جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧

______________________________________________________

مسقطا انتفت فائدته غالبا.

أما الجهل بالفورية فالظاهر أنه ليس عذرا فيسقط بالتأخير حينئذ ، لأنه وجد الى الفسخ سبيلا ولم يفعل وذلك ينافي الفور ، وما ذكرناه في خيار الأمة إذا أعتقت آت هنا.

الثالث : المخالف في ثبوت الخيار إذا بيع العبد وكانت تحته حرة هو ابن إدريس (١) ، محتجا بأن الخيار على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على موضع اليقين.

والمختار وأكثر الأصحاب على الثبوت ، لأن تجدد المشتري إما أن يقتضي ثبوت الخيار له أم لا ، وأيا ما كان لم يفرّق بين مشتري العبد والأمة ، لاشتراكهما في المقتضي على تقدير الاقتصار ، وعدمه على تقدير العدم ، ولأن الضرر المتوقع في تجدد الملك مع كون الزوجة أمة ثابت إذا كانت حرة ، ولما رواه محمد بن علي عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « إذا تزوّج المملوك حرة فللمولى أن يفرّق بينهما ، وإن زوّجه المولى حرة فله أن يفرّق بينهما » (٢) ، وليس بغير البيع إجماعا ، فيحمل على أن له أن يفعل ما يؤول إلى التفريق ، بأن يبيع فيثبت الخيار المنجر الى التفريق مجازا.

قال ابن إدريس : هذه الرواية شاذة أوردها شيخنا في نهايته (٣) إيرادا لا اعتقادا ، والقياس على بيع الأمة باطل ، وقد رجع شيخنا في مبسوطه فقال :

وإن كان للعبد زوجة فباعه مولاه فالنكاح باق بالإجماع (٤).

وشنع عليه المصنف في المختلف بحمل ذلك على القياس ، لأنه لو فقدت النصوص في هذا الباب لأمكن استفادة مساواة العبد للأمة في ذلك ، من أن الشارع‌

__________________

(١) السرائر : ٣٠٥.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٣٩ حديث ١٣٨٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٠٦ حديث ٧٤٤.

(٣) النهاية : ٤٧٧.

(٤) المبسوط ٤ : ٢٥٧ ، السرائر : ٣٠٥.

١٤١

______________________________________________________

لم يفرّق بينهما في مثل هذه الأحكام كما لم يفرّق في التقويم وغيره (١).

قال : وقول الشيخ في المبسوط ليس رجوعا عما قاله في النهاية ، لأن بقاء النكاح لا ينافي الخيار للمشتري.

أقول : المفتى به هو ما عليه الأصحاب.

الرابع : خيار المالك الآخر ثابت بالبيع كما يثبت الخيار للمشتري ، ولا يتقيد باختيار المشتري الإمضاء وإن كان ظاهر عبارة الكتاب قد توهم ذلك ، فأيهما اختار الفسخ انفسخ النكاح ، سواء اختار الآخر الإمضاء أو لم يختر شيئا.

ومنع ابن إدريس ثبوت الخيار له محتجا بأن الأصل العدم فيحتاج مثبتة إلى الدليل ، ويمكن الاحتجاج بظاهر الحديث السابق المتضمن كون بيع الأمة طلاقها ، فإنه كما يصلح للدلالة في جانب المشتري يصلح لها في جانب المالك إذ لا أولوية.

ويؤيده أن المالك الآخر إنما رضي بالعقد مع المالك الأول ، والأحوال تختلف باختلاف الملاّك ، وربما ترتب عليه ضرر لو بقي النكاح ، فيكون ثبوت الخيار وسيلة إلى التخلص منه.

وإلى هذا القول ذهب الشيخ وجماعة (٢) منهم المصنف ، ولم يصرح المفيد (٣) وابن حمزة (٤) بذلك في شي‌ء ، ولا يحتاج هذا الفسخ إلى حضور الحاكم ، إذ لا مقتضى له من ضرب مدة ونحو ذلك.

__________________

(١) المختلف : ٥٦٨.

(٢) منهم ابن البراج في المهذب ٢ : ٢١٧ ، وفخر المحققين في الإيضاح ٣ : ١٦٠.

(٣) المقنعة : ٧٨.

(٤) الوسيلة : ٣٦٢.

١٤٢

ولو تعدد الملاّك فاختار بعضهم الفسخ ، قدّم اختياره على اختيار الراضي.

ولو باعهما المالك الواحد على اثنين تخيّر كل منهما ، ولو اشتراهما واحد تخيّر.

ومهر الأمة لسيدها ، فإن باعها قبل الدخول وفسخ المشتري سقط ، وإن أجاز فالمهر للمشتري.

ولو باع بعد الدخول فالمهر للبائع ، سواء أجاز المشتري أو لا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو تعدد الملاّك فاختار بعضهم الفسخ قدّم اختياره على اختيار الراضي ).

أي على اختيار الراضي بالنكاح ، وذلك لأن اختيار الراضي بالنكاح يقتضي تقريره ولزومه من جانبه ، فيبقى تزلزله من جانب غيره ، فإذا اختار الفسخ انفسخ. ومثله ما إذا اشترك الخيار بين البائع والمشتري ، فاختار أحدهما الإمضاء والآخر الفسخ.

قوله : ( ولو باعهما المالك الواحد على اثنين تخيّر كل منهما ، ولو اشتراهما واحد تخيّر ).

وجهه : قيام المقتضي في كل منهما ، فإن الحديث السابق دلّ على أن بيع كل من الأمة والعبد بمنزلة الطلاق ، ولا أثر في ذلك ، لتعدد البائع واتحاده وكذا المشتري.

قوله : ( ومهر الأمة لسيدها ، فإن باعها قبل الدخول وفسخ المشتري سقط ، وإن أجاز فالمهر للمشتري ، ولو باع بعد الدخول فالمهر للبائع ، سواء أجاز المشتري أو لا ).

لا يخفى أن المهر عوض البضع ، فإن في النكاح شائبة المعاوضة ، فالمهر وحق العوض أن يكون لمالك العوض ، وحيث كان بضع الأمة مملوكا للسيد فالمهر له‌

١٤٣

______________________________________________________

لا محالة ، فإن باعها قبل الدخول فقد قررنا أن للمشتري الخيار ، فإن فسخ سقط المهر.

فإن الفرقة قبل الدخول توجب سقوط المهر إذا كانت من الزوجة ، وكذا إذا كانت من السيد فإنه مالك البضع فالفرقة منه كالفرقة منها. وإن أجاز النكاح لزم وكان المهر له ، لأن الإجازة كالعقد المستأنف فيطالب بجميع المهر ، ولو كان الزوج قد أقبضه الأول استرده منه ودفعه إلى الثاني.

ذهب الى ذلك ابن إدريس (١) ، وجماعة منهم المصنف ، والمحقق ابن سعيد (٢) ، وغيرهما (٣).

وقال الشيخ في النهاية : إذا زوّج الرجل جاريته من غيره وسمّى لها مهرا معينا ، وقدّم الرجل من جملة المهر شيئا معينا ثم باع الرجل الجارية ، لم يكن له المطالبة في المهر ولا لمن يشتريها ، إلاّ أن يرضى بالعقد (٤).

وتبعه ابن البراج (٥) ، وقال في المبسوط : إن المهر إن كان قد قبضه الأول فهو له ، فإن كان بعد الدخول فقد استقر ، وإن كان قبله ردّ نصفه ، وإن كان لم يقبضه فلا مهر لها لا للأول ولا للثاني ، فإن اختار المشتري إمضاء العقد ولم يكن قد قبض الأول المهر كان للثاني ، لأنه تجدد في ملكه ، فإن دخل بها بعد الشراء فقد استقر له الكل.

وإن طلقها قبل الدخول كان عليه نصف المهر للثاني ، فإن كان الأول قد قبض المهر ورضي الثاني بالعقد لم يكن له شي‌ء ، لأنه لا يكون مهران في عقد واحد.

__________________

(١) السرائر : ٣١٦.

(٢) الشرائع ٢ : ٣١٣.

(٣) انظر : التنقيح الرائع ٣ : ١٦٢.

(٤) النهاية : ٤٩٩.

(٥) المهذب ٢ : ٢٢٠.

١٤٤

______________________________________________________

وإن باعها قبل الدخول فرضي المشتري بالعقد ودخل بها الزوج بعد البيع كان نصف المهر للسيد الأول ونصفه للثاني ، لأن النصف الآخر استقر بالدخول وكان ذلك في ملك الثاني.

فإن كان الأول قد قبض بعض المهر ثم باعها لم يكن له المطالبة بباقي المهر ، سواء دخل بها أو لم يدخل ، لأنه حال بينه وبين الاستمتاع بها ، وإن كان الثاني قد رضي بالعقد كان له المطالبة بباقي المهر ، وإن لم يرض لم يكن له ذلك (١).

هذا كلامه ، وفي بعض شقوق المسألة تدافع ، ومع ذلك فقد تضمن أن لقبض الأول المهر أو بعضه تأثيرا في استحقاقه وعدمه ، وهو موافق لمختاره. وحجته رواية سعدان بن مسلم عن أبي بصير عن أحدهما عليهما‌السلام : في رجل تزوّج مملوكة من رجل على أربعمائة درهم ، فعجل له مائتي درهم ثم أخّر منه مائتي درهم فدخل بها زوجها ، ثم ان سيدها باعها بعد من رجل ، لمن تكون المائتان المؤخرة عنه؟ فقال : « إن لم يكن أوفاها بقية المهر حتى باعها فلا شي‌ء عليه له ولا لغيره » (٢).

وقد نزلها المصنف في المختلف على أن المراد بالدخول الخلوة دون الإيلاج ، وقوله : « ان لم يكن أوفاها بقية المهر » معناه إن لم يكن فعل الدخول الذي باعتباره يجب أن يوفيها المهر ثم باعها لم يكن له شي‌ء للفسخ بالبيع من قبله قبل الدخول ، ولا لغيره إذا لم يجز العقد (٣).

ولا ريب في بعد هذا التنزيل ، ولو اكتفى بحمل الدخول على الخلوة لكان ذلك كافيا في عدم دلالتها.

فإن قيل : قوله : ( إن لم يكن أوفاها. ) يقتضي أن يكون عدم الوفاء شرطا‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ١٩٨.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٨٨ حديث ١٣٧٠ ، التهذيب ٧ : ٤٨٤ حديث ١٩٤٥.

(٣) المختلف : ٥٧٥.

١٤٥

______________________________________________________

لعدم استحقاقه واستحقاق غيره شيئا فيستحق مع عدم الشرط.

قلنا : إذا لم يستحق شيئا مع عدم الوفاء فمعه بطريق أولى ، هذا قول الشيخ (١).

وأما قول الأصحاب فيمكن أن يحتج له بأن البضع ومنافعه ينتقل الى السيد الثاني وهو المشتري ، فإذا كان البيع قبل الدخول وجب أن يسقط حق الأول من المهر ، لأن البيع كالطلاق ، ولأنه قد تعذر تسليمه للبضع فانتفى المعوض من قبله ، فوجب أن يسقط استحقاقه للعوض ، ولما اعتبرنا إجازة الثاني وجب أن يكون كالعقد المستأنف في استحقاق المهر ، ولا بعد في ذلك ، لأن المعوض الآن حق له فليكن العوض كذلك.

فإن قيل : قد وجب المهر قبل البيع فليكن للأول ، لأنه وجب في ملكه والإجازة تقرره.

قلنا : لم يجب مجانا ، بل في مقابل العوض وهو منافع البضع ، وقد خرجت عنه بالبيع قبل التسليم وتعذر تسليمها ، فكيف يتصور بقاؤها للأول.

فإن قيل : قد سبق في الأمة المزوجة إذا أعتقت قبل الدخول فاختارت ، أن المهر للسيد إن أوجبناه بالعقد ، ومقتضاه هنا أن يكون المهر للبائع.

قلنا : يمكن الفرق بان البيع معاوضة تقتضي تمليك المنافع تبعا للعين ، فتصير منافع البضع مملوكة للمشتري ، ولولاه لم يصح البيع لجهالته وقت الانتفاع ، كما لو أسكنه عمر أحدهما ثم باع الدار فإنه لا يصح البيع على الأصح. بخلاف العتق فإنه لا يقتضي تمليكا ، وإنما هو فك ملك ففي الأمة المزوجة تكون المنافع كالمستثناة للسيد وفي البيع ينتقل إلى المشتري.

ولعل هذا هو منشأ الخيار فيه ، ومما قررناه علم أن قول الأول أقوى ، وهذا إذا‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ١٩٨.

١٤٦

______________________________________________________

كان البيع قبل الدخول ، أما إذا كان بعده فإن المهر للبائع ، سواء أجاز المشتري أم لا ، وسواء قبض شيئا من المهر أم لا ، خلافا للشيخ (١) كما سبق. ووجهه ظاهر مما قررناه ، فإن الدخول موجب لاستقرار المهر لحصول مقصود المعاوضة حتى لو طلق لم يؤثر فيه ، ولم يسقط منه شي‌ء بالبيع بطريق أولى.

فائدة : ذكر المصنف في التحرير بأن اجازة المشتري للنكاح كالعقد المستأنف ، وكذا غيره (٢). والظاهر أن المراد بذلك كون نكاح الأمة المبيعة قد انقلب من اللزوم الى نحو العقد الفضولي.

وقد يتفرع على ذلك كون المهر كله للمشتري إذا أجاز قبل الدخول ، ووجهه : إن البيع معاوضة حقيقية تستتبع المنافع فيقتضي دخولها فتدخل منافع البضع في ملك المشتري ، ولولاه لم يصح البيع لصيرورة المبيع مجهولا لجهالة وقت الانتفاع ، فيصير العقد بالإضافة إليه كالفضولي.

بخلاف العتق فإنه يقتضي فك الملك عن الرقبة ، وبعد انقطاع السلطنة عنها يلزم انقطاعها عن المنافع ما لم يسبق ثبوت السلطنة عليها قبل العتق ، فلا يلزم زوال النكاح أصلا ورأسا وإن صار متزلزلا.

فإن قيل : قوله عليه‌السلام : « ملكت بضعك فاختاري » (٣) يقتضي ثبوت ملكيتها ، فكيف تكون مملوكة للزوج.

قلنا : هذا كناية عن رفع سلطنة المولى عنها ، إذ ليس هناك ملك أصلا ، أو أنه عليه‌السلام أراد بملك البضع ثبوت الخيار المفضي إليه ، كأنه قال : ثبت لك الخيار المفضي إلى قطع السلطنة عن البضع فاختاري.

__________________

(١) المبسوط ٤ : ١٩٨.

(٢) التحرير ٢ : ٢٣.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٢٢ حديث ١٣٩٦ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٢٠.

١٤٧

ولو باع عبده فللمشتري الفسخ ، وعلى المولى نصف المهر للحرة ، ومنهم من أنكرهما.

______________________________________________________

قوله : ( ولو باع عبده فللمشتري الفسخ ، وعلى المولى نصف المهر للحرة ، ومنهم من أنكرهما ).

قد بيّنا أنه إذا باع العبد يثبت للمشتري الخيار في فسخ النكاح وإن كانت الزوجة حرة ، وبيّنا دليله وحكينا خلاف ابن إدريس (١) وبيّنا ضعفه.

وأما المهر فإن متعلقة ذمة المولى على أصح الأقوال وقد تقدّم ، فإن كان البيع بعد الدخول فقد استقر المهر ووجب جميعه للزوجة الحرة على المولى ، وإن كان قبله ففي وجوب جميعه أو نصفه قولان للأصحاب :

أحدهما : ـ وهو اختيار الشيخ (٢) ، والأكثر (٣) ـ وجوب النصف ، إما بناء على أن العقد يوجب نصف المهر ويجب بالدخول النصف الآخر ، أو لأن الفسخ في معنى الطلاق ، لاشتراكهما في ابانه عصمة النكاح فيستويان في حكم المهر ، ولرواية علي بن حمزة عن أبي الحسن عليه‌السلام : في رجل زوّج مملوكا له امرأة حرة على مائة درهم ، ثم باعه قبل أن يدخل عليها ، فقال : « يعطيها سيده من ثمنه نصف ما فرض لها ، إنما هو بمنزلة دين استدانه بأمر سيده » (٤).

والثاني : ـ وهو اختيار ابن إدريس (٥) ـ وجوب الجميع بناء على أن المهر كله يجب بالعقد ، وتشطره بالطلاق ثبت بالنص (٦) والإجماع ، وإلحاق الفسخ به قياس باطل.

__________________

(١) السرائر : ٣٠٥.

(٢) النهاية : ٤٩٩.

(٣) منهم ابن البراج في المهذب ٢ : ٢٥٠ ، وفخر المحققين في الإيضاح ٣ : ١٦١.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٨٩ حديث ١٣٧٥ ، التهذيب ٨ : ٢١٠ حديث ٧٤٥.

(٥) السرائر : ٣١٧.

(٦) البقرة : ٢٣٧.

١٤٨

ولو باع أمة وادعى أن حملها منه فأنكر المشتري ، لم يقبل قوله في فساد البيع.

وفي قبول الالتحاق به نظر ينشأ : من أنه إقرار لا ضرر فيه ، ومن إمكان الضرر بشرائه قهرا لو مات أبوه عن غير وارث.

______________________________________________________

واعلم انا قد أوجبنا في نظير هذه المسألة من الرضاع وغيره وجوب جميع المهر.

واستشكل المصنف ثمّ وجزم بوجوب النصف هنا ، والفرق وجود النص هنا وانتفاؤه هناك ، ولا يضر ضعفه مع عمل أكثر الأصحاب ، والفتوى على الأول.

وقوله : ( ومنهم من أنكرها ) يشير بالمنكر إلى ابن إدريس ، وأراد بضمير التثنية ثبوت خيار الفسخ إذا بيع العبد وتحته حرة ووجوب نصف المهر فقط ، وقد حققنا ذلك.

قوله : ( ولو باع أمة وادعى أن حملها منه فأنكر المشتري ، لم يقبل قوله في فساد البيع ، وفي قبول الالتحاق به نظر ينشأ : من أنه إقرار لا ضرر فيه ، ومن إمكان الضرر بشرائه قهرا لو مات أبوه عن غير وارث ).

ليست هذه المسألة من مسائل هذا الباب ، لكنه لما ذكر بيع الأمة لبيان حكم النكاح الذي هو مقصود الباب استطرد إلى هذا الحكم المبتني على البيع ، وتحقيق ما هناك أنه إذا باع الأمة سيدها ثم ظهر بها حمل فادعى أنه منه ينقسم الى صورتين : أن يقطع بكون الحمل قبل البيع ، بأن تلده لدون ستة أشهر من حين البيع ، وأن يجوز الأمر بأن كان تلده لدون أقصى مدة الحمل ولم يدخل بها المشتري ، فإنها مع دخوله تصير فراشا والولد للفراش.

ولا ريب أن دعوى البائع هذه لو صحت لوجب الحكم بفساد البيع ، فإن بيع أم الولد في غير المواضع المستثناة باطل فلا يقبل في فساد البيع ، فإنه قد ثبت وحكم بصحته ظاهرا فلا يقدح فيه دعوى البائع ولا يلتفت اليه إلاّ بالبينة.

نعم لو ادعى عليه العلم فأنكر حلف لنفيه ، وهل تقبل هذه الدعوى من حيث‌

١٤٩

______________________________________________________

انها متضمنة إقراره بنسب الولد ، فيحكم بلحاق الولد به؟ ينبغي القول في الصورة الأولى ، لانتفاء المانع فإنه ليس إلاّ لزوم فساد البيع ، وقد بينا أنه لا يفسد بمجرد قول البائع.

وفي القبول في الثانية نظر.

فإن قيل : الدعوى الواحدة إن كانت مقبولة وجب قبولها في الأمرين معا ، وإن كانت مردودة فهي مردودة بالنسبة إلى الأمرين معا ، لأن قبولهما في أحدهما دون الآخر يقتضي اجتماع القبول والرد فيهما وهو باطل.

قلنا : قد أسلفنا أن العمل بالأصلين المتنافيين في حقوق الناس واجب ، لأنها مبنية على التضيق ، وكل حق يثبت للمشتري واقتضت الدعوى المذكورة بطلانه يجب الحكم بعدم قبولها فيه ، وفيما سوى ذلك يجب قبولها توفيرا على كل مقتضاه.

ومنشأ النظر : من أن المذكور إقرار لا ضرر فيه على المشتري ، لأنه لا ضرر عليه في كون عبده ابنا لزيد البائع ، وكل إقرار كذلك يجب قبوله ، لعموم « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١). ومن أن نفوذ هذا الإقرار وثبوت هذا النسب يتوقع فيه الضرر ، لإمكان أن يموت المقر عن غير وارث ويخلف تركة.

فإنه على تقدير ثبوت النسب يشترى من التركة ولو قهرا على سيده ليعتق ويجوز الإرث ، ولا شك في كون ذلك ضررا على السيد فلا يكون الإقرار نافذا.

ولقائل أن يقول : يمكن الحكم بالالتحاق إلاّ في حق المشتري ، وتقريبه يعلم مما تقدّم ، وتظهر الفائدة فيما لو اشتراه البائع فإنه يحكم عليه بعتقه ، وكذا لو مات عن غير وارث فباعه المشتري مختارا للحاكم وأدى الثمن من التركة وأعتقه ، فإنه يجب أن يحكم بإرثه ، عملا بالإقرار السالم عن معارض ، وهذا أقرب.

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٢ حديث ٥.

١٥٠

المطلب الثالث : في الطلاق :

طلاق العبد بيده إذا تزوّج باذن مولاه ، ولا اعتراض لمولاه ، سواء كانت زوجته حرة أو أمة لغير مولاه.

وليس له إجباره عليه ولا منعه منه ،

______________________________________________________

ولا يخفى أن نفوذ الإقرار يشترط فيه كون المقر به حين الإقرار صغيرا ويصدقه. واعلم أن قول المصنف : ( لم يقبل قوله في فساد البيع ) يريد به أنه لا يقبل بمجرده ، فأما إذا أقام بينة أو حلف اليمين المردودة فإنه يقبل قطعا.

ولو أنه باع الأمة والحمل معا ، ثم ادعى كونه ولده لم تسمع دعواه أصلا ، لكونها مناقضة للبيع المقتضي لكونه مملوكا ، فلا يسمع ما ينافيه ، وفي الالتحاق هنا نظر من وجه آخر وهو المناقضة.

فإن قيل : كيف جزم بعدم القبول في فساد البيع ، وتردد في الالتحاق.

قلنا : لأن فساد البيع يقتضي إبطال حق موجود للمشتري ، فلم يقبل الإقرار فيه ، بخلاف الالتحاق فإن ضرره متوهم.

قوله : ( المطلب الثالث : في الطلاق : طلاق العبد بيده إذا تزوّج باذن مولاه ولا اعتراض لمولاه ، سواء كانت زوجته حرة أو أمة لغير مولاه ، وليس له إجباره عليه ولا منعه منه ).

المشهور بين الأصحاب أن طلاق العبد بيده ليس للسيد فيه دخل ، فليس له إجباره عليه ولا منعه منه إذا كان هو قد تزوج باذن السيد ، سواء كانت زوجته حرة أو أمة بشرط أن تكون الأمة لغير السيد. والحجة ما روي من قوله عليه‌السلام :

١٥١

______________________________________________________

« الطلاق بيد من أخذ بالساق » (١).

ولرواية ليث المرادي عن الصادق عليه‌السلام وقد سأله عن جواز طلاق العبد فقال : « إن كانت أمتك فلا إن الله تعالى يقول( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) ، فإن كانت أمة قوم اخرين أو حرة جاز طلاقه » (٢).

وهذه وإن كانت غير دالة على منع السيد من الطلاق ، لكن دلالتها على جواز الطلاق منه يقتضي ذلك ، لأن التشريك بينهما في الطلاق لا قائل به.

وحسنة علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه‌السلام ، عن آبائه ، عن علي عليه‌السلام : « إن رجلا أتاه بعبد زعم أنه تزوج بغير اذنه ، فقال علي عليه‌السلام : « فرق بينهما » ، فقال السيد لعبده : يا عدو الله طلق ، فقال علي عليه‌السلام : « الآن فإن شئت فطلق وإن شئت فأمسك » ، فقال السيد : يا أمير المؤمنين أمر كان بيدي فجعلته في يد غيري ، قال : « ذلك لأنك حيث قلت له : طلق أقررت له بالنكاح » (٣).

وفقه الحديث : إن الأمر بالطلاق يستدعي نكاحا صحيحا وهو يستلزم الإجازة من السيد ، لامتناع صحة نكاح العبد بدون اذن المولى وأجازته ، وخالف هنا فريقان :

الأول : ابن الجنيد (٤) ، وابن أبي عقيل (٥) ، حيث نفيا ملكية العبد الطلاق من رأس ، لرواية زرارة عن الباقر والصادق عليهما‌السلام : « المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلاّ بإذن سيده » قال : فإن زوّجه السيد بيد من الطلاق؟ قال : « بيد السيد‌

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٦٧٢ حديث ٢٠٨١ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٦٠.

(٢) الكافي ٦ : ١٦٨ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٤٨ حديث ١٤٢٣ ، الاستبصار ٣ : ٢١٦ حديث ٧٨٥.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٥٢ حديث ١٤٣٣.

(٤) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٩١.

(٥) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٩١.

١٥٢

إلاّ أن تكون أمة لمولاه ، فإنّ طلاقه بيد المولى ، وله التفريق بغير طلاق مثل فسخت عقد كما ، أو يأمر كلا منهما باعتزال صاحبه ، وليس بطلاق فلا تحرم في الثاني لو تخلله رجعة.

______________________________________________________

( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) الشي‌ء الطلاق » (١).

ولرواية شعيب العقرقوفي عن الصادق عليه‌السلام ، وقد سئل عن طلاق العبد فقال : « لا طلاق ولا نكاح إلاّ بإذن مولاه » (٢).

والنكرة المنفية للعموم ، والجواب الحمل على ما إذا تزوج بأمة مولاه ، لأن ما تقدم أخص ، والخاص مقدّم. وقال المصنف في المختلف : وقول ابن أبي عقيل وابن الجنيد ليس عندي بعيدا من الصواب ، والأصح ما عليه الأكثر.

الثاني : أبو الصلاح ، حيث قال : لسيده أن يجبره على الطلاق (٣) ، لأن تنفيذ أمره وطاعته عليه واجب ، ولأن له إجباره على النكاح ، فكان له إجباره على رفعه وفسخه ، ولرواية زرارة وشعيب السالفتين.

والجواب : المنع من عموم وجوب تنفيذ أمره ، ولا يلزم من جواز أجازته على النكاح ثبوت ملكه في الطلاق ، والروايتان لا حجة فيهما ، لأنهما عامتان والأخبار المتقدمة أخص والخاص مقدّم ، والمذهب ما عليه الأكثر.

قوله : ( إلاّ أن تكون أمة لمولاه فإن طلاقه بيد المولى ، وله التفريق بغير طلاق ، مثل فسخت عقد كما ، أو يأمر كلا منهما باعتزال صاحبه وليس بطلاق ، فلا تحرم في الثاني لو تخلله رجعة ).

هذا استثناء من قوله : ( طلاق العبد. ) فإنه لم يدل على أن طلاق أمة المولى‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٤٧ حديث ١٤١٩ ، الاستبصار ٣ : ٢١٤ حديث ٧٨٠.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٤٧ حديث ١٤٢١ ، الاستبصار ٣ : ٢١٥ حديث ٧٨٢.

(٣) الكافي في الفقه : ٢٩٧.

١٥٣

______________________________________________________

إذا كانت زوجته ليس بيده إلاّ بمفهوم المخالفة من قوله : ( أمة لغير مولاه ) ، وتحقيقه : إن زوجة العبد إذا كانت أمة لمولاه فإن طلاقها وازالة قيد نكاحها هو بيد المولى ولا دخل للعبد فيه إجماعا.

ويدل عليه من النصوص صحيحة محمد بن مسلم : قال : سألت الباقر عليه‌السلام عن قول الله تعالى ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) قال : « هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمة فيقول له : اعتزل امرأتك ولا تقربها ، ثم يحبسها حتى تحيض ثم يمسها » (١).

ورواية ليث المرادي السابقة (٢) فإنها نص في الباب ، وكذا رواية زرارة (٣) ورواية شعيب (٤) السالفتان فإنهما منزلتان على أمة المولى إذا تقرر ذلك ، فللمولى التفريق بلفظ الطلاق وبلفظ الفسخ وبالأمر بالاعتزال كما دلت عليه الاخبار.

فأما الطلاق فلفظة ظاهر ، وأما الفسخ فهو فسخت نكاحهما ، أو عقدكما وما جرى مجراه. وأما الأمر بالاعتزال فحقيقته أن يأمر كلا منهما باعتزال صاحبه ، وقد دلت رواية محمد بن مسلم على ذلك ، لأن فيها : « فيقول له : اعتزل امرأتك ثم يحبسها حتى تحيض » لأن الظاهر أن المراد بحبسها منعها منه واعتزالها إياه وإذا كان الأمر بالاعتزال كافيا في إزالة النكاح فالفسخ أولى منه ويتفرع على ذلك مسائل :

الأولى : إذا طلّق المولى بلفظ الطلاق فاللائح من عبارة المصنف انه يعد في الطلاق ، فإن قوله في التفريق بغير طلاق : ( وليس بطلاق ) يشعر بأن التفريق بالطلاق يعد طلاقا ، وكذا عبارة الإرشاد والتحرير (٥) ، وعلى هذا فيشترط فيه شروط الطلاق‌

__________________

(١) النساء : ٢٤ ، الكافي ٥ : ٨١ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٤٦ حديث ١٤١٧.

(٢) الكافي ٦ : ١٦٨ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٤٨ حديث ١٤٢٣.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٤٧ حديث ١٤١٩ ، الاستبصار ٣ : ٢١٤ حديث ٧٨٠.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٤٧ حديث ١٤٢١ ، الاستبصار ٣ : ٢١٥ حديث ٧٨٢.

(٥) التحرير ٢ : ٥٢.

١٥٤

______________________________________________________

كلها.

وبذلك صرح بعض الأصحاب (١) ، وهذا إنما يستقيم إذا قلنا بأن تزويج السيد عبده بأمته عقد نكاح ، أما إذا قلنا انه اباحة فلا ، ولم يرجّح المصنف فيما تقدّم واحدا من الأمرين.

الثانية : إذا فسخ المولى بلفظ الفسخ أو الأمر بالاعتزال في عدّه طلاقا قولان :

صرّح المصنف هنا وفي غير هذا الكتاب بأنه لا يعد (٢) ، فإن قوله هنا : ( وليس بطلاق ) يريد به وليس واحد من الأمرين اللذين قبله ، اعني : فسخت ، والأمر بالاعتزال ، وكأنه يريد بعدم عدّه طلاقا العموم ، سواء قلنا إن هذا نكاح أو إباحة.

أما إذا قلنا إنه اباحة فظاهر ، لأن وقوع الطلاق فرع ثبوت النكاح. وأما على أنه نكاح ، فلأنه لم يقع بلفظ الطلاق ، والطلاق لا يقع بالكناية عندنا ، ولأن فسخ النكاح الحقيقي بلفظ الفسخ لا يعد طلاقا في شي‌ء من الأبواب كالفسخ بالعتق والعيب والتدليس وغيرها فها هنا أولى.

وإلى هذا ذهب ابن إدريس (٣) ، والمصنف ، وابن سعيد (٤) ، وهو الأصح ، والقول الثاني للأصحاب : أنه طلاق ـ وهو قول الأكثر (٥) ـ وأنه أحد الطريقين لدفع قيد النكاح فكان كالخلع ، ولأن المولى مخيّر بين الأمرين ، أعني : الطلاق والفسخ ، فلو لا أن كل واحد منهما كالآخر في حصول المقصود منه امتنع الاكتفاء به عنه ، وليس هو‌

__________________

(١) صرح به الصدوق في الفقيه ٣ : ٣٥٠.

(٢) المختلف : ٥٦٨.

(٣) السرائر : ٣٠٦.

(٤) الشرائع ٢ : ٣١٦.

(٥) منهم الشيخ المفيد في المقنعة : ٧٧ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٤٧٨ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٩٧ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ٢١٨.

١٥٥

ولو استقل العبد بالطلاق وقع على اشكال.

______________________________________________________

كالفسخ بالعيب ونحوه ، لأن البدلية عن الطلاق ثم منتفية بخلاف ما هنا ، ولأنه أقرب إلى الاحتياط ، ويضعف بأنه لا يلزم من زوال قيد النكاح به أن يكون كالطلاق في جميع أحكامه.

فإن قلنا بالأول لم يشترط فيه شروط الطلاق ولم يعد في الطلقات ، فلو رجع باذن المولى بعده في محل الرجعة ، أو استأنف

النكاح بالاذن بعد الحيض لم تحرم بالفسخ الثاني إلى أن ينكح زوجا غيره.

والى هذا أشار المصنف بقوله : ( فلا تحرم في الثاني لو تخلله رجعة ) أي : فلا تحرم في الفسخ الثاني لو تخلل بينه وبين الفسخ الأول رجعة. ولا يخفى أنه يعتبر في الرجعة اذن السيد كما في النكاح ، ومثل الرجعة استئناف النكاح في محله وإن أهمله المصنف لظهوره. والمراد بالتحريم التحريم إلى أن تنكح زوجا غيره ، لأن هذا شأن الأمة بعد تطليقتين وإن قلنا بالثاني ثبت جميع ذلك.

المسألة الثالثة أشار إليها المصنف بقوله : ( ولو استقل العبد بالطلاق وقع على اشكال ).

وتحقيقها : إن العبد المزوج بأمة سيده بإذنه إذا أوقع طلاقها استقلالا من دون اذن السيد ، هل يقع الطلاق أم لا؟ فيه إشكال ينشأ : من دلالة رواية ليث المرادي على عدم الوقوع ، فإن فيها قوله عليه‌السلام : « إن كانت أمتك فلا إن الله تعالى يقول : ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (١) ، وهي نص.

وقريب منها رواية زرارة (٢) ، ورواية شعيب (٣) السابقتان.

ومن أنه زوج فيقع طلاقه لقوله عليه‌السلام : « الطلاق بيد من أخذ‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٦٨ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٤٨ حديث ١٤٢٣.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٤٧ حديث ١٤١٩ ، الاستبصار ٣ : ٢١٤ حديث ٧٨٠.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٤٧ حديث ١٤٢١ ، الاستبصار ٣ : ٢١٥ حديث ٧٨٢.

١٥٦

ولو أمره بالطلاق فالأقرب أنه فسخ إن جعلناه اباحة ، وإلاّ فإشكال ،

______________________________________________________

بالساق » (١) ، ويضعف بدلالة ما سبق على اختصاص ذلك بما عدا صورة النص ، وحقق الشارح الفاضل بناء الوقوع على كونه نكاحا ، وعدمه على كونه اباحة (٢).

ويبطل بأنه على الإباحة يمتنع القول بوقوع الطلاق من كل من العبد والسيد ، فلا يجي‌ء الوجهان إلاّ على القول بالنكاح ، والأصح عدم الوقوع.

المسألة الرابعة أشار إليها المصنف بقوله : ( ولو أمره بالطلاق فالأقرب انه فسخ إن جعلناه اباحة ، وإلاّ فإشكال ).

وتحقيقها : إنه إذا أمر السيد عبده المزوج بأمة السيد بالطلاق فهل يكون مجرد أمر السيد فسخا للتزويج أم لا؟ فيه وجهان ، فإن جعلنا هذا التزويج اباحة فأقرب الوجهين أنه فسخ ، وإن جعلناه نكاحا فإشكال ينشأ : من تكافؤ الوجهين ، وجه القرب على القول بالإباحة أن عصمة هذا التزويج على تقدير أنه اباحة ضعيفة يكفي في رفعها ادنى سبب يدل على المنع.

ولا ريب أن الأمر بالطلاق دال عليه ، ولأن الأمر بالاعتزال فسخ بالنص (٣) والإجماع ، مع عدم صراحته في إرادة قطع تلك العصمة ، فالأمر بالطلاق أولى ، لأنه أدل على ارادة قطعها من الأمر بالاعتزال ، وفي هذا الوجه قوة ويحتمل ضعيفا العدم عنده ، لأن المفهوم من الأمر بالطلاق ارادة إيجاده من العبد ، فلا يحصل قبله.

ويضعف بأن هذا مدلوله المطابقي ، والمدعى هو المدلول الالتزامي ، ولأن الأمر بالطلاق يستدعي بقاء الزوجة إلى حين إيقاعه ، فلو دل على الفسخ قبله لتنافى‌

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٦٧٢ حديث ٢٠٨١ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٦٠.

(٢) إيضاح الفوائد ٣ : ١٦٢.

(٣) الكافي ٥ : ٤٨١ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٤٦ حديث ١٤١٧.

١٥٧

وكذا الاشكال لو طلّق العبد.

______________________________________________________

مدلولا اللفظ. ولمانع أن يمنع هذا الاستدلال ، فإن المستدعى هو صحة الطلاق ، أما الأمر به فلا ، ولأنه لو دلّ على الفسخ لامتنع فعل مقتضاه فيمتنع الخطاب به.

والتالي معلوم البطلان ، والملازمة ظاهرة ، لأن الفسخ إذا وقع امتنع الطلاق ، وبطلان التالي ممنوع. ولأن أمره بالطلاق يدل على طلب الامتثال ، وذلك يقتضي إرادة عدم الفسخ ضرورة ، وفيه منع.

وأما تكافؤ الوجهين على القول بالنكاح ، فلأن الرافع للنكاح ابتداء من غير توسط أمر آخر كعيب ونحوه هو الطلاق ، والأمر به لا يعد طلاقا قطعا ، فيبقى النكاح معه ، ويحتمل افادته مفاده ، لأنه أقوى في الدلالة على مقصوده من الأمر بالاعتزال ، وعدم الوقوع على القول بأنه نكاح قريب.

المسألة الخامسة أشار إليها المصنف بقوله : ( وكذا الاشكال لو طلق العبد ).

وتحقيقها : أنه في الصورة المذكورة إذا أمر السيد العبد بالطلاق فطلق هل يقع أم لا؟ ذكر المصنف فيه اشكالا ، وعلى تقدير وقوعه هل يعد طلاقا أو فسخا؟ لم يتعرض إليه المصنف. ومنشأ الاشكال : من وقوع الصيغة من أهلها في محلها ، وذلك لأنه إنما منع منه لكونه بيد المولى ، فإذا أمره به صار نائبا عنه ، فوجب الحكم به ، لزوال المانع. وقد دلت رواية زرارة (١) على وقوع طلاق العبد باذن السيد كالنكاح ، وبينا بأنها منزلة على ما إذا نكح أمة المولى.

ولعموم : « الطلاق بيد من أخذ بالساق » (٢) ، خرج منه ما إذا لم يأذن المولى فيبقى الباقي على أصله متناولا لصورة النزاع.

ومن أن ظاهر رواية محمد بن مسلم (٣) انحصار الفرقة هنا في أمر السيد‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٤٧ حديث ١٤١٩ ، الاستبصار ٣ : ٢١٤ حديث ٧٨٠.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٦٧٢ حديث ٦٧٢ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٦٠.

(٣) الكافي ٥ : ٤٨١ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٤٦ حديث ١٤١٧.

١٥٨

ولو طلّق الأمة زوجها ثم بيعت ، أكملت العدة وكفت عن الاستبراء على رأي.

______________________________________________________

بالاعتزال ، لا سيما على القول بأنه إباحة لا نكاح ، فإن الطلاق لا يجامع الإباحة فيقع لاغيا.

والأصح الوقوع ، ودليل الثاني ضعيف ، وعلى ما اخترناه من كون هذا التزويج نكاحا فهو محسوب طلاقا ، لوجود المقتضي وانتفاء المانع ، وعلى أنه اباحة ، فإن قلنا بوقوعه كان فسخا وإلاّ كان لغوا.

قوله : ( ولو طلّق الأمة زوجها ثم بيعت أكملت العدة وكفت عن الاستبراء على رأي ).

لو طلق الأمة زوجها بعد الدخول بها ، سواء كان الزوج حرا أو عبدا ، وسواء كانا مملوكين لواحد أو لمتعدد ، ثم باع السيد الأمة فهل يكفي إكمال العدة عن استبراء المشتري؟ فيه قولان :

أحدهما : ـ واختاره الشيخ في النهاية (١) ، وابن البراج (٢) ، وابن إدريس (٣) ـ إنه لا يكفي فيجب بعد العدة الاستبراء ولا تحل للمشتري بدونه ، لأنهما حكمان مختلفان لمكلفين ولكل منهما سبب يقتضيه ، فإسقاط أحدهما بالآخر يحتاج الى دليل.

والثاني : ـ واختاره المصنف في المختلف (٤) ـ إنه يكفي ، لأن الغرض من الاستبراء العلم ببراءة الرحم ، ولهذا يكفي استبراء البائع لها بالنسبة إلى المشتري ، ويسقط لو كانت أمة امرأة أو حائضا ، والعدة أدل على ذلك ، ولأنها بقضاء العدة‌

__________________

(١) المبسوط ٥ : ٢٦٩.

(٢) المهذب ٢ : ٣٣٣.

(٣) السرائر : ٣١٥.

(٤) المختلف : ٥٧٢.

١٥٩

الفصل الثالث : في الملك ، وفيه مطلبان :

الأول : ملك الرقبة ، ويجوز أن يطأ بملك اليمين ما شاء من غير حصر ،

______________________________________________________

مستبرأة فلا يجب عليها استبراء آخر ، ولأن وجوب الاستبراء بالبيع إنما هو من احتمال وطء البائع لغرض وطء المشتري ، وكلاهما ممتنع في صورة النزاع ، وهذا أصح.

والظاهر عدم الفرق بين ما إذا طلقت ثم بيعت وعكسه ووقوعهما معا ، ولو أن المصنف أتى بالواو عوض ثم في قوله : ( ثم بيعت ) لصحت العبارة للصور.

قوله : ( الفصل الثالث : في الملك وفيه مطلبان :

الأول ملك الرقبة : ويجوز أن يطأ بملك اليمين ما شاء من غير حصر ).

تقدّم أن نكاح الإماء يستباح بأمرين : العقد والملك ، وقد سبق الكلام على العقد على الإماء مستوفى ، وهذا الفصل لبيان أحكام النكاح بالملك ، ولما كان دائرا بين ملك الرقبة وملك المنفعة بيّن أحكامه في مطلبين وابتدأ بملك الرقبة ، لأنه الأصل في الباب.

وقد تطابق الأصل والإجماع من كافة أهل الإسلام على جواز النكاح بملك اليمين ، ونصوص الكتاب (١) والسنة (٢) بذلك متواترة ، ويؤيدها أن جميع منافع الأمة حق لسيدها ، ومن جملة المنافع البضع.

وكما أنه لا خلاف في حل الوطء بملك اليمين كذا لا خلاف في أن الموطوءات‌

__________________

(١) النساء : ٢٥.

(٢) الكافي ٥ : ٤٧٤ باب السراري والإماء ، الفقيه ٣ : ٢٨٥ باب ١٤١ ، التهذيب ٨ : ١٩٨ باب ٩.

١٦٠