جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٤

______________________________________________________

( دخل ) ، لأن نكاح المريض بدون الدخول باطل عندنا كما سبق.

وقوله : ( وإلاّ دار ) معناه : وإن لم يسقط المسمّى لزم الدور. ثم هذا الدور يحتمل أن يراد به الدور الحقيقي ، وقوله : ( المتوقف على صحة العتق في الجميع المتوقف على بطلان المسمى ) يشعر بذلك ، لأن توقف كل من الشيئين على الآخر هو الدور الحقيقي.

ويحتمل أن يراد به الدور المستعمل عند الفقهاء ، فإن التوقف غير ثابت من الجانبين هنا ، لأن النكاح وإن توقف على صحة العتق ، لامتناع نكاح المملوكة للناكح أو بعضها ، إلاّ أن صحة العتق غير متوقف على بطلان المسمى ، إذ لا تنافي بينهما.

واتفاق التنافي بينهما لعارض ـ وهو ضيق التركة ـ لا يقتضي توقفه على بطلانه ، إذ لو اتفق حصول مال آخر لم تكن صحة العتق متوقفة على بطلان المسمى.

وكيف كان فالمختار بطلان المسمى لما قلناه وإن وجب بالدخول من مهر المثل بنسبة المنعتق ، لأن ذلك عوض إتلاف منفعة البضع ، فثبوته قهري كالأرش ، سواء زاد على المسمى ، أو نقص عنه. وإلى هذا أشار بقوله : ( نعم يثبت مهر المثل وإن كان أكثر من المسمّى ، ولا يثبت الأقل منه ومن مهر المثل ، لأنه كالأرش ).

وإنما صدّر بنعم الاستدراكية ، لأن نفي المسمى لضيق التركة معه عن العتق ربما أوهم نفي مهر المثل ، فصرح بالمراد ، فإن مهر المثل ثابت على وجه قهري وليس كالمسمى ، ومع ذلك فإن الثابت هنا ليس تمام مهر المثل ، بل بنسبة المنعتق.

والمسمى إنما يثبت إذا ثبت عتق الجميع فيلزم الدور ، لأن القدر اللازم من المهر كدين يلحق التركة فيوجب نقصان ما عتق ، وإذا نقص ما عتق نقص ما يلزم من المهر ، وإذا نقص زاد ما يعتق.

وطريق التخلص ما أشار إليه بقوله : ( فلو كان بقدر ثلث صح العتق في شي‌ء ، ولها من مهر المثل بإزائه ، وللورثة شيئان بإزاء ما عتق ، فالتركة في تقدير أربعة أشياء ،

٢٢١

نعم يثبت مهر المثل وإن كان أكثر من المسمى ، ولا يثبت الأقل منه ومن مهر المثل ، لأنه كالأرش ، فلو كان بقدر ثلث صح العتق في شي‌ء ولها من مهر المثل بإزائه ، وللورثة شيئان بإزاء ما عتق ، فالتركة في تقدير أربعة أشياء ، شيئان للجارية وشيئان للورثة ، فيعتق ثلاثة أرباعها ولها ثلاثة أرباع مهر المثل والباقي للورثة.

ولو كان مهرها نصف قيمتها وهي مستوعبة ، عتق منها شي‌ء ولها بصداقها نصف شي‌ء وللورثة شيئان ، يقسط الجميع سبعة ، فلها ثلاثة ولهم أربعة فيتحرر ثلاثة أسباعها.

______________________________________________________

شيئان للجارية وشيئان للورثة ، فيعتق ثلاثة أرباعها ولها ثلاثة أرباع مهر المثل والباقي للورثة ).

أي : فلو كان مهر مثلها بقدر ثلث التركة كقيمتها نقول : صح العتق في شي‌ء ، ولها من مهر المثل بإزائه شي‌ء. وللورثة شيئان بإزاء ما عتق منها ، فالتركة ـ وهي الجارية وما معها وهو مثلاها ـ في تقدير أربعة أشياء ، فيقسم ثلاثة على أربعة يخرج ثلاثة أرباع ، فالشي‌ء ثلاثة أرباع الجارية.

أو تنسب الشي‌ء إلى أربعة تجده ربعا ، فالمنعتق من الجارية ربع التركة ، وهو ثلاثة أرباعها وتستحق ثلاثة أرباع مهر المثل ، والباقي ـ وهو ربع الجارية ومثل قيمتها وربع المثل الآخر ـ للورثة ، وذلك مثلا ما عتق منها ، وما استحقته من المهر غير محسوب لأنه كالأرش.

قوله : ( ولو كان مهرها نصف قيمتها وهي مستوعبة ، عتق منها شي‌ء ولها بصداقها نصف شي‌ء ، وللورثة شيئان ، تبسط الجميع سبعة ، فلها ثلاثة ولهم أربعة ، فيتحرر ثلاثة أسباعها ).

أي : لو كان مهر مثل الجارية نصف قيمتها ، وهي مستوعبة للتركة ، فالدور لازم‌

٢٢٢

ولو أراد الورثة أن يدفعوا حصتها من مهرها وهو سبعها ، ويعتق منها سبعاها ، ويسترقوا خمسة أسباعها فليس لهم ذلك.

______________________________________________________

بسبب الدخول بها ، لأنها تستحق من مهر المثل بقدر ما عتق منها. وتنفيذ العتق في ثلث الباقي منها بعد القدر الذي استحقته من مهر المثل ، وبزيادته تقل التركة ، فيقل المنعتق منها ، وبنقصانه يزيد ، فيقال : عتق منها شي‌ء ولها من مهر المثل بقدر نصفه ، لأن مهر المثل نصف القيمة.

وللورثة شيئان في مقابل ما عتق منها ، فتكون الجارية معادلة لثلاثة أشياء ونصف ، نبسط الأشياء فيكون سبعة ، فالشي‌ء سبعاها فينعتق سبعاها ، ولها من مهر المثل قدر نصف ذلك ، وهو سبع. وللورثة في مقابل ما انعتق منها أربعة أسباع ، فيتحرر ثلاثة أسباعها ، لأن ما استحقته من نفسها مهرا يجب انعتاقه.

قوله : ( ولو أراد الورثة أن يدفعوا حصتها من مهرها ـ وهو سبعها ـ ويعتق منها سبعاها ، ويسترقوا خمسة أسباعها ، فليس لهم ذلك ).

اختلف كلام المصنف في هذه المسألة ، فيقال في التحرير : ولو أراد الورثة دفع حصتها من مهرها ـ وهو سبعاه ـ ويعتق منها سبعاها ويسترقوا خمسة أسباعها فلهم ذلك. ولو قلنا : يحسب مهرها من قيمتها ، وتسعى فيما بقي ـ وهو ثلث قيمتها ـ كان وجها (١).

وقال في التذكرة : ثم السبع المصروف إلى المهر ، إن رضيت به بدلا عما لها من المهر فذاك ، ويعتق عليها حين ملكته لا بالإعتاق الأول. وإن امتنعت بيع سبعها في مهرها (٢). فيحصل في المسألة قولان :

أحدهما : إن الورثة مخيّرون في دفع دينها الذي استحقته مهرا ، لما عتق منها ، فإن دفعوه من عينها ورضيت به عتق بملكها إياه. وإن أرادوا دفعه من محل آخر ،

__________________

(١) التحرير ١ : ٣٠٩.

(٢) التذكرة ٢ : ٥٤٦.

٢٢٣

ولو كان يملك مع الجارية قدر نصف قيمتها ، عتق ثلاثة أسباعها ولها ثلاثة أسباع مهرها. وإنما قل العتق ، لأنها لما أخذت ثلاثة أسباع مهرها نقص المال ، فيعتق منها ثلث الباقي وهو ثلاثة أسباعها.

وطريقه أن نقول : عتق منها شي‌ء ولها بمهرها نصف شي‌ء ، وللورثة‌

______________________________________________________

ويبقى سبع الجارية ملكا لهم كان لهم ذلك ، لأنهم مخيّرون في جهات الأداء ، ولهم أن يستأثروا بأعيان التركة ويؤدوا الدين من أموالهم.

الثاني : أنه لا خيار للورثة ، لأن السعي في باقي القيمة ليعتق ثابت ، فإذا ثبت لها في التركة دين كان انعتاقها بطريق أولى ، ولا يكون للورثة خيار.

وهذا واضح بناء على السعي ، إلاّ أن الحكم على هذا التقدير لا يختص بهذه المسألة ، بل جميع المسائل التي قبلها وبعدها يكون الحكم فيها كذلك.

وهل لها أن تمتنع من قبول بعضها عوض المهر؟ صريح كلام التذكرة (١) توقف الأمر على رضاها ، وإنما يتم هذا إذا قلنا : إنّ السعي وعدمه منوط برضاها ، وهو محتمل.

تنبيه : هل النكاح في هذه المسائل سائغ والحالة هذه؟ الظاهر نعم ، لأن المريض مالك متمكن من التصرف ، والمنافي لم يتحقق ، وإنما ينكشف عند الموت ، وقد صرح بذلك في التحرير (٢).

قوله : ( ولو كان يملك مع الجارية قدر نصف قيمتها ، عتق ثلاثة أسباعها ، ولها ثلاثة أسباع مهرها. وإنما قل العتق ، لأنها لما أخذت ثلاثة أسباع مهرها نقص المال ، فعتق منها ثلث الباقي وهو ثلاثة أسباعها. وطريقه أن نقول : عتق منها شي‌ء ، ولها بمهرها نصف شي‌ء ، وللورثة شيئان‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٤٦.

(٢) التحرير : ٣٠٨.

٢٢٤

شيئان يعدل ذلك الجارية ونصف قيمتها ، فالشي‌ء سبعاها وسبعا نصف قيمتها وهو ثلاثة أسباعها ، فهو الذي عتق منها ، وتأخذ نصف ذلك من المال بمهرها وهو ثلاثة أسباعه.

ولو كان يملك مثل القيمة عتق أربعة أسباعها ، ولها أربعة أسباع‌

______________________________________________________

يعدل ذلك الجارية ونصف قيمتها ، فالشي‌ء سبعاها وسبعا نصف قيمتها ـ وهو ثلاثة أسباعها ، فهو الذي عتق منها ، وتأخذ نصف ذلك من المال بمهرها وهو ثلاثة أسباعه ).

أي : لو كان المريض الذي أعتق وتزوج الجارية يملك معها قدر نصف قيمتها خاصة عتق منها ثلاثة أسباعها ، واستحقت من مهر المثل بالنسبة ، وذلك ثلاثة أسباعه.

وإنما كان ما انعتق منها قليلا ، لأنها تستحق من مهرها بنسبة المنعتق ، فإذا استحقت من المال ثلاثة أسباعه ، كان المنعتق منها ـ وهو ثلاثة أسباعها ـ بقدر ثلث الباقي ، فلم يسع الثلث زائدا على ذلك. ولا ريب في لزوم الدور ، حيث أن قدر المنعتق منها لا يعلم إلاّ إذا علم قدر نصيبها من المهر ، وبالعكس.

وطريق التخلص أن نقول : عتق منها شي‌ء ، ولها بمهرها نصف شي‌ء ، وللورثة شيئان مثلا ما انعتق منها ، فالجارية ونصف قيمتها يعدل ثلاثة أشياء ونصفا ، تبسط الجميع ، تكون الأشياء سبعة ، فالجارية ونصف القيمة ثلاثة.

فإن قسمت ثلاثة على سبعة ، فالخارج ثلاثة أسباع ، فالشي‌ء ثلاثة أسباع الجارية. وإن نسبت إلى مجموع الأشياء كان سبعيها ، فالشي‌ء سبعا مجموع الجارية والمال ، وذلك ثلاثة أسباعها ، فإن سبعي المال بقدر سبع الجارية ، ولها بالمهر نصف ذلك ـ وهو ثلاثة أسباعه ـ ، وللورثة أربعة أسباعها وأربعة أسباع المال ، وهي بقدر سبعيها ، وذلك بقدر ما عتق منها مرتين.

قوله : ( ولو كان يملك مثل القيمة عتق أربعة أسباعها ولها أربعة‌

٢٢٥

مهرها ، يبقى للورثة ثلاثة أسباعها وخمسة أسباع قيمتها ، وذلك يعدل مثلي ما عتق منها.

وطريقه أن تجعل السبعة الأشياء معادلة لها ولقيمتها ، فيعتق منها بقدر سبعي الجميع وهو أربعة أسباعها ، وتستحق سبع الجميع بمهرها وهو أربعة أسباع مهرها.

وإن كان يملك مثلي قيمتها عتقت كلها وصح نكاحها ، لأنها تخرج‌

______________________________________________________

أسباع مهرها ، يبقى للورثة ثلاثة أسباعها وخمسة أسباع قيمتها ، وذلك يعدل مثلي ما عتق منها.

وطريقه أن تجعل السبعة الأشياء معادلة لها ولقيمتها ، فيعتق منها بقدر سبعي الجميع ـ وهو أربعة أسباعها ـ ، ويستحق سبع الجميع بمهرها ، وهو أربعة أسباع مهرها ).

أي : لو كان المريض المعتق الناكح يملك مثل قيمة الجارية ، والصورة ما تقدم ، وهي أن مهر مثلها نصف قيمتها ، فالدور بحاله ، والمنعتق منها أربعة أسباعها ، ولها من مهر المثل أربعة أسباعه ـ وهي سبعا قيمتها ـ ، ويبقى للورثة ثلاثة أسباعها وخمسة أسباع قيمتها ، وذلك مثلا ما عتق منها.

وطريق ذلك أن نقول : عتق منها شي‌ء ، ولها من مهرها نصف شي‌ء ، وللورثة شيئان ، فالجارية وقيمتها تعدل ثلاثة أشياء ونصفا.

فإذا بسطت الأشياء كانت سبعة ، فإذا قسمت القيمتين على السبعة الأشياء خرج اثنان ، فالشي‌ء أربعة. وإن نسبت الشي‌ء إلى السبعة كان سبعها ، فهو سبعا مجموع الجارية والقيمة ، وذلك أربعة أسباع الجارية ، فيعتق ذلك ويتبعه من مهر المثل أربعة أسباعه هي بقدر سبعي القيمة.

قوله : ( وإن كان يملك مثلي قيمتها عتقت كلها وصح نكاحها ، لأنها‌

٢٢٦

من الثلث إن أسقطت مهرها ، وإن لم تسقط عتق ستة أسباعها ولها ستة أسباع مهرها وبطل عتق سبعها ونكاحها.

______________________________________________________

تخرج من الثلث إن أسقطت مهرها ، وإن لم تسقط عتق ستة أسباعها ، ولها ستة أسباع مهرها ، ويبطل عتق سبعها ونكاحها ).

أي : إن كان المنعتق المذكور يملك مثلي قيمة الجارية المذكورة عتقت كلها ، وصح نكاحها بشرط أن يسقط مهرها ، لأنها إذا أسقطت مهرها وسع الثلث قيمتها ، إذ لا دين حينئذ فعتقت ، وحينئذ فيصح النكاح.

وإن لم يسقطه عتق ستة أسباعها ، ولها ستة أسباع المثل ، ويبطل عتق سبعها ونكاحها ، ويحصل للورثة سبعها وقيمة وأربعة أسباع الأخرى ، وذلك مثلا ما عتق منها.

وطريقة معرفة ذلك ـ حيث أن الدور لازم ـ أن يقال : عتق منها شي‌ء ولها من مهر المثل نصفه ، وللورثة شيئان ، وبعد البسط هي سبعة معادلة للجارية وقيمتها.

فإن قسمت الثلاثة على السبعة الأشياء خرج ثلاثة أسباع هي نصف الشي‌ء ، فالشي‌ء ستة أسباع الجارية. وإن نسبت الشي‌ء إلى السبعة فهو سبعاها ، فالمنعتق منها سبعا مجموع التركة ـ وذلك ستة أسباعها ـ ولها من مهر المثل ستة أسباعه هي ثلاثة أسباع قيمتها ، فيبقى سبعها وأربعة أسباع قيمة ، وقيمة كاملة ، وذلك مثلا ما عتق منها.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن المهر في قوله : ( إن أسقطت مهرها ) يحتمل أن يراد به المسمّى. ويحتمل أن يراد به استحقاقها من مهر المثل ، فإن أريد الأول فلا بد من تقييده بكون الإبراء قبل الحكم بفساده ، وذلك قبل الموت ، لأن النكاح محكوم بصحته ظاهرا ما دام حيا ، فإذا مات ولم يخلّف ما يسع قيمة الجارية والمهر المسمّى تبيّن بطلان النكاح ، وبذلك صرح المصنف في التحرير (١).

وإن أريد الثاني فلا بد من تقييده بكون المسمّى قد بطل ، لأنه مع ثبوت‌

__________________

(١) التحرير ١ : ٣٠٨ ـ ٣٠٩.

٢٢٧

ولو خلّف أربعة أمثال قيمتها صح عتقها ونكاحها وصداقها ، لأن ذلك يخرج من الثلث.

ولو زوّج أمته عبدا وقبض الصداق وأتلفه ثم أعتقها فلا خيار لها ، إذ لو فسخت لارتد المهر ولم تخرج من الثلث ، فيبطل العتق والخيار.

______________________________________________________

المسمّى لا تستحق شيئا من مهر المثل. ولا بد من أن يراد بالمهر على هذا التقدير بعضه ، لأنها في الصورة المذكورة لا تستحق جميعه. ويحتمل أن يراد بالمهر مطلق ما تستحق في ذمة السيد بالنكاح أو الوطء.

قوله : ( ولو خلّف أربعة أمثال قيمتها صح عتقها ونكاحها وصداقها ، لأن ذلك يخرج من الثلث ).

ينبغي أن يراد بالمشار إليه بـ ( ذلك ) قيمة الجارية ، لأن مهر المثل فما دون في نكاح المريض لا يحسب من الثلث كما تقدم ، إنما المحسوب من الثلث ما زاد عليه لو سمّى الزائد.

ولا بد من أن يراد كون المسمّى قدر قيمتها ، لأنه لو كان أقل لكان المعتبر بعد إخراج المسمى بقاء ما يفي ثلثه بقيمة الجارية من التركة. وإنما أطلقه المصنف اعتمادا على ما أسلفه في أول البحث ، حيث قال : ( ثم تزوجها على ثلث آخر ).

قوله : ( ولو زوّج أمته عبدا وقبض الصداق وأتلفه ثم أعتقها فلا خيار لها ، إذ لو فسخت لارتد المهر ولم يخرج من الثلث ، فيبطل العتق والخيار ).

أي : لو زوّج المريض أمته عبدا وقبض الصداق وأتلفه ثم أعتقها ، وثلث التركة لا يزيد على قيمتها. ويستفاد هذا القيد من العبارة من قوله فيما بعد : ( ولم يخرج من الثلث ) فلا خيار لها بالعتق في فسخ النكاح والحالة هذه ، لأنها لو اختارت الفسخ لاستحق الزوج الرجوع بالمهر ، فيكون دينا على السيد ، فينقص ثلث التركة عن قيمة الجارية ، فيبطل عتق جميعها ويبطل الخيار أيضا ، فثبوت الخيار يؤدي إلى نفيه ، وكلما أدى ثبوته إلى نفيه فثبوته محال. ولا بد من فرض كون الفسخ قبل‌

٢٢٨

ولو أوصى له ببنته فمات قبل القبول وخلّف أخاه فقبل عتقت ولم ترث ، وإلاّ لحجبت الأخ فيبطل القبول فيبطل العتق.

______________________________________________________

الدخول ، لأنه إذا دخل استقر المهر فلم يبطل بالفسخ ، فلا يلزم المحذور.

قوله : ( ولو أوصى له ببنته فمات قبل القبول وخلّف أخاه ، فقبل عتقت ولم ترث ، وإلاّ لحجبت الأخ فيبطل القبول فيبطل الإرث ).

أي : لو أوصى موص لرجل ببنته فمات الموصي والموصى له أيضا قبل القبول ، قام وارثه مقامه كما تقدّم. فلو كان الوارث أخا فقبل الوصية عتقت البنت ولم ترث من تركة أبيها شيئا ، إذ لو ورثت لحجبت الأخ ويخرج عن كونه وارثا ، فيبطل قبوله ، فيبطل العتق والإرث ، فيكون ثبوت الإرث مؤديا إلى نفيه ، فيكون محالا.

لكن يرد عليه بناء على أن القبول كاشف عن لزوم ثبوت الإرث لتبين نفوذ العتق من حين إيقاعه ، فلا يكون الأخ وارثا ، بل يكون محجوبا بالبنت ، لاستحالة أن يرث الأبعد مع وجود الأقرب.

وقد أجاب المصنف عن هذا الإشكال في أول كتاب الوصايا في البحث عن أن قبول الوصية كاشف أو ناقل بما حاصله : أنّ القبول يكفي لصحة كون القابل وارثا ظاهرا ، إلاّ في نفس الأمر كالإقرار ، وعلى ذلك بنى الحكم في الاحتمال المذكور في مسألة ابني عم المذكورة في تصرفات المريض.

وفي هذا الجواب نظر ، لأن الإقرار يتصور صحته من الوارث ظاهرا لا في نفس الأمر ، بل يتعيّن ذلك ، وإلاّ لكان الإقرار كذبا. وأما القبول فإنما يعتبر من الوارث حقيقة ، إذ لو قبل الوارث ظاهرا ، مع وجود وارث حقيقة هو أقرب منه ثم تبين الحال ، لم يعتد بذلك القبول قطعا.

ولا استبعاد في أن يقال : إذا قبل الأخ بعد ثبوت استحقاقه جميع التركة ، انكشف لنا عتق البنت دون إرثها ، لوجود منافيه ـ وهو استحقاق الأخ الإرث بعد موت أخيه ـ فلا سبيل إلى بطلانه لتحقق ثبوته. والتحقيق انه قد تعارض شيئان :

٢٢٩

______________________________________________________

كاشفية القبول ، وثبوت الإرث ، فيبطل الترجيح. ومهما قلنا به هنا ، قلنا بمثله في الموضعين السابقين.

* * *

٢٣٠

النوع الرابع : الجنايات :

أ : لو وهبه عبدا مستوعبا فقتل العبد الواهب ، فإن اختار المتهب الدفع دفعه اجمع ، نصفه بالجناية ونصفه لانتقاض الهبة فيه ، لأن العبد قد صار إلى الورثة وهو مثلا نصفه فتبيّن صحة الهبة في نصفه.

______________________________________________________

قوله : ( النوع الرابع : الجنايات :

الأول : لو وهبه عبدا مستوعبا ، فقتل العبد الواهب ، فإن اختار المتهب الدفع دفعه أجمع ، نصفه بالجناية ، ونصفه لانتقاص الهبة فيه ، لأن العبد قد صار إلى الورثة ـ وهو مثلا نصفه ـ ، فتبيّن صحة الهبة في نصفه ).

أي : لو وهب المريض عبدا مستوعبا للتركة فقتل العبد الموهوب الواهب ، وحقه أن يكون القتل خطأ بقرينة قوله : ( فإن اختار المتهب ... ) ، لأن الاختيار في دفع الجاني أو فدائه إنما يكون إلى مولى العبد دون المجني عليه في الخطأ دون العمد.

فإن اختار المتهب دفع العبد دفعه أجمع ـ وذلك إنما يكون إذا كانت الدية بقدر قيمته فصاعدا فإنه حينئذ كل شي‌ء نفذت فيه الهبة تعلقت به الجناية ، إذ لا يستحق المولى على مملوكه الجاني مالا. وكل ما تعلقت به الجناية أخذ بها إذا رضي المولى ، فحينئذ يصير العبد كله لورثة الواهب ، بعضه بالجناية ، وبعضه بانتقاض الهبة فيه ، فتبين صحة الهبة في نصفه ، لأن الحاصل للورثة ـ وهو مجموعه ـ بقدر النصف مرتين ، وكل ما نفذ فيه التصرف فلا بد من حصول ضعفه للورثة.

فإن قيل : إذا كان العبد للورثة على كل حال ، فأي فائدة في معرفة قدر ما صحت فيه الهبة؟

قلنا : ربما صدر منه تصرف يقف على الاذن قبل أخذ الورثة له ، فبعلم قدر ما صار إلى المتهب يعلم مقدار التوقف على رضاه من التصرف. وكذا فطرته لو حدث في‌

٢٣١

وإن اختار الفداء فخلاف : قيل بأقل الأمرين ، وقيل بالأرش. فإن كانت قيمته دية فنقول : صحت الهبة في شي‌ء ، ويدفع إليهم باقي العبد وقيمة ما صحت الهبة فيه ، وذلك يعدل شيئين ، فالشي‌ء نصف العبد.

______________________________________________________

ذلك الوقت موجبها ، ومؤنة موته ، ونحو ذلك.

ولو اكتسب شيئا كانت حصة المتهب من الكسب ثابتة على ملكه ، فلو اكتسب مثل قيمته قبل القتل ثم قتل ، أو بعد الجناية وقبل الموت ، فالدور لازم ، إذ لا يعرف قدر ما صحت فيه الهبة إلاّ إذا عرف قدر نصيب المتهب من الكسب.

وبالعكس ، فنقول : صحت الهبة في شي‌ء من العبد وتبعه من الكسب شي‌ء ، ثم يرجع ما صحت الهبة فيه إلى الورثة بدفع المتهب إياه في الجناية ، فصار بأيديهم مجموع العبد ، وباقي الكسب معادلا لشيئين مثلا ما صحت فيه الهبة ، فالعبد وكسبه في تقدير ثلاثة أشياء ، فالشي‌ء ثلثاه ، فصحت الهبة في ثلثيه ، وللمتهب ثلثا كسبه ، والعبد ، وثلث الكسب بقدر ما صحت فيه الهبة مرتين.

واعلم أن الفرض المذكور في الكتاب لا دور فيه ، بل يعلم قدر ما صحت فيه الهبة بأدنى ملاحظة.

قوله : ( وإن اختار الفداء فخلاف ، قيل : بأقل الأمرين ، وقيل : بالأرش ).

القولان في أن العبد الجاني خطأ إذا أراد مولاه افتكاكه ، هل يفكه بأقل الأمرين من القيمة والأرش ، أم بالأرش بالغا ما بلغ؟ قد سبق ذكرهما ، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام عليهما في موضعه.

قوله : ( فإن كانت قيمته دية ، فنقول : صحت الهبة في شي‌ء وندفع إليهم باقي العبد وقيمة ما صحت الهبة فيه ، وذلك يعدل شيئين فالشي‌ء نصف العبد ).

أي : فإن كانت قيمة العبد بقدر الدية ، واختار المتهب الفداء على ما دل عليه‌

٢٣٢

ولو كانت قيمته ثلاثة أخماس الدية فاختار فداءه بالدية ، فقد صحت الهبة في شي‌ء ويفديه بشي‌ء وثلثين ، فصار مع الورثة عبد وثلثا شي‌ء يعدل شيئين ، فالشي‌ء ثلاثة أرباع ، فتصح الهبة في ثلاثة أرباع العبد ، ويرجع إلى الواهب ربعه مائة وخمسون وثلاثة أرباع الدية سبعمائة وخمسون ، صار‌

______________________________________________________

قوله : ( وإن اختار الفداء لزم الدور ) ، لأنا لا نعرف قدر ما يفدى حتى نعرف قدر ما صحت فيه الهبة ، ولا نعرف قدر ما صحت فيه الهبة حتى نعرف قدر التركة ، ولا نعرفه حتى نعرف قدر ما يحصل بالفداء.

وإن كان لوحظ أن كون القيمة بقدر الدية يقتضي أن الواصل إلى الورثة قدر تمام قيمة العبد ، فتصح الهبة في قدر نصف القيمة ـ وذلك نصفه ـ فيجب أن يكون هو الذي يفدي ، إلاّ أن ذلك لا يخرج الفرض عن كونه دوريا.

إذا عرفت ذلك ، فنقول للتخلص : صحت الهبة في شي‌ء ، ويدفع إليهم باقي العبد ـ وهو عبد إلاّ شيئا ـ وقيمة ما صحت فيه الهبة. فإن شئت قلت : وهو شي‌ء ، لأن القيمة بقدر الدية ، فيكون عبدا إلاّ شيئا ، وشي‌ء يعدل شيئين مثلي ما صحت فيه الهبة ، فيكون العبد معادلا لشيئين.

وإن شئت قلت : باقي العبد وقيمة ما صحت فيه الهبة معادل لشيئين ، وقد صحت الهبة في شي‌ء من العبد ، فيكون العبد وقيمة ما صحت فيه الهبة معادلا لثلاثة أشياء.

ولا ريب أن قيمة ما صحت فيه الهبة شي‌ء ، إذ هي بقدره ، والدية بقدر القيمة ، فإذا أسقطته بمثله بقي العبد معادلا لشيئين ، فالشي‌ء نصفه.

قوله : ( ولو كانت قيمته ثلاثة أخماس الدية ، فاختار فداءه بالدية ، فقد صحت الهبة في شي‌ء ، ويفديه بشي‌ء وثلثين ، فصار مع الورثة عبد وثلثا شي‌ء يعدل شيئين ، فالشي‌ء ثلاثة أرباع ، فتصح الهبة في ثلاثة أرباع العبد ، ورجع إلى الواهب ربعه ـ مائة وخمسون ـ وثلاثة أرباع الدية ـ سبعمائة وخمسون ـ

٢٣٣

الجميع تسعمائة وهو مثلا ما صحت فيه الهبة.

ولو ترك الواهب مائة دينار ضممتها إلى قيمة العبد ، فإن اختار دفع العبد دفع ثلثه وربعه وذلك قدر نصف جميع المال بالجناية وباقيه لانتقاص الهبة ، فيصير للورثة العبد والمائة ، وهو مثلا ما جازت الهبة فيه.

______________________________________________________

صار الجميع تسعمائة ، وهو مثلا ما صحت فيه الهبة ).

أي : لو كانت قيمة العبد في الفرض السابق بقدر ثلاثة أخماس الدية ـ وذلك ستمائة دينار ـ ، فإن الدية ألف. فإن اختار المتهب دفعه فلا بحث ، إذ الهبة صحيحة في نصفه ، لرجوع مجموعه إلى وارث الواهب كما سبق.

وإن اختار الفداء ، وقلنا : إنّه يفديه بأقل الأمرين فكذلك. وإن قلنا : بالأرش كائنا ما كان فالدور لازم ، فإن زيادة الهبة تقتضي زيادة الأرش ، فتزيد الهبة ، وهكذا.

فنقول : صحت الهبة في شي‌ء ، ويفديه المتهب بشي‌ء وثلثي شي‌ء ، لأن نسبة الدية إلى القيمة أنها مثلها وثلثا مثل آخر ، فيصير مع الورثة عبد وثلثا شي‌ء يعدل مثلي ما صحت فيه الهبة ـ وذلك شيئان ـ فنقابل ثلثي شي‌ء بمثلها ، يبقى عبد يعدل شيئا وثلثا ، فالشي‌ء ثلاثة أرباعه ، وهو الذي صحت فيه الهبة ، ويرجع إلى الواهب ربعه بمائة وخمسين وثلاثة أرباع الدية سبعمائة وخمسون ، صار الجميع تسعمائة ، وذلك مثلا ما صحت فيه الهبة ـ أعني ثلاثة أرباع العبد ـ فإن قيمتها أربعمائة وخمسون.

قوله : ( ولو ترك الواهب مائة دينار ضممتها إلى قيمة العبد ، فإن اختار دفع العبد دفع ثلثه وربعه ـ وذلك قدر نصف جميع المال ـ بالجناية ، وباقيه لانتقاص الهبة ، فيصير للورثة العبد والمائة ، وهو مثلا ما جازت فيه الهبة ).

أي : لو ترك الواهب مائة دينار اخرى سوى العبد ، والصورة السابقة بحالها ، من أن قيمته بقدر ثلاثة أخماس الدية ، فالمائة محسوبة من التركة مع قيمة العبد ، والدور لازم في معرفة قدر ما صحت فيه الهبة ، سواء اختار دفع العبد أم الفداء.

٢٣٤

وإن اختار الفداء ـ وقد علمت انه إذا لم يترك شيئا فدى ثلاثة أرباعه ـ فزد على ذلك ثلاثة أرباع المائة يصير ذلك سبعة أثمان العبد ، فيفديه بسبعة أثمان الدية.

ب : لو أعتق عبدا مستوعبا قيمته مائة ، فقطع إصبع سيده خطأ ،

______________________________________________________

فإن اختار الدفع ، فالطريق ان نقول : صحت الهبة في شي‌ء ، ثم رجع ما صحت فيه الهبة إلى الورثة ـ وهو الشي‌ء ـ فصار بأيديهم جميع العبد والمائة معادلا لما صحت فيه الهبة مرتين ـ وذلك شيئان ـ فالشي‌ء ثلاثمائة وخمسون ، وهو ثلث العبد وربعه ونصف جميع المال.

قوله : ( وإن اختار الفداء ـ وقد علمت انه إذا لم يترك شيئا فدى ثلاثة أرباعه ، فزد على ذلك ثلاثة أرباع المائة ، يصير ذلك سبعة أثمان العبد ، فيفديه بسبعة أثمان الدية ).

ما سبق هو حكم ما إذا اختار دفع العبد ، وهذا حكم ما إذا اختار المتهب فداه. وتحقيقه : أنك قد علمت فيما تقدم أن الواهب إذا لم يخلف مع العبد شيئا يفدي ثلاثة أرباع العبد ، فحيث خلف معه مائة فدى منه أيضا قدر ثلاثة أرباعها على النسبة ـ وذلك سبعة أثمان العبد ـ فهو الذي صحت فيه الهبة ، وفداؤه بسبعة أثمان الدية.

وطريقه أن نقول : صحت الهبة في شي‌ء ، ويفديه المتهب بشي‌ء وثلثي شي‌ء ، فيصير مع الورثة عبد ومائة وثلثا شي‌ء يعدل مثلي ما صحت فيه الهبة ، وذلك شيئان.

فنقابل ثلثي شي‌ء بمثلها ، يبقى عبد ومائة يعدلان شيئا وثلثا ، فالشي‌ء ثلاثة أرباعها ، وذلك خمسمائة وخمسة وعشرون هي سبعة أثمان العبد ، يفدى بسبعة أثمان الدية ثمانمائة وخمسة وسبعون ، ويرجع إلى الورثة ثمن العبد بخمسة وسبعين مع المائة ، فيجتمع لهم ألف وخمسون ، وهو مثلا ما صحت فيه الهبة.

قوله : ( لو أعتق عبدا مستوعبا قيمته مائة ، فقطع إصبع سيده خطأ ،

٢٣٥

عتق نصفه وعليه نصف قيمته ، فيصير للسيد نصفه ونصف قيمته.

وذلك مثلا ما عتق وأوجبنا نصف القيمة ، لأن عليه من أرش جنايته بقدر ما عتق منه ، فنقول : عتق منه شي‌ء وعليه شي‌ء للسيد ، فصار مع السيد عبد إلاّ شيئا وشي‌ء يعدل شيئين ، فأسقط شيئا بشي‌ء بقي ما معه من العبد يعدل شيئا مثل ما عتق منه.

______________________________________________________

عتق نصفه وعليه نصف قيمته ، فيصير للسيد نصفه ونصف قيمته ـ وذلك مثلا ما عتق ـ وأوجبنا نصف القيمة ، لأن عليه من أرش جنايته بقدر ما عتق منه ، فنقول : عتق منه شي‌ء وعليه شي‌ء للسيد ، فصار مع السيد عبد إلاّ شيئا وشي‌ء يعدل شيئين ، فأسقط شيئا بشي‌ء بقي ما معه من العبد يعدل شيئا مثل ما عتق منه ).

لما كانت دية الإصبع بقدر قيمة العبد ، ولا يجب للسيد عليه شي‌ء إلاّ باعتبار ما تحرر منه ـ لما علم غير مرة من أنه لا يجب للمالك على ماله مال ـ لم يجب للسيد عليه من الدية إلاّ بقدر ما تحرر منه فيلزم الدور ، إذ لا يعلم قدر ما تحرر منه حتى يعلم قدر التركة ، ولا يعلم قدرها حتى يعلم قدر الحاصل من الدية ، ولا يعلم قدره حتى يعلم قدر ما تحرر.

فيقال : عتق منه شي‌ء فوجب من دية الإصبع شي‌ء ، إذ ديتها بقدر قيمته ، فصار مع السيد عبد إلاّ شيئا وشي‌ء يعدل مثلي ما عتق منه ـ وذلك شيئان ـ فأسقط شيئا بشي‌ء يبقى عبد إلاّ شيئا يعدل شيئا ـ وهو مثل ما عتق منه ـ فيكون المعتق نصفه.

أو يقال : عبد إلاّ شيئا وشي‌ء يعدل شيئين ، فإذا أكملت عبدا إلاّ شيئا بالشي‌ء الذي معه كان العبد معادلا لشيئين.

ولا يخفى أن معرفة قدر المنعتق يحصل بأدنى التفات للذهن من دون ذلك ، لأن الحاصل للسيد هو قدر قيمة العبد ، بعض ببطلان العتق ، وبعض بالدية ، سواء كان‌

٢٣٦

ولو كانت قيمة العبد مائتين عتق خمساه ، لأنه عتق منه شي‌ء وعليه نصف شي‌ء للسيد ، فصار للسيد نصف شي‌ء ، وبقية العبد يعدل شيئين ، فيكون بقية العبد تعدل شيئا ونصفا وهو ثلاثة أخماسه ، والشي‌ء الذي أعتق خمساه.

______________________________________________________

المنعتق قليلا أو كثيرا ، فينفذ العتق من العبد في مقدار نصف الحاصل لورثة السيد ، وذلك نصف العبد.

وإنما كان كذلك ، لأن دية الجناية بقدر القيمة ، ولو تفاوتتا لم يعلم بدون الجبر والمقابلة وما جرى مجراه.

قوله : ( ولو كانت قيمة العبد مائتين عتق خمساه ، لأنه عتق منه شي‌ء وعليه نصف شي‌ء للسيد ، فصار للسيد نصف شي‌ء ، وبقية العبد يعدل شيئين ، فيكون بقية العبد تعدل شيئا ونصفا ـ وهو ثلاثة أخماسه ـ والشي‌ء الذي أعتق خمساه ).

أي : لو كانت قيمة العبد مائتين في الفرض السابق ، وهو أن يكون مستوعبا فيعتقه مولاه في المرض ثم يقطع إصبعه خطأ ، ولزوم الدور واضح.

والتخلص بأن يقال : عتق منه شي‌ء وعليه للسيد نصف شي‌ء ، لأن دية الإصبع بقدر نصف قيمته ، فصار للسيد عبد إلاّ شيئا ونصف شي‌ء يعدل مثلي ما عتق ، وذلك شيئان.

فإذا جبرت عبدا إلاّ شيئا بشي‌ء ، وزدت على معادله مثله ، كان عبد ونصف شي‌ء يعدل ثلاثة أشياء ، فأسقط نصف شي‌ء بمثله ، يكون العبد معادلا لشيئين ونصف.

فإذا بسطت الأشياء كانت خمسة ، فالشي‌ء خمسا العبد فيعتق ، ويستحق السيد خمسي الدية ـ وذلك بقدر خمس قيمة العبد ـ ، ويرجع إلى السيد من العبد ثلاثة أخماسه ، فهي مع خمس الدية بقدر المنعتق مرتين.

٢٣٧

ولو كانت قيمته خمسين فما دون عتق كله ، لأنه يلزمه مائة وهي مثلاه أو أكثر. وإن كانت قيمته شيئين قلنا : عتق منه شي‌ء وعليه شي‌ء ، وثلثا شي‌ء للسيد مع بقية العبد يعدل شيئين ، فبقية العبد اذن ثلث فيعتق منه ثلاثة أرباعه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كانت قيمته خمسين فما دون عتق كله ، لأنه يلزمه مائة وهي مثلاه أو أكثر ).

لا ريب أن كل شي‌ء عتق منه وجب من الدية بقدره مرتين ، على تقدير كون قيمته في الفرض المذكور خمسين أو أكثر من مرتين على تقدير كونها دون خمسين ، فقد حصل شرط نفوذ العتق ، وهو حصول مثلي المنعتق للورثة.

قوله : ( وإن كانت قيمته شيئين قلنا : عتق منه شي‌ء وعليه شي‌ء ، وثلثا شي‌ء للسيد مع بقية العبد يعدل شيئين ، فبقية العبد اذن ثلث ، فيعتق منه ثلاثة أرباعه ).

أي : لو كانت قيمته في الفرض المذكور ستين لم يعتق كله ، لفقد الشرط ، بل يلزم الدور ، فنقول : عتق منه شي‌ء فوجب عليه من الدية شي‌ء وثلثا شي‌ء ، لأن الدية بقدر قيمته مرة وثلثي أخرى ، فحصل للسيد بقية العبد ، وهو عبد إلاّ شيئا وشي‌ء وثلثا شي‌ء من الدية ، وذلك معادل لشيئين مثلي ما عتق من العبد ، فالعبد معادل لشي‌ء وثلث ، لأنك تكمّل عبدا إلاّ شيئا بشي‌ء ، فيصير عبد وثلثا شي‌ء يعدل شيئين.

فيقابل ثلثا شي‌ء بمثلهما ، يبقى عبد يعدل شيئا وثلثا ، فالشي‌ء ثلاثة أرباع العبد ، فيعتق ثلاثة أرباعه ـ وقيمتها خمسة وأربعون ـ وعليه ثلاثة أرباع الدية ـ هي خمسة وسبعون ـ ورجع إلى السيد من العبد ربعه بخمسة عشر ، ومجموع ذلك تسعون هي بقدر ما عتق مرتين.

٢٣٨

وعلى هذا القياس ، إلاّ أن ما زاد من العتق على الثلث ينبغي أن يقف على أداء ما يقابله من القيمة كما لو دبّر عبدا وله دين ، فكلما قضى من الدين شي‌ء عتق من الموقوف بقدر ثلثه.

ج : لو أعتق عبدين دفعة قيمة أحدهما مائة والآخر مائة وخمسون ، فجنى الأخس على النفيس جناية نقصته ثلث قيمته وأرشها كذلك في حياة‌

______________________________________________________

قوله : ( وعلى هذا القياس ، إلاّ أن ما زاد من العتق على الثلث ينبغي أن يقف على أداء ما يقابله من القيمة ، كما لو دبّر عبدا وله دين ، فكلما قضى من الدين شي‌ء عتق من الموقوف بقدر ثلثه ).

أي : وعلى هذا القياس الذي سبق بيانه القول في غير ذلك من الفروض ، فإنه قد سبق بيان حكم ما إذا كانت قيمته أقل من الدية أو أكثر ، أو مساويه. وكل ما يفرض غير ذلك ، فإنه لا يخرج عن الأقسام الثلاثة.

لكن يجب أن يعلم أن ما كان من العتق زائدا على ثلث العبد ، لأجل زيادة الدية على قيمته ، إنما ينفذ إذا أدى مقابله من القيمة ، لامتناع نفوذ التبرع في شي‌ء قبل أن يحصل للوارث مثلاه ، وذلك كما لو دبر عبدا وله دين ، فكلما انقضى من الدين شي‌ء وصار إلى الوارث ، عتق من الموقوف من العبد زائدا على الثلث بقدر ثلثه ، ومثله ما لو كان له مال غائب.

واعلم أن قوله : ( ينبغي ) يراد به هنا الوجوب ، للقطع بعدم حصول العتق في الزائد بدون حصول مقابله من القيمة.

وفي انعتاق الثلث وجهان ، كما لو أعتق عبدا وله مال غائب لا يخرج من الثلث إلاّ باعتباره ، أو اوصى بعين لشخص وله مال غائب ، وإنما يسعها الثلث بضميمته.

قوله : ( ولو أعتق عبدين دفعة ، قيمة أحدهما مائة والآخر مائة وخمسون ، فجنى الأخس على النفيس جناية نقصته ثلث قيمته ، وأرشها‌

٢٣٩

مولاه ثم مات ، أقرع بين العبدين ، فإن وقعت قرعة الحرية على الجاني عتق منه أربعة أخماسه وعليه أربعة أخماس أرش جنايته ، وبقي لورثة سيده خمسه وأرش جنايته والعبد الآخر ، وذلك مائة وستون مثلا ما عتق منه ، بأن نقول : عتق منه شي‌ء وعليه نصف شي‌ء ، لأن جنايته بقدر نصف قيمته ، بقي للسيد نصف شي‌ء وبقية العبدين يعدل شيئين ، فعلمنا أن بقية العبدين شي‌ء ونصف.

فإذا أضيف إلى ذلك الشي‌ء الذي عتق صارا جميعا يعدلان شيئين ونصفا ، فالشي‌ء الكامل خمساهما ، وذلك أربعة أخماس أحدهما.

______________________________________________________

كذلك ، في حياة مولاه ثم مات ، أقرع بين العبدين ، فإن وقعت قرعة الحرية على الجاني عتق منه أربعة أخماسه وعليه أربعة أخماس أرش جنايته ، وبقي لورثة سيده خمسه وأرش جنايته والعبد الآخر ، وذلك مائة وستون مثلا ما عتق منه ، بأن نقول : عتق منه شي‌ء وعليه نصف شي‌ء ، لأن جنايته بقدر نصف قيمته ، بقي للسيد نصف شي‌ء وبقية العبدين يعدل شيئين ، فعلمنا أن بقية العبدين شي‌ء ونصف ، فإذا أضيف إلى ذلك الشي‌ء الذي عتق صارا جميعا يعدلان شيئين ونصفا ، فالشي‌ء الكامل خمساهما ، وذلك أربعة أخماس أحدهما ).

أي : لو أعتق عبدين مستوعبين دفعة ، قيمة أحدهما مائة والآخر مائة وخمسون.

واحترز بقوله : ( دفعة ) عما لو أعتقهما على التعاقب ، فإن الذي ينفذ فيه العتق هو الأول خاصة ، ولا قرعة.

فإذا جنى الأخس ـ وهو الأدون قيمة ـ على الآخر جناية نقصته ثلث قيمته ، فرجع من مائة وخمسين إلى مائة ، والفرض أن أرش الجناية أيضا كذلك ، وكانت الجناية‌

٢٤٠