إستقصاء الإعتبار - ج ٧

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-179-6
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٤٨٦

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا انكسفت الشمس كلّها واحترقت ولم تعلم و (١) علمت بعد ذلك فعليك القضاء ، وإنْ لم تحترق كلّها فليس عليك قضاء ».

ولا ينافي هذا التفصيل :

ما رواه عمّار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « إنْ لم تعلم حتى يذهب الكسوف ثم علمت بعد ذلك فليس عليك صلاة الكسوف ، فإنْ أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثم غلبتك عينيك فلم تصلّ فعليك قضاؤها ».

لأنّ الوجه في هذه الرواية (٢) أنْ نحملها على أنّه إذا احترق بعض (٣) القرص وأُعلم بذلك فلم يصلّ كان عليه القضاء ، وإنْ لم يعلم أصلاً لم يلزمه القضاء ، وأمّا إذا احترق القرص كلّه كان عليه القضاء على كلّ حال علم أو لم يعلم ، وإنْ كان علم كان عليه الغسل أيضاً مع القضاء حسب ما فصّلناه فيما تقدّم.

السند :‌

في الأوّل : أحمد بن محمّد فيه ابن يحيى ؛ لما قدّمناه في أوّل الكتاب من أنّ الحسين بن عبيد الله يروي عنه بالتتبّع في هذا الكتاب والتهذيب (٤) ، وقدّمنا أيضاً حاله (٥). وأحمد بن الحسن هو ابن علي بن‌

__________________

(١) في الإستبصار ١ : ٤٥٤ / ١٧٥٩ يوجد : وقد.

(٢) في « رض » و « م » : الروايات.

(٣) ليست في « رض ».

(٤ و ٥) راجع ج ١ ص ٤٠ ، ٦٤ ، ٩٢.

٣٠١

فضّال ، صرّح به في التهذيب (١) ، كما صرّح بأنّ عبيد ابن زرارة (٢) ، وفي بعض نسخ هذا الكتاب : عن أبيه (٣) زرارة ؛ وقد تقدّم عن قريب القول في أحمد بن الحسن (٤) ، وعبيد بن زرارة ثقة ثقة.

والثاني : ضمير « عنه » فيه يرجع لمحمّد بن علي بن محبوب ، وأحمد هو ابن الحسن على ما يقتضيه مراجعة التهذيب في الزيادات ؛ لأنّه قال في ابتداء السند : محمّد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن الحسن بن علي ، إلى آخره. ثم قال : عنه ، عن الحسن بن علي الكوفي ، إلى أنْ قال : عنه ، عن أحمد بن الحسن (٥) ، عن عبيد بن زرارة ، ثم قال : عنه ، عن أحمد ، عن (٦) موسى بن القاسم ، إلى آخره (٧). ولو لا هذا لأمكن أنْ يقال : بأن ضمير « عنه » يرجع لمحمّد بن يحيى المعبّر عنه بأبيه في الأوّل ؛ لأنّه الراوي عن أحمد بن محمّد بن عيسى مع غيره أيضاً في الرجال (٨) ، وأحمد حينئذٍ ابن عيسى ، فالخبر صحيح على ما قدّمناه في أحمد بن محمّد بن يحيى (٩) ، إلاّ أنّ ما وقع في التهذيب يدفع ما ذكرناه ، فوصف الرواية [ بالصحّة (١٠) ] في مدارك شيخنا قدس‌سره ناقلاً لها عن الشيخ (١١) محلّ‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩١ / ٨٧٦.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٩٢ / ٨٨٣.

(٣) في « فض » زيادة : عن.

(٤) راجع ص ١٨١ ، ٢٩٨.

(٥) في التهذيب ٣ : ٢٩٢ / ٨٨٣ : الحسين.

(٦) في « رض » : بن.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٩٢ / ٨٨١ و ٨٨٢ ، ٨٨٣ ، ٨٨٤.

(٨) رجال النجاشي : ٨١ / ١٩٨ ، الفهرست : ٢٥ / ٦٥.

(٩) تقدم في ص ٣٠١.

(١٠) في النسخ : الصحّة ، والأنسب ما أثبتناه.

(١١) مدارك الأحكام ٤ : ١٣٦.

٣٠٢

تأمّل ، وقد سبقه بعض محققي المتأخّرين رحمه‌الله إلى ذلك في شرح الإرشاد ، لكن لم يسندها إلى الشيخ (١). وفي الكافي لم أقف عليها ، وفي المختلف وصفها بالصحّة (٢) ، فالظاهر أنّ الأصل ما ذكره العلاّمة.

فإنْ قلت : يجوز أنْ يكون إسناد هذا الكتاب غير ما في التهذيب ، وهو صحيح على ما تقدّم.

قلت : مع وجود التصريح في التهذيب لا يتمّ الحكم بالصحّة إلاّ بتكلفٍ غير خفي.

والثالث : فيه محمّد بن سنان وقد تكرّر من حاله ما يغني عن البيان (٣) ، مضافاً إلى عدم الطريق إليه.

والرابع : فيه الإرسال.

والخامس : واضح ، ومحمّد هو ابن مسلم ، صرّح به في التهذيب (٤).

والسادس : فيه عدم الطريق إلى عمّار هنا ، إلاّ أنّه في التهذيب مسند ، وفيه : علي بن خالد (٥) ، ولم يعلم من حاله في الرجال ما يقتضي إدخال السند في الموثّق ؛ لأنّ بقية الرجال متّصفون بصفته لولاه.

المتن :

في الأوّل : ظاهر الدلالة على عدم قضائه عليه‌السلام ، أمّا كيفية الانكساف‌

__________________

(١) الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٤٢٠.

(٢) المختلف ٢ : ٢٩٦.

(٣) راجع ج ١ ص ١١٧ ، ج ٢ ص ٣٣٤ ، ج ٥ ص ٥١.

(٤) التهذيب ٣ : ١٥٧ / ٣٣٩.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٩١ / ٨٧٦.

٣٠٣

فغير معلومة.

والثاني : ربما يدّعى ظهوره على تقدير العمل به في أنّ فوات صلاة الكسوف لا يقتضي القضاء ، سواء استوعب الاحتراق أم لا ، أمّا تناوله للعالم وغيره فقد يتوقف فيه من حيث إنّ الجواب تضمّن الصلاة إذا فاتت ، وربما كان فيه دلالة على عدم العلم ؛ إذ معه يصير الفوات من الإنسان لا منها ، إلاّ أنْ يقال بصدق الفوات على التقديرين ، ويؤيده أنّ السؤال عمّن ترك. وقد يشكل هذا بجواز أنْ يكون الإمام عليه‌السلام أراد بيان أنّ الترك موجب للقضاء دون الفوات.

والحقّ أنّ في المقام كلاماً ، لكن الاستدلال بالخبر من شيخنا قدس‌سره ( وقبله جماعة على ما حكاه في المختلف (١) على عدم وجوب القضاء على الناسي ما لم يستوعب الاحتراق ؛ محلّ تأمّل ، وقد زاد في توجيه الاستدلال به شيخنا قدس‌سره ) (٢) بأنّ الرواية دلّت على سقوط القضاء مع الفوات مطلقاً ، خرج من ذلك ما إذا استوعب الاحتراق ، فإنّه يجب القضاء بالنصوص الصحيحة فيبقى الباقي (٣).

ولا يخفى على من راجع كلامه أنّ النصوص الصحيحة لم يتقدّم منها إلاّ خبر زرارة ومحمّد بن مسلم الآتي فيه الكلام ، وخبر آخر من الفقيه لم يوصف بالصحّة ، لكن كرّرنا القول في مثله ، ولا أعلم من شيخنا قدس‌سره الجزم بالصحّة في هذا ، والخبر عن محمّد بن مسلم والفضيل بن يسار أنّهما قالا : قلنا لأبي جعفر عليه‌السلام : أتقضى صلاة الكسوف ، ومن أصبح فعلم‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ٢٩٢.

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٣) المدارك ٤ : ١٣٦.

٣٠٤

ومن أمسى فعلم؟ قال : « إنْ كان القرصان احترقا كلّهما قضيت ، وإنْ كان إنّما احترق بعضهما فليس عليك قضاؤه » (١) ودلالة الخبرين على الناسي غير واضحة كما سنقرره (٢).

وإذا عرفت هذا مجملاً فالثالث لو صحّ يدلّ على عدم القضاء مطلقاً ، نظراً إلى عدم الاستفصال. وقوله : وقد كان في أيدينا. على الظاهر من كلام الراوي عن الإمام عليه‌السلام أو غيره ، والمراد به أنّه كان في الظنّ القضاء لولا الجواب بعدمه.

والرابع : يدلّ على أنّ من علم عليه القضاء مع الغسل سواء احترق القرص كلّه أو بعضه ، والشيخ كما ترى استدلّ به على احتراق الجميع ، والوجه في ذلك حينئذٍ أنّ بعض الأخبار المعتبرة دلّ على الغسل مع احتراق القرص كلّه ، وهو ما رواه في أوّل التهذيب عن الشيخ ، عن أحمد ابن محمّد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « الغسل في سبعة عشر موطناً » وساق الحديث إلى أنْ قال : « وغسل الكسوف إذا احترق القرص كلّه فاغتسل » (٣).

وظاهر الأمر الوجوب مع احتراقه كلّه ، إلاّ أنّ الخبر اشتمل على مستحبات وواجبات ، فالاستدلال به على الوجوب محلّ كلام.

ولو أمكن توجيه الوجوب بأنّ الأمر بالغسل لم يقع في الخبر إلاّ‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٤٦ / ١٥٣٢ ، الوسائل ٧ : ٤٩٩ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٠ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) انظر ص ٣٠٦ ، ٣٠٥.

(٣) التهذيب ١ : ١١٤ / ٣٠٢ ، الوسائل ٣ : ٣٠٧ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ١١.

٣٠٥

بغسل الكسوف فهو قرينة الوجوب لظاهر الأمر ، توجّه على الشيخ أنّه قال في أوّل التهذيب أيضاً عند قول المفيد : وغسل قاضي صلاة الكسوف لتركه إيّاها متعمداً سنّة ـ : يدلّ على ذلك ما أخبرني به الشيخ ؛ وذكر رواية حريز المبحوث عنها هنا (١) ، وظاهر كلام المفيد العموم والرواية كذلك.

وبالجملة : فاستدلال الشيخ على مطلوبه بالرواية محلّ بحث.

ثم إنّ قوله في الرواية : « فإنْ لم يستيقظ ولم يعلم » إلى آخره. وإنْ احتمل مفهومه أمرين إلاّ أنّ أحدهما ظاهر الانتفاء ، وعلى كلّ حال يدلّ على القضاء بغير غسل مع عدم العلم ، سواء استوعب أم لا.

والخامس : واضح الدلالة على أنّ احتراق جميع القرص يوجب القضاء مع العلم فيما بعد ، وعدمه حال الاحتراق. وربما دلّ على عدم القضاء على الناسي ؛ لإفادته عدم العلم ثم العلم.

وربما يدلّ أيضاً على عدم وجوب الغسل مع الاحتراق ، فيؤيد كون الأمر في السابق للاستحباب ، إلاّ أنْ يقال : إنّ المقصود هنا بيان القضاء ، أو يقال : إنّ ذلك الخبر يحمل على العلم ، وتوضيح الحال في الغسل ذكرناه في محلّ آخر (٢).

ثمّ إنّ حكم الناسي في القضاء مع الاستيعاب قد يستفاد من الخبر بمفهوم الموافقة ، وفيه نوع تأمّل يظهر ممّا قدمناه في مطلق مفهوم الموافقة.

وما تضمّنه الخبر المبحوث عنه من قوله : « وإنْ لم تحترق كلّها » محتمل لأنْ يعود لأوّل الكلام ، والمعنى أنّك إذا لم تعلم وعلمت وكان‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١١٧ / ٣٠٩ ، الوسائل ٧ : ٥٠٠ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٠ ح ٥.

(٢) في ص : ٤٣٩.

٣٠٦

احترق بعض القرص فلا قضاء ؛ ويحتمل أنْ يكون مستأنفاً ، والمعنى أنّ مع احتراق بعضه لا قضاء مطلقاً ، علمت أو لم تعلم ، فالاستدلال به على أنّ من علم عليه القضاء مطلقاً محلّ تأمّل يُعرف ممّا قررناه.

أمّا الاستدلال على وجوب قضاء الناسي والعالم المفرّط بصحيح زرارة السابق في المواقيت منّا ، حيث قال فيه : « أربع صلوات يصلّيها الرجل في كل ساعة : صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أدّيتها » (١) وصحيح آخر لزرارة تقدّم في الكتاب وذكرنا وجه صحّته عند بعض فيمن نسي صلاة أو نام عنها يقضيها إذا ذكرها (٢) ؛ فقد أُورد عليه بأنّه لا عموم في الخبرين ، وفيه نوع تأمّل ؛ لأنّ مثل هذه الألفاظ لا تقصر عن العموم ، لا من حيث الصيغة بل من حيث منافاة الحكم لو أُريد غير العموم في الأوّل ، وترك الاستفصال في الثاني ، إلاّ أنْ يدّعى تبادر اليومية (٣) ، أو يقال : إنّ الأوّل تضمّن الفوات ، وقد قدّمنا احتمال عدم تناوله للعامد والناسي ، فليتأمّل.

( والاستدلال على [ الناسي (٤) ] والعالم المفرط ) (٥) بخبري حريز وعمّار قد عرفت حاله (٦).

ومن هنا يعلم أنّ ما نقله شيخنا قدس‌سره عن الشيخ من عدم القضاء على الناسي ما لم يستوعب الاحتراق وأنّ فيه قوة ؛ ونقله عن السيّد المرتضى رضي‌الله‌عنه القول بعدم وجوب القضاء مطلقاً إلاّ مع الاستيعاب وأنّ فيه رجحاناً ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٧٨ / ١٢٦٥ ، الوسائل ٨ : ٢٥٦ أبواب قضاء الصلاة ب ٢ ح ١.

(٢) راجع ج ٤ ص ٤٥٣.

(٣) في « فض » زيادة : على النّاسي والعالم المفرط والاستدلال.

(٤) في « رض » و « م » : الثاني ، والصحيح ما أثبتناه.

(٥) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٦) راجع ص ٣٠٥.

٣٠٧

واستدلاله بالأصل ، وخبر علي بن جعفر (١) ؛ محلّ كلام يعلم تفصيله من الإجمال ، والله تعالى أعلم بالحال.

وللعلاّمة رحمه‌الله في المختلف كلام في المسألة يعرف غرابته من راجعه (٢).

وينبغي أنْ يعلم أنّ الأخبار بعضها مختصّ بالشمس وبعضها بالقمر (٣) ، إلاّ أنّ خبر الصدوق شامل لهما (٤) ، والظاهر عدم القائل بالفرق في المقام ، فيسهل الخطب.

بقي شي‌ء ، وهو أنّ قوله عليه‌السلام في خبر عمّار : « وإنْ أعلمك أحد » إلى آخره. قد يظنّ منه أنّ إخبار الواحد يفيد العلم الموجب للقضاء وإنْ لم يكن عدلاً.

ويمكن الجواب عنه : بأنّ المراد حصول العلم من إخباره ولو بقرائن ، أو حصول العلم الشرعي بقوله لو كان عدلاً ، لا من حيث الشهادة بل من حيث الإخبار ، والأمر سهل بعد معرفة الرواية.

اللغة‌ :

قال في القاموس : كسف الشمس والقمر كسوفاً احتجبا كانكسفا ، والله إيّاهما حجبهما ، والأحسن في القمر خَسَفَ ، وفي الشمس كَسَفتْ (٥).

__________________

(١) المدارك ٤ : ١٣٦.

(٢) المختلف ٢ : ٢٩٣.

(٣) انظر الوسائل ٧ : ٤٩٩ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٠.

(٤) الفقيه ١ : ٣٤٦ / ١٥٣٢ ، الوسائل ٧ : ٤٩٩ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٠ ح ١.

(٥) القاموس المحيط ٣ : ١٩٦.

٣٠٨

وفي الصحاح جعل انكسفت الشمس من كلام العامّة (١) ، وفيه : أنّ الأخبار موجودة فيها بكثرة خلاف ما قاله. وفي القاموس : الكَسَل : التثاقل عن الشي‌ء والفتور فيه كسِلَ كفَرِحَ [ فهو (٢) ] كسِلٌ وكسلان (٣).

قوله :

باب الصلاة في السفينة

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمّد ، ( عن محمّد ) (٤) بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام وقد سُئل عن الصلاة في السفينة يقول : « إنْ استطعتم أنْ تخرجوا إلى الجُدد فاخرجوا ، فإنْ لم تقدروا فصلّوا قياماً ، فإنْ لم تستطيعوا فصلّوا قعوداً وتحرّوا القبلة ».

الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد الجوهري ، عن ابن أبي حمزة ، عن علي بن إبراهيم قال : سألته عن الصلاة في السفينة؟ فقال : « يصلّي وهو جالس إذا لم يمكنه القيام في السفينة ، ولا يصلّي في السفينة وهو يقدر على الشط » وقال : « يصلّي في السفينة ويحوّل وجهه إلى القبلة ، ثم يصلّي كيف ما دارت ».

محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن يزيد بن إسحاق ، عن هارون بن حمزة الغنوي ، عن‌

__________________

(١) الصحاح ٤ : ١٤٢١.

(٢) ليست في النسخ ، أضفناها من المصدر.

(٣) القاموس المحيط ٤ : ٤٥.

(٤) ما بين القوسين ليس في « م ».

٣٠٩

أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصلاة في السفينة؟ فقال : « إذا كانت محملة ثقيلة إذا قمت (١) فيها فلم تتحرك فصلّ قائماً ، وإنْ كانت خفيفة تُكفأ فصلّ قاعداً ».

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أخيه الحسين ، عن أبيه علي بن يقطين ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن السفينة لم يقدر صاحبها على القيام أيصلّي فيها وهو جالس يومئ أو يسجد؟ قال : « يقوم وإنْ حنا ظهره ».

فهذه الرواية محمولة على من يتمكن من أنْ يصلّي منحني الظهر وإنْ لم يقدر على القيام تامّاً ، وذلك جائز على الترتيب الذي فصّل فيما تقدم من الأخبار ، ويؤكد ذلك أيضاً :

ما رواه أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي عمير ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الصلاة في السفينة إيماء ».

السند :‌

في الأوّل : حسن.

والثاني : فيه القاسم بن محمّد الجوهري ، وقد مضى أنّه واقفي (٢). وابن أبي حمزة هو علي البطائني المكرّر القول فيه بالضعف (٣).

وأمّا علي بن إبراهيم ( فهو في النسخ التي وقفت عليها ، وكذلك في‌

__________________

(١) في النسخ : أقمت ، وما أثبتناه موافق للإستبصار ١ : ٤٥٥ / ١٧٦٣ ، الكافي ٣ : ٤٤٢ / ٤ ، والفقيه ١ : ٢٩٢ / ١٣٢٩.

(٢) راجع ج ١ : ١٨٢ ، ٢٨٦ وج ٢ : ١٣٠ ، ٢٢٠ وج ٣ : ١١٥.

(٣) راجع ج ١ : ١٨٣ ، ٢٦٥ وج ٢ : ١٣٠.

٣١٠

التهذيب (١) ، واحتماله لعلي بن إبراهيم ) (٢) بن هاشم منتف.

نعم في الرجال : علي بن إبراهيم الهمداني من أصحاب الهادي عليه‌السلام من كتاب الشيخ (٣) ، ولا وجه لرواية علي بن أبي حمزة عنه ؛ لأنّه من أصحاب أبي الحسن موسى عليه‌السلام والصادق عليه‌السلام.

وفي الرجال أيضاً : علي بن إبراهيم الجوّاني من أصحاب الرضا عليه‌السلام فيما يظهر من الخلاصة ، إلاّ أنّه لا يعيّن اختصاصه به (٤) عليه‌السلام ، حيث قال : إنّه خرج مع أبي الحسن عليه‌السلام إلى خراسان (٥) ؛ ويجوز تقدّمه عليه مع إدراكه له عليه‌السلام ، إلاّ أنّ الظاهر انتفاؤه في المقام.

وفي الرجال من أصحاب الهادي عليه‌السلام علي بن إبراهيم غير الأوّل في كتاب الشيخ (٦) ، وقد سمعت ما يدفع احتماله.

وفي الرجال : علي بن إبراهيم بن يعلى (٧) ، وهو غير معلوم المرتبة لكنّه مجهول الحال.

وفيهم أيضاً : علي بن إبراهيم الخيّاط ، وهو متأخّر ؛ لرواية حميد عنه (٨).

وبالجملة : فالأمر ملتبس ، إلاّ أنّ الضرورة إلى الحقيقة غير داعية ؛

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٧٠.

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٣) رجال الطوسي : ٤١٨ / ١٩.

(٤) ليست في « م ».

(٥) خلاصة العلاّمة : ٩٧ / ٣١.

(٦) رجال الطوسي : ٤٢٠ / ٣٣.

(٧) الفهرست : ٩٧ / ٤١٣.

(٨) رجال الطوسي : ٤٨٠ / ٢١.

٣١١

وغير بعيد أنّ في البين سهواً ، والأصل : عن ابن أبي حمزة ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ، ( والله أعلم ) (١).

والثالث : تكرّر القول فيه عن قريب وبعيد بالنسبة إلى يزيد بن إسحاق (٢) ، أمّا غيره فلا ارتياب فيه. ومحمّد بن الحسين هو ابن أبي الخطّاب.

والرابع : واضح الصحّة.

والخامس : فيه الإرسال ، وقد قدّمنا القول في مراسيل ابن أبي عمير غير مرّة (٣). وتخيّل أنّ مثل هذا الإرسال لا يضرّ بالحال على تقدير التوقف في مراسيل بن أبي عمير ، نظراً إلى قوله : عن غير واحدٍ. يدفعه أنّ غير الواحد مع عدم التوثيق والمدح لا يفيد حكماً.

المتن :

في الأوّل : ظاهر الدلالة على أنّ استطاعة الخروج إلى الجُدد توجبه ، وبدونها فالصلاة على حسب الإمكان من القعود والقيام.

وقوله عليه‌السلام : « وتحرّوا القبلة » لا يخلو من إجمال ؛ إذ يحتمل أنْ يراد فعل الصلاة إلى القبلة بكلّ ما أمكن مع الصلاة في السفينة قياماً وقعوداً ، بحيث لو دارت السفينة عن جهة القبلة وجب الانحراف إليها.

ويحتمل أنْ يراد بتحرّي القبلة أوّل الصلاة ؛ لما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسين ، عن فضالة ، عن معاوية بن عمّار قال : سألت‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليست في « م ».

(٢) راجع ج ١ ص ١٨٢ ، ج ٢ ص ٢٣٧ ، وص ٢٥٧ ، ٢٧٧ من هذا الجزء.

(٣) راجع ج ١ ص ٩٩ ، ج ٢ ص ٢٥٧ ، ج ٣ ص ٤٠٤.

٣١٢

أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في السفينة؟ فقال : « تستقبل القبلة بوجهك ثم تصلّي كيف دارت ، تصلّي قائماً ، فإنْ لم تستطع فجالساً » الحديث (١).

ولا يبعد إرادة المعنى الأوّل من الخبر المبحوث عنه ، وحمل خبر معاوية على وجهٍ لا ينافيه ، بأنْ يراد بالوجه مقاديم البدن كما هو المعروف ، بل وربما دلّت عليه الآية (٢) ، ويراد بقوله : « كيف دارت » الصلاة إلى القبلة كيف دارت بالانحراف.

ويؤيده أنّ الشيخ روى في التهذيب أيضاً عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : إنّه سُئل عن الصلاة في السفينة؟ فقال : « يستقبل القبلة ، فإذا دارت فاستطاع أنْ يتوجه إلى القبلة فليفعل ، وإلاّ فليصلّ حيث توجّهت به » (٣).

وروى أيضاً في الموثق عن يونس بن يعقوب قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة المكتوبة في السفينة وهي تأخذ شرقاً وغرباً؟ فقال : « استقبل القبلة ثم كبّر ثم اتبع السفينة ودُر معها حيث دارت بك » (٤).

وروى الصدوق بطريقه الصحيح عن عبيد الله الحلبي أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في السفينة؟ فقال : « يستقبل القبلة ويصفّ رجليه ، فإذا دارت واستطاع أنْ يتوجه إلى القبلة ، وإلاّ فليصلّ حيث توجهت به » الحديث (٥). ودلالته على ما ذكرناه ظاهرة.

ثم إنّ ما تضمّنه الخبر المبحوث عنه من اعتبار استطاعة الخروج‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩٥ / ٨٩٥ ، الوسائل ٥ : ٥٠٦ أبواب القيام ب ١٤ ح ٨.

(٢) البقرة : ١٤٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩٧ / ٩٠٣ ، الوسائل ٤ : ٣٢٢ أبواب القبلة ب ١٣ ح ١٣.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٩٧ / ٩٠٤ ، الوسائل ٤ : ٣٢١ أبواب القبلة ب ١٣ ح ٦.

(٥) الفقيه ١ : ٢٩١ / ١٣٢٢ ، الوسائل ٤ : ٣٢٠ أبواب القبلة ب ١٣ ح ١.

٣١٣

وعدمها يعطي أنّ الصلاة في السفينة مشروطة بالاضطرار ، وينقل عن بعض جواز الصلاة اختياراً (١) ؛ وبعضهم لم يذكر الاختيار ؛ واستدلّ بعض المتأخّرين على الجواز مع الاختيار بما رواه الصدوق بطريقه الصحيح عن جميل بن درّاج (٢) ، حيث قال فيه : تكون السفينة قريبة من الجُدّة فأخرج وأُصلّي ، قال : « صلّ فيها أما ترضى بصلاة نوحٍ عليه‌السلام؟ » (٣).

وفي الذكرى : إنّ الأقرب المنع إلاّ لضرورة ، لأنّ القرار ركن في القيام ، وحركة السفينة تمنع من ذلك ، وقد أُجيب عن هذا بأنّ الحركة بالنسبة إلى المصلّي عرضية وهو ساكن (٤) ؛ وله وجه.

وفي الحبل المتين : إنّ الأصحّ جواز الفريضة اختياراً بشرط الأمن من الانحراف عن القبلة وعدم الحركة المخلّة بالطمأنينة ، وعليه يحمل الحديث الثاني يعني به خبر الحلبي وهو مختار المحقق الشيخ علي ، وأمّا أصل الحركة الحاصلة من سير السفينة فهي غير مخلّة بالطمأنينة ، وإنّما المخلّ بها الحركات الحاصلة عند تلاطم الأمواج والرياح (٥).

انتهى المراد منه ، وقد ذكرناه مفصّلاً في معاهد التنبيه على كتاب من لا يحضره الفقيه ، والحاصل أنّ دلالة معتبر الأخبار على شرطية الاستقبال المقرّر في غير صلاة السفينة محلّ تأمّل.

__________________

(١) كابن بابويه وابن حمزة والعلاّمة ، حكاه عنهم في الذكرى ٣ : ١٩٠ ، وهو في المقنع : ٣٧ ، الهداية : ٣٥ ، الوسيلة : ١١٥ ، نهاية الإحكام ١ : ٤٠٦ ، التذكرة ٣ : ٣٤.

(٢) انظر المدارك ٣ : ١٤٤.

(٣) الفقيه ١ : ٢٩١ / ١٣٢٣ ، الوسائل ٤ : ٣٢٠ أبواب القبلة ب ١٣ ح ٣ ، وفيهما : الجُدّ ، وهما بمعنى واحد.

(٤) الذكرى ٣ : ١٩١.

(٥) الحبل المتين : ١٦٦.

٣١٤

أمّا جواز الصلاة اختياراً فدلالة خبر جميل عليه لا يخلو من إجمال ؛ لأنّ المعلوم من صلاة نوح أنّها مع الاضطرار ، والجواب يفيد نفي ذلك ، وحينئذٍ لا بُدّ من توجيه الجواب على وجهٍ يطابق السؤال.

وربما يقال : إنّ الغرض من ذكر صلاة نوح أنّ اعتبار الاستقرار لو شرط لأمكن أنْ يطلب نوح عليه‌السلام استقرار الأمواج ولم يطلب ، بل صلّى فيها مع عدم الاستقرار فيجوز لغيره.

وفيه : أنّ ظاهر السؤال عن السفينة مع إمكان الخروج ، والاستقرار مع عدم إمكان الخروج أمر آخر ، وطلب الاستقرار غير معلوم كعدمه. ولا يبعد أنْ يكون السؤال عن السفينة حال استقرارها أيرجّح الصلاة فيها على الخروج أم لا؟ وحينئذٍ الجواب يطابق هذا ، من حيث إنّ نوحاً أوقع الصلاة في السفينة ، فالتأسّي به مطلوب ، وعلى هذا لا يدلّ الخبر إلاّ على فعل الصلاة في السفينة من حيث هي. والحقّ أنّ في البين كلاماً.

وأمّا اشتراط عدم الحركة من الأمواج ففي الأخبار ما ينافي هذا ، وقد تقدم في باب صلاة الجماعة في السفينة بعضها (١).

وقد روى الشيخ في التهذيب عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير عن ، أبي أيّوب قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّا ابتلينا وكنّا في السفينة فأمسينا ولم نقدر على مكانٍ نخرج فيه ، فقال أصحاب السفينة : ليس نصلّي يومنا (٢) ما دمنا نطمع في الخروج ، فقال : « إنّ أبي كان يقول : تلك صلاة نوح عليه‌السلام ، أما ترضى أنْ تصلّي صلاة نوحٍ عليه‌السلام؟ » فقلت : بلى جعلت فداك ، قال : « فلا يضيقنّ صدرك ، فإنّ نوحاً قد صلّى في السفينة » ‌

__________________

(١) في ص ٢٣٤.

(٢) ليست في « رض » و « م ».

٣١٥

قال : قلت : قائماً أو قاعداً؟ قال : « بلى قائماً » قال : قلت : فإنّي ربما استقبلت القبلة فدارت السفينة؟ قال : « تحرّ القبلة جهدك » (١).

وهذا الخبر كما ترى يدلّ بظاهره (٢) على أنّ صلاة نوحٍ كانت حال الاضطرار ، بقرينة السؤال ، وإنْ احتمل عموم الجواب ، لكنّه بعيد.

وفيه دلالة على أنّ القبلة تعتبر في حال الضرورة بما أمكن ، فيمكن أنْ يقال : إنّ حالة الاختيار يعتبر فيها عدم الانحراف عن القبلة ، فيقيّد به خبر جميل وغيره ، كالخبر المبحوث عنه ، إلاّ أنّ الحق احتمال (٣) عدم ثبوت ضرر الانحراف في السفينة. وأخبار القبلة في غير صلاة السفينة (٤) لا تدفع هذه الأخبار ، والإجماع منتفٍ في موضع النزاع ، فليتأمّل.

وأمّا الثاني : فظاهر التأييد للأوّل في أنّه لا يصلّي في السفينة مع القدرة على الشط ، وربما دلّ مع الأوّل أنّ مع القدرة لا يصلّي في السفينة وإنْ كانت غير سائرة وأمن من تحرّكها ، إلاّ أنّ الظاهر من الروايتين حالة سير السفينة ، كما يعلم من ملاحظة الروايتين.

والثالث : لا يخلو من إجمال ؛ لاحتماله الصلاة في السفينة حال سيرها ، كاحتمال حال العدم ، وربما كان في ذكر الثقل والخفّة تأييد للثاني ، لكن توجيه الأوّل أيضاً ممكن.

أمّا الرابع : فربما دلّ على عدم اشتراط القدرة على الخروج (٥) ، نظراً إلى عدم الاستفصال في جواب السؤال ، إلاّ أنّه يمكن أنْ يقال : إنّ مثل علي‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٧٠ / ٣٧٦ ، الوسائل ٥ : ٥٠٦ أبواب القيام ب ١٤ ح ٩.

(٢) ليست في « رض ».

(٣) ليست في « م ».

(٤) انظر الوسائل ٤ : أبواب القبلة ب ١ ، ب ٩ ، ب ١٠ وب ١١.

(٥) في « رض » و « م » زيادة : وعدمها.

٣١٦

ابن يقطين ربما كان عالماً بأحكام الصلاة في السفينة من جهة الاشتراط ، وإنّما سؤاله عن الصلاة في حال الجلوس بالإيماء أو السجود ، وحينئذٍ فالعموم في الجواب غير حاصل كما لا يخفى.

وقول الشيخ : على الترتيب الذي فُصّل ؛ يحتمل أنْ يريد به الاستطاعة للخروج وعدمها ؛ ويحتمل أنْ يريد به الصلاة من قيام مع القدرة ، ومن جلوسٍ حال عدمها ، ويريد بما قاله حينئذٍ أنّ ما دلّ على القيام يراد به التامّ أو ما قاربه ؛ وفيه : أنّ دلالة الأخبار على مثل الانحناء محلّ تأمّل.

وما قاله قدس‌سره من تأكيد الخامس غير واضح ، إلاّ بتقدير أنْ يكون المراد من الإيماء في الرواية عدم فعل الصلاة تامّةً ، بل يأتي المكلّف بها مهما استطاع ، وحينئذٍ يدلّ على جواز الانحناء ، وفيه ما فيه.

ويحتمل أنْ يراد بالتأكيد الدلالة على ترتيب الصلاة في السفينة وأنّها ليست على حدّ غيرها ، فإذا أفاد الخبر الإيماء وغيره القيام والقعود أفاد مجموع الأخبار أنّ الصلاة على حسب الإمكان.

اللغة‌ :

قال في القاموس : الجدّ شاطئ النهر ، الجمع جُدُد كسُرُر ، وقال : الجَدَد محرّكة : ما استرقّ من الرمل (١). وقال : أكفأ : مال وقلب (٢). وعلى هذا فقوله عليه‌السلام : « إنْ كانت خفيفة تُكفأ » بالهمزة وضمّ حرف المضارعة ، أي تميل ، وكتابتها بالألف هي الموجودة فيما رأيت.

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ٢٩١.

(٢) القاموس المحيط ١ : ٢٧.

٣١٧

قوله :

باب صلاة الخوف

محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صلاة الخوف ، قال : « يقوم الإمام وتجي‌ء طائفة من أصحابه فيقومون ( خلفه ، وطائفة بإزاء العدوّ ، فيصلّي بهم الإمام ركعة ، ثم يقوم فيقومون ) (١) معه فيمثل قائماً ويصلّون هم الركعة الثانية ، ثم يسلّم بعضهم على بعض ، ثم ينصرفون فيقومون (٢) في مقام أصحابهم ويجي‌ء الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلّي بهم الركعة الثانية ، ثم يجلس الإمام ثم يقومون هم فيصلّون ركعة أخرى ثم يسلّم عليهم فينصرفون بتسليمة » قال : « وفي المغرب مثل ذلك يقوم الإمام وتجي‌ء طائفة فيقومون خلفه ، ثم يصلّي بهم ركعة ، ثم يقوم ويقومون ، فيمثل الإمام قائماً ويصلّون الركعتين ويتشهدون ويسلّم بعضهم على بعض ، ثم ينصرفون فيقومون في موقف أصحابهم ويجي‌ء الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلّي بهم ركعة يقرأ فيها ، ثم يجلس فيتشهد ، ثم يقوم ويقومون معه فيصلّي بهم ركعة أُخرى ، ثم يجلس ويقومون فيتمّون ركعة أُخرى ، ثم يسلّم عليهم ».

فأمّا ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة (٣) ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه‌

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « رض » و « م ».

(٢) في « رض » و « فض » : فيقفون.

(٣) في الاستبصار ١ : ٤٥٦ / ١٧٦٧ : عن عمر بن أُذينة.

٣١٨

قال : « إذا كان صلاة المغرب في الخوف فرّقهم فرقتين ، فيصلّي بفرقة ركعتين ، ثم يجلس بهم ، ثم أشار إليهم بيده فقام كلّ إنسان منهم فيصلّي ركعة ، ثم سلّموا وقاموا مقام أصحابهم ، وجاءت الطائفة الأُخرى فكبّروا ودخلوا في الصلاة وقام الإمام فصلّى بهم ركعة ، ثم سلّم ، ثم قام كلّ رجل منهم فصلّى ركعة فشفعها بالتي صلّى مع الإمام ، ثم قام فصلّى ركعة ليس فيها قراءة ، فتمّت للإمام ثلاث ركعات وللأوّلين ركعتان في جماعة وللآخرين واحدة (١) ، فصار للأوّلين التكبير وافتتاح الصلاة ، وللآخرين التسليم ».

وروى هذا الحديث الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أُذينة ، عن زرارة وفضيل ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام.

والوجه في هذه الرواية ومطابقتها للرواية الأُخرى أنْ نحملها على التخيير ، وأنّ الإنسان مخيّر في العمل بكلّ واحدٍ منهما ، وإنْ كان العمل على الرواية الأُولى أظهر ، وقد روى زرارة راوي هذا الحديث مثل الخبر الأوّل.

روى سعد ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « صلاة الخوف المغرب يصلّي بالأوّلين ركعة ويقضون ركعتين ، ويصلّي بالآخرين ركعتين ويقضون ركعة ».

السند :‌

في الأوّل : حسن.

والثاني : صحيح ، وابن أُذينة هو عمر بن أُذينة على ما قدّمنا القول‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤٥٦ / ١٧٦٧ : وحدانا.

٣١٩

فيه مفصّلاً (١).

والثالث : كذلك ، ويتّضح منه أنّ ابن أُذينة : عُمَر ، إنْ اعتري نوع شك من الرجال ، وإنْ كان في الظنّ نفي الاحتمال.

والرابع : موثق أو صحيح على ما قدّمناه في أبان من أنّ العامل بالموثق يلزمه [ عدّ (٢) ] خبره من الموثق ، ومن لا يعمل به فهو صحيح ، والإجماع على تصحيح ما يصحّ عن أبان لا يفيد الصحّة بالنسبة إلى المتأخّرين (٣).

المتن :

في الأوّل : ظاهر الدلالة ، غير أنّ بعض الأصحاب ذكر أنّ الفرقة الأُولى تنوي الانفراد وجوباً (٤) ، وظاهر الرواية محتمل لأنْ تكون الجماعة الأُولى إنّما صلّت واحدة بنيّة [ الجماعة ] (٥) فلا حاجة إلى نيّة الانفراد ؛ ويحتمل نيّة الجماعة (٦) المطلقة فيتّجه احتمال نيّة الانفراد ؛ وقد يُحتمل عدم نيّة الانفراد ، لأنّ الجماعة المطلقة تحققت ( فلا حاجة إلى النيّة ، نعم لو قُصدت الجماعة في مجموع الصلاة احتمل لزوم نيّة الانفراد ) (٧). ويشكل بعدم معلومية صحّة الصلاة حينئذٍ ؛ إذ القصد فعل الركعة فقط ، ولا بُعد في‌

__________________

(١) راجع ج ١ : ٢٨٩ وج ٢ : ١٦١ وج ٣ : ٣٩.

(٢) ليست في « رض » و « م » ، وفي « فض » : عند ، والصحيح ما أثبتناه.

(٣) راجع ج ١ : ١٨٣ وج ٢ : ١٧٧ وج ٣ : ٢٠٢.

(٤) انظر الشرائع ١ : ١٣٠.

(٥) في النسخ : الوحدة ، والظاهر ما أثبتناه.

(٦) في « م » : الانفراد.

(٧) ما بين القوسين ليس في « م ».

٣٢٠