فوائد الأصول - ج ١ - ٢

الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني

فوائد الأصول - ج ١ - ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦١٣
الجزء ١ - ٢ الجزء ٣ الجزء ٤

وحيث عرفت : ان جواز الاستنابة يلازم جواز التبرع ولو مع عدم رضا المتبرع عنه ، بل تفرغ ذمته قهرا عليه ، فينبغي ح ان يبحث عن كيفية سقوط التكليف بتبرع المتبرع ، وان نحو تعلق التكليف بالمكلف مع سقوطه بفعل المتبرع على أي وجه يكون؟ فان في مثل هذا لا يمكن ان يكون على وجه التخيير ، وليس تبرع المتبرع من قبيل الاستنابة ، بان يكون أحد فردي التخيير الشرعي فضلا عن التخيير العقلي ، لان أحد طرفي التخيير لابد ان يكون مقدورا للمكلف ويتعلق به ارادته نحو تعلقه بالطرف الاخر ، وفعل الغير لا يدخل تحت قدرة المكلف ، ولا يمكن تعلق الإرادة به ، فلا معنى لان يقال : افعل أنت بنفسك أو غيرك.

والحاصل : انه لا يمكن ان يكون الشخص مكلفا بفعل غيره ولو على وجه التخيير بين فعله وفعل غيره. بل فيما يكون فعل الغير مسقطا للتكليف عن المكلف إذا توقف اسقاطه على قصد النيابة واتيان الفعل عنه ـ كما في الحج ، والقضاء عن الميت وأداء الدين حيث لا يسقط التكليف عن المكلف الا باتيان الغير نيابة عنه وبقصد تفريغ ذمته ، والا لا يقع الفعل عن المكلف ولا تفرغ ذمته ، بخلاف إزالة النجاسة حيث إن الوجوب يسقط فيها على أي وجه اتفق ـ يكون هناك جهة أخرى تمنع من كونه أحد فردي التخيير ، مضافا إلى أنه خارج عن تحت القدرة والاختيار ، وهي ان اسقاط فعل الغير التكليف عن غيره انما يكون بعد توجه التكليف إليه ومطالبته به ، حتى يمكن للغير قصد النيابة عنه واتيانه بالفعل بداعي تفريغ الذمة وتنزيل نفسه منزلة المكلف ، فيكون السقوط بفعل الغير في طول التكليف وتوجهه نحو المكلف ، إذ بعد توجه التكليف نحوه واشتغال ذمته به يمكن للغير تفريغ ذمته وفعله نيابة عنه ، ومن المعلوم : ان ما كان في طول الشيء لا يمكن ان يكون في عرضه واحد فردي التخيير فتأمل.

وعلى كل حال ، ان فعل الغير وتبرعه لا يمكن ان يكون أحد فردي التخيير ، وليس فعل الغير كالاستنابة ، حيث إنها يمكن ان تكون أحد فردي التخيير ، لان الاستنابة فعل اختياري للمكلف ، فيمكن تعلق التكليف بها تعيينا أو تخييرا ، وأين هذا من فعل الغير الذي لايكون تحت قدرة المكلف وارادته؟ فسقوط التكليف بفعل

١٤١

الغير لا يمكن ان يكون على وجه التخيير ، بل لابد ان يكون ذلك على وجه تقييد الموضوع فيما إذا كان للتكليف تعلق بموضوع خارجي كخطاب أد الدين ، أو تقييد الحكم فيما إذا لم يكن له تعلق بموضوع خارجي كالحج ، فيكون وجوب أداء الدين من جهة السقوط بفعل الغير من قبيل الواجب المشروط ، ويرجع حقيقة التكليف إلى وجوب أداء الدين الذي لم يؤده الغير ، فالواجب على المكلف هو الدين المقيد. وكذا يقال في الحج : ان وجوب الحج مشروط بعد قيام الغير به تبرعا.

فتحصل من جميع ما ذكرنا : ان التكليف الذي ثبت فيه جواز الاستنابة وجواز تبرع الغير يجتمع فيه جهات ثلث : جهة تعيينية وهي بالنسبة إلى المادة حيث لا يقوم شيء مقامها ، وجهة تخييرية وهي بالنسبة إلى الاستنابة ، وجهة اشتراط وتقييد وهي بالنسبة إلى السقوط بفعل الغير. هذا إذا ثبت جواز الاستنابة فيه.

وأما إذا شك ، كما هو المقصود بالكلام ، فالشك في جواز الاستنابة يستتبع الشك في السقوط بفعل الغير ، لما عرفت من الملازمة بينهما ، فيحصل الشك فيه من جهتين : التعيين والتخيير ، ومن جهة الاطلاق والاشتراط ، وأصالة التعيينية والاطلاق ترفع كلتا جهتي الشك ، كما هو الشأن في جميع موارد دوران الامر بين التعيين والتخيير ، والاطلاق والاشتراط ، حيث إن ظاهر الامر ومقتضى الأصل اللفظي هو التعيين والاطلاق ، فالأصل اللفظي يقتضى التعبدية بمعنى عدم جواز الاستنابة وعدم السقوط بفعل الغير ، هذ إذا كان هناك اطلاق.

وأما إذا لم يكن ، ووصلت النوبة إلى الأصل العملي ، فمقتضى الأصل يختلف باختلاف جهتي الشك. اما من جهة الشك في التعيين والتخيير ، فالأصل يقتضى الاشتغال وعدم السقوط بالاستنابة ، على ما هو الأقوى عندنا : من أن الأصل هو الاشتغال في دوران الامر بين التعيين والتخيير كما حررناه في محله.

واما من جهة الشك في الاطلاق والاشتراط ، فالأصل العملي في موارد دوران الامر بين الاطلاق والاشتراط وان كان ينتج نتيجة الاشتراط ، على عكس الأصل اللفظي ، لرجوع الشك فيه إلى الشك في التكليف في صورة فقدان الشرط ، والأصل البراءة عنه ، كالشك في وجوب الحج عند عدم الاستطاعة لو فرض الشك في

١٤٢

اشتراط الوجوب بها ، الا انه في المقام لا يمكن ذلك ، لأن الشك في المقام راجع إلى مرحلة البقاء وسقوط التكليف بفعل الغير ، لا في مرحلة الجعل والثبوت ، ومقتضى الاستصحاب هو بقاء التكليف وعدم سقوطه بفعل الغير. وما قلناه : من أصالة البراءة عند دوران الامر بين الاطلاق والاشتراط ، انما هو فيما إذا رجع الشك إلى ناحية الثبوت كمثال الحج ، لا إلى ناحية البقاء كما في المقام. هذا تمام الكلام في أصالة التعبدية بمعنى اعتبار المباشرة وعدم السقوط بالاستنابة وفعل الغير.

واما الكلام في أصالة التعبدية بمعنى اعتبار الإرادة والاختيار وعدم السقوط بدون ذلك ، فمجمل القول فيه : هو ان الأقوى فيه أيضا أصالة التعبدية ، بمعنى عدم سقوط التكليف عند فعله بلا إرادة واختيار ، وليس ذلك لأجل اخذ الاختيار في مواد الافعال ، لوضوح فساده ، بداهة عدم توقف الضرب والقتل وغير ذلك من المواد على وقوعها عن إرادة واختيار ، وكذا ليس ذلك لأجل اخذ الاختيار في هيئات الافعال ، لوضوح انه لا يتوقف صدق انتساب المادة إلى الفاعل على الإرادة والاختيار ، وكيف يمكن ذلك؟ مع أن الافعال تعم أفعال السجايا وغيرها ، كنجل ، وعلم ، وكرم ، واحمر ، واصفر ، وذلك مما لا يمكن فيه الإرادة والاختيار ، فهيئة الفعل الماضي والمضارع لا دلالة فيها على الاختيار. نعم تمتاز هيئة فعل الامر عن سائر الأفعال في اعتبار الاختيارية وذلك لامرين :

الأول : انه يعتبر في متعلق التكليف ان يكون صدوره عن الفاعل حسنا. وبعبارة أخرى : يعتبر عقلا في متعلق التكليف القدرة عليه ليتمكن المكلف من امتثال الامر على وجه يصدر الفعل عنه حسنا ، ومن المعلوم : ان صدور الفعل حسنا من فاعله يتوقف على الإرادة والاختيار ، إذ الافعال الغير الاختيارية لا تتصف بالحسن والقبح الفاعلي ، وان اتصفت بالحسن والقبح الفعلي ، فلابد من خروج ما لايكون بإرادة واختيار عن متعلق التكليف عقلا ، ولا يمكن ان يعمه سعة دائرة الامر.

الثاني : هو ان نفس الامر يقتضى اعتبار الإرادة والاختيار مع قطع النظر عن الحكم العقلي ، وذلك لان الامر الشرعي انما هو توجيه إرادة العبد نحو المطلوب و

١٤٣

تحريك عضلاته ، فالامر هو بنفسه يقتضى اعتبار الإرادة والاختيار ، ولا يمكن ان يتعلق بالأعم لأنه بعث للإرادة وتحريك لها ، وح لو قام دليل على سقوط التكليف عند فعل متعلقه بلا إرادة واختيار ، كان ذلك من قبيل سقوط التكليف بفعل الغير ، وهو يرجع إلى تقييد الموضوع ، واطلاق الخطاب عند الشك يدفع التقييد المذكور ، فالأصل اللفظي يقتضى عدم السقوط عند عدم الإرادة والاختيار. وكذا الحال في الأصل العملي على حذو ما تقدم عند الشك في سقوطه بفعل الغير.

واما أصالة التعبدية بمعنى عدم سقوطه بفعل المحرم ، فتوضيح الكلام فيه : هو ان السقوط بفعل المحرم لابد ان يكون لمكان اتحاد متعلق الامر مع متعلق النهى خارجا ، والا لم يعقل السقوط بدون ذلك ، وهذا الاتحاد انما يكون بأحد أمرين : اما لكون النسبة بين المتعلقين العموم والخصوص المطلق ، واما لكون النسبة هي العموم من وجه ، إذ لا يمكن الاتحاد بدون ذلك. فان كان بين المتعلقين العموم والخصوص المطلق ، فيندرج في باب النهى عن العبادة ويخرج الفرد المحرم عن سعة دائرة الامر ويقيد الامر لا محالة بما عدا ذلك ، من غير فرق بين العبادة وغيرها كما لا يخفى. وإن كان بين المتعلقين العموم من وجه ، فيندرج في باب اجتماع الأمر والنهي ، فان قلنا في تلك المسألة بالامتناع مع تقديم جانب النهى ، كان من صغريات النهى عن العبادة أيضا على ما سيأتي بيانه انشاء الله تعالى ، وان قلنا بالجواز كما هو المختار فالمتعلق وان لم يتحد واندرج في باب التزاحم ، الا انه مع ذلك لا يصلح الفرد المحرم للتقريب (١) لعدم حسنه الفاعلي وان كان فيه ملاك الامر ، الا انه لما يقع مبغوضا عليه لمكان مجامعته للحرام ، فلا يصلح لان يتقرب به ، فلا يسقط الامر به. فالأصل

__________________

١ ـ لا يخفى : ان هذا البيان انما يتم فيما إذا كان المأمور به عبادة ، وأما إذا لم يكن عبادة فبغضه الفاعلي مما لا اثر له بعد ما كان المقام من باب التزاحم واشتمال الفعل على تمام الملاك ، فلا محيص من سقوط الامر حينئذ ولا مجال للشك فيه. وهذا بخلاف المقامات المتقدمة ، فان في جميعها مجالا واسعا لتطرق الشك فيها ، لاحتمال دخل الاختيار مثلا أو المباشرة في ملاك الحكم ، ولأجله نحتاج إلى دليل خارجي يدل على السقوط بذلك بخلاف ما كان من باب التزاحم ، فان نفس دليل الحكم يقتضى السقوط لمكان كشفه عن الملاك حتى في الفرد المزاحم للحرام ، كما هو لازم القول بجواز الاجتماع ، فتأمل ـ منه.

١٤٤

اللفظي وكذا العملي يقتضى عدم السقوط بفعل المحرم ، كما اقتضيا عدم السقوط بالاستنابة وفعل الغير وعن لا إرادة واختيار. هذا تمام الكلام في المقام الثاني. فلنعطف الكلام إلى المقام الأول ، الذي هو المقصود بالأصالة في هذا المبحث ، وهو ان الأصل يقتضى التعبدية بالمعنى الآخر لها أو لا يقتضى ، وقد عرفت في الامر الأول من الأمور التي أردنا تقديمها في هذا المبحث معنى التعبدية ، وحاصله : ان التعبدية عبارة عن الوظيفة التي شرعت لأجل ان يتعبد بها ، ويظهر العبد عبوديته لمولاه.

الامر الثاني :

لا اشكال في أن كل حكم له متعلق وموضوع. والمراد من المتعلق هو ما يطالب به العبد من الفعل أو الترك ، كالحج ، والصلاة ، والصوم ، وغير ذلك من الافعال. والمراد بالموضوع هو ما اخذ مفروض الوجود في متعلق الحكم ، كالعاقل البالغ المستطيع مثلا. وبعبارة أخرى : المراد من الموضوع هو المكلف الذي طولب بالفعل أو الترك بما له من القيود والشرائط : من العقل والبلوغ وغير ذلك.

ثم إن كلا من الموضوع والمتعلق له انقسامات عقلية سابقة على مرحلة ورود الحكم عليه ، وهذه الانقسامات تلحق له بحسب الامكان العقلي ولو لم يكن هناك شرع ولا حكم ، ككون المكلف عاقلا ، بالغا ، قادرا ، روميا ، زنجيا ، احمر ، ابيض ، اسود ، وغير ذلك من الانقسامات التي يمكن ان تفرض له. وككون الصلاة مثلا إلى القبلة ، أو في المسجد ، أو الحمام ، مقرونة بالطهارة ، إلى غير ذلك من الانقسامات التي يمكن ان تفرض لها في حد نفسها ولو لم تكن متعلقة لحكم أصلا.

ولكل منهما أيضا انقسامات تلحقهما بعد ورود الحكم عليهما ، بحيث لولا الحكم لما أمكن لحوق تلك الانقسامات لهما ، ككون المكلف عالما بالحكم ، أو جاهلا به ، بداهة ان العلم بالحكم لا يمكن الا بعد الحكم. وهذا بخلاف العلم ، بالموضوع ، فإنه يمكن لحوقه بدون الحكم. هذا بالنسبة إلى الموضوع. واما بالنسبة إلى المتعلق ، ككون الصلاة مما يتقرب ويمتثل بها ، فان هذا انما يلحق الصلاة بعد الامر بها ، إذ لولا الامر لما كان عروض هذا الوصف لها ممكنا.

١٤٥

ثم انه لا اشكال في امكان التقييد أو الاطلاق بالنسبة إلى كل من الموضوع والمتعلق بلحاظ الانقسامات السابقة على ورود الحكم ، بل لا محيص اما من الاطلاق أو التقييد ، لعدم امكان الاهمال الواقعي بالنسبة إلى الآمر الملتفت ، لوضوح انه لابد من تصور موضوع حكمه ومتعلقه ، فإذا كان ملتفتا إلى الانقسامات اللاحقة للموضوع أو المتعلق ، فاما ان لا يعتبر فيه انقساما خاصا فهو مطلق ، أو ان يعتبر فيه انقساما خاصا فهو مقيد.

وبالجملة : لو أوجب اكرام الجيران وهو ملتفت إلى أن الاكرام يمكن ان يكون بالضيافة ويمكن ان يكون بغيرها ، وكذا كان ملتفتا إلى أن في الجيران عدوا وصديقا ، فان تساوت الأقسام في نظره فلا محيص من اطلاق حكمه ، والا فلابد من التقييد بما يكون منها موافقا لنظره ، هذا بحسب الثبوت ونفس الامر. واما بحسب مقام الاثبات ومرحلة الاظهار ، وفيمن فيه الاهمال لغرض له في ذلك. هذا في الانقسامات السابقة على الحكم اللاحقة للموضوع أو المتعلق.

واما الانقسامات اللاحقة للحكم فلا يمكن فيها التقييد ثبوتا ، وإذا امتنع التقييد امتنع الاطلاق أيضا لما بين الاطلاق والتقييد من تقابل العدم والملكة ، فالقدرة على أحدهما عين القدرة على الآخر ، كما أن امتناع أحدهما عين امتناع الآخر وذلك واضح. فالشأن انما هو في اثبات امتناع التقييد. فنقول : يقع الكلام تارة : بالنسبة إلى الموضوع ، وأخرى : بالنسبة إلى المتعلق. اما بالنسبة إلى الموضوع ، فالتقييد تارة : يكون في مرحلة فعلية الحكم ، وأخرى : يكون في مرحلة انشائه.

واما التقييد في مرحلة فعلية الحكم فلا يعقل ، للزوم الدور. وذلك لان فعلية الحكم انما يكون بوجود موضوعه ، كما أوضحناه في محله ، فنسبة الموضوع إلى الحكم نسبة العلة إلى المعلول ، ولا يعقل تقدم الحكم على موضوعه ، والا يلزم عدم موضوعية ما فرض كونه موضوعا ، وذلك واضح. ومن المعلوم : ان العلم بالشيء يتوقف على ثبوت الشيء في الموطن الذي تعلق العلم به ، إذ العلم لابد له من متعلق ورتبة المتعلق سابقة على العلم ليمكن تعلق العلم به ، فلو فرض ان العلم بالحكم اخذ قيد للموضوع فلا بد من ثبوت الموضوع بماله من القيود في المرتبة السابقة على الحكم ، لما

١٤٦

عرفت : من لزوم تقدم الموضوع على الحكم ، ففعلية الحكم تتوقف على وجود الموضوع ، فلو فرض ان العلم بالحكم اخذ قيدا في الموضوع يلزم توقف الموضوع على الحكم ، لان من اجزاء الموضوع العلم بالحكم ، فلابد من وجود الحكم ليلتئم الموضوع بماله من الاجزاء ، وهذا كما ترى يلزم منه الدور المصرح ، غايته ان التوقف من أحد الجانبين يكون شرعيا وهو توقف الحكم على الموضوع لان الموضوع انما يكون بحسب الجعل الشرعي إذ لو لم يعتبره الشارع لما كاد ان يكون موضوعا ، ومن الجانب الاخر يكون عقليا وهو توقف الموضوع على الحكم ، لان توقف العلم الذي اخذ قيدا للموضوع على المعلوم الذي هو الحكم حسب الفرض عقلي ، ولك ان تجعل التوقف من الجانبين عقليا فتأمل.

وعلى كل حال ، لا اشكال في لزوم الدور ان اخذ العلم بالحكم قيدا للموضوع في مقام فعلية الحكم. واما ان اخذ قيدا في مقام الانشاء فربما يتوهم عدم المانع من ذلك ، لان انشاء الحكم لا يتوقف على وجود الموضوع وان توقف فعليته عليه ، بل انشاء الاحكام انما يكون قبل وجود موضوعاتها ، فيرتفع التوقف من أحد الجانبين هذا.

ولكن اخذ العلم بالحكم قيدا للموضوع في مرحلة الانشاء وان لم يلزم منه الدور المصطلح ، الا انه يلزم منه توقف الشيء على نفسه ابتداء بدون توسيط الدور.

وتوضيح ذلك : هو ان الدور عبارة عن الذهاب والإياب في سلسلة العلل والمعلولات ، بان يقع ما فرض كونه علة لوجود الشيء في سلسلة معلوله ، اما بلا واسطة كتوقف ( ا ) على ( ب ) و ( ب ) على ( ا ) أو مع الواسطة كما إذا فرض توسط ( ج ) في البين ، والأول هو المصرح ، والثاني هو المضمر.

والوجه في امتناع الدور ، هو لزوم تقدم الشيء على نفسه الذي هو عبارة عن اجتماع النقيضين ، فان هذا هو الممتنع الأولى العقلي الذي لابد من رجوع كل ممتنع إليه ، والا لم يكن ممتنعا ، فالممتنع الأولى هو ان يكون الشيء موجودا في حال كونه معدوما الذي هو عبارة عن اجتماع الوجود والعدم في شيء واحد في آن واحد ، والدور انما يكون ممتنعا لأجل استلزامه ذلك ، فان توقف ( ا ) على ( ب ) يستدعى تقدم

١٤٧

( ب ) في الوجود على ( الف ) ، فلو فرض توقف ( ب ) على ( الف ) أيضا يلزم تقدم ( الف ) على ( ب ) المفروض تأخره عنه ، ويرجع بالآخرة إلى توقف ( الف ) على نفسه ، فلو فرض في مورد لزوم هذا المحذور بلا توسط الدور ، فهو أولى بان يحكم عليه بالامتناع.

وبعد ذلك نقول في المقام : لو اخذ العلم بالحكم قيدا للموضوع في مرحلة الانشاء يلزم تقدم الشيء على نفسه ، وذلك لأنه لابد من فرض وجوده بما انه مرآة لخارجه قبل وجود نفسه ، إذ الانشاءات الشرعية انما تكون على نهج القضايا الحقيقية التي هي المتعبرة في العلوم ، وليس من القضايا العقلية التي لا موطن لها الا العقل ، ولا من أنياب الأغوال التي تكون مجرد فرض لا واقعية لها أصلا ، بل الانشاءات الشرعية انما هي عبارة عن جعل الاحكام على موضوعاتها المقدرة وجوداتها ، هذا الجعل انما يكون قبل وجود الموضوعات في الخارج ، وعند وجودها تصير تلك الأحكام فعلية.

وحينئذ لو فرض اخذ العلم بالانشاء قيدا للموضوع في ذلك المقام ، فلابد من تصور الموضوع بماله من القيود لينشأ الحكم على طبقه ، والمفروض ان من قيود الموضوع العلم ، بهذا الانشاء نفسه ، فلابد من تصور وجود الانشاء مرآة لخارجه قبل وجود نفسه ، وهذا كما ترى يلزم منه تقدم الانشاء على نفسه ، وهو ضروري الامتناع.

والحاصل :

انه لو اخذ العلم بالحكم قيدا في مقام الانشاء ، والمفروض انه لا حكم سوى ما أنشأ ، فلابد من تصور وجود الانشاء قبل وجوده ليمكن اخذ العلم به قيدا ، وليس ذلك مجرد قضية فرضية من قبيل أنياب الأغوال ، حتى يقال : لا مانع من تصور وجود الشيء قبل نفسه لامكان فرض اجتماع النقيضين ، بل قد عرفت : ان الأحكام الشرعية وانشاءاتها انما تكون على نهج القضايا لحقيقية القابلة الصدق على الخارجيات ، وتصور وجود الشيء القابل للانطباق الخارجي قبل وجود نفسه محال هذا كله في الانقسامات اللاحقة للموضوع المترتبة على الحكم.

١٤٨

واما الانقسامات اللاحقة للمتعلق المترتبة على الحكم ، كقصد امتثال الامر في الصلاة مثلا ، فامتناع اخذه في المتعلق انما هو لأجل لزوم تقدم الشيء على نفسه في جميع المراحل ، أي في مرحلة الانشاء ، ومرحلة الفعلية ، ومرحلة الامتثال.

اما في مرحلة الانشاء : فالكلام فيه هو الكلام في اخذ العلم في تلك المرحلة ، حيث قلنا : انه يلزم منه تقدم الشيء على نفسه ، فان اخذ قصد امتثال الامر في متعلق نفس ذلك الامر يستلزم تصور الامر قبل وجود نفسه ، وكذا الحال عند اخذه في مقام الفعلية ، فان قصد امتثال الامر يكون ح على حذو سائر الشرائط والاجزاء كالفاتحة ، ومن المعلوم : ان فعل المكلف إذا كان له تعلق بما هو خارج عن قدرته ، فلابد من اخذ ذلك مفروض الوجود ليتعلق به فعل المكلف ويرد عليه ، كالأمر في قصد امتثال الامر ، فان قصد الامتثال الذي هو فعل المكلف انما يتعلق بالامر ، وهو من فعل الشارع خارج عن قدرة المكلف ، فلابد ان يكون موجودا ليتعلق القصد به ، كالفاتحة التي يتعلق بها القراءة التي هي فعل المكلف ، وكالقبلة حيث يتعلق الامر باستقبالها ، فلابد من وجود ما يستقبل ليتعلق الامر بالاستقبال ، إذ لا يعقل الامر بالاستقبال فعلا مع عدم وجود المستقبل إليه. وفي المقام لابد من وجود الامر ليتعلق الامر بقصده ، والمفروض انه ليس هناك الا امر واحد تعلق بالقصد وتعلق القصد به ، وهذا كما ترى يلزم منه وجود الامر قبل نفسه كما لا يخفى.

وبالجملة : قصد امتثال الامر إذا اخذ قيدا في المتعلق في مرحلة فعلية الامر بالصلاة فلابد من وجود الامر ليتعلق الامر بقصد امتثاله ، مع أنه ليس هناك الا امر واحد ، فيلزم وجود الامر قبل نفسه.

واما في مرحلة الامتثال : فكذلك أي يلزم وجود الشيء قبل نفسه ، بمعنى انه لا يمكن للمكلف امتثاله لاستلزامه ذلك المحذور ، وذلك لان قصد امتثال الامر إذا تعلق الطلب به ووقع تحت دائرة الامر واخذ في المتعلق قيدا على حذو سائر الشروط والاجزاء ، فلابد للمكلف من أن يأتي بهذا القيد بداعي امتثال امره ، كما يأتي بسائر الاجزاء بداعي امتثال امره ، فيلزم المكلف ان يقصد امتثال الامر بداعي امتثال امره ، وهذا كما ترى ، يلزم منه ان يكون الامر موجودا قبل نفسه ،

١٤٩

ليتحقق منه قصد امتثال الامر بداعي الامر المتعلق به.

والحاصل : ان المكلف لا يتمكن من الامتثال ، إذ ليس له فعل الصلاة بداعي أمرها ، لان الامر لم يتعلق بنفس الصلاة فقط حسب الفرض ، بل تعلق بها مع قصد امتثال الامر ، فالامر قد تعلق بقصد امتثال الامر ولو في ضمن تعلقه بالصلاة على هذا النحو ، فيلزم المكلف ان يقصد امتثال الامر بداعي امره ، وهذا لايكون الا بعد فرض وجود الامر قبل نفسه ليمكن القصد إلى امتثاله بداعي امره الذي هو نفسه ، إذ ليس في المقام الا امر واحد ، وهذا معنى لزوم وجود الامر قبل نفسه.

هذا كله ، ان اخذ خصوص امتثال الامر قيدا للمتعلق ، بناء على ما حكى عن الجواهر : (١) من أن العبرة في العبادة انما هو فعلها بداعي امتثال أمرها ولا يكفي قصد الجهة ولا سائر الدواعي الاخر. بل جعل سائر الدواعي في طول داعي امتثال

__________________

١ ـ قال في الجواهر : « اما العبادات فلا اشكال في اعتبار القصد فيها ، لعدم صدق الامتثال والطاعة بدونه ، واعتبارهما في كل امر صدر من الشارع معلوم بالعقل والنقل كتابا وسنة ، بل ضرورة من الدين ، بل لا يصدقان الا بالاتيان بالفعل بقصد امتثال الامر فضلا عن مطلق القصد ، ضرورة عدم تشخص الافعال بالنسبة إلى ذلك عرفا الا بالنية ، فالخالي منها عن قصد الامتثال والطاعة لا ينصرف إلى ما تعلق به الامر إذ الامر والعبثية فضلا عن غيرها على حد سواء بالنسبة إليه ، ومن هنا إذا كان الامر متعددا توقف صدق الامتثال على قصد التعيين لعدم انصراف الفعل بدونه إلى أحدهما ..

وذكر بعد سطور :

« اما القربة بمعنى القرب الروحاني الذي هو شبيه بالقرب المكاني فهو من غايات قصد الامتثال المزبور ودواعيه ، ولا يجب نية ذلك وقصده قطعا ».

وذكر أيضا بعد رد الاستدلال على اعتبار قصد الوجه بان جنس الفعل لا يستلزم وجوهه الا بالنية.

« .. ولا ريب في عدم توقف صدق الامتثال على شيء من هذه المشخصات ، ضرورة الاكتفاء باتحاد الخطاب مع قصد امتثاله عن ذلك كله ، إذ هو متشخص بالوحدة مستغن بها عنها ، والا لوجب التعرض لغيرها من المشخصات الزمانية والمكانية وسائر المقارنات ، إذا لكل على حد سواء بالنسبة إلى ذلك. بل ليست صفة الوجوب الا كتأكد الندب في المندوب المعلوم عدم وجوب نيته زيادة على أصل الندب. » راجع جواهر الكلام ، الجزء ٩ ، ص ١٦١ ـ ١٥٧ ـ ١٥٥ وملخص مختاره هناك ، عدم كون تلك الدواعي عرضية ، بل المعتبر في صحة العبادة اتيانها بداعي امتثال الامر وهذا مما لا محيص عنه.

١٥٠

الامر ، وجعل هذا هو الأصل في تحقق العبادة ، وتلك الدواعي من باب الداعي للداعي ، ولا تصلح ان تكون هي تمام الداعي ، بل لابد من أن يأتي بالصلاة بداعي امتثال أمرها ويكون داعيه إلى ذلك هو دخول الجنة مثلا ، أو خوف النار ، أو كونه اهلا لذلك. فجعل أهليته للعبادة التي هي أقصى مراتب العبادة في طول داعي امتثال الامر.

وذهب جماعة (١) إلى كفاية قصد جهة الامر في العبادة ، ولا تتوقف على قصد خصوص امتثال الامر ، بل يكفي قصد الملاك والمصلحة التي اقتضت الامر. وذهب شيخنا الأستاذ مد ظله إلى كفاية فعل العبادة لله ولو مع عدم قصد الامتثال أو الجهة ، بل يكفي كونها لله كما يدل على ذلك بعض الاخبار ، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في الفقه عند البحث عن نية الصلاة (٢) فراجع.

وعلى كل حال ، ان اخذ خصوص قصد امتثال الامر في متعلق الامر يستلزم ما ذكرناه من تقدم الشيء على نفسه في مرحلة الانشاء ، والفعلية ، والامتثال. وان اخذ قصد الجهة في متعلق الامر لا قصد امتثال الامر يلزم الدور ، وذلك لان قصد المصلحة يتوقف على ثبوت المصلحة ولو فيما بعد ، والمفروض انه لا مصلحة بدون قصدها ، إذ قصد المصلحة يكون من أحد القيود المعتبرة ، والصلاة لا تشتمل على المصلحة الا بعد جامعيتها لجميع القيود المعتبرة فيها التي منها قصد المصلحة ، فكما ان الصلاة الفاقدة للفاتحة لايكون فيها مصلحة ، كذلك الصلاة الفاقدة لقصد المصلحة لا تشتمل عليه المصحلة ، فيلزم ح ان تكون المصلحة متوقفة على القصد إليها ، والقصد إليها يتوقف على ثبوتها في نفسها من غير ناحية القصد إليها ، فلو جاءت من ناحية نفس القصد إليها يلزم الدور ، وذلك واضح. فإذا امتنع القصد على هذا الوجه ، امتنع جعل قصد المصحلة قيدا في المتعلق ، لان جعل ما يلزم منه المحال محال. هذا إذا قلنا باعتبار قصد الجهة.

__________________

١ ـ ذهب إليه أستاذ الأساطين الشيخ الأنصاري ، وعليه جماعة من محققي تلامذته.

٢ ـ راجع المجلد الثاني من تقريرات بحث الأستاذ في مباحث الصلاة للمحقق الآملي قدس‌سره. ص ٢٧

١٥١

وأما إذا لم نعتبر ذلك أيضا ، وقلنا بكفاية القصد إلى كون العبادة لله في مقابل العبادة للسمعة والرياء ، فهو وان لم يستلزم منه محذور الدور وتقدم الشيء على نفسه لامكان الامر بالصلاة التي يأتي بها لله ، بان يؤخذ ذلك في متعلق الامر من دون استلزام محذور الدور ولا تقدم الشيء على نفسه ، الا انه يرد عليه محذور آخر سار في الجميع حتى اخذ قصد الامر والجهة ، مضافا إلى ما يرد عليهما من المحاذير المتقدمة ، وهو ان باب الدواعي لا يمكن ان يتعلق بها إرادة الفاعل ، لأنها واقعة فوق الإرادة ، والإرادة انما تنبعث عنها ، ولا يمكن ان تتعلق الإرادة بها ، لان الإرادة انما تتعلق بما يفعل ، ولا يمكن ان تتعلق بما لايكون من سنخ الفعل كالدواعي.

والحاصل : ان الداعي انما يكون علة للإرادة ، فلا يعقل ان تكون معلولة للإرادة ، وإذا لم يكن الدواعي متعلقة لإرادة الفاعل فلا يمكن ان يتعلق بها إرادة الآمر عند ارادته للفعل ، لما بيناه مرارا من الملازمة بين إرادة الفاعل وإرادة الآمر ، بمعنى انه كلما يتعلق به إرادة الفاعل يتعلق به إرادة الآمر وكلما لا يتعلق به إرادة الفاعل لا يتعلق به إرادة الآمر ، لان إرادة الآمر انما تكون محركة لإرادة الفاعل ، فلا بد من أن تتعلق إرادة الآمر ، بما يمكن تعلق إرادة الفاعل به ، والدواعي لا يمكن تعلق إرادة الفاعل بها عند ارادته للفعل ، لأنها واقعة في سلسلة علل الإرادة ، فلا تتعلق بها إرادة الآمر عند ارادته الفعل من العبد.

فتحصل من جميع ما ذكر : انه لا يمكن اخذ ما يكون به العبادة عبادة في متعلق الامر مط ، سواء كان المصحح لها خصوص قصد الامر ، أو الأعم منه ومن قصد الجهة ، أو الأعم من ذلك وكفاية اتيانها لله تعالى. فيقع الاشكال ح في كيفية اعتبار ما يكون به العبادة عبادة ، ولهم في التفصي عن هذا الاشكال وجوه :

الوجه الأول :

ما نسب إلى الميرزا الشيرازي قده.

وحاصله : ان العبادية انما هي كيفية في المأمور به وعنوان له ، ويكون قصد الامر ، أو الوجه ، أو غير ذلك ، من المحققات لذلك العنوان ومحصلا له ، من دون ان يكون ذلك متعلقا للامر ، ولا مأخوذا في المأمور به. وبالجملة : العبادة كما

١٥٢

فسرناها في أول العنوان ، هي عبارة عن الوظيفة التي شرعت لأجل ان يتعبد العبد بها ، فالصلاة المأتى بها بعنوان التعبد واظهارا للعبودية هي المأمور بها ، والامر بها على هذا الوجه بمكان من الامكان ، والمكلف يتمكن من اتيان الصلاة كذلك ، بان يأتي بالصلاة اظهارا للعبودية. وحينئذ فللمكلف ان يأتي بالصلاة على هذا الوجه ، من دون ان يقصد الامر ، ولا الجهة ، ولا غيرهما من الدواعي ، فتقع عبادة. وله ان يأتي بها بداعي الامر أو الجهة ، ويكون ذلك محققا لعنوان العبادة في الصلاة ومحصلا لها ، من دون ان يتعلق امر بتلك الدواعي أصلا ، إذ ليس حصول العبادة منحصرا بتلك الدواعي ، حتى نقول : لابد من تعلق الامر بها ، بل عبادية العبادة انما هي امر آخر وراء تلك الدواعي ، وذلك الامر الآخر عنوان للمأمور به وكيفية له يمكن تعلق إرادة الفاعل به ، غايته ان بتلك الدواعي أيضا يمكن تحقق العنوان هذا.

ولكن هذا الوجه مما ينبغي القطع بعدمه ، لوضوح ان الملاك في العبادية انما هو فعلها بأحد الدواعي القريبة كما يدل عليه الاخبار ، فلو أتي بالفعل لا بأحد تلك الدواعي تبطل ، كما أنه لو أتى بها بأحد تلك الدواعي تصح ولو فرض محالا عدم حصول ذلك العنوان في المأمور به ، فالعبرة في عبادية العبادة انما هي بتلك الدواعي.

الوجه الثاني :

هو ان يكون الامر التعبدي بهوية ذاته يقتضى عدم سقوطه الا بقصده ، بحيث يكون هناك خصوصية في ذاته تستدعى ذلك ، من دون ان يؤخذ ذلك في متعلقه ، ويكون الميز بين التعبدي والتوصلي بنفس الهوية وان اشتركا في البعث والطلب ، نعم لابد هناك من كاشف يدل على أن الامر الفلاني تعبدي أو توصلي هذا.

ولكن يرد عليه :

أولا : عدم انحصار التعبدية بقصد الامر ، بل يكفي سائر الدواعي أيضا.

وثانيا : ان هذه دعوى لا شاهد عليها ، إذ نحن لا نتعقل ان يكون هناك خصوصية في ذات الامر تقتضي التعبدية ، بحيث يكون ذات الامر يقتضى قصد نفسه تارة ، وأخرى لا يقتضيه ، حتى يكون الأول تعبديا ، والثاني توصليا ، بل الامر في

١٥٣

التعبدي والتوصلي يكون على نسق واحد ، بمعنى انه لا ميز هناك في الذات.

الوجه الثالث :

هو ان تكون التعبدية من كيفيات الامر وخصوصية لاحقة له ، لكن لا لمكان اقتضاء ذاته ذلك حتى يرجع إلى الوجه الثاني ، بل هي لاحقة له من ناحية الغرض ، وليس مرادنا من الغرض في المقام ملاكات الاحكام والمصالح الكامنة في الافعال ، فان تلك المصالح مما لا عبرة بها في باب التكاليف ، بمعنى انها ليست لازمة التحصيل على المكلف ، لان نسبة فعل المكلف إليها نسبة المعدو ليست من المسببات التوليدية ـ كما أوضحنا ذلك فيما تقدم في بحث الصحيح والأعم ـ بل الغرض في المقام يكون بمعنى آخر حاصله : ان يكون غرضه من الامر التعبدية وقصد امتثاله ، لوضوح ان الغرض من الامر يختلف ، فتارة : يكون الغرض منه مجرد تحقق الفعل من المكلف خارجا على أي وجه اتفق ، وأخرى : يكون الغرض منه تعبد المكلف به وقصد امتثاله ، فيلحق الامر لمكان هذا الغرض خصوصية يقتضى التعبدية ويكون طورا للامر وشأنا من شؤونه ، فيرتفع ح محذور اخذ قصد الامر في المتعلق ، بل اعتبار قصد الامر انما هو لمكان اقتضاء الامر ذلك ، حيث إن الغرض منه يكون ذلك. ولعل هذا المعنى من الغرض هو الذي ذكره الشيخ قده في بحث الأقل والأكثر ، وان كان لا يساعد عليه ذيل كلامه عند قوله فان قلت ، فراجع ذلك المقام مع ما علقناه عليه.

وعلى كل حال يرد على هذا الوجه :

أولا : ما أوردناه على الوجه الثاني من أن ذلك انما يتم على مقالة صاحب الجواهر باعتبار خصوص قصد الامر في العبادة ، ونحن قد أبطلنا ذلك ، وقلنا : بكفاية قصد الجهة أو الأعم من ذك.

ثانيا : ان ذلك مما لا يرفع الاشكال ، لوضوح ان الامر هو بنفسه لا يمكن ان يتكفل الغرض منه ويبين المقصود منه ، بل لابد هناك من بيان آخر يدعو إلى الغرض ، ويبين ما هو المقصود من الامر والغرض الداعي إليه. (١)

__________________

١ ـ قد عدل شيخنا الأستاذ عن هذا الاشكال ، فراجع ما يأتي في الهامش في هذا المقام ـ منه.

١٥٤

وحيث قد عرفت عدم سلامة هذه الوجوه ، فيقع الكلام ح في الامر الثالث من الأمور التي أردنا تمهيدها.

الامر الثالث :

وهو انه لا أصل في المسألة يعين أحد طرفيها ، فلا أصالة التوصلية تجرى في المقام ولا أصالة التعبدية فيما لم يحرز توصليته وتعبديته. اما جريان أصالة التوصلية ، فلا نعقل لها معنى سوى دعوى : ان اطلاق الامر يقتضى التوصلية ، وحيث قد عرفت امتناع التقييد فلا معنى لدعوى اطلاق الامر ، فان امتناع التقييد يستلزم امتناع الاطلاق ، بناء على ما هو الحق : من أن التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة ، كما هو طريقة سلطان المحققين ومن تأخر عنه.

وعليه يبتنى عدم استلزام التقييد للمجازية. والسر في ذلك : هو ان الاطلاق انما يستفاد ح من مقدمات الحكمة ، وليس نفس اللفظ متكفلا له ، كما هو مقالة من يقول : بان التقابل بينهما تقابل التضاد ، وعليه يبتنى كون التقييد مجازا. ومن مقدمات الحكمة عدم بيان القيد مع أنه كان بصدد البيان ، ومن المعلوم : ان هذه المقدمة انما تصح فيما إذا أمكن بيان القيد حتى يستكشف من عدم بيانه عدم اعتباره ، لا فيما إذا لم يمكن كما فيما نحن فيه ، فان عدم بيان ذلك انما يكون لعدم امكانه لا لعدم اعتباره كما هو واضح. بل لو قلنا : ان التقابل بين الاطلاق والتقييد هو التضاد ـ كما هو مسلك من تقدم على سلطان المحققين ـ كان الامر كذلك ، فان الاطلاق يكون ح عبارة عن الارسال والتساوي في الخصوصيات ، وهذا انما يكون إذا أمكن التقييد بخصوصية خاصة ، والا فلا يمكن الارسال كما هو واضح.

وبالجملة : بعد امتناع التقييد بقصد الامر وغير ذلك من الدواعي لا يمكن القول بأصالة التوصلية اعتمادا على الاطلاق ، إذ لا اطلاق في البين يمكن التمسك به.

والعجب من الشيخ قده ، فإنه مع تسليمه كون امتناع التقييد يوجب امتناع الاطلاق ، ولكن مع ذلك يقول في المقام : ان ظاهر الامر يقتضى التوصلية ، ولم يظهر لنا المراد من الظهور ، إذ لا نعقل للظهور معنى سوى الاطلاق ، والمفروض انه هو

١٥٥

بنفسه قد أنكر الاطلاق ، فراجع عبارة التقرير في هذا المقام ، فإنها ربما لا تخلو عن توهم التناقض (١).

وعلى كل حال ، لا موقع لأصالة التوصلية ، كما أنه لا موقع لأصالة التعبدية ، كما ربما يظهر من بعض الكلمات ، نظرا إلى أن الامر انما يكون محركا لإرادة العبد نحو الفعل ، ولا معنى لمحركية الامر سوى كون الحركة عنه ، إذ لولا ذلك لما كان هو المحرك بل كان المحرك هو الداعي الاخر.

والحاصل : ان الامر بنفسه يقتضى ان يكون محركا للإرادة نحو الفعل ، فإذا كانت حركة العبد نحو الفعل لمكان الامر كان الامر محركا ، والا لم يكن الامر محركا ، وهذا خلف لما فرض ان الامر هو المحرك ، ولا نعنى بقصد الامتثال سوى كون الحركة عن الامر هذا.

ولكن لا يخفى عليك ما فيه.

اما أولا : فلان ذلك يقتضى انحصار التعبدية بقصد الامر ، كما هو مقالة صاحب الجواهر ، والحال انه لا ينحصر التعبدية بذلك كما تقدمت الإشارة إليه.

__________________

١ ـ ذكر الشيخ قدس‌سره في التقريرات حسب ما نقل عنه المحقق المقرر :

« ويظهر من جماعة أخرى ان الامر ظاهر في التوصلية ولعله الأقرب ».

ثم قال بعد سطور :

« واحتج بعض موافقينا على التوصلية بان اطلاق الامر قاض بالتوصلية .. » ورده :

بان « الاستناد إلى اطلاق الامر في مثل هذا التقييد فاسد ، إذ القيد مما لا يتحقق الا بعد الامر. توضيحه : ان الاطلاق انما ينهض دليلا فيما إذا كان القيد مما يصح ان يكون قيدا له ، كما إذا قيل : أكرم انسانا ، أو أعتق رقبة ، فإنه يصح ان يكون المطلق في المثالين مقيدا بالايمان والكفر والسواد والبياض ونحوها من أنواع القيود التي لا مدخل في الامر فيها ، وأما إذا كان القيد من القيود التي لا يتحقق الا بعد اعتبار الامر في المطلق ، فلا يصح الاستناد إلى اطلاق اللفظ في دفع الشك في مثل التقييد المذكور ، وما نحن فيه من قبيل الثاني .. ».

ثم أفاد في آخر البحث :

« فالحق الحقيق بالتصديق هو ان ظاهر الامر يقتضى التوصلية ، إذ ليس المستفاد من الامر الا تعلق الطلب الذي هو مدلول الهيئة للفعل على ما هو مدلول المادة ، وبعد ايجاد المكلف نفس الفعل في الخارج ، فلا مناص من سقوط الطلب لامتناع تحصيل الحاصل ». راجع مطارح الأنظار ـ ص ٥٩ ـ ٥٨

١٥٦

وثانيا : ان ذلك مغالطة ، لان الامر انما يكون محركا نحو الفعل ، واما كون هذه الحركة عنه وبداعيه فهو امر آخر لا يمكن ان يكون الامر متعرضا له. والحاصل : ان الامر لا يكاد يكون متعرضا لدواعي الحركة وانه عنه أو عن غيره ، فان الامر انما يدعو للفعل ، واما دواعي الفعل فلا يكون الامر متكفلا له فتأمل جيدا. فدعوى أصالة التعبدية من هذه الجهة لا يمكن.

كما أن دعوى أصالة التعبدية ـ من جهة دلالة قوله تعالى : (١) « وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين » الخ ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (٢) انما الأعمال بالنيات ، وغير ذلك من الآيات والاخبار التي استدلوا بها على اعتبار التعبد في الأوامر ـ واضحة الفساد ، لوضوح ان قوله تعالى : وما أمروا ـ انما يكون خطابا للكفار ، كما يدل عليه صدر الآية ، ومعنى الآية : ان الكفار لم يؤمروا بالتوحيد الا ليعبدوا الله ويعرفوه ويكونوا مخلصين له غير مشركين ، وهذا المعنى كما ترى أجنبي عما نحن فيه ، مع أنه لو كان ظاهرا فيما نحن فيه لكان اللازم صرفه عن ذلك ، لاستلزامه تخصيص الأكثر لقلة الواجبات التعبدية بالنسبة إلى الواجبات التوصلية ، فتأمل فإنه لو عم الامر للمستحبات لأمكن منع أكثرية التوصليات بالنسبة إلى التعبديات لو لم يكن الامر بالعكس لكثرة الوظائف التعبدية الاستحبابية.

واما قوله (٣) صلى‌الله‌عليه‌وآله : انما الأعمال بالنيات ، فهولا دلالة له على المقام ، فان مساقه كمساق قوله : لا عمل الا بالنية ، وليس فيه دلالة على أن كل عمل لابد فيه من نية التقرب ، بل معناه ان العمل المفروض كونه عبادة لا يقع الا بالنية ، أو يكون معناه كمعنى قوله (ص) : (٤) لكل امرء ما نوى ، فتأمل جيدا. وعلى كل حال ، لا دلالة في الاخبار والآيات على اعتبار قصد الامتثال في الأوامر.

__________________

١ ـ سورة البينة ، الآية ٥.

٢ ـ راجع الوسائل ، الجزء الأول ، باب ٥ من أبواب مقدمة العبادات حديث ٧ ص ٣٤.

٣ ـ نفس المصدر ، حديث ١ ص ٣٣.

٤ ـ نفس المصدر ، حديث ١٠ ص ٣٥.

١٥٧

الامر الرابع :

وربما يتوهم من بعض كلمات الشيخ ـ على ما في التقرير ـ التشبث (١) بقاعدة ( الاجزاء العقلية ) لأصالة التوصلية وعدم اعتبار قصد الامر ، حيث إن الامر لم يتعلق الا بذات الاجزاء والشرائط ، من دون ان يكون له تعلق بقصد الامتثال ولا غير ذلك من الدواعي ، وح يكون اتيان ما تعلق به الامر مجزيا عقلا ، فيسقط الامر ح ولو مع عدم قصد امتثاله هذا.

ولكن هذا الكلام بمكان من الغرابة ، لوضوح ان قاعدة ( الاجزاء العقلي ) انما تكون فيما إذا اتى بتمام ما يعتبر في المأمور به ، وهذا انما يكون بعد تعيين المأمور به ، ومن مجرد تعلق الامر بذات الاجزاء والشرائط لا يمكن تعيين المأمور به ، لما عرفت : من أنه لا يمكن ان يتعلق الامر بمثل قصد الامتثال ، ومع ذلك كيف يمكن تعيين المأمور به من نفس تعلق الامر بذات الاجزاء والشرائط؟ حتى يقال : ان اتيانها يكون مجزيا عقلا.

نعم لو كان للامر اطلاق أمكن تعيين المأمور به من نفس الاطلاق حسب ما يقتضيه مقدمات الحكمة ، والمفروض انه ليس للامر اطلاق بالنسبة إلى قصد الامتثال ، لامتناع التقييد به الملازم لامتناع الاطلاق كما تقدم ، فالامر من هذه الجهة يكون مهملا لا اطلاق فيه ولا تقييد ، كما كان بالنسبة إلى العلم والجهل به مهملا لا اطلاق فيه ولا تقييد ، هذا بحسب عالم الجعل والتشريع.

__________________

١ ـ نظير قوله : قدس‌سره « وبعد ايجاد المكلف نفس الفعل في الخارج فلا مناص من سقوط الطلب لامتناع تحصيل الحاصل. » وكذا ما افاده في جواب المحقق الكرباسي القائل بان ظاهر الامر قاض بالتعبدية :

« فان أريد بالامتثال مجرد عدم المخالفة والآتيان بالفعل فهو مسلم ، لكنه ليس بمفيد ، وان أريد به الاتيان بالفعل على وجه التقرب ، كان يكون الداعي إلى الفعل نفس الامر فهو ممنوع ، والقول بان العقل قاض بذلك ليس بسديد إذ غاية ما يحكم به العقل هو عدم المخالفة وعدم ترك المأمور به في الخارج فان استند في ذلك إلى أن الاتيان بنفس الفعل في الخارج على تقدير ان يكون الامتثال به مطلوبا للآمر يعد من المخالفة التي يحكم بقبحها العقل على ما عرفت ، نقول : نعم ، ولكن الكلام بعد في اعتبار الامتثال في المأمور به وليس المستفاد من الامر الا مطلوبية الفعل فقط ، فلا مخالفة على تقدير الاتيان به كما لا يخفى ... » ( راجع مطارح الأنظار ص ٥٨ )

١٥٨

واما بحسب الثبوت والواقع ، فلا بد اما من نتيجة الاطلاق ، واما من نتيجة التقييد. والسر في ذلك : هو انه في الواقع وفي عالم الثبوت ، اما ان يكون ملاك الحكم والجعل محفوظا في كلتا حالتي العلم والجهل وكلتا حالتي قصد الامتثال وعدمه ، واما ان يكون مختصا في أحد الحالين ، فالأول يكون نتيجة الاطلاق ، والثاني يكون نتيجة التقييد.

وليس مرادنا من الاهمال هو الاهمال بحسب الملاك ، فان ذلك غير معقول ، بل المراد الاهمال في مقام الجعل والتشريع حيث لا يمكن فيه الاطلاق والتقييد كما تقدم.

إذا عرفت ذلك كله ، فيقع الكلام في كيفية اعتبار قصد الامتثال على وجه نتيجة التقييد من دون ان يستلزم فيه محذورا ، وكيفية استكشاف نتيجة الاطلاق وعدم اختيار قصد الامتثال.

فنقول :

اما طريق استكشاف نتيجة الاطلاق فليس هو على حذو طريق استكشاف الاطلاق في سائر المقامات بالنسبة إلى الانقسامات السابقة على الحكم ، فان استكشاف الاطلاق في تلك المقامات انما هو لمكان السكوت في مقام البيان بعد ورود الحكم على المقسم ، كقوله : أعتق رقبة ، التي تكون مقسما للايمان وغيره ، فحيث ورد الحكم على نفس المقسم وسكت عن بيان خصوص أحد القسمين مع أنه كان في مقام البيان ، فلابد ان يكون مراده نفس المقسم ، من دون اعتبار خصوص أحد القسمين وهو معنى الاطلاق.

ولكن هذا البيان في المقام لا يجرى ، إذ الحكم لم يرد على المقسم ، لان انقسام الصلاة إلى ما يقصد بها امتثال الامر وما لا يقصد بها ذلك انما يكون بعد الامر بها ، فليست الصلاة مع قطع النظر عن الامر مقسما لهذين القسمين ، حتى يكون السكوت وعدم التعرض لاحد القسمين دليلا على الاطلاق. نعم سكوته عن اعتبار قصد الامتثال في مرتبة تحقق الانقسام يستكشف منه نتيجة الاطلاق ، وبعبارة أخرى : عدم ذكر متمم الجعل ـ على ما سيأتي بيانه ـ في المرتبة القابلة لجعل المتمم

١٥٩

يكون دليلا على نتيجة الاطلاق.

والفرق بين استكشاف نتيجة الاطلاق في المقام ، واستكشاف الاطلاق في سائر المقامات ، هو ان من عدم ذكر القيد في سائر المقامات يستكشف ان مراده من الامر هو الاطلاق ، وهذا بخلاف المقام ، فان من عدم ذكر متمم الجعل لا يستكشف ان مراده من الامر هو الاطلاق ، لما عرفت : من أنه لا يمكن ان يكون مراده من الامر هو الاطلاق ، بل من عدم ذكر متمم الجعل يستكشف انه ليس له مراد آخر سوى ما تعلق به الامر.

وبعبارة أخرى : من عدم ذكر متمم الجعل في مرتبة وصول النوبة إليه يستكشف ان الملاك لا يختص بصورة قصد الامتثال ، بل يعم الحالين فيحصل نتيجة الاطلاق.

واما كيفية اعتبار قصد الامتثال على وجه تحصل نتيجة التقييد ، فقد حكى عن الشيخ قده : الترديد فيه بالنسبة إلى الغرض أو الجعل الثانوي ، بمعنى ان اعتبار قصد الامتثال ، اما ان يكون من ناحية الغرض ، واما ان يكون من ناحية الجعل الثانوي. اما اعتبار قصد الامتثال من ناحية الغرض ، فيمكن ان يقرب بوجهين قد تقدمت الإشارة إليهما.

الوجه الأول :

هو ان يكون المراد من الغرض ، الغرض من الامر عند ارادته ، بان يكون غرضه من الامر التعبدية وقصد امتثاله ، فيكون امره لان يتعبد به.

وقد تقدم فساد هذا الوجه ، وانه مما لا يرجع إلى محصل ، لما فيه :

أولا : من أن ذلك يتوقف على خصوص قصد امتثال الامر ونحن لا نقول به.

وثانيا : (١) ان مجرد كون غرضه ذلك مما لا اثر له ما لم يلزم به المكلف ويؤمر

__________________

١ ـ وقد عدل شيخنا الأستاذ عن هذا الاشكال بعد ذلك ، وقال : انه لو علم أن غرض المولى من الامر التعبد به فنفس ذلك يكفي في الزام العقل به ، لاندراجه تحت الكبرى العقلية من لزوم الإطاعة ، ومن المعلوم : انه لو كان الامر بهذا الغرض كان اطاعته بقصد امتثاله ، فيكون الغرض في عرض الامر ومرتبته ملقى إلى المكلف ، وكما أن الامر الملقى يجب اطاعته كذلك الغرض الملقى يجب اطاعته. هذا وقد تقدم سابقا ان هناك اشكالا آخر

١٦٠