكرناه يعلم أن الضمير في قوله : ( بنصيبه ) يعود الى الرق المدلول عليه بما قبل وأن الضمير في قوله : ( بنصفه ) يعود الى النصيب أعني نصيب الرق ، وإعادته إلى المهر غلط ظاهر ، لمنافاة ذلك قوله : ( ويرجع بنصيبه من المهر خاصة ).

ولا يخفى أنه إنما يرجع عليها بنصف الرقية معجلا ويتبعها بنصفه الآخر إذا‌

٢٩٤

ولو تزوجته على أنه حر فبان عبدا ، فلها الفسخ وإن كان بعد الدخول ، ولها المهر بعده لا قبله ، وكذا لو شرطت الحرية.

ولو ظهر بعضه مملوكا فكذلك ، ولو ظهر بعضه معتقا فلا خيار.

______________________________________________________

كان نصفها حرّا والنصف الآخر رقا ، حتى لو كان ثلثاها حرا رجع عليها معجلا بثلثي نصيب الرقية من المهر ويتبعها بالثلث الآخر.

وإنما أطلق المصنف الرجوع بنصف النصيب معجلا ولم يجر في كلامه ذكر كون بعضها الرق هو النصف اعتمادا على ظهوره ، حيث أن البعض المذكور في كلامه يشمله ، وإنما اقتصر على بيان حكم ما إذا كانت هي المدلسة ، لما فيه من الخفاء باعتبار كون بعض المرجوع به معجلا وبعضه ينتظر به عتق باقيها.

فأما إذا كان المدلس غيرها فإن حكمه معلوم مما سبق ، والمهر المذكور هو المسمّى إن كان النكاح يرضى به المولى وإلاّ فمهر المثل.

ولقائل أن يقول : إن الذي ينساق إليه النظر هنا هو الرجوع بمجموع المهر وذلك ، لأن التدليس المذكور أفضى إلى فسخ النكاح المقتضي لفوات المعوض جميعه ، والعوض إنما يدل في مقابله فتستحق الرجوع بجميعه كما لو كانت رقيقة.

وظاهر قوله عليه‌السلام : « المغرور يرجع على من غره » يقتضي ذلك ، وأيضا فإن المقصود والمفهوم من حريتها حرية جميعها ، لأن ذلك هو المطلوب في النكاح ، فيكون رق بعضها موجبا لكذب الخبر فلا يتم ما أراده. وعلى هذا يجب أن يستثني لها أقل ما يصلح جعله مهرا لأجل الوطء المحترم كما سبق غيره مرة.

قوله : ( ولو تزوجته على أنه حر فبان عبدا فلها الفسخ وإن كان بعد الدخول ، ولها المهر بعده لا قبله ، وكذا لو شرطت الحرية ، ولو ظهر بعضه مملوكا فكذلك ، ولو ظهر معتقا فلا خيار ).

لو تزوجت المرأة زوجا على أنه حر فبان عبدا فلها الفسخ ، لظهور نقصه ،

٢٩٥

ولو تزوجها على أنها بنت مهيرة فخرجت بنت أمة ، قيل : كان له الفسخ ، والوجه ذلك مع الشرط لا مع الإطلاق ، ولا مهر قبل الدخول ، وبعده يرجع على المدلس ، أبا كان أو غيره ، ولو كانت هي المدلسة رجع‌

______________________________________________________

سواء شرطت حريته في نفس العقد ، أو عولت على اخباره قبل العقد بكونه حرا أو اخبار وكيله اما مع الشرط فظاهر ، واما بدونه فلما أسلفه المصنف في الضابط وذكره في نظير المسألة ، وفيه ما سبق.

ولا فرق في ذلك بين الدخول وعدمه ، ويثبت لها المهر بعد الدخول ، لأن الوطء المحترم لا يخلو من مهر ، فإن كان النكاح برضى السيد كان لها المسمّى عليه ، وإلاّ كان لها مهر المثل يتبع به العبد إذا أعتق ، أما لو فسخت قبل الدخول فإنه لا مهر لها ، لأن الفرقة من قبلها.

ولو ظهر بعضه مملوكا فالحكم في الفسخ والمهر كما لو ظهر رق جميعه ، إلاّ أنه مع الدخول واذن السيد في النكاح يلزمه من المهر بنسبة ما فيه من الرقية ، أما لو ظهر معتقا فإنه لا خيار لها ، لانتفاء المقتضي وهو فوات الشرط.

والمسألة مفروضة فيما إذا كانت الزوجة حرة بدليل قوله : ( فلها الفسخ ) ، لأنها لو كانت أمة لم يكن لها فسخ ، وإنما هو لمولاها فإنه لو أراد تزويجها بعبد لم يكن لها الامتناع ويعلم من قوله : ( وكذا لو شرطت الحرية ) أن المراد من قوله : ( ولو تزوجته على أنه حر ) الاستناد في ذلك الى قوله أو قول وكيله قبل العقد من غير اشتراط لها فيه ، ولا ريب أنه لو قدّم الاشتراط لكان أولى.

قوله : ( ولو تزوجها على أنها بنت مهيرة فخرجت بنت أمة قيل : كان له الفسخ ، والوجه ذلك مع الشرط لا مع الإطلاق ، ولا مهر قبل الدخول ، وبعده يرجع على المدلس أبا كان أو غيره ، فلو كانت هي المدلسة رجع‌

٢٩٦

عليها بما دفعه منه إلاّ بأقل ما يمكن أن يكون مهرا.

ولو خرجت بنت معتقة فإشكال ،

______________________________________________________

عليها بما دفعه منه ، إلاّ بأقل ما يمكن أن يكون مهرا ، ولو خرجت بنت معتقة فإشكال ).

فسر أهل اللغة المهيرة بوزن قريبة بأنها الحرة ، قال في القاموس : المهيرة هي الحرة الغالية المهر (١).

وقال الجوهري : المهيرة هي الحرة (٢) ، وكأنهم لحظوا في الاشتقاق أنها لا توطأ إلاّ بمهر ، بخلاف الأمة فإنها لا توطأ إلاّ بالملك ، إذا عرفت هذا فهنا مسألتان :

الأولى : إذا تزوج الرجل امرأة على أنها بنت مهيرة فخرجت بنت أمة ، فقد قال الشيخ في النهاية : إن له ردها ثم إن لم يكن دخل بها لم يكن لها عليه شي‌ء وكان المهر على أبيها ، وإن كان قد دخل بها كان لها المهر عليه بما استحل من فرجها (٣).

وتابعه ابن البراج في ذلك إلاّ في إيجاب المهر على أبيها إذا لم يكن دخل بها ، فإنه نفى وجوبه أصلا (٤).

وكذا قطب الدين الكيدري إلاّ أنه جعل إيجاب المهر على أبيها مع عدم الدخول رواية (٥).

وكذا ابن إدريس إلاّ أنه صرح بأن المهر المستحق لها بالدخول ترجع به على أبيها (٦).

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ : ١٣٧ « مهر ».

(٢) الصحاح ٢ : ٨٢١ « مهر ».

(٣) النهاية : ٤٨٥.

(٤) المهذب ٢ : ٢٣٧.

(٥) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٥٦.

(٦) السرائر : ٣٠٩.

٢٩٧

______________________________________________________

وذهب المصنف هنا وفي المختلف (١) وغيرهما (٢) إلى أنه إن شرط في العقد ذلك كان له الفسخ ، وإلاّ فلا وهو الأصح.

لنا عموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٣).

وجه الاستدلال به : أما مع الشرط فظاهر ، لأنه جزء من العقد. وأما مع عدمه ، فلأنه خارج عنه ، وإنما يجب الوفاء بالعقد لا بما خرج عنه.

وقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٤).

وجه الاستدلال به : أنه يدل على استحقاق المشروط ، فإذا انتفى فقد انتفى بعض المعقود عليه ، وبفواته يثبت الخيار حيث لم يقتض البطلان ، ولأن الشرط يقلب العقد اللازم جائزا ، وإلاّ انتفت فائدته وهو معلوم البطلان.

أما مع عدم الاشتراط في العقد فلا فسخ وإن ذكر قبل العقد وجرى العقد ، لأن الأصل في النكاح اللزوم ، وثبوت الخيار يحتاج إلى دليل ، ولم يثبت كون ذلك موجبا للفسخ فيجب التمسك بالأصل.

احتج الشيخ ومن تابعه بما رواه محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام قال : سألته عن رجل خطب الى رجل بنتا له عن مهيرة ، فلما كان ليلة دخولها على زوجها أدخل عليه بنتا له اخرى من أمة ، قال : « ترد على أبيها وترد عليه امرأته ويكون مهرها على أبيها » (٥) : قال في المختلف في وجه الاستدلال بالرواية للشيخ : فإذا كان ضامنا في هذه الصورة كان ضامنا في المتنازع ، لعدم التفاوت.

ولقائل أن يقول : إن الذي أراده الشيخ أمران :

__________________

(١) المختلف : ٥٥٦.

(٢) التحرير ٢ : ٣٠.

(٣) المائدة : ١.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.

(٥) الكافي ٥ : ٤٠٦ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ٤٢٣ حديث ١٦٩٢.

٢٩٨

______________________________________________________

أحدهما أنه إذا تزوج امرأة على أنها بنت مهيرة ثبت الخيار إذا ظهرت بخلاف ذلك.

والثاني : إنه إذا لم يدخل بها يجب مهرها على أبيها ، ولم يتعرض في الاستدلال إلى الأمر الأول أصلا.

وأما الأمر الثاني فإن الرواية لا تدل عليه ، لأنها مشعرة بأن الزوج دخل ببنت الأمة ، حيث انها أدخلت على الزوج في الليلة المعدة لدخول زوجته عليه ، فلا يبعد إيجاب المهر على الأب في هذه الحالة ، لتدليسه وثبوت الرجوع عليه ، وأين هذا من ذاك.

الثانية : الصورة بحالها وظهرت بنت معتقة ، ففي ثبوت الخيار مع الشرط إشكال ينشأ : من أن المعتقة حرة ، فيكون الوصف المشترط في ابنتها حاصلا. ومن أن بنت المعتقة يصدق عليها أنها بنت أمة باعتبار ما كانت عليه أمها ، لأن المشتق يصدق وإن انقضى المشتق منه.

ويرجح الأول بأن تفسير أهل اللغة المهيرة بالحرة يتناول هذه ، فإنهم لم يقيدوا بكونها حرة في الأصل فيجب حمله على ظاهره.

ويؤيده أن ثبوت الخيار في النكاح على خلاف الأصل ، فلا يثبت إلاّ بدليل وهو منتف في محل النزاع وهو أقوى ، ثم ارجع الى عبارة الكتاب وتنبه لأمور :

الأول : المراد من قول المصنف : ( والوجه ذلك مع الشرط ) ثبوت الخيار في الصورة المذكورة مع اشتراط ذلك في العقد لا مع إطلاق العقد واخلائه من هذا الشرط ، سواء أخبرت به هي أو وليها قبل العقد أم لا.

وهذا مخالف لما ذكره سابقا في ضابط التدليس ، لأنه جعل الاخبار بالكمالية من الولي أو المرأة تدليسا ، وذكر في تزويجها مطلقا اشكالا ، ومخالفته ظاهرة.

الثاني : قوله : ( ولا مهر قبل الدخول ) يريد به أنه إذا فسخ في موضع الشرط ،

٢٩٩

ولو أدخل بنته من الأمة على من زوجه بنت مهيرة ، فرّق بينهما ولها مهر المثل ، ويرجع به على السابق ويدخل على زوجته.

______________________________________________________

أما بعد الدخول فإنه يجب المسمّى على الأصح بدفعه إلى الزوجة ويرجع بجميعه على المدلّس ، سواء كان أباها أو غيره ، ولو كانت هي المدلسة فإن لم يكن دفع إليها شيئا من المهر ، وجب أن يدفع إليها أقل ما يصح جعله مهرا دون ما عداه ، لوقوع التقاص في الزائد ، وإن كان دفع إليها شيئا منه رجع به لا بأقل ما يجعل مهرا على ما تقدم غير مرة.

الثالث : الضمير في قوله : ( ولو خرجت بنت معتقة ) يعود إلى المزوجة على أنها بنت مهيرة ، ولا يخفى أن الاشكال إنما هو مع الشرط لا بدونه ، لأنه قد أفاد أنها لو خرجت بنت أمة لا فسخ مع عدم الاشتراط ، فإذا خرجت بنت معتقة لم يثبت الفسخ بطريق أولى.

قوله : ( ولو ادخل بنته من الأمة على من زوجه بنت مهيرة فرّق بينهما ولها مهر المثل ، ويرجع به على السابق ، ويدخل على زوجته ).

إذا جرى العقد على بنت المهيرة بعينها ثم أدخلت عليه بنت الأمة فإن دخل بها وجب لها بالدخول مهر المثل إن لم يكن عالما بأنها غير الزوجة ، أو علمت ذلك وجهل التحريم ، وإلاّ فهي زانية لا مهر لها. فإن كان قد دفع إليها المهر نظر فإن طابق مهر المثل فلا بحث ، وإن نقص أكمله ، وإن زاد استرد الزائد ، ومع علمها بالتحريم يسترد الجميع ثم يرجع به على من دلّسها.

ولو اتفق تدليسها نفسها وعدم علمها بالتحريم رجع عليها بما دفعه إليها إلاّ أقل ما يصح أن يكون مهرا وإن لم يكن دفع إليها شيئا لم يجب لها إلاّ ذلك.

وأما الزوجة فإنها على نكاحها يجب تسليمها إليه ، ويستحق عليه ما سمّى لها ، ولا يختص هذا الحكم ببنت المهيرة وبنت الأمة ، بل كل من عقد على امرأة‌

٣٠٠