جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧

وأما العرج فإن بلغ الإقعاد فالأقرب تسلّط الزوج على الفسخ به ، وإلاّ فلا.

______________________________________________________

من البرص والجذام والجنون والعفل » (١). وكلمة إنما للحصر.

والجواب : روايتنا أخص ، والخاص مقدّم ، على أن لنا ترجيحا من وجه آخر ، وهو أن الدلالة من جانبنا منطوق اتفاقا ، ومن جانب المانع محل اختلاف ، والمتفق عليه أرجح لو وقع التعارض.

إذا تقرر ذلك فاعلم أن العمى بجميع أنواعه موجب للخيار ، لأنه معلق به ودائر معه ، فمتى صدق العمى ثبت الخيار ، سواء كانت مفتوحة أو لا. ولو كانت عوراء فلا خيار ، للأصل ، ولرواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام إنه قال في رجل يتزوج الى قوم فإذا امرأته عوراء ولم يبينوا له قال : « لا ترد » (٢) الحديث ، وكذا العمش وقلة النظر لبياض وغيره ، وكلّ ما جرى هذا المجرى بطريق أولى.

قوله : ( وأما العرج فإن بلغ الإقعاد فالأقرب تسلّط الزوج على الفسخ به ، وإلاّ فلا ).

ظاهر المذهب أن العرج أيضا عيب ترد به المرأة ، صرح بذلك الشيخ في النهاية (٣) ، والمفيد (٤) ، وأكثر الأصحاب (٥).

ولم يذكر كونه عيبا الشيخ في المبسوط والخلاف (٦) ، وكذا ابن البراج في‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٢٤ حديث ١٦٩٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٦ حديث ٨٨٠.

(٢) الكافي ٥ : ٤٠٦ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ٤٢٦ حديث ١٧٠١ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٧ حديث ٨٨٦.

(٣) النهاية : ٤٨٥.

(٤) المقنعة : ٨٠.

(٥) منهم ابن الجنيد كما في المختلف : ٥٥٣ ، وسلار في المراسم : ١٥٠ ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ٢٩٥.

(٦) المبسوط ٤ : ٢٤٩ ، الخلاف ٢ : ٢٢٦ مسألة ١٢٤ كتاب النكاح.

٢٤١

______________________________________________________

المهذب (١) ، وعد ابن إدريس عيوب المرأة سبعة ثم قال : وألحق أصحابنا عيبا ثامنا وهو العرج البيّن ذهب إليه شيخنا في نهايته (٢) ولم يذهب إليه في مسائل خلافه (٣) وجعله ابن بابويه في المقنع رواية (٤).

والمختار الأول للروايتين السابقتين.

وحجة المانع صحيحة الحلبي ، والجواب ما تقدم.

بقي شي‌ء وهو أن جمعا من الأصحاب أطلقوا كون العرج عيبا كالمفيد في المقنعة (٥) ، وكذا بعض الأخبار (٦).

وقيّده جماعة بما إذا كان بيّنا ، منهم ابن إدريس (٧) ، والمصنف في التحرير (٨) ، وفصل هنا فحكم بالفسخ إذا بلغ الإقعاد لا بدونه ، وكذا المحقق ابن سعيد (٩) ، والظاهر أن المراد به وبالعرج البيّن واحد ، وهو أن يكون فاحشا جدا بحيث لا يستطيع معه التردد في العادة إلاّ بالمشقة الشديدة ، فلا ترد بالعرج اليسير وهو الذي لا يكون كذلك.

وهذا هو المختار ، لأن في صحيحة داود بن سرحان السابقة : « وإن كان بها زمانة لا يراها الرجال أجيز شهادة النساء عليها » (١٠) فإن ظاهرها أن الرد منوط بالزمانة ،

__________________

(١) المهذب ٢ : ٢٣١.

(٢) النهاية : ٤٨٥.

(٣) الخلاف ٢ : ٢٢٦ مسألة ١٢٤ كتاب النكاح.

(٤) المقنع : ١٠٤ ، السرائر : ٣٠٩.

(٥) المقنعة : ٨٠.

(٦) الفقيه ٣ : ٢٧٣ حديث ١٢٩٨ ، التهذيب ٧ : ٤٢٤ حديث ١٦٩٦ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٦ حديث ٨٨٣.

(٧) السرائر : ٣٠٩.

(٨) التحرير ٢ : ٢٩.

(٩) الشرائع ٢ : ٣٢٠.

(١٠) التهذيب ٧ : ٤٢٤ حديث ١٦٩٤ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٦ حديث ٨٨٤.

٢٤٢

وأما الرتق : فهو أن يكون الفرج ملتحما ليس فيه مدخل للذكر ، ويوجب الخيار مع منع الوطء ولم تمكن إزالته أو أمكن فامتنعت ، وليس له إجبارها على إزالته.

______________________________________________________

فإن مفهوم الشرط معتبر عند جمع من المحققين.

وكذا رواية أبي عبيدة السابقة (١) ، مع أن المطلق يجب حمله على المقيد ، والاقتصار في المخالف للأصل على موضع اليقين أقرب الى الاحتياط.

وينبغي ملاحظة عبارة الكتاب ، فإن المصنف حيث قسم العرج الى ما يبلغ الإقعاد والزمانة والى غيره ، قرّب التسلط على الفسخ في الأول ونفاه عن الثاني ، فاقتضى كلامه أن في البالغ حد الإقعاد وجهين أو قولين ، وأشعر بنفيهما عن غيره.

وقد عرفت أن في الأصحاب من أطلق كون العرج عيبا ، وفيهم من يلوح من كلامه كونه ليس بعيب ، ومنهم من فصل وقسم الى قسمين : أحدهما عيب وهو البالغ الى حد الإقعاد دون الآخر ، فلم يكن مورد الوجهين أو القولين هو القسم الأول. ولو أنه قال : وأما العرج فالأقرب أنه إن بلغ الإقعاد تسلط الزوج به على الفسخ وإلاّ فلا لكان أولى.

قوله : ( وأما الرتق فهو أن يكون الفرج ملتحما ليس فيه مدخل للذكر ، ويوجب الخيار مع منع الوطء ، ولم يمكن إزالته ، أو أمكن وامتنعت وليس له إجبارها على إزالته ).

تنقيح هذا البحث بأمور :

الأول : قال في الصحاح : الرتق بالتحريك مصدر قولك امرأة رتقاء بينة الرتق‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٠٨ حديث ١٤ ، التهذيب ٧ : ٤٢٥ حديث ١٦٩٩.

٢٤٣

______________________________________________________

لا يستطاع جماعها ، لارتتاق ذلك الموضع منها (١) ، وقريب منه قوله في القاموس (٢).

الثاني : فسر المصنف هنا الرتق بأنه التحام الفرج ، وهو المفهوم من كلام صاحب الصحاح ، وهو المناسب للمعنى المشتق منه ، وقد حكينا قول المصنف في التحرير : ان الرتق لحم ينبت في الفرج يمنع دخول الذكر ، وحكم بمرادفه القرن والعفل (٣) ، وكأنه أخذ ممّا حكاه الشيخ في المبسوط عن أهل الخبرة من تفسير القرن الى أن قال : وهو الذي يسمى العفل يكون كالرتق سواء (٤). وهذا المعنى مشارك للأول في منع مقصود النكاح وهو الاستمتاع ، إلاّ أن الأول ألصق بمادة رتق.

الثالث : لا خلاف بين الأصحاب في أن الرتق عيب يوجب الخيار ، ويدل عليه مع الإجماع فوات فائدة النكاح به ، فجرى مجرى تعذر استيفاء المنفعة في الإجارة لعيب ونحوه ، على أنه إن كان الرتق مرادفا للقرن كان ثبوت الخيار معه مورد النص (٥).

الرابع : لا شبهة في أن الخيار إنما يثبت بالرتق إذا كان مانعا من الوطء ، صرح بذلك المحققون (٦) ، ووجهه بقاء مقصود النكاح مع عدم المنع ، فلو ارتتق المحل وبقي منه ما يمكن معه الوطء فلا خيار وإن كان لصغر آلته ، بخلاف العدم. وإنما يتحتم ثبوت الخيار إذا لم يمكن ازالة المانع عادة ، أو أمكن بفتق الموضع ولكنها امتنعت من الإزالة.

أما لو رضيت بها فلا خيار له بحال إجماعا ، ولأن الحكم إذا تعلق بعلة زال بزوالها.

__________________

(١) الصحاح ٤ : ١٤٨٠ « رتق ».

(٢) القاموس المحيط ٣ : ٢٣٥ « رتق ».

(٣) التحرير ٢ : ٢٨.

(٤) المبسوط ٤ : ٢٥٠.

(٥) الكافي ٥ : ٤٠٩ حديث ١٦ ، الفقيه ٣ : ٢٧٣ حديث ١٢٩٦ ، التهذيب ٧ : ٤٢٧ حديث ١٧٠٣.

(٦) منهم الشيخ في المبسوط ٤ : ٢٥٠ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ٢٣٣.

٢٤٤

ولا ترد المرأة بعيب سوى ذلك ، وقيل : المحدودة في الزنا ترد ، وقيل : بل يرجع على وليها العالم بحالها بالمهر ولا فسخ.

______________________________________________________

ولو أراد الزوج الإزالة مع امتناعها لم يكن له إجبارها ، لأن ذلك ليس حقا له ولما في الاقدام على الجراحة من تحمل الضرر والمشقة ، كما أنها لو أرادت هي ذلك لم يكن له المنع ، لأنه تداو لا تعلق له به.

ولا يخفى أن رضاها بالإزالة وحده لا يكفي في سقوط الخيار ، بل لا بد من حصولها ، فلو مكنت من الإزالة ولم يحصل على الفور عادة فالخيار بحاله ، ثم ينبه في العبارة بشيئين :

الأول : انه عرف الرتق بكون الفرج ملتحما على وجه ليس له مدخل للذكر ، وعبارة الشيخ في المبسوط (١) خالية من هذا القيد ، وهو الصواب ، لأن الرتق أعم من ذلك.

فإن قيل : أراد به ما يكون عيبا في النكاح ، والعيب هو هذا دون الأعم.

قلنا : فقوله بعد ذلك : ( ويوجب الخيار مع منع الوطء ) مستدرك.

الثاني : قوله : ( ولم يمكن إزالته أو أمكن وامتنعت ) يجب أن يكون في حيز ( مع ) ليكون شرطا ثانيا للخيار مضافا إلى منع الوطء ، لكن تركيبه غير حسن ، لأن المعطوف جملة والمعطوف عليه مفرد ، اللهم إلاّ أن تؤول الجملة بمفرد ، وهو عدم إمكان الإزالة ونحو ذلك ، وقوله : ( أو أمكن ) على حد قول الشاعر : ولا أرض أبقل إبقالها.

قوله : ( ولا ترد المرأة بعيب غير ذلك ، وقيل : المحدودة في الزنا ترد ، وقيل : بل يرجع على وليها العالم بحالها بالمهر ولا فسخ ).

لما انحصرت ، عيوب المرأة فيما ذكره المصنف بحكم الدليل ظهر وجه قوله : ( ولا ترد المرأة بعيب غير ذلك ) وقد وقع الخلاف في مواضع :

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٥٠.

٢٤٥

______________________________________________________

منها ما إذا زنت المرأة قبل الدخول بها ، فإن الصدوق ذهب الى أنها ترد بذلك ولا صداق لها (١) ، لقول علي عليه‌السلام في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها : « يفرق بينهما ولا صداق لها » (٢) ، لأن الحدث كان من قبلها ، والطريق ضعيف والمذهب عدم الرد بذلك.

ومنها ما إذا ظهر كون المرأة خنثى ، فإن قطب الدين الكيدري ذهب الى انه عيب ، وقال الشيخ في المبسوط : فيه قولان (٣) ، وإطلاق العبارة يتناول ما إذا كان مشكلا ، وفيه نظر ، لأن المشكل لا يصح نكاحه ، وعلى كل تقدير فليس ذلك من جملة العيوب على المختار.

ومنها المحدودة في الزنا ، وللأصحاب في حكمها ثلاثة أقوال :

الأول : أن ذلك عيب ترد به ، ذهب اليه المفيد (٤) ، وسلار (٥) ، وابن البراج (٦) ، وأبو الصلاح (٧) ، والكيدري ، لأن ذلك من الأمور الفاحشة التي يكرهها الزوج ، ونفور النفس منه أقوى من نفورها من نحو العمى والعرج ، ولزوم العار العظيم به يقتضي كون تحمله ضررا عظيما.

ولما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن رجل تزوج امرأة فعلم بعد ما تزوجها أنها كانت قد زنت قال : « إن شاء زوجها أخذ‌

__________________

(١) المقنع : ١٩.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٦٣ حديث ١٢٥٣ ، التهذيب ٧ : ٤٩٠ حديث ١٩٦٨.

(٣) المبسوط ٤ : ٢٦٦.

(٤) المقنعة : ٨٠.

(٥) المراسم : ١٥٠.

(٦) المهذب ٢ : ٢٣٤.

(٧) الكافي في الفقه : ٢٩٥.

٢٤٦

______________________________________________________

الصداق ممن زوجها ولها الصداق بما استحل من فرجها ، وإن شاء تركها » (١) الحديث.

الثاني : انه ليس بعيب يوجب الرد بل للزوج الرجوع بالمهر على وليها العالم بحالها ، وليس له فراقها إلاّ بالطلاق ، ذهب الى ذلك الشيخ في النهاية (٢) ، وابن إدريس (٣) ، احتجاجا بالرواية السالفة ، فإن فيها قال : وترد المرأة من العفل والبرص والجذام والجنون ، فأما ما سوى ذلك فلا.

قال الشيخ في توجيهه : هذا لا ينافي ما قدمناه من أنه ليس له الرد بمجرد الفسق ، فإنه قال : إذا علم انها كانت قد زنت كان له الرجوع على وليها بالصداق ، ولم يقل : إن له ردها (٤). ولا يمتنع أن يكون له استرجاع الصداق وإن لم يكن له رد العقد ، لأن أحد الحكمين منفصل عن الآخر.

قال المصنف في المختلف : في إيجاب المهر على الولي مع عدم كونه عيبا إشكال ينشأ : من أن التضمين إنما هو باعتبار تدليس العيب على الزوج ، فإن كان عيبا أوجب الفسخ وإلاّ لم يجب المهر (٥).

أقول : الإشكال في موضعه ، وهنا نظر من وجه آخر ، وهو أن محل النزاع هو المحدودة في الزنا ، والرواية لا تدل عليه ، نعم هي مناسبة لقول الشيخ في النهاية فإنه ساوى بين من تجدد علم الزوج بزناها ومن علم كونها قد حدث في الزنا حيث لم يوجب الرد لواحد منهما ، وأوجب الرجوع على الولي بالمهر (٦) ، وفي دلالتها الاشكال السابق.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٢٥ حديث ١٦٩٨ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٥ حديث ٨٧٩.

(٢) النهاية : ٤٨٦.

(٣) السرائر : ٣٠٩.

(٤) التهذيب ٧ : ٤٢٥ ذيل الحديث ١٦٩٨.

(٥) المختلف : ٥٥٣.

(٦) النهاية : ٤٨٦.

٢٤٧

______________________________________________________

الثالث : انه ليس بعيب ولا رجوع بالمهر ، ذهب الى ذلك المصنف (١) ، وجمع من المتأخرين (٢) ، وهو الأصح.

لنا على الحكم الأول التمسك بأصالة لزوم النكاح ، ولصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : « إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل » (٣) ، خرج ما أخرجه الدليل فيبقى الباقي على حكم العموم.

وبرواية رفاعة بن موسى عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن المحدودة هل ترد من النكاح ، قال : « لا » (٤).

وعلى الحكم الثاني أن المهر وجب بالعقد ، فإذا كان النكاح لازما ولم يكن المذكور عيبا فالرجوع بالمهر خلاف مقتضى النكاح ، فإن مقتضاه كون المهر على الزوج دون الولي.

ويمكن حمل الرواية على ما إذا شرط الزوج كونها عفيفة فظهر الخلاف ، فإنه يرجع بالصداق إذا فسخ بدليل قوله : ( وإن شاء تركها ) أي بغير فسخ ولا رجوع.

ويثبت زناها بشاهد عدل بالنسبة إلى التسلط على الفسخ ، وبالإقرار مرة على الأقرب لا بالنسبة إلى الحد وهو ظاهر.

تذنيب : ذهب ابن الجنيد الى أن الزنا يرد به النكاح في الرجل والمرأة قبل العقد وبعده (٥) ، وقد عرفت ضعف التمسك وأن الأصح العدم.

__________________

(١) المختلف : ٥٥٣.

(٢) انظر : إيضاح الفوائد ٣ : ١٧٩ ، التنقيح الرائع ٣ : ١٨٣.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٢٤ حديث ١٦٩٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٦ حديث ٨٨٠.

(٤) الكافي ٥ : ٤٠٧ حديث ٩ ، التهذيب ٧ : ٤٢٤ حديث ١٦٩٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٥ حديث ٨٧٨.

(٥) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٥٧.

٢٤٨

الفصل الثاني : في أحكام العيوب :

خيار الفسخ على الفور ، فلو سكت صاحبه عالما مختارا بطل خياره ، وكذا خيار التدليس.

وليس الفسخ طلاقا ، فلا يعد في الثلاث ، ولا يطرد معه تنصيف المهر ، ولا يفتقر إلى الحاكم.

وفي العنة يفتقر إليه لا في الفسخ ، بل في ضرب الأجل ، وتستقل المرأة بعده عليه.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثاني : في أحكام العيوب :

خيار الفسخ على الفور ، فلو سكت صاحبه عالما مختارا بطل خياره ، وكذا خيار التدليس. وليس الفسخ طلاقا فلا يعد في الثلاث ، فلا يطرد معه تنصيف المهر ولا يفتقر الفسخ إلى الحاكم ، وفي العنة يفتقر إليه لا في الفسخ ، بل في ضرب الأجل وتستقل المرأة بعده عليه ).

هذا الخيار على الفور عندنا ، وكذا الخيار في التدليس على الفور ، فلو أخر من اليه الفسخ عالما مختارا بطل على الفور خياره لفوات الفورية ، سواء الرجل والمرأة. ولو جهل ثبوت الخيار فأصح القولين بقاء الخيار ، فيتخير حينئذ على الفور ، بخلاف ما لو علم الثبوت وجهل الفورية ، فإن الخيار يبطل بالتأخير ، لأنه يشعر بالرضى كما سبق في تجدد العتق.

ولو منع من الاختيار ، إما بالقبض على فيه ، أو هدد تهديدا يعد مثله اكراها فالخيار بحاله ، لأن الإكراه عذر بالنص (١) ، والإجماع. ثم إن هذا الفسخ لا يعد طلاقا‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٤١٧ حديث ٩ ، التوحيد : ٣٥٢ حديث ٢٤ ، الخصال ٢ : ٤١٧.

٢٤٩

______________________________________________________

قطعا ، فلا يعتبر فيه ما يعتبر في الطلاق ، فلا يعد في الثلاث ، فلا تحرم إلاّ بطلقات ثلاث غيره.

ولا يطرد معه تنصيف المهر بحيث يكون متى حصل ثبت كما في الطلاق ، وإنما عبر بقوله : ( فلا يطرد ) دون أن يقول : ولا ينتصف ، لانتقاضه بالعنة حينئذ فإنها مع الفسخ بها تستحق نصف المهر على ما سيأتي إن شاء الله تعالى وعلى ما عبر به فالمنفي هو اطراده ، وذلك لا ينافي الثبوت في بعض الصور.

ولا يفتقر هذا الفسخ الى الحاكم ، لأنه حق ثبت ، فلا يتوقف استيفاؤه على كونه بحضور الحاكم أو بإذنه كسائر الحقوق ، خلافا لبعض العامة (١) وابن الجنيد (٢) منا ، وكلام الشيخ في موضع من المبسوط يشعر بتردده (٣).

وفي موضع آخر قبله جوز الاستقلال بالفسخ محتجا بأن الأخبار في هذا الباب مطلقة (٤).

واستثنوا من هذا الحكم العنة ، فإن الفسخ بها يتوقف على الحكم إجماعا ، لا لأجل الفسخ بل لأنه لا بد من ضرب الأجل على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ، ولا يكون ذلك إلاّ بحكم الحاكم إجماعا كالحجر بالفلس وبالسفه عند قوم.

فإذا ضرب الأجل ومضت المدة استقلت المرأة بالفسخ حينئذ ، وقول المصنف : ( وتستقل المرأة بعده عليه ) الضمير الأول فيه يعود إلى الأجل والثاني إلى الفسخ ، وكأنه ضمن كلمة ( تستقل ) معنى ( تسلط ) فعداه بكلمة ( على ) أي وتستقل متسلطة بعد الأجل على الفسخ من غير توقف على الحاكم.

__________________

(١) انظر : المجموع ١٦ : ٢٧٢ ، المغني لابن قدامة ٧ : ٥٨٥.

(٢) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٥٧.

(٣) المبسوط ٤ : ٢٥٣.

(٤) المبسوط ٤ : ٢٤٩.

٢٥٠

ولا يفسخ الرجل بالمتجدد بالمرأة بعد الوطء.

وفي المتخلل بينه وبين العقد إشكال أقر به التمسك بمقتضى العقد.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يفسخ الرجل بالمتجدد بالمرأة بعد الوطء ، وفي المتخلل بينه وبين العقد إشكال ، أقر به التمسك بمقتضى العقد ).

للعيب الحاصل بالمرأة حالات ثلاث :

أحدها : أن يكون موجودا قبل العقد ، ولا شبهة في ثبوت الخيار به ، فإنه لما كان حاصلا في زمان العقد منع وقوعه على وجه اللزوم.

وثانيها : أن يتجدد بعد الوطء ، وقد جزم المصنف بعدم الخيار به هنا وفي التحرير (١) ، وإطلاق كلام الشيخ في المبسوط والخلاف بثبوت الخيار بالعيب الحادث ولو لم يكن حال العقد محتجا بعموم الأخبار يتناول الحادث بعد الوطء ، وقوله بعد أن الفسخ بالعيب الحادث بعد الدخول يوجب المسمى يؤكد ذلك (٢).

والأصح عدم الرد به ، لتأكد النكاح بالدخول الجاري مجرى القبض في البيع ، مع أنه قد سبق لزوم النكاح وثبوته ، فتجدد الخيار يتوقف على الدليل.

وقد روى عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « المرأة ترد من أربعة أشياء : من البرص ، والجذام ، والجنون ، والقرن وهو العفل ما لم يقع عليها ، فإذا وقع عليها فلا » (٣).

وجه الاستدلال بها أنها دالة على رد المرأة بالعيب إلاّ أن يكون قد وقع عليها ، وذلك عام في الوقوع بعد العيب وقبله ، وقد دل الدليل على أن الوقوع قبل العلم بالعيب لا يسقط الخيار ، فيختص به هذا العموم ويبقى الباقي على حكمه.

__________________

(١) التحرير ٢ : ٢٩.

(٢) المبسوط ٤ : ٢٥٢ ، الخلاف ٢ : ٢٢٧ مسألة ١٢٨ كتاب النكاح.

(٣) الكافي ٥ : ٤٠٩ حديث ١٦ ، الفقيه ٣ : ٢٧٣ حديث ١٢٩٦ ، التهذيب ٧ : ٤٢٧ حديث ١٧٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٨ حديث ٨٨٨.

٢٥١

______________________________________________________

وثالثها : أن يتجدد بعد العقد وقبل الوطء ، وللأصحاب فيه قولان :

أحدهما : الثبوت ، ذهب اليه الشيخ في المبسوط والخلاف (١) ، تمسكا بعموم الأخبار الدالة على الرد بهذا العيب ، فإنها شاملة للموجود قبل العقد والمتجدد بعده ، لرواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله السالفة وغيرها (٢).

والثاني : العدم ، اختاره ابن إدريس (٣) ، وكلام ابن حمزة يشعر به (٤) ، وإليه ذهب المصنف في المختلف (٥) ، وقواه هنا وفي التحرير (٦) ، واختاره جماعة من المتأخرين (٧) ، وهو الأصح.

لنا إن العقد قد وقع لازما فيجب التمسك بمقتضاه عملا بالاستصحاب ، وأمر النكاح مبني على كمال الاحتياط فلا تسلط على فسخه بكل سبب ، مع أن أكثر الأصحاب مطبقون على انتفاء الخيار.

وأما الأخبار فإن ظاهرها وإن اقتضى ثبوت الخيار إلاّ أنّها غير صريحة في ذلك ، مع أن صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه‌السلام قد تضمنت الحكم برد العفلاء والبرصاء والمجنونة والمفضاة والتي بها زمانة إذا دلست نفسها (٨) ، وإنما يكون التدليس مع وجود العيب قبل العقد.

ومفهوم ذلك يقتضي عدم الرد مع انتفاء التقدم ، ومفهوم الشرط حجة عند‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٥٢ ، الخلاف ٢ : ٢٢٧ مسألة ١٢٨ كتاب النكاح.

(٢) الكافي ٥ : ٤٠٩ حديث ١٨ ، التهذيب ٧ : ٤٢٧ حديث ١٧٠٤ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٩ حديث ٨٩٠.

(٣) السرائر : ٣٠٩.

(٤) الوسيلة : ٣٦٧.

(٥) المختلف : ٥٥٤.

(٦) التحرير ٢ : ٢٩.

(٧) منهم فخر المحققين في الإيضاح ٣ : ١٧٩ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ١٨٥.

(٨) الكافي ٥ : ٤٠٨ حديث ١٤ ، التهذيب ٧ : ٤٢٥ حديث ١٦٩٩ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٧ حديث ٨٨٥.

٢٥٢

ولا يمنع الوطء من الفسخ بالسابق على العقد مع الجهل ، فيجب المهر ويرجع به على المدلّس إن كان ، وإلاّ فلا رجوع.

ولو كانت هي المدلّسة رجع عليها ، إلاّ بما يمكن أن يكون مهرا.

______________________________________________________

المحققين.

إذا عرفت ذلك فارجع الى عبارة الكتاب واعلم أن منشأ الاشكال ما ذكرناه من دليلي القولين ، ووجه القرب ما ذكرناه في ترجيح الثاني.

قوله : ( ولا يمنع الوطء من الفسخ بالسابق على العقد مع الجهل ، فيجب المهر ، ويرجع به على المدلّس إن كان ، وإلاّ فلا رجوع ، ولو كانت هي المدلسة رجع عليها إلاّ بما يمكن أن يكون مهرا ).

قد علم مما سبق أن العيب في النكاح قد يكون في الرجل وقد يكون في المرأة ، فإن كان في المرأة فقد تقرر أنها إنما ترد إذا كان العيب سابقا على العقد ، وحينئذ فإما أن يعلم به الزوج قبل العقد أو بعده قبل الوطء ، أو بعده.

وإذا تجدد علمه به فإما أن يطأ في هذه الحالة أو لا ، فإن علم قبل العقد فلا خيار له على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وإن تجدد علمه بعده ثبت له الخيار بشرط أن لا يقدم على الوطء بعد العلم ، فإن فعل فلا خيار له ، لدلالته على الرضى ، ولرواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله السابقة ، ولأن ذلك ربما أفضى إلى التراخي في الاختيار والخيار فوري.

أما إذا كان جاهلا بالحال ، إما من حيث جهله بالعيب أو جهله بثبوت الخيار ، فإنه لا يسقط بالوطء على تردد في الثاني.

وقد وردت الأخبار بأن لها المهر إذا فسخ ويرجع به على المدلس (١) ، وإنما يكون ذلك بعد الوطء كما لا يخفى.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٢٥ و ٤٣٢ حديث ١٦٩٨ و ١٧٢٣.

٢٥٣

______________________________________________________

وهل يجري التقبيل وغيره من الاستمتاعات مجرى الوطء؟ فيه إشكال ينشأ : من دلالته على الميل الدال على الرضى ، ومن أصالة البقاء والتوقف في هذه الدلالة ، ولا ريب أن هذا إنما يكون مع عدم منافاة التراخي ، كما لو أكرهه مكره على عدم الاختيار ، ثم في هذا البحث أمور :

الأول : المهر الواجب هنا هو المسمّى لا محالة ، لأن النكاح صحيح ، فإن ثبوت الخيار فرع صحة العقد في نفسه ، وقال الشيخ في المبسوط : إن كان الفسخ بالمتجدد بعد الدخول فالواجب المسمّى ، لأن الفسخ إنما يستند الى العيب الطارئ بعد استقراره.

وإن كان بعيب موجود قبل العقد أو بعده قبل الدخول وجب مهر المثل ، لما قلناه من أن الفسخ يستند الى زمان العيب ، ويصير النكاح كأنه وقع فاسدا فتتعلق به أحكام الفاسد ، وإن كان قبل الدخول فلا مهر ولا متعة (١).

وإن كان بعده فلا نفقة في العدة ويجب مهر المثل ، وقد يعلل بأن قضية الفسخ أن يرجع كل واحد من المتعاقدين الى عين حقه إن بقي والى بدله إن تلف ، وقد جرى العقد على البضع والمسمّى ، وعوض البضع هو مهر المثل.

وما ذكره الشيخ ضعيف ، لأن النكاح وقع صحيحا ، والفسخ وإن كان بسبب العيب إلاّ أنه إنما يبطل النكاح من حينه ، ولا يزيل الأحكام التي سبقت عليه ، ولهذا لا يرجع عليها بالنفقة الماضية وإن بقيت عينها.

وأما التعليل الثاني فجوابه : إن ذلك في المعاوضات الحقيقية والنكاح ليس منها ، ولأن المسمّى يستقر وجوبه بالوطء مرة واحدة فلا يسقط بالفسخ الطارئ.

الثاني : قال المصنف في المختلف : إذا كانت هي المدلسة بعد الدخول وتسليم‌

__________________

(١) انظر : المبسوط ٤ : ٢٥١.

٢٥٤

______________________________________________________

المهر فالمشهور أنه يرجع الزوج عليها بما دفعه ، وإن كان الولي هو المدلس رجع الزوج عليه وكان لها المهر كملا.

ثم حكى عن ابن الجنيد الرجوع على الولي به إلاّ قدر أقل مهر مثلها ، إلاّ أن يكون مما لا يظهر وقد خفي على الولي ، فيكون لها أقل صداق مثلها ، والباقي مردود من مالها على زوجها ، وحكمها حكم وليها إن كانت هي العاقدة على نفسها (١).

ومحصّل ما ذكره الشيخ في المبسوط أن الولي إذا زوجها فلا يخلو : إما أن يكون ممن لا يخفى عليه عيبها كالأب والجد ونحوهما ممن يخالطها ويعرفها فالرجوع عليه ، أو يكون ممن يخفى عليه ذلك ، فإن صدقته المرأة أنه لا يعلم فالرجوع عليها ، لأنها هي الغارة ، وإن كذبته فالقول قوله مع يمينه والرجوع عليها دونه (٢).

وذهب أبو الصلاح إلى أنها إذا كانت هي المدلسة لا يرجع عليها بشي‌ء مما أخذته من المهر بعد الوطء ، محتجا بأن الصداق عوض البضع (٣) ، وهو ضعيف.

ولا شك أن تنقيح هذا الموضوع مما لا بد منه ، فلا بد من بيان معنى التدليس ، وتحقيق المعنى المراد بالولي هنا ، وبيان أن الواقع يمكن أن يخلو عن التدليس واستحقاق الرجوع بالمهر أولا.

فنقول : التدليس تفعيل من المدالسة وهي المخادعة ، والمراد هنا كتمان العيب ، والدلس محركة الظلمة ، كأن المدلس لما أتى بالمعيب الى المخدوع وقد كتم عليه عيبه أتاه به في الظلمة ، هذا هو أصل المعنى. لكن صدق التدليس في الأبواب يتفاوت ، ففي بعض الأحوال لا يعد مدلسا إلاّ إذا ظهر الضد كالرقية.

__________________

(١) المختلف : ٥٥٧.

(٢) المبسوط ٤ : ٢٥٢.

(٣) الكافي في الفقه : ٢٩٥.

٢٥٥

______________________________________________________

فإن من زوج امرأة فظهر كونها رقيقة لا يعد مدلسا إلاّ إذا وصفها بكونها حرة ، وفي بعضها يعد مدلسا بمجرد السكوت عن بيان الحال.

كما إذا زوج ذات العيب ولم يبيّن عيبها ، وكان المدار في ذلك كون الشي‌ء خللا في الخلقة وعدمه.

وكل موضع تحقق فيه خلل الخلقة فالسكوت عنه مع العلم به تدليس ، وكل موضع لا يكون كذلك لا يتحقق التدليس ، إلاّ إذا وصف بصفة كمال فيظهر عدمها كالحرية والبكارة ، والأصل فيه أن الإطلاق محمول على كمالية الخلقة ، ولا يقتضي استجماع صفات الكمال ، هذا معنى التدليس.

وأما بيان ما به يصير الشخص مدلسا فينبغي أن يقال فيه : أنه متى تحقق كونه باعثا على التزويج عد مدلسا ، سواء كان متولي العقد هو أو غيره ، وهكذا يفهم من كلام بعض المحققين (١).

لكن عبارة المصنف والشيخ (٢) وابن الجنيد (٣) غير وافية بذلك ، والذي تشعر به عبارة المبسوط أن المدار في التدليس على التزويج ، وفي عبارة بعض الأخبار اختلاف ، ففي بعضها الرجوع على الولي الذي دلسها (٤) ، وفي بعضها يغرم وليها الذي أنكحها (٥) ، وفي بعضها أن المهر على الذي زوجها ، لأنه الذي دلسها (٦).

__________________

(١) منهم ابن إدريس في السرائر : ٣٠٩.

(٢) المبسوط ٤ : ٢٥٤.

(٣) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٥٨.

(٤) الكافي ٥ : ٤٠٨ حديث ١٤ ، التهذيب ٧ : ٤٢٥ حديث ١٦٩٩ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٧ حديث ٨٨٥.

(٥) الكافي ٥ : ٤٠٦ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ٤٢٦ حديث ١٧٠١ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٧ حديث ٨٨٦.

(٦) الكافي ٥ : ٤٠٧ حديث ٩ ، التهذيب ٧ : ٤٢٤ حديث ١٦٩٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٥ حديث ٨٧٨.

٢٥٦

______________________________________________________

وأما الولي فالمعروف بينهم أنه الذي أمر المرأة إليه ، كالأب والجد والوصي والحاكم ، ومقتضى ذلك أن الرجوع عليه إن كان وإلاّ فعليها. ويناسب الحال أن يراد بالولي هنا المتولي لأمرها وإن كان وكيلا بحيث يكون تزويجها مستندا إليه ، سواء باشر العقد أم لا.

والأخبار لا تدل على أمر غير ذلك ، والدليل لا ينهض إلاّ عليه ، لأن التدليس منوط بالباعثية ، لكن الولي إنما يرجع عليه إذا كان عارفا بحالها ، فإن علم ذلك فلا بحث ، وإن لم يعلم : فإن كان ممن شأنه أن لا يخفى عليه حالها كالمحرم حيث لا يكون العيب خفيا جدا عمل بظاهر الحال واغرم المهر ، إلاّ أن تصدقه المرأة فالرجوع عليها.

ولو كذبته فالذي يناسب المقام أن يقدّم قولها باليمين ، لأن الظاهر الذي مدار الأمر عليه معها ، ولو ادعى عليها الولي في هذه الحالة اختصاصها بالتدليس بأنها حملته على تزويجها وافهمته أن الزوج علم حالها فكذلك.

وإن كان ممن يخفى عليه أمرها : فإن صدقته المرأة فالرجوع عليها ، وإن كذبته فالقول قوله بيمينه.

فيلخص من هذا أن الواقع لا يخلو عن التدليس إما منها أو من المزوج لها ، ومنه يتبين أن الرجوع بالمهر ثابت للزوج في كل صورة ، وقد يتوقف في صورة واحدة ، وهي إذا كان العيب خفيا جدا وادعت المرأة الجهل به وأمكن ذلك فإن في تصديقها باليمين وسقوط الرجوع هنا إشكالا ينشأ : من إطلاق النصوص وكلام الفقهاء بالرجوع عليها وعلى متولي انكاحها ، ومن انتفاء معنى التدليس حينئذ الذي هو مناط الرجوع وكون الجاهل معذورا. وعبارة الكتاب تدل على أن الحال قد يخلو عن التدليس وهي قوله : ( كان وإلاّ فلا رجوع ). وقريب منه عبارة ابن إدريس (١).

__________________

(١) السرائر : ٣٠٩.

٢٥٧

______________________________________________________

فرع : لو كان المتولي لتزويجها جماعة فالرجوع عليهم بأن يوزع على جميعهم بالسوية ، سواء كانوا ذكورا أم لا.

الثالث : أطلق الأصحاب الرجوع بالمهر عليها إذا كانت هي المدلسة ، وهو واضح إذا كان قد دفع إليها ، أما مع عدمه فلا محصل له ، ويبعد أن يراد به دفعه إليها ثم استعادته منها إذ لا فائدة في ذلك.

وقد يتخيّل أن فائدة الدفع إليها المحافظة على عدم خلو الوطء المحترم عن مهر ، فيكون دفعه من حيث كونه مهرا يقتضيه الوطء واستعادته من جهة التدليس. ويندفع هذا بأنه لا بد لها مما يكون مهرا على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

الرابع : إذا كان الرجوع بالمهر على غيرها فلا بحث في أنه يرجع بجميع ما غرم ، وإن كان الرجوع عليها ففي الرجوع بجميع المهر وجهان :

أحدهما : يرجع بالجميع ، لظاهر النصوص (١) ، ولأن غرم المهر ينشأ من تغريرها.

والثاني : إنه يجب أن يستثني مما يكون مهرا ، لأن الوطء المحترم لا يخلو من مهر قطعا ، وهذا أصح وبه صرح كبراء الأصحاب ، وفي تقديره قولان :

أحدهما : ما ذهب اليه ابن الجنيد وهو أقل مهر مثلها (٢) ، ووجهه انه قد استوفى منفعة البضع فوجب عوض مثلها وهو مهر المثل.

والثاني : ـ واليه ذهب الأكثر ـ أقل ما يمكن أن يكون مهرا ، وهو أقل ما يتمول في العادة ، ووجهه ورود النص (٣) بالرجوع بالجميع ، فيجب الاقتصار في المخالفة على موضع اليقين ، وهذا هو المقطوع به دون ما زاد وهو الأصح.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٠٧ حديث ٩ ، التهذيب ٧ : ٤٢٤ حديث ١٦٩٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٥ حديث ٨٧٨.

(٢) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٥٧.

(٣) الكافي ٥ : ٤٠٧ حديث ٩ ، التهذيب ٧ : ٤٢٤ حديث ١٦٩٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٥ حديث ٨٧٨.

٢٥٨

ولو كان العيب فيه لزمه المهر في خاصه إذا فسخت بعد الوطء.

ولو فسخ الزوج قبل الدخول سقط المهر ، وكذا المرأة ، إلاّ في العنة فيثبت لها النصف.

ولو وطأ الخصي فلها المهر كملا والفسخ ،

______________________________________________________

ولقائل أن يقول : إن هذا الاستثناء إن كان حقا ثابتا للزوجة في مقابل الوطء المحترم فلا معنى للرجوع به على الولي كما لا يجوز به عليها ، وإن لم يكن حقا لها ثابتا استحق الرجوع به على المدلس وإن كان هو الزوجة.

قوله : ( ولو كان العيب فيه لزمه المهر في خاصه إذا فسخت بعد الوطء ).

أي : إذا كان العيب الموجب للفسخ في الزوج لزم الزوج المهر في خاصه ، أي في خاص الزوج ، أي في ماله الخاص به دون من دلسه ، وهذا إذا كان الفسخ بعد الوطء الموجب لاستقرار المسمى.

وإنما وجب المهر هنا في خاصه دون من دلسه ، لأن النكاح وقع صحيحا فأوجب المهر واستقر بالدخول ، ورجوع الزوج في المسألة السابقة لكونه مغرورا ، وهو هنا غير مغرور بل المغرور الزوجة وقد استوفت حقها فلا رجوع له على أحد.

وقال ابن حمزة : إن فسخ المرأة موجب لسقوط المهر ، سواء كان قبل الدخول أو بعده (١). وهو ضعيف ، لاستقرار المسمّى بالدخول فلا يسقط فسخها.

قوله : ( ولو فسخ الرجل قبل الدخول سقط المهر ، وكذا المرأة إلاّ في العنة فيثبت لها النصف ، ولو وطأ الخصي فلها المهر كملا والفسخ ).

قد تبيّن أن العيب إما في الرجل أو المرأة ، وعلى التقديرين إما أن يحصل‌

__________________

(١) الوسيلة : ٣٦٧.

٢٥٩

______________________________________________________

الفسخ قبل الدخول أو بعده ، فأما حكم الفسخ بعد الدخول من الزوج أو الزوجة فقد سبق حكمه.

والمقصود هنا بيان حكم الفسخ قبل الدخول ، وحكمه سقوط المهر ، سواء كان الفسخ من الزوج بعيبها أو من الزوجية بعيبه.

أما إذا كان الفسخ من الزوجة فظاهر ، لأن الفسخ متى وقع من جانبها قبل الدخول اقتضى سقوط المهر كما قدمناه غير مرة. وأما إذا كان الفسخ من الزوج فلأنه مستند إليها ، لأنه إنما فسخ بعيبها ، ولا يستثني من ذلك شي‌ء إلاّ فسخها بعيبه قبل الدخول ، فإنه يوجب نصف المهر باتفاق أكثر الأصحاب.

وهذا الحكم جار على خلاف الأصل ، ومستنده رواية أبي حمزة عن أبي جعفر : « إن زوجة العنين تعطى نصف الصداق ولا عدة عليها » (١) ، ويؤيده من حيث المعنى أن الزوج أشرف على محارمها وخلا بها سنة فناسب أن لا يخلو من عوض ، ولم يجب الجميع لانتفاء الدخول.

وقال ابن الجنيد : إذا اختارت الفرقة بعد تمكينها إياه من نفسها وجب المهر وإن لم يولج (٢) ، قال المصنف في المختلف : وهو بناء على أصله من أن المهر يجب كملا بالخلوة كما يجب بالدخول (٣) ، ولو علمت بعيب الخصي بعد الوطء كان لها الفسخ ووجب عليه جميع المهر ، لاستقراره بالدخول.

وفي رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إن خصيا دلس نفسه لامرأة قال « يفرق بينهما وتأخذ المرأة منه صداقها ويوجع ظهره كما دلس نفسه » (٤).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤١١ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ٤٢٩ حديث ١٧٠٩ ، الاستبصار ٣ : ٢٥١ حديث ٨٩٩.

(٢) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٥٥.

(٣) المختلف : ٥٥٥.

(٤) الكافي ٥ : ٤١١ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ٤٣٤ حديث ١٧٣١.

٢٦٠