إستقصاء الإعتبار - ج ٧

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-179-6
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٤٨٦

والثامن : فيه نوح بن شعيب ، وفيه كلام قدّمناه مفصّلاً (١) ، والحاصل أنّ حاله لا يزيد عن الإهمال.

والتاسع : كما ترى يروي فيه علي بن الحسين ، عن أحمد بن الحسن ، ولا ريب أنّه غير تامّ ؛ إذ علي بن الحسين لم يلق أحمد بن الحسن ، والنسخ التي وقفت عليها متفقة على ما نقلته ، والظاهر أنّه علي بن الحسن أخو أحمد كما في التهذيب في الزيادات (٢). وفي الرجال : إنّ علياً يروي عن أخيه أحمد (٣). وبالجملة : فوصفه بالموثق على تقدير علي بن الحسن موقوف على سلامة طريقه إليه في المشيخة ، وفيه ابن عبدون وابن الزبير.

والعاشر : ضمير « عنه » في الظاهر يرجع لعلي بن الحسين ، وقد يظن تمامية روايته عن محمّد بن الوليد على أنّه الخزّاز ؛ إذ الراوي عنه في الرجال سعد والصفّار (٤) ، وعلي بن الحسين ( يروي عن سعد ، إلاّ أنّ الممارسة تدفعه ؛ لأنّ رواية علي بن الحسين ) (٥) عن سعد لا تقتضي روايته عن محمّد بن الوليد ، وحينئذٍ يترجح كون الصواب علي بن الحسن ، ( لأنّه في مرتبة سعد ) (٦). وفي التهذيب صرّح بأنّ الراوي عن محمّد بن الوليد علي بن الحسن (٧).

__________________

(١) راجع ج ١ ص ٢٦٧ ، ج ٢ ص ١٥٠ ١٥١.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٣٤ / ١٠٤٥.

(٣) رجال النجاشي : ٨٠ / ١٩٤ ، الفهرست : ٢٤ / ٦٢.

(٤) النجاشي : ٣٤٥ / ٩٣١ ، الفهرست : ١٤٨ / ٦٢٥.

(٥) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٦) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٧) التهذيب ٣ : ٣٣٤ / ١٠٤٦.

٤٤١

وممّا يؤيد كون محمّد بن الوليد هو الخزاز أنّ الشيخ في التهذيب كما سمعت روى الاولى عن سعد (١) ، وهو يروي عن محمّد بن الوليد الخزّاز ، وعلى ما هو الظن من أنّ علي بن الحسين هنا سهو ، وإنّما هو علي بن الحسن ، ( فاتحاد مرتبة علي بن الحسن ) (٢) وسعد يقرّب كون محمّد بن الوليد الخزّاز ، مضافاً إلى اشتراك الخزّاز مع أحمد ومن معه في الفطحية على ما في الكشّي (٣).

وفي الرجال : محمّد بن الوليد الصيرفي شباب ضعيف ذكره العلاّمة (٤) (٥) غير مصرّح بمرتبته ، إلاّ أنّ في الكافي في باب ما عند الأئمّة عليهم‌السلام من سلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عن علي بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الوليد شباب الصيرفي ، عن أبان بن عثمان (٦). وهذا يقتضي بعد مرتبته في الجملة ، إلاّ أنّ احتماله في حيّز الإمكان ، وقد يبعد احتماله ؛ لعدم شهرته في الروايات ، وفيه ما فيه.

أمّا غير الرجلين فمن أصحاب الصادق عليه‌السلام في كتاب الشيخ (٧). وبالجملة : فالمقصود بيان حقيقة الحال وإنْ كانت الثمرة منتفية.

المتن :

في الأخبار الثلاثة الأُول : ظاهر الدلالة على الصلاة بعد الدفن ، إلاّ‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٠٠ / ٤٦٦.

(٢) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٣) رجال الكشي ٢ : ٨٣٥ / ١٠٦٢.

(٤) خلاصة العلاّمة : ٢٥٧ / ٦٢ ؛ وفيه : سيار ، بدل : شباب.

(٥) في « فض » زيادة : وهو.

(٦) الكافي ١ : ٢٣٦ / ٩.

(٧) رجال الطوسي : ٢٤٧ / ٣٨٨ ، ٣٣٥ / ٤٤ ، ٣٢٠ / ٦٥٠ ، ٢٥٠ / ٤٣٦.

٤٤٢

أنّ الأوّل يدلّ على جواز الصلاة لمن صلّى على الميت قبل الدفن وبعده ، ومن لم يصلّ أصلاً ، سواء صلّى غيره عليه أم لا ، من حيث الإطلاق.

والثاني : خاص بمن فاتته الصلاة ، ومتناول لمن صلّي عليه ومن لم يصلِّ عليه ، وتقييد الأوّل به ممكن.

والثالث : كالثاني ، إلاّ أنّ الفرق بينهما حاصل ، من حيث إنّ الثاني بمقتضى مفهوم الشرط يفيد وجود البأس إذا لم تفت الصلاة ، ومع المنافاة يحتاج إلى تقييد المطلق كما قرّر في الأُصول ؛ وأمّا الثالث : فلا يفيد منافاةً ، بل ذكر أحد أفراد المطلق ، ومثل هذا كثيراً ما يغفل عنه ، وقد نبّهنا عليه في الكتاب غير مرّة ، كما بيّنّا أنّ منافاة المقيّد إنّما تتمّ بتقدير حجيّة مفهوم الوصف ، فليتأمّل.

وأمّا الرابع : فالذي يظهر أنّه لا ينافي ما تقدم إلاّ من جهة إطلاق الصلاة فيه ، وتبادر غير صلاة الجنازة من الصلاة كأنّه معلوم ، بل تبادر اليومية ربما يدّعى ، فالعجب من الشيخ حيث ذكر الخبر وتكلّف توجيهه بغير ما ذكرناه.

والخامس : فيما يظن أنّه غير منافٍ إلاّ من جهة إطلاق أوّل الأخبار الشامل لمن صلّي عليه ، وهذا يدلّ على أنّ من صلّي عليه لا يصلّى عليه بعد الدفن ، غاية الأمر احتمال ظهور كونه مقلوباً ربما يوجب بطلان الصلاة ، وربما لا يوجب البطلان والإعادة قبل الدفن على الاستحباب ، وتصريح بعض الأصحاب بوجوب جعل رأس الميت إلى يمين المصلّي (١) إنْ كان للإجماع أمكن القول به إنْ ثبت ، وإنْ كان للرواية المذكورة مع‌

__________________

(١) كالعلاّمة في المنتهى ١ : ٤٥٧ وإرشاد الأذهان ١ : ٢٦٢ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٤٣٩.

٤٤٣

التأسّي أمكن المناقشة في الرواية والتأسّي. وعلى تقدير تمامية الدلالة يجوز الاكتفاء بالصلاة إذا دفن وإنْ كان مقلوباً ، أو يخصّ جواز الصلاة على القبر بغير هذا النوع.

والسادس : له ظهور في المنافاة.

وما ذكره الشيخ في الوجه الأوّل لم يذكر دليله ، ومجرّد الجمع لا يقتضي ما ذكره ، وقد أشار إلى هذا العلاّمة في المختلف قائلاً : إنّه لم يقف على مستند (١). ثم إنّ الوجه المذكور لا يخفى عدم تماميته في خبر عمّار بعد ما قدّمناه.

وأمّا الوجه الثاني ، ففيه : أنّ بعض الأخبار تضمّن الفوات ، والدعاء لا يختصّ بذلك ، كما أنّ نفي الجواز كذلك ، والخبر المستدلّ به لا يدفع ما قلناه ، ولا يعيّن مراد الشيخ ، وخبر محمّد بن مسلم يزيد الإشكال الذي أشرنا إليه من الفوات ، ويمكن حمله على وجهٍ يوافق غيره بالتخيير.

وأمّا الوجه الثالث : فله وجه. والخبر المستدلّ به أوّلاً لا يأتي على جميع الأخبار ، وحمله على رجحان الترك ممكن ، والخبر الثاني كذلك ، فليتأمّل.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ المنقول في المسألة من الأقوال غير ما ذكره الشيخ عن سلاّر الصلاة إلى ثلاثة أيّام ، وعن ابن الجنيد ما لم تتغير الصورة ، وعن ابن بابويه عدم التقدير بوقت (٢).

وفي المختلف استقرب العلاّمة الصلاة على القبر إنْ لم يصلّ على الميت أصلاً ودفن بغير صلاة ، وإلاّ فلا ، واستدلّ على الحكم الأوّل بخبر‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ٣١٤.

(٢) حكاه عن الثلاثة في المختلف ٢ : ٣١٣ ، وهو في المراسم : ٨٠.

٤٤٤

السكوني المتضمن لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تَدَعُوا أحداً من أمّتي بلا صلاة » (١) ووجّه الاستدلال بأنّه عام للمدفون وغيره. واستدلّ على عدم كون الدفن مانعاً بخبر هشام بن سالم الأوّل والخبر الثاني ، وعلى الحكم الثاني بالخبر المرسل وهو السادس ، ( وبخبر محمّد بن مسلم أو زرارة (٢) واصفاً له بالحسن (٣). ولا يخفى عليك الحال في هذا الاستدلال ) (٤).

وينقل عن المحقّق في المعتبر الجزم بعدم وجوب الصلاة بعد الدفن مطلقاً ، وأنّه قال : ولا أمنع الجواز (٥) ، واستدلّ على عدم الوجوب بأنّ المدفون خرج بدفنه عن أهل الدنيا فساوى من فني في قبره. وعلى الجواز بالأخبار الواردة بالإذن في الصلاة على القبر ، كصحيحة هشام.

وأنت خبير بما يتوجه على استدلاله الأوّل ، وأمّا الثاني فوجاهته ظاهرة.

والعجب من شيخنا قدس‌سره أنّه اختار عدم وجوب الصلاة بعد الدفن مطلقاً ، ثم قال : لكن لا يبعد اختصاص الجواز بيوم الدفن (٦). ووجه التعجّب أنّ الخبر الصحيح عنده لا معارض له يصلح لذلك ، فالمنع مطلقاً والاختصاص بيوم الدفن غير واضح الدليل ، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

__________________

(١) تقدّم في ص ٣٦٧.

(٢) أي الخبر الثامن من المبحوث عنها.

(٣) المختلف ٢ : ٣١٤.

(٤) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٥) حكاه عنه في المدارك ٤ : ١٨٨ ، وهو في المعتبر ٢ : ٣٥٨.

(٦) المدارك ٤ : ١٨٨.

٤٤٥

قوله :

باب الصلاة على الجنازة مرّتين‌

علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كبّر أمير المؤمنين عليه‌السلام على سهل ابن حنيف وكان بدرياً خمس تكبيرات ، ثم مشى ساعةً ، ثم وضعه وكبّر عليه خمسةً أُخرى ، فصنع مثل ذلك حتى كبّر عليه خمساً وعشرين تكبيرة ».

علي بن الحسين ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن سالم ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) ، قال : قلت : أرأيت إنْ فاتتني تكبيرة أو أكثر؟ قال : « تقضي ما فاتك » قلت : استقبل القبلة؟ قال : « بلى وأنت تتبع الجنازة ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج على جنازة امرأةٍ من بني النجّار فصلّى عليها فوجد الحَفَرة لم يمكنوا فوضعوا الجنازة فلم يجي‌ء قوم إلاّ قال لهم عليه‌السلام : صلّوا عليها ».

فأمّا ما رواه علي بن الحسين (٢) ، عن سعد ( بن عبد الله ) (٣) ، عن الحسن بن موسى الخشّاب ، عن غياث بن كلوب بن فَيْهَس البجلي ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى على جنازة ، فلمّا فرغ جاء قوم فقالوا : فاتتنا الصلاة عليها ،

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤٨٤ / ١٨٧٧ : عن أبي جعفر عليه‌السلام.

(٢) في « م » : الحسن.

(٣) ما بين القوسين ليس في الاستبصار ١ : ٤٨٤ / ١٨٧٨.

٤٤٦

( فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الجنازة لا يصلّى عليها مرّتين ، ادعوا له وقولوا خيراً ».

فالوجه في هذه الرواية ضرب من الكراهية ، ويجوز أنْ يكون قوله عليه‌السلام : « إنّ الجنازة لا يصلّى عليها ) (١) مرّتين » وجوباً وإنْ جاز أن يصلّى عليها مرّتين ندباً واستحباباً ، وإنّما الواجب دفعة واحدة وما زاد فإنّه مستحب مندوب إليه.

فأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى على جنازة ، ( فلمّا فرغ جاء ناس فقالوا : يا رسول الله لم ندرك الصلاة عليها ، فقال : لا يصلّى على جنازةٍ ) (٢) مرّتين ، ولكن ادعوا له ».

فالوجه في هذه الرواية أيضاً ما قدّمناه في الخبر الأوّل سواء.

السند :‌

في الأوّل : حسن.

والثاني : تقدّم القول في رجاله عن قريب في باب عدد التكبيرات وغيره ممّا بعد.

والثالث : مضى القول فيه أيضاً (٣) ، والحاصل أنّ غياث بن كلوب مهمل ، لكن في النجاشي (٤) والفهرست (٥) أنّ الحسن بن موسى الخشّاب‌

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٣) راجع ج ١ ص ١٨٢ ، ٢٧٩ ، ج ٢ ص ٢٣٧ ، ج ٣ ص ٧٦ ، ٣٥٢.

(٤) رجال النجاشي : ٣٠٥ / ٨٣٤.

(٥) الفهرست : ١٢٣ / ٥٥٠.

٤٤٧

يروي عنه ، وفي رجال من لم يرو عن الأئمّة عليهم‌السلام أنّ الصفّار يروي عنه (١). ولا يخفى عدم بعد مرتبة الحسن عن الصفّار ؛ لأنّ الصفّار مذكور في رجال العسكري عليه‌السلام من كتاب الشيخ (٢) كالحسن (٣) ، غاية الأمر أنّ الصفّار يروي عن الحسن في الرجال (٤) ، ولا بعد في روايته عنه ( وعمّن يروي الحسن عنه ، ) (٥) واحتمال المغايرة ينفيه أنّ في رجال من لم يرو : غياث بن كلوب بن فيهس البجلي ، وفي الرواية المبحوث عنها بعينه ، واحتمال المشاركة في الوصف مع المغايرة في غاية البعد ، فليتأمّل.

أمّا الرابع : ففيه وهب بن وهب ، وهو أبو البختري ، وقد مضى أنّه كان قاضياً عاميّاً (٦).

المتن :

في الأوّل : واضح الدلالة ، إلاّ أنّ في التهذيب روى عن عقبة ، عن جعفر ، قال : سُئل جعفر عليه‌السلام عن التكبير على الجنائز ، وساق الحديث على ما مضى ذكره في باب عدد التكبيرات ، إلى أنْ قال : « أما بلغكم أنّ رجلاً صلّى عليه علي عليه‌السلام » إلى أنْ قال : ثم قال : « إنّه عقبي بدري أُحدي ، وكان من النقباء الذين اختارهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الاثني عشر ، وكانت له خمس مناقب فصلّى عليه لكلّ منقبةٍ صلاة » (٧).

__________________

(١) رجال الطوسي : ٤٨٩ / ٣.

(٢) رجال الطوسي : ٤٣٦ / ١٦.

(٣) رجال الطوسي : ٤٣٠ / ٥.

(٤) الفهرست : ٤٩ / ١٦٠.

(٥) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٦) راجع ج ١ ص ٣٢٣ ، ج ٣ ص ١٨٦.

(٧) التهذيب ٣ : ٣١٨ / ٩٨٥ ، الوسائل ٣ : ٨٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١٨.

٤٤٨

وهذا الحديث كما ترى ينبئ عن كون الخبر المبحوث عنه فيه نوع اختصاص ، والأمر سهل ؛ غير أنّ في البين احتمال اختصاص سهل بما ذكر من المناقب ، فلا يدلّ على جواز تكرار الصلاة مطلقاً ، وقد ذكر هذا العلاّمة في المختلف قائلاً : إنّ حديث سهل مختصّ بذلك الشخص إظهاراً لفضله ، كما خصّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمّه بسبعين تكبيرة (١) ، انتهى.

وقد يقال : إنّ التعليل بإظهار الفضيلة على الإطلاق محلّ كلام ؛ لما نقلناه من خبر التهذيب ، ولعلّ الخبر المتضمن للصلاة على حمزة (٢) يدلّ على مطلق الفضيلة.

وفي المختلف نقل في المسألة أنّ المشهور كراهة تكرار الصلاة على الميت ، وقال ابن أبي عقيل : لا بأس بالصلاة على من صلّي عليه مرّة ، فقد صلّى أمير المؤمنين عليه‌السلام على سهل بن حنيف خمس مرّات. وقال ابن إدريس : ( تكره جماعةً ، وتجوز فرادى. وقال الشيخ في الخلاف : من صلّى خلف جنازة ) (٣) يكره له أنْ يصلّي عليها ثانياً. وهو يشعر باختصاص الكراهة بالمصلّي المتّحد (٤) ، انتهى.

ولا يخفى أنّ الخبر المبحوث عنه خاص بالجماعة ، لكن الشيخ في التهذيب روى عن أبي بصير أنّ علياً عليه‌السلام كبّر على سهل بن حنيف خمساً وعشرين ( تكبيرة ، قال : « كبّر خمساً خمساً ، كلّما أدركه الناس قالوا : يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل ، فيضعه » الحديث (٥). وهو‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ٣١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٢١١ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣٣١ / ٩٧٠ ، الوسائل ٢ : ٥٠٩ أبواب غسل الميت ب ١٤ ح ٨.

(٣) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٤) المختلف ٢ : ٣٠٩ ، وهو في السرائر ١ : ٣٦٠ ، وفي الخلاف ١ : ٧٢٦.

(٥) التهذيب ٣ : ١٩٧ / ٤٥٥ ، الوسائل ٣ : ٨١ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٥.

٤٤٩

يدلّ على نوع اختصاص أيضاً مع الجماعة.

وأمّا الثاني : فذكره في مقام تكرار الصلاة لدلالة عجزه على ذلك ، وفيه دلالة على رجحان الصلاة ثانياً وما زاد جماعةً وفرادى.

وما تضمّنه من قوله : « بلى وأنت تتبع الجنازة » يدلّ على الاستقبال مع المشي في الصلاة لأجل إتمامها ، وقد قدّمنا القول في هذا (١) ، والعجب من عدم ذكر الشيخ هذا الخبر هناك.

والثالث : كما ترى في ظاهره المنافاة ، وحمل الشيخ الأوّل له وجه ، إلاّ أنّ فعل أمير المؤمنين عليه‌السلام المكروه مستبعد.

ويمكن أنْ يوجّه نفي الكراهة في فعله عليه‌السلام نظراً إلى حصول المناقب لسهل ، وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع حمزة لنحو ذلك ، وحينئذٍ فإطلاق الكراهة من الشيخ محلّ تأمّل مع عمله بالأخبار ، أمّا الحمل على بيان الجواز فقد قدّمنا القول فيه غير مرّة.

وأمّا الوجه الثاني من الحمل فمن البعد بمكان ؛ لأنّ الأمر بالدعاء ظاهر في نفي أصل الصلاة ، ولو كان المنفي الوجوب لأتى عليه‌السلام بما يدلّ على التخيير.

والرابع : كالثالث.

ولا يخفى أنّ ظاهر النفي في الخبرين يتناول ما بعد الدفن ، فيؤيّدان بعض الأخبار السابقة ، إلاّ أنْ يحمل النفي على حال عدم الدفن ، لأنّه مورد الروايتين ؛ وفيه تأمّل ، إلاّ أنّ الأمر سهل.

__________________

(١) في ص ٤٣٢.

٤٥٠

قوله :

باب الصلاة على جنازةٍ معها امرأة‌

علي بن الحسن (١) ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران وسندي بن محمّد ومحمّد بن الوليد جميعاً ، عن عاصم بن حميد ، عن يزيد بن خليفة قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فسأله رجل من القميين (٢) فقال : يا أبا عبد الله أتصلّي النساء على الجنائز؟ قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان فيما هدر دم المغيرة بن أبي العاص » وحدّث حديثاً طويلاً ، وأنّ زينب بنت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفيت ، وأنّ فاطمة ( سلام الله عليها ) خرجت في نساءها فصلّت على أختها.

عنه ، عن العبّاس بن عامر ، عن أبي المعزى ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنّه قال : « ليس ينبغي للمرأة الشابّة تخرج إلى جنازةٍ تصلّي عليها ، إلاّ أنْ تكون امرأة قد دخلت في السن ».

فأمّا ما رواه علي بن الحسن بن فضّال ، عن محمّد بن علي ، عن محمّد بن يحيى ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهما‌السلام قال (٣) : « لا صلاة على جنازةٍ معها امرأة ».

فالوجه في هذه الرواية ضرب من الكراهية دون الحظر.

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤٨٥ / ١٨٨٠ : الحسين.

(٢) وهو عيسى بن عبد الله ، على ما في الكافي ٣ : ٢٥١ / ٨.

(٣) في الاستبصار ١ : ٤٨٦ / ١٨٨١ زيادة : قال.

٤٥١

السند :‌

في الأوّل : علي بن الحسن فيه ابن فضّال على الظاهر (١) ، لتصريحه به في التهذيب في سندٍ غير هذا (٢) ، إلاّ أنّ روايته عن عبد الرحمن بن أبي نجران مستبعدة ؛ لأنّ ابن أبي نجران من أصحاب الرضا عليه‌السلام والجواد عليه‌السلام ، وعلي بن الحسن من أصحاب الهادي والعسكري عليهما‌السلام ، إلاّ أنّ التوجيه ممكن.

وأمّا سندي بن محمّد فهو ثقة ، والراوي عنه الصفّار وأحمد بن أبي عبد الله في الرجال (٣) ، فالمرتبة واضحة. وفي الرجال : إنّ الراوي عن ابن أبي نجران محمّد بن خالد (٤) ، وهو يؤيد البعد السابق. ومحمّد بن الوليد قد مضى أنّه الخزّاز على الظاهر مع احتمال غيره (٥). وأمّا عاصم بن حميد فهو ثقة ، كما أنّ يزيد بن خليفة واقفي.

والثاني : فيه قرينة على أنّ علي بن الحسن هو ابن فضّال ؛ لأنّ الراوي عن العبّاس في النجاشي سعد (٦) ، وهو في مرتبة علي بن الحسن. وما في رجال من لم يرو عن الأئمّة عليهم‌السلام والفهرست من أنّ الراوي عنه أيّوب بن نوح (٧) فقد يظن بعده ، لكن التوجيه في حيّز الإمكان.

والثالث : محمّد بن علي فيه مشترك (٨) ، واحتمال ابن محبوب قد‌

__________________

(١) في « رض » زيادة : للشيخ.

(٢) كما في التهذيب ٣ : ٣٢٦ / ١٠١٩ ، و ٤ : ٢٩٣ / ٨٩١.

(٣) الفهرست : ٨١ / ٣٣١.

(٤) رجال النجاشي : ٢٣٥ / ٦٢٢ ؛ إلاّ أنّه فيه : عبد الله بن محمّد بن خالد.

(٥) في ص ٤٤٠.

(٦) رجال النجاشي : ٢٨١ / ٧٤٤.

(٧) رجال الطوسي : ٤٨٧ / ٦٥ ، الفهرست : ١١٨ / ٥١٧.

(٨) هداية المحدثين : ٢٤٤.

٤٥٢

يقرّبه الإطلاق ، وفيه ما فيه. وأمّا محمّد بن يحيى وغياث فقد تكرّر القول فيهما (١).

المتن :

في الأوّل : لا يخلو من إجمال ، ولفظ « فيما » الظاهر أنّه زائد ؛ إذ (٢) ليس في التهذيب (٣) ، وعلى كلّ حال المقصود من الخبر غير خفي.

والثاني : ربما دلّ على كراهية خروج الشابّة من قوله : « ليس ينبغي ».

والثالث : حمل الشيخ له متوجه.

قوله :

باب من أحقّ بالصلاة على المرأة‌

الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد الجوهري ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : المرأة تموت ، مَن أحقّ الناس بالصلاة عليها؟ قال عليه‌السلام : « زوجها » قلت : الزوج أحقّ بها من الأب والولد والأخ؟ قال : « نعم ويغسّلها ».

فأمّا ما رواه علي بن الحسين بن بابويه ، عن محمّد بن أحمد (٤) ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال :

__________________

(١) راجع ج ١ : ٣٧٥ وج ٣ : ٢٩٥ ، ٤٣٨ وج ٥ : ٢٧٨ وج ٦ : ٣٠٩.

(٢) ليست في « رض ».

(٣) التهذيب ٣ : ٣٣٣ / ١٠٤٣.

(٤) في الاستبصار ١ : ٤٨٦ / ١٨٨٤ : عن محسن بن أحمد.

٤٥٣

سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة على المرأة ، الزوج أحقّ بها أو الأخ؟ قال : « الأخ ».

أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير (١) ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها أيّهما يصلّي عليها؟ فقال : « أخوها أحقّ بالصلاة عليها ».

فالوجه في هذين الخبرين ضرب من التقية ؛ لأنّهما موافقان لمذاهب العامّة.

تمّ الجزء الأوّل من الاستبصار فيما اختلف فيه من الأخبار ، ويتلوه كتاب الزكاة إن شاء الله تعالى في الجزء الثاني ، والحمد لله وحده ، وصلّى الله على من لا نبي بعده وآله الطيبين الطاهرين الأئمّة المعصومين ، والحمد لله ربّ العالمين (٢).

السند :‌

في الأوّل : تكرّر القول فيه (٣).

والثاني : فيه محمّد بن أحمد في النسخة التي نقلت منها ، وفي اخرى محسن بن أحمد ، والظاهر أنّه الصواب ؛ لأنّ في التهذيب محسن بن‌

__________________

(١) في « رض » : عن أبي عمر.

(٢) في الاستبصار ١ : ٤٨٧ : تمّ الجزء الأوّل. ويتلوه في الجزء الثاني كتاب الزكاة بحمد الله ومنّه وحسنِ توفيقه والصلاة على سيّد المرسلين محمّد وعترته الطيبين الطاهرين.

(٣) راجع ج ١ ص ٧٢ ، ١٧٣ ، ٢٥٠ ، ٢٧٠ ، ج ٢ ص ٩٠ ، ١١٦ ١١٧ ، ١٩٩ ، ٢١٠ ، ج ٣ ص ١٠٧ ، ٢٥٦ ، ج ٤ ص ١٦ ، ٣٩٢ ، ج ٦ ص ٤٦ ، ١٧٩.

٤٥٤

أحمد (١) ، لكن ابتداء سند ، والطريق إليه في المشيخة غير مذكور ، وهو مذكور مهملاً في الرجال ، والراوي عنه أحمد بن محمّد بن خالد (٢) ، وهنا كما ترى على تقدير كونه محسن بن أحمد الراوي عنه علي بن الحسين بن بابويه ، والمرتبة لا توافقه.

وأمّا على تقدير محمّد بن أحمد فيحتمل أنْ يكون محمّد بن أحمد ابن الصلت ؛ لرواية علي بن الحسين عنه في باب ترتيب الجنائز (٣) ، لكن بيّنّا فيما سبق احتمال الوهم فيه وإنما هو أحمد بن محمّد بن الصلت (٤) ، وعلى تقدير أنْ يكون صحيحاً فروايته عن أبان بن عثمان في حيّز الإمكان. وفي الرجال رواية محسن بن أحمد عن أبان بن عثمان موجودة (٥).

وعلى تقدير كونه أحمد بن محمّد بن الصلت ، يبعد روايته عن أبان ابن عثمان ، بل الظاهر انتفاء احتمال الرواية ؛ لأنّ أحمد يروي عن ابن عقدة المتأخر ، وحينئذٍ لا بُدَّ من إبقائه على ما هو عليه من دون إبداء ذاك الاحتمال.

والفرق بين المقامين أنّ السابق روى فيه عن عبد الله بن الصلت ، وهو من أصحاب الجواد عليه‌السلام مع الرضا عليه‌السلام ، بخلاف أبان ، فإنّه من أصحاب الصادق والكاظم عليهما‌السلام.

وبالجملة : فالحيرة في هذا الإسناد واقعة ، لا سيّما بعد ما سمعت من التهذيب.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٠٥ / ٤٨٥.

(٢) رجال النجاشي : ٤٢٣ / ١١٣٣.

(٣) راجع ص ٣٨٣.

(٤) في ص : ٢٣٥٤.

(٥) الفهرست : ١٩ / ٥٢.

٤٥٥

والثالث : معلوم الحال بما تكرّر من المقال (١) ، والطريق في المشيخة : عن محمّد بن يعقوب ، عن العدّة (٢) ، وقد قدّمنا القول فيها (٣).

المتن :

في الأوّل : ظاهر ، وحمل الشيخ الخبرين الأخيرين متوجه على تقدير العمل بالأخبار ، أمّا من يتوقف عمله على الصحّة أو (٤) الحسن فالأمر بالنسبة إليه غير خفي ، والمشهور بين الأصحاب ) (٥) على ما قيل مضمون الخبر الأوّل (٦) ، وحكى شيخنا عن المعتبر أنّ فيه الحكم بسلامة سند الأوّل ، وتعجّب منه (٧) ، وهو في محلّه ، وتأويل السلامة بموافقة الشهرة خروج عن الظاهر.

ثم إنّ الأحقّ في الخبر لا يخلو معناه من إجمال ، وينقل عن المنتهى أنّ فيه : وأحقّ الناس بالصلاة عليه أولاهم بالميراث ، قاله علماؤنا ؛ لأنّه أولى بماله ، فكذا بالصلاة عليه ، [ و ] لقوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (٨) ولمرسلة ابن أبي عمير في الحسن ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « يصلّي على الجنازة أولى الناس بها ، أو يأمر من‌

__________________

(١) راجع ص ٣٢٦ ٣٢٧.

(٢) مشيخة الإستبصار ( الإستبصار ٤ ) : ٣١٤.

(٣) في ص ٦٧.

(٤) في « رض » : و.

(٥) من بداية ص ٤٤٨ ، إلى هنا ساقطة عن « م ».

(٦) كما في مجمع الفائدة ٢ : ٤٥٨ ، والمدارك ٤ : ١٥٨ ، وفيه : المعروف من مذهب الأصحاب.

(٧) المدارك ٤ : ١٥٩ ، وهو في المعتبر ٢ : ٣٤٦.

(٨) الأنفال : ٧٥.

٤٥٦

يحبّ » (١) (٢).

واعترض عليه بعض محققي المتأخرين رحمه‌الله بأنّ الأوّل قياس ، ودلالة الثاني غير واضحة ، والثالث مرسل ، وفيه إجمال من جهة عدم ظهور معنى الأولى بالجنازة (٣) ، انتهى.

والظاهر أنّ مراده بعدم ظهور معنى الأولى أنّه يحتمل إرادة الاستحباب ، إمّا على أنّه يستحب استئذانه ، أو يستحب له الفعل على معنى أنّ لفعله كمالاً في الثواب على غيره إذا فعل. ويحتمل إرادة الوجوب ، وستسمع الإشكال فيه إن شاء الله تعالى.

وأمّا عدم دلالة الآية فلأنّ المذكور في الكشّاف : أنّ الأولوية في الميراث في قوله تعالى ( فِي كِتابِ اللهِ ) (٤) في حكمه وقسمته ، وقيل : في اللوح ، وقيل : في القرآن ، وهي آية المواريث (٥) ، انتهى.

وقد يقال : إنّ إرادة المواريث غير مجزوم بها ، بل هي احتمال ، لكن لا عموم في الآية ؛ إذ كون البعض أولى غير معلوم في أيّ شي‌ء ، وقوله سبحانه ( فِي كِتابِ اللهِ ) محتمل لما ذكر غيره ، وعلى تقدير ما ذكره لا يتحقق العموم ، إلاّ أنْ يقال : إنّ الظاهر من الآية كون بعض اولي الأرحام أولى ببعضٍ على الإطلاق ، وهو معنى العموم. وفيه : أنّ احتمال قوله‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٧٧ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢٠٤ / ٤٨٣ ، الوسائل ٣ : ١١٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٣ ح ١.

(٢) حكاه عنه في مجمع الفائدة ٢ : ٤٥٥ ، وهو في المنتهى ١ : ٤٥٠ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر لاستقامة المتن.

(٣) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٤٥٦.

(٤) الأنفال : ٧٥.

(٥) الكشاف ٢ : ٢٤٠.

٤٥٧

تعالى ( فِي كِتابِ اللهِ ) للقرآن يدلّ على أنّه مفصّل في كتاب الله ، فيحتاج إلى العلم به.

فإنْ قلت : الظاهر من الآية إرادة المواريث ؛ لقوله تعالى قبل الآية المذكورة ( وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ ) الآية (١). وقد ذكر في الكشّاف : أنّ الآية الأخيرة ناسخة للتوارث بالهجرة والنصرة (٢).

قلت : تعيّن كون الآية الأُولى للتوارث بالهجرة والنصرة محلّ تأمّل ؛ لتوقفه على الثبوت ، وباب الاحتمال واسع ، هذا.

والرواية المرسلة رواها الشيخ في التهذيب عن محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه (٣).

وقد روى الشيخ في التهذيب ما يقتضي أنّ المصلّي بدون إذن الولي غاصب (٤) ، لكن السند غير سليم.

وللأصحاب في المقام تفريعات يتوقف الكلام فيها على ثبوت الأصل.

وفي الفقيه نقل رواية أبي بصير (٥) ، واعتبارها حينئذٍ واضح مع الشهرة.

وينبغي أنْ يعلم أنّ جدّي قدس‌سره في شرح الإرشاد قال : إنّ ظاهر الأصحاب أنّ إذن الولي إنما يتوقف عليها الجماعة لا أصل الصلاة ؛ لوجوبها‌

__________________

(١) الأنفال : ٧٥.

(٢) الكشاف ٢ : ٢٤٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٠٤ / ٤٨٣.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٠٦ / ٤٩٠.

(٥) الفقيه ١ : ١٠٢ / ٤٧٤.

٤٥٨

على الكفاية ، فلا يناط برأي أحد من المكلّفين ، فلو صلّوا فرادى من دون إذن أجزأ (١).

واعترض عليه شيخنا قدس‌سره بأنّه لا منافاة بين كون الوجوب كفائياً وبين إناطته برأي بعض المكلّفين ، على معنى أنّه إنْ قام به سقط الفرض عن غيره ، وكذا إنْ أذن لغيره وقام به الغير ، وإلاّ سقط اعتباره (٢) ، انتهى.

وفي نظري القاصر : أنّ الاعتراض محلّ بحث ؛ لأنّ الوجوب الكفائي إنْ كان مشروطاً بالإذن فلا يتحقق بدونه ، والمفروض وصف الصلاة بالوجوب الكفائي على كلّ أحد ، وحينئذٍ فالتقسيم بأنّ الولي إنْ فعل أو أذن ، ينافي الوجوب على كلّ أحدٍ كفايةً. وغير بعيد أنْ يقال : إنّ المتوقف على الإذن الفعل لا الوجوب على حدّ الواجب العيني المتوقف فعله على شرط ، وقد أوضحت الحال في موضعٍ آخر.

والعجب منه قدس‌سره أنّه صرّح في المسالك (٣) وغيرها بأنّ الواجب الكفائي لا ينافيه التوقف على الإذن ، وفي شرح الإرشاد ذكر ما سمعت ، وإنْ كان إطلاق قوله قدس‌سره بعدم المنافاة على وجه الإجمال لا يخلو من شي‌ء أيضاً لولا احتمال ما قدّمناه.

وبالجملة : إنْ ثبت الإجماع على توقف الجماعة فلا كلام ، وإلاّ أمكن القول بالتوقف على الإذن في الصلاة جماعةً وفرادى إنْ تمّ الدليل ، وقد سمعت الكلام فيه.

أمّا ما يقال : من أنّ الأوامر العامّة بالصلاة على الأموات يحتاج‌

__________________

(١) روض الجنان : ٣١١.

(٢) المدارك ٤ : ١٥٦.

(٣) المسالك ١ : ١٢.

٤٥٩

تخصيصها بالإذن إلى دليل ، والأدلّة المذكورة لا تصلح للتخصيص ، مضافاً إلى عدم النقل عن السلف من أنّهم كانوا يستأذنون ، والأصل يقتضي العدم.

ففيه : أنّ بعض ما ذكرناه من الأدلّة يصلح للتخصيص إنْ تمّ العموم ، وعدم النقل عن السلف محلّ كلام في إثبات الأحكام ، على أنّ ظاهر العلاّمة في المنتهى دعوى الإجماع على بعض الأحكام (١) ، والاحتياط مطلوب مع الإمكان ، وعلى الله سبحانه في جميع الأُمور التكلان.

وليكن هذا آخر الجزء الثالث من كتاب استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار ، ويتلوه إن شاء الله تعالى في الرابع كتاب الزكاة ، والله سبحانه المسئول لتوفيق إكماله بجاه محمّدٍ المصطفى وآله.

واتّفق بتوفيق الله تمام هذا الجزء في أواخر شهر ذي الحجة الحرام سنة ١٠٣٧.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٥٠.

٤٦٠