جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٤

وهل تعتبر الشروط حالة الوصية أو الوفاة؟ خلاف أقر به الأول. فلو أوصى إلى طفل أو مجنون أو كافر ، ثم مات بعد زوال الموانع فالأقرب البطلان.

______________________________________________________

قوله : ( وهل تعتبر الشروط حالة الوصية أو الوفاة؟ خلاف أقربه الأول ، فلو أوصى إلى طفل أو مجنون أو كافر ، ثم مات بعد زوال المانع فالأقرب البطلان ).

أي : هل تعتبر الشروط المعتبرة لصحة الوصية من التكليف والإسلام والحرية والعدالة عند الإيصاء؟ أو يكفي تحققها عند الوفاة ، فتصح الوصية إلى صبي تحقق بلوغه قبل موت الموصي ونحوه؟ فيه قولان للأصحاب :

أحدهما : ـ وهو مقرب المصنف ـ الأول ، لأن الشرائط إذا انتفت عند الوصية لم يكن إنشاء العقد صحيحا ، ولا بد أن يكون شرط الصحة سابقا على إنشاء العقد كما في سائر العقود. ولأنه في وقت الوصية ممنوع من التفويض إلى من ليس بالصفات ، والنهي في المعاملات إذا توجه إلى ركن العقد دل على الفساد. ولأنه يجب في الوصي أن يكون بحيث متى مات الموصي كان بصفات الوصاية ، والمتنازع فيه بخلاف ذلك ، إذ لو مات الموصي في الحال لم يكن أهلا للوصاية ، وهذا أصح ، واختاره ابن إدريس (١).

والثاني : الاكتفاء بوجودها حال الوفاة حتى لو أوصى إلى من ليس بأهل ، فاتفق حصول صفات الأهلية قبل الموت صحت ، لأن المقصود بالتصرف هو ما بعد الموت ـ وهو محل الولاية ـ ولا حاجة إلى وجود الصفات.

ويضعف بأنه إذا لم يكن في وقت إنشاء العقد أهلا وقع العقد فاسدا ، ولا نسلّم أن محل الولاية بعد الموت ، بل الولاية ثابتة حال الوصية ، وتأخر التصرف إلى الموت ، لأنه متعلق الوصية والولاية. وقد حققنا أن الخلاف إنما هو في اشتراط ثبوت الأمور‌

__________________

(١) السرائر : ٣٧١.

٢٨١

المطلب الثاني : في الأحكام : الوصية بالولاية كالوصية بالمال في أنها عقد جائز لكل من الموصي والوصي الرجوع فيه ، لكن الوصي إذا قبل الوصية لم يكن له الرد بعد وفاة الموصي ، وله الرد في حال حياته ، فإن بلغه الرد صح ، وإلاّ بطل ولزمه حكم الوصية ، فإن امتنع أجبره الحاكم على القيام بها.

______________________________________________________

المذكورة حين الوصية والوفاة وبعدها ما دام وصيا ، والاكتفاء بثبوتها حين الوفاة وما بعدها ، فلا يتوهم أن المراد على القول الأول وجودها حين الوصية خاصة ، وعلى الثاني حين الوفاة خاصة ، وهو ظاهر.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لو أوصى إلى طفل أو مجنون أو كافر ، ثم زال المانع قبل الموت ، فعلى القول الأول لا تصح الوصية ، وعلى الثاني تصح. ولما كان الأول هو الأقرب ، كان البطلان هنا أقرب.

قوله : ( الوصية بالولاية كالوصية بالمال في أنها عقد جائز ، لكل من الموصي والوصي الرجوع فيه ، لكن الوصي إذا قبل الوصية لم يكن له الرد بعد وفاة الموصي ، ولو ردّ في حال حياته ، فإن بلغه الرد صح ، وإلاّ بطل ولزمه حكم الوصية ، فإن امتنع أجبره الحاكم على القيام بها ).

الوصية بالولاية عقد جائز ، فللموصي الرجوع في وصيته متى شاء ، كما أن له الرجوع في وصيته بالمال. قال في التذكرة : ولا نعلم فيه خلافا ، فيجوز له الاستبدال بالموصى إليه وتخصيص ولايته وتعميمها وإدخال غيره معه ، وإخراج من كان معه (١).

وأما الوصي فله قبول الوصية وعدم قبولها ـ أعني ردّها قبل القبول. ويصح‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥١٤.

٢٨٢

ولو لم يقبل الوصية ابتداء ، أو لم يعلم بها حتى مات الموصي ففي إلزامه بها نظر.

______________________________________________________

القبول منه في حياة الموصي ، لأنها اذن في التصرف ، فصح قبوله وإن تأخر وقته ، كما في التوكيل مع تأخير التصرف ، بخلاف الوصية بالمال ، لأنها تمليك بعد الوفاة ، فلا أثر للقبول قبل الوقت.

وكما يصح القبول في حياة الموصي يجوز تأخيره إلى موته ، لأن الوصية عقد جائز ، فلا يشترط في قبولها الفور ، ومتى قبل الوصية لم يكن له الرد بعد وفاة الموصي ، بل تصير لازمة. وكذا لو رد في حال حياته فلم يبلغه الرد.

ويظهر من كلام التذكرة أن هذا الحكم إجماعي (١) ، ويؤيده أنه قد غره بقبول وصيته ومنعه من طلب غيره ، فلم يكن له تضييع حقه. أما لو رد في حال حياته وبلغه الرد ، فإن الوصية تبطل اقتصارا باللزوم على موضع الوفاق ، ولأن المحذور منتف هنا.

إذا عرفت ذلك ففي كل موضع يلزم الوصي حكم الوصية إذا امتنع من القيام بها أجبره الحاكم ، وهنا اشكال ، وهو أنه إذا امتنع من القيام بالوصية فقد أقدم على محرم ، وبالإصرار يخرج عن العدالة فيخرج عن أهلية الوصية ، فكيف يصح إجباره حينئذ؟ وهو اشكال لازم. ولم أر في كلام أحد تنبيها عليه ، لكن في كلام لابن إدريس ما يرشد إليه (٢) ، وسنذكره إن شاء الله تعالى بعد ذلك.

قوله : ( ولو لم يقبل الوصية ابتداء ، أو لم يعلم بها حتى مات الموصي ففي إلزامه بها نظر ).

أي : إذا علم الموصى إليه الوصية فلم يقبلها ، بل ردها ابتداء ـ أي من غير سبق قبول ـ ولم يبلغ الرد إلى الموصي. وعبارة الكتاب خالية من هذا القيد ، ولا بد منه ، وما سبق من كلامه يدل عليه. إذ لم يعلم بالوصية أصلا حتى مات الموصي ، فهل يلزمه‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥١٢.

(٢) السرائر : ٣٨٤.

٢٨٣

______________________________________________________

القيام بها؟

فيه نظر ، منشؤه اختلاف الأصحاب على قولين وتعارض دلائلهما :

أحدهما : ـ وهو ظاهر المصنف في التذكرة (١) ، وشيخنا الشهيد في الدروس (٢) ـ اللزوم ، وعزاه في التذكرة إلى ظاهر كلام الأصحاب. واحتج عليه برواية محمد بن مسلم الصحيحة عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا أوصى رجل إلى رجل وهو غائب ، فليس له أن يرد وصيته. فإن أوصى إليه وهو بالبلد فهو بالخيار ، إن شاء قبل ، وإن شاء لم يقبل » (٣).

وفي الصحيح عن فضيل عن الصادق عليه‌السلام في رجل يوصى إليه ، قال : « إذا بعث إليه من بلد فليس له ردها ، وإن كان في مصر يوجد فيه غيره فذاك إليه » (٤).

وعن منصور بن حازم عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا أوصى الرجل إلى أخيه وهو غائب فليس له أن يرد عليه وصيته ، لأنه لو كان شاهدا فأبى أن يقبلها طلب غيره » (٥). وهذه الأخبار غير صريحة في ذلك ، لكن في تعليل الأخيرة إيماء إليه.

والثاني : ـ وهو اختيار المصنف في التحرير والمختلف (٦) ـ أن له الرد ، ولا يلزمه القيام بها ، لأن إثبات حق الوصاية على الموصى إليه على وجه قهري ضرر عظيم منفي بالآية (٧) والحديث (٨).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥١٢.

(٢) الدروس : ٢٤٨.

(٣) الكافي ٧ : ٦ حديث ١ ، الفقيه ٤ : ١٤٤ حديث ٤٩٦ ، التهذيب ٩ : ٢٠٥ حديث ٨١٤.

(٤) الكافي ٧ : ٦ حديث ٢ ، الفقيه ٤ : ١٤٤ حديث ٤٩٧ ، التهذيب ٩ : ٢٠٦ حديث ٨١٧.

(٥) الكافي ٧ : ٦ حديث ٣ ، الفقيه ٤ : ١٤٥ حديث ٥٠٠ ، التهذيب ٩ : ٢٠٦ حديث ٨١٦.

(٦) التحرير ١ : ٢٩٢ ، المختلف : ٤٩٩.

(٧) الحج : ٢٢.

(٨) الكافي ٥ : ٢٨٠ حديث ٤ ، و ٢٩٢ حديث ٢ و ٢٩٤ حديث ٨ ، الفقيه ٣ : ٤٥ حديث ١٥٤ و ١٤٧ حديث ٦٤٨ ، التهذيب ٧ : ١٤٦ حديث ٦٥١ و ١٦٤ حديث ٧٢٧.

٢٨٤

والوصي أمين لا يضمن ما يتلف إلاّ بتعد أو تفريط أو مخالفة شرط الوصية ، وله أن يستوفي دينه على الميت مما في يده إن كان له حجة من غير اذن الحاكم ،

______________________________________________________

وتسليط الموصي على إثبات وصيته على من شاء ، بحيث يوصي ويطلب من الشهود كتمان الوصية إلى حين موته مما ينافي أصول المذهب ، ولا يعرف له في الشرعيات مثل. ومثل هذه الأخبار لا تنهض حجة عليه ، فالأولى حملها على شدة الاستحباب ، أو على سبق قبول الوصية كما ذكره المصنف في المختلف ، إلاّ أن الحمل الأول أولى ، لبعد الثاني عن موافقة ظاهرها.

قوله : ( والوصي أمين لا يضمن ما يتلف إلاّ بتعد أو تفريط أو مخالفة شرط الوصية ).

لا خلاف بين أهل الإسلام في أن الوصي أمين ، ومعناه أنه لا يضمن ما بيده من أموال الطفل لو تلف إلا بتعد كما لو لبس الثوب ، أو تفريط كما لو قصر في حفظه ، أو مخالفة لشرط الوصية كما لو أوصى إليه أن يصرف شيئا على وجه فصرفه على وجه آخر ، لأن الوصاية في معنى الوكالة. ولأن الوصي نائب عن الأب والجد ، وهما أمينان.

ولو اقتصر المصنف على التعدّي لأغنى عن الباقيين ، لأن المفرط متعد. وكذا المخالف في الاستنابة ، وهذا أظهر في التعدي ، وكأنه أراد كمال الإيضاح.

قوله : ( وله أن يستوفي دينه على الميت وإن كان له حجة من غير اذن الحاكم ).

قال الشيخ في النهاية : إذا كان للوصي على الميت مال لم يجز له أن يأخذ من تحت يده إلاّ ما تقوم له به البينة (١) ، وتبعه ابن البراج (٢).

__________________

(١) النهاية : ٦٠٨.

(٢) المهذب ٢ : ١١٨.

٢٨٥

وأن يستري لنفسه من نفسه ، وأن يبيع على الطفل من ماله ، فيكون موجبا قابلا ، بشرط البيع بثمن المثل ،

______________________________________________________

وقال ابن إدريس : إنه يأخذ إذا لم يكن له بينة ، بحيث يتمكن من إقامتها وإثبات حقه ظاهرا (١) ، واعترض كلام الشيخ (٢).

وظاهر كلام المصنف في المختلف موافقة ابن إدريس (٣). واختار هنا جواز الاستيفاء وإن كان له حجة يتمكن من الإثبات بها ظاهرا. وكذا في التحرير (٤) ، وهو الأصح ، لأن الغرض أنه وصى في قضاء الديون فيقوم مقام الموصي في ذلك.

ويكفي علمه بالدين ، لأن الوصية منوطة بقضاء الدين الثابت في نفس الأمر ، ولا فرق في ذلك بين دينه ودين غيره. ولأنه بقضاء الدين محسن : و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (٥).

والفرق بين دين الوصي ودين غيره إذا أراد الغير الاستقلال بأخذه : ان تعيين المال للدين إلى المديون أو من يقوم مقامه ، لأنه مخيّر في جهات القضاء. والغير ليس له ولاية التعيين ، فلذلك يقيّد جواز أخذه بما إذا عجز عن إثباته ظاهرا ، بخلاف الوصي.

قوله : ( وأن يشتري لنفسه من نفسه ، وأن يبيع على الطفل من ماله فيكون موجبا قابلا بشرط البيع بثمن المثل ).

أي : وللوصي أن يشتري مال الطفل لنفسه من نفسه حيث تقتضي المصلحة بيعه ، وكذا له أن يبيع من ماله على الطفل ما تقتضي المصلحة شراءه ، فيكون في الموضعين موجبا قابلا.

__________________

(١) السرائر : ٣٨٤.

(٢) النهاية : ٦٠٨.

(٣) المختلف : ٥١١.

(٤) التحرير ١ : ٣٠٤.

(٥) التوبة : ٩.

٢٨٦

وأن يقضي ديون الصبي وان ينفق عليه بالمعروف.

______________________________________________________

ويشترط فيهما كون البيع لمال الطفل ، والبيع لمال الوصي للطفل بثمن المثل ، فلا يكون بيع مال الطفل بدون ثمن المثل ، ولا بيع ماله للطفل بأزيد من ثمن المثل.

ومنع الشيخ في الخلاف من ذلك ، وابن إدريس (١) ، لأن الواحد لا يكون موجبا قابلا في عقد واحد ، لأن الأصل في العقد أن يكون بين اثنين إلاّ ما أخرجه دليل ، وهو الأب والجد له.

والأصح الأول ، لأنه بيع صدر من أهله في محله ، إذ الفرض أنه جائز التصرف يجوز أن يتولى كلا من الطرفين بالانفراد ، فيتولاهما مجتمعين ، لأنه لا مانع لاجتماعهما لواحد.

وهو غير صالح للمانعية شرعا ، للأصل ، ولجواز مثله في الأب والجد. ولما رواه الحسين بن يحيى الهمداني ، قال : كتب محمد بن يحيى : هل للوصي أن يشتري من مال الميت إذا بيع فيمن زاد فيزيد ويأخذ لنفسه؟ فقال : « يجوز إذا اشترى صحيحا » (٢).

واعلم أنه لا بد من شرط آخر مع ما ذكره ، وهو أن لا يكون مال الطفل بحيث يمكن بيعه بزيادة عن ثمن المثل ، ولا يمكن شراء مثل مال الموصي بدون ثمن المثل ، فإن أمكن أحدهما لم يصح الشراء بثمن المثل حينئذ ، وهو ظاهر.

قوله : ( وأن يقضي ديون الصبي ، وأن ينفق عليه بالمعروف ).

لا ريب في أن الوصي إذا كانت ولايته في جميع أمور الطفل يجوز أن يقضي ديونه التي لزمته باقتراض الولي عنه ، أو لزمته بجناية أو إتلاف ، لأن ذلك من متعلقات ولايته. ولأن ذلك إحسان ، بل يجب. عليه ذلك كما صرح به في التذكرة مع مطالبة المستحق ، أو توقع ضرر بالتأخير.

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٦٥١ مسألة ٩ كتاب الوكالة ، السرائر : ٣٨٥.

(٢) الكافي ٧ : ٥٩ حديث ١٠ ، الفقيه ٤ : ١٦٢ حديث ٥٦٦ ، التهذيب ٩ : ٢٣٣ حديث ٩١٣.

٢٨٧

وليس له أن يزوّج الأطفال ، وله تزويج إمائهم وعبيدهم ، وليس له أن يشهد للأطفال بحق له فيه ولاية ، ويجوز في غيره ، إلاّ أن يكون وصيا في الثلث فيشهد بما يتسع له التصرف باتساع الثلث.

______________________________________________________

وكذا ينفق عليه بالمعروف من غير إسراف ولا تقتير ، فإن أسرف ضمن الزيادة ، ويشتري له خادما مع الحاجة ، ويطعمه عادة أمثاله ونظرائه ، فإن كان ممن كان يأكل اللحم دائما أطعمه ، ويلبسه ما جرت عادة أمثاله بلبسه.

وكذا ينفق على من يجب عليه نفقته ، فلو كان له أبوان فقيران أنفق عليهما. ويتصور ذلك في وصي الجد إذا كان الأب ممنوعا من الولاية بجنون ونحوه.

قوله : ( وليس له أن يزوج الأطفال ، وله تزويج إمائهم وعبيدهم ).

أما عدم تزويج الأطفال ، فلأنه لا غبطة في النكاح قبل البلوغ ، بل فيه ضرر بالنسبة إلى الذكر ، لأنه يوجب عليه مهرا ونفقة ، وقد تقدّم الكلام في ذلك.

وأما تزويج إمائهم وعبيدهم ، فإن انكاحهم مصلحة مالية ، ولا يستدعي من الغير ما يستدعيه إنكاح الطفل.

قوله : ( وليس له أن يشهد للأطفال بحق له فيه ولاية ، ويجوز في غيره ، إلاّ أن يكون وصيا في الثلث ، فيشهد بما يتسع له التصرف باتساع الثلث ).

متى كانت شهادة الوصي للطفل بحيث تجر إليه نفعا بإثبات ولاية لم تقبل ، لأنه يثبت لنفسه حق الولاية ، فلو شهد لهم بمال لم يسمع. ولو كان وصيا في أمر خاص ، كما لو كان وصيا على بساتين الأطفال خاصة قبلت شهادته لهم بدين ، لانتفاء المحذور.

ولو لم يكن له على المشهود به ولاية ، لكن يلزم من ثبوته اتساع الولاية ، لم تسمع الشهادة أيضا ، كما لو أوصى إليه بالتصدّق بعين مخصوصة فشهد بدين أن يثبت خرجت تلك العين من الثلث ونفذت الوصية في جميعها. وإن لم يثبت لم يخرج من الثلث وبطلت الوصية في بعضها. وقول المصنف : ( إلاّ أن يكون وصيا في الثلث ... ) استثناء من قوله : ( ويجوز في غيره ).

٢٨٨

والقول قوله في الإنفاق وقدره بالمعروف لا في الزيادة عليه ، وفي تلف المال من غير تفريط ، وفي عدم الخيانة في البيع وغيره.

______________________________________________________

قوله : ( والقول قوله في الإنفاق وقدره بالمعروف ، لا في الزيادة عليه ، وفي تلف المال من غير تفريط ، وفي عدم الخيانة في البيع وغيره ).

لو اختلف الصبي بعد بلوغه والوصي في أصل الإنفاق ، قدّم قول الوصي بيمينه أنه أنفق عملا بظاهر الحال ، ولأن إقامة البينة على ذلك مما يتعذر في العادة ، فإن إشهاد الشاهدين في كل يوم على نفقة الطفل أمر عسير. ولأن الوصي أمين ، وخيانته على خلاف الأصل. ولأنه محسن و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (١). ولأن اعتبار البينة في قبول قوله مما يؤدي إلى عدم قبول الإيصاء ، فيفضي إلى تضييع مصلحة الطفل.

ولو اختلفا في قدر النفقة ، ولم يكن ما يدّعيه الوصي متجاوزا للقدر الذي يعد في العادة معروفا لا إسراف فيه ، فالقول قوله فيه أيضا بيمينه لما تقدم ، سواء ذكر المدة واتفقا عليها أم لم يذكراها أصلا. ولو اختلفا في المدة فسيأتي إن شاء الله تعالى عن قريب.

ولو ادعى الصبي زيادة النفقة على المعروف نظر فيه ، وصدق من يقتضي الحال تصديقه باليمين.

ولو ادعى الوصي أن زيادة النفقة لغلو السعر ، فالذي ينبغي تكليفه البينة ، لأن ذلك مما يمكن الاشهاد عليه ولأن هنا زيادة بالفعل ، فلا بد من بيان مقتضيها.

وكذا يقدّم قول الوصي لو اختلفا في التفريط في المال التالف ، لأنه منكر. وكذا لو اختلفا في تلفه وبقائه ، كما يصدق غيره من ذوي اليد. وكذا لو اختلفا في عدم الخيانة في المبيع ، بأن ادعى الصبي البيع بدون ثمن المثل ، أو بخلاف المصلحة ، أو سلم قبل تسلم الثمن فأفضى إلى ضياعه.

__________________

(١) التوبة : ٩.

٢٨٩

ولو نازعه في تأريخ موت أبيه إذ به تكثر النفقة ، أو في دفع المال إليه بعد البلوغ فالقول قول الصبي مع اليمين.

ولو أوصى إلى اثنين فصاعدا : فإن أطلق أو شرط الاجتماع لم يجز لأحدهما التفرّد عن صاحبه ، بل يجب عليهما التشاور في‌ كل تصرف ،

______________________________________________________

وكذا الخيانة في غير المبيع ، كشراء شي‌ء بأزيد من ثمن المثل ، أو على خلاف المصلحة ، أو رهن في غير مصلحة ، ونحو ذلك. فإن القول في هذه المواضع ونظائره قول الوصي بيمينه عندنا ، لأن الأصل عدم الخيانة ، ولأنه محسن ، خلافا لبعض الشافعية.

قوله : ( ولو نازعه في تأريخ موت أبيه إذ به تكثر النفقة ، أو في دفع المال إليه بعد البلوغ ، فالقول قول الصبي مع اليمين ).

لو اختلف الصبي والوصي في مدة الإنفاق ، بأن اختلفا في تأريخ موت الأب ، فادعى الصبي تأخره والوصي تقدمه لتكثر النفقة ، قدّم قول الصبي بيمينه ، وعلى الوصي البينة ، لأنه مدّع ، واقامة البينة على نحو ذلك أمر ممكن لا عسر فيه.

وكذا لو اختلفا في دفع المال إلى الصبي بعد بلوغه ، فإن القول قوله بيمينه ، لمثل ما قلناه. وكذا القول في الأب وأمين الحاكم.

ولو اختلف الصبي ومشتري المال في وقوع الشراء من الوصي على وجه الغبطة ، فهل الحكم كما في الوصي؟ أم القول قول الصبي هنا عملا بإطلاق قوله عليه‌السلام : ( واليمين على من أنكر ) ، وتقديم قول الوصي لكونه أمينا لا يستدعي تقديم قول المشتري؟ فيه وجهان ، والثاني لا يخلو من قوة.

قوله : ( ولو أوصى إلى اثنين فصاعدا ، فإن أطلق أو شرط الاجتماع لم يجز لأحدهما التفرّد عن صاحبه ، بل يجب عليهما التشاور في‌ كل تصرف ).

٢٩٠

______________________________________________________

إذا أوصى إلى اثنين فصاعدا ، فإما أن يشترط الاجتماع ، أو يطلق أو ينص على الانفراد من الجانبين أو أحدهما خاصة ، فالصور أربع :

أ : نص على الاجتماع.

ب : أطلق.

ج : نص على الانفراد من الجانبين.

د : من أحدهما خاصة.

أما إذا اشترط الاجتماع فظاهر ، لأن ولايتهما إنما تثبت على هذا الوجه.

وأما إذا أطلق ، فلأن المفهوم من الإخلاد إليهما الاجتماع دون الانفراد ، ولأن ثبوت الولاية معا معلوم ، وثبوتها لكل واحد غير معلوم ، فيتمسك بالأصل ، وهو انتفاؤها على الانفراد ، ولصحيحة محمد بن الحسن الصفار قال : كتبت إلى أبي محمد العسكري عليه‌السلام : رجل كان أوصى إلى رجلين أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة والآخر بالنصف؟ فوقّع عليه‌السلام : « لا ينبغي لهما أن يخالفا الميت ، وأن يعملا على حسب ما أمرهما » (١) وهي ظاهرة في منع التفرد ، وإلاّ لم يطابق الجواب السؤال.

ولا ينافيه ما رواه يزيد بن معاوية قال : إنّ رجلا مات وأوصى إلي والى آخر ، أو إلى رجلين ، فقال أحدهما : خذ نصف ما ترك وأعطي النصف مما ترك ، وأبى عليه الآخر ، فسألوا أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك فقال : « ذلك له » (٢) لأن قوله عليه‌السلام : « ذلك له » يحتمل أن يريد به الإشارة إلى امتناع الآخر من القسمة.

وذهب الشيخ في النهاية (٣) ـ وتبعه ابن البراج (٤) ـ إلى أن لكل منهما الاستبداد‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٦ حديث ١ ، الفقيه ٤ : ١٥١ حديث ٥٢٣. التهذيب ٩ : ١٨٥ حديث ٧٤٥ ، الاستبصار ٤ : ١١٨ حديث ٤٤٨.

(٢) الكافي ٧ : ٤٧ حديث ٢ ، الفقيه ٤ : ١٥١ حديث ٥٢٤. التهذيب ٩ : ١٨٥ حديث ٧٤٦ ، الاستبصار ٤ : ١١٨ حديث ٤٤٩.

(٣) النهاية : ٦٠٦.

(٤) المهذب ٢ : ١١٦.

٢٩١

فإن تشاحا لم ينفذ ما تفرد به أحدهما من التصرف إلاّ فيما لا بد منه كأكل اليتيم ولبسه.

ويحتمل عندي مع نهيه عن التفرد تضمين المنفق ، وحمل قول علمائنا على ما إذا أطلق ، فإنه ينفرد بالإنفاق خاصة ،

______________________________________________________

بالتصرف في صورة الإطلاق وطلب القسمة ، ولعلهما احتجا بهذه الرواية ، وقد عرفت أنه لا دلالة فيها.

قوله : ( فإن تشاحا لم ينفذ ما تفرد به أحدهما من التصرف إلاّ فيما لا بد منه كأكل اليتيم ولبسه. ويحتمل عندي مع نهيه عن التفرد تضمين المنفق ، وحمل قول علمائنا على ما إذا أطلق ، فإنه ينفرد بالإنفاق خاصة ).

أي : فإن تشاح الوصيان في صورة اشتراط الاجتماع والإطلاق ، أي : تمانعا وأبى كل منهما على صاحبه أن يوافقه ، لم ينفذ ما تفرد به أحدهما من التصرف ، لأنه غير مفوّض إليه بالاستقلال ، فيكون بغير اذن ، فهو كتصرف سائر الأجانب.

واستثني الأصحاب من ذلك ما تدعو إليه الحاجة ، كأكل اليتيم ولبسه ونحو ذلك ، وشراء كفن الميت ، وقضاء ديونه ، وإنفاذ وصية معينة كانت أو غير معينة ، وقبول الهبة عن الصغير مع خوف فوات النفع ، والخصومة عن الميت وله ، وعن الطفل وله مع الحاجة ، وإطعام رقيقه ودوابه.

وينبغي أن تكون الوديعة المعينة ، والعين المغصوبة مما يقطع باستثنائه ، لأن لمستحقهما الاستقلال بأخذهما ، وإن لم يأذن الميت فليس ذلك من الوصية في شي‌ء.

هذا هو المشهور ، وقال أبو الصلاح : مع التشاح يرد الناظر في المصالح الأمر إلى من كان أعلم بالأمر وأقوى عليه ، ويجعل الباقي تبعا له (١).

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٣٦٦.

٢٩٢

ويجبرهما الحاكم على الاجتماع ، فإن تعذر استبدل بهما ،

______________________________________________________

واستشكله المصنف في المختلف بأن فيه تخصيصا لأحدهم بالنظر ، وقد منعه الموصى من ذلك (١). واحتمل هنا الفرق بين ما إذا نهى عن التفرد ، وما إذا أطلق الوصية لهما ، فحكم بتضمين المتصرف في الأول وإن كان في محل الحاجة ، دون الثاني ، وقضية التضمين إذا نص على الاجتماع ، ولم يصرح بالنهي عن الانفراد ، وحمل قول الأصحاب بنفوذ ما لا بد منه على ما إذا أطلق.

ويشكل ذلك بان الإطلاق منزّل على ارادة الاجتماع ، وحينئذ فلا وجه للفرق ، بل التضمين متجه في الموضعين ، لأنه خلاف الموصى به. والضرورة مندفعة بالرجوع إلى الحاكم ، ومع تعذره فإلى العدل من المؤمنين. نعم ، لو تعذر الحاكم فتصرف أحدهما من حيث كونه أحد عدول المؤمنين نفذ.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أن قول المصنف : ( وحمل قول علمائنا ... ) يقتضي أن جميع علمائنا قائلون بذلك. وليس كذلك ، فإن الشيخ في المبسوط (٢) وابن إدريس (٣) غير قائلين به. وكأنه توسّع ، لأنه قول الأكثر ، والأصح أنه لا ينفذ شي‌ء من التصرفات في الموضعين ويضمن المتصرف ، بل يتعيّن الرجوع إلى الحاكم.

قوله : ( ويجبرهما الحاكم على الاجتماع ، فإن تعذّر استبدل بهما ).

إذا تشاح الوصيان وتمانعا في الاجتماع في صورتي الإطلاق والنص على الاجتماع وجب على الحاكم إجبارهما على الاجتماع ، لأن امتثال أمر الموصي واجب عليهما. فإذا خالفا وجب منعهما من المخالفة من باب الحسبة ، فإن تعذر استبدل بهما من رآه مصلحة.

ويشكل بأنهما إذا امتنعان من الاجتماع وإصرا على ذلك يفسقان فينعزلان ، فكيف يتصور إجبارهما حينئذ؟ ولم أقف في كلام الأصحاب على تصريح بذلك ، بل‌

__________________

(١) المختلف : ٥١٢.

(٢) المبسوط ٤ : ٥٤.

(٣) السرائر : ٣٨٤.

٢٩٣

وليس لهما قسمة المال.

ولو مرض أحدهما أو عجز ضم الحاكم إليه من يعينه.

ولو مات أو فسق استبد الآخر بالحكم من غير ضم على اشكال.

ولعل الأقرب عندي وجوب الضم ، لأنه لم‌ يرض برأي واحد ،

______________________________________________________

أطلق الجميع إجبارهما على الاجتماع ، وهذا الاشكال وارد عليه.

نعم ، في كلام ابن إدريس ما صورته : إذا تشاحّ الوصيان استبدل بهما الحاكم ، لأنهما فسقا (١) ، وهذا ما ذكرناه بعينه. وصرح المصنف في التذكرة بأنهما لا ينعزلان بذلك ، وأن الذين يقيمهما الحاكم بدلهما نائبان عنهما (٢).

قوله : ( وليس لهما قسمة المال ، ولو مرض أحدهما أو عجز ضم الحاكم إليه من يعينه ).

أما عدم قسمة المال فظاهر ، لأنه خلاف الموصى به وهو الاجتماع في التصرف.

وأما الضم إذا مرض أحدهما أو عجز ، فلأن ولايته لا تزول بالعجز والمرض والعجز لما سبق من أن الإيصاء إلى العاجز جائز ، فإذا كان العجز غير مانع في الابتداء فلا يقدح تجدده في بقاء الوصية.

وعلى هذا فالضمير المجرور في قوله : ( ضم إليه ) يعود إلى المريض أو العاجز ، وحينئذ فيعتبر اجتماع الثلاثة على التصرفات كلها. إلاّ أن ما سيأتي من كلام المصنف عن قريب يقتضي أن الضم إلى الموصى الآخر لا إلى العاجز. وليس بجيد ، لأن الوصي لا ينعزل بالعجز كما سبق.

قوله : ( ولو مات أو فسق استبد الآخر بالحكم من غير ضم على اشكال ، ولعل الأقرب عندي وجوب الضم ، لأنه لم‌ يرض برأي واحد ).

__________________

(١) السرائر : ٣٨٤.

(٢) التذكرة ٢ : ٥٠٩.

٢٩٤

ولو سوغ لهما الاجتماع والانفراد تصرف كل واحد منهما كيف شاء وإن انفرد.

ويجوز أن يقتسما المال ، ويتصرف كل منهما فيما يصيبه وفيما في يد صاحبه ، كما يجوز انفراده قبل القسمة ، فإن مرض أحدهما أو عجز لم يضم الحاكم اليه معينا إن قلنا‌ بالضم مع الاجتماع.

______________________________________________________

المراد انه إذا عرض لأحدهما ما يخرجه عن الأهلية ، كالموت والفسق والجنون والغيبة البعيدة وعدم قبول الوصية ، فهل يستبد الآخر بالتصرف ، أم يضم الحاكم إلى الآخر بدل الفائت؟ فيه إشكال ينشأ : من أن الحاكم لا ولاية له مع وجود الوصي ، وهو موجود هنا ، وهو قول أكثر الأصحاب. ومن أن الوصي هو الاثنان لا أحدهما ، فلا بد من الضم ، وهو الأصح ، ووجهه ما ذكره المصنف.

وجواب الأول : أن الحاكم لا ولاية له مع الوصي ، وهو منتف هنا ، لأن الواحد ليس وصيا وحده ، ولو أراد الحاكم عزله لم يكن له ذلك قطعا. ولو أراد أن يفوّض إليه وحده مع استجماعه الشرائط ، ففيه وجهان ، أقربهما العدم ، لأن الموصي لم يرض بالباقي وحده ، فكأنه قد منع من كونه وصيا بالانفراد فلا يتخطاه الحاكم.

قوله : ( ولو سوغ لهما الاجتماع والانفراد تصرف كل واحد منهما كيف شاء وإن انفرد ، ويجوز أن يقتسما المال ، ويتصرف كل منهما. )

المراد تصرف كل منهما كيف شاء من الاجتماع والانفراد ، لأنه المقصود بالبحث.

ويجوز اقتسام المال بالنصف ، وبالتفاوت إذا تراضيا على التفاوت حيث لا تضر القسمة. ثم بعد القسمة لكل منهما التصرف في حصته من القسمة ، وفي باقي التركة وإن كانت في يد صاحبه ، لأنه وصي في المجموع ، فلا تزيل القسمة ولايته في الجميع.

قوله : ( فإن مرض أحدهما أو عجز لم يضم الحاكم إليه معينا وإن قلنا‌ بالضم مع الاجتماع ).

٢٩٥

ولو خرج عن الوصية بموت أو فسق لم يضم الحاكم.

ولو شرط لأحدهما الانفراد دون الآخر وجب اتباعه ،

______________________________________________________

الضمير المجرور في قوله : ( إليه ) يعود إلى الآخر ـ وهو الذي لم يمرض ـ فإن المريض والعاجز بحيث لا يكون أحدهما كافيا في التصرف لا بد من الضميمة إلى كل منهما ليتصرف. ووجهه أنه وصى لم ينعزل بعجزه ، ولا يكفي وحده في التصرف فيضم الحاكم إليه لتحصيل مقصود الموصي.

فإن قيل : الوصي الآخر موجود ، ومع وجود الوصي فلا دخل للحاكم.

قلنا : قد أطبقوا على أن العاجز لا تزول وصايته باعتبار عجزه ، فلا بد له من معين ، فيقوم الحاكم بنصب أمين معه ليساعده كما في الوصي الواحد. وقد صرّح بذلك المصنف في التذكرة فقال : فإن ضعف نظره وقصرت قدرته ضم الحاكم إليه من يعينه ، كما لو أوصى الى واحد فضعفت قوته وإن كان الآخر وصيا (١).

أما الوصي الآخر فإنه وصي بالاستقلال ، لأنه المفروض ، والفرض انه كان ، فلا وجه للضم إليه بحال. وهذه العبارة تشعر بأن الضم المذكور فيما إذا مرض أو عجز أحد الوصيين عن الاجتماع يراد به الضم إلى الآخر ، وإلاّ لم يكن الضم في قوله : ( لم يضم الحاكم إليه معينا ) ، وقوله : ( وإن قلنا بالضم مع الاجتماع ) واحدا ، وهو خلاف الظاهر. ومما ذكرناه يظهر وجه قوله : ( ولو خرج عن الوصية بموت أو فسق لم يضم الحاكم ) فإنه مستقل بالولاية.

قوله : ( ولو شرط لأحدهما الانفراد دون الآخر وجب اتباعه ).

فيتصرف المستقل بالاستقلال ، والآخر مع الاجتماع خاصة. ويجوز أن يوصي إلى واحد ويجعل آخر مشرفا عليه ، ولا يكون للمشرف شي‌ء من التصرفات ، لكن يشترط صدورها عن اذنه. ولو امتنع فهل يستقل الوصي؟ فيه وجهان ، أقربهما لا ، بل يرفع الأمر إلى الحاكم.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٠٩.

٢٩٦

ولو شرط استقلال أحدهما عند موت الآخر صح شرطه.

ولو جعل لأحدهما النظر في قسط المال ، أو في طائفة من الأولاد ، أو في المال خاصة ، وللآخر في الباقي أو في الأولاد صح.

ولو أوصى إلى زيد ثم إلى عمرو لم يكن رجوعا ، ولو لم يقبل عمرو انفرد زيد.

______________________________________________________

قوله : ( ولو شرط استقلال أحدهما عند موت الآخر صح شرطه ).

لكونه مشروعا يتعلق به الفرض ، فيكون مع حياة الآخر وصيا حال الاجتماع ، وبعد موته وصيا بالاستقلال ، فيرجع إلى قسمين من الأقسام الأربعة.

قوله : ( ولو شرط لأحدهما النظر في قسط المال ، أو طائفة من الأولاد ، أو في المال خاصة ، وللآخر في الباقي أو في الأولاد صح ).

في العبارة لف ونشر ، والتقدير : لو شرط لأحدهما النظر في قسط المال ـ أي في قسط منه ـ أو جعل له النظر في طائفة من الأولاد ، وللآخر النظر في باقي المال والأولاد ، أو اشترط لأحدهما النظر في المال خاصة وللآخر النظر في الأولاد ، فيكون الآخر معطوفا على المجرور في قوله : ( لأحدهما ) ، ووجه الصحة ظاهر.

قوله : ( ولو أوصى إلى زيد ثم إلى عمرو لم يكن رجوعا ).

لأن الوصية الثانية إنما تكون رجوعا عن الأولى مع المنافاة بينهما ، ولا منافاة بين كون زيد وعمرو وصيين.

قوله : ( ولو لم يقبل عمرو انفرد زيد ).

وجهه أنه أفرده بالوصاية إليه ، وقد ثبت له ، فلا تزول.

فإن قيل : لو قبلا لم ينفرد أحدهما بالتصرف ، وما ذاك إلاّ لأنه لم يرض برأي واحد ، فكذا إذا لم يقبل عمرو.

قلنا : فرق بين حال القبول وعدمه ، فإنه إنما جعله غير مستقل على تقدير اقتضاء الضميمة ، ذلك على تقدير قبول عمرو ، ولم يقبل.

٢٩٧

ولو قبلا لم ينفرد أحدهما بالتصرف إلاّ مع قرينة دالة على الرجوع أو على التفرد.

ولو قال لزيد : أوصيت إليك ، ثم قال : ضممت إليك عمرا ، فإن قبلا‌

______________________________________________________

وفيه نظر ، فإن الوصية إلى عمرو بعد الوصية إلى زيد تشعر بعدم الرضاء باستقلاله والاكتفاء برأيه.

وليس ببعيد إلحاق الإيصاء إلى البالغ والصبي بما هنا إذا لم يقبل الصبي بعد بلوغه ، أو مات ، أو بلغ مجنونا أو فاسقا ، فإن الظاهر منه أنه بعد حصول زمان بلوغ الصبي غير راض بانفراد البالغ.

فرع : لو لم يقبل زيد وقبل عمرو ، ففي التذكرة : ان له الانفراد ، كما إذا قبل زيد ولم يقبل عمرو (١). وفيه نظر ، لأنهما إن كانا وصيين على الاجتماع امتنع ذلك. والذي يقتضيه النظر عدم انفراد واحد وإن لم يقبل الآخر.

قوله : ( ولو قبلا لم ينفرد أحدهما بالتصرف إلاّ مع قرينة دالة على الرجوع أو على التفرد ).

أي : لو قبل كل من زيد وعمرو الوصاية لم ينفرد أحدهما بالتصرف ، لأن ظاهر حال الموصي عدم الرضى باستقلال واحد. وهذا إنما هو إذا لم توجد قرينة دالة على الرجوع عن الأول فيستقل الثاني. أو على تفرد كل منهما أو أحدهما خاصة ، فإن دلت ووثق بها وجب اتباعها.

الفرق بين ما إذا أوصى إلى زيد ثم إلى عمرو ، وبين ما إذا أوصى الى زيد ثم ضم إليه عمرو ، ان معنى الضم يشعر بعدم الاستقلال ، بخلاف الإيصاء. والأصح عدم الفرق ، إذ لا بد من العمل بالمتيقن ، وهو صحة تصرفهما في حال الاجتماع ، وعدم دليل على صحته في حال الانفراد.

قوله : ( ولو قال لزيد : أوصيت إليك ، ثم قال : ضممت إليك عمرا. فإن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٠٩.

٢٩٨

معا لم ينفرد أحدهما ، وإن لم يقبل عمرو انفرد زيد ، ولو قبل عمرو ضم الحاكم آخر.

ولو اختلفا في التفريق على الفقراء تولّى الحاكم التعيين على ما يراه.

______________________________________________________

قبلا معا لم ينفرد أحدهما ، وإن لم يقبل عمرو انفرد زيد ، ولو قبل عمرو ضم الحاكم إليه آخر ).

أما إذا قبلا معا ، فلأن الظاهر أنه لم يرض برأي واحد. ولما في لفظ الضم من الاشعار بعدم الاستقلال ، فهو أظهر مما إذا أوصى إلى كل منهما. وأما انفراد زيد إذا لم يقبل عمرو ، فلأن الوصاية قد ثبتت لزيد بالاستقلال ، فلا يزول حكمها بعدم قبول عمرو ، بخلاف ما إذا قبل. وأما الضم الى عمرو إذا لم يقبل زيد فلأن عمرا لم تثبت له وصاية ، وإنما أوصى إليه منضما إلى عمرو.

إذا عرفت ذلك ، فإذا قبلا في الفرض المذكور فهل يكونان وصيين ، أم الوصي زيد ، وعمرو يشرف عليه؟ احتمل المصنف كلا منهما في التذكرة (١). والأول قريب ، لأن المتبادر من قوله : ( ضممت إليك عمرا ) ضمه إليه في الوصية.

والمتجه عدم الفرق بين زيد وعمرو ، في أن أيهما لم يقبل الوصية لم يستقل الآخر بالتصرف ، عملا بظاهر الضم المقتضي لعدم الرضى برأي واحد.

قوله : ( ولو اختلفا في التفريق على الفقراء تولّى الحاكم التعيين على ما يراه ).

أي : لو اختلف الوصيان بالاستقلال. أو بالاجتماع ، إذا أوصى الميت بشي‌ء للفقراء في تعيين من يصرف إليه من الفقراء ولم يتفقا على شي‌ء ، استقل الحاكم بالتعيين ، لئلا تتعلل الوصية.

أما إذا كانا وصيين على الاجتماع فظاهر ، وأما إذا كانا وصيين بالاستقلال ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٠٩.

٢٩٩

ولو اختلفا في حفظ المال ، فإن كان في يدهما موضع للحفظ حفظ فيه ، وإلاّ سلماه إلى ثالث يكون نائبا لهما ، وإلاّ تولاه الحاكم.

______________________________________________________

فلأن لكل واحد منهما ولاية كاملة ولا أولوية ولا قرعة هنا ، لأنها في الأمر المشتبه ولا اشتباه هنا ، بل كل منهما وصي مستقل.

وكذا البيع والشراء إذا أراد أحدهما البيع على زيد والآخر على عمرو مع الاستواء في الغبطة ونحوها. ولو سبق أحد المستقلين من دون ممانعة الآخر نفذ تصرفه ، لأنه تصرف صدر من أهله في محله ، إذ الفرض اشتماله على الغبطة والمصلحة.

هذا مقتضى إطلاق العبارة ، ويمكن أن يقال : إذا كان الموصى به للفقراء يقبل القسمة قسّم مع كونهما وصيين على الانفراد كما تقسم سائر التصرفات ويستقل كل بتعيين من تصرف إليهم حصته ، ومع تعذره يعيّن الحاكم.

ويمكن أن يقال : لا حاجة هنا إلى القسمة ، بل يعيّن كل منهما نصف من يصرف إليهم من الفقراء ، ويصرف المجموع إليهم على السواء.

قوله : ( ولو اختلفا في حفظ المال : فإن كان في يدهما موضع للحفظ حفظ فيه ، وإلاّ سلّماه إلى ثالث يكون نائبا لهما ، وإلاّ تولاه الحاكم ).

وجهه ان حفظ المال من جملة التصرفات ، ولم يأتمن الموصي أحدهما على حفظه ، فلا بد أن يكون في يدهما ، بأن يجعل في بيت بأيديهما معا ، أو يستنيبا ثالثا يكون في يده عنهما ، فإن امتنعا تولاه الحاكم.

وهذا إذا كانا وصيين على الاجتماع ، أما إذا كانا وصيين على الانفراد فإنه يقسم بينهما إن قبل القسمة. فإن تنازعا في التعيين أقرع بينهما ، أو عين الحاكم ، كذا قال في التذكرة (١) ، ولا بأس بالقرعة. ولو لم يقبل المال القسمة فكالوصيين على الاجتماع. وكذا كل ما لا يقبل القسمة من التصرفات.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٠٩.

٣٠٠