جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧

والقول قول منكر العيب مع يمينه وعدم البينة.

ولا تثبت العنة إلاّ بإقراره ، أو البينة على إقراره ، أو نكوله إما مع يمين المرأة أو مطلقا على خلاف ، فلو ادعت العنة من دون الثلاثة حلف.

وقيل : إن تقلّص في الماء البارد فصحيح ، وإن استرخى فعنين.

______________________________________________________

قوله : ( والقول قول منكر العيب مع يمينه وعدم البينة ، ولا تثبت العنة إلاّ بإقراره أو بالبينة على إقراره أو نكوله ، اما مع يمين المرأة أو مطلقا على خلاف ، فلو ادعت العنة من دون البينة حلف ، وقيل : إن تقلص في الماء البارد فصحيح وإن استرخى فعنين ).

مقصود هذا البحث بيان طريق ثبوت العيب وإن لم يستوف أحكام ذلك ، لكن سيأتي فيما بعد تنقيحها في كلامه ، ولا ريب أن العيب على قسمين خفي وجلي ، فالجلي كالجذام والبرص اللذين يعلمهما كل أحد ، وكذا الجب والخصي ويسهل اطلاع الحاكم عليهما ، لا حاجة الى ذكر المتنازع فيه ، لأن قطع المنازعة فيه سهل.

وأما الخفي فلا شك في أن مثبتة عليه البينة ، لأنه مدع فإن الأصل الصحة ، وعلى نافيه اليمين ، لأنه منكر ، ولا شك أنه يشترط في الشاهد مع العدالة العلم بذلك العيب ، وعلاماته بكونهما طبيبين عارفين بحيث يقطعان بوجوده إن كان مما يمكن علم الغير به كالبرص والجذام الخفيين.

وإن كان لا يعلمه غالبا إلاّ صاحبه ولا يطلع عليه إلاّ من قبله وهو العنة ، فإن طريق ثبوته إقرار الزوج أو البينة على إقراره ، أو اليمين المردودة من المنكر ، أو الحاكم إذا نكل المنكر عن اليمين ، بناء على أن النكول وحده لا يقضى به بل يرد اليمين على المدعي.

فإذا حلف قضى بثبوت الدعوى ، وهذا أصح القولين ، ووراءه قول آخر وهو‌

٢٦١

______________________________________________________

القضاء بمجرد النكول ، ذهب إليه الشيخ رحمه‌الله (١) ، فعلى هذا يكون الثبوت باليمين المردودة من المنكر ، لأنها كإقراره أو كالبينة ، وموضع القولين كتاب القضاء ، وسيأتي تحقيقهما إن شاء الله تعالى.

وإلى هذا أشار المصنف بقوله : ( أو نكوله ، اما مع يمين المرأة أو مطلقا على خلاف ) أي : لا تثبت العنة إلاّ بكذا أو نكوله اما مقيدا باليمين على قول أو مطلقا ، أي : غير مقيد باليمين على قول آخر.

ولا يخفى أن ما ذكره غير حاصر ، مع أن مقتضى عبارته الحصر ، فإن الاستثناء في سياق النفي يفيد الحصر ، لأن اليمين المردودة طريق الى الثبوت مع انتفاء النكول ثمة ، ولعله اكتفى في الدلالة على هذا بذكر اليمين المردودة مع النكول ، وهنا مسامحة أيضا وهي أن قضية العبارة أن الثبوت بالنكول واليمين معا.

ولا شك أنه لا دخل للنكول في الثبوت أصلا وإنما المثبت هو اليمين خاصة ، والنكول هو السبب في تسلط الحاكم على الرد ، ولولاه لكان الرد من المنكر ليس إلاّ.

وإنما قلنا : إن العنة عيب لا يعلمه غالبا إلاّ صاحبه ، لأن استناد الامتناع من الوطء الى العجز بحيث يضعف العضو عن الانتشار أمر خفي لا يطلع عليه الغير اطلاعا يقطع به بحيث يصير متحملا للشهادة ، ولهذا لو أقيمت الشهادة بنفس العنة لم تسمع ، نعم قد تطلع عليه الزوجة بمرور الأيام وتكرار الأحوال وتعاضد القرائن.

فلذلك يثبت بيمينها المردودة ، وأنكره بعض الشافعية محتجا بأن خفاء هذا الأمر مما تشترك فيه الزوجة والشاهد (٢) ، والفرق ظاهر ، لأن الزوجة تطلع من بواطن أحوال الزوج على ما لا يطلع عليه غيرها.

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٦٣.

(٢) انظر المجموع ١٦ : ٢٧٧.

٢٦٢

ولو ادعى الوطء قبلا أو دبرا أو وطأ غيرها بعد ثبوت العنة صدّق مع اليمين ، وقيل في دعوى القبل إن كانت بكرا صدّق مع شهادة النساء بذهابها وإلاّ حشى قبلها خلوقا وأمر بوطأها فيصدق مع ظهوره على العضو.

______________________________________________________

إذا تقرر هذا فإن الزوجة إذا ادعت العنة ولم يقر ولم يكن بينة على إقراره حلف ، فإذا حلف استقر النكاح وانقطعت الدعوى ، هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وقال الصدوق في المقنع وأبوه في الرسالة : يقعد الرجل في ماء بارد فإن استرخى ذكره فهو عنين ، وإن تشنّج فليس بعنين (١) ، واليه ذهب ابن حمزة (٢) ، وأنكره ابن إدريس (٣) ، وكافة المتأخرين ، وهو الأصح ، لأن ذلك لا ينضبط ولا يوثق به ، و ( تقلص ) معناه انضم وانزوى ، والشنج تقبض في الجلد.

قوله : ( ولو ادعى الوطء قبلا أو دبرا ، أو وطأ غيرها مع ثبوت العنة صدّق مع اليمين ، وقيل صدق في دعوى القبل ، وإن كانت بكرا صدق مع شهادة النساء بذهابها ، وإلاّ حشي قبلها خلوقا وأمر بوطئها ، فيصدق مع ظهوره على العضو ).

لو تنازعا في العيب فالحكم ما تقدم ، ولو تنازعا في الوطء في موضع العنة ، فادعاه الزوج قبلا أو دبرا لها أو لغيرها مع ثبوت عننه بواحد من الطرق السابقة ، فالقول قول الزوج بيمينه وإن كان بصورة المدعى ، لأنه في الحقيقة منكر ، وأن الأصل الصحة ، وحصول العيب على خلاف الأصل ، ومثل هذا الأمر يتعذر فيه اقامة البينة.

ولقائل أن يقول : إن الفرض مصور بما إذا ثبتت العنة ، وكيف يكون منكرا مع‌

__________________

(١) المقنع : ١٧ ، وانظر المختلف : ٥٥٦.

(٢) الوسيلة : ٣٦٦.

(٣) السرائر : ٣٠٩.

٢٦٣

______________________________________________________

ثبوتها ، بل هو المدعي في الحقيقة ، وتعذر إقامة البينة لا يكفي في الثبوت باليمين كما في السرقة.

ويمكن الجواب بأن العنة لم تثبت إلى الآن وإلاّ لثبت الفسخ ، وإنما الثابت العجز الذي يمكن أن يكون عنة ويمكن أن يكون غيرها ، ولهذا يؤجل سنة لينظر أيقدر على الوطء أم لا ، فإن قدر على وطء أحد فلا عنة وإلاّ ثبت وأما تعذر إقامة البينة لكون الشي‌ء مما لا يطلع عليه فإنه يكفي فيه اليمين لئلا يؤدي الى سقوط اعتباره كما في الحيض.

فإنها لو ادعت انقضاء العدة به وأمكن صدقت بيمينها ، أما لو تنازعا في الوطء قبل ثبوت العنة فإن كونه منكرا لا شبهة فيه.

وبما ذكرناه قال الشيخ في النهاية (١) وأكثر الأصحاب (٢) ، والمصنف ، وذهب في الخلاف إلى أن دعواه الوطء إن كان في القبل ، فإن كانت بكرا صدق مع شهادة أربع نساء بذهابها ، وإن كانت ثيبا حشي قبلها خلوقا ثم يؤمر بالوطء ، فإن خرج الخلوق على ذكره صدق وإلاّ فلا (٣) ، وبه قال الكيدري (٤).

احتج الأولون بعموم قوله عليه‌السلام : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (٥) ، وبما رواه أبو حمزة في الصحيح قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « إذا تزوج الرجل المرأة الثيب التي قد تزوجت زوجا غيره فزعمت أنه لا يقربها منذ دخل بها ، فإن القول في ذلك قول الزوج ، وعليه أن يحلف بالله لقد جامعها لأنها‌

__________________

(١) النهاية : ٤٨٧.

(٢) منهم ابن أبي عقيل كما في المختلف : ٥٥٦ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ٢٣٦ ، وابن إدريس في السرائر : ٣١٠.

(٣) الخلاف ٢ : ٧٢٨ مسألة ١٤٠ كتاب النكاح.

(٤) نقله عنه العلامة في المختلف : ٥٥٦.

(٥) الكافي ٧ : ٤١٥ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٠ حديث ١ ، التهذيب ٦ : ٢٢٩ حديث ٥٥٣.

٢٦٤

______________________________________________________

المدعية » (١).

واحتج الآخرون بما رواه عبد الله بن الفضل الهاشمي عن بعض مشايخه قال : قالت امرأة لأبي عبد الله عليه‌السلام ، أو سأله رجل عن رجل تدعي عليه امرأته أنه عنين وينكر الرجل ، قال : « تحشوها القابلة بالخلوق ولا يعلم الرجل ويدخل عليها الرجل ، فإن خرج على ذكره الخلوق صدق وكذبت وإلاّ صدقت وكذب » (٢).

وضعّفها المصنف في المختلف بكونها مرسلة ، ثم صوب الجمع بينهما وبين رواية أبي حمزة بحمل الاولى على ما إذا ادعى الرجل الإصابة قبل الدعوى فأنكرت ، والثانية على ادعاء العنة فينكر الرجل (٣).

وفي هذا الحمل اعتراف بأن حشو الخلوق طريق الى قطع المنازعة ، وفيه نظر ، لإمكان أن يلطخ ذكره به هو أو غيره ، فلا يكون دليلا على الجماع ، اللهم إلاّ إذا قطع بانتفاء ذلك كما إذا أفردا في بيت خال وشدت يداه على وجه أفاد اليقين ، فإنه لا يبعد المصير إليه.

لكن على هذا لا يحتاج الى ما قيد به في الرواية من كون الرجل لا يعلم حشو الخلوق.

ومتى ثبت اعتبار حشو الخلوق شرعا كان ذلك طريقا رابعا يستعلم به ثبوت العنة وانتفاؤها.

والخلوق بفتح الخاء المعجمة : أخلاط من الطيب منها الزعفران.

ولو كانت بكرا فادعى الإصابة فشهد أربع نسوة بالبكارة فكذبهن الزوج لم‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤١١ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ٤٢٩ حديث ١٧٠٩ ، الاستبصار ٣ : ٢٥١ حديث ٨٩٩.

(٢) الكافي ٥ : ٤١١ حديث ٨ ، الفقيه ٣ : ٣٥٧ حديث ١٧٠٤ ، التهذيب ٧ : ٤٢٩ حديث ١٧١٠ ، الاستبصار ٣ : ٢٥١ حديث ٩٠٠.

(٣) المختلف : ٥٥٦.

٢٦٥

وإذا ثبت العنة وصبرت لزم العقد ، وإلاّ رفعت أمرها إلى الحاكم فيؤجله سنة من حين المرافعة ، فإن واقعها أو غيرها فلا فسخ ، وإلاّ فسخت إن شاءت ولها نصف المهر.

______________________________________________________

يسمع منه ، وإن ادعى عود البكارة بعد الوطء قدّم قولها مع اليمين ، اما بعدم الوطء أو بان هذه بكارة الأصل فإن جانبها معتضد بأصالة بقاء البكارة الخلقية ، وأن الظاهر عدم العود بعد الزوال.

ولو نكلت حلف وسقط خيارها ، ولو نكل لم يبعد تقديم قولها ، لأن الظاهر معها ، وقد صرح المصنف بهذه الأحكام في التحرير (١) ، والشيخ في المبسوط (٢).

قوله : ( وإذا ثبت العنة وصبرت لزم العقد ، وإلاّ رفعت أمرها إلى الحاكم فيؤجله سنة من حين المرافعة ، فإن واقعها أو غيرها فلا فسخ ، وإلاّ فسخت إن شاءت ولها نصف المهر ).

إذا ثبت العنة بأحد الطرق السابقة ، فإن صبرت لزم العقد ولم يكن لها بعد ذلك مرافعة ولا فسخ ، لتضمن ذلك الرضى بالعيب ، وهو أمر واحد لا تجدد فيه ولا تعدد ، بخلاف المطالبة في الإيلاء فإنها لا تسقط بالإسقاط لتجدد الحق في كل وقت.

وحكى الشيخ في المبسوط خلافا في سقوط الخيار هنا ، ثم قوّى السقوط محتجا بعموم الاخبار (٣).

ويلزم من هذا أن تكون المرافعة على الفور كالفسخ ، وإن لم تصبر فليس لها الفسخ في الحال إجماعا ، بل يجب أن ترفع الأمر إلى الحاكم ، فإذا رفعته إليه أجّله سنة من حين المرافعة إذا طلبت ذلك أو اقتصرت على المطالبة بحقها شرعا ، أما مع سكوتها فلا ، إلاّ إذا احتمل أن يكون سكوتها لدهشة أو جهل فلا بأس بتنبيهها. وأطبق العلماء‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ٢٩.

(٢) المبسوط ٤ : ٢٦٥.

(٣) المبسوط ٤ : ٢٦٥.

٢٦٦

______________________________________________________

على كون الأجل سنة ، معللين بأن تعذر الجماع قد يكون لعارض حرارة فيزول في الشتاء ، أو برودة فيزول في الصيف ، أو يبوسة فيزول في الربيع ، أو رطوبة فيزول في الخريف.

ولا شبهة في أنه من حين المرافعة ، فإذا مضت السنة مع عدم الإصابة علم انه خلقي.

وروى أبو البختري عن جعفر عن أبيه : « أن عليا عليه‌السلام كان يقول : يؤخر العنين سنة من يوم ترافعه امرأته ، فإن خلص إليها وإلاّ فرق بينهما ، فإن رضيت أن تقيم ثم طلبت الخيار بعد ذلك فقد سقط الخيار » (١).

وهذه الرواية وإن دلت على أن المعتبر أصابتها وعدمها ، إلاّ أن رواية غياث الضبي (٢) دالة على اعتبار أصابتها ، أو اصابة غيرها في عدم الفسخ ، ويؤيدها أن العنن إنما يكون مع العجز المحقق لضعف في القوى أو القلب أو الكبد أو تخلل في نفس الآلة ، وهذا لا يختلف باختلاف النسوة.

وأما العجز عن امرأة دون أخرى فإنه قد يتفق ، لاحتباس الشهوة عنها بسبب نفرة منها أو حياء أو لاختصاص المقدور عليها بالإنس بها أو وجود الميل إليها أو انتفاؤه عن غيرها. وكذا قد يتفق العجز عن المأتي والقدرة على غيره ، لاعتياد خبيث ، وفي جميع ذلك لا يثبت الخيار عندنا.

ولو كان العجز عن الجماع لمرض لا يرجى زواله فهو في معنى العنة ، ومثله من جبّ بعض ذكره فشل الباقي.

ورواية أبي الصباح الكناني قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٣١ حديث ١٧١٩ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٩ حديث ٨٩٤.

(٢) الكافي ٥ : ٤١٠ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ٤٣٠ حديث ١٧١٤ ، الاستبصار ٣ : ٢٥٠ حديث ٨٦٩.

٢٦٧

ولو قيل بأن للمرأة الفسخ بالجذام في الرجل أمكن ، لوجوب التحرز من الضرر فإنه عليه‌السلام قال : « فر من المجذوم فرارك من الأسد ».

______________________________________________________

ابتلى زوجها فلا يقدر على الجماع ابدا اتفارقه؟ قال : « نعم إن شاءت » (١) تتناول ذلك كله ، ولو كان العذر لمرض مرجو الزوال فلا مرافعة ولا خيار.

تنبيه : لا فرق في التأجيل سنة بين كون العنة سابقة على العقد أو متجددة بعده ، وخص ابن الجنيد التأجيل بالثاني (٢) ، والأصحاب على خلافه (٣) ، والنصوص عامة (٤).

قوله : ( ولو قيل : بأن للمرأة الفسخ بالجذام في الرجل أمكن ، لوجوب التحرز من الضرر ، فإنه قال عليه‌السلام : « فر من المجذوم فرارك من السبع » ).

هنا مبحثان : الأول : المشهور بين الأصحاب أن الجذام والبرص من العيوب المختصة بالنساء ، فلا تفسخ المرأة بوجودهما أو أحدهما في الزوج.

وذهب ابن البراج في المهذب الى اشتراكهما بين الرجل والمرأة ففي أيهما وجد أحدهما فللآخر الفسخ (٥).

وظاهر كلام ابن الجنيد يقتضي ذلك (٦) ، وهو ظاهر اختيار المصنف في المختلف ، فإنه قال : وكلام ابن البراج حسن لا بأس به (٧).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٣١ حديث ١٧١٨ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٩ حديث ٨٩٢.

(٢) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٥٥.

(٣) منهم الصدوق في المقنع : ١٠٥ ، والمفيد في المقنعة : ٨٠ ، والطوسي في النهاية : ٤٨٦.

(٤) التهذيب ٧ : ٤٣١ حديث ١٧١٦ و ١٧١٨ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٩ حديث ٨٩١ و ٨٩٣.

(٥) المهذب ٢ : ٢٣١.

(٦) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٥٣.

(٧) المختلف : ٥٥٣.

٢٦٨

______________________________________________________

احتج الأكثرون بأن الأصل في عقد النكاح اللزوم وثبوت الخيار مخالف للأصل ، فيتوقف على الدليل ، وهو منتف في محل النزاع ، وبما سبق في رواية غياث الضبي من قوله عليه‌السلام : « والرجل لا يرد من عيب » ، فإنه بعمومه يتناول محل النزاع.

واحتج الآخرون بقوله عليه‌السلام : « إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل » (١) ، فإنه عام في الرجل والمرأة إلاّ ما أخرجه دليل ، وبأنه يؤدي الى الضرر ، إذ ذلك من الأمراض المعدية باتفاق الأطباء ، وقد روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « فر من المجذوم فرارك من الأسد » (٢) ، فلا بد من طريق التخلص.

ولا طريق إلاّ الخيار ، وبأنه قد ثبت بالنص (٣) والإجماع كونهما عيبا في المرأة ففي الرجل أولى ، فإن العلة في ثبوت الفسخ هو لبشاعته وشدة النفرة بسببه النافية لشهوة الجماع ، وتوقع الضرر العظيم به موجودة ، ثم بوجه أقوى فإن الرجل يستطيع التخلص بالطلاق ولا طريق للمرأة إلاّ الفسخ فتعيّن القول بثبوته.

ولا يخفى أن هذه الدلائل أقوى ، لأنّ صحيحة الحلبي دليل ناقل عن حكم الأصل ، وهي مرجحة على رواية غياث ، لصحتها وشهرتها مع ما ضم إليها من المؤيدات ، والقول الثاني لا يخلو من قوة.

الثاني : إذا قلنا بثبوت الخيار للمرأة بجذام الزوج وبرصه ، وكان العيب سابقا على العقد فلا بحث في الخيار به ، وإن تجدد بعد الدخول فقضيته ما سبق في نظائره عدم الخيار.

وإن تجدد بعد العقد وقبل الدخول ففيه إشكال ، ينشأ : من أن ثبوت الخيار هنا‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٢٤ حديث ١٦٩٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٦ حديث ٨٨٠.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٦٣ حديث ١٧٢٧.

(٣) الكافي ٥ : ٤٠٩ حديث ١٦ ، الفقيه ٣ : ٢٧٣ حديث ١٢٩٦ ، التهذيب ٧ : ٤٢٧ حديث ١٧٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٧ حديث ٨٨٩.

٢٦٩

ويثبت العيب بإقرار صاحبه ، أو شهادة عدلين عارفين.

وفي العيوب الباطنة للنساء شهادة أربع منهن مؤمنات.

______________________________________________________

على خلاف الأصل والمشهور ، فينبغي أن يقتصر فيه على ما لا تكثر معه المخالفة. ومن أن رواية الحلبي تتناول بعمومها هذا الفرد.

ولقائل أن يقول : إن رواية الحلبي دالة على حكم هذين العيبين بالنسبة الى كل من الرجل والمرأة ، فيتعين كون الثبوت في حقهما على نهج واحد ، وقد سبق أنه لا خيار للرجل بتجددهما بعد العقد فتكون المرأة كذلك.

واعلم أن المصنف لم يتعرض في هذا الكتاب الى البرص ، وإنما اقتصر على ذكر الجذام ولم يرجح فيه شيئا ، وإنما أورد الخيار فيه على طريق الاحتمال.

وفي المختلف رجّح الثبوت فيهما على ما حكيناه (١) ، فإن كان اقتصاره على الجذام مصيرا الى أن البرص لا خيار فيه جزما ، والتردد إنما هو في الجذام ، فهو في قوة القول الثالث للقولين ، وكلامه محتمل.

قوله : ( ويثبت العيب بإقرار صاحبه ، أو بشهادة عدلين عارفين ، وفي العيوب الباطنة للنساء بشهادة أربع منهن مؤمنات ).

قد عرفت فيما مضى أن العيب على قسمين : أحدهما ما يمكن اطلاع الغير عليه ، والآخر ما لا يمكن كالعنة ، وكلاهما يشتركان في الثبوت بإقرار صاحب العيب ، ومع إنكاره فإنما يثبت الثاني بشهادة عدلين على إقرار صاحبه ، أو اليمين المردودة ، أو النكول على القول بالقضاء به.

أما الأول فإنه يثبت بشهادة عدلين طبيبين عارفين إن كان مثله يخفى على غير الطبيب ، وإلاّ كفت العدالة ، وفي جانب المرأة تثبت في العيوب الباطنة للنساء‌

__________________

(١) المختلف : ٥٥٣.

٢٧٠

ولو كان بكل منهما عيب ثبت لكل منهما الخيار ، وفي الرتق الممتنع‌

______________________________________________________

وهي التي لا يطلع عليها الرجال ، مضافا الى ما ذكر بشهادة الأربع من النساء موصوفة بالعدالة والمعرفة بالطب ، إلاّ أن يكون العيب جليا لا تتوقف معرفته على الطبيب فتكفي العدالة.

فإن قيل : لم اعتبر في الشاهدين مع العدالة المعرفة واقتصر في النساء على الاتصاف بالايمان؟.

قلنا : لعله لحظ في ذلك أن عيب الرجل إذا كان جليا واضحا يمكن اطلاع الحاكم عليه ، فلا حاجة به الى الشاهدين لثبوته ، وإنما يحتاج إليهما في موضع الخفاء فيعتبر معرفتهما بالطب لا محالة.

وأما المرأة فلكون الحاكم لا يطلع على بواطن أحوالها ، يحتاج إلى شهادة أربع من النساء ، ولا يشترط معرفتهن بالطب إلاّ في موضع الخفاء ، فلا يكون شرطا في أصل الشهادة ، فلذلك لم يعتد بها في أصل الشهادة ، لانتفائه في بعض الأقسام ، وكأنه أحال في القسم الآخر على ما ذكره في الرجال لأنهما بمرتبة واحدة.

وأما العدول عن اشتراط العدالة في النساء الى الاكتفاء بالايمان فلا يظهر وجهه.

فرع : لو خفي العيب على النساء لجهلهن ، وتوقف الأمر على أشراف عدول الرجال الأطباء على المرأة ، ففي وجوب الإلزام والاكتفاء بيمين المرأة على النفي تردد ينشأ : من توقف حق الرجل عليه ، ومن أن فيه تعجيل هتك مع أن الأصل السلامة ، وقد قال عليه‌السلام : « اليمين على من أنكر » (١).

قوله : ( ولو كان بكل منهما عيب ثبت لكل منهما الخيار ، وفي الرتق‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١٥ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٠ حديث ١ ، التهذيب ٦ : ٢٢٩ حديث ٥٥٣.

٢٧١

الإزالة مع الجب اشكال.

______________________________________________________

الممتنع من الإزالة مع الجب اشكال ).

لو وجد كل من الزوجين بالآخر عيبا من العيوب الموجبة للفسخ ثبت لكل منهما الخيار ، فإن اختار أحدهما الإمضاء كان للآخر الفسخ ، لوجود المقتضي للفسخ بالنسبة الى كل منهما ، واجتماع النقيضين لا يمنع من ترتب الأثر.

ولا فرق بين كون العيبين من جنسين أو من جنس واحد.

وحكى في المبسوط وجهين في الثاني ، يوجه أحدهما بكونهما مع الاتحاد متكافئين فلا خيار ، والآخر بعموم النص ، وأن الإنسان يعاف من غيره ما لا يعاف من نفسه وقوّى الثاني (١) ، وهو الأصح.

وأطلق المصنف ثبوت الخيار إلاّ في صورة واحدة ، وهي الرتق الممتنع الإزالة الذي يتعذر معه الوطء.

وفي معناه العفل مع الجب المستوعب وما في حكمه ، فذكر فيه إشكالا ينشأ : من أن كلا منهما سبب للخيار إذا انفرد فعند الاجتماع كذلك ، لأصالة عدم كون الاجتماع مانعا من ترتب الخيار على السبب. ومن أن الفسخ إنما يثبت بكل من العيبين المذكورين ، لفوات مقصود النكاح وهو الاستمتاع ، فجعل الفسخ وسيلة إلى التخلص منه.

وهذا المعنى منتف في المحل المفروض ، فإن الفوات المذكور ثابت على كل من تقديري الفسخ وعدمه فيتمسك بأصالة لزوم النكاح ، وليس بشي‌ء ، لأن المعنى المستنبط لا يخصص عموم النص (٢) ، فالأصح الثبوت من الجانبين.

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٥١.

(٢) الكافي ٥ : ٤٠٦ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ٤٢٤ حديث ١٦٩٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٦ حديث ٨٨٠.

٢٧٢

ولو طلّق قبل الدخول ثم علم بالعيب لم يسقط عنه ما وجب بالطلاق ، وكذا بعده ، وليس له الفسخ ، ولا بعد الرجعة مع العلم قبلها.

______________________________________________________

قوله : ( ولو طلق قبل الدخول ثم علم بالعيب لم يسقط عنه ما وجب بالطلاق ، وكذا بعده ، وليس له الفسخ ولا بعد الرجعة مع العلم قبلها ).

أي : لو طلق الزوجة ذات العيب قبل الدخول وهو لا يعلم بالعيب فقد بانت منه ، فلو علم بالعيب بعد الطلاق لم يسقط ما وجب بالطلاق وهو نصف المهر ، لأنه أوجد الفرقة بالطلاق مستندا في ذلك الى اختياره ، وهو مقتض لوجوب النصف والمسقط للجميع هو الفسخ قبل الدخول ولم يوجد.

وكذا الحكم لو طلق بعد الدخول ، فإن وجوب جميع المهر بحاله إذا ظهر العيب ، وليس له الفسخ في هذه الحالة ، سواء كان الطلاق بائنا أو رجعيا.

أما إذا كان بائنا فظاهر ، لانقطاع علاقة النكاح فلا يعقل الفسخ.

وأما إذا كان رجعيا ، فلأن الطلاق مزيل لقيد النكاح وقد حصل به مقصود الفسخ ، لأنه آئل إلى بينونة.

ولا وجه لثبوت الفسخ بعده ، ولو رجع في هذه الحالة وقد علم بالعيب قبلها فلا فسخ له ، لأن رجوعه مع العلم بالعيب يقتضي الرضى به وذلك مانع من الفسخ ، بخلاف ما لو لم يعلم بالعيب حتى رجع فإن له الفسخ به هنا لا محالة ، لانتفاء المانع وإلى ما ذكرناه أشار بقوله : ( وليس له الفسخ ولا بعد الرجعة ) أي : ليس له الفسخ قبل الرجعة ولا بعد الرجعة إلى أخره.

ولقائل أن يقول : ينبغي أن يكون له الفسخ في الطلاق الرجعي إذا لم يعلم بالعيب حتى يطلق مع بقاء العدة ، لأن المطلقة الرجعية زوجة ، فيندرج في النصوص الدالة على الفسخ بعيب الزوجة ، ومن فوائده تعجيل البينونة ، فتحل الخامسة وأختها‌

٢٧٣

وإذا فسخ أحدهما بعد الدخول وجبت العدة ، ولا نفقة فيها إلاّ مع الحمل ، وعلى الزوج البينة لو أنكر الولي علمه بالعيب ، فإن فقدها فله اليمين.

فإذا حلف رجع الزوج على المرأة ، لأنها غرّت حيث لم تعلم الولي ، فإن ادعت اعلامه حلف.

______________________________________________________

وينقطع الإرث وتسقط نفقة العدة وغير ذلك.

قوله : ( وإذا فسخ أحدهما بعد الدخول وجبت العدة ، ولا نفقة فيها إلاّ مع الحمل ).

لا شك أنه إذا فسخ أحد الزوجين بعيب الآخر بعد الدخول تجب العدة للوطء المحترم ، وهي عدة الطلاق على ما سيأتي بيانه إن شاء تعالى ، ولا نفقة في هذه العدة قطعا ، لانتفاء المقتضي ، فإنها بائنة ، فإن الفسخ يزيل أثر النكاح.

هذا إذا كانت حائلا ، وأما إذا كانت حاملا بني على أن نفقة الحامل في الطلاق البائن للحمل أو للمطلقة ، فعلى القول بأنها للمطلقة لا نفقة هنا ، لانتفاء المتعلق ، وعلى القول بأنها للحمل يجب بحق القرابة والسكنى كالنفقة في ذلك.

وبه صرح المصنف في التحرير (١) ، وجزم بالوجوب هنا ، وهو يقتضي ترجيح وجوب النفقة للحمل ، لأنه حق مبني عليه ولم يرجح في التحرير شيئا ، وسيأتي تحقيقه إن شاء تعالى.

قوله : ( وعلى الزوج البينة لو أنكر الولي علمه بالعيب ، فإن فقدها فله اليمين ، فإذا حلف رجع الزوج على المرأة ، لأنها غرت حيث لم يعلم الولي ، فإن ادعت اعلامه حلف ).

__________________

(١) التحرير ٢ : ٢٩.

٢٧٤

______________________________________________________

قد ثبت أن للزوج‌ الرجوع على الولي بالمهر إذا فسخ بالعيب وكان الولي عالما بالحال ، فبناء على هذا إذا ادعى الزوج عليه العلم بالعيب ليرجع عليه ، فإن أنكر كان على الزوج البينة لإثبات دعواه ، فإنه مدع ، لأن الأصل عدم العلم.

والأصل براءة ذمته ، ومع فقدها فللزوج اليمين عليه ، فإذا حلف انتفى علمه ظاهرا ، وانتفى سبب الرجوع عليه وهو التدليس والحصر في جانبها ، فتعين الرجوع عليها لتغريرها حيث لم تعلم الولي بحالها.

فإن ادعت اعلامه كان عليها البينة ، ومع عدمها فعليه اليمين ، ولا يكفي اليمين الأولى ، لأن أثر اليمين لا يتعدى المتخاصمين ، فلا تسقط بها دعوى اخرى ، وينبغي التنبيه لشيئين :

أحدهما : انا قد أسلفنا أن الولي إن كان ممن شأنه أن لا يخفى عليه حالها لكونه محرما والعيب مما لا يخفى فعليه الغرم ، ولا يقبل منه اليمين ، فإنه المدعي ، لأن دعواه خلاف الظاهر.

وحينئذ فلا يتمسك بأصالة براءة الذمة ، لوجود المقتضي لشغلها. وربما علل بأنه على تقدير عدم علمه مقصر بترك الاستعلام ، وإن كان من شأنه أن يخفى عليه الحال ، فإن الرجوع عليه إنما يكون مع علمه ، فإن أنكره فعليه اليمين مع عدم البينة.

هذا هو المستفاد من كلام المحققين منهم الشيخ في المبسوط (١) ، والمصنف في التحرير (٢) ، وغيرهما (٣) وتوجيهه ظاهر فإذا وضح هذا ونظر الى إطلاق كلام المصنف هنا بأن على الولي اليمين إذا أنكر العلم بالعيب تبيّن كون هذا الإطلاق مستحقا للتقييد.

الثاني : إذا حلف الولي للزوج على عدم العلم بالعيب لم يمتنع توجه دعوى‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٥٢.

(٢) التحرير ٢ : ٢٩.

(٣) ابن البراج في المهذب ٢ : ٢٣٤.

٢٧٥

ولو سوّغنا الفسخ بالمتخلل بين العقد والوطء فرضي ببرص سابق ، ثم اتسع في ذلك العضو ، فالأقرب ثبوت الخيار ، ولو حصل في غيره ثبت الخيار قطعا ،

______________________________________________________

المرأة عليه الاعلام فيتوجه بها اليمين ، لأنه ربما أقر بأنها أعلمته فيكون قد أكذب نفسه ويمينه التي حلفها للزوج فيغرم المهر حينئذ.

لكن لو أراد رد اليمين عليها ، أو نكل بحيث يردها الحاكم فهل يستحلف؟ يحتمل العدم لئلا يلزم إبطال الحكم بالحكم ، ويحتمل أن يبنى ذلك على أن اليمين المردودة هل هي كالبينة أو كالإقرار ، فإن قلنا كالبينة لم يستحلف ، لأن البينة على الدعوى لا تسمع بعد يمين المنكر. وإن قلنا انها كالإقرار استحلف ، لأن المنكر إذا حلف ثم أقر مكذبا نفسه أخذ بإقراره.

قوله : ( ولو سوغنا الفسخ بالمتخلل بين العقد والوطء فرضي ببرص سابق ، ثم اتسع في ذلك العضو ، فالأقرب ثبوت الخيار ، ولو حصل في غيره ثبت الخيار قطعا ).

إنما بني الفرض على القول بثبوت الفسخ بالعيب الحادث خلال المدة التي بين العقد والوطء ، لامتناع القول بالخيار في الفرض إلاّ على ذلك التقدير.

وربما أوهم كلامه عدم وجود فرض يزداد فيه العيب ، ويتصور ثبوت الخيار به من حيث انه احتاج إلى البناء على قول ضعيف ، إذ لو وجد ما لا يحتاج الى ذلك لكان أولى بالذكر ، وليس كذلك ، لأن من علم ببرص قبل العقد ثم اتسع ولم يعلم بالزائد ، ثم عقد من صور الحكم المذكور ولا حاجة فيه الى البناء.

إذا تقرر ذلك ففي ثبوت الخيار بسبب الزيادة وعدمه وجهان ، أقربهما عند المصنف الثبوت ، لأن الزائد عيب لم يحصل الرضى به فيوجب الخيار ، بدليل انه لو انفرد لكان كافيا في ثبوته وليس ثم ما يتوهم مانعيته إلاّ ضميمة الى ما وقع الرضى به.

٢٧٦

ويسقط حكم العنة بتغيّب الحشفة ، ومقطوعها بقدرها ، وبالوطء في الحيض والنفاس والإحرام.

______________________________________________________

وذلك غير صالح للمانعية ، لأن المانعية حكم أو لازم الحكم فيتوقف على نص الشارع ، وفيه قوة.

والثاني : العدم واختاره في التحرير (١) ، لأن رضاه بالسابق رضى بما يحدث منه ويتولد عنه ، ولأنه مع الزائد عيب واحد لاتحاد محله ، بخلاف الحادث في محل آخر. ويضعف بمنع الرضى بما يحدث منه ومنع تأثير الاتحاد المذكور. ولو حدث ذلك العيب في محل آخر غير الأول الذي وقع الرضى به فقد قطع المصنف بثبوت الخيار ، لانتفاء الرضى به ، وعموم النصوص يقتضي الثبوت ، وأسنده الشيخ في المبسوط الى قوم ولم يصرح هو بالفتوى (٢).

ولا ريب أن الثبوت هنا أرجح ، ولو اختلف نوع العيب المتجدد والسابق فلا بحث في الثبوت.

قوله : ( ويسقط حكم العنة بتغيب الحشفة ومقطوعها بقدرها ، وبالوطء في الحيض والنفاس والإحرام ).

يتعلق بتغيب الحشفة في الفرج أحكام كثيرة كالتحصين ، والتحليل ، ووجوب الحد ، والكفارة في الصوم والإحرام ، وفساد العبادة مثل الصلاة والصوم ، ووجوب الغسل ، ومنه حكم العنة.

والأصل في ذلك النص والإجماع ، والمعنى فيه أن الحشفة هي الآلة الحساسة لتلك اللذة.

إذا تقرر ذلك فالذي يخرج به من ثبت عنته عن حكم العنة بحيث يسقط‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ٢٩.

(٢) المبسوط ٤ : ٢٥٣.

٢٧٧

ولا فرق في لزوم العقد باختيار المقام معه في أثناء السنة أو بعدها ، وإذا علمت بعنته قبل العقد فلا خيار.

______________________________________________________

الخيار هنا هو تغييب الحشفة في الفرج بحيث يشمل الشفران وملتقاهما عليها ، اما إذا انقلبت الشفران الى الباطن وكانت الحشفة تلاقي ما انعكس من البشرة الباطنة ففي اعتباره في ذلك ونظائره توقف ، هذا حكم سليم الحشفة ، أما مقطوعها ففي حكمه وجهان :

أحدهما : الاكتفاء بتغييب قدرها ، لأنها المرجع عند وجودها ، فيصار الى قدرها عند فقدها.

والثاني : اعتبار تغييب الكل ، فإنه ليس بعد الحشفة حد يرجع اليه ، واختار الشيخ في المبسوط الأول (١) ، وتردد المصنف في التحرير (٢).

ولو وطأها في الحيض أو النفاس أو الإحرام خرج عن حكم العنة ، لحصول الوطء الحقيقي ، ولا يقدح كونه محرما ، وكذا لو وطأ في الدبر عندنا.

قوله : ( ولا فرق في لزوم العقد باختيار المقام معه في أثناء السنة وبعدها ).

أما بعد السنة فلأنه محل الخيار ، فإذا اختارت المقام سقط. وأما اختيارها ذلك في الأثناء فقد حكى الشيخ في المبسوط فيه خلافا ، ثم قوى السقوط (٣) ، وهو المختار ، ويدل عليه رواية أبي البختري التي ذكرناها فيما تقدم.

قوله : ( وإذا علمت بعيبه قبل العقد فلا خيار ).

لأن إقدامها على النكاح في هذه الحالة يتضمن الرضى بالعيب ، سواء العنة‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٦٤.

(٢) التحرير ٢ : ٣٠.

(٣) المبسوط ٤ : ٢٦٤.

٢٧٨

ولو وطأها وسقط عنه دعوى العنة ، ثم بانت ، ثم تزوجها فادعتها سمعت.

ولو تزوج بأربع وطلقهن فشهدن عليه بالعنة لم تسمع.

وهل يثبت للأولياء الخيار؟ الوجه ذلك مع مصلحة المولى عليه ، زوجا‌

______________________________________________________

وغيرها عندنا ، خلافا للشافعي في أحد القولين (١) ، ومثله ما لو علم بعيبها قبل العقد.

قوله : ( ولو وطأها وسقط عنه دعوى العنة ثم بانت ثم تزوجها فادعتها سمعت ).

أي : لو وطأها بعد دعوى العنة وثبوتها ، سواء كان قبل السنة أو فيها ، سقط عنه دعوى العنة وانتفى الخيار كما سبق غير مرة.

وكذا بعد السنة ، صرح به في التحرير (٢) ، فإذا بانت منه بفسخ منها أو منه ، أو طلاق بائن ، أو انتهى الى البينونة ، ثم تزوجها بعقد جديد فادعت العنة ، سمعت دعواها قطعا ، لأنه نكاح جديد ودعوى مستأنفة.

ومن الممكن أن تحدث له العنة ، والوطء في نكاح سابق على النكاح الجديد لا يسقط حكم العنة فيه ، فتجري عليها الأحكام المتقدمة.

قوله : ( ولو تزوج بأربع وطلقهن فشهدن عليه بالعنة لم تسمع ).

إنما لم تسمع شهادتهن وإن كن بصفات الشاهد ، لأنا قد بيّنا أن المرأة قد تقطع بعنة الزوج ، لأن شهادة النساء لا تسمع في عيوب الرجال.

قوله : ( وهل للأولياء الخيار؟ الوجه ذلك مع مصلحة المولى عليه زوجا‌

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٣ : ٢٠٣.

(٢) التحرير ٢ : ٢٩.

٢٧٩

كان أو زوجة.

ولو اختار الإمضاء لم يسقط خيار المولى عليه بعد كماله في الفسخ.

______________________________________________________

كان أو زوجة ، ولو اختار الإمضاء لم يسقط خيار المولى عليه بعد كماله في الفسخ ).

هنا مسألتان :

الأولى : إذا كان بزوجة المولى عليه عيب من العيوب المجوزة لفسخ النكاح ، أو بزوج المولى عليها كذلك ، فهل للأولياء الخيار عنهما بالولاية؟ فيه وجهان ، الوجه منهما عند المصنف نعم ، لأن الولي منصوب لاعتماد المصلحة في كل ما يتعلق بالمولى عليه ، فإن الغرض من نصبه ذلك ، حيث ان المولى عليه قاصر عن القيام بمصالح نفسه ، فأقيم مقامه في ذلك حذرا من الإخلال.

واستثنى من ذلك الطلاق بالنص ، فيكون محل النزاع داخلا ، حيث انه لا دليل على استثنائه.

والثاني : العدم ، لأن مدار بقاء النكاح وفسخه على الشهوة ، والولي لا يطلع على ما يشتهيه المولى عليه ، لأن ذلك من الأمور النفسانية ، فالحاصل أن مناط المصلحة هنا أمر خفي على الولي ، فلذلك لا يثبت له الخيار كما سبق في عتق الأمة.

ولا فرق في ذلك بين كون العيب موجودا حين العقد ، وبين تجدده بعده حيث يوجب الخيار.

ويمكن الفرق بين الحادث وغيره ، فيحكم بأن الحادث لا خيار للمولى بسببه ، لتجدده بعد انعقاد العقد ، ولزومه فلا يتسلط على الفسخ ، لأن مناطه شهوة المولى عليه ، بخلاف السابق على العقد ، فإن إنشاء العقد في هذه الحالة مشروط بالمصلحة ، والفرض أنه لم يكن عالما بالعيب ، وكما أن إنشاء العقد من الولي منوط بالمصلحة فكذا بقاؤه منه منوط بها.

٢٨٠