جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧

فإن زوّجها حرمت عليه حتى النظر إليها بشهوة ، أو إلى ما يحرم على غير المالك إلى أن يطلّقها وتعتد إن كانت ذات عدة.

______________________________________________________

لا ينحصرن في عدد ، بخلاف النكاح بالعقد. ويدل عليه قبل الإجماع قوله تعالى : ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (١) وكلمة ( ما ) من أدوات العموم فيتناول ما لا نهاية له ، ولعل السر فيه قوة السلطنة بالملك ، وخفة حقوق المملوكة ، وكون استحقاق منافع البضع بالمالية معدودا من جملة الأموال ، فلا يتطرق إليه ما يتطرق إلى النكاح بالعقد من محذور الميل والحيف.

ولا يخفى أن هذا إنما هو في طرف الرجال ، أما النساء فإن ملك اليمين فيهن ليس طريقا الى حل الوطء ولا النظر ، وفي رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في امرأة أمكنت نفسها من عبد لها فنكحها أن تضرب مائة سوط ، ويضرب العبد خمسين جلدة ويباع بصغر منها » (٢) الحديث.

وقد تقدّم الكلام في جواز نظر الخصي إلى مولاته أو مطلقا وعدمه.

قوله : ( فإن زوجها حرمت عليه حتى النظر إليها بشهوة ، أو إلى ما يحرم على غير المالك إلى أن يطلقها وتعتد إن كانت ذات عدة ).

إذا زوّج الرجل أمته حرم عليه جميع أنواع الاستمتاعات بها حتى النظر إليها بشهوة ، وإن كان إلى وجهها وكفيها ، وإن كان بغير شهوة ، وحرم نظره الى ما يحرم على غير المالك منها دون غيره ، لأنها بمنزلة الأجنبية.

فإن وجوه الاستمتاعات مملوكة للزوج فتحرم على غيره ، لامتناع حل الاستمتاع لغير واحد ، ولما رواه مسعدة بن زياد قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) الكافي ٥ : ٤٩٣ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٨٩ حديث ١٣٧٣ ، التهذيب ٨ : ٢٠٦ حديث ٧٢٧.

١٦١

______________________________________________________

« يحرم من الإماء عشر : لا يجمع بين الام والبنت ، ولا بين الأختين ـ إلى أن قال ـ ولا أمتك ولها زوج » (١) الحديث. والمراد أن المملوكة ولها زوج حرام ، وإطلاق التحريم يتناول جميع وجوه الاستمتاع ، لانتفاء المخصص ، ولأن ذلك هو المتبادر من هذا اللفظ.

وسأل عبد الرحمن بن الحجاج أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يزوّج مملوكته عبده ، أتقوم عليه كما كانت تقوم عليه فتراه منكشفا أو يراها على تلك الحال؟ فكره ذلك وقال : « قد منعني أبي أن أزوّج بعض خدمي غلامي لذلك » (٢).

والظاهر أن المراد كره التحريم ، وينبه عليه رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يزوّج جاريته ، هل يجوز له أن ترى عورته؟ قال : « لا » (٣) ، وعمومها من حيث ترك الاستفصال تدل على ارادة التحريم هنا ، ويبقى هذا التحريم إلى أن يخرج من النكاح بطلاق أو موت أو فسخ ، وتقضي عدتها إن كان لها عدة ، سواء كانت بائنة أو رجعية.

وروى عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يبتاع الجارية ولها زوج ، قال : « لا يحل لأحد أن يمسها حتى يطلقها زوجها الحر » (٤).

ولا شبهة أن الموت والفسخ كالطلاق ، وانقضاء العدة معتبر ، للإجماع ، ولأنها من توابع النكاح ، فإنها لاستعلام براءة الرحم من الحمل ، وموردها وان كان زوجة الحر إلاّ أن زوجة العبد كذلك اتفاقا.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٨٦ حديث ١٣٦٠ ، التهذيب ٨ : ١٩٨ حديث ٦٩٥.

(٢) الكافي ٥ : ٤٨٠ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ٣٠٢ حديث ١٤٤٧ ، التهذيب ٨ : ١٩٩ حديث ٦٩٨.

(٣) الكافي ٥ : ٥٥٥ حديث ٧ ، التهذيب ٨ : ٢٠٨ حديث ٧٣٦.

(٤) التهذيب ٨ : ١٩٩ حديث ٧٠١ ، الاستبصار ٣ : ٢٠٨ حديث ٧٥٤.

١٦٢

______________________________________________________

وهي منزلة على ما إذا أجاز المشتري النكاح ، لرواية عبد الله بن اللحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام وقد سأله عن الرجل يشتري امرأة الرجل من أهل الشرك يتخذها قال : « لا بأس » (١) فإن الظاهر أن المسؤل عنه قوله : ( يتخذها ) هو الوطء ولا يكون ذلك إلاّ مع الفسخ ، والمراد بالمس في الرواية الاولى هو الوطء ، لكن لا فارق بينه وبين غيره من وجوه الاستمتاع.

وأراد المصنف بقوله : ( أو إلى ما يحرم على غير المالك ) أن ما لا يحرم على غيره النظر إليه منها كالوجه والكفين بغير شهوة لا يحرم عليه نظره بغير شهوة ، أما معها فيحرم. والحاصل أنها بالتزويج تصير في الاستمتاعات كلها كالأجنبية ، لأنها صارت حقا لغيره ، وهذا حكم ما إذا زوجها.

أما إذا أحل المملوكة لغيره فلم يتعرض المصنف إلى حكمها ، وينبغي أن تكون في جميع الاستمتاعات كالمزوجة ، لأن الاحتياط في الفروج أشد من تجويز شي‌ء من الاستمتاعات لغير واحد. وفي رواية عبد الرحمن بن الحجاج (٢) ما ينبّه على ذلك ، فإن تزويج السيد أمته من عبده دائر بين كونه نكاحا أو اباحة ، والموطوءة بالشبهة لا شبهة في تحريم وطئها ، وما جرى مجراه ما دامت في العدة وفي غيره تردد.

وكذا وطء المستبرأة زمان الاستبراء ، أما مقدمات الوطء فلا يحرم ، وهو في صحيحة محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن عليه‌السلام : في الأمة المبتاعة تحل للمشتري ملامستها؟ قال : « نعم ولا يقرب فرجها » (٣) والفرج شامل للقبل والدبر ، وبه صرّح في الدروس في كتاب البيع (٤) ، وهذا في المبتاعة.

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٠٠ حديث ٧٠٢ ، الاستبصار ٣ : ٨٣ حديث ٢٨٠.

(٢) الكافي ٥ : ٤٨٠ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ٣٠٢ حديث ١٤٤٧ ، التهذيب ٨ : ١٩٩ حديث ٦٩٨.

(٣) التهذيب ٨ : ١٧٣ حديث ٦٠٥ ، الاستبصار ٣ : ٣٦٠ حديث ١٢٩١.

(٤) الدروس : ٣٤٧.

١٦٣

وليس لمولاها فسخ العقد إلاّ أن يبيعها فيتخيّر المشتري.

وله الجمع بين الأمة وبنتها في الملك دون الوطء ، وكذا بين الأختين ، فإن وطأ إحداهما حرمت الأم أو البنت مؤبدا أو الأخت جمعا ، فإن أخرج الموطوءة ولو بعقد متزلزل حلّت أختها ،

______________________________________________________

أما غيرها ففي قصر التحريم على الوطء وتعميمه في وجوه الاستمتاعات نظر.

قوله : ( وليس لمولاها فسخ العقد إلاّ أن يبيعها فيتخيّر المشتري ).

إنما يستقيم هذا إذا كان الزوج حرا أو مملوكا لغير سيدها ، فإن كان مملوك السيد فإنّ الفسخ بيده كما تقدم بيانه ، فإذا باعها والحالة هذه فإن الخيار لكل من البائع والمشتري كما سبق.

فإن قيل : إذا باع السيد الأمة المزوجة والزوج مملوك لغيره ثبت فسخ النكاح لكل من البائع والمشتري ولمولى الزوج ، فيكون قوله : ( فيتخير المشتري ) قاصرا ، فإن المفهوم منه أن الخيار للمشتري خاصة.

قلنا : هذا المفهوم هو المراد ولا قصور فيه ، لأن الاستثناء من قوله : ( وليس لمولاها فسخ العقد ) ولا تعرض فيه إلى مولى العبد بنفي ولا إثبات ، ولما كان الاستثناء موهما ثبوت الخيار لمولاها البائع بيّن اختصاصه لمولاها المشتري.

قوله : ( وله الجمع بين الأمة وبنتها في الملك دون الوطء ، وكذا بين الأختين ، فإن وطأ إحداهما حرمت الام والبنت مؤبدا والأخت جمعا ، فإن أخرج الموطوءة ولو بعقد متزلزل حلت أختها ).

لما كان جانب الملك مغلبا في المملوكة والوطء تابع جاز الجمع بين الأمة وبنتها في الملك إذ ليس ثم إلاّ المالية وهي متحققة فيهما ، أما الوطء فلا ، لوجود المنافي. وكذا القول في الأختين سواء ، فإن وطأ واحدة من الام والبنت ومن الأختين حرمت الأخرى قطعا ، فإن الأم والبنت أيهما وطأ حرمت عليه الأخرى بعينها مؤبدا ، وأما‌

١٦٤

ولكل من الأب والابن تملّك موطوءة الآخر لا وطؤها.

ولا تحل المشتركة على الشريك إلاّ بإباحة صاحبه لا بالعقد ، وتحل لغيرهما بهما مع اتحاد السبب. ولو أجاز المشتري للأمة النكاح لم يكن له الفسخ ، وكذا لو علم وسكت.

______________________________________________________

الأختان فإن وطء إحداهما يوجب تحريم الأخرى جمعا لا عينا.

ومعناه إنه ما دامت الموطوءة في ملكه يحرم عليه وطء الأخرى فإذا أخرج الموطوءة عنه ولو بعقد متزلزل كالبيع بخيار حلت الأخرى ، لأن تزلزل العقد لا يمنع نقل الملك ، ومتى خرجت عن ملكه انتفى المانع.

وقد سبق في كلام المصنف في التحريم غير المؤبد في الحل بذلك اشكال ، وكذا في تزويجها ورهنها ، وبيّنا حكمه مستوفى.

قوله : ( ولكل من الأب والابن تملّك موطوءة الآخر لا وطؤها ).

لأن المقصود الأصلي في التملك المالية ، والوطء تابع كسائر المنافع.

قوله : ( ولا تحل المشتركة على الشريك إلاّ بإباحة صاحبه لا بالعقد ، ويحل لغيرهما بهما مع اتحاد السبب ).

قد تقدّم تحقيق ذلك مستوفى ، وقد جزم المصنف هنا بحل المشتركة بإباحة الشريك ، ولم يرجّح فيما سبق واحدا من القولين ، وقد بيّنا أن الأصح عدم الحل.

قوله : ( ولو أجاز المشتري للأمة النكاح لم يكن له الفسخ وكذا لو علم وسكت ).

لا ريب أن المشتري إذا أجاز النكاح صار العقد لازما فامتنع فسخه ، وكذا لو علم بالخيار وسكت فإن خياره يسقط ، لأنه فوري على ما سبق ، وكذا حكم مالك الزوج سواء كان هو البائع أو غيره.

١٦٥

ولو فسخ فلا عدة وإن دخل ، بل يستبرئها بحيضة ، أو بخمسة وأربعين يوما إن كانت من ذوات الحيض ولم تحض.

ولا يحل له وطؤها قبل الاستبراء ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو فسخ فلا عدة وإن دخل ، بل يستبرئها بحيضة أو بخمسة وأربعين يوما إن كانت من ذوات الحيض ولم تحض ، ولا يحل له وطؤها قبل الاستبراء ).

أي : لو فسخ مشتري الأمة النكاح لم يجب للأمة عدة على أحد القولين ، سواء دخل الزوج أم لا ، بل يجب الاستبراء مع الدخول بحيضة واحدة ، لأنه لا بد من العلم ببراءة الرحم من الحمل والحيضة كافية في ذلك ولرواية الحسن بن صالح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « نادى منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الناس يوم أوطاس أن استبرؤا سباياكم بحيضة » (١).

ولا شك أن فيهن من كانت مزوجة ، فإن كانت من ذوات الحيض ، أي في سن الحيض غير يائسة ولا صغيرة ولم تحض فاستبراؤها بخمسة وأربعين يوما ، روى ذلك عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل الذي يشتري الجارية التي لم تبلغ المحيض وإذا قعدت عن المحيض ما عدتها ، وما يحل للرجل من الأمة حتى يستبرئها قبل أن تحيض؟ قال : « إذا قعدت من المحيض أو لم تحض فلا عدة له ، والتي تحيض فلا يقربها حتى تحيض وتطهر فإذا كانت الجارية في سن من تحيض تستبرئ بخمسة وأربعين يوما » (٢).

والحاصل أن متى حصل الحيض أو مر خمسة وأربعون يوما بيضا فقد تحقق‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٧٦ حديث ٦١٥.

(٢) التهذيب ٨ : ١٧٢ حديث ٥٩٨ ، الاستبصار ٣ : ٣٥٧ حديث ١٢٨١.

١٦٦

وكذا كل من ملك أمة بأي وجه كان حرم عليه وطؤها قبل استبرائها ، إلاّ أن تكون يائسة أو حائضا على رأي ظاهرا لا من خصص حيضها بالتخيير ،

______________________________________________________

الاستبراء وحل الوطء ، وبدونه يحرم وقيل : تجب العدة (١) ، لأن مناط الاستبراء انتقال المملوكة التي لا زوج لها فإن الأخبار دالة على أن الاستبراء لاحتمال وطء البائع ، ولهذا لو أخبر بعدم الوطء وكان أمينا قبل.

ولو كان امرأة لم يجب الاستبراء ، وسيأتي في خبر ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) ما يدل على ذلك.

ولا ريب في أن وطأه مع الزوجة منتف فلا استبراء منه ، ووطء الزوج في النكاح الدائم حقه أن تجب به العدة ، ولهذا يجب مع الطلاق فيجب مع الفسخ وهو قوي ، وسيأتي في كلام المصنف في العدة ترجيح هذا.

ولو بلغت سن اليأس الذي تقدّم تحديده في أول الكتاب ، أو لم تبلغ تسع سنين جاز وطؤها من غير استبراء لكن بعد بلوغ التسع.

قوله : ( وكذا كل من ملك أمة مزوجة بأي وجه كان حرم عليه وطؤها قبل استبرائها ، إلاّ أن تكون يائسة أو حائضا ـ على رأي ـ ظاهرا ، لا من خصص حيضها بالتخيير ).

أي : وكالذي فسخ نكاح الأمة المزوجة بالشراء كل من ملك أمة بأي وجه كان من هبة ، أو إرث أو صلح أو قرض أو غير ذلك ، ووجه التشبيه تحريم وطؤها عليه قبل استبرائها ، إلاّ أن تكون يائسة أو حائضا على رأي.

ويعتبر في استبرائها بحيضة أن يكون حيضها ظاهرا ، أي : مقطوعا به ، لا من‌

__________________

(١) قاله ابن إدريس في السرائر : ٣١٥.

(٢) الكافي ٥ : ٤٧٣ حديث ٧ ، التهذيب ٨ : ١٧٢ حديث ٦٠١ ، الاستبصار ٣ : ٣٥٨ حديث ١٢٨٥.

١٦٧

______________________________________________________

خصص بتخيرها كذاكرة العدد الناسية للوقت ، والمتحيرة إذا رجعت الى الروايات ، ومثلها الراجعة إلى عادة نسائها وأقرانها ، وذات التمييز إذا لم تتيقن الحيض ، فهنا مباحث :

الأول : إن الاستبراء كما يجب على من ملك بالشراء ، كذا يجب على من ملك بغيره من الأسباب الناقلة للملك ، ولا مخالف لذلك من أجلاء الأصحاب ، إلاّ ابن إدريس مستندا في ذلك إلى الأصل ، وإن النص إنما ورد على المشتري (١) ، وهو ضعيف فإن المقتضي وهو استفراغ الرحم موجود وخوف ضياع النسب حاصل ، والاحتياط في الفروج أشد من ذلك.

الثاني : اليائسة لا يجب استبراؤها ، لانتفاء المقتضي في حقها ، وكذا الصغيرة. وقد سبق في الرواية ما ينبه على ذلك ، ولم يذكر المصنف الصغيرة هنا ، ولعله نبه بذكر اليائسة على حكمها لاشتراكهما في المقتضي.

الثالث : إذا ملك الأمة حائضا ، سواء كان بشراء أو غيره ، لم يجب الاستبراء واكتفى بتلك الحيضة ، ذهب إلى ذلك الشيخ في النهاية (٢) ، وأكثر الأصحاب (٣) ومنهم المصنف ، وهو الأصح ، لأن الغرض علم براءة الرحم وهو حاصل بذلك. ولصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن رجل اشترى جارية وهي حائض قال : « إذا طهرت فليمسها إن شاء » (٤).

وفي مقطوعة سماعة قال : سألته عن رجل اشترى جارية وهي طامث ايستبرئ‌

__________________

(١) السرائر : ٣١٥.

(٢) النهاية : ٤٩٦.

(٣) منهم ابن البراج في المهذب ٢ : ٢٤٦ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٦٤ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ٣١٥.

(٤) الكافي ٥ : ٤٧٣ حديث ٦ ، التهذيب ٨ : ١٧١ حديث ٥٩٥ ، الاستبصار ٣ : ٣٥٧ حديث ١٢٧٨.

١٦٨

______________________________________________________

رحمها بحيضة أخرى أم تكفيه هذه الحيضة؟ قال : « لا بل تكفيه هذه الحيضة » (١) وهي نص في ذلك.

وقال ابن إدريس : لا بد من استبرائها (٢) ، لعموم الأمر بالاستبراء ، وفي رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إن الذين يشترون الإماء ثم يأتونهن قبل أن يستبرؤهن فأولئك الزناة بأموالهم » (٣).

والجواب المخصص موجود وقد ذكرناه ، والرواية معارضة بأقوى منها فتحمل على الكراهية.

الرابع : الاستبراء في موضع وجوبه إنما يكون بحيضة ، وحكى المصنف في المختلف عن ابن إدريس بأن الأمة المبتاعة وهي حائض تستبرأ بقرءين (٤). وفي رواية عن الرضا عليه‌السلام : « أن الاستبراء فيها بحيضتين » (٥) ، وهي على الاستحباب.

والمذهب الاكتفاء بحيضة واحدة في موضع الوجوب ، والأخبار في ذلك مستفيضة وعليه كافة الأصحاب.

الخامس : لا بد في هذه الحيضة من القطع بكون الدم حيضا ، فلا يكفي الحكم بالحيض في ظاهر الحال استنادا الى مجرد تخصيص المرأة أيام حيضها بزمان مخصوص ، كما لو استقرت عادتها عددا خاصة ثم استمر الدم ، أو نسيت ذات العادة وقتها وذكرت عددها وكان الدم مستمرا بحيث لا تعلم الحيض في زمان دون آخر ، فأمرت شرعا بتخصيص ذلك العدد بزمان مستندة في ذلك الى اختيارها.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٣ حديث ٨ ، التهذيب ٨ : ١٧٤ حديث ٦٠٦ ، الاستبصار ٣ : ٣٥٩ حديث ١٢٨٦.

(٢) السرائر : ٣١٥.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٨٢ حديث ١٣٤٦ ، التهذيب ٨ : ٢١٢ حديث ٧٥٩.

(٤) المختلف : ٥٧١ ، السرائر ٣١٥.

(٥) التهذيب ٨ : ١٧١ حديث ٥٩٤ ، الاستبصار ٣ : ٣٥٩ حديث ١٢٨٧.

١٦٩

______________________________________________________

ومثله المبتدئة إذا استمر بها الدم فحصل لها تمييز وردّت إلى عادة نسائها أو أقرانها في محله أو رجعت إلى الروايات مع عدمه ، سواء طابق ذلك تميز أو لا وكذا في التي قبلها.

والمتحيرة إذا رجعت إلى الروايات كذلك ، ووجه عدم الاكتفاء بالحيض في هذه الصورة أن الغرض منه العلم ببراءة الرحم ، وإنما يتحقق ذلك مع وجود الحيض بحسب نفس الأمر.

أما الدم الذي لم يدل دليل على كونه حيضا ، وإنما حكم به للضرورة ، حذرا من لزوم الحرج بالاحتياط في جميع الزمان فإنه لا يفيد ذلك ، فيبقى معه احتمال الحمل كما كان.

ومن ثم حكم للتي حيضها غير مستقيم في العدة بالأشهر ، وإلى هذا أشار المصنف بقوله : ( ظاهرا ) فإنه يريد به كون الحيض ظاهرا بيّنا ، فعلى هذا تستبرئ هذه بشهر واحد ، لأن الشهر بدل الحيض فيمن ليست مستقيمة الحيض.

ويحتمل بخمسة وأربعين يوما إلحاقا لها بمن لا حيض لها ، ويحتمل تربصها زمانا يقطع بحصول الحيض فيه ، كما لو أضلت عادتها في شهر مثلا فإنها تتربص شهرا ، ومع انتفائه بخمسة وأربعين يوما ، وهذا لا بأس به.

ويمكن أن لا يريد المصنف بقوله : ( ظاهرا ) كون الحيض بيّنا مقطوعا به ، بل يريد به كونه راجحا ، لوجود علامة تدل عليه شرعا ، فإن ذلك هو المتعارف من معنى الظاهر ، وذلك كما في ذات التمييز ، لا سيما إذا طابق تميزها عدد العادة ، أو ما رجعت إليه المتحيرة ونحوها من الروايات.

وكذا المبتدئة إذا رجعت إلى عادة النساء والأقران ، خصوصا إذا تأكد بمطابقة التمييز. ووجهه وجود العلامة الشرعية الدالة على تحقق الحيض في نفس الأمر ، ومثل ذلك كاف في التحقق.

١٧٠

أو حاملا ، أو لامرأة على رأي ، أو لعدل أخبر باستبرائها ، أو أعتقها مع جهل وطء محترم ، والاستبراء أفضل.

ولو أعتقها بعد وطئها حرمت على غيره ، إلاّ بعد عدة الطلاق.

______________________________________________________

ولو اعتبر تطرق الاحتمال لقدح في حيض ذات العادة ، ولكان الدم الذي يمكن أن يكون حيضا في غير زمان العادة غير كاف في الاستبراء ، وليس بشي‌ء. وهذا أقوى ، وسيأتي في العدد إن شاء الله الاكتفاء في العدة بالتمييز وبعادة النساء فهنا أولى. وفي كلام شيخنا الشهيد الاكتفاء بما حكم بكونه حيضا في جميع هذه المواضع ، وما قدمناه أظهر.

إذا عرفت هذا فاعلم أن قول المصنف : ( إلاّ أن تكون يائسة. ) استثناء مما قبله من قوله : ( بل يستبرئها بحيضة أو بخمسة وأربعين يوما. ).

ولا يحل له وطؤها قبل الاستبراء وكذا كل من ملك إلى أخره.

وقوله : ( أو حائضا أو حاملا ، أو لامرأة ، أو لعدل أو أعتقها ) كله في حيّز إلاّ.

وقوله : ( ظاهرا لا من خصص حيضها بالتخيير ) لا شك في أنه اعتراض إلاّ أن حقه أن يكون عند قوله : ( بل يستبرئها بحيضة ) ليكون تنقيحا للمراد من الحيضة.

وذكرها هنا غير مستحسن ، لأنه إن كان بيانا للمراد من الحيض فهو اعتراض مستقبح في غير محله ، وإن كان بيانا للمراد من قوله : ( أو حائضا ) فأبعد وأشد. وكيف كان فهو صفة لمصدر محذوف ، وكذا عامله محذوف يدل عليه قوله : ( بل يستبرئها بحيضة ) وتقديره : ويستبرء بها بأن تحيض حيضة حيضا ظاهرا.

وقد أفاد حكم بقية المستثنيات ، بقوله : ( أو حاملا ، أو لامرأة على رأي ، أو لعدل أخبر باستبرائها ، أو أعتقها مع جهل وطء محترم ، والاستبراء أفضل ، ولو أعتقها بعد وطئها حرمت على غيره إلاّ بعد عدة الطلاق ).

١٧١

______________________________________________________

فهنا مسائل :

الأولى : إذا اشترى الأمة وهي حامل لا استبراء لها ، بل إن كان الحمل محترما لم يطأها حتى تضع ، وإن كان من زنا فحتى تمضي أربعة أشهر وعشرة أيام ، وقد اختلفت في ذلك الأخبار وكلام الأصحاب ، والمحصل ما قلناه ، وقد ذكرنا الكلام فيه في بيع الحيوان.

الثانية : إذا اشترى الأمة من امرأة ففي وجوب الاستبراء قولان :

أحدهما : ـ واختاره الشيخ (١) وأكثر الأصحاب (٢) ـ أنه لا يجب ، وهو الأصح ، لرواية ابن أبي عمير عن حفص عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الأمة تكون للمرأة فتبعيها قال : « لا بأس بأن يطأها من غير أن يستبرئها » (٣).

ولرواية زرارة قال : اشتريت جارية بالبصرة من امرأة فخبرتني أنه لم يطأها أحد ، فوقعت عليها ولم استبرأها ، فسألت عن ذلك أبا جعفر عليه‌السلام فقال : « هو ذا أنا قد فعلت ذلك وما أريد أن أعود » (٤) ، وغير ذلك من الأخبار (٥).

والثاني : ـ واختاره ابن اديس ـ الوجوب (٦) ، لعموم الأمر بالاستبراء المتناول لصورة النزاع ، ورواية عبد الله بن سنان (٧) السالفة تدل على ذلك. ويجاب بأن الخاص مقدّم والشهرة بين الأصحاب مؤيدة ، نعم يكره الوطء قبله احتياطا للفروج ، ورواية زرارة تشهد له.

__________________

(١) النهاية : ٤٩٥.

(٢) منهم ابن البراج في المهذب ٢ : ٢٤٥ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٦٤.

(٣) التهذيب ٨ : ١٧٤ حديث ٦٠٨ ، الاستبصار ٣ : ٣٦٠ حديث ١٢٩٣.

(٤) التهذيب ٨ : ١٧٤ حديث ٦٠٩ ، الاستبصار ٣ : ٣٦١ حديث ١٢٩٤.

(٥) التهذيب ٨ : ١٧٤ حديث ٦٠٧ ، الاستبصار ٣ : ٣٦٠ حديث ١٢٩٢.

(٦) السرائر : ٣١٥.

(٧) الفقيه ٣ : ٢٨٢ حديث ١٣٤٦ ، التهذيب ٨ : ٢١٢ حديث ٧٥٩.

١٧٢

______________________________________________________

الثالثة : لو اشترى الأمة من عدل وأخبره باستبرائها فقولان كالتي قبلها ، وأوجبه ابن إدريس (١).

لنا أن شهادة العدل مثمرة للظن القوي ، وقد اكتفى الشارع بها في كثير من الشرعيات ، خصوصا إذا أخبر عما بيده وما في ملكه فجاز التعويل عليها ، ولصحيحة ابن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشتري الجارية لم تحض قال : « يعتزلها شهرا إن كانت قد مست » قلت : أفرأيت ان ابتاعها وهي طاهر زعم صاحبها أنه لم يطأها منذ طهرت قال : « إن كان عندك أمينا فمسها » (٢) الحديث.

ومثلها رواية محمد بن حكيم عن العبد الصالح (٣) ، ورواية حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤).

احتج ابن إدريس وراء عموم الأمر بالاستبراء برواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : اشتري الجارية من الرجل المأمون فيخبرني أنه لم يمسها وقد طمثت عنده وقد طهرت فقال : « ليس بجائز أن تأتيها حتى تستبرئها بحيضة ، ولكن يجوز ذلك ما دون الفرج ، ان الذين يشترون الإماء ثم يأتونهن قبل أن يستبرؤهن فأولئك الزناة بأموالهم » (٥).

وجوابه الحمل على الكراهة جمعا بين الأخبار.

الرابعة : إذا اشترى الأمة فأعتقها جاز له العقد عليها قبل أن يستبرئها إذا لم يعلم كونها موطوءة وطء محترما ، واحترز بالوطء المحترم عن الزنا فإنه لا حرمة له ولا اعتبار به ، ولو كانت سرية فكذلك بطريق أولى.

__________________

(١) السرائر : ٣١٥.

(٢) الكافي ٥ : ٤٧٣ حديث ٤ ، التهذيب ٨ : ١٧٢ حديث ٦٠١ ، الاستبصار ٣ : ٣٥٨ حديث ١٢٨٥.

(٣) التهذيب ٨ : ١٧٣ حديث ٦٠٢ ، الاستبصار ٣ : ٣٥٩ حديث ١٢٨٨.

(٤) التهذيب ٨ : ١٧٣ حديث ٦٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٣٥٩ حديث ١٢٨٩.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٨٢ حديث ١٣٤٦ ، التهذيب ٨ : ٢١٢ حديث ٧٥٩.

١٧٣

______________________________________________________

وأوجب بعض العامة الاستبراء هنا (١) ، وليس بشي‌ء ، يدلّك على ذلك وراء الإجماع ان الاستبراء إنما يثبت وجوبه في المملوكة ، وقد خرجت بالعتق عن كونها مملوكة.

لا يقال : قد وجب استبراؤها بالشراء والأصل بقاؤه.

لأنا نقول : لما أعتقها خرجت عن ملكه وصارت أجنبية بالنسبة إليه ، نسبتها اليه والى غيره سواء فسقط الحكم الأول ، وإذا أراد إنشاء النكاح كانت كغيرها من الأجنبيات اللاتي لم يعلم لهن وطء محترم.

ولما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : في الرجل يشتري الجارية فيعتقها ثم يتزوجها ، هل يقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها؟ قال : « يستبرئ بحيضة » قلت : فإن وقع عليها؟ قال : « لا بأس » (٢).

ومثله روى عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) ، وكذا أبو العباس البقباق عنه عليه‌السلام (٤). والأفضل الاستبراء ، لقوله عليه‌السلام في رواية أبي العباس هذه ، ورواية ابن ابي يعفور قوله : « أن يفعل ، وإن لم يفعل ، فلا بأس » (٥) ، ومعنى قوله : « أن يفعل » أي حقه أن يفعل.

ويدل على حكم السرية ما رواه زرارة قال : سألته يعني ـ أبا عبد الله عليه‌السلام ـ عن رجل أعتق سرية ، إله أن يتزوجها بغير عدة؟ قال : « نعم » ، قلت : فغيره؟ قال : « لا حتى تعتد بثلاثة أشهر » (٦) ، ومثله روى الحسن عنه عليه‌السلام (٧).

__________________

(١) قاله الشافعي واحمد. المغني لابن قدامة ٩ : ١٧٥ ، والشرح الكبير معه ٩ : ١٧٦.

(٢) التهذيب ٨ : ١٧٥ حديث ٦١٢ ، الاستبصار ٣ : ٣٦١ حديث ١٢٩٥.

(٣) التهذيب ٨ : ١٧٥ حديث ٦١٣ ، الاستبصار ٣ : ٣٦١ حديث ١٢٩٦.

(٤) التهذيب ٨ : ١٧٥ حديث ٦١٤ ، الاستبصار ٣ : ٣٦١ حديث ١٢٩٧.

(٥) التهذيب ٨ : ١٧١ حديث ٥٩٧ ، الاستبصار ٣ : ٣٥٧ حديث ١٢٨٠.

(٦) التهذيب ٨ : ١٧٥ حديث ٦١١.

(٧) التهذيب ٨ : ١٧٥ حديث ٦١٠.

١٧٤

______________________________________________________

ولا ريب أن الثلاثة الأشهر إنما تكفي مع تعذر الأقراء ، أو أنها كناية عن الأقراء إلاّ أنها غالبا لا تكون في أقل من ثلاثة أشهر ، وهذا هو المراد من قول المصنف : ( عدة الطلاق ).

واعلم أنه لو علم أن الأمة المبتاعة موطوءة وطءا محترما من نحو زوج فسخ نكاحه ، أو من المولى فأعتقها لم يجز له تزويجها إلاّ بعد الاستبراء ، وتكفي الحيضة ، لأن في رواية محمد بن مسلم استحباب الاستبراء بحيضة مع جهل الوطء ، فلو لا أن تكفي مع العلم به لم يكن لاستحبابها معنى. ، فإن الغرض منها يقين براءة الرحم ، لاحتمال الوطء ، ولأن ذلك كاف قبل العتق فكذا بعده عملا بالاستصحاب ، وسيأتي في كلام المصنف في باب العدد ما يدل على ذلك.

فرعان :

الأول : لو اشترى الأمة وسيدها صغير أو عنين أو مجبوب ، ففي كونها كأمه المرأة في سقوط الاستبراء قول للشيخ (١) ، يومئ اليه أن النصوص دالة على أن مدار الاستبراء إمكان وطء البائع وجودا وعدما.

ويومئ إلى ذلك قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان وقد قال له : أفرأيت إن ابتاعها وهي طاهر ، ثم زعم صاحبها أنه لم يطأها منذ طهرت : « إن كان عندك أمينا فمسّها » (٢) فإنه لم يدل على أن المنظور إليه عدم وطء البائع. وأما احتمال وطء غيره فانتفاؤه يكفي فيه أصالة العدم ، ولا ريب في انتفاء الوطء عن العنين والمجبوب وكذا الصغير.

الثاني : لو أراد تزويج الأمة المبتاعة ، فإن كان البائع قد وطأها فلا بد من‌

__________________

(١) المبسوط ٥ : ٢٨٦.

(٢) الكافي ٥ : ٤٧٣ حديث ٤ ، التهذيب ٨ : ١٧٢ حديث ٦٠١ ، الاستبصار ٣ : ٣٥٨ حديث ١٢٨٥.

١٧٥

ويجوز ابتياع ذوات الأزواج من أهل الحرب وبناتهم ، وما يسبيه أهل الضلال منهم.

______________________________________________________

الاستبراء ، وإن لم يكن وطؤها معلوما فالمتجه الجواز بدون الاستبراء تمسكا بأصالة البراءة ، ولأن الاستبراء تابع لانتقال الملك وهو منتف هنا ، ولأن المشتري إذا أعتقها جاز أن يزوجها غيره بغير استبراء فقبل العتق كذلك ، لاستواء الحالين في انتفاء المقتضي للاستبراء.

فإن طلقها الزوج قبل الدخول في هذه الصورة احتمل جواز وطء البائع إياها بغير استبراء ، لسقوطه بالتزويج ، وانتفاء غيره بالطلاق قبل المسيس.

قوله : ( ويجوز ابتياع ذوات الأزواج من أهل الحرب وبناتهم ، وما يسبيه أهل الضلال منهم ).

لا خلاف بين علمائنا في أنه يجوز للمسلم أن يشتري المرأة المزوجة من أهل الحرب ولو من زوجها ، وكذا يجوز أن يشتري بناتهم وأبناءهم فيصيرون ملكا له وإن كان البائع الأب ونحوه ، ويترتب على هذا الملك أحكامه التي من جملتها وطء الجارية بملك اليمين.

ووجهه : أنّ أهل الحرب في للمسلمين يملكون بمجرّد الاستيلاء عليهم ، فإذا توسط البيع كان آكد في ثبوت الملك ، نعم في صورة بيع القريب قريبه الذي حقه أن ينعتق عليه إشكال تقدّم ذكره في البيع ، ونقّحه المصنّف بصرف البيع الى الاستنقاذ فلا يلحقه أحكامه من طرف المشتري.

وروى عبد الله اللّحام قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشتري أمة الرجل من أهل الشرك يتخذها ، قال : « لا بأس » (١).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٠٠ حديث ٧٠٢ ، الاستبصار ٣ : ٨٣ حديث ٢٨٠.

١٧٦

______________________________________________________

وكذا يجوز ابتياع ما يسبيه أهل الضلال من أهل الحرب وإن كان جميع ذلك أو بعضه للإمام عليه‌السلام.

ويحل الوطء وغيره بهذا الشراء ، والأخبار بالإذن في ذلك من أئمّة الهدى عليهم‌السلام متواترة (١) وقد سبق بيان هذا في الخمس.

* * *

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٠٠ حديث ٧٠٢ ـ ٧٠٥ ، الاستبصار ٣ : ٨٣ حديث ٢٨١.

١٧٧

المطلب الثاني : ملك المنفعة :

يجوز إباحة الأمة للغير بشروط : كون المحلل مالكا للرقبة ، جائز التصرف ، وكون الأمة مباحة بالنسبة إلى من حلّلت عليه.

فلو أباح المسلمة للكافر لم تحل ، وكذا المؤمنة للمخالف.

ويجوز العكس ، إلاّ الوثنية على المسلم ، والناصبية على المؤمن.

ولو كانت ذات بعل أو عدة لم يحل تحليلها

______________________________________________________

قوله : ( المطلب الثاني : ملك المنفعة : يجوز إباحة الأمة للغير بشروط : كون المحلل مالكا للرقبة ، جائز التصرف ، وكون الأمة مباحة بالنسبة إلى من حلّلت عليه ، فلو أباح المسلمة للكافر لم تحل ، وكذا المؤمنة للمخالف ، ويجوز العكس ، إلاّ الوثنية على المسلم ، والناصبة على المؤمن ، ولو كانت ذات بعل أو عدة لم يحلّ تحليلها ).

هذا هو القسم الثاني من قسمي النكاح بالملك ، وهو ملك المنفعة ، وذلك تحليل المولى وطء أمته لغيره ، وفي حكمه تحليل مقدمات الوطء ، والمشهور بين علمائنا حل ذلك ، وقد تواترت به الأخبار عن أهل البيت عليهم‌السلام (١) على وجه لا سبيل إلى إنكاره.

ونقل الشيخ في المبسوط (٢) ، وابن إدريس (٣) قولا نادرا لبعض الأصحاب بالمنع.

لنا عموم قوله تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (٤) وهو يتناول ملك المنفعة كما‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٦٨ باب الرجل يحل جاريته لأخيه ، التهذيب ٧ : ٢٤١ حديث ١٠٥٢ ـ ١٠٦٤ ، الاستبصار ٣ : ١٣٥ باب ٨٩.

(٢) ٣ : ٧٤.

(٣) السرائر : ٣١٣.

(٤) النساء : ٣.

١٧٨

______________________________________________________

يتناول ملك الرقبة.

لا يقال : لو كان هذا العموم حقا لجاز هذا الوطء بكل طريق مثمر لملك المنفعة.

لأنا نقول : لا شك أن منفعة البضع ليست على نهج سائر المنافع ، فلا بد لتملكها ـ بحيث يترتب عليه حل الوطء ـ من قانون مستفاد من الشرع بالتلقي عن أهل البيت عليهم‌السلام ، هم معادن العلم وحفظة الشرع ، وقد نهجوا لذلك نهجا فيجب الاقتصار عليه ، فيكون الحجة في الآية تناول عمومها لملك المنفعة في الجملة.

والسنة كافلة ببيان ذلك على وجهه ، ورواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن رجل يحل لأخيه فرج جاريته ، قال : « هي حلال ما أحل منها » (١).

وصحيحة أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة أحلت لابنها فرج جاريتها ، قال : « هو له حلال » ، قلت : أفيحل له ثمنها؟ قال : « لا إنما يحل له ما أحلت له » (٢).

وصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن امرأة أحلت لي جاريتها فقال : « ذلك لك » ، قلت : فإنها كانت تمزح ، فقال : « كيف لك بما في قلبها فإن علمت انها تمزح فلا » (٣).

احتج المانع بعموم قوله تعالى ( فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) (٤) ، وهذا خارج عن مسمّى الأزواج والمملوكات فيدخل تحت العدوان.

ولصحيحة الحسين بن علي بن يقطين قال : سألته عن الرجل يحل فرج جاريته‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٤١ حديث ١٠٥٢ ، الاستبصار ٣ : ١٣٥ حديث ٤٨٥.

(٢) الكافي ٥ : ٤٦٨ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ٢٤٢ حديث ١٠٥٦ ، الاستبصار ٣ : ١٣٦ حديث ١٤٨٩.

(٣) الكافي ٥ : ٤٦٩ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ٢٤٢ حديث ١٠٥٨ ، الاستبصار ٣ : ١٣٦ حديث ٤٩١.

(٤) المؤمنون : ٧.

١٧٩

______________________________________________________

قال : « لا أحب ذلك » (١).

ورواية عمار الساباطي عن الصادق عليه‌السلام : في المرأة تقول لزوجها : جاريتي لك ، قال : « لا يحل له فرجها إلاّ أن تبعية أو تهبه له » (٢).

وجوابه : قد بيّنا شمول ملك اليمين المتنازع فلم يدخل تحت العدوان ، والرواية الأولى مقطوعة ولا تدل على المنع ، والثانية مع ضعف سندها لا دلالة لها على محل النزاع ، لأن المسؤول عنه خال من صيغة التحليل.

فإن قيل : الحجة في قوله : ( إلاّ أن تبعية أو تهبه له ).

قلنا : لا شك أنه لا يرد من ذلك الحصر مطلقا ، فإن طريق الملك لا ينحصر في البيع والهبة قطعا ، بل المراد الحصر بالإضافة إلى المسؤول عنه ، فكأنه عليه‌السلام قال : لا بد من طريق مملك ، وهو مفقود في المسؤول عنه.

إذا تقرر ذلك فلهذه الإباحة شروط أربعة :

الأول والثاني : كون المحلل مالكا للرقبة ولا اعتبار بتحليل غير المالك لتحريم مال الغير بغير اذنه. وهل يقع لاغيا ، أم ينفذ مع اجازة المالك؟ فيه وجهان ، ولا يبعد ابتناؤهما على كون التحليل عقدا أو إباحة.

فعلى الأول ينفذ معها كما في غيره من عقود الأنكحة ، بخلاف الثاني ، لانتفاء الدليل على اعتبار الإباحة من غير المالك. نعم لو كان غير المالك وكيلا له اعتبر تحليله ، لأنه فعل يدخله النيابة.

وهل يعتبر تحليل الولي مع الغبطة ، كما لو خاف على أمة الطفل الزنا ولم يوجد راغب في نكاحها ، أو كان منافيا لخدمة الطفل؟ الظاهر نعم مع احتمال المنع ، لأنه إتلاف محض ، فلا بد من كون المالك جائز التصرف ليقع تحليله معتبرا ، فلا اعتبار‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٤٣ حديث ١٠٥٩ ، الاستبصار ٣ : ١٣٧ حديث ٤٩٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٤٣ حديث ١٠٦١ ، الاستبصار ٣ : ١٣٧ حديث ٤٩٤.

١٨٠