فوائد الأصول - ج ١ - ٢

الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني

فوائد الأصول - ج ١ - ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦١٣
الجزء ١ - ٢ الجزء ٣ الجزء ٤

موطنها العقل بما ان موطنها العقل ، لامتناع انطباق تلك المفاهيم على الحقايق الخارجية ، بل هي من المعقولات الثانوية الممتنعة الصدق على الخارجيات ، فلا يعقل ان يتعلق بها التكليف. بل تلك المفاهيم انما تكون كليات عقلية ليس موطنها الا العقل ، وهي باعتبار ذلك الموطن متباينة دائما ، ليس بينها نسبة التساوي ، أو العموم من وجه ، أو العموم المطلق ، بل متعلقات التكاليف انما هي المفاهيم والعناوين الملحوظة مرآة لحقايقها الخارجية القابلة الصدق والانطباق على الخارجيات ، التي تكون بهذا الاعتبار كليات طبيعية ، وبذلك يصح ملاحظة النسبة بينها ، فتارة : يكونان متلازمين في الصدق فيكون النسبة هي التساوي. وأخرى : لا يكونان كذلك ، فاما ان يتصادقا في مورد أصلا فالنسبة تكون هي التباين ، وأخرى يتصادقان في مورد ويفترقان في مورد آخر فالنسبة تكون هي العموم من وجه ان كان الافتراق من الجانبين ، والا فالعموم المطلق ، على ما سيأتي من ضابطة النسب الأربع. وملاحظة النسبة كذلك لايكون الا في الكليات الطبيعية الملحوظة مرآة لما في الخارج ، لا الكليات العقلية.

ثم إن المفاهيم والعناوين الملحوظة مرآة لما تنطبق عليه من الخارجيات ، تارة : تكون متأصلة في عالم العين سواء كانت من مقولة الجواهر أو الاعراض ، وأخرى : تكون متأصلة في عالم الاعتبار ، بحيث يكون وجودها عين اعتبارها ممن بيده الاعتبار. وللامر الاعتباري نحو وجود متأصل في عالمه نحو وجود المتأصل في عالم العين ، وان كان وجود الامر الاعتباري أضعف من وجود الامر العيني ، الا ان ذلك لا يلحقه بالانتزاعيات التي ليس لها وجود الا بوجود منشأ انتزاعها ، وتكون من خارج المحمول ، بل الانتزاعي امر والاعتباري امر آخر ، وليس الاعتباري عين الانتزاعي ، وان كان ربما يطلق أحدهما على الآخر ، الا ان ذلك لا يخلو عن مسامحة. فالامر الاعتباري مقابل للامر الانتزاعي ، حيث إن للأول نحو وجود في وعاء الاعتبار وليس للثاني وجود ، بل الموجود هو منشأ الانتزاع ، سواء كان المنشأ من الأمور المتأصلة في عالم العين ، أو كان من الأمور المتأصلة في عالم الاعتبار ، فان الامر الاعتباري يصلح ان يكون منشأ لانتزاع امر ، كصلاحية الامر العيني لذلك.

٤٠١

فالعنوان الملحوظ على وجه المرآتية يكون على اقسام ثلاثة : متأصل في عالم العين ، ومتأصل في عالم الاعتبار ، ومنتزع عن أحدهما ، وهو باقسامه يصلح ان يتعلق به التكليف ، غايته ان التكليف بالانتزاعي يكون تكليفا بمنشأ الانتزاع ، إذ هو المقدور الذي تتعلق به إرادة الفاعل ، والانتزاعي انما يكون مقدورا بواسطته ، وذلك كله واضح. (١).

ومنها :

ان العناوين والمفاهيم التي يكون بينها التباين الجزئي لا يعقل ان يتصادقا على متحد الجهة ، فان جهة الصدق والانطباق في أحد العنوانين لا بد ان تغاير جهة الصدق والانطباق في الآخر ، والا لامتنع صدق أحدهما بدون صدق الآخر ، وكانا متلازمين في الصدق والانطباق ولم يحصل بينهما افتراق. فإنه بعد فرض وحدة الجهة يكون الموجب لانطباق أحد العنوانين على شيء هو الموجب لانطباق العنوان الآخر عليه ، فلا يعقل الافتراق من جانب أو من جانبين ، فافتراق العنوانين في الصدق والانطباق يكشف عن تعدد جهة الصدق في مورد الاجتماع ، فلا يعقل تصادق عنوانين على متحد الجهة مع فرض امكان افتراق أحد العنوانين عن الآخر ولو في الجملة ومن جانب واحد.

ولا ينتقض ذلك بالباري تعالى حيث إنه ينطبق عليه عناوين متباينة بالتباين الجزئي ، مع أنه تعالى ليس فيه تعدد جهة لكونه تعالى بسيطا كل البساطة ، ومع ذلك ينطبق عليه عنوان العالم والقادر ، مع أن بينهما العموم من وجه : وذلك لأنه لا يقاس التراب مع رب الأرباب ، فان العناوين المنطبقة عليه تعالى كلها راجعة إلى الذات ، فهو بذاته قادر ، وعالم ، وحى قيوم ، وليس العلم أو القدرة مغايرا للذات.

والحاصل : ان القياس ليس في محله ، فان مقام الباري تعالى مقام لا تصل

__________________

١ ـ ولا يخفى عليك ان هذه المقدمة وما يتلوها من المقدمات ليس لها كثير ربط بالمقام الثاني ، بل ينبغي جعلها من مقدمات المقام الأول كما لا يخفى ـ منه.

٤٠٢

إليه الأوهام ، ولا يمكن تعقل حقيقة انطباق تلك العناوين عليه ، فلا يصح جعل ذلك نقضا للبرهان العقلي الفطري الذي هو ـ عدم امكان انطباق العناوين المتباينة المفترقة في الصدق على متحد الجهة ـ وهذا يكفي في تصديقه نفس تصوره ، ولا يحتاج إلى مزيد بيان.

نعم : ينبغي بيان مناط تصادق العناوين وعدم تصادقها وانه كيف يتصادق بعض العناوين دون بعض.

فنقول : لا اشكال في أن صدق أي عنوان على أي شيء لا بد ان يكون لجهة تقتضي ذلك الصدق ، سواء كانت تلك الجهة راجعة إلى الذات كصدق الانسان على زيد ، أو إلى امر خارج عن الذات كصدق العالم عليه ، إذ لا يعقل صدق عنوان من دون ان يكون هناك جهة الصدق ، والا لصدق كل شيء على كل شيء.

ثم إن جهة صدق أحد العنوانين ، اما ان تكون متباينة مع جهة صدق العنوان الآخر ، واما ان لا تكون متباينة. وما كانت متباينة ، فاما ان يكون بينهما مضافا إلى التباين منافرة ومضادة ، واما ان لا يكونا كذلك ، بل كان بينهما مجرد المخالفة والمغايرة. والمخالفة والمغايرة ، اما ان تكون من قبيل المغايرة الجنسية والفصلية وما يلحق بذلك بحيث يكون التخلف من إحدى الجهتين دون الأخرى ، واما ان لا تكون من هذا القبيل بل كان التخلف من الجهتين. فهذه جملة ما يمكن ان يتصور عقلا في الجهات الموجبة لصدق العناوين على حقايقها الخارجية ، ولا خامس لهذه الأقسام ، فان الحصر عقلي لا استقرائي.

فان لم يكن بين الجهتين مباينة ومخالفة : فلا محالة يتلازم العنوانان في الصدق ، فان عدم التلازم يكشف عن تخلف إحدى الجهتين عن الأخرى ، مع أن المفروض عدم المخالفة بينهما ، فلا بد ان يكون بين العنوانين تلازم في الصدق ويكون العنوانان متساويين في الانطباق ، بحيث انه كلما صدق أحدهما صدق الآخر كما في الانسان والضاحك.

وان كان بين الجهتين مخالفة ومباينة : فان كان التخالف على وجه التنافر والتضاد ، كالفصول المنوعة للأجناس ـ حيث إن بين الفصول والصور النوعية

٤٠٣

كمال المنافرة والمضادة ، لان الجنس لا يمكن ان يتحمل فصلين ويعتوره صورتان مجتمعتان ـ فلا محالة يكون بين العنوانين تباين كلي ، كالانسان والشجر ، حيث إن جهة صدق الانسان هي الفصل المقوم له والصورة النوعية التي يكون بها الانسان انسانا ، وجهة صدق الشجر أيضا هي الفصل والصورة النوعية التي يكون بها الشجر شجرا ، وبين الصورتين كمال المنافرة والمضادة ، فلامحة يكون بين الانسان والشجر تباين كلي.

وان لم يكن بين الجهتين تنافر وتضاد ، بل كان بينهما مجرد المخالفة : فان كان التخلف من إحدى الجهتين دون الأخرى ، كما إذا كان إحدى الجهتين جهة الجنسية والأخرى جهة الفصلية ـ حيث إن التخلف انما يكون من جهة الفصلية لامكان تحمل الجنس فصلا آخر دون جهة الجنسية ، لعدم امكان القاء الفصل جهة الجنسية ، كما يتضح ذلك في مثل الحيوان والانسان ـ فلامحة يكون بين العنوانين العموم المطلق. وان كان التخلف من جانب كل من الجهتين ، فيكون بين العنوانين العموم من وجه.

ومما ذكرنا ظهر ان نسبة العموم من وجه لا يعقل ان تتحقق بين العنوانين الجوهريين ، لان جهة صدق العنوان الجوهري على شيء انما يكون باعتبار ماله من الصورة النوعية التي بها يكون الشيء شيئا ، وقد عرفت : ان الصور النوعية متباينة بالتباين الكلي لا يمكن ان يجتمعا ، نعم : جهة الجنسية والفصلية يمكن اجتماعهما. والنسبة بين الجهة الجنسية والفصلية دائما تكون العموم المطلق. فالعموم من وجه لا بد ان يكون ، اما بين الجوهري والعرضي كالانسان والأبيض ، واما بين العرضيين كالعالم والفاسق. ومعلوم : ان جهة الصدق والانطباق في العرضيين المجتمعين انما تكون هي مبدء الاشتقاق ، حيث إن المبدء هو العلة لتولد عنوان المشتق منه ، ويكون انطباق العالم على زيد من جهة علمه ، وانطباق الفاسق عليه من جهة فسقه ، فالعلة لانطباق العنوانين الذين يكون بينهما العموم من وجه ليست الا مبدء الاشتقاق ، وذلك المبدء هو الذي أوجب حدوث نسبة العموم من وجه بين العنوانين ، حيث لم يكن بين المبدئين منافرة ومضادة ، وقد تقدم في المشتق انه لا فرق بين المشتق ومبدء

٤٠٤

الاشتقاق الا باللابشرطية والبشرط اللائية ، حيث إن العرض ان لوحظ لا بشرط عما يتحد معه يكون عنوانا عرضيا محمولا ، وان لوحظ بشرط لايكون عرضا مفارقا غير محمول. فالعرض هو الذي يكون عرضيا عند ملاحظته لا بشرط ، ويكون هو العلة لصدق العرضي المشتق منه على الذات فجهة الصدق في المشتقات ليست الا مبدء الاشتقاق.

ومن هنا ظهر : ان الجهتين اللتين أوجبتا صدق العنوانين العرضيين على شيء لا تكونان الا تعليليتين ، ولا تصلحان ان تكونا تقييديتين ، لما عرفت : من أن المبدء دائما يكون علة لصدق المشتق على الذات المتحدة معه ، فجهة انطباق عنوان العالم على زيد وكذا جهة انطباق الفاسق عليه تكون تعليلية ، ويقال : زيد عالم وفاسق ، لعلة علمه وفسقه. هذا بالنسبة إلى العناوين الاشتقاقية.

واما بالنسبة إلى نفس المبادئ الاشتقاقية ، فلا يعقل اتحاد بعضها مع بعض ، ولا اتحادها مع الذات القائمة بها ، فإنها من هذه الحيثية تكون بشرط لا دائما ، ولا يعقل ان تلاحظ المبادئ بعضها مع بعض لا بشرط ، إذ المبادئ كلها متباينة ، والعلم على أي وجه لوحظ يكون غير الفسق ، وكذا الفسق يكون غير العلم ، ولا يصح حمل أحدهما على الآخر ، ولا حملهما على الذات ، فلا يقال : زيد علم ولا العلم فسق.

والحاصل : ان العرض بالنسبة إلى الذات القائم بها يصح لحاظه لا بشرط فيكون عنوانا مشتقا يصح حمله على الذات المنطبق عليها ، ويصح لحاظه بشرط لا فيكون مفارقا لا يصح حمله على الذات. فصحة لحاظه لا بشرط أو بشرط لا انما يكون بالنسبة إلى الذات القائم بها ، واما بالنسبة إلى عرض آخر فدائما يكون بشرط لا ، إذ لا ربط بينهما ، لعدم قيام عرض بعرض آخر ، فلا يصح لحاظ العلم لا بشرط بالنسبة إلى الفسق ، وان صح لحاظه لا بشرط بالنسبة إلى الذات القائم بها. وح فلا يعقل الاتحاد بين المبادئ.

نعم : تختلف المبادئ من حيث امكان اجتماع بعضها مع بعض في الوجود وعدم امكانه ، لان المبادئ ان كانت مقولة الكيف ، كالعلم ، والفسق ، والحلاوة ، والبياض ، فلا يعقل اجتماع بعضها مع بعض في الوجود ، بحث يكون مبدء مجامعا

٤٠٥

لمبدء آخر في الوجود ، على وجه يلتصق به ويتحد معه في الوجود بنحو من الاتحاد ، لوضوح ان مثل العلم لا يلتصق بالفسق ولا يتحد معه بوجه من الوجوه. نعم هما يجتمعان في الذات التي يقومان بها ، فيكون زيد مثلا مجمعا للعلم والفسق ، بمعنى انه وجد فيه كل من المبدئين ، ولمكان وجود المبدئين فيه انطبق عليه عنوان العالم والفاسق ، الا ان اجتماعهما في الذات غير اجتماع العلم مع الفسق على وجه الالتصاق والتركيب ، بحيث يتركب العلم مع الفسق ويكونان بمنزلة شيء واحد وما بحذاء أحدهما عين ما بحذاء الآخر ، فان ذلك امر غير معقول في مثل ذلك.

واما ان كانت من الافعال الصادرة عن الشخص ـ بالمعنى المصطلح عليه عند الفقهاء لا بالمعنى المصطلح عليه عند أهل المعقول من معنى الفعل ـ فيمكن اجتماع المبادئ بعضها مع بعض ، على وجه يكون فعل واحد مصداقا لمبدئين ، ويتركب أحدهما مع الآخر ويلتصق به ، بحيث لايكون ما بحذاء أحدهما غير ما بحذاء الآخر. وذلك كما في مثل الصلاة والغصب ، حيث يمكن ان يوجدا بفعل واحد وحركة فاردة ، وتكون تلك الحركة مجمعا لكل من الصلاة والغصب ، على وجه لا يتميز أحدهما عن الآخر ، مع ما هما عليه من المغايرة وعدم الاتحاد ، لما تقدم : من أنه لا يعقل اتحاد المبدئين وملاحظتهما لا بشرط بالنسبة إلى الآخر الذي هو ملاك الاتحاد ، كما في العناوين المشتقة ، فيكون التركيب في مثل الصلاة والغصب نظير التركيب في الهيولي والصورة.

ومنها :

ان العناوين المجتمعة تارة : تكون من العناوين الاشتقاقية ، وأخرى : تكون من المبادئ. وما تكون من المبادئ تارة : يكون اجتماعها لا على وجه الانضمام والتركيب ، بل كان ما بحذاء أحدهما خارجا غير ما بحذاء الآخر وكان كل منهما قابلا للإشارة الحسية إليه وكان اجتماعهما مجرد واجدية الموضوع لهما واجتماعهما فيه ، سواء كان ذلك من جهة تلازمهما في الوجود ، كالاستقبال والاستدبار للقبلة والجدى ، حيث إنه وان وجد كل من استقبال القبلة واستدبار الجدي في الشخص ، الا ان الاستقبال انما يكون باعتبار مقاديم البدن والاستدبار

٤٠٦

باعتبار مآخيره ، وكان لكل منهما ما بحذاء غير ما بحذاء الآخر وقابلا للإشارة الخارجية إليه وان كانا متلازمين في الوجود. أو كان ذلك من جهة الاتفاق والمقارنة من دون ان يكون بينهما تلازم ، كالعلم والفسق المجتمعين في زيد ، حيث إنه وان اجتمعا في زيد ، الا انه كان لكل منهما ما بحذاء في الخارج غير ما بحذاء الآخر ، وقابل للإشارة إليه.

وأخرى : يكون اجتماعهما على جهة التركيب والانضمام والالتصاق ، وذلك كما في الصلاة والغصب وأمثال ذلك مما كان المبدء من الأفعال الاختيارية ، حيث إنه وان اجتمعا في الدار الغصبية ، الا ان اجتماعهما يكون على وجه الانضمام والتركيب بينهما ، وكان الموجود في الدار الغصبية مركبا منهما على وجه لا يمكن الإشارة الحسية إلى أحدهما دون الآخر. هذا مع ما هما عليه من المغايرة ، بحيث لا يصح حمل أحدهما على الآخر ، ولا تكون الصلاة غصبا ولا الغصب صلاة ، لما تقدم من أن المبادئ بالقياس إلى أنفسها تكون بشرط لا ، وان كان بالقياس إلى الذات التي تقوم بها يصح لحاظها لا بشرط.

وهذا بخلاف العناوين الاشتقاقية ، فإنها ملحوظة لا بشرط بالنسبة إلى أنفسها وبالنسبة إلى الذات القائمة بها. ومن هنا كان التركيب فيها تركيبا اتحاديا بحيث يصح حمل كل من العنوانين على الآخر ، وحملهما على الذات ، وحمل الذات عليهما ، فيقال : زيد عالم وفاسق ، والعالم والفاسق زيد ، والعالم فاسق ، والفاسق عالم ، لمكان اتحاد الجميع بحسب الخارج. وهذا بخلاف التركيب بين المبادئ فيما إذا كان بينهما تركيب ، فان التركيب بينها يكون انضماميا ، لا اتحاديا ، لاعتبارها بشرط لا ، فلا اتحاد بينها حتى يصح حمل بعضها على بعض ، لان العرض لا يعقل ان يقوم بعرض آخر حتى يمكن فيهما الاتحاد. فالتركيب بين المبادئ يكون نظير التركيب بين المادة والصورة ، حيث إن التركيب فيهما يكون انضماميا ، لا اتحاديا ، لمكان انهما أيضا ملحوظان بشرط لا ، كالمبادئ ، وان كان بين المبادئ والصورة والهيولي فرق وهو : ان اجتماع المبادئ انما يكون في الموضوع القائمة به ، إذ لا جامع بينها سوى ذلك ، والموضوع في مثل الصلاة والغصب هو الشخص. وهذا بخلاف اجتماع المادة والصورة ،

٤٠٧

فان اجتماعهما يكون باعتبار كون الهيولي مركب الصورة ومحلا لها ، وهدا لمكان ان الهيولى قوة محضة والصورة فعلية محضة ، والا فالجواهران الفعليان أيضا كالعرضيين لا يعقل ان يقوم أحدهما بالآخر. وعلى كل حال : جهة تشبيه اجتماع المبادئ باجتماع الهيولي والصورة في مجرد كون التركيب انضماميا لا اتحاديا ، كما أن التركيب بين العناوين المشتقة نظير التركيب بين الجنس والفصل من حيث كونه اتحاديا ، حيث إن الجنس والفصل أيضا ملحوظان لا بشرط كالعناوين المشتقة.

ومنها : ان التركيب الاتحادي يقتضى ان تكون جهة الصدق الانطباق فيه تعليلية ، ولا يعقل ان تكون تقييدية ، لان الجهة لا تكون مكثرة للموضوع ، فانا قد فرضنا كون التركيب اتحاديا ، ومع التركيب الاتحادي لا تكثر لوحدة الموضوع.

وبالجملة : علم زيد وفسقه لا يوجب ان يكون زيد العالم غير زيد الفاسق ، بل هو هو ، وانما يكون العلم والفسق علة لانطباق العالم والفاسق عليه. وهذا بخلاف التركيب الانضمامي فان الجهة فيه تكون تقييدية ولا تصلح ان تكون تعليلية ، لأنا قد فرضنا عدم الاتحاد بين العنوانين. والجهتان في التركيب الانضمامي هما عبارة عن نفس العنوانين المجتمعين ، وليس هناك عنوان آخر حتى يصح كون الجهة تعليلية.

وبالجملة : لازم عدم اتحاد العنوانين هو كون الجهة تقييدية ، والمراد من التقييد في المقام غير التقييد المراد منه في باب المطلق ، بمعنى ان التقييد في باب المطلق انما يرد على الماهية الجنسية أو النوعية ، ويوجب تضييق دائرة الماهية ، ويجعلها منقسمة إلى نوعين أو صنفين. والتقييد في المقام انما يرد على الشخص ، ويوجب اندراج الشخص تحت نوعين أو صنفين باعتبار الجهتين اللتين هما فيه. ففي مثل الصلاة في الدار الغصبية التي اجتمع فيها عنوان الغصب وعنوان الصلاة تكون كل من الجهتين اللتين هما عبارة عن الصلاة والغصب مقيدة لذلك الموجود في الدار وموجبة لاندراجه تحت نوعين ، أي مقولتين ، على ما سيأتي بيانه.

فظهر : ان هذه المقدمات الثلث الأخيرة كلها متلازمة ، وترتضع من ثدي

٤٠٨

واحد ، فان لازم كون العنوانين ملحوظين على وجه اللابشرطية ، هوان يكون التركيب بينهما اتحاديا وكون الجهتين تعليليتين ، كالعالم ، والفاسق ، والمصلى ، والغاصب. ولازم لحاظها بشرط لا كون التركيب بينهما انضماميا وكون الجهتين تقييديتين ، كالصلاة والغصب ، وما شابه ذلك من المبادئ التي أمكن التركيب بينها ، لا مثل العلم والفسق الذين ليس بينهما تركيب.

فان قلت :

انه بناء على هذا يلزم ان لايكون بين المبادئ نسبة العموم من وجه ، لان ضابط العموم من وجه هو تصادق العنوانين على جهة الاتحاد الموجب لصحة الحمل ، فمثل الصلاة والغصب ينبغي ان لا تكون النسبة بينهما العموم من وجه ، لعدم الاتحاد المصحح لحمل أحدهما على الآخر.

قلت :

لا يختص العموم من وجه بصورة تصادق العنوانين على جهة الاتحاد ، بل ضابط العموم من وجه هو تصادق العنوانين على جهة التركيب ، سواء كان التركيب اتحاديا أو انضماميا. مع أنه ليس كلامنا في المقام في التسمية والاصطلاح ، بل كلامنا في المقام فيما يمكن في العناوين وبيان أنحاء تصادقها عقلا ، واما التسمية فهي بيدك ما شئت فسم. والغرض في المقام : الفرق بين تصادق مثل العالم والفاسق ، وتصادق مثل الصلاة والغصب. والذي يدل على أن التصادق في مثل العالم والفاسق يكون على وجه التركيب الاتحادي وفي مثل الصلاة والغصب يكون على وجه الانضمام ، هو ان العناوين الاشتقاقية ليس الموجود منها في مادة الافتراق هو تمام ما هو الموجود في مادة الاجتماع ، بل الموجود في مادة الافتراق نفس الجهة وتبدل تلك الذات التي كان العنوانان قائمين بها بذات أخرى ، حيث إن الذي يكون عالما هو بكر ، والذي يكون فاسقا هو عمرو ، والذي يكون عالما وفاسقا هو زيد ، فهناك ذوات ثلث بحسب مادة الاجتماع ومادتي الافتراق ، ولا يكون تمام ما هو مناط الصدق في مادة الاجتماع من المبدء والذات محفوظا في مادة الافتراق. وهذا بخلاف مثل الصلاة والغصب ، فان تمام ما هو مناط صدق الصلاة بهويتا و

٤٠٩

حقيقتها محفوظ في مادة الافتراق ، من دون نقصان شيء أصلا ، وكذا في مادة الافتراق في جانب الغصب. ولو كان التركيب في مثل الصلاة والغصب اتحاديا وكانت الجهة تعليلية ، لكان ينبغي ان يكون مثل العناوين الاشتقاقية موجبا لان لايكون في مادة الافتراق الصلاة بتمامها محفوظة ، كما لا يخفى.

ومنها :

ان مورد البحث انما هو فيما إذا كان بين العنوانين العموم من وجه ، فان في العموم المطلق يلزم تعلق الامر بعين ما تعلق به النهى ان لم نقل بالتخصيص ، وان قلنا بالتخصيص فلا اجتماع ، فلو قال ( صل ولا تغصب بالصلاة ) كان الفرد من الصلاة الجامع للغصب خارجا من اطلاق الامر بالصلاة ، والا لزم ان يكون فعلا موردا لحكمين متضادين.

فما ذكره (١) في الفصول وغيره من جريان البحث في العموم المطلق فمما لا وجه له ، بل لابد ان تكون النسبة بين العنوانين العموم من وجه ، وذلك أيضا ليس على اطلاقه ، بل لابد ان تكون نسبة العموم من وجه بين نفس الفعلين الصادرين عن المكلف بإرادة واختيار الذين تعلق بهما الطلب الأمري والنهيي ، كما في مثل الصلاة والغصب.

وأما إذا كانت النسبة بين الموضوعين ـ كما في العالم والفاسق في مثل قوله : أكرم العالم ولا تكرم الفاسق ـ فهو خارج عن محل البحث ، وان توهم أيضا دخوله فيه ، الا انه لا ينبغي التأمل في خروجه لما عرفت : من أن التركيب في مثل ذلك يكون على جهة الاتحاد ، ويكون متعلق الامر بعينه هو متعلق النهى ، من غير فرق بين العام الأصولي ، أو الاطلاق الشمولي ، أو الاطلاق البدلي ، أو بالاختلاف ، فإنه

__________________

١ ـ قال في الفصول : « ثم لافرق في موضع النزاع بين ان يكون بين الجهتين عموم من وجه كالصلاة والغصب ، وبين ان يكون بينهما عموم مطلق مع عموم المأمور به ، كما لو امره بالحركة ونهاه عن التداني إلى موضع مخصوص فتحرك إليه ، فان الحركة والتداني طبيعتان متخالفتان ، وقد أوجدهما في فرد واحد والأولى منها أعم ... » راجع الفصول ، بحث الاجتماع ، في تحرير محل النزاع ، ص ١٢٦

٤١٠

في الجميع ينبغي اعمال قواعد التعارض. وليس من مسألة اجتماع الأمر والنهي ، بل مسألة الاجتماع انما تكون فيما إذا كانت النسبة العموم من وجه بين نفس الفعلين الصادرين من المكلف بإرادة واختيار ، بحيث يجتمع الفعلان بتأثير واحد وإيجاد فارد.

ومن ذلك ينقد ح أيضا انه ليس من ( مسألة الاجتماع ) ما إذا كانت النسبة بين العناوين المتولدة من الفعل الصادر عن المكلف ، كما إذا كان للفعل عنوانان توليديان تكون النسبة بين العنوانين العموم من وجه ، كما لو أكرم العالم المأمور باكرامه والفاسق المنهى عنه بفعل واحد تولد منه كل من الاكرامين ، كما لو قام بقصد التعظيم لكل من العالم والفاسق ، فان تعظيم كل منهما وان اجتمعا بتأثير واحد ، وكان اجتماع التعظيمين على وجه التركيب الانضمامي ، لا الاتحادي ـ فان تعظيم زيد غير تعظيم عمرو ، وكل منهما يكون بالإضافة إلى الآخر بشرط لا ، ولا يصح حمل أحدهما على الآخر ـ الا انه لما كان التعظيمان من المسببات التوليدية التي لم تتعلق إرادة المكلف بها أولا وبالذات ، لكونها غير مقدورة له بلا واسطة ، فلا جرم يكون متعلق التكليف هو السبب الذي يتولد منه ذلك ، لا بما هو هو ، بل بما انه معنون بعنوان التعظيم ـ على ما تقدم تفصيله في بعض المباحث السابقة ـ والمفروض ان السبب هو فعل واحد بالحقيقة والهوية ، ويكون العنوان المتولد منه بمنزلة العلة غير موجب لتكثر السبب ، بل العنوانان التوليديان يكونان من قبيل العلم والفسق القائمين بزيد ، من حيث إنهما لا يوجبان تكثرا في الذات ، بل الوحدة فيها محفوظة والجهتان تعليليتان. وباب العناوين التوليدية بعينه يكون من هذا القبيل ، حيث إن تعدد العناوين لا يوجب تعدد المعنون ، والمفروض ان المعنون هو الفعل الاختياري الذي تعلق به الطلب ، فيجتمع الأمر والنهي في شيء واحد شخصي ، ولابد حينئذ من اعمال قواعد التعارض ، ولا يكون من مسألة اجتماع الأمر والنهي ، فتأمل. (١)

__________________

١ ـ سيأتي في بعض الأمور اللاحقة ان ذلك على اطلاقه ممنوع ، بل بعض العناوين التوليدية تندرج في مسألة اجتماع الأمر والنهي منه.

٤١١

ولا يتوهم : ان الصلاة والغصب في الدار الغصبية يكونان كذلك ، أي يكون الغصب من العناوين التوليدية ، فان ذلك واضح الفساد ، بداهة ان الغصب الذي هو عبارة عن التصرف في ارض الغير بنفسه من الأفعال الاختيارية الصادرة عن المكلف أولا وبالذات ، وليس من العناوين التوليدية ، مع أن المناقشة في المثال ليس بسديد. فان لم يعجبك مثال الصلاة والغصب لمسألة الاجتماع ـ مع أنه من أوضح أمثلتها ـ فعليك بمثال آخر ، لان المثال ليس بعزيز.

والمقصود هو : ان مسألة الاجتماع ، انما تكون فيما إذا كانت نسبة العموم من وجه بين نفس الفعلين الصادرين عن المكلف أولا وبالذات ، لا بين العناوين المتولدة عن الفعل ، ولا بين الموضوعين ، كالعالم والفاسق. بل نفس كون النسبة بين الفعلين العموم من وجه لا يكفي ما لم يكن التركيب بينهما على جهة الانضمام ، والا فربما تكون النسبة كذلك مع كون التركيب اتحاديا ، كما في مثل قوله : أنفق على أقاربك ، أو اشرب الماء ، ولا تغصب ، فان التركيب في مورد الاجتماع من شرب الماء المغصوب أو انفاق الدرهم المغصوب يكون على وجه الاتحاد ، فان الفرد من الماء الذي يشربه مصداق لكل من الشرب والغصب ، ويكون نفس شرب الماء غصبا ، فيتحد متعلق الأمر والنهي ، ولابد في مثل ذلك من اعمال قواعد التعارض ، وليس من مسألة اجتماع الأمر والنهي.

والسر في ذلك : هوان كلا من الأمر والنهي تعلق بموضوع خارجي ، ويكون الاتحاد من جهة هذا التعلق ، حيث إن المأمور به هو شرب الماء ، والمنهى عنه هو التصرف في مال الغير الذي من جملة افراده الماء الذي يكون من جملة افراد المأمور به ، فيتحد المتعلقان. نعم : الشرب من حيث كونه شربا وفعلا اختياريا للمكلف مع قطع النظر من متعلقه لا يتحد مع القصد. ومن هنا لو شرب الماء المباح في ارض الغير كان من مسألة اجتماع الأمر والنهي ، فلا يشتبه عليك الامر ، فتأمل جيدا.

ومنها :

انه بعد ما ظهر من أن التركيب بين المبادئ لايكون الا على وجه

٤١٢

الانضمام ، ولا يمكن ان يكون على وجه الاتحاد ـ حيث إن المبادئ دائما تكون بشرط لا بالنسبة إلى أنفسها ، أي بعضها مع بعض ـ فربما بتوهم في مثل الصلاة والغضب : ان الصلاة وان كانت بشرط لا بالنسبة إلى الغصب وكذا الغصب بالنسبة إلى الصلاة ، الا ان كلا من الصلاة والغصب يكون لا بشرط بالنسبة إلى الحركة الموجودة في الدار المغصوبة ، ويتحد كل من الصلاة والغصب في تلك الحركة وتكون تلك الحركة صلاة وغصبا ، فيعود اجتماع تعلق كل من الأمر والنهي بعين ما تعلق به الآخر ، لان تلك الحركة حركة واحدة بالهوية ، وينطبق عليها كل من الصلاة والغصب ، كانطباق العالم والفاسق على زيد ، من غير فرق بينهما ، سوى ان كلا من العالم والفاسق يكون لا بشرط بالنسبة إلى الآخر ، ولا بشرط بالنسبة إلى زيد. واما في مثل الصلاة والغصب ، فاللابشرطية انما تكون بالنسبة إلى الحركة التي تقوم بها كل من الصلاة والغصب فقط ، ولكن النتيجة واحدة ، وهي استلزام اتحاد متعلق الأمر والنهي وتواردهما على واحد شخصي وهو المعنون بعنوان الصلاة والغصب ، والموجه بذلك هو الحركة الشخصية. فالمقدمات السابقة كلها تكون عقيمة ، هذا.

ولكن لا يخفى عليك : فساد التوهم ، لوضوح ان الغصب لا يعقل ان يكون قائما بالحركة ، فان الحركة لا تكون موضوعا للصلاة والغصب ، لان موضوعيتها لذلك اما ان يكون من قبيل موضوعية الجنس للفصل والمادة للصورة ، واما ان يكون من قبيل موضوعية المعروض لعرضه ، وكل منهما لا يعقل ، لان الجنس لا يعقل ان يتحمل فصلين ، والعرض لا يعقل ان يقوم بعرض ، مع أن الحركة في كل مقولة تكون عين تلك المقولة ، وليست هي مقولة مستقلة ، مع أن الاعراض بسيطة ليست مركبة وكان ما به الامتيار فيها عين ما به الاشتراك ، فلا يعقل ان يكون الغصب قائما بالحركة. الا ان يدعى ان الغصب من العناوين التوليدية ، وهو بمراحل عن الواقع ، بل الغصب هو بنفسه من الأفعال الاختيارية الصادرة عن المكلف بلا واسطة. وليس الغصب من مقولة الفعل باصطلاح أهل المعقول ، بل الغصب انما يكون من مقولة الأين ، وليس الغصب الا عبارة عن شاغلية الشخص للمكان ، فهو قائم بالشخص ، ويكون الغصب عبارة عن الكون الصلواتي الذي هو عبارة عن شاغلية

٤١٣

المكان ، وأين هذا من قيام الغصب بالحركة واتحاده معها؟ فليست الحركة معنونة بعنوان الغصب وموجهة به ، وليس اجتماع الصلاة والغصب من قبيل اجتماع العناوين في المعنونات والجهات في الموجهات ، بل ليس هناك الا نفس العنوانين والجهتين ، من دون ان يكون هناك معنون وموجه يكون الغصب والصلاة قائمين به ، والغصب والصلاة انما يكونان قائمين بالشخص ، ويكون هو الموضوع ، نظير قيام العلم والفسق بزيد ، وان كان بينهما فرق من حيث عدم التركيب في مثل العلم والفسق ، بخلاف الصلاة والغصب ، على ما تقدم تفصيله.

فان قلت :

ان التركيب بين الصلاة والغصب على أي وجه يكون ، بعد ما لم يكن هناك جامع بينهما وكانا متباينين بالهوية والحقيقة وليسا من مقولة واحدة ، فمن أين جاء التركيب بينهما؟ وليس تركيبهما نحو تركيب المادة والصورة ، فان التركيب هناك لمكان ان المادة صرف القوة وفعليتها تكون بالصورة ، وفي المقام كل من الصلاة والغصب يكون فعليا.

قلت :

التركيب في المقام انما يكون لأجل تشخص كل من الصلاة والغصب بالآخر ويجرى كل منهما بالنسبة إلى الآخر مجرى المشخص ، فتكون الصلاة متشخصة بالغصب ، ويكون الغصب متشخصا بالصلاة. ومن المعلوم : ان كل طبيعي يوجد في الخارج لابد ان يكون محفوفا بمشخصات عديدة من مقولات متعددة ، وكل واحد من تلك المشخصات لابد ان يكون مندرجا تحت عنوان كلي ، ويكون من أحد مصاديقه. مثلا المشخص المكاني مندرج تحت مقولة الأين ، والمشخص الزماني مندرج تحت مقولة متى ، وغير ذلك من المشخصات. والمشخصات ، تارة : تكون ملتفتا إليها ، وأخرى : تكون مغفولا عنها ، ولكن مع ذلك لا محيص من وقوع الطبيعي محفوفا بمشخص. ففي المقام تكون كل من طبيعة الصلاة والغصب ، متشخصة بالأخرى ، أي يكون وجود كل من الصلاة والغصب مشخصا للآخر ، والتشخص بذلك يكون في رتبة وجودهما ، ويكون من المشخص للصلاة هو الفرد

٤١٤

الغصبي ، وبالعكس.

ومنها :

ان العناوين المجتمعة في فعل المكلف وما هو الصادر عنه بايجاد واحد لا تخلو : اما ان تكون من العناوين القابلة للحمل مستقلا والمتأصلة في الصدق ، كالصلاة والغصب ، حيث إن كلا من الصلاة والغصب قابل للحمل على فعل المكلف ، ويكون هو الصادر عنه ابتداء ، وليسم مثل هذه العناوين بالمقولات المستقلة ، وتسميتها بذلك لا ينافي كونها من المقولات النسبية التي لا تكون مستقلة في التعقل ، كالكم والكيف ، حيث إنهما مستقلان في التعقل ، من دون توقف تعقلهما على تعقل امر آخر ، بخلاف ما عداهما من المقولات النسبية ، حيث إن تعقلها يتوقف على تعقل المنتسبين ، ولكن عدم استقلالها في التعقل لا ينافي استقلالها في الحمل والصدق على ما هو الصادر من الشخص ابتداء ، كما لا يخفى.

واما ان لا تكون من العناوين المستقلة ، بمعنى انها لا تكون هي الصادرة عن المكلف ابتداء ، بل كانت من متعلقات الفعل ومتمماته ، كالإضافات اللاحقة لفعل المكلف : من الظرفية ، والابتدائية ، والانتهائية ، كما تقول : ضرب زيد في الدار ، وسير زيد من البصرة ، وانتهائه إلى الكوفة ، وكون اكله استعمالا لآنية الذهب والفضة ، وغير ذلك من المتعلقات مما يكون الظرف فيها لغوا ، حيث إنه في ظرف اللغو دائما يكون من اجتماع المقولتين ، غايته ان إحدى المقولتين تكون من متعلقات الأخرى ومتمماتها ، بخلاف الظرف المستقر ، حيث إنه ليس فيه الا مقولة واحدة ، كقولك : زيد في الدار ، بخلاف قولك : ضرب زيد في الدار ، حيث إنه اجتمع فيه عنوانان أحدهما : الضرب ، والآخر : اضافته إلى الدار ، وكما في الاكل من آنية الذهب والفضة ، حيث إنه اجتمع فيه أيضا الاكل والاستعمال ، وليس الاكل عين الاستعمال ، بل هناك مقولتان مجتمعتان ، غايته ان إحداهما تكون من متممات الأخرى ، لان الاستعمال لايكون الا بإضافته إلى الاكل أو الشرب أو غير ذلك من وجوه الاستعمالات.

وهناك قسم آخر من العناوين المجتمعة ، وهو اجتماع العناوين التوليدية

٤١٥

مع أسبابها. ونحن سابقا وان قلنا بخروجها عن محل الكلام ، الا ان الأقوى دخولها في محل البحث في غير العناوين القصدية ، كالتعظيم والتوهين ، فلو كان الالقاء مثلا مأمورا به والاحراق منهيا عنه ، فالقى المكلف ما امر بالقائه في النار فيكون من اجتماع الأمر والنهي ، لان الالقاء بنفسه لايكون احراقا ، والا كان كل القاء احراقا ، بل الالقاء انما يكون احراقا باعتبار اضافته إلى النار ، فيكون من اجتماع المقولتين لا محالة. وكذا الحال لو فرض ان هناك عنوانين توليديين لسبب واحد ، فان السبب الواحد لا يعقل ان يتولد منه عنوانان ، الا ان يكون فيه جهتان من الإضافة ، فيتعدد السبب حسب تعدد الجهة ، وتكون الجهة تقييدية لا محالة ، على ما تقدم من الضابط. وعلى كل حال : جميع هذه الأقسام الثلاثة من اجتماع العنوانين يندرج في مسألة اجتماع الأمر والنهي ، فلا تغفل وتأمل جيدا.

ومنها : انهم قد بنوا المسألة على كون متعلقات الاحكام ، هل هي الطبايع أو الافراد؟ وقد أنكر بعض الاعلام هذا الابتناء ، وأفاد انه لا يفترق الحال في الجواز والامتناع ، بين ان نقول بتعلق الاحكام بالطبايع ، أو الافراد ، هذا.

ولكن الحق : هو ان يقال : انه يختلف الحال في ذلك على بعض وجوه تحرير النزاع في مسألة تعلق الاحكام بالطبايع أو الافراد ، ولا يختلف الحال على بعض الوجوه الآخر.

وتفصيل ذلك : هو ان النزاع في كون متعلقات الاحكام الطبايع أو الافراد يمكن ان يكون مبنيا على وجود الطبيعي وعدمه ، وان القائل بتعلق الاحكام بالافراد مبناه على عدم وجود الكلي الطبيعي وانه انتزاعي صرف ، بخلاف القائل بتعلق الاحكام بالطبايع ، فإنه يقول بوجود الكلي الطبيعي ، وعلى هذا لا تبتنى مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي على ذلك ، بل إن للبحث عن المسألة مجالا ، سواء قلنا بوجود الكلي الطبيعي ، أو لم نقل ، غايته انه بناء على عدم وجود الطبيعي يكون المتعلق للأحكام هو منشأ الانتزاع ، ويجرى فيه ما يجرى على القول بوجود الطبيعي : من كون الجهة تقييدية أو تعليلية ، وان التركيب اتحادي أو انضمامي ، لوضوح ان انتزاع الصلاة لابد ان يكون لجهة غير جهة انتزاع الغصب ، هذا.

٤١٦

ولكن يبعد ان يكون النزاع بتعلق الاحكام بالطبايع أو الافراد مبنيا على وجود الطبيعي وعدمه ، إذا لظاهر ان من يقول بتعلق الاحكام بالافراد ، لا ينكر وجود الطبيعي. فلا بد ان يرجع نزاعهم في ذلك إلى امر آخر. ومعلوم : انه ليس المراد من تعلق الاحكام بالافراد تعلقها بالافراد الشخصية ، لاستلزام ذلك طلب الحاصل حيث إن فردية الفرد انما يكون بالتشخص ، والتشخص يساوق الوجود.

ولا يمكن أيضا ان يكون مراد القائل بتعلق الاحكام بالافراد ، تعلقها بها على وجه يكون التخيير بينها شرعيا ، بحيث تكون الخصوصيات الشخصية مطلوبة على البدل ، فيكون قوله ( صل ) بمنزلة قوله : صل في هذا المكان أو في ذلك المكان ، وفي هذا الزمان أو ذلك الزمان ، وهكذا. بحيث يكون قوله ( صل ) بمنزلة الف ( صل ) فان سد باب التخيير العقلي بمكان من الفساد.

فالذي يمكن ان يكون محل النزاع على وجه يرجع إلى امر معقول : هو ان يكون النزاع في سراية الامر بالطبيعة إلى الامر بالخصوصيات ولو على النحو الكلي ، أي خصوصية ما ، بحيث تكون الخصوصية داخلة تحت الطلب تبعا ، نظير تعلق الإرادة التبعية بالمقدمة وان لم يكن من ذلك. فالقائل بتعلق الاحكام بالافراد يدعى السراية والتبعية ، القائل بتعلق الاحكام بالطبايع يدعى عدم السراية وان المأمور به هو الطبيعة المعراة عن كل خصوصية ، أي الساذجة الغير الملحوظ معها خصوصية أصلا ، ولا يسرى الامر إلى الخصوصيات بوجه من الوجوه. فلو كان النزاع في تعلق الاحكام بالطبايع أو الافراد على هذا الوجه ، فالحق ان مسألة اجتماع الأمر والنهي تبتنى على ذلك ، وتكون من مقدمات المسألة ، فإنه بعد ما عرفت : من أن كلا من متعلق الأمر والنهي يجرى بالنسبة إلى الآخر مجرى المشخص ، لو قيل بتعلق الاحكام بالافراد بالمعنى المتقدم من سراية الامر إلى الخصوصية ولو تبعا ، فلا مجال للنزاع في جواز الاجتماع ، لأنه يلزم ان يتعلق الامر بعين ما تعلق به النهى ولو بالتبعية ، فيمتنع الاجتماع ، ولو قلنا بتعلق الاحكام بالطبايع ، من دون ان يسرى الامر إلى الخصوصيات كان للنزاع مجال ، من جهة وجود المتعلقين بتأثير واحد. فظهر : ان منع ابتناء المسألة على تلك المسألة باطلاقه لا يستقيم.

٤١٧

نعم : ابتناء المسألة على مسألة أصالة الوجود أو الماهية مما لاوجه له ، فإنه لا يفرق الحال فيما نحن فيه ، بين ان نقول : بأصالة الوجود ، أو أصالة الماهية ، فإنه حتى على القول بأصالة الوجود يجرى النزاع ، من جهة دعوى اتحاد وجود المتعلقين أو عدم اتحاده ، وان لكل منهما حظا من الوجود يخصه لأربط له بالآخر ، وان كان المترائي وجودا واحدا بالعدد ، الا انه في الحقيقة وجودان منضمان ، فلا ربط للمسألة بمسألة أصالة الوجود أو الماهية.

كما أن ابتناء المسألة ، على كون كل من الدليلين متكفلا للمناط والمصلحة التي أوجبت الامر والمفسدة التي أوجبت النهى مما لاوجه له ، فان البحث في المقام لا يتوقف على المناط والمصلحة والمفسدة ، حيث إن البحث يجرى ولو قلنا بمقالة الأشاعرة وأنكرنا المصالح والمفاسد ، بل الذي يتوقف عليه البحث في المقام ، هو ان يكون الموجود في مورد الاجتماع تمام ما هو موضوع الامر وتمام ما هو موضوع النهى ، من دون ان يكون أحدهما فاقدا لقيد اعتبر فيه. فراجع ما ذكره في الكفاية في هذا المقام وما وقع منه من الخلط والاشتباه وتقسيمه الحكم إلى : اقتضائي ، وانشائي ، وفعلي ، وتصويره كون الحكم انشائيا بعد تحقق موضوعه. فان ذلك كله لا نعقله. وتقدم منا في بحث الواجب المشروط : المعنى الصحيح للانشاء والفعلية ، فراجع (١) ولعله يأتي أيضا ما يتعلق بمراتب الاحكام وفسادها في بعض المباحث.

إذا عرفت ما مهدناه لك من المقدمات فاعلم : ان المسألة ذات أقوال :

ثالثها : التفصيل بالامتناع عرفا والجواز عقلا.

ورابعها : التفصيل بين الأوامر النفسية فالامتناع ، والأوامر الغيرية فالجواز. وقد استدل لكل من الجواز والامتناع بوجوه ، لا بأس أولا بالإشارة إلى جملة منها وبيان ما فيها من الخلل ثم نذكر ما عندنا من الوجه الصحيح ، فنقول : قد استدل للجواز بوجوه :

__________________

١ ـ راجع الجزء الأول ، مباحث تقسيمات الواجب تقسيمه إلى المطلق والمشروط ، الجهة الثانية من الامر الأول ص ١٧٤

٤١٨

منها : ما افاده المحقق القمي ( قده ) : من أن متعلقات الأوامر والنواهي هي الطبايع ، والفرد انما يكون مقدمة لوجودها ، فالفرد من الصلاة الموجود في الدار الغصبية انما يكون مقدمة لوجود الطبيعة المأمور بها ، ومقدمة الواجب ليست واجبة ، فلم يجتمع هناك الوجوب والحرمة. ولو قيل : بوجوب المقدمة ، فوجوبها يكون غيريا تبعيا ، ولا مانع من اجتماع الوجوب الغيري مع النهى النفسي ، وانما المانع هو اجتماع الوجوب النفسي مع النهى النفسي ، على ما صرح به في مبحث مقدمة الواجب (١) هذا.

__________________

١ ـ قوانين الأصول ، بحث الاجتماع ، الوجه الأول من الوجوه التي استدل بها لجواز الاجتماع ، ص ٧٧.

واليك نص ما افاده في المقام :

« ان الحكم انما تعلق بالطبيعة على ما أسلفنا لك تحقيقه ، فمتعلق الامر طبيعة الصلاة ومتعلق النهى طبيعة الغصب ، وقد أوجدهما المكلف بسوء اختياره في شخص واحد ولا يرد من ذلك قبح على الآمر لتغاير متعلق المتضادين ، فلا يلزم التكليف بالمتضادين ولا كون الشيء الواحد محبوبا ومبغوضا من جهة واحدة.

فان قلت : الكلي لا وجود له الا بالفرد ، فالمراد بالتكليف بالكي هو ايجاد الفرد وان كان متعلقا بالكلي على الظاهر ، وما لا يمكن وجوده في الخارج يقبح التكليف بايجاده في الخارج.

قلت : ان أردت عدم امكان الوجود في الخارج بشرط لا فهو مسلم ولا كلام لنا فيه ، وان أردت استحالة وجوده لا بشرط فهو باطل جزما ، لان وجود الكلي لا بشرط لا ينافي وجوده مع الف شرط فإذا تمكن من اتيانه في ضمن فرد فقد تمكن من اتيانه لا بشرط ، غاية الامر توقف حصوله في الخارج على وجود الفرد والممكن بالواسطة لا يخرج عن الامكان وان كان ممتنعا بدون الواسطة وهذا كلام سار في جميع الواجبات بالنسبة إلى المقدمات ، فالفرد هنا مقدمة لتحقق الكلي في الخارج فلا غاية في التكليف به مع التمكن عن المقدمات.

فان قلت : سلمنا ذلك ، لكن نقل ان الامر بالمقدمة اللازم من الامر بالكلي على ما بنيت عليه الامر يكفينا ، فان الامر بالصلاة امر بالكون ، والامر بالكون امر بهذا الكون الخاص الذي هو مقدمة الكون الذي هو جزء الصلاة ، فهدا لكون الخاص مأمور به وهو بعينه منهي عنه لأنه فرد من الغصب ، والنهى عن الطبيعة يستلزم النهى عن جميع افراده ولو كان ذلك أيضا من باب مقدمة الامتثال بمقتضى النهى فان مقدمة الحرام حرام أيضا فعاد المحذور وهو اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد شخصي.

قلت : نمنع أولا وجوب المقدمة ، ثم نسلم وجوبه التبعي الذي بيناه في موضعه ولكن غاية الامر حينئذ توقف الصلاة على فرد ما من الكون ، لا الكون الخاص الجزئي وانما اختار المكلف مطلق الكون في ضمن هذا الشخص المحرم ».

وقد بين في المقدمة السابعة من المقدمات التي مهدها لتحقيق وجوب مقدمة الواجب ، في مبحث المقدمة ،

٤١٩

ولكن لا يخفى عليك ما فيه :

اما أولا : فلان الفرد لايكون مقدمة لوجود الطبيعي ، بل هو عينه خارجا. ولو قيل : ان المحقق لم يدع مقدمية الفرد للطبيعة مطلقا ، بل ادعى ذلك في طرف الامر فقط ، بقرينة قوله ( انه بناء على وجوب المقدمة يلزم اجتماع الامر الغيري مع النهى النفسي ) فلو كان مدعاه مقدمية الفرد مطلقا ، لكان في طرف النهى أيضا نهى غيري ، فمن ذلك يعلم : ان ما قاله من المقدمية مقصور على طرف الامر ، وحينئذ لابد ان يكون مراده من الامر خصوص الامر المطلوب منه صرف الوجود ، لا الامر الانحلالي ، لأنه لافرق بين الأوامر الانحلالية والنواهي الانحلالية من حيث عدم مقدمية الفرد للطبيعة. والذي يمكن ، هو الفرق بين الأوامر المطلوب منها صرف الوجود ، كالصلاة ، وبين الأوامر والنواهي الانحلالية ، حيث إنه تصح دعوى كون الفرد مقدمة لتحقق صرف الوجود ، بحيث يكون الفرد من المحصلات والمحققات لصرف الوجود.

ففيه : ان ذلك وان كان توجيها لكلامه ، الا انه مع ذلك لا يستقيم ، بداهة ان الفرد في صرف الوجود أيضا لم يكن مقدمة ، بل هو عينه. نعم : لو قلنا بعدم وجود الكلي الطبيعي وانه انتزاعي صرف ، كان الفرد مقدمة لانتزاعه ، كما هو الشأن في جميع الأمور الانتزاعية ، حيث يكون منشأ الانتزاع مقدمة لانتزاعها ، ولكن لا المحقق قائل بعدم وجود الطبيعي ، ولا يمكن القول به. فدعوى مقدمية الفرد مما لا أساس لها مطلقا.

__________________

ص ٤٩.

« واما الوجوب المذكور أي وجوب المقدمة فلما كان هو أيضا تبعيا كاصل الخطاب به بمعنى انه لازم لأجل التوصل إلى ذي المقدمة ، وحكمه حكم الخطابات الأصلية التوصلية كانقاذ الغريق واطفاء الحريق وغسل الثوب النجس للصلاة ، فلم يحكم بكونه واجبا أصليا ولم يثبت له احكام الواجب الأصلي الذاتي ، فلا عقاب عليه لعدم ثبوت العقاب على الخطاب التبعي كما سنشير إليه ، ويجتمع مع الحرام لأجل كونه توصليا نظير الانقاذ والغسل الواجبين لاستخلاص النفس المحترمة والصلاة في الثوب الطاهر ولذلك يحصل المطلوب بالحرام أيضا ، بل بفعل الغير أيضا .. »

٤٢٠