جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٤

______________________________________________________

في حياة المولى. واحترز بذلك عما لو كانت الجناية بعد موته ، فإن الأرش على تقدير أن يخرج بالقرعة حرية الجاني لا يرجع الى المولى فيحسب من تركته ، بل يستحقه الوارث.

فإذا مات السيد أقرع بين العبدين ، إذ لا سبيل إلى تنفيذ العتق فيهما بحسب الممكن ، بل يجب أن يجمع الحرية في واحد كما سبق ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر. فإما أن تقع قرعة الحرية على الجاني أو على الآخر.

فإن وقعت على الجاني عتق منه أربعة أخماسه ، وعليه أربعة أخماس أرش الجناية ، ويبقى لورثة السيد خمسه والواجب من أرش الجناية والعبد الآخر ، وذلك مائة وستون مثلا ما عتق منه.

وإنما يعلم ذلك بالطريق المخلص من الدور ، فإن المسألة دورية ، لأنا لا نعلم قدر ما عتق منه حتى نعلم قدر التركة ، ولا نعلمه حتى نعلم قدر الواجب من الأرش فإنه من جملتها ، ولا نعلم ذلك حتى نعلم قدر المنعتق ، لأن لزوم الأرش دائر مع الحرية.

والطريق أن نقول : عتق منه شي‌ء ، وعليه من الدية نصف شي‌ء ، لأن الجناية بقدر نصف قيمة الجاني ، فإن قيمته مائة ، وموجب الجناية خمسون ، فيبقى للسيد بقية الجاني ونصف شي‌ء مع العبد الآخر ، وذلك يعدل شيئين مثلي ما عتق ، فعلمنا من هذا أن عبدا إلاّ شيئا والعبد الآخر يعدلان شيئا ونصفا ، وذلك لأنك إذا أسقطت من عبد إلاّ شيئا أو عبد آخر ونصف شي‌ء نصف الشي‌ء ، وأسقطت من معادل الجميع ـ وهو الشيئان ـ مثل ذلك ، بقي ما ذكرناه.

فإذا جبرت عبدا إلاّ شيئا بشي‌ء ، وزدت على المعادل مثله صار العبدان معا يعدلان شيئين ونصفا ، فإذا بسطت كانت الأشياء خمسة ، فالشي‌ء الكامل خمسا العبدين ، لأنه خمسا الخمسة.

وإن قسمت العبدين على الخمسة خرج مثل ذلك أيضا ، وخمسا العبدين أربعة‌

٢٤١

وإن وقعت على المجني عليه عتق ثلثه ، وله ثلث أرش جنايته يتعلق برقبة الجاني ، وذلك تسع الدية ، لأن الجناية على من ثلثه حر ، فيضمن بقدر ما فيه من الحرية والرق ، والواجب له من الأرش يستغرق قيمة الجاني فيستحقه بها ، ولا يبقى لسيده مال سواه ، فيعتق ثلثه ويرق ثلثاه.

______________________________________________________

أخماس أحدهما ، لأن كل واحد منهما يساوي مائة ، فإن النفيس نقص بالجناية ثلث قيمته ورجع الى مائة. ومعلوم ان قيمة أربعة أخماسه ثمانون ، والحاصل للورثة مائة وستون ، وهي ضعفها.

واعلم أن قول المصنف : ( فإذا أضيف إلى ذلك الشي‌ء الذي عتق ... ) لا حاجة إليه ، لأن الجبر بالاستثناء ـ بأن يضاف الاستثناء ـ كاف لتبيين معادل المجموع ، فيعلم منه معادل الشي‌ء ، اما كونه الشي‌ء المنعتق أو غيره ، فلا دخل له في البيان ، ولا ضرورة إلى التصريح به.

قوله : ( وإن وقعت على المجني عليه عتق ثلثه ، وله ثلث أرش جنايته يتعلق برقبة الجاني ، وذلك تسع الدية ، لأن الجناية على من ثلثه حر فيضمن بقدر ما فيه من الحرية والرق ، والواجب له من الأرش يستغرق قيمة الجاني فيستحقه بها ، ولا يبقى لسيده مال سواه ، فيعتق ثلثه ويرق ثلثاه ).

أي : وإن وقعت قرعة الحرية على المجني عليه عتق ثلثه خاصة ، لأن انعتاق ثلثه لا شك فيه إذ لو لم يكن مال سواه لوجب انعتاق الثلث منه ، وحينئذ فيستحق من دية الأحرار بنسبة ما فيه من الحرية.

وقد قدرنا أن الجناية توجب ثلث الدية ، فيكون له ثلث الثلث ، إذ لو كان حرا لاستحق جميع ثلث الدية ، فيستحق ثلث الثلث بثلثه الحر ، وذلك تسع الدية ، وهو مائة وأحد عشر دينارا ، وهذا مستغرق لقيمة الجاني فيستحقه جميعه ، ويسقط الباقي ، إذ لا يجني الجاني على أكثر من نفسه ، وحينئذ فلا يبقى للسيد مال سوى المجني عليه ، فيكون ثلثاه رقا.

٢٤٢

ولو كانت قيمة أحدهما خمسين وقيمة الآخر ثلاثين ، فجنى الأدنى على الأعلى حتى صارت قيمته أربعين ، فإن وقعت القرعة على الأدنى عتق منه شي‌ء وعليه ثلث شي‌ء يعدل الثلث وباقي العبدين شيئين.

فظهر أن العبدين شيئان وثلثان ، فالشي‌ء ثلاثة أثمانهما وقيمتهما سبعون ، فثلاثة أثمانهما ستة وعشرون وربع ، وهي من الأدنى نصفه وثلثه‌

______________________________________________________

ولو أوجبت الجناية ربع الدية لزوم الدور ، لأن باقي العبد الجاني محسوب من ضعف المنعتق ، فنقول : عتق منه شي‌ء واستحق من الدية شيئين ونصفا ، لأن ربع الدية بقدر قيمته مرتين ونصفا ، ويبقى للورثة شيئان مثلا ما عتق ، فالعبدان يعادلان خمسة أشياء ونصفا.

فإذا بسطتها كانت أحد عشر ، فالشي‌ء جزء ان من أحد عشر من العبدين ـ وذلك أربعة أجزاء من المجني عليه ـ فهو المنعتق ، ويستحق من الآخر عشرة أجزاء من أحد عشر جزءا منه ، ويبقى للورثة سبعة أجزاء من المجني عليه ، وجزء من الآخر هي مثلا ما عتق.

واعلم أن قوله : ( لأن الجناية على من ثلثه حر تضمن بقدر ما فيه من الحرية والرقية ) يريد به أن الضمان للدية وعدمه موزّع على ما في المجني عليه من الحرية والرق ، فبقدر الحرية يضمن ، وبقدر الرقية يسقط ، وإن كان ظاهر العبارة لا يساعد على ذلك ، إلاّ أن المراد معلوم.

قوله : ( ولو كانت قيمة أحدهما خمسين وقيمة الآخر ثلاثين ، فجنى الأدنى على الأعلى حتى صارت قيمته أربعين ، فإن وقعت القرعة على الأدنى عتق منه شي‌ء وعليه ثلث شي‌ء يعدل الثلث وباقي العبدين شيئين ، فظهر أن العبدين شيئان وثلثان ، فالشي‌ء ثلاثة أثمانهما وقيمتهما سبعون ، فثلاثة أثمانهما ستة وعشرون وربع ، وهي من الأدنى نصفه وثلثه وربع‌

٢٤٣

وربع سدسه.

وإن وقعت على الآخر عتق ثلثه وحقه من الجناية أكثر من قيمة الجاني فيأخذه بها أو‌ يفديه المعتق.

______________________________________________________

سدسه ).

أي : لو كانت قيمة أحد العبدين المستوعبين المعتقين دفعة خمسين ، وقيمة الآخر ثلاثين ، فجنى الأدنى على الأعلى جناية نقصته خمس قيمته ـ وذلك عشرة ـ وكانت الجناية في حياة المولى ، فالدور لازم.

فإن وقعت قرعة الحرية على الأدنى عتق منه شي‌ء ، وعليه من أرش الجناية ثلث شي‌ء ، لأن نسبة الأرش إلى قيمته انه ثلثها ، فيحسب منه بنسبة المنعتق ، وهذا الثلث والعبد الآخر مع باقي الجاني وهو عبد إلاّ شيئا يعدل مثلي ما عتق منه ، وهو شيئان.

فإذا جبرت عبدا إلاّ شيئا بشي‌ء وزدت على معادله ، ثم قابلت ثلث شي‌ء بمثله ، بقي عبدان يعدلان شيئين وثلثي شي‌ء. فإذا بسطت ذلك بلغ ثمانية ، فالشي‌ء ثلاثة أثمانها ، فهو ثلاثة أثمان العبدين.

وإن قسمت العبدين على ثمانية ، فمعادل الشي‌ء منهما ثلاثة أثمانهما. ولما كان مجموع قيمتها سبعين ، كان ثلاثة أثمان ذلك ستة وعشرين وربعا ، وهي من الأدنى نصفه وثلثه وربع سدسه.

ولو قال : سبعة أثمانه لكان أحسن ، فهو المنعتق ، ووجب عليه ثلث ذلك ثمانية وثلاثة أرباع ـ وهي سبعة أثمان الأرش ـ فصار إلى الورثة هذا الثلث وثمن العبد ـ وهو ثلاثة دنانير وثلاثة أرباع ـ ومجموع العبد الآخر ، وقيمة ذلك اثنان وخمسون ونصف ، وهو بقدر ما عتق مرتين.

قوله : ( وإن وقعت على الآخر عتق ثلثه ، وحقه من الجناية أكثر من قيمة الجاني ، فيأخذه بها ، أو‌ يفديه المعتق ).

٢٤٤

د : لو جنى عبد على حر جناية وقيمته خمسمائة ، فعفا عن موجبها ، ثم سرت ولا شي‌ء له سوى موجبها ، فإن اختار السيد الدفع فلا بحث ، لأن موجب الجناية مثلا قيمة العبد ، فيكون العبد لورثة المجني عليه.

______________________________________________________

أي : إن وقعت قرعة الحرية على العبد الآخر ـ يعني المجني عليه ـ عتق ثلثه لا محالة ، إذ أقصى الأحوال أن لا يخلّف المولى سواه وله ثلث خمس الجناية ، وذلك ستة وستون وثلثان ، لأن الفرض أن أرش الجناية خمس الدية ، كما سبق التنبيه عليه في أول المسألة ، وهذا أزيد من ضعف قيمة الجاني ، فيستحقه المجني عليه ، ولا يبقى للمولى مال سوى المجني عليه ، ولو أراد المولى أن يفديه بقيمته فلا مانع.

قوله : ( لو جنى عبد على حر جناية وقيمته خمسمائة ، فعفا عن موجبها ثم سرت ولا شي‌ء له سوى موجبها ، فإن اختار السيد الدفع فلا بحث ، لأن موجب الجناية مثلا قيمة العبد ، فيكون العبد لورثة المجني عليه ).

أي : لو جنى عبد على حرّ جناية ، وقيمة العبد خمسمائة ، فعفا الحر عن موجب الجناية في وقت لا تكون التبرعات نافذة إلاّ إذا وسعها الثلث ، ثم سرت الجناية ولا شي‌ء للعافي المجني عليه سوى موجبها.

ولا بد من فرض كون الجناية خطأ ، إذ الجناية عمدا لا توجب المال ، ولا يحجر على المريض في العفو عنها ، ولا خيار للسيد في الفداء والدفع. وحينئذ ، فإن اختار السيد الدفع ـ أي دفع الجاني ـ فلا بحث ، لأن موجب الجناية مثلا قيمة العبد ، إذ الدية ضعف قيمة العبد ، فالمدفوع إليهم دون استحقاقهم.

والحق أن هذا التعليل ليس بحسن ، لأن النظر إنما هو في العفو من العافي ، لا في دفع العبد أو افتدائه بالنسبة إلى تصرف سيده. وهذا التعليل إنما يستقيم دليلا‌

٢٤٥

وإن اختار الفداء فنقول : جاز العفو في شي‌ء من القيمة ، وبقي خمسمائة إلاّ شيئا يفديها السيد بمثليها ، لأن الدية ، هي مثلا القيمة ، فيصير لورثة المجني عليه ألف إلاّ شيئين يعدل مثلي ما جاز فيه العفو وهو شيئان ، فيصير أربعة أشياء تعدل ألفا ، فالشي‌ء مائتان وخمسون وهو قدر العفو ، وذلك نصف العبد. ويفدي السيد النصف الآخر بمثل قيمته وهو نصف الدية ، وهو مثلا ما جاز فيه العفو.

______________________________________________________

على جواز الدفع من السيد ، لا على الاكتفاء به بالنسبة إلى المجني عليه.

والتعليل الصحيح أن يقال : فلا بحث ، لأن المجني عليه مع عدم العفو لا يستحق سوى الجاني ، فمعه لا كلام ، فحينئذ يصير العبد الجاني ملكا لورثة المجني عليه.

ويمكن أن يكون المراد : فإن اختار السيد الدفع فلا بحث في دفع جميع العبد ، لأن موجب الجناية مثلا قيمته ، فمهما سقط بالعفو ، فالباقي مستوعب ، إلاّ أن فيه تكلفا كثيرا.

قوله : ( وإن اختار الفداء فنقول : جاز العفو في شي‌ء من القيمة ، وبقي خمسمائة إلاّ شيئا يفديها السيد بمثليها ، لأن الدية ، هي مثلا القيمة ، فيصير لورثة المجني عليه ألف إلاّ شيئين يعدل مثلي ما جاز فيه العفو ـ وهو شيئان ـ فيصير أربعة أشياء تعدل ألفا ، فالشي‌ء مائتان وخمسون ، وهو قدر العفو ـ وذلك نصف العبد ـ ويفدي السيد النصف الآخر بمثل قيمته ، وهو نصف الدية ، وهو مثلا ما جاز فيه العفو ).

أي : وإن اختار السيد الفداء وقلنا أنه يفديه بالأرش كائنا ما كان والعبارة وإن كانت خالية من هذا القيد ، إلاّ انه لا بد منه ، إذ لو قلنا : أنه يفديه بأقل الأمرين لم يكن تفاوت بينه وبين ما إذا اختار الدفع ، فإنه على هذا التقدير إنما يدفع جميعه إذا‌

٢٤٦

ولو كانت قيمته ستمائة واختار السيد الفداء ، جاز العفو في شي‌ء ويفدي السيد الباقي بمثله ومثل ثلثيه ، فيصير لورثة المجني عليه ألف إلاّ شيئا وثلثي شي‌ء يعدل مثلي ما جاز بالعفو وهو شيئان ، فإذا جبرت وقابلت‌

______________________________________________________

استوعبه الأرش ، إذ لو نقص عنه لم يدفع الجميع قولا واحدا ، وما سيأتي من كلامه يدل على اعتبار هذا القيد.

وحينئذ فيلزم الدور ، لأن قدر ما جاز فيه العفو لا يعلم إلاّ إذا علم قدر التركة ، ولا يعلم حتى يعلم ما الذي يحصل بالفداء ، ولا يعلم حتى يعلم قدر ما جاز فيه العفو. فنقول للتخلص : جاز العفو في شي‌ء من القيمة وبقي خمسمائة إلاّ شيئا يفديها السيد بمثليها.

وإنما اعتبرنا جواز العفو في شي‌ء من القيمة دون العبد ، لأن الفداء لما كان زائدا على القيمة لم يظهر أثر الزيادة لو نظر إلى العبد ما لم ينظر إلى القيمة فأجرى الحكم عليها.

وإنما قلنا : إن السيد يفديها بمثليها ، لأن الدية مثلا القيمة ، فيصير لورثة المجني عليه ألف إلاّ شيئين يعدل مثلي ما جاز فيه العفو ، وهو شيئان.

فإذا جبرت صار ألف يعدل أربعة أشياء ، فالشي‌ء مائتان وخمسون ، وهو قدر العفو ، وذلك نصف العبد ، ويفدي السيد النصف الآخر بمثلي قيمته ، وهو خمسمائة ، وذلك نصف الدية ، وهو مثلا ما جاز فيه العفو ، وهو أيضا ألف إلاّ شيئين.

وإن شئت قلت : صح العفو في شي‌ء من العبد ، فيبقى عبد إلاّ شيئا يفديه السيد بمثليه ، وهو عبدان إلاّ شيئين يعدلان شيئين. فإذا جبرت كان عبدان معادلين لأربعة أشياء ، فالشي‌ء نصف العبد.

قوله : ( ولو كانت قيمته ستمائة واختار السيد الفداء ، جاز العفو في شي‌ء ، ويفدي السيد الباقي بمثله ومثل ثلثيه ، فيصير لورثة المجني عليه ألف إلاّ شيئا وثلثي شي‌ء يعدل مثلي ما جاز بالعفو ـ وهو شيئان ـ فإذا جبرت‌

٢٤٧

صار ثلاثة أشياء وثلثا شي‌ء يعدل ألفا ، فأبسط الجميع أثلاثا يصير ثلاثة آلاف تعدل أحد عشر شيئا ، فالشي‌ء الواحد يعدل مائتين واثنين وسبعين وثمانية أجزاء من أحد عشر جزء من دينار.

وذلك هو الجائز من العفو ، وهو خمسة أجزائه من أحد عشر ، ويفدي باقيه بمثله ومثل ثلثيه من الدية ، وذلك خمسمائة وخمسة وأربعون وخمسة أجزاء من أحد عشر جزء من دينار ، وذلك مثلا ما جاز فيه العفو.

______________________________________________________

وقابلت صار ثلاثة أشياء وثلثا شي‌ء يعدل ألفا.

فأبسط الجميع أثلاثا يصير ثلاثة آلاف تعدل أحد عشر شيئا ، فالشي‌ء الواحد يعدل مائتين واثنين وسبعين وثمانية أجزاء من أحد عشر جزء من دينار ، وذلك هو الجائز من العفو ، وهو خمسة أجزائه من أحد عشر ، ويفدي باقيه بمثله ومثل ثلثيه من الدية ، وذلك خمسمائة وخمسة وأربعون وخمسة أجزاء من أحد عشر جزء من دينار ، وذلك مثلا ما جاز فيه العفو ).

لو كانت قيمة العبد الجاني ستمائة ، فنسبتها إلى الدية أنها ثلاثة أخماسها ، ونسبة الدية إليها أنها مثلها ومثل ثلثيها ، فلذلك قال : يفدي السيد الباقي بمثله ومثل ثلثيه ، وإنما يصير لورثة المجني عليه ألف إلاّ شيئا وثلثي شي‌ء ، لأن الذي جاز فيه العفو من العبد شي‌ء ، وقسطه من الدية مثله ومثل ثلثيه ـ وهو شي‌ء وثلثا شي‌ء ـ فيسقط ذلك من الدية يبقى ما ذكر.

ولا ريب أن هذا الذي يصير إليهم يجب أن يعدل مثلي ما جاز بالعفو ـ وهو شيئان ـ فيكون ألف إلاّ شيئا وثلثي شي‌ء يعدل شيئين.

فإذا جبرت وقابلت كان ألف يعدل ثلاثة أشياء وثلثي شي‌ء ، فإذا بسطت الأشياء كانت أحد عشر. ثم إن أردت أن تبسط الألف أثلاثا ليصير الجميع كسورا‌

٢٤٨

ولو كانت قيمته سبعمائة فدى السيد الباقي بمثله ومثل ثلاثة أسباعه ، فيصير ألفا إلاّ شيئا وثلاثة أسباع شي‌ء يعدل شيئين.

______________________________________________________

متجانسة ، فيكون حاصل القسمة هو معادل الشي‌ء من الألف.

وإن شئت أبقيت الألف بحالها ، وقسمتها على أحد عشر ، فخارج القسمة هو معادل ثلث الألف ، فمعادل الشي‌ء ثلاثة أمثاله. فإن قسمت ثلاثة آلاف على أحد عشر خرج بالقسمة مائتان واثنين وسبعون وثمانية أجزاء.

وإن قسّمت ألفا على أحد عشر خرج تسعون دينارا وعشرة أجزاء من عشر جزء من دينار ، فهي معادل ثلث الشي‌ء ، فمعادل الشي‌ء ثلاثة أمثالها ، وهو ما ذكر.

وذلك من العبد خمسة أجزاء من أحد عشر جزءا منه ، لأنك إذا قسمت ستمائة على أحد عشر خرج بالقسمة أربعة وخمسون وستة أجزاء من أحد عشر جزءا من دينار ، وذلك واحد من أحد عشر من ستمائة ، فيبقى من العبد ستة أجزاء من أحد عشر جزءا منه ، وذلك ثلاثمائة وسبعة وعشرون دينارا وسبعة دنانير وثلاثة أجزاء من أحد عشر جزءا من دينار ، يفديها السيد بمثلها ومثل ثلثيها من الدية ، وذلك خمسمائة وخمسة وأربعون دينارا وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءا من دينار ، وهي مثلا ما جاز بالعفو بقدر الشي‌ء مرتين ، وهي أيضا ألف إلاّ شيئا وثلثي شي‌ء ، لأن الشي‌ء وثلثيه أربعمائة وأربعة وخمسون وستة أجزاء من أحد عشر جزءا من دينار.

قوله : ( ولو كانت قيمته سبعمائة فدى السيد الباقي بمثله ومثل ثلاثة أسباعه ... ).

لا يخفى انه بملاحظة ما سبق في بيان الصور المتقدمة يعرف طريق الصور المذكورة كلها. واعلم انه لو قال بدل قوله : ( وهو ثلثه وثلثا ثمنه ) سدسه وربعه لكان أولى ، لأن الكسر المفرد إذا أمكن لم يعدل إلى الكسر المضاف.

ومعلوم أن مخرج ثلث الثمن أربعة وعشرون ، وثلثه وثلثا ثمنه عشرة ، وهي ربع‌

٢٤٩

فإذا جبرت وقابلت صار ثلاثة أشياء وثلاثة أسباع شي‌ء يعدل ألفا ، فالشي‌ء الواحد سدس الألف وثمنه.

وذلك مائتان وأحد وتسعون وثلثان ، وهو الجائز بالعفو من العبد ، وهو ثلثه وثلثا ثمنه ، ويفدي السيد باقية وهو نصفه وثلثا ثمنه بمثله من الدية ومثل ثلاثة أسباعه ، وذلك خمسمائة وثلاثة وثمانون وثلث ، وهو مثلا ما جاز فيه العفو من العبد.

ولو كانت قيمة العبد ثمانمائة ، كان الذي يجوز فيه العفو بموجب ما تقدّم من العمل خمسة أجزاء من ثلاثة عشر ، ويفدي السيد باقيه بمثله ومثل ربعه من الدّية ، وذلك ثمانية أجزاء من ثلاثة عشر ، وهو أربعمائة واثنان وتسعون وأربعة أجزاء من ثلاثة عشر جزءا من دينار بمثلها ومثل ربعها من الدّية ، وذلك ستمائة وخمسة عشر دينارا وخمسة أجزاء من ثلاثة عشر جزءا من دينار ، وذلك مثلا ما جاز فيه العفو من العبد ، لأن الجائز من العبد بالعفو هو خمسة أجزائه من ثلاثة عشر ، وذلك ثلاثمائة وسبعة دنانير وتسعة أجزاء من ثلاثة عشر جزء من دينار.

______________________________________________________

وسدس. وكذا قوله : ( وهو نصفه وثلثا ثمنه ) ، فلو قال : ثلثه وربعه لكان أولى.

قوله : ( ولو كانت قيمة العبد ثمانمائة كان الذي يجوز فيه العفو بموجب ما تقدم من العمل خمسة أجزاء من ثلاثة عشر ).

إنما كان كذلك ، لأنه بعد العمل والجبر تصير الألف معادلة لثلاثة أشياء وربع ، إذا بسطتها كانت ثلاثة عشر ، فالشي‌ء أربعة منها من ألف ، وهو ثلاثمائة وسبعة دنانير وتسعة أجزاء من ثلاثة عشر جزءا من دينار ، ونسبتها الى العبد أنها خمسة أجزاء من ثلاثة عشر جزء منه ، لأنك إذا قسمته على ثلاثة عشر خرج بالقسمة أحد وستون‌

٢٥٠

وعلى هذا لو كانت قيمة العبد تسعمائة ، فإن العفو يجوز في ثلاثمائة وأحد وعشرين دينارا وثلاثة أسباع دينار ، وذلك سبعاه ونصف سبعه ، ويفدي السيد باقيه وذلك نصفه وسبعه بمثله ومثل تسعه من الدية ، وذلك خمسة أسباع العبد وهو ستمائة واثنان وأربعون وستة أسباع دينار وهو مثلا ما جاز فيه العفو.

ولو كانت قيمته ألفا استوى الدفع والفداء ولا يدخله الدور ، لأن العفو يصح في ثلثه ويدفع ثلثيه ويفديه بمثلهما من الدية ، وذلك مثلا ما جاز فيه العفو.

هـ : لو وهب عبدا مستوعبا قيمته مائة ، فجنى على الموهوب بنصف قيمته ، جازت الهبة في شي‌ء من العبد ، ويجعل للموهوب نصف ما بطلت فيه الهبة بالجناية ، وذلك خمسون إلاّ نصف شي‌ء ، ويبقى لورثة الواهب خمسون إلاّ نصف شي‌ء ، وذلك مثلا ما جازت فيه الهبة وهو شيئان ، فإذا جبرت‌

______________________________________________________

وسبعة أجزاء من ثلاثة عشر جزءا من دينار ، هي جزء واحد من ثلاثة عشر جزءا من العبد.

قوله : ( ولو كانت قيمته ألفا ... ).

من هذا يعلم أن الدور إنما يلزم إذا كان الفداء بالأرش كائنا ما كان مع زيادته على القيمة ، فلو قلنا : إن الفداء بأقل الأمرين فلا دور كما سبق. وكذا لو اختار دفع الجاني.

قوله : ( لو وهب عبدا مستوعبا قيمته مائة ، فجنى على الموهوب بنصف قيمته ، جازت الهبة في شي‌ء من العبد ، ويجعل للموهوب نصف ما بطلت فيه الهبة بالجناية ـ وذلك خمسون إلاّ نصف شي‌ء ، ويبقى لورثة الواهب خمسون إلاّ نصف شي‌ء ، وذلك مثلا ما جازت فيه الهبة ـ وهو شيئان ـ فإذا‌

٢٥١

وقابلت صار خمسين يعدل شيئين ونصفا ، فالشي‌ء عشرون وذلك ما جازت فيه الهبة ، وبطلت في ثمانين ، ورجع على المجني عليه نصفها بالجناية أربعون ، فيصير للموهوب له ستون ، ويبقى للورثة أربعون وهو مثلا ما جاز فيه الهبة.

______________________________________________________

جبرت وقابلت صار خمسين يعدل شيئين ونصفا ، فالشي‌ء عشرون ـ وذلك ما جازت فيه الهبة ـ وبطلت في ثمانين ، ورجع على المجني عليه نصفها بالجناية أربعون فيصير للموهوب له ستون ، ويبقى للورثة أربعون ، وهو مثلا ما جاز فيه الهبة ).

أي : لو وهب المريض عبدا مستوعبا للتركة قيمته مائة ، فجنى على الموهوب جناية خطأ توجب نصف قيمته ، فإن معرفة قدر ما صحت فيه الهبة إنما يكون إذا عرف قدر التركة ، ولا يعرف إلاّ إذا علم قدر ما يرجع إلى الموهوب بالجناية ، إذ التركة التي يعتبر ثلثها هي ما يبقى بعد أرش الجناية ، ولا يعرف قدر الأرش إلاّ إذا عرف قدر ما صحت فيه الهبة.

فنقول : صحت الهبة في شي‌ء من العبد وبطلت في مائة إلاّ شيئا ، فاستحق الموهوب له نصف ذلك ، وهو خمسون إلاّ نصف شي‌ء ، لأن الأرش يوزّع على مجموع العبد ، ويسقط نصيب ما صحت فيه الهبة ، إذ لا يجب للمالك على عبده مال ، فيبقى لورثة الواهب خمسون إلاّ نصف شي‌ء يعدل مثلي ما صحت فيه الهبة ، وذلك شيئان.

فإذا جبرت خمسين إلاّ نصف شي‌ء بنصف شي‌ء ، وزدت على معادله مثل ذلك ، كان خمسون معادلا لشيئين ونصف ، فالشي‌ء عشرون ، فهو الذي صحت فيه الهبة من العبد ـ وهو خمسة ـ ، فيسقط من مقابله من الأرش ـ وهو خمسة ـ وذلك عشرة ، لأن الأرش نصف القيمة ، وبطلت الهبة في ثمانين هي أربعة أخماس العبد ، فوجب للموهوب له نصفها ـ وهو أربعون ـ ، هي أربعة أخماس الأرش ـ وذلك خمسون إلاّ نصف شي‌ء ـ ، وبقي لورثة الواهب أربعون ، هي أيضا خمسون إلاّ نصف شي‌ء يعدل شيئين.

٢٥٢

ولو جنى على الواهب بنصف قيمته جاز بالهبة شي‌ء ، ويرجع نصفه بالجناية ، فيصير للورثة مائة إلاّ نصف شي‌ء ، وذلك يعدل مثلي ما جاز فيه الهبة وهو شيئان.

فإذا جبرت وقابلت صار معك مائة تعدل شيئين ونصفا ، فالشي‌ء الواحد أربعون وهو الذي جازت الهبة فيه ، ويرجع نصفه بالجناية فيصير مع ورثة الواهب ثمانون مثلا ما جازت فيه الهبة.

______________________________________________________

واعلم أن قوله : ( فإذا جبرت وقابلت صار خمسين يعدل شيئين ) ، قد كان الأولى أن يقول : ( صار خمسون ) بالرفع على انه اسم صار ، فإن السياق يقتضي أن ( يعدل ) هو الخبر ، وأن المجموع جملة واحدة ، والنصب صحيح على أنه خبر صار ، والاسم محذوف تقديره صار ذلك خمسين ، ونحو ذلك ، فيكون الكلام جملتين على أن يعدل جملة مستقلة.

قوله : ( ولو جنى على الواهب بنصف قيمته جاز بالهبة شي‌ء ، ويرجع نصفه بالجناية ، فيصير للورثة مائة إلاّ نصف شي‌ء ، وذلك يعدل مثلي ما جاز فيه الهبة ـ و ـ هو شيئان ـ ، فإذا جبرت وقابلت صار معك مائة تعدل شيئين ونصفا ، فالشي‌ء الواحد أربعون ـ وهو الذي جازت الهبة ـ فيه ، ويرجع نصفه بالجناية ، فيصير مع ورثة الواهب ثمانون ، مثلا ما جازت فيه الهبة ).

أي : لو جنى العبد الموهوب المستوعب الذي قيمته مائة على الواهب بنصف القيمة ، فالدور بحاله ، لأن قدر التركة لا يعلم حتى يعلم قدر المستحق بالجناية ، ولا يعلم حتى يعلمه قدر ما صحت فيه الهبة ، ولا يعلم حتى يعلم قدر التركة.

فنقول : صحت الهبة في شي‌ء ، ويرجع بالجناية إلى الواهب نصف شي‌ء لأن الأرش بقدر نصف القيمة. وتبطل الهبة في مائة إلاّ شيئا ، وبعد اعتبار الراجع بالجناية تبطل في مائة إلاّ نصف شي‌ء يعدل شيئين مثلي ما جازت فيه الهبة. وبعد الجبر يظهر‌

٢٥٣

ولو أنه جنى على الواهب والموهوب على كل واحد بنصف قيمته ، جازت الهبة في شي‌ء ، ويرجع نصفه بالجناية ويبطل الهبة في مائة إلاّ شيئا ، ويرجع نصف ذلك بالجناية. فإذا ترادا بقي مع الوهوب له بعد الأخذ والرد خمسون ، ومع ورثة الواهب خمسون بعد الأخذ والرد.

وذلك يعدل مثلي ما جازت فيه الهبة وذلك شيئان ، فتكون قيمة الشي‌ء الواحد خمسة وعشرون وهو الجائز بالهبة ، وتبطل في خمسة وسبعين ، فإذا ترادا بقي في يد ورثة الواهب خمسون مثلا ما جاز فيه العفو.

______________________________________________________

أن الشي‌ء أربعون.

وقول المصنف : ( فيصير مع ورثة الواهب ثمانين مثلا ما جازت فيه الهبة ) ، كذا وجد في نسخة معتبرة بنصب ثمانين ورفع مثلا ، وعلى ثمانين مكتوب ( بخطه ). ولا ريب في أن الرفع هو مقتضى السياق ، بل هو المتعيّن على أنه اسم يصير.

لكن يمكن تكلف تقدير اسمها محذوفا بمثل ، فيصير الجميع مع ورثة الواهب ثمانين ، ونحو ذلك ، ويكون قوله ( مثلا ) خبرا لمبتدإ محذوف وإن بعد ، والأمر سهل.

قوله : ( ولو أنه جنى على الواهب والموهوب على كل واحد بنصف قيمته ، جازت الهبة في شي‌ء ، ويرجع نصفه بالجناية ويبطل الهبة في مائة إلاّ شيئا ، ويرجع نصف ذلك بالجناية. فإذا ترادا بقي مع الوهوب له بعد الأخذ والرد خمسون ، ومع ورثة الواهب خمسون بعد الأخذ والرد ، وذلك يعدل مثلي ما جازت فيه الهبة ـ وذلك شيئان ـ فتكون قيمة الشي‌ء الواحد خمسة وعشرون وهو الجائز بالهبة ، وتبطل في خمسة وسبعين. فإذا ترادا بقي في يد ورثة الواهب خمسون مثلا ما جاز فيه العفو ).

أي : لو جنى العبد المذكور لا ـ الموهوب ـ على الواهب والموهوب معا على كل واحد بنصف قيمته فالدور لازم من وجهين ، لأن معرفة ما صحت فيه الهبة لا يكون‌

٢٥٤

______________________________________________________

إلاّ إذا علم قدر التركة ، ولا يعلم إلاّ إذا علم ما يستحقه بالجناية عليه ، لأنه من جملة التركة ، وكذا ما يستحقه الموهوب بالجناية عليه لا يعلم التركة إلاّ إذا علم ، لأن التركة هي ما يبقى بعده ، ولا يعلم كل منهما حتى يعلم قدر ما صحت فيه الهبة.

فنقول : صحت الهبة في شي‌ء ويرجع نصفه بالجناية على الواهب إليه ، وبطلت في مائة إلاّ شيئا ، فإن استحقاق نصف الشي‌ء بالجناية فرع صحة الهبة فيه ، ويرجع نصف ما بطلت فيه الهبة إلى المتهب بالجناية عليه ، فيصير مع المتهب شي‌ء للواهب نصفه ، ومع الواهب مائة إلاّ شيئا للمتهب نصفه ، وهو خمسون إلاّ نصف شي‌ء.

فإذا ترادا بقي مع الموهوب له بعد أخذ خمسين إلاّ نصف شي‌ء ورد نصف شي‌ء خمسون كاملة ، ومع ورثة الواهب خمسون أيضا بعد رد خمسين إلاّ نصف شي‌ء من مائة إلاّ شيئا ، وأخذ نصف شي‌ء ، وذلك يعدل مثلي ما جازت فيه الهبة ـ وهو شيئان ـ فالشي‌ء خمسة وعشرون ، وهو الجائز بالهبة.

ويبقى خمسة وسبعون هي مائة إلاّ شيئا ، فيأخذ المتهب نصفها سبعة وثلاثين ونصفا ـ وهي خمسون إلاّ نصف شي‌ء ـ ، ويبقى له نصف شي‌ء ـ وهو اثنا عشر ونصف من الذي صحت فيه الهبة ـ ، وجملة ذلك خمسون.

ويبقى لورثة الواهب سبعة وثلاثون ونصف هي خمسون إلاّ نصف شي‌ء ، ويرجع إليهم بالجناية مما صحت فيه الهبة نصف شي‌ء ، وهو اثنا عشر ونصف ، وذلك خمسون مثلا ما جازت فيه الهبة.

ولا يخفى أن قول المصنف : ( مثلا ما جاز فيه العفو ) سهو القلم ، إذ لا عفو هنا ، بل التصرف الحاصل هنا هو الهبة ، وكأن المصنف رحمه‌الله انتقل ذهنه إلى المسائل السابقة ، فتخيّل أن التصرف الواقع عفو ، وليس كذلك.

٢٥٥

والفروع كثيرة ذكرنا أصولها وطولنا الكلام هنا ، لأن علمائنا رضي الله عنهم لم يعترضوا لشي‌ء من هذه الفروع ولا سلكوا هذا الطريق والله ولي التوفيق.

______________________________________________________

قوله : ( والفروع كثيرة ذكرنا أصولها ).

ربما يقال عليه : إن المذكور هنا فروع ، ولم يذكر شي‌ء من أصولها.

وجوابه : إنّ كل فرع ذكر فإن طريقه ينتهي إلى أصل من أصول الحساب وأزيد ، فيعرف ذلك الأصل في ضمن الفرع ، ويقاس على ذلك الفرع مساويه من الفروع التي تستخرج من ذلك الأصل.

* * *

٢٥٦

الفصل الرابع : في الوصية بالولاية ، وفيه مطلبان :

الأول : في أركانها وهي أربعة :

الأول : الموصي فيه الوصية بالولاية استنابه بعد الموت في التصرف فيما كان له التصرف فيه من قضاء ديونه واستيفائها ، ورد الودائع واسترجاعها ، والولاية على أولاده الذين له الولاية عليهم من الصبيان والمجانين ، والنظر في أموالهم والتصرف فيها بما لهم الحظ فيه ، وتفريق الحقوق الواجبة والمتبرع بها ، وبناء المساجد.

______________________________________________________

قوله : ( في الوصية بالولاية : وفيه مطلبان :

الأول : في أركانها وهي أربعة :

الأول : الموصي فيه الوصية بالولاية استنابه بعد الموت في التصرف فيما كان له التصرف فيه من قضاء ديونه واستيفائها ، ورد الودائع واسترجاعها. والولاية على أولاده الذين له الولاية عليهم من الصبيان والمجانين ، والنظر في أموالهم والتصرف فيها بما لهم الحظ فيه ، وتفريق الحقوق الواجبة والمتبرع بها ، وبناء المساجد ).

البحث عن الوصية بالولاية يستدعي النظر في الموصى فيه ، والصيغة ، والموصى والوصي. والمراد بالموصى فيه : هو متعلق الوصية بالولاية من تصرف وما جرى مجراه.

ولما كان الخوض في الأمور الأربعة مسبوقا بمعرفة الوصية بالولاية عرّفها بأنها : ( استنابة بعد الموت ... ) ، فالاستنابة كالحبس. وتقييدها بكونها بعد الموت يخرج به الوكالة والاستيداع ونحوهما.

وقوله : ( في التصرف ... ) بيان لما تقع فيه الاستنابة ، فهو من تتمة التعريف ، أتى‌

٢٥٧

ولا تصح في تزويج الأصاغر ، لعدم الغبطة على اشكال.

______________________________________________________

به لبيان متعلق الاستنابة ، وبه يعرف الموصى فيه.

والضمير في قوله : ( واستيفائها ) يعود إلى الديون. والمراد بالثانية : الديون التي له بخلاف الاولى ، فيكون المراد بالضمير غير المراد بمرجعه. ومثله قوله : ( ورد الوادئع واسترجاعها ).

وقوله : ( والولاية على أولاده ) ينبغي أن يراد بالأولاد ما يعم أولاد الأولاد ، ليندرج في الوصية بالولاية وصية الجد بها. ولما كانت ( من ) بيانا لقوله : ( الذين له الولاية عليهم ) ، كان في العبارة قصورا ، من حيث انه لم يذكر السفهاء ، مع أن الولاية ثابتة عليهم للأب والجد له ، إذا كان السفه متصلا بما قبل البلوغ ، استصحابا لما كان واستدامة للحجر الثابت المستمر.

وقوله : ( والنظر في أموالهم ) يجوز أن يكون معطوفا على الولاية التي بعد قوله : ( الذين ) ، ويجوز أن يكون معطوفا على التي قبلها. وعلى التقديرين فحاصل المعنى واحد ، لأن الولاية تعم النظر في الأموال وغيره ، والحقوق الواجبة مثل الزكاة والخمس والكفارات والمتبرع بها معطوف على الحقوق ، والمراد بها نحو الصدقات المندوبة.

وقوله : ( بناء المساجد ) يجري مجرى المثال ، فإن عمارة القناطر والربط والمدارس ، والاستئجار للصلاة والصوم والحج ، ونحو ذلك من قبيل الموصى فيه ، فكأنه قال : ( وما جرى مجرى بناء المساجد ) ، فلا يرد قصور العبارة وعدم انعكاس التعريف بعدم شمول التعريف لهذه الأمور ، من حيث أن ( من ) في قوله : ( من قضاء ديوانه ) بيانية لما في قوله : ( فيما كان له التصرف فيه ) ، وما بعده معطوف عليه.

قوله : ( ولا تصح في تزويج الأصاغر ، لعدم الغبطة على اشكال ).

أي : لا تصح الاستنابة من الأب والجد له في تزويج أولاده الأصاغر ، ذكورا كانوا أو اناثا ، على اشكال ينشأ : من اختلاف الأصحاب ، فالأكثر على انه لا يصح ،

٢٥٨

______________________________________________________

لأن الصغير لا مصلحة له في التزويج ، فلا تصح الاستنابة فيه.

ويرده أن وجود الغبطة في بعض الأحيان كوجود كفو لا يؤمن فواته قبل البلوغ ، وانه لو صح ذلك لم يكن للأب والجد له التزويج ، فإن تصرفهما منوط بالمصلحة ، وهو بديهي البطلان.

وأيضا ، فلأن الاستنابة لما تضمنت إثبات الولاية على الغير وجب الاقتصار فيها على ما يكثر دعاء الضرورة إليه ، ولا يؤمن بدون التصرف اختلاله ، ونكاح الصغير ليس من هذا القبيل ، إذ لا ضرورة إليه غالبا. وفيه نظر ، لأنا لا نسلم أن مناط الاستنابة ذلك ، ولم لا يجوز أن يكون مناطها اشتمال الفعل على المصلحة التي هي مناط صحة تصرف الوصي.

فإن قيل : الأصل عدم صحة الاستنابة في هذا الفرد.

قلنا : ما دل على جواز الاستنابة في غيره صالح للدلالة على الاستنابة فيه.

ولأن الأجنبي لا تلحقه الغيرة والحمية على نسب غيره ، فلا يناط ذلك إلاّ بنظر من تلحقه الغيرة.

ويرده أن تقييد التصرف بالمصلحة يدفع هذا المحذور ، على أن تصرف الأب والجد إنما يناط بالمصلحة دون مقتضى الغيرة ، فلا يزيد حال الوصي عليه.

وقال المصنف في المختلف بالصحة (١) ، وتبعه بعض المتأخرين ، لعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) ، ونحوه. ولأن ذلك فعل تدخله النيابة ، فصح التفويض فيه ويناط بالمصلحة. ولا يخلو هذا الوجه من قوة ، وإن كان العمل بالمشهور أحوط.

وقوله : ( لعدم الغبطة ) إشارة إلى أحد وجهي الاشكال ، وقد عرفت ما فيه.

إذا عرفت هذا ، فعلى القول بصحة الوصاية في تزويج الأطفال لو عمم له‌

__________________

(١) المختلف : ٥٤١.

(٢) المائدة : ١.

٢٥٩

وتصح في تزويج من بلغ فاسد العقل مع الضرورة إلى النكاح ، ولا في بناء البيعة وكتبة التوراة فإنها معصية.

______________________________________________________

الوصاية ، هل تثبت هذه الولاية بالتعميم ، أم لا بد من النص على ذلك؟ كل محتمل ، والاحتياط اعتبار النص عليه.

واعلم أن بعض العامة منع من جريان الوصاية في رد المغصوب والودائع ، وفي الوصية بمعين لمعين ، لأنها مستحقة بأعيانها ، فيأخذها أربابها ، بخلاف ما يحتاج إلى نظر واجتهاد كالوصية للفقراء. وهو باطل ، لأنه قد يخاف خيانة الوارث فيحتاج إلى نصب غيره ، وإطلاق عبارة الكتاب تقتضي الصحة.

قوله : ( وتصح في تزويج من بلغ فاسد العقل مع الضرورة إلى النكاح ).

لأن الاحتياج في البالغ إلى التزويج أمر كثير الوقوع ، ولا ريب في أنه إنما يزوجه في موضع الحاجة.

وينبغي أن يكون السفيه كذلك ، لكن يفرق بين السفيه ومن بلغ فاسد العقل ، بأن السفيه لا يجبر على النكاح ، بل يتوقف نكاحه إذا أراده على إذن الوصي ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

وهل تثبت الولاية بتعميم الاستنابة ، أم لا بد من النص على التزويج؟ فيه كما سبق.

قوله : ( ولا في بناء البيعة والكنيسة ، وكتبة التوراة فإنها معصية ).

أما البيعة والكنيسة فلأنهما مشعرا العبادة الباطلة ومشاتم الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولا فرق في ذلك بين إحداثها ومرمتها ، ولا بين كونها في أرض يجوز إحداثها فيها ـ كأرض أهل الذمة التي صولحوا عليها ـ أولا.

أما كتبة التوراة فإنها مع كونها منسوخة محرّفة لا يبعد الجواز لو أريد بكتبتها النقض والحجة.

٢٦٠