إستقصاء الإعتبار - ج ٧

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-179-6
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٤٨٦

والشيخ قال : إنّه واقفي في رجال الكاظم عليه‌السلام من كتابه (١) وقد تكرر القول في مثل هذا (٢). أمّا معمر بن رئاب فلم أره في رجال الأصحاب ؛ لكن في صحيح مسلم يروي عن عبد الرزاق بن همام (٣) ، فالظاهر أنّه منهم. وفي التهذيب رواه : عن سعد ، عن محمّد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير (٤). وهو الصواب.

[ والسابع (٥) ] : فيه أبو بصير.

المتن :

في الأول : يدل على أنّ القنوت يوم الجمعة في الأُولى ؛ وربما شمل الظهر ، ويقرب استبعاده أنّ الصدوق روى في الفقيه : أنّ من صلّى وحده يوم الجمعة فعليه قنوت واحد قبل الركوع في الركعة الأُولى. وقد ردّ الرواية بتفرد حريز بها عن زرارة (٦). وتضمنت أيضاً أنّ في الجمعة قنوتين ، وقد قدّمنا ذلك. لكن الظاهر من الرواية هنا صلاة الجمعة ، ولا يبعد عدم دلالتها على الحصر بعد دلالة غيرها على أنّ في الجمعة قنوتين. وحينئذٍ ربما كانت الفائدة في ذكر القنوت في الركعة الأُولى فقط التنبيه على مغايرة غيرها ؛ ( وإنْ حصلت المغايرة في الثانية أيضاً بالبَعدية للركوع ، إلاّ أنّ وجود القنوت بعده في الجملة ولو قضاءً كافٍ ؛ فليتأمّل ) (٧).

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٤٩ / ٥.

(٢) في ج ٤ ص ٨٩.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٢١٢ / ٢١ ، وفيه : عبد الرزاق بن همام عن معمر.

(٤) التهذيب ٣ : ١٧ / ٦١.

(٥) في النسخ : والسادس ، والصحيح ما أثبتناه.

(٦) الفقيه ١ : ٢٦٦ / ١٢١٧.

(٧) ما بين القوسين ليس في « م ».

٤١

وأمّا الثاني : فالظاهر منه اعتبار الجماعة في كون القنوت في الأُولى سواء كانت ظهراً أو جمعةً ؛ ويبعده ما سبق. وحينئذٍ فالمراد صلاة الجمعة ، إلاّ أنّ مقابلة الوحدان غير واضحة الوجه ، إذ الظهر لو صلّيت جماعة فا (١) المشهور كذلك ، والأولى لو حملت على ما يشمل الظهر تناولت فعل الظهر فرادى ، إلاّ أنّه يمكن تخصيصها. والحاصل أنّ عدم معلومية القائل يسهل الخطب ، ويوجب نوع تعجب في الأخبار ، ولعلّ ضيق المجال بسبب أهل الخلاف هو الموجب لهذا.

والثالث : يظهر القول فيه من غيره.

أمّا الرابع : فظاهر الدلالة على أنّ صلاة الجمعة فيها القنوت في الأُولى ، وغيرها في الثانية قبل الركوع جماعةً وفرادى ؛ فيخصّ به عموم غيره أو يقيد إطلاقه. لكنه لا يأبى الجمع بينه وبين ما دلّ على القنوتين في الجمعة ؛ لاحتمال إرادة الفرق في الجملة ، وهو حاصل ، وقد قدّمنا فيما مضى (٢) ما يمكن استفادة القنوتين في الجمعة منه.

والخامس : ما ذكره الشيخ فيه من التقية له وجه وجيه [ كالسادس (٣) ].

أمّا الاستدلال على التقية [ بالسابع (٤) ] ففيه نظر ؛ إلاّ أن يحمل على ما ذكره بعض أهل الخلاف : من جواز القنوت في جميع الصلوات عند‌

__________________

(١) في « م » و « فض » : في.

(٢) في ص ١٦٨٦.

(٣) ما بين المعقوفين ساقط من « فض » وفي « م » و « رض » : كالخامس ، والصحيح ما أثبتناه.

(٤) في النسخ : بالسادس ، والصحيح ما أثبتناه.

٤٢

الشدائد (١). وفي المتن كلام أنهيته فيما مضى من باب القنوت (٢) ، ولا يخفى على من راجع الخبر سابقاً ما في التغاير بين ما هنا وهناك الموجب لنوع تعجّب ، والله أعلم بالحقائق.

قوله :

باب العدد الذي يجب عليهم الجمعة.

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أبيه ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن العباس ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في جماعة ».

عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحكم بن مسكين ، عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين ، ولا تجب على أقلّ منهم ، الإمام وقاضيه والمدعي حقاً والمدعى عليه والشاهدان والذي يضرب الحدود بين يدي الإمام ».

علي بن مهزيار ، عن فضالة ، عن أبان بن عثمان ، عن العباس (٣) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أدنى ما يجزئ في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه ».

__________________

(١) المغني والشرح الكبير ١ : ٨٢٣.

(٢) في ص ١٦٨٠.

(٣) في الاستبصار ١ : ٤١٩ / ١٦٠٩ : عن أبي العباس.

٤٣

قال محمّد بن الحسن : ليس بين هذين الخبرين تناقض ؛ لأنّ الفرض يتعلق بالعدد (١) إذا كانوا سبعة ، أمّا إذا كان العدد خمساً كان ذلك مستحباً مندوباً إليه ولم يكن فرضاً واجباً ، وإن نقص عن الخمسة فلا ينعقد الجمعة أصلاً. والذي يدلّ على ذلك :

ما رواه الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد ، فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم ، والجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر الناس فيها ، إلاّ خمسة : المرأة والمملوك والمسافر والمريض والصبي ».

عنه ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا تكون الجمعة ما لم يكن القوم خمسة ».

علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة ، عن زرارة قال : كان أبو جعفر عليه‌السلام يقول : « لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهطٍ الإمام وأربعة ».

السند :

في الأوّل : قد تقدم الكلام في أحمد بن محمّد بن يحيى في أوّل الكتاب (٢) وأنّ التوقف فيه غير معلوم من مشايخنا الذي عاصرناهم بل وغيرهم من مشايخهم (٣). والعباس فيه ابن معروف ، فالخبر معدود من الصحيح.

__________________

(١) في النسخ زيادة : الذي.

(٢) راجع ج ١ ص ٩١ ٩٢.

(٣) في « م » زيادة : ومن قاربهم.

٤٤

والثاني : ليس فيه إلاّ الحكم بن مسكين بعد من علم ، فإنّه مهمل في الرجال (١). ومحمّد بن الحسين هو ابن أبي الخطاب.

والثالث : ليس فيه من يتوقف في شأنه إلاّ العبّاس كما يعرف من الرجال (٢) ؛ لكن في التهذيب عن أبي العباس (٣) ، والظاهر أنّه الصواب.

والرابع : صحيح على ما مضى (٤).

والخامس : ضعيف (٥).

والسادس : حسن (٦).

المتن :

في الأوّل : قد استدل به ( جدي قدس‌سره في جملة ما سنذكره ) (٧) على وجوب الجمعة من غير حضور إمام الأصل أو من نصبه (٨) ، وعليها اعتمد شيخنا قدس‌سره في فوائد الكتاب وغيرها ، وأضاف إليها موافقة لجدي قدس‌سره صحيح محمّد بن مسلم الآتي (٩) وكذلك صحيح الفضل بن عبد الملك‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٣٦ / ٣٥٠.

(٢) رجال النجاشي : ٢٨٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٢١ / ٧٦.

(٤) راجع ج ١ : ١٤٧ ، ١٥٢ وج ٦ : ٥٠.

(٥) بعثمان بن عيسى ، فإنه واقفي مذموم ، انظر رجال النجاشي : ٣٠٠ / ٨١٧ ، وتقدم في ج ١ : ٧١ و ٣٩١ ، وج ٢ : ٤٢٣ ، وج ٣ : ١٥٩ ، ٢٤٤ وج ٥ : ١٧٤ وج ٦ : ٣٩.

(٦) بإبراهيم بن هاشم المعبّر عنه بأبيه.

(٧) ما بين القوسين ساقط عن « فض ».

(٨) روض الجنان : ٢٩٠.

(٩) في ص : ٥١.

٤٥

الآتي (١) وفي نظري القاصر أنّ فيه تأمّلاً لتضمن الروايات الإذن من الإمام عليه‌السلام ولا إشكال معها.

وما عساه يقال : إنّ أحكامهم عليهم‌السلام لا يختص بزمنهم لما هو معلوم.

يمكن الجواب عنه : بأنّ هذا في غير ما يقرب بالوكالة ، وقد وقع النزاع بين الأصحاب في المنصوبين من الأئمّة عليهم‌السلام للقضاء بعد موت الإمام الناصب لهم ، والخلاف مذكور في باب القضاء.

واحتمال الاعتماد على عدم الفرق بين المأذون وسائر الأحكام. فيه أوّلاً : أنّه ينبغي التنبيه عليه وذكر دليله. وثانياً : أنّ جريان أحكام الأئمة عليهم‌السلام على من بعدهم ( غير الأحكام الشرعية ) (٢) إذا لم يكن إجماعياً ، فإثبات الاستمرار موقوف على النص ولم يعلم ، وقد ذكرت هذا في موضع من الأُصول عند استدلال بعض محققي المعاصرين سلمه الله بالمقبولة المشهورة على ثبوت التحري.

ولعلّ الأولى الاستدلال في المقام بالرابع من حيث قوله عليه‌السلام : « والجمعة واجبة على كل أحد ».

وما عساه يقال : من احتمال تعلق هذا بقوله عليه‌السلام : « يجمع القوم » إلى آخره. فإنّ هذا إذنٌ ، فكأنّه عليه‌السلام قال بعد الإذن : والجمعة واجبة. فيه (٣) بُعد.

وربما كان أظهر منه ما رواه الصدوق في الفقيه بلفظ : قال أبو جعفر عليه‌السلام لزرارة بن أعين : « إنّما فرض الله عزّ وجلّ على الناس من الجمعة إلى‌

__________________

(١) في ص : ٥٢.

(٢) بدل ما بين القوسين في « م » : غير التحليل والتحريم.

(٣) في النسخ : وفيه ، والأنسب ما أثبتناه.

٤٦

الجمعة خمساً وثلاثين صلاة ؛ فيها صلاة واحدة فرضها الله عزّ وجلّ في جماعة وهي الجمعة » (١) الحديث. والطريق إلى زرارة صحيح.

وروى أيضاً بلفظ : قال زرارة : قلت له : على من تجب الجمعة؟ قال : « تجب على سبعة نفر من المسلمين ، ولا جمعة لأقلّ من خمسة » (٢) الحديث. ويؤيدهما بعض الأخبار المطلقة.

وما استدل به لاعتبار الإمام أو من نصبه سنتكلم فيه ، غير أنّ في البين كلاماً من جهة خبر الواحد ذكرته في محل آخر (٣) ؛ وأظن عدم التصريح به أولى.

أمّا الاستدلال بالآية الشريفة (٤) فقد اعتمد عليه شيخنا قدس‌سره في فوائد الكتاب ، وقبله جدّي قدس‌سره (٥) ولجدي فيها كلام في الرسالة (٦) بعضه محل تأمّل.

ويمكن أن يقال : إنّ خطابها من خطاب المشافهة ، وهو مخصوص بالموجودين حال الخطاب كما هو رأي المحققين (٧) ، والتعدّي بالإجماع ، فلا يتم في موضع النزاع.

ويمكن الجواب : بأنّ الإجماع على أنّ الأمر للموجودين شامل لنا ، والأمر في الآية موجود فيكفي. وفيه : أنّ الأمر للموجودين مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٦ / ١٢١٧ ، الوسائل ٧ : ٢٩٥ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٧ / ١٢١٨ ، الوسائل ٧ : ٣٠٤ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢ ح ٤.

(٣) راجع ج ١ ص ٢١ ٢٧.

(٤) الجمعة : ٩.

(٥) روض الجنان : ٢٩٠.

(٦) رسائل الشهيد : ٥١.

(٧) معالم الأصول : ١١٢ ، المستصفى ٢ : ٨٣ ، المحصول ١ : ٣٩٣.

٤٧

واللازم وجوب الجمعة معه ولا كلام فيه ؛ إلاّ أن يقال : إنّ ضميمة الخصوصيات في الأمر كحضر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو كان شرطاً لم يتم الحكم بوجوب شي‌ء من أوامر القرآن ، لكونه عليه‌السلام داخلاً. وفيه : أنّ ما خرج بالإجماع عدم اشتراطه فيه لا إشكال فيه بخلاف محل النزاع.

وربما يقال : إنّ دعوى مدخليته عليه‌السلام متوقفة على الدليل ، بل الأمر مطلق.

وفيه : أنّ الظاهر ( احتياج عدم المدخلية ) (١) إلى الدليل ، فليتأمّل.

وأمّا الثاني : فقد استدل به بعض المشترطين للإمام أو قاضيه. وضعف السند فيها يمنع من العمل بها على ما ذكره شيخنا قدس‌سره في فوائد الكتاب وفي نظري القاصر أنّ هذا يدفعه ذكر الصدوق لمتنها في الفقيه (٢).

ولعلّ الأولى أنْ يقال : إنّ من المعلوم عدم اشتراط جميع من ذكره فيها في الجمعة ، وإذا لم يشترط فهو قرينة على أنّ المراد اجتماع هذا العدد.

وما عساه يقال : من أنّه لا يلزم من عدم اشتراط البعض بالإجماع عدم اشتراط المختلف فيه.

يمكن الجواب عنه : بأنّ الخبر إذا لم يكن صريحاً ، ومعارضه الدالّ على الإطلاق موجود فلا يتم الاستدلال.

وقد يشكل بأنّ المعارض لا يخرج عن الإطلاق ، وهذا مقيد. وفيه : أنّ المقيد غير صريح ، ومعه فالخروج عن الإطلاق مشكل. والحقّ أنّ جعل الخبر مناط الاستدلال محل تأمّل.

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « رض » : عدم احتياج المدخلية.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٧ / ١٢٢٢.

٤٨

أمّا ما ينقل من دعوى الإجماع على انتفاء العيني حال الغيبة ففيه : أنّ الإجماع لا يخرج عن كونه خبراً مرسلاً ، لأنّ مدعية على ما حكاه جدي قدس‌سره في الرسالة (١) : المحقق في المعتبر حيث قال : السلطان العادل أو نائبه شرط وجوب الجمعة ، وهو قول علمائنا (٢). وكذلك العلاّمة في التذكرة حيث قال : يشترط في وجوب الجمعة السلطان ونائبه عند علمائنا أجمع (٣). وتبعهما على ذلك بعض المتأخّرين عنهما (٤) وقد ذكر جدي قدس‌سره في الرسالة ما يقتضي اختصاص الحكم بحال حضوره عليه‌السلام (٥).

والوجه فيما قلناه من أنّ هذا الإجماع كالخبر المرسل لأن تحقّقه في زمن مدعية يكاد أن يلحق بالممتنعات العادية ، فلا بُدّ أن يحمل مرادهم على أنّه ثبت عندهم بنقل العدل ، ولمّا لم يعلم الناقل كان الإخبار به كالمرسل.

وما عساه يقال : إنّ هذا يوجب سوء الظن في الناقلين ؛ إذ الظاهر من إطلاقهم العلم بدخول المعصوم ، والحال خلافه.

يمكن الجواب عنه : بالاعتماد منهم على معلومية عدم تحققهم الإجماع إلاّ من جهة الإخبار ، وإذا رجع الأمر إلى الخبر المرسل فالأخبار الواردة في الجمعة على الإطلاق لها نوع ترجيحٍ ؛ إلاّ أن يقال : إنّ كثرة المدعين للإجماع مرجحة. وفيه نظر بيّن ، يعلم وجهه من مراجعة الرسالة.

وقد ذكر العلاّمة في المنتهى : أنّه لو لم يكن الإمام ظاهراً هل يجوز‌

__________________

(١) رسائل الشهيد : ٧٠.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٧٩.

(٣) التذكرة ٤ : ١٤٤.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ٣٧١.

(٥) رسائل الشهيد : ٧٢.

٤٩

فعل الجمعة؟ قال الشيخ في النهاية : يجوز إذا أمنوا الضرر وتمكّنوا من الخطبة. وذكر في الخلاف : أنّه لا يجوز. وهو اختيار المرتضى وابن إدريس وسلاّر ؛ وهو الأقوى عندي. لنا ما تقدم من اشتراط الإمام أو نائبه ، فمع الغيبة تجب الظهر لفوات الشرط (١). انتهى. وهذا لا يخلو من غرابة منه كما يعلم من الرسالة (٢).

أمّا ما ادعاه البعض (٣) من اشتراط الفقيه حال الغيبة ، وإلاّ لم تشرع ؛ فأدلته مدخولة كما يعرف ممّا أشرنا إليه.

وما ذكره الشيخ في دفع التناقض بين الخبرين من حمل الخمسة على الاستحباب. يريد به : أنّ مع السبعة وجوب الجمعة عيناً ، ومع الخمسة تخييراً ، فتكون الجمعة أفضل الفردين ، وهو المعبّر عنه بالاستحباب. وهذا محلّ تأمّل ؛ لعدم صلاحية ما يدل عليه ، أمّا الأخبار فلأنّ الجمع لا ينحصر فيما ذكر ، بل يجوز أن يحمل ما دلّ على الخمسة على الأقلّ فضيلة والسبعة على الأكمل.

وما عساه يقال : إنّ كون الخمسة أقل فضيلة ، إن أُريد به أنّ مع عدم وجود السبعة يكون ثواب الخمسة أقل منها على تقدير وجودها فهو غير مناسب للحكمة ، وإن كان مع وجود السبعة فلا معنى له.

يمكن الجواب عنه : بنحو ما قدّمناه في موضع من الكتاب ، من جواز تفضيل بعض العبادات وإن لم يمكن (٤) غيرها.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٣٦.

(٢) رسائل الشهيد : ٧٤.

(٣) جامع المقاصد ٢ : ٣٧٩.

(٤) في « م » و « رض » : لم يكن.

٥٠

وما يقال : من أنّ الاستحباب في مثل هذا إن أُريد به بمعناه الأُصولي فلا يتم ؛ لأنّ المستحب ما يجوز تركه لا إلى بدل ، وهذا ليس كذلك ؛ وإن أُريد غيره فإثباته لا بُدّ له من دليل.

يمكن الجواب عنه : بأنّ الكامل لا بدل له ، فيتحقق المعنى الأُصولي ، وقد أوضحنا الحال في محل آخر.

ثم إنّ ما ذكره الشيخ من التخييري في [ الخمسة (١) ] والعيني في السبعة جمعاً يقتضي تحقق التخييري والعيني حال حضور الإمام عليه‌السلام ؛ إذ الأخبار يفيد ذلك حينئذٍ ، والقول بالتخييري حال الحضور لا أعلم الآن القول به ، وعلى تقدير الاعتماد على أنّ الشيخ قائل بذلك هنا فهو لازم.

ولا يذهب عليك أنّ المستفاد من الأخبار هو العيني ؛ وما يقال : إنّ الأمر لا يختص بالعيني. فيه : أنّه خلاف (٢) المستفاد من الأُصول. أمّا دعوى الإجماع على انتفاء العيني حال الغيبة فالكلام فيها كما سبق.

وقد نقل عن جدّي قدس‌سره أنّه أجاب في شرح الإرشاد بعدم تكافؤ أخبار الخمسة والسبعة ، بل أخبار الخمسة أصحّ (٣) ؛ فلا وجه للحمل من الشيخ. وغير خفي اندفاعه بعد ما ذكرناه من روايات الصدوق ، وعذره قدس‌سره عدم وجود من لا يحضره الفقيه عنده ؛ وروايات الشيخ كأنّه نظر منها إلى ما هنا من اشتراك العباس (٤) ، وما قيل في أبان بن عثمان (٥) ؛ والحال أنّ دفع القول في أبان واضح ، والعباس على ما في التهذيب (٦) سهو. لكن‌

__________________

(١) في النسخ : الجمعة ، والصحيح ما أثبتناه.

(٢) ليس في « م ».

(٣) روض الجنان : ٢٨٥.

(٤) هداية المحدثين : ٨٩.

(٥) رجال النجاشي : ١٣.

(٦) التهذيب ٣ : ٢١ / ٧٦.

٥١

لا يخفى أنّ رواية أبي العباس لا إشعار فيها بأنّ الخمسة تفيد الوجوب تخييراً والسبعة عيناً كما ذكره بعض الأصحاب (١).

إذا عرفت هذا فاعلم : أنّ المشي مع ظاهر الأخبار المطلقة يقتضي الوجوب عيناً لولا ما أشرنا إليه سابقاً من نوع شك لنا في العمل بخبر الواحد ؛ وحينئذٍ فاشتراط الإمام أو نائبه ، أو أنّ الشرط مخصوص بحال الحضور أو يشمل الغيبة ، أو أنّ المراد بالنائب الخاص أو العام الشامل للفقيه حال الغيبة ، أو الوجوب على تقديره عيني أو تخييري يتوقف على الأدلة المقيّدة للأخبار. والدخل فيما ذكروه يعلم من الرسالة الشريفة لجدي (٢) قدس‌سره وإن كان في بعض المباحث فيها لنا نوع كلام ، وإنّما اختصرنا هنا اكتفاءً بغير هذا المحل ممّا كتبناه في المقام.

وما تضمنه الخبر الأخير من قوله : « الإمام وأربعة » لا يدل على إمام الأصل ، بل احتمال إمام الجماعة ربما يدعى ظهوره ، والتعريف لا ينفيه ، بجواز أن يكون للدلالة على الإمام الجامع للشرائط المذكورة في كلام الأصحاب.

قوله :

باب القوم يكونون في قرية

هل يجوز لهم أن يجمعوا أو لا.

الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن أُناس في قرية هل يصلّون الجمعة ( جماعة؟ قال : « يصلّون ) (٣) أربعاً إذا لم يكن من يخطب ».

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٣٣٨.

(٢) رسائل الشهيد : ٥١.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « رض ».

٥٢

عنه ، عن فضالة ، عن أبان بن عثمان ، عن الفضل بن عبد الملك ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات ، فإذا كان لهم من يخطب لهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر ، وإنما جُعلت ركعتين لمكان الخطبتين ».

عنه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن زرارة قال : حثّنا أبو عبد الله عليه‌السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت أنّه يريد أن نأتيه ، فقلت : نغدو عليك؟ فقال : « لا (١) ، إنّما عنيت عندكم ».

محمّد بن علي بن محبوب ، عن العبّاس ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ابن بكير قال : حدّثني زرارة ، عن عبد الملك ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « مثلك يهلك ولم يصلّ فريضة فرضها الله عليك » (٢) قال : قلت : كيف أصنع؟ قال (٣) : « صلّوا جماعة ، يعني صلاة الجمعة ».

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد ، ( عن محمّد ) (٤) بن يحيى ، عن طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام قال : « لا جمعة إلاّ في مصر يقام فيه الحدود ».

فالوجه في هذا الخبر التقية ؛ لأنّه موافق لمذاهب كثير من العامة ، وكذلك :

ما رواه محمّد بن أحمد ( بن يحيى ) (٥) ، عن أبي جعفر ، عن‌

__________________

(١) لفظة : لا ، ليست في النسخ ، أثبتناها من الاستبصار ١ : ٤٢٠ / ١٦١٥ ، والتهذيب ٣ : ٢٣٩ / ٦٣٥.

(٢) لفظة : عليك ، ليست في الاستبصار ١ : ٤٢٠ / ١٦١٦. والتهذيب ٣ : ٢٣٩ / ٦٣٨.

(٣) في الاستبصار ١ : ٤٢٠ / ١٦١٦ زيادة : قال.

(٤) ما بين القوسين ليس في « رض » و « م ».

(٥) ما بين القوسين ليس في « رض ».

٥٣

أبيه ، عن حفص بن غياث ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : « ليس على أهل القرى جمعة ، ولا خروج في العيدين ».

فالوجه فيه أيضاً التقية ، ويجوز أن يكون عنى من بعدت قريته عن البلد أكثر من فرسخين ، ولم يكن فيهم العدد الذي يجب عليهم الجمعة ، ولا حصلت فيهم شرائطهم (١).

السند :

في الأوّل : لا ارتياب فيه.

والثاني : كذلك على ما قدّمناه في أبان (٢) ، والفضل ثقة ، والظاهر من كثرة رواية أبان بن عثمان عن الفضل أنّ السابق في الخبر أبو العباس الفضل ابن عبد الملك ، لا العباس كما في النسخة التي نقلت منها.

والثالث : صحيح.

والرابع : فيه عبد الملك وهو مشترك (٣) ، ولا يبعد أن يكون ابن أعين ، وحاله لا يقتضي إدخال حديثه في الموثق ، وقد وصفه في المختلف به (٤) ، وكأنه استفاد ما ذكرناه من ابن أعين ، ( لما يظهر من الرجال في الجملة (٥) ، أو أنّه غير ابن أعين ، ولا أدري وجهه. أمّا وصف الخبر بالموثق من حيث ابن أعين ) (٦) فقد يظن أنّ العلاّمة استفاد مدحه من زيارة الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤٢٠ / ١٦١٨ : الشرائط.

(٢) راجع ج ١ : ١٨٣ ، وج ٢ : ١٧٧ ، وج ٣ : ٢٠٢.

(٣) كما في هداية المحدثين : ١٠٧.

(٤) المختلف ٢ : ٢٥٢.

(٥) رجال الكشي ١ : ٤٠٩.

(٦) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

٥٤

قبره ، كما حكاه الصدوق في مشيخة الفقيه (١) ، وفيه ما لا يخفى.

والخامس : محمّد بن يحيى فيه لا يبعد كونه الخثعمي ، لظن وجوده مصرحاً في بعض الأسانيد ، مع ( مناسبته بالرواية ) (٢) عن طلحة المذكور كونه عاميّاً.

والسادس : أبو جعفر فيه أحمد بن محمّد بن عيسى ، وقد تقدم القول في أبيه (٣) ، وحفص بن غياث كذلك (٤).

المتن :

في الأوّل : مضى القول فيه بما يغني عن الإعادة (٥) ، وما يقتضيه ظاهره من قوله : « إذا لم يكن من يخطب » أنّ وجود من يخطب على الإطلاق يقتضي عدم الصلاة أربعاً ، جوابه واضح إذا ثبت المقيّد ، غاية الأمر أنّ بعض ما ذكره من رأينا كلامه من الشروط قد يتوقف فيه ، والإجماع وإن ادّعي على اشتراط الإيمان والبلوغ والعقل والعدالة وطهارة المولد والذكورة ، إلاّ أنّ ثبوت مثل هذا الإجماع محل كلام ، وبتقدير ثبوته فالأيمان قد ذكر فيه البعض اشتراط كونه عن دليل (٦) ، ولعلّ المراد به ما يحصل الاطمئنان للنفس به بأيّ طريقٍ كان.

وأمّا العدالة فالمذكور في تعريفها : أنّها ملكة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى والمروءة. قيل : ويتحقق التقوى بمجانبة الكبائر ، وهي‌

__________________

(١) مشيخة الفقيه ( الفقيه ٤ ) : ٩٧.

(٢) في « فض » مناسبة ما لروايته.

(٣) راجع ج ١ ص ١٩٦.

(٤) راجع ج ١ ص ١٩٦.

(٥) في ص : ٤٥.

(٦) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٨٩.

٥٥

ما توعد عليها بالنار في الكتاب أو السنّة ، وعدم الإصرار على الصغيرة فعلاً أو حكماً ، وهو فعلها مع قصد ذلك مرّةً أُخرى. وقيل : عدم الندامة والتوبة (١).

وقد فُسّرت المروءة بأنّها ملكة تبعث على مجانبة ما يؤذن بخسّة النفس ودناءة الهمّة من المباحات والمكروهات وصغار المحرّمات مع عدم الإصرار ، كسرقة لقمة ، وتطفيف الميزان بحبة ، والأكل في السوق والمجامع ، وأمثال ذلك (٢). والاستدلال على هذا لا يخلو من إشكال ، ( وسيجي‌ء (٣) تفصيل الحال ) (٤).

( ولا يخفى أنّ ما عرّفنا به العدالة مأخوذ من كلام بعض الأصحاب وفيه نوع كلام ، إلاّ أنّه أولى من تعريف جدي قدس‌سره في الروضة في باب صلاة الجماعة ، من أنها ملكة نفسانية باعثة على ملازمة التقوى ، التي هي القيام بالواجبات وترك المنهيات الكبيرة مطلقاً والصغيرة مع الإصرار عليها (٥). ووجه الأولوية أنّه لا وجه لذكر الإصرار وعدمه في التروك كما لا يخفى ) (٦). وإطلاق النص ربما يساعد على نفي غير ما قام عليه الدليل السالم من الريب (٧).

__________________

(١) كما في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٣٥١.

(٢) انظر روض الجنان : ٢٨٩ ، مجمع الفائدة ٢ : ٣٥١.

(٣) في ص : ١٦٠ و ١٤٥.

(٤) ما بين القوسين ليس في « م » ، وفي « فض » مكتوب بعد قوله : والمجامع ، والأولى ما أثبتناه من « رض ».

(٥) الروضة البهية ١ : ٣٧٨.

(٦) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٧) في « فض » زيادة : ظاهره.

٥٦

وأمّا الثاني : ففيه دلالة على أنّه إذا كان لهم من يخطب جمعوا صريحة (١) ، كما أنّ دلالته على إطلاق الجمعة على الظهر كذلك ، واحتمال إرادة : صلّوا ما يقوم مقام الجمعة. بعيد.

الثالث : ربما استأنس به بعض الأصحاب (٢) في إفادته الوجوب التخييري ، من حيث قوله : حثّنا ؛ إذ العيني لا يناسبه ذلك.

وأجاب عنه جدي قدس‌سره في الرسالة : بأنّ زرارة قد روى ما يدل على العيني ، وأراد به ما رواه الشيخ في التهذيب عنه ، من قوله عليه‌السلام : « فرض الله على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمساً وثلاثين صلاة » الحديث (٣).

ثم قال قدس‌سره ما ملخصه : والذي يظهر أنّ السرّ في التهاون بصلاة الجمعة يعني الموجب للحثّ ما عهده من قاعدة المذهب أنّهم لا يقتدون بالمخالف والفاسق ، والجمعة إنّما تقع غالباً من أئمّة أهل الخلاف ، وخصوصاً في المدن المعتبرة ، وزرارة من الكوفة ، وهي أشهر مدن الإسلام ، وإمام الجماعة فيها مخالف ، فكان يتهاون لهذا الوجه (٤) ، انتهى.

وقد يقال : إنّه يجوز كون الحثّ على فعلها تقيةً معهم ، لكون زرارة مشهوراً عند أهل الخلاف ، وربّما يؤيد هذا أنّ إقامة الجمعة على مذهب أهل الحق من زرارة يخالف الأمر بالتقية ، سيّما بما ذكره في مثل الكوفة.

ثم إنّ رواية زرارة ( المتضمنة لقوله عليه‌السلام ) (٥) إنّ الله فرض كذا وكذا مع روايته الحثّ ، لو [ حملتا (٦) ] على التخيير لا تضاد ، لجواز الفرض‌

__________________

(١) ليست في « رض » و « فض ».

(٢) حكاه الشهيد الثاني في الرسائل : ٥٩.

(٣) التهذيب ٣ : ٢١ / ٧٧.

(٤) رسائل الشهيد الثاني : ٦٠ بتفاوت يسير.

(٥) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٦) في النسخ : حمل ، والأولى ما أثبتناه.

٥٧

تخييراً في بعض الصلوات المذكورة ، إلاّ أن يقال : إنّ سياق الخبر تساوي الصلوات في الوجوب عيناً ، وفيه : احتمال الفرض عيناً بالشروط.

ولعلّ الأولى أن يقال في إلزام المستدل بالرواية على التخييري ـ : إنّ مع وجود الإمام عليه‌السلام وأمره كيف يتصور التخييري؟ وربما يجاب عن هذا : بأنّ كلام الشيخ صريح في التخييري حال الحضور كما سبق.

وفيه : أنّ كلام الشيخ بتقدير الاعتماد عليه يفيد التخيير في العدد الخاص (١) لا مطلقاً ، فليتأمّل.

وممّا قد يؤيد ما ذكرناه من احتمال فعل الجمعة تقيةً من زرارة آخر الرواية.

وأمّا الرابع : فقد ذكره من أشرنا إليه في الاستيناس للتخييري ، وكلام جدي قدس‌سره فيهما واحد (٢).

وأمّا الخبران الأخيران فالتقية فيهما متوجهة ، وأمّا غيرها فأظن أنّ تركه أولى ، لأنّ (٣) فقدان الشرائط لا فرق فيه بين القرية وغيرها.

قوله :

باب سقوط الجمعة عمن كان على رأس أكثر من فرسخين‌

علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن ابن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجمعة ، فقال : « تجب على من‌

__________________

(١) في « رض » : في العدد الحاصل. ، وفي « م » : وفي العدد إذ الخاص.

(٢) في ص : ٥٧.

(٣) في النسخ : ان ، والصحيح ما أثبتناه.

٥٨

كان منها على رأس فرسخين ، فإن زاد على ذلك فليس عليه شي‌ء ».

محمّد بن علي بن محبوب ، عن علي بن السندي ، عن محمّد ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين ».

فأمّا ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة (١) ، عن زرارة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : « الجمعة واجبة على من إذا صلّى الغداة في أهله أدرك الجمعة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما يصلّي العصر في وقت الظهر في سائر الأيام كي إذا قضوا الصلاة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجعوا إلى رحالهم قبل الليل ، وذلك سنّة إلى يوم القيامة ».

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على ضرب من الاستحباب دون الفرض والإيجاب ؛ لأنّ الفرض متعلق بمن كان على رأس فرسخين.

السند :

في الأوّل : حسن.

والثاني : فيه علي بن السندي ، وقد قدّمنا (٢) فيه كلاماً يغني عن الإعادة.

والثالث : صحيح.

المتن :

في الأوّل : ظاهر في أنّ من كان على رأس فرسخين عليه حضور‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤٢١ / ١٦٢١ : عن عمر بن أُذينة.

(٢) في ج ١ ص ٣٣١.

٥٩

الجمعة واجب ، وإن زاد لا يجب عليه ذلك.

والثاني : يدل على وجوب الحضور على من كان على فرسخين. وقد تضمنت رواية زرارة في الفقيه والتهذيب سقوط الجمعة عمّن كان على رأس فرسخين (١) ، فعدم التعرض من الشيخ لدفع التنافي غريب ، ولعلّ ما دلّ على الفرسخين محمول على الزيادة ، لكن نقل العلاّمة في المختلف الخلاف بين الأصحاب ، فقال : من كان على رأس أزيد من فرسخين لم يجب عليه الحضور إلى الجمعة ، فإن تمّ عنده العدد وجب عليه إقامتها عنده والحضور ، وإلاّ فلا ، ومن كان على رأس فرسخين فما دون وجب عليه الحضور إن لم يتم عنده العدد ، وإلاّ وجب عليه أحد الأمرين ، إمّا الحضور أو إقامتها عنده ، هذا هو المشهور ، وذهب إليه الشيخان ، والسيّد المرتضى ، وأبو الصلاح ، وسلاّر ، وابن إدريس ، وقال الشيخ أبو جعفر بن بابويه في المقنع : وضعها الله عن تسعة إلى أن قال ـ : ومن كان على رأس فرسخين ، ورواه في كتاب من لا يحضره الفقيه ، وهو قول ابن حمزة.

ثم إنّ العلاّمة استدل على الأوّل وهو مختاره بعموم الأمر المتناول لمن كان بينه وبينها قدر فرسخين ، ولزوم المشقّة مع إيجابها على من زاد ، وأصالة براءة الذمّة ، وبالخبرين المبحوث عنهما ، وزاد ما تركه أولى من ذكره ، ثم نقل احتجاج ابن بابويه برواية زرارة ، وبأنّ فيه مشقّة ، وأجاب بأنّ زرارة قد روى وجوبها على من كان على رأس فرسخين ، فيحتمل أن يكون الراوي عنه قد سها عن لفظة « أزيد » ومطلق المشقّة غير معتبر إجماعاً ؛ لعدم انفكاك التكليف عنها. انتهى (٢).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٦ / ١٢١٧ ، التهذيب ٣ : ٢١ / ٧٧.

(٢) المختلف ٢ : ٢٤١.

٦٠