إستقصاء الإعتبار - ج ٧

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-179-6
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٤٨٦

ولا يذهب عليك أنّه يتوجه على العلاّمة أولاً : أنّ عموم الأمر إنْ أراد به الآية فهي ظاهرة فيمن يسمع النداء ، وإنْ أُريد به الأخبار الدالة على الجمعة ففيه أنّها لا تخرج عن الإطلاق ، وما دلّ على السقوط مقيّد ، والآية بتقدير احتمال شمولها كذلك.

فإن قلت : إنّ الأخبار مع تعارضها لا تقيّد المطلق الدال على الوجوب.

قلت : التعارض إنّما يتم فيه ما ذكرت بتقدير المساواة ، ورواية زرارة في الفقيه صحيحة ، والروايتان هنا إحداهما حسنة والأُخرى ضعيفة ، واحتمال الوهم الذي ذكره في غاية البُعد ، سيّما بعد ما قلناه.

ولعلّ الأولى أن يقال : إنّ رواية زرارة في الفقيه محمولة على ما زاد ؛ إذ الاتفاق على رأس الفرسخ نادر ، هذا على تقدير التكافؤ.

وثانياً : أنّ ما ذكره في الجواب عن حجة ابن بابويه من المشقّة يتوجه عليه في استدلاله لما زاد بالمشقّة ؛ وأصالة براءة الذمّة يشكل بما ذكره من إطلاق الأوامر ، إلاّ أن يقال بخروج ما زاد بالإجماع ، وفيه : أنّه خروج عن الاستدلال مع وجود القول الآتي لابن أبي عقيل.

وأمّا الثالث : فقد نقل العلاّمة عن ابن أبي عقيل القول بمضمونه والاستدلال به ، وأجاب عن ذلك بالحمل على الاستحباب (١). وربما يشكل الحمل على الاستحباب بأنّ ما دلّ على السقوط فيما زاد لا يخرج عن الإطلاق ، والخبر المبحوث عنه مقيد على تقدير تكافؤ الخبرين ، مضافاً إلى ما ذكره من عموم الأمر. ويمكن الجواب بأنّ احتمال الاستحباب أقرب إلى‌

__________________

(١) انظر المختلف ٢ : ٢٤٣.

٦١

الجمع ، فليتأمّل.

أمّا ما تضمنه الخبر من قوله : « وذلك سنّة » كأنّ المراد [ به أنّ ] (١) الجمع بين الصلاتين سنّة ، وإن كان في الأصل فعله عليه‌السلام ( لما ذكر ) (٢) ، واحتمال إرادة وجوب الحضور على النحو المذكور مع ما معه من الجمع بعيد.

قوله :

باب من لم يدرك الخطبتين.

علي بن إبراهيم ( عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد [ بن عثمان ] (٣)، عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمّن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة ، فقال : « يصلّي ركعتين ، فإن فاتته الصلاة ولم يدركها فليصلّ أربعاً » وقال : « إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة ، فإن أنت أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع ».

الحسين بن سعيد ، عن القاسم ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير وأبي العباس الفضل بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا أدرك الرجل ركعةً فقد أدرك الجمعة ، وإن فاتته فليصلّ أربعاً ».

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الجمعة لا تكون إلاّ لمن أدرك الخطبتين ».

__________________

(١) ما بين المعقوفين في « م » : به ، وفي « رض » و « فض » : أن به ، والظاهر ما أثبتناه.

(٢) بدل ما بين القوسين في « فض » : لما ذكر من هنا ، وفي « رض » : لما زاد.

(٣) ما بين المعقوفين ليس في النسخ ، أثبتناه من الكافي ٣ : ٤٢٧ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ / ٦٥٦ ، الاستبصار ١ : ٤٢١ / ١٦٢٢.

٦٢

فالوجه في هذا الخبر أنّه لا تكون فاضلة كاملة إلاّ لمن أدرك الخطبتين ، ولم يرد بذلك نفي الإجزاء حسب ما فصّله في الخبرين الأوّلين ، ويزيد ذلك بياناً :

ما رواه أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن عبد الرحمن العرزمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أُخرى واجهر فيها ، فإن أدركته وهو يتشهد فصلّ أربعاً ».

السند :

في الأوّل : حسن.

والثاني ) (١) : فيه القاسم ، وهو ابن محمّد الجوهري الواقفي المكرر ذكره (٢).

والثالث : صحيح ، لأنّ ابن سنان عبد الله على ما قدّمنا فيه القول (٣).

والرابع : فيه عبد الرحمن العرزمي ، وهو مذكور بالاسم والوصف في الفهرست مهملاً (٤) ، والنجاشي ذكر عبد الرحمن بن محمّد الرزمي ووثّقه (٥) ، واحتمال المغايرة يدفعه أنّ النجاشي قال : الفزاري ، والشيخ في رجال الصادق عليه‌السلام من كتابه قال : عبد الرحمن بن محمّد الفزاري‌

__________________

(١) من عبارة : عن أبيه ، في ص ٦١ إلى هنا ساقط عن « م ».

(٢) راجع ج ١ ص ١٧٣ ، ٢٧٠ ، ج ٢ ص ١١٦ ، ١٩٩ ، ج ٣ ص ١٠٧ ، ٢٥٦.

(٣) راجع ج ٢ ص ٣٣٤.

(٤) الفهرست : ١٠٨ / ٤٦١.

(٥) رجال النجاشي : ٢٣٧ / ٦٢٨.

٦٣

العرزمي (١). أمّا ما ذكره جدّي قدس‌سره في فوائد الخلاصة من أنّ النجاشي لم يذكر الرزمي (٢) فهو اعتماد منه على كتاب ابن طاوس ، نقلاً عن النجاشي ، وكأنّه ترك اللفظ ، أو هو في نسخة ، والموجود الآن من نسخ النجاشي ما ذكرناه.

أمّا علي بن الحكم فقد كرّرنا القول (٣) في أنّه الثقة بتقدير الاشتراك ، لرواية أحمد بن محمّد عنه في الفهرست (٤).

المتن :

في الأوّل : ظاهر في أنّ من لم يدرك الخطبة يصلّي ركعتين ، والمراد صلاتهما بالشرائط. وما تضمنه من أنّ الفوات يوجب الصلاة أربعاً في حيّز الإجمال ، وتفصيله بقوله : « إذا أدركت » إلى آخره. لكن يبقى فيه نوع خفاء من وجهين :

أحدهما : أنّه سيأتي (٥) في باب الجماعة أخبار دالة على أنّ من لم يدرك تكبير الركوع لا يدرك الركعة ، وهو يتناول الجمعة ، فعدم التفات الشيخ إلى ذلك لا وجه له ، إلاّ احتمال اعتماده على ما سيجي‌ء ، وفيه ما فيه ، لكن الحكم عند بعض الأصحاب الكراهة (٦) ، بمعنى أنّ الأولى عدم الدخول بعد التكبيرة. ويشكل في الجمعة بأنّ وجوبها لا يوافقه أولوية عدم‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٢٣٢ / ١٤٢.

(٢) حواشي الشهيد الثاني على الخلاصة : ١٩.

(٣) راجع ج ٢ ص ١٤ ، ٣٤٠ ، ج ٣ ص ١٠٨ ، ٢٧٢.

(٤) الفهرست : ٨٧ / ٣٦٦.

(٥) في ص ١٨٨.

(٦) كالأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٣٦٥.

٦٤

الدخول ، ولعلّ احتمال تخصيص تلك الأخبار بغير الجمعة أقرب للاعتبار.

وثانيهما : أنّ قوله : « فهي الظهر أربع » محتمل لأمرين ، أحدهما : أن يصلّي الظهر مع الإمام جماعة ويتمها أربعاً ، إمّا بالاكتفاء بالركعة الداخل فيها بعد الركوع فيتم الثلاث بعد ، أو بعدم الاكتفاء بها فيتمها أربعاً ، لكن يحتمل الاستئناف وعدمه على الخلاف الواقع في ذلك ، ويحتمل عدم شمول الخلاف للجمعة إذا دخل في الظهر معها على هذا الوجه.

وثانيهما : أن يصلّي الظهر بالانفراد ولا يدخل مع الإمام ، وربما يظن أنّ هذا هو الظاهر ( من سياق الخبر ، وفيه : أنّ الظاهر ) (١) من قوله : « فهي الظهر » أنّ الصلاة الواقعة بإدراكه بعد ما ركع ، إلاّ أن يقال : إنّ الضمير في « هي » يعود إلى الواجبة ، والإدراك أعم من الدخول ، فيجوز أن يراد به هنا مشاهدته وقد ركع ، وفيه : أنّه إذا كان أعم فيتناول الدخول ويتم المطلوب.

والحقّ أنّ الإجمال يقتضي عدم الصلاحية للاستدلال ، ومن هنا لا يحتاج إلى تفريع أنّ الدخول بعد الركوع إذا اقتضى كونها ظهراً هل هو بمجرد ذلك ، أو بالعدول على تقدير علمه بعد الدخول مع الإمام بعد الركوع.

وأمّا الثاني : فقد يظن أنّه مناف للأوّل ؛ لتضمنه أنّ إدراك الركعة يقتضي إدراك الجمعة ، والحال أنّ في معتبر الأخبار (٢) ما يدل على إدراك الركعة بإدراك الإمام راكعاً.

وقد يجاب بأنّ إدراك ركعة الجمعة غير إدراك ركعة غيرها ، لتصريح الخبر الأوّل به ، وحينئذٍ ما ذكره بعض الأصحاب : من أنّ المسألة مبنية على أنّ إدراك الجماعة بماذا يكون (٣) ؛ محل تأمّل ، كما أوضحناه في معاهد‌

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « رض ».

(٢) انظر التهذيب ٣ : ٤٣ / ١٥٢ ، ١٥٣ ، ١٥٤.

(٣) انظر مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٣٦٤.

٦٥

التنبيه ، وعلى هذا فالجمعة مختصة بمدلول الخبر الأوّل ، والثاني مجمل ، والأول فصّله.

وقوله : « فليصلّ أربعاً » قد يدل على ترجيح بعض الاحتمالات السابقة ، وفيه ما فيه.

وأمّا الثالث : فما ذكره الشيخ فيه من الحمل على الكمال لا ريب فيه.

والرابع : كما ترى يدل بمفهوم الشرط فيه أعني قوله : « فإن أدركته » إلى آخره على أنّ عدم إدراك الإمام وهو يتشهد لا يقتضي الصلاة أربعاً ، فينافي ما تقدم ، لكن الجواب عنه غير خفي من حيث إنّ المفهوم إذا عارضه المنطوق ينتفي عمله ، والفائدة في ذكر الشرط لا ينحصر في النفي عما عداه ، وربما دلّ قوله : « فصلّ أربعاً » على الانفراد ، وفيه ما قدمناه (١).

وما تضمنه الخبر من الأمر بالجهر ظاهر في تعيّنه ، بناءً على أنّ الأمر للوجوب ، والمعارض له في الجمعة لا أعلمه ، إلاّ خبر علي بن جعفر الصحيح السابق عن أخيه عليه‌السلام ، المتضمن للسؤال عن الرجل يصلّي الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة ، هل يجوز عليه أن لا يجهر؟ فأجاب عليه‌السلام : « إن شاء جهر وإن شاء لم يفعل » (٢) وقد تقدّم فيه القول مفصلاً (٣). والأخبار الواردة بالجهر في الجمعة غير هذا موجودة ، وتقدم بعضها (٤).

بقي شي‌ء ، وهو أنّ تعريف الإمام في الخبر الأخير قد يظن منه الدلالة على إمام الأصل ، والحق أنّه محل تأمّل ، وقد مضى مثله.

__________________

(١) في ص ٦٤.

(٢) انظر ص : ١٥٥٠.

(٣) في ص : ١٥٥٣.

(٤) في ص ٣١ ٣٢.

٦٦

قوله :

أبواب الجماعة وأحكامها‌

باب الصلاة خلف المجذوم والأبرص

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن عدّة من أصحابنا ، عن محمّد ابن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين ابن سعيد ، عن فضالة ، عن الحسين بن عثمان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « خمسة لا يؤمّون الناس على كل حال ، المجذوم ، والأبرص ، والمجنون ، وولد الزنا ، والأعرابي ».

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد ابن إسماعيل بن بزيع ، عن ظريف بن ناصح ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن عبد الله بن يزيد قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المجذوم والأبرص يؤمّان المسلمين؟ قال : « نعم » قلت : هل يبتلي الله بهما المؤمن؟ قال : « نعم ، وهل كتب البلاء إلاّ على المؤمن ».

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على حال الضرورة التي لا يوجد فيها من يصلح للإمامة إلاّ من هذه صفته ، ويجوز أن يكون المعنى فيه الجواز وإن كان (١) الفضل في القسم الأوّل.

السند :

في الأوّل : فيه العدّة التي يروي عنها الحسين بن عبيد الله ، وقد تقدم‌

__________________

(١) ليست في النسخ ، أثبتناها من الاستبصار ١ : ٤٢٢ / ١٦٢٧.

٦٧

في باب ترتيب الوضوء تفصيلها من الشيخ (١) ، وفيها من هو ثقة ، وذكرنا سابقاً (٢) احتمال اطرادها.

وأمّا العدّة التي يروي عنها محمّد بن يعقوب ، عن أحمد بن محمّد ، فقد تقدّم تفصيلها أيضاً بما حاصله أنّ التي يروي عنها محمّد بن يعقوب ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، فيهم الثقة ، على ما حكاه العلاّمة في الخلاصة (٣). والظاهر من أحمد بن محمّد هنا هو ابن عيسى ، واحتمال أحمد بن محمّد بن خالد مدفوع بممارسة كتب الرجال ، وعلى تقديره ففي العدّة من هو ثقة.

وأمّا ابن عثمان وابن مسكان فقد مضى (٤) من القول فيهما ما يغني عن البيان كأبي بصير.

والثاني : ليس فيه ارتياب ، إلاّ من جهة عبد الله بن يزيد ، فهو مشترك بين مهملين في رجال الصادق عليه‌السلام من كتاب الشيخ (٥). أمّا ثعلبة بن ميمون فقدّمنا أنّ في الرجال غير الكشي ما يقتضي مدحه (٦) ، وفي الكشيّ ما يقتضي توثيقه (٧) ، إمّا منه أو من محمّد بن عيسى بن عبيد.

المتن :

في الأول : ظاهر الدلالة على أنّ من ذكر فيه لا يؤمّون على كل‌

__________________

(١) راجع ج ١ ص ٤٣٧.

(٢) راجع ج ٦ ص ٢٧.

(٣) الخلاصة : ٢٧١.

(٤) راجع ج ١ ص ١٦٢ ، ١٧٦ ، ١٩٦ ، ج ٢ ص ٢٣.

(٥) رجال الطوسي : ٢٢٦ / ٦١ ، ٦٢.

(٦) راجع ج ١ ص ٣٧٩ ، ج ٤ ص ١٦٧ ، ٢٩١.

(٧) رجال الكشي ٢ : ٧١١ / ٧٧٦.

٦٨

حال ، وتناول « كلّ حال » للضرورة بحيث يوجد غيرهم أو لم يوجد ظاهر ، فيندفع به ما ذكره الشيخ في الثاني ، مضافاً إلى أنّ المجنون لا يؤمّ في جميع الأحوال ، واحتمال أنّ يقال : إنّ المجنون غير المطبق لا مانع من إمامته في حال الإفاقة ، على تقدير عدم وجود غيره ، فيتم توجيه الشيخ. يمكن دفعه بأنّ احتمال طروء الجنون في الأثناء لا مانع من كونه موجباً للمنع على الإطلاق.

أمّا الأعرابي فإطلاق المنع من إمامته على كل حال ، قيل : إنّ الشيخ وجماعة قائلون به على وجه التحريم (١) ، وبعض الأصحاب قيّد إمامته بالمهاجر كراهة (٢) ، وبعض قال بالكراهة على الإطلاق (٣) ، والمحقق في المعتبر قال : الذي نختاره أنّه إن كان ممن لا يعرف محاسن الإسلام ولا وصفها فالأمر كما ذكروه ، وإن كان وصل إليه ما يكفيه اعتماده ويدين به ولم يكن ممن تلزمه المهاجرة وجوباً جاز أن يؤمّ ؛ لقوله عليه‌السلام : « يؤمّكم أقرؤكم » (٤). وقول الصادق عليه‌السلام : « لا يتقدم أحدكم الرجل في منزله ولا في سلطانه » (٥) انتهى (٦).

ولا يخفى أنّ مقتضى كلامه كون النهي على حقيقته ؛ لعدم اتصاف الأعرابي بالشروط المعتبرة. ويشكل بأنّ الخبر إن عمل به دلّ على اعتبار‌

__________________

(١) انظر المدارك ٤ : ٣٧٠.

(٢) كالعلاّمة في الإرشاد ١ : ٢٧٢ ، والتبصرة : ٣٩.

(٣) كما في الجامع للشرائع : ٩٧.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٥ / ٨٨٠ ، الوسائل ٥ : ٤١٠ أبواب الأذان والإقامة ب ١٦ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٦ الصلاة ب ٥٦ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ / ٢ ، الوسائل ٨ : ٣٥١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٨ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٦) المعتبر ٢ : ٤٤٣.

٦٩

وصف الأعرابي كما دلّ على وصف غيره من المذكورين معه ، ولو اعتبر عدم حصول الشروط لزم القول بإمامة من ذكر إذا حصلت الشروط ، وظاهر النص خلافه ، سيّما بعد ذكر المجنون ، ولو لم يعمل بالخبر فالأمر واضح.

والعجب من تفصيل المحقق واستدلاله ، أمّا الأوّل : فلأنّ المحاسن إن أراد بها شروط الجماعة فالذي ينبغي ذكر الشرائط إجمالاً لا الإتيان بما ذكر ، وإن أراد غير الشروط فالمناسب هو الكراهة. وقوله : الأمر ما ذكروه ، مجمل ؛ إذ المذكور الكراهة والتحريم ، ثم إنّ القسم الثاني في كلامه يقتضي إرادة التحريم.

وأمّا الثاني : فهو خاص كما لا يخفى.

وقد نقل العلاّمة في المختلف أقوال الأصحاب ، فعن الشيخ في الخلاف أنّه قال : سبعة لا يؤمّون الناس على كل حال ، وعدّ منها : المجذوم ، والأبرص ، والمجنون ، وولد الزنا ، والأعرابي بالمهاجرين. قال العلاّمة : ولم يذكر كراهةً ولا تحريماً.

وعن المبسوط : لا يجوز أن يؤمّ ولد الزنا والأعرابي المهاجرين ، ثم قال يعني الشيخ بعد تجويز إمامة الأعمى : ولا يؤمّ الأبرص ، ولا المجنون ، ولا المجذوم.

ونقل عن الصدوق أنّه قال : لا بأس أن يؤمّ الأعرابي المهاجرين (١) ، وعن أبي الصلاح عدم انعقاد الجماعة بغير السليم من الجنون والجذام والبرص ، ثم نقل عنه المنع من إمامة الأعرابي بالمهاجرين ، لا لغيرهم (٢).

واختار العلاّمة الكراهة في الجميع ؛ لقوله عليه‌السلام : « يؤمّكم أقرؤكم » ‌

__________________

(١) في المصدر : وقال الصدوق :. ولا يؤم الأعرابي المهاجرين.

(٢) نقله العلاّمة عن ابن البراج لا عن أبي الصلاح.

٧٠

وللرواية الثانية المذكورة هنا ، ثم نقل الاحتجاج برواية أبي بصير ، واصفاً لها بالصحة ، وأجاب بالحمل على الكراهة في البعض (١).

ولا يخفى على من تدبر كلامه ما فيه ؛ ثم إنّ التقييد بالمهاجرين موجود في بعض الأخبار الحسنة في الكافي كما تسمعه.

والثاني : كما ترى ظاهر في جواز إمامة الأجذم والأبرص ، لكن السند قد سمعته ، والخبران متكافئان من جهته ، والذي في الكافي بطريق حسن بإبراهيم بن هاشم ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا يصلّينّ أحدكم خلف المجذوم ، والأبرص ، والمجنون ، والمحدود ، وولد الزنا ، والأعرابي لا يؤمّ المهاجرين » (٢).

والصدوق في الفقيه روى عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « خمسة لا يؤمون الناس ، ولا يصلّون بهم صلاة فريضة في جماعة : الأبرص ، والمجذوم ، وولد الزنا ، والأعرابي حتى يهاجر ، والمحدود » قال الصدوق : وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ونقل رواية الكليني (٣) وغير بعيد أن تكون بالسند الأوّل ، لكن على تقدير الإرسال لها مزيّة كما قدّمناه (٤) ، والرواية الاولى كذلك.

ثم إنّ دلالة خبر الكليني على الاختصاص بإمامة الأعرابي بالمهاجرين ظاهرة ، ورواية الصدوق ظاهرة في الإطلاق ، فيمكن تقييدها على تقدير العمل بالحسن ، وقد صرّح شيخنا قدس‌سره في فوائد الكتاب بأنّ رواية زرارة‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ٤٨٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٥ الصلاة ب ٥٦ ح ٤ ، الوسائل ٨ : ٣٢٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١٥ ح ٦.

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٧ / ١١٠٥ و ١١٠٦ ، الوسائل ٨ : ٣٢٤ أبواب صلاة الجماعة ب ١٥ ح ٣.

(٤) في ص : ٢٠٢٥.

٧١

لا تقصر عن الصحيح ، وبمضمونها روايات كثيرة ، فيجب الأخذ بظاهر النهي ، وهو التحريم ، لعدم صحة سند المعارض. وقد يقال : إنّه قدس‌سره استحسن في المدارك تفصيل المحقق في الأعرابي (١). وخبر زرارة متضمن النهي في الأعرابي ، واللازم منه القول بالمنع ، وحينئذٍ بين الأمرين تنافٍ.

ثم إنّ رواية زرارة تضمنت المحدود ، وقد صرّح الأصحاب غير أبي الصلاح على ما نقل بجواز إمامته بعد التوبة على كراهة (٢) ، فالاعتماد على رواية زرارة من حيث الإطلاق لا يخلو من إشكال ، ويمكن أن يقال : إنّ عموم أخبار الجماعة إنّما تخصها الأخبار السالمة من المعارض ، والسلامة محل كلام ، إلاّ أنّ الاحتياط مطلوب.

فإن قلت : ما وجه التوقف ( في العمل بالحسن ، مع أنّ مفهوم آية ( إِنْ جاءَكُمْ ) (٣) يقتضي العمل به ؛ إذ لا فسق يوجب التثبت في الممدوح؟

قلت : وجه التوقف ) (٤) أنّ ظاهر الآية اعتبار انتفاء وصف الفسق ، والممدوح لا يظن انتفاء وصف الفسق فيه ، إذ لا يتحقق الظن إلاّ بظن العدالة ، وبدون الظن لا انتفاء.

فان قلت : لا ريب أنّ المدح يقتضي نفي وصف الفسق وإن لم يثبت العدالة.

قلت : الكلام في هذا مبني على ثبوت الواسطة بين الفسق والعدالة ،

__________________

(١) المدارك ٤ : ٣٧١.

(٢) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ٤٤٢.

(٣) الحجرات : ٦.

(٤) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

٧٢

وتحقيقه في الأُصول ، والحاصل هنا ما ذكرناه ، فليتأمّل.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما ذكره شيخنا قدس‌سره من ضعف روايات الشيخ المعارضة (١) ، قد يشكل ( بما قدمناه في أوّل الكتاب من ) (٢) أنّ الشيخ قد صرّح بأنّ الروايات المنقولة منه مأخوذة من كتبٍ عليها المعوّل وإليها المرجع ، وظاهر كلامه في مواضع من هذا الكتاب أنّه لا يكتفي بمجرد الخبر بل لا بد معه من القرائن ، وحينئذٍ لا يقصر عن توثيق الرجل في كتابه ، والحال أنهم يكتفون بتوثيقه ، فليكن الحال في الأخبار كذلك ، ولا أقلّ من المساواة للحسن ، وحينئذٍ يمكن ادّعاء تعارض الأخبار على وجه تبقى العمومات على أصلها ، إلاّ أن يقال : إنّ العمومات يكفي في بقائها احتمال الكراهة في المعارض.

وما عساه يقال : إنّ ظاهر النهي التحريم ، يمكن الجواب عنه بأنّ وجود ما عليه الأكثر من الكراهة في بعض ما اشتملت عليه يؤيّد احتمال الكراهة ، مضافاً إلى أنّ استعمال النهي في الكراهة إن لم يكن أغلب فهو مساوٍ ، ومن هنا يعلم حقيقة الحال ، فليتأمّل.

اللغة‌ :

قال في الصحاح : الأعرابي هو المنسوب إلى الأعراب ، وهم سكّان البادية (٣). وفي القاموس : العُرب بالضم وبالتحريك خلاف العجم ، وهم سكّان الأمصار ، أو عام ، والأعراب منهم سكّان البادية (٤). وذكر جدّي قدس‌سره

__________________

(١) انظر المدارك ٤ : ٣٦٩.

(٢) ما بين القوسين أثبتناه من « م ».

(٣) صحاح اللغة ١ : ١٧٨.

(٤) القاموس المحيط ١ : ١٠٦.

٧٣

في الروضة أنّ المهاجر هو المدني المقابل للأعرابي ، أو المهاجر حقيقةً من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام (١). وفي المقام كلام ، إلاّ أنّ الأمر سهل.

بقي شيئان ، الأول : ما تضمّنه الخبر الثاني من قوله : « وهل كُتب البلاء إلاّ على المؤمن » ظاهر الدلالة على الحصر ، وظاهر الآثار خلافه ، ولعلّ المراد بالبلاء : الموجب لزيادة الثواب.

الثاني : ما ذكره الشيخ من أنّه يجوز أن يكون ( المعنى فيه الجواز ، لا يخلو من تأمّل ؛ لأنّ الجواز في المقام لا وجه له ؛ إذ الجماعة لا تكون إلاّ راجحة ، ولا يبعد أن يكون ) (٢) المراد تفاوت الفضل ، والعبارة عن هذا قاصرة.

قوله :

باب الصلاة خلف العبد.

الحسين بن سعيد ، عن صفوان وفضالة ، عن العلاء عن محمّد ابن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، أنّه سُئل عن العبد يؤمّ القوم إذا رضوا به ، وكان أكثرهم قرآناً؟ قال : « لا بأس » (٣).

عنه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العبد يؤمّ القوم إذا رضوا به ، وكان أكثرهم قرآنا؟ قال : « لا بأس به ».

عنه ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة ، قال : سألته عن‌

__________________

(١) انظر الروضة البهية ١ : ٣٨٦.

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٣) في الإستبصار ١ : ٤٢٣ / ١٦٢٨ زيادة : به.

٧٤

المملوك يؤمّ الناس؟ قال : « لا ، إلاّ أن يكون هو أفقههم وأعلمهم ».

فأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي إسحاق ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي : عليهم‌السلام، أنّه قال : « لا يؤمّ العبد إلاّ أهله ».

فمحمول على الفضل والاستحباب ، وإن كان يحوز أن يؤمّ أهله وغير أهله.

السند : ‌

في الأوّل : لا ارتياب في صحته بعد ما قدّمناه (١).

والثاني : كذلك.

والثالث : موثق ، والحسن فيه أخو الحسين بن سعيد ، والإضمار قد قدّمنا (٢) أنّه لا يضر بالحال.

والرابع : معروف بالنوفلي والسكوني ، وأبو إسحاق على الظاهر إبراهيم بن هاشم ؛ لأنّه الراوي عن النوفلي في الرجال (٣) والأخبار (٤) ، وكنيته أبو إسحاق ، ولم يذكره أصحاب الرجال في الكنى مع ذكر غيره المكنّى بذلك ، ولا يستبعد رواية محمّد بن أحمد بن يحيى عنه من يمارس الرجال.

وما عساه يقال : إنّ الظاهر لا ينبغي الإتيان به ، بل ينبغي‌

__________________

(١) راجع ج ١ ص ١٤١ ، ١٤٦ ، ج ٣ ، ١٨١.

(٢) راجع ج ١ ص ٧٢.

(٣) كما في رجال النجاشي : ٣٨ / ٧٧ ، ١٦ / ١٨.

(٤) الاستبصار ٣ : ٥٧ / ١٨٤.

٧٥

الجزم.

يمكن الجواب عنه باحتمال رواية غير إبراهيم ( والمشارك في الكنية موجود ) (١) والرواية في الرجال لا تقتضي الانحصار. ثم إنّ اسم النوفلي الحسين بن يزيد.

المتن :

في الأوّل والثاني : يدلّ على نفي البأس عن إمامة العبد إذا كان أكثر قرآنا ، لكنه من كلام السائل ، وقد قدّمنا أنّ مثل هذا لا يفيد تخصيصاً ، غاية الأمر أنّ إمامته مع المساواة للمأمومين في القرآن تحتاج إلى دليل ، ولعلّ استفادتها من بعض العمومات غير بعيدة.

والثالث : يدل على أنّه لا يؤمّ ( إلاّ إذا كان أفقه وأقرأ ) (٢) ولا يبعد أن يخص على تقدير العمل به العمومات ، لكن المنقول في المختلف من أقوال العلماء عن الشيخ في النهاية والمبسوط : أنّه لا يجوز أن يؤمّ العبد الأحرار ، ويجوز أنْ يؤمّ العبد بمواليه إنْ كان أقرأهم للقرآن ، وهو اختيار ابن البرّاج ، وفي الخلاف : يجوز إذا كان من أهلها ، وأطلق. ثم قال يعني الشيخ وروى في بعض رواياتنا أنّ العبد لا يؤمّ إلاّ مولاه ولعلّه أراد به الثالث (٣) ونقل العلاّمة أنّه استدلّ بعموم الأخبار الواردة في فضل الجماعة ، وقوله عليه‌السلام : « يؤمّكم أقرؤكم » ولم يفصّل. وقال الصدوق في المقنع : ولا يؤمّ العبد إلاّ أهله ، رواية مرسلة عن علي عليه‌السلام. وقال ابن‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « م » : المشارك في الكنية.

(٢) بدل ما بين القوسين في « رض » : إذا كان وافرا ، وفي الرواية : أفقههم وأعلمهم.

(٣) كذا في النسخ ، ولعل الصواب : الرابع.

٧٦

الجنيد : لا بأس بإمامة الأعمى والعبد إذا كانا بالوصف الذي يوجب التقدم. وكذا قال ابن إدريس ، وجعله أبو الصلاح مكروهاً (١) ، انتهى.

ولا يخفى عليك أنّه ليس في الأقوال ما يقتضي الاختصاص بكونه أقرأ وأفقه في غير الموالي ، ( أمّا الموالي ) (٢) فقول الشيخ الأوّل يفيد ذلك ، والخبر المبحوث عنه هنا لا يدلّ على ذلك.

ثم إنّ العلاّمة اختار الجواز مطلقاً ، لكن الحُرّ أولى منه إذا شاركه في الصفات ، مستدلاً بقوله عليه‌السلام : « يؤمّكم أقرؤكم » وصحيح محمّد بن مسلم الثاني ، وحكى احتجاج المخالف برواية السكوني ، وأجاب بالمنع من صحة السند ، والحمل على الاستحباب (٣).

وأنت خبير بأنّ حديث « يؤمّكم أقرؤكم » يدل على أنّ العبد إذا كان أقرأ يؤمّ ، وكذلك صحيح محمّد بن مسلم ، وحينئذٍ لا بُدّ في إتمام المطلوب من زيادة على ذلك ، وقد ذكر ما لا ينبغي نقله هنا.

وأمّا خبر : « يؤمّكم أقرؤكم » فلم أقف عليه ، نعم روى الشيخ في التهذيب بطريق فيه سهل بن زياد ، عن أبي عبيدة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القوم من أصحابنا يجتمعون فتحضر الصلاة ، فيقول بعضهم لبعض : تقدّمْ يا فلان ، فقال : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يتقدّم القوم أقرؤهم للقرآن » الحديث (٤). وغير خفي أنّه لا يصلح للاستدلال.

فإنْ قلت : العموم الذي ذكرته أوّلاً من أنّه يمكن تخصيصه ما هو؟.

__________________

(١) المختلف ٢ : ٤٨١.

(٢) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٣) المختلف ٢ : ٤٨٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٣ ، الوسائل ٨ : ٣٥١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٨ ح ١.

٧٧

قلت : ما دلّ على فضيلة الجماعة على صلاة المنفرد (١) ، وبعض الأخبار المروية في التهذيب (٢) ، وفي ما يأتي في باب القراءة خلف من يُقتدى به (٣) ، فإنّ لها عموماً في الجملة ، لكن التخصيص واضح الوجه لو علم الموافق على ما ذكرناه.

وقد روى الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت له الصلاة خلف العبد ، قال : « لا بأس به إذا كان فقيهاً ، ولم يكن هناك أفقه منه » (٤) الحديث. وهو كما ترى يدلّ على أنّ العبد يصلّي إماماً إذا لم يكن أفقه منه ، والخبر الثالث هنا يوافقه مع زيادة « الأعلم » وحينئذٍ يُنفى (٥) حكم الأقرأ في الخبر الثاني.

وقد ذكر جدّي قدس‌سره في الروضة أنّ المراد بالأقرإ الأجود أداءً وإتقاناً للقراءة ، ومعرفة أحكامها ومحاسنها ، وإنْ كان أقلّ حفظاً (٦).

وللأصحاب كلام في تقديم الأفقه على الأقرأ أو عكسه (٧) ، والمهم هنا ما ذكرناه.

نعم ينبغي أنْ يعلم أنّ ما تضمنه الخبران الأوّلان من قوله (٨) : إذا رضوا به. مجمل المرام ، وعلى المعروف بين الأصحاب بل ادعي عليه‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٠٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٤ ب ٢.

(٣) انظر ص ١٠٨ ١١٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٥ الصلاة ب ٥٦ ح ٤ ، الوسائل ٨ : ٣٢٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١٦ ح ١.

(٥) في « رض » و « فض » : يبقى.

(٦) الروضة البهية ١ : ٣٩١.

(٧) انظر المبسوط ١ : ١٥٧ ، الجامع للشرائع : ٩٩ ، المنتهى ١ : ٣٧٥.

(٨) في النسخ : قوله : عليه‌السلام ، والصواب زيادة التحيّة ؛ القائل هو السائل.

٧٨

الإجماع اشتراط العدالة في إمام الجماعة (١) ، وحينئذٍ يحتمل إرادة ذلك ، وسيأتي (٢) إن شاء الله القول عند ذكر بعض الأخبار المحتملة لنحو ما هنا.

ثم إنّ الخبر الأخير قد رواه الشيخ في التهذيب بزيادة : ولا يجوز للصبي أن يؤمّ بالقوم قبل بلوغه ، ومتى فعل ذلك كانت صلاتهم فاسدة (٣). والإشارة في قوله : ذلك ، محتملة للعود إلى الصبي ، ويحتمل له وللعبد إذا أمّ غير أهله ، ولا يتم بها تأويل الشيخ ، لكن الظاهر العود إلى الصبي.

فإنّ قلت : قوله في الزيادة : كانت صلاتهم ، إلى آخره. راجع إلى الصبي مع القوم ، أو القوم فقط؟

قلت : لا يبعد إرادة القوم فقط ، لا لأنّ عبادة الصبي لا توصف بالفساد لإمكان المناقشة في هذا ، كما حرّرناه في موضع آخر ، وسيأتي إن شاء الله (٤) بل لأنّ بطلان صلاة الإمام مع اختلال بعض الشرائط كالبلوغ في المثال محل تأمّل ، وسيأتي في الباب الذي بعد هذا ما يدلّ عليه.

فإن قلت : ظاهر ما ذكرت التوقف في الصحة ، وهذا كأنّه لا وجه له ؛ إذ البطلان لصلاة الإمام غير محتمل ، إذ لا مقتضي له.

قلت : ربما يدّعى احتمال البطلان من حيث قصد الإمامة مع كونها غير صحيحة ، فالصلاة الصحيحة وهي التي تفعل على الانفراد غير مقصودة ، وغيرها ليس بصحيح ، ومثل هذا لو اتّفق أنّ الإمام فاسق ونحوه مع علمه بذلك ونيّة الإمامة ، وأظنّ أنّي رأيت مثل ما ذكرته للشهيد رحمه‌الله

__________________

(١) انظر المنتهى ١ : ٣٧٠.

(٢) في ص ١٣٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩ / ١٠٢ ، والظاهر أنّ هذه الزيادة من الشيخ رحمه‌الله لا من الرواية.

(٤) في ص ٨١.

٧٩

لكن لم يحضرني الآن محله ، وللكلام فيه مجال.

إذا عرفت هذا فما ذكره الشيخ من الحمل على الفضل والاستحباب كأنّه يريد به كراهة إمامة العبد لغير أهله ؛ إذ الجواز في الجماعة لا وجه له ، بل يكون أقلّ فضلاً ، على نحو ما قدّمناه في الباب السابق.

فإنْ قلت : عبارته لا تدلّ على الكراهة ، بل تدلّ على أنّ الفضل في إمامته لأهله ، ولغيرهم يجوز الحمل على الإباحة الشرعية لا الكراهة.

قلت : الإباحة الشرعية لا تخلو من تأمّل ؛ لأنّ تساوي طرفي الفعل والترك في الثواب غير معقول ، لعدم مناسبته حكمة الشارع ، وإذا ترجّح الفعل لم يتحقق التساوي ، وقد أوضحت القول في محلٍ آخر ، والحاصل أنّه يمكن ادّعاء تحقق الثواب في الترك بقصد الامتثال ، إلاّ أنّ المساواة للفعل محل تأمّل.

فإنْ قلت : المباح لا أمر فيه ، والثواب فرع الطلب.

قلت : الثواب فرع امتثال مراد الشارع سواء وجّه الحكم بالأمر والنهي أو بغيرهما. وما قد يفهم من كلام بعض في الأُصول : أنّ المباح الشرعي قسيم الاقتضاء ، فلا يكون مأموراً به. يدفعه ما ذكرناه ، فليتأمّل.

فإنْ قلت : من أين الدلالة على الكراهة مع انتفاء الإباحة الشرعية في كلام الشيخ؟.

قلت : لأنّ المعروف بين الأصحاب أنّ الأقلّ ثواباً مكروه العبادة ، والمفروض هنا ذلك.

أمّا ما ظنه بعض أفاضل المتأخرين رحمه‌الله من أنّ اللازم من كون الأقلّ ثواباً مكروهاً كراهة مثل الصلاة في البيت ، لأنّها أقلّ ثواباً من المسجد ، بل المسجد أيضاً متفاوت.

٨٠