جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧

______________________________________________________

للعتق ، على أن أسباب العتق غير منحصرة في صيغة كما في التنكيل.

وقد نوقش قولهم : تملك نفسها ، بأن الملك اضافة لا بد فيها من تغاير المتضايفين بالذات ، وهي مناقشة فارغة ، فإن المراد من ذلك المجاز ، من حيث حصول غاية الملك ، وهو مجاز شائع واقع في كلامهم عليهم‌السلام ، ومثله كثير في كلام الفقهاء.

ومن أن العتق لا يقع إلاّ بالصيغة الصريحة ، وهي التحرير أو الإعتاق على قول ، ولم يوجد أحدهما ، ولأن الأصل بقاء الملك إلى أن يعلم المزيل.

وإلى هذا ذهب المفيد (١) ، وأبو الصلاح (٢).

وقد يجاب عن هذا بما سبق غير مرة ، وهو أن بناء هذا على مخالفة الأصول المقررة ، فلا يناقش في شي‌ء من جهات مخالفته ، بعد ثبوته بالنص (٣) الذي لا سبيل إلى رده ، وقوة هذا ظاهرة.

وإلى هذين المبحثين أشار المصنف بقوله : ( وفي اشتراط قبولها ـ إلى قوله ـ إشكال ) ، إلاّ أن العبارة لا تخلو من مناقشة ، فإن المتبادر منها أن طرفي الإشكال اشتراط القبول والاكتفاء بقوله تزوجتك إلى أخره ، وليس كذلك ، بل كل منهما مسألة مستقلة فيها اشكال ، والطرف المقابل محذوف تقديره : وفي اشتراط قبولها وعدمه وكذا الأخرى.

الثالث : اختلف الأصحاب في اشتراط تقديم التزويج على العتق وعكسه ، وجواز كل منهما ، والمشهور بين الأصحاب اشتراط تقديم التزويج ، اختاره الشيخ في النهاية (٤) وجماعة من الأصحاب (٥) ، لرواية محمد بن آدم عن الرضا عليه‌السلام : في الرجل يقول لجاريته : قد أعتقتك وجعلت صداقك عتقك ، قال : « جاز العتق ، والأمر‌

__________________

(١) المقنعة : ٨٥.

(٢) الكافي في الفقه : ٣١٧.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ١٠٤٥.

(٤) النهاية : ٤٩٧.

(٥) منهم ابن البراج في المهذب ٢ : ٢٤٧ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٥٩.

١٢١

______________________________________________________

إليها إن شاءت زوجته نفسها وإن شاءت لم تفعل ، فإن زوجته نفسها فأجب له أن يعطيها شيئا » (١).

وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل قال لأمته : أعتقتك وجعلت مهرك عتقك فقال : « عتقت وهي بالخيار إن شاءت تزوجته وإن شاءت فلا ، فان تزوجته فليعطها شيئا ، وإن قال : قد تزوجتك وجعلت مهرك عتقك فإن النكاح واقع ولا يعطيها شيئا » (٢).

وفي دلالتهما على مطلوب الشيخ نظر ، لأن القول بالصحة على تقدير تقديم العتق إنما هو مع التصريح بلفظ التزويج ، هو منتف في الروايتين ، فإن قوله : أعتقتك وجعلت مهرك عتقك ليس فيه صيغة تزويج ، والمتنازع فيه ما إذا أتى بلفظ العتق والتزويج معا لكنه قدّم العتق ، وأحدهما غير الآخر.

وقال جماعة : إنه لو قدّم العتق على التزويج يقع لازما ، لأن هذا الكلام واحد ، والكلام انما يتم بآخره ، فلا يقع العتق بدون التزويج ، كما لو قال : أعتقك وعليك خدمة سنة فإنه يقع العتق ويلزم الخدمة. ولما رواه عبيد بن زرارة عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : رجل قال لجاريته : أعتقتك وجعلت عتقك مهرك ، قال : فقال : « جائز » (٣).

لا يقال : لا دلالة في الرواية على المطلوب ، لأن الجواب فيها الجواز والمتنازع فيه اللزوم ، ولأنها خالية عن ذكر التزويج ، فما دلت عليه لا قائل به.

لأنا نقول : المتعارف في مثل هذا الجواز إرادة الصحة ، لأن السؤال إنما هو عن حكم هذا العقد من حيث صحته وفساده ، فإذا أجيب بالجواز كان معناه الصحة لا محالة ، وهذا شائع شهير.

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٠١ حديث ٧٠٩ ، الاستبصار ٣ : ٢٠١ حديث ٧٥٩.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٦١ حديث ١٢٤٤ ، التهذيب ٨ : ٢٠١ حديث ٧١٠.

(٣) الكافي ٥ : ٤٧٦ حديث ٣ ، التهذيب ٨ : ٢٠١ حديث ٧٠٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٠٩ حديث ٧٥٧.

١٢٢

______________________________________________________

ولا ريب أنه يلزم من صحته أن يكون جائزا غير ممنوع منه ، ويمتنع أن يراد بالجواز التزلزل ، لأن النكاح على هذا التقدير غير متزلزل ، وإنما هو غير واقع أصلا. وأما خلوها عن لفظ التزويج فغير قادح ، لأن اعتبار لفظة ( أمر ) لا خفاء فيه ، ولعل السائل اعتمد على ظهوره واقتصر في السؤال على موضع الحاجة.

ورواية محمد بن مسلم السالفة (١) تضمنت لفظ العتق والتزويج معا ، فتكون شاهدا على ذلك ، وإلى هذا القول أشار المصنف بقوله : ( وقيل : لا خيار لها. ).

وذهب المفيد (٢) ، والشيخ في الخلاف (٣) الى اشتراط تقديم العتق. ويحكى عن ظاهر أبي الصلاح (٤) ، واختاره المصنف في المختلف (٥) ، لأن نكاح الأمة باطل. ويضعف بأن الكلام إنما يتم بآخره ، ولو لا ذلك لم يصح جعل العتق مهرا. ولأنه لو حكم بوقوعه بأول الصيغة امتنع اعتباره في التزويج المأتي به بعده ، فلا بد من الاعتراف بعدم الفرق بين التزويج والعتق ، وإلى هذا ذهب بعض المتأخرين من الأصحاب (٦).

فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال ، أصحها الأخير. ثم عد إلى عبارة الكتاب واعلم أن قوله : ( ولو قدّم العتق كان لها الخيار ) من تتمة قوله : ( ويلزم العقد إن قدم النكاح ) وما بينهما اعتراض.

فإن قيل : الذي يراد بأن لها الاعتراض في هذه الحالة ، مع أنه على القول بأن القبول شرط متى لم يقبل يثبت لها الخيار.

قلنا : المراد إن العتق به إذا قدّم نفذ برأسه ، فيبقى النكاح موكولا إلى رضاها وإن لم نقل باشتراط القبول.

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٠١ حديث ٧٠٦ ، الاستبصار ٣ : ٢٠٩ حديث ٧٥٦.

(٢) المقنعة : ٨٥.

(٣) الخلاف ٢ : ٢٠٨ مسألة ٢٢ كتاب العتق.

(٤) الكافي في الفقه : ٣١٧.

(٥) المختلف : ٥٧٣.

(٦) منهم الشهيد في اللمعة : ١٩٤.

١٢٣

ولو جعل ذلك في أمة الغير ، فإن نفذنا عتق المرتهن مع الإجازة فالأقرب هنا الصحة ، وإلاّ فلا.

______________________________________________________

فعلى هذا لو قدّم التزويج وقع لازما بنفسه ، بناء على أن القبول غير شرط. والحاصل أنه على المختار مجموع العتق والتزويج صيغة واحدة ، لا يترتب شي‌ء من مقتضياتها إلاّ على مجموعها.

وعلى اعتبار تقديم التزويج فالعتق والنكاح كل منهما صيغة برأسها منضمة إلى الأخرى ، فإذا قدّم التزويج امتنع نفوذه بدون العتق ، لأن عقده على مملوكته ممتنع ، وإن تقدّم العتق نفذ ، لانتفاء المانع فتصير حرة فتتخير في النكاح.

وقوله : ( وقيل : لا خيار ) الظاهر أنه القول الذي حكاه المصنف والمحقق ابن سعيد (١) عن بعض الأصحاب ، وهو التخيير في تقديم أي الأمرين كان من العتق والتزويج ، وهو القول الثالث فيما حكيناه.

وقد جعل الشارح الفاضل ولد المصنف (٢) هذا قول أبي الصلاح ، وليس بجيد ، لأن قول أبي الصلاح اشتراط تقديم العتق ، وجعل القولين واحدا خلاف ظاهر العبارة ، لأن عطف أحدهما على الآخر يقتضي تعادلهما وتباينهما ، وتعليله أيضا ينافي القول باشتراط تقديم العتق.

فإن اعتبار كونه تتمة الكلام ينافي اشتراط تقديم واحد ، لأن الصيغة حينئذ تكون واحدة ، نعم في حكاية المصنف لهذا القول قصور ، حيث جعل القول عدم الخيار على تقدير تقديم العتق ، وكان الأنسب أن يقول : وقيل لا يشترط تقديم شي‌ء منهما بعينه ليرتفع اللبس.

قوله : ( ولو جعل ذلك في أمة الغير ، فإن أنفذنا عتق المرتهن مع الإجازة فالأقرب هنا الصحة ، وإلاّ فلا ).

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٣١٢.

(٢) إيضاح الفوائد ٣ : ١٥٥.

١٢٤

______________________________________________________

الذي ورد به‌ النص (١) من إعتاق الأمة وتزويجها وجعل عتقها مهرها إنما هو في مملوكة المعتق ، أما مملوكة الغير فإن إعتاقها وتزويجها كذلك لا نص فيه بالصحة ولا بالفساد ، والبحث عن ذلك ينحصر في أمرين :

أحدهما : العتق ، ولا ريب أنه لا يقع نافذا بنفسه ، لأنها مملوكة الغير ولا متزلزلا ، فإن العتق لابتنائه على التغليب لا يتصور فيه ذلك ، فلم يبق إلاّ الحكم ببطلانه جزما ، أو التوقف في الحكم بصحته وبطلانه على وقوع الإجازة من المالك وعدمه ، فإن أجاز تبيّن نفوذه من حين وقوعه ، وإلاّ تبين عدمه.

وقد بنى المصنف الوجهين هنا على القولين في عتق المرتهن المملوك المرهون مع اجازة المولى ، لأن العتق في كل من الموضعين واقع على مملوك الغير ، فعلى القول بالبطلان في عتق المرتهن فلا شك في البطلان هنا ، وعلى القول بالصحة فيه ففي صحة العتق هنا وجهان ، الأقرب منهما عند المصنف الصحة.

ووجه القرب أن العتق من القرب التي اشتدت عناية الشارع بها ، وهو مبني على التغليب ، ولا مانع منه إلاّ حق الغير ، وهذا المانع زائل بالإجازة.

والثاني : العدم وإن قلنا بالصحة هناك ، والفرق من وجهين :

أحدهما : إن علاقة الرهن في معنى علاقة الملك ، لأنها تثبت للمرتهن سلطانا على المرهون ، فيمكن أن يكون ذلك مصححا للعتق مع الإجازة وهي منتفية هنا.

والآخر : إنه قد جعل عتق مملوكة الغير مهرا لنكاحها ، وفي صحة جعل بعض مال الغير أو كله مهرا للنكاح بالإجازة من المالك منع ظاهر ، وهذا منتف في عتق المرتهن ، فعلى هذا الأصح البطلان هنا وإن قلنا بالصحة هناك.

الثاني : حكم النكاح ولم يتعرض المصنف إليه ، لظهور حكمه ، وجملة الأمر فيه‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٠١ حديث ٧٠٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٠٩ حديث ٧٥٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٢١ حديث ٢٠٥٤ ، سنن البيهقي ٧ : ١٢٨.

١٢٥

______________________________________________________

إنه إذا وقع مستكملا للإيجاب والقبول المعتبرين كان نكاحا فضوليا يتوقف على اجازة المالك ، فيصح معها ويبطل بالرد.

ولا يؤثر فيه بطلان العتق ، لأن فساد المهر لا يقتضي فساد النكاح. نعم متى حكمنا ببطلان العتق فلا بد لصحة النكاح من كون العاقد بحيث يسوغ له نكاح الأمة.

واعلم أن قول المصنف : ( فالأقرب هنا الصحة ) يريد به ترجيح الصحة ، تفريعا على القول بنفوذ عتق المرتهن مع الإجازة ، لا الترجيح للحكم في نفسه بحسب الواقع ، وهو ظاهر.

وقوله : ( وإلاّ فلا ) معطوف على الجملة الشرطية قبله وهي قوله : ( فإن أنفذنا. ) ومعناه : انا إذا لم ننفذ عتق المرتهن مع الإجازة لا نصحح العتق هنا ، ثم تنبه لشي‌ء وهو : إن الشارح الفاضل بنى الحكم في المهر هنا ـ وهو العتق ـ على مقدمتين : إحداهما عتق المرتهن ، والأخرى أن المجعول عتقها مهرا هل المهر هو العتق ابتداء ، أو هو تمليكها لرقبتها ويتبعه العتق ، كما لو تزوج جارية غيره وجعل أبا سيدها المملوك مهرا لها ، فإنه إذا أجاز السيد النكاح دخل أبوه في ملكه فانعتق عليه.

والذي يقتضيه صحيح النظر صادق التأمل أن هذا ليس من مسألتنا في شي‌ء ، لأن العتق في هذا الفرض واقع بلفظ صريح وعبارة تخصه ، وليس من الأمور الحاصلة بالتبعية في شي‌ء ، ومع ذلك فصريح اللفظ أن المهر حقيقة هو العتق ، والتعبير بتمليك الجارية رقبتها من الأمور المجازية كما حققناه.

وقد أبطله الشارح في كلامه قبل هذا ، فكيف يجعله هنا مقدمة للحكم في هذه المسألة.

لا يقال : إنه إنما بنى عليه على زعمهم وإن كان غير صحيح في نفسه.

لأنا نقول : قد بينا أنهم لا يريدون بذلك إلاّ المجاز ، فلا يعتد بهذا البناء.

١٢٦

والأقرب جواز جعل عتق بعض مملوكته مهرا ، ويسرى العتق خاصة.

______________________________________________________

قوله : ( والأقرب جواز جعل عتق بعض مملوكته مهرا ويسري العتق خاصة ).

المنصوص هو ما إذا تزوج مملوكته وأعتقها وجعل عتق جميعها صداقها ، والمفروض هنا هو ما إذا تزوجها وأعتق نصفها وجعل عتق النصف صداقها ، وفي صحة النكاح والعتق كذلك وجهان ، أقربهما عند المصنف الصحة. أما العتق في نفسه فإنه يصح إيقاعه على البعض وعلى الكل من غير تفاوت.

ولا يتخيل مانع إلاّ ضمه إلى النكاح ، ومانعية ذلك منتفية بالأصل. وأما جعل عتق البعض مهرا فإنه لا فرق بينه وبين جعل عتق الجميع مهرا ، إذ لا فرق بين جعل جميع الجارية مهرا ، وبين جعل بعضها ، إما على الانفراد أو مع ضميمة شي‌ء آخر ، فكما أنه لا فرق بين الكل والبعض في الثاني فكذا لا فرق في الأول وأما التزويج فإن صحته دائرة مع صحة العتق ، فمتى حكم بصحة عتق البعض سرى إلى الجميع فصح النكاح.

والثاني : العدم ، لأن الحكم في هذا الباب بالنسبة إلى العتق والنكاح ثبت على خلاف الأصل مع قيام المانع لو لا النص المستفيض ، فيجب الاقتصار فيه على الصورة المنصوصة اقتصارا في المخالفة على مورد النص ، وهذا أقوى.

وقول المصنف : ( ويسري العتق خاصة ) يريد به ثبوت السراية لا محالة ، لأنه قد باشر عتق بعضها ، والسراية ثابتة في كل موضع تحققت مباشرة عتق شي‌ء من المملوك ، لعموم قوله عليه‌السلام : « من أعتق شقصا من عبد سرى عليه العتق » (١). ولو لا الحكم بالسراية لم يصح النكاح ، لأن ملكه للبعض يمنع صحة النكاح.

__________________

(١) سنن البيهقي ١٠ : ٢٧٥.

١٢٧

ولو كان بعضها حرا فجعل عتق نصيبه مهرا صح ، ويشترط هنا القبول قطعا.

______________________________________________________

وأشار بقوله : ( خاصة ) إلى أن السراية إنما هي للعتق دون المهر فتصير جميعها حرا ، والمهر هو النصف خاصة ، وفائدة ذلك تظهر فيما إذا طلقها قبل الدخول فإن ربعها يرجع رقا في قول ، وفي قول آخر تسعى في قيمة الربع.

واعلم أن الشارح الفاضل ذكر هنا أنه على قول من يقول إن المهر هو تمليك الجارية رقبتها تتملك نصف رقبتها وينعتق عليه ولا سراية هنا بل تسعى في قيمة نصفها (١) ، وما ذكره غير موجه.

أما أولا ، فلأن جعل المهر هنا تمليك الجارية رقبتها أمر لا حقيقة له وقد بيّنا ما فيه.

وأما ثانيا ، فلأنه على هذا التقدير يجب أن لا يصح النكاح ، لأن تزويج السيد بأمته غير جائز قطعا ، وعلى هذا التقدير يبقى نصفها رقا حقيقة ، وعتقه موقوف على السعي. وإنما يكون ذلك مع نفوذ العتق في النصف ، وإنما ينفذ مع صحة التزويج ، وعلى هذا فيلزم صحة نكاح السيد لأمته ، وهو معلوم البطلان. وإنما صححناه في صورة كون عتق الجميع مهرا ، لأن التزويج والعتق يقعان معا كما تقدم.

قوله : ( ولو كان بعضها حرا فجعل عتق نصيبه مهرا صح ، فيشترط هنا القبول قطعا ).

أي : لو كان بعض المملوكة حرا فأعتق السيد نصيبه منها ، وتزوجها وجعل عتق النصيب مهرا صح ، وذلك لأنه إذا صح العتق والتزويج في الأمة المحضة ففي التي بعضها حر أولى ، لأن الملك مانع من التزويج ، وإنما صح في الأمة المحضة على‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ١٥٧.

١٢٨

ولو كانت مشتركة مع الغير ، فتزوجها وجعل عتق نصيبه مهرا ، فالأقرب الصحة ، ويسري العتق. ولا اعتبار برضى الشريك ،

______________________________________________________

خلاف الأصل.

ولا ريب أن المانع في المبعضة أضعف منه في المحضة ، فحيث دلت النصوص (١) على الثبوت مع المانع الأقوى فمع الأضعف أولى ، لكن هنا يشترط القبول قطعا ، نظرا إلى أن بعض الحر لا سلطنة للمولى عليه.

فثبوت النكاح بالنسبة إليه يتوقف على رضاها ، لكن ينبغي أن يكون المعتبر وقوعه منها هو الإيجاب ليتحقق العقد بكماله.

ولعل المصنف عبّر عنه بالقبول مجازا ، وحاول بتقديم قوله : ( هنا ) على ( القبول ) التنبيه على أن اشتراط القبول في هذه المسألة مقطوع به ، بخلاف ما تقدم.

واعلم أن دعوى الأولوية في الفرض المذكور محل نظر ، فإن لقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يكون المقتضي لصحة ذلك في الأمة المحضة معنى موجود هناك خاصة ، مثل أن يكون التزويج بالأمة على هذا الوجه ملحوظا فيه أنه في معنى استثناء حل الوطء من مقتضيات عتقها وما جرى هذا المجرى ، وذلك منتف في الفرض المذكور ، وقد كان قبل هذا العقد حراما ، فيستصحب الى أن يثبت السبب المقتضي للحل شرعا.

قوله : ( ولو كانت مشتركة مع الغير ، فتزوجها وجعل عتق نصيبه مهرا ، فالأقرب الصحة ويسري العتق ولا اعتبار برضى الشريك ).

لو كانت الأمة مشتركة بين اثنين فصاعدا ، فتزوجها أحدهما وأعتق نصيبه وجعل عتق نصيبه مهرا ففي صحة ذلك وجهان :

أقربهما عند المصنف الصحة ، وجه القرب وجود المقتضي وانتفاء المانع ، أما‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٠١ حديث ٧٠٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٠٩ حديث ٧٥٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٢١ ، سنن البيهقي ٧ : ١٢٨.

١٢٩

______________________________________________________

المقتضي بالنسبة إلى العتق فظاهر ، فإن مباشرة عتق نصيبه يقتضي وقوع العتق عليه قطعا ، ويسري العتق إلى باقيها بمقتضى النصوص المنقولة في هذا الباب (١) ، فيحصل عتق جميعها في زمان واحد.

لكن إنما يتم هذا إذا قلنا بعدم توقف السراية على الأداء ، سواء قلنا بأن العتق يحكم به بدون الأداء أو قلنا بأنه كاشف.

أما إذا قلنا بأنه يتوقف عليه تأثيرا فلا يستقيم الحكم بصحة النكاح لتحقق وقوع العقد على مملوكة الغير فيكون فضوليا فلا يقع العتق ، لأنه إنما يقع مع وقوع النكاح صحيحا ، لأنه مهر فتبطل السراية ، فليتأمل ذلك ولينظر قول الشارح الفاضل (٢) بالصحة على القول باعتبار الأداء إذا أدى.

وأما المقتضي بالنسبة إلى التزويج فهو العقد الصادر من أهله في محله.

أما الأول ، فلأن المفروض أن المولى أهل لإنشاء عقد النكاح.

وأما الثاني ، فلأن إيقاع العقد على التي قد وجد سبب حريتها وصارت بحكم الحرة ، بحيث ان تزويجها وحريتها يثبتان دفعة واحدة ، صحيح على ما سبق بيانه في أول المباحث فيكون محلا للعقد لا محالة.

وأما انتفاء المانع فلأنه ليس إلاّ شركة الغير ، وهي غير صالحة للمانعية ، لأنها زائلة بالسراية. وبهذا البيان يظهر أنه لا يعتبر رضى الشريك حيث ان شركته زائلة ، أما رضاها فإن اعتباره دائر مع اعتبار رضى المملوكة غير المشتركة ، فإن اعتبرناه ثم اعتبر هنا ، وإلاّ فلا ، لأن هذه في معنى المملوكة ، إذ السراية فرع انتقال حصة الشريك الى المعتق.

وما قيل من أنه على تقدير عدم اعتبار رضاها يلزم الدور ، لأن صحة النكاح‌

__________________

(١) سنن البيهقي ١٠ : ٢٧٥.

(٢) إيضاح الفوائد ٣ : ١٥٨.

١٣٠

وكذا لا اعتبار برضاه لو جعل الجميع مهرا ، أو جعل نصيب الشريك خاصة.

ولو أعتق جميع جاريته وجعل عتق بعضها مهرا أو بالعكس ، صح الجميع.

______________________________________________________

يكون بسبب العتق وسببه ضعيف ، لأن الصيغة سبب فيهما معا ويقعان دفعة.

والثاني من الوجهين عدم الصحة ، لأنه خروج عن صورة النص.

وفي بعض المقدمات السابقة نظر ، فإن كون الشركة محلا للعقد في محل المنع ، فكيف يعتد بالعقد على أمة الغير مع طروء المزيل للملك بتمام العقد ، والمتجه عدم الصحة. ويناسب أن يكون قول المصنف : ( ويسري العتق ) بعد قوله : ( فالأقرب الصحة ) إشارة إلى المصحح ، لأن الحكم بالصحة إنما يكون بعد تحقق السريان ، فلا معنى للتعرض لبيانه بالاستقلال بعد الحكم بالصحة.

قوله : ( وكذا لا اعتبار برضاه لو جعل الجميع مهرا ، أو جعل نصيب الشريك خاصة ).

أي : كما أنه لا اعتبار برضى الشريك في الصورة السابقة ، وهي ما إذا أعتق حصته وجعل عتقها مهرا للنكاح ، فكذا لا اعتبار برضاه لو أعتق حصته وتزوج الأمة وجعل عتق الجميع مهرا لها ، أو جعل عتق حصة الشريك خاصة مهرا ، وذلك لأن المجعول مهرا إنما يصير كذلك إذا كمل العقد ، وفي ذلك الوقت يتحقق انتقال حصة الشريك إلى المعتق ، ولا يكون لاعتبار رضاه وجه أصلا.

قوله : ( ولو أعتق جميع جاريته وجعل عتق بعضها مهرا أو بالعكس صح الجميع ).

هاتان صورتان مغايرتان لمورد النص :

إحداهما : أن يعتق جميع مملوكته ويجعل عتق بعضها كنصفها مهرا لنكاحها ، بحيث يأتي بالصيغة المعتبرة في ذلك بكمالها.

١٣١

وليس الاستيلاد عتقا وإن منع من بيعها ، لكن لو مات مولاها عتقت من نصيب ولدها ، فإن عجز النصيب سعت في الباقي.

وقيل : يلزم الولد السعي ،

______________________________________________________

والثانية : أن يعتقها ويتزوجها ويجعل عتق جميعها بعض المهر ، بأن يضمه إلى شي‌ء آخر كثوب وشبهه ، وهذه هي التي أشار إليها بقوله : ( أو بالعكس ) وقد حكم بالصحة فيهما معا.

أما الأولى فلأنه كما يجوز أن يكون جميع الأمة وبعضها مهرا لغيرها ، فكذا يجوز أن يكون عتق جميعها وبعضها مهرا لها من غير تفاوت.

وأما الثانية ، فلأنه كما يجوز جعلها مهرا يجوز جعلها بعض المهر ، لأن المهر يقبل الكثرة والقلة. ويحتمل عدم الصحة ، لأن الحكم في هذا الباب يثبت على خلاف الأصل فيقتصر فيه على مورد النص (١).

فائدة : إذا قلنا بالبطلان في هذه الصورة ، فما حال العتق؟ الذي يقتضي النظر بطلانه ، لأنه لم يعتقها مجانا قطعا ، بل على أنها زوجة ، وأن العتق مهرها وقد فات ذلك فيمتنع نفوذه وحده ، لأنه خلاف مقصوده ، ولأن في ذلك ضررا ظاهرا له.

قوله : ( وليس الاستيلاد عتقا وإن منع من بيعها ، لكن لو مات مولاها عتقت من نصيب ولدها ، فإن عجز النصيب سعت في الباقي ، وقيل يلزم الولد السعي ).

لا ريب أن استيلاد الأمة المملوكة ليس عتقا لها وإن منع من بيعها ، فإنه لا يجوز بيع أم الولد ما دام الولد حيا اتفاقا إلاّ في مواضع مستثناة في كلام الفقهاء ، لكن لو مات المولى عتقت من نصيب ولدها ، وذلك لأنها بدخول بعضها في ملكه بالإرث حيث يكون معه وارث آخر يقوّم عليه من نصيبه ويعتق ، وسيأتي بيان ذلك كله في‌

__________________

(١) انظر : التهذيب ٨ : ٢٠١ حديث ٧٠٧ ، سنن ابي داود ٢ : ٢٢١ حديث ٢٠٥٤ ، سنن البيهقي ٧ : ١٢٨.

١٣٢

فإن مات ولدها وأبوه حي عادت الى محض الرق وجاز بيعها ،

______________________________________________________

موضعه إن شاء الله تعالى. هذا إذا وفّى النصيب بقيمتها.

فإن عجز النصيب فلأصحاب قولان :

أحدهما ـ : وإليه ذهب الأكثر كالمفيد (١) ، وابن إدريس (٢) ، والمصنف ـ أنها تستسعى في الباقي من قيمتها لمن عدا الولد ، ولا يجب على الولد السعي ، لانتفاء المقتضي.

والثاني : ـ واختاره ابن حمزة (٣) ـ أنه يجب عليه السعي ، وقريب منه قول الشيخ في المبسوط فإنه أوجب على الولد فكها من ماله (٤) ، وقال في النهاية بوجوب السعي على الولد إذا كان ثمنها دينا على مولاها ولم يخلف غيرها (٥). وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق المسألة ودلائلها ، وبيان أن الأصح من القولين هو الأول.

فإن قيل : ليست هذه المسألة من هذا الباب في شي‌ء ، فأي وجه لذكرها ، ثم أي وجه لذكرها في دليل عتق الأمة وتزويجها وجعل عتقها مهرها.

قلنا : إنه إنما ذكرها هنا ليبني عليها ما سيأتي من قوله : ( ولو كان ثمنها دينا. ) فإن هذه من مسائل الباب وهي من مسائل الاستيلاد ، فيناسب أن يذكر حكم الاستيلاد أولا ليكون مقدمة لذلك.

قوله : ( فإن مات ولدها وأبوه حي عادت إلى محض الرق وجاز بيعها ).

تطابق النص (٦) والإجماع هنا على أن أم الولد إذا مات ولدها وأبوه حي عادت‌

__________________

(١) المقنعة : ٩٣.

(٢) السرائر : ٣٤٨.

(٣) الوسيلة : ٤٠٨.

(٤) المبسوط ٦ : ١٨٥.

(٥) النهاية : ٥٤٧.

(٦) التهذيب ٨ : ٢٠٦ حديث ٧٢٨.

١٣٣

ويجوز أيضا بيعها في ثمن رقبتها إذا لم يكن لمولاها سواها.

وقيل : لو قصرت التركة عن الديون بيعت فيها بعد موت مولاها ، وإن لم يكن ثمنا لها ،

______________________________________________________

الى محض الرق ، وإنما قيد بكون أبيه حيا ، لأن موت أبيه بعد موت ابنه لا يؤثر شيئا ، لأنها تعتق على الولد إذا مات أبوه كما علم.

وأراد بقوله : ( عادت إلى محض الرق ) انقطاع العلاقة التي تشبثت بها ، على أن يكون وسيلة إلى العتق اعني الاستيلاد ، فإنها وإن كانت مع هذه العلاقة رقيقة محضة إلاّ أنها لتشبثها بسبب الحرية كأنها حرة وأن رقيتها صارت ضعيفة ، وحينئذ فيجوز بيعها.

قوله : ( ويجوز أيضا بيعها في ثمن رقبتها إذا لم يكن لمولاها سواها ، وقيل : لو قصرت التركة عن الديون بيعت فيها بعد موت مولاها وإن لم يكن ثمنا لها ).

أجمع الأصحاب على أن أم الولد تباع في ثمن رقبتها إذا كان دينا على مولاها ولم يكن له سواها ، والأخبار في ذلك كثيرة. روى عمر بن يزيد عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن أم الولد تباع في الدين؟ قال : « نعم في ثمن رقبتها » (١).

وعن أبي إبراهيم عليه‌السلام وقد سئل لم باع أمير المؤمنين عليه‌السلام أمهات الأولاد؟ قال : « في فكاك رقابهن » ، قيل : وكيف ذاك؟ قال : « أيما رجل اشترى جارية فأولدها ، ثم لم يؤد ثمنها ولم يدع من المال ما يؤدى عنه ، أخذ ولدها منها وبيعت فأدى عنها » ، قلت : فيبعن فيما سوى ذلك من دين؟ قال : « لا » (٢).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٩٢ حديث ٢ ، التهذيب ٨ : ٢٣٨ حديث ٨٥٩.

(٢) الكافي ٦ : ١٩٣ حديث ٥ ، الفقيه ٣ : ٨٣ حديث ٢٩٩ ، التهذيب ٨ : ٢٣٨ حديث ٨٦٢.

١٣٤

ولو كان ثمنها دينا فأعتقها وجعل عتقها مهرها وتزوجها وأولدها وأفلس به ومات صح العتق ، ولا سبيل عليها ولا على ولدها على رأي.

وتحمل الرواية بعود الرق على وقوعه في المرض.

______________________________________________________

والقول المحكي في العبارة قول ابن حمزة (١) ، وهو ضعيف ، وفي الرواية المتقدمة تصريح بذلك (٢).

قوله : ( ولو كان ثمنها دينا فأعتقها وجعل عتقها مهرها وتزوجها وأولدها وأفلس به ومات صح العتق ، ولا سبيل عليها ولا على ولدها على رأي ، وتحمل الرواية بعود الرق على وقوعه في المرض ).

ما اختاره المصنف هو اختيار ابن إدريس (٣) ، والمحقق ابن سعيد (٤) ، وجمع من المتأخرين (٥) ، وهو الأصح ، لأن العتق والتزويج صدرا من أهلهما في محلهما ، فوجب الحكم بصحتهما وعدم الالتفات الى ما يدل على خلاف ذلك ، فإن ذلك من الأمور القطعية التي تشهد له الأصول الفقهية ، وكذا القول بحرية ولدها وكونه نسبا.

وذهب الشيخ في النهاية إلى بطلان العتق وعودها رقا لمولاها الأول وان ولدها رق (٦) ، وهو اختيار ابن الجنيد (٧) ، وابن البراج (٨).

__________________

(١) الوسيلة : ٤٠٨.

(٢) الكافي ٦ : ١٩٢ حديث ٢ ، التهذيب ٨ : ٢٣٨ حديث ٨٥٩.

(٣) السرائر : ٣٤٦.

(٤) الشرائع ٢ : ٣١٢.

(٥) انظر : إيضاح الفوائد ٣ : ١٥٩ ، التنقيح الرائع ٣ : ١٥٨.

(٦) النهاية : ٥٤٤.

(٧) نقله عنه فخر المحققين في الإيضاح ٣ : ١٥٩.

(٨) المهذب ٢ : ٣٦١.

١٣٥

______________________________________________________

والمستند صحيحة هشام بن سالم عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر في رجل باع من رجل جارية بكرا إلى سنة ، فلما قبضها المشتري من الغد أعتقها وتزوجها وجعل عتقها مهرها ، ثم مات بعد ذلك بشهر فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إن كان الذي اشتراها إلى سنة له مال أو عقدة تحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها فإن عتقه ونكاحه جائز ، وإن لم يملك مالا أو عقدة تحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها فإن عتقه ونكاحه باطل لأنه أعتق ما لا يملك ، وأرى أنها رق لمولاها الأول » ، قيل له : فإن كانت قد علقت من الذي أعتقها وتزوجها ما حال الذي في بطنها فقال : « الذي في بطنها مع أمه كهيئتها » (١).

وهذه الرواية وإن كانت صحيحة الإسناد ، إلاّ أنها مخالفة لأصول المذهب ، مشتملة على ما ينافي جملة من الأمور المقطوع بها ، فحقها أن يعدل بها عن ظاهرها ويجمع بينها وبين الأصول المنافية لها ، وقد حملها المصنف هنا على وقوع العتق والنكاح في مرض الموت ، فإن الأصح عدم صحته إذا لم يكن هناك تركة يفي ثلثها به فترجع رقا وتبيّن بطلان النكاح.

وإنما قلنا إنه حملها على ذلك فإن الضمير في ( وقوعه ) ليس له مرجع إلاّ المذكور ، وهو العتق والتزويج ولفظة ( عود الرق ) في كلامه يشعر باختصاصه بالأم ، لأنه لم يسبق للولد حالة رق ليعود إليها.

وهذا الحكم وإن لم يكن بعيدا من لفظ الرواية ، إلاّ أن الشارح الفاضل السيد قد اعترضه بأن الرواية اقتضت عود ولدها رقا كهيئتها ، وهو مناف لمذهب المصنف ، لأن بطلان العتق والنكاح لا يقتضي عود الولد رقا ، غاية ما في الباب أنها تباع في الدين.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٩٣ حديث ١ ، التهذيب ٨ : ٢٠٢ حديث ٧١٤ ، الاستبصار ٤ : ١٠ حديث ٢٩.

١٣٦

______________________________________________________

قلت : وعلى هذا ففي الحمل قصور آخر ، وهو أن الرواية دلت على عودها رقا للبائع ، ومقتضى الحمل جواز بيعها في دينه لا عودها في ملكه.

وقد اعتذر الشارح الفاضل ولد المصنف في الولد بأن الرواية لا تدل على رقه ، لأن قوله عليه‌السلام : « مع أمه كهيئتها » لا يدل على الرق بشي‌ء من الدلالات ، لأنه صادق حال حرية امه ظاهرا في الظاهر ، والحر المسلم لا يصير رقا (١).

وردّه شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد بأنه كلام على النص ، فإن المفهوم من قوله : « كهيئتها » ليس إلاّ أن حكمه حكمها حال السؤال ، وقد حكم قبل ذلك بأنها رق فيكون الولد رقا ، فهو يدل على رقية الولد بالمطابقة لأنه موضوعه ، وتجويز مثل هذا التأويل يمنع التمسك بجميع النصوص.

والحق أن ما ذكره الشارح بعيد عن ظاهر الرواية (٢) ، وزاد شيخنا أن ولد المصنف أطلق الشراء ولم يقيّده بكونه نسيئة ، وينبغي تقييده ليطابق الرواية.

وفي المختلف حمل الرواية على وقوع الشراء والعتق والتزويج في المرض (٣) ، واعترضه شيخنا بأن وقوع الشراء في المرض لا مدخل له في الحكم ، بل المدخل للعتق ، فيكون ذكره مستدركا.

ولقائل أن يقول : إنّ عودها إلى البائع في الصورة المذكورة لا بد له من مقتض ، فإذا نزّلت على كون الشراء في المرض ، وأنه بأزيد من ثمن المثل بطل في البعض ، فإذا فسخ البائع لتبعض الصفقة عادت إلى ملكه ، وحمله بعضهم على فساد البيع وعلم المشتري به فإنه يكون زانيا (٤).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ١٦٠.

(٢) الكافي ٦ : ١٩٣ حديث ١ ، التهذيب ٨ : ٢٠٢ حديث ٧١٤.

(٣) المختلف : ٦٢٦.

(٤) انظر : التنقيح الرائع ٣ : ١٥٧.

١٣٧

______________________________________________________

وردّ بأن في الرواية انه إذا خلّف ما يقوم بقضاء ما عليه يكون العتق والنكاح صحيحين.

واعلم أن قول المصنف في العبارة ( وأفلس به ) المراد به أنه لا يوجد في ماله وفاء من غير أن يفلس.

و ( العقدة ) في الرواية المراد به العقار ونحوه.

قال في القاموس : العقدة بالضم : الضيعة والعقار الذي اعقده صاحبه ملكا (١).

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ٣١٦ « عقد ».

١٣٨

المطلب الثاني : في البيع :

إذا بيع أحد الزوجين تخيّر المشتري على الفور في إمضاء العقد وفسخه ، سواء دخل بها أو لا ، وسواء كان الآخر حرا أو لا ، وسواء كانا لمالك واحد أو كل واحد لمالك.

ويتخيّر مالك الآخر إن كان مملوكا لو اختار المشتري الإمضاء فيه وفي الفسخ على الفور أيضا ، سواء كان هو البائع أو غيره.

وقيل : ليس لمشتري العبد فسخ نكاح الحرة.

______________________________________________________

قوله : ( المطلب الثاني : في البيع : إذا بيع أحد الزوجين تخيّر المشتري على الفور في إمضاء العقد وفسخه ، سواء دخل أو لا ، وسواء كان الآخر حرا أو لا ، وسواء كانا لمالك واحد أو كل واحد لمالك. ويتخير مالك الآخر إذا كان مملوكا لو اختار المشتري الإمضاء فيه ، وفي الفسخ على الفور أيضا ، سواء كان هو البائع أو غيره ، وقيل : ليس لمشتري العبد فسخ نكاح الحرة ).

أي : إذا بيع أحد الزوجين المملوك ، سواء كانا مملوكين أو أحدهما خاصة ، وسواء بيع الآخر أم لا ، تخيّر المشتري تخيرا على الفور في إمضاء العقد وفسخه ، سواء حصل البيع قبل الدخول أو بعده ، وسواء كانا لمالك واحد أو كان كل واحد لمالك ، أو كانا مشتركين أو أحدهما.

وكما يتخيّر المشتري على الفور كذا يتخيّر مالك الآخر إذا كان مملوكا تخيرا على الفور ، ولو اختار المشتري إمضاء النكاح أو لم يتخير شيئا بقي خياره أو سقط ، سواء كان المالك الآخر هو البائع بأن كانا مملوكين له أو مالكا آخر ، سواء تجدد شراؤه أو كان مالكا وقت النكاح ، فها هنا أحكام :

١٣٩

______________________________________________________

الأول : أطبق الأصحاب على أن بيع الأمة المزوجة كالطلاق ، على معنى أنه سبب في التسلط على فسخ النكاح وإمضاؤه للمشتري ، سواء كان الزوج حرا أم لا. وكذا مالك العبد ، سواء كان هو البائع أو غيره.

وكذا أطبقوا على أن بيع العبد المزوج كالطلاق ، على معنى ثبوت الخيار للمشتري ولمالك الأمة كما قررناه ، إلاّ إذا كانت الزوجة حرة ، فإن في ثبوت الخيار هنا قولين (١) ، والأصل في ذلك ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليه‌السلام قال : « طلاق الأمة بيعها أو بيع زوجها » (٢) والمراد أنه كالطلاق في أنه تترتب عليه البينونة بالفسخ ، من حيث انه مثبت للخيار على حد قوله : بنونا بنو أبنائنا وبناتنا.

فلا يرد ما قيل : إنه يلزم على الحديث انحصار الطلاق في بيع أحدهما ، من حيث ان المبتدأ يجب انحصاره في الخبر ، وغير ذلك من الأخبار.

ولأن بقاء النكاح مظنة تضرر المالكين ، وليس لهما طريق إلى التخلص من الضرر ، إلاّ أن التسليط على فسخ النكاح وإطلاق النص شامل لما إذا كان البيع قبل الدخول وبعده ، ولما إذا كان الزوجان مملوكين أو أحدهما ، ولما إذا كانا لمالك واحد أو أكثر ، ولما إذا بيعا معا أو على التعاقب أو أحدهما خاصة ، ولمقتضى الإطلاق يلزم ثبوت الخيار لكل من المالكين بالبيع ، من حيث انه عليه‌السلام حكم بكونه طلاقا وأطلق.

الثاني : هذا الخيار على الفور اقتصارا في المخالف للأصل على ما به تندفع الضرورة ، فلو أخر لا لعذر سقط الخيار ، ولو جهل أصل الخيار لم يقدح ، لأنه معذور بالتأخير ، ولأن الحكم بالخيار مما يخفى على أكثر الناس ، فلو كان التأخير للجهل‌

__________________

(١) القول الأول : ثبوت الخيار ذهب اليه الشيخ في النهاية ٤٧٧ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ٢١٧ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٦٢.

القول الثاني : عدم ثبوت الخيار ذهب اليه ابن إدريس في السرائر : ٣٠٥.

(٢) الكافي ٥ : ٤٨٣ حديث ٤ ، الفقيه ٣ : ٣٥١ حديث ١٦٨١.

١٤٠