إستقصاء الإعتبار - ج ٧

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-179-6
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٤٨٦

آخر ، لكن هذا الشرط وهو حضور الإمام ، أو نائبه مقطوع به في كلام الأصحاب ، وظاهرهم أنّه موضع وفاق ، واستدلّ عليه في المنتهى بهذه الروايات ؛ وقد عرفت أنّها قاصرة الدلالة على المطلوب ، مع أنّ اللازم من ذلك اعتبار حضوره عليه‌السلام ، وهم لا يقولون به ، وبالجملة : فوجوب هذه الصلاة ثابت بالأخبار ، كصحيحة جميل وغيرها ، وكونه مقيّداً بحضور الإمام أو نائبه يتوقف على دليلٍ ( صالحٍ للتقييد ، وهو منتفٍ ، إلاّ أنّ الأصحاب قاطعون بذلك واتّباعهم من غير دليل ) (١) مشكل ، إلاّ أنْ يكون الحكم إجماعياً بحيث يعلم دخول قول المعصوم عليه‌السلام في أقوال المجمعين ، وذلك ممّا يقطع هنا بعدمه ، انتهى كلامه قدس‌سره.

ولقائلٍ أنْ يقول : إنّ ما ذكره من إطلاق بعض الأخبار مسلّم ، وهو خبر جميل الصحيح السابق في أوّل الباب (٢). أمّا ما دلّ على الإمام ففيه ما قدّمناه (٣).

وقوله قدس‌سره : إنّ الإجماع لا بدّ فيه من العلم بقول المعصوم ، إنْ أراد به ما يعمّ الإجماع المنقول بخبر الواحد ففيه نظر واضح ؛ لأنّ الإجماع المنقول عنده حجّة ، غاية الأمر أنّه من قبيل الخبر ، أو دليل الخبر دليله ، وقد قدّمنا أنّه لا يبعد أنْ يكون الإجماع من مثل العلاّمة والمحقق من قبيل الخبر المرسل ، إذ من المعلوم تعذّر اطلاعهما على الإجماع. نعم ربما يقبل خبرهما ، لحصول العلم الشرعي عندهما من المدّعى بغير واسطة ، أو بواسطة ، وعدم التصريح بالمنقول عنه لا يضر بالحال ، لعدم الاتفاق على‌

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٢) راجع ص ٢٤٥.

(٣) في ص ٢٤٧.

٢٦١

منعه ، وحينئذٍ يرجع إلى الخبر عمّن يعتقد صحّة قوله ، فعلى تقدير القبول إذا تعارض مع بعض الأخبار المعتبرة الدالّة على أنّ صلاة العيدين فريضة يمكن أنْ يقال بتقديم ما دلّ على الإطلاق ؛ لسلامة سنده ، ويمكن أنْ يقيّد إطلاقه.

وربما يقال : إنّ في خبر جميل ذكر الكسوف مع العيدين قرينة على الإطلاق ، والأخبار المتضمنة للإمام معرّفاً أو منكَّراً لا تخرج عن الإجمال ، أو احتمال مراعاة أهل الخلاف في الجملة ممكن.

وما قاله جدّي قدس‌سره في شرح الإرشاد : من أنّه لا مدخل للفقيه حال الغيبة في ظاهر الأصحاب وإنْ كان [ ما (١) ] في الجمعة من الدليل قد يتمشّى هنا ، إلاّ أنّه يحتاج إلى القائل ، ولعلّ السرّ في عدم وجوبها حال الغيبة مطلقاً بخلاف الجمعة أنّ الوجوب الثابت في الجمعة إنّما هو التخييري ، أمّا العيني فهو منتفٍ بالإجماع ، والتخييري في العيدين غير متصور ؛ إذ ليس معها فرد آخر ، فلو وجبت لوجبت عيناً ، وهو خلاف الإجماع (٢).

محلّ تأمّل ، أمّا أولاً : فما ذكره من تمشّي الدليل إنْ أراد به أنّ الفقيه منصوب من قبل الإمام عليه‌السلام عموماً فكان كالنائب ؛ ففيه : أنّ دليل كونه منصوباً الإجماع ، وهو منتفٍ في موضع النزاع. واحتمال الاستدلال بمقبول عمر بن حنظلة ، فيه ، أنّ مقبوليته غير معلومة على الإطلاق ليستدل به في موضع الخلاف. ولا أدري الآن معنى كونه مقبولاً ، فإنْ أُريد الصحّة أشكل بعدم معلومية الاتفاق ، وإنْ أُريد العمل بمضمونه أشكل بمحلّ الخلاف ، كما نحن فيه وغيره ، ولو تمّ ذلك أمكن المناقشة ( في دلالته ) (٣) ، لتضمّنه‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر لاستقامة المتن.

(٢) روض الجنان : ٢٩٩.

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض ».

٢٦٢

نصّ الصادق عليه‌السلام على نصب من تضمّنه ، فيكون كالوكيل ، فيُعزل بموت الإمام عليه‌السلام ، وحينئذٍ لا يتمّ في زمن الغيبة.

وإنْ نوقش في هذا بأنّ أحكامهم عليهم‌السلام لا تتغير ؛ أمكن الجواب : بأنّ هذا في الأحكام الشرعية لا ريب فيه ، بخلاف المنصوب ، والخلاف فيه مذكور في باب القضاء.

وبالجملة : فقوله قدس‌سره : إنّه يتمشّى ، محل بحث.

وأمّا ثانياً : فلأنّ الوجوب التخييري في الجمعة لا يوافقه كلامه في الرسالة ، إلاّ أنْ يكون رجع عنه.

وأمّا ثالثاً : فلأنّ الإجماع في العيدين لا ينبغي الغفلة عن معارضته بما أشرنا إليه ، فليتأمّل.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الخلاف قد وقع في صلاة العيدين مع عدم حضور الإمام عليه‌السلام ، ففي المختلف نقل عن المفيد أنّه قال : هذه الصلاة فرض على من لزمته الجمعة على شرط حضور الإمام ، سنّة على الانفراد مع عدم حضور الإمام ، ثم قال يعني المفيد ـ : ومن فاتته صلاة العيد جماعةً صلاّها وحده كما يصلّي في الجماعة ندباً مستحباً.

وقال الشيخ في المبسوط : متى تأخّر عن الحضور ( لعارض ، صلاّها في المنزل منفرداً ) (١) سنّةً وفضيلةً ، ثم قال يعني الشيخ ـ : ومن لا تجب عليه صلاة العيد من المسافر والعبد وغيرهما يجوز لهما إقامتها منفردين سنّةً.

وقال المرتضى في المسائل الناصرية : وهما سنّة ، تصلّى على الانفراد عند فقد الإمام واختلال بعض الشرائط.

وقال أبو الصلاح : فإنْ اختلّ شرط من شرائط العيد سقط فرض (٢)

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « رض » : صلاّها منفرداً.

(٢) ليست في النسخ ، أضفناها من المصدر.

٢٦٣

الصلاة ، وقبح الجمع فيها مع الاختلال ، وكان كلّ مكلّفٍ مندوباً إلى هذه الصلاة في منزله ، والإصحار بها أفضل.

قال القطب الراوندي : من أصحابنا من ينكر الجماعة في صلاة العيد سنّة بلا خطبتين.

وقال ابن إدريس : معنى قول أصحابنا : على الانفراد ، ليس المراد بذلك أنْ يصلّي كلّ واحد منهم منفرداً ، بل الجماعة أيضاً عند انفرادها من دون الشرائط مستحبة مسنونة ، قال : ويشتبه على بعض المتفقهة هذا الموضع ، بأنْ يقول على الانفراد أراد مستحبة إذا صلّى كلّ واحد وحده ، لأنّها مع انتفاء الشرائط نافلة ، ولا جماعة في النافلة ؛ وهو قلّة تأمّل ، بل مقصودهم ما ذكرناه من انفرادها عن الشرائط (١).

قال العلاّمة : وتأويل ابن إدريس بعيد ، مع أنّه روى النهي (٢) عمّار بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : هل يؤمّ الرجل بأهله في صلاة العيدين في السطح أو بيت؟ قال : « لا يؤمّ بهن ولا يخرجن (٣) » (٤) ولو كانت الجماعة مستحبة لاستُحبّت هنا ؛ إذ المستحب في حق الرجل مستحب في حق المرأة ، إلاّ ما خرج بالدليل ، إلاّ أنّ قول أصحابنا في زماننا الجمع فيها ، قال القطب الراوندي : جمهور الإمامية يصلّون هاتين الصلاتين‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ٢٧٤ ، وهو في المقنعة : ١٩٤ و ٢٠٠ ، وفي المبسوط ١ : ١٦٩ و ١٧١ ، وفي المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٣٩ ، وفي الكافي في الفقه : ١٥٤ ، وفي السرائر ١ : ٣١٥.

(٢) في « رض » زيادة : عن.

(٣) في « فض » : لا يؤمّ بهم ولا يخرجن ، وفي « رض » : لا يؤم بهم ولا يخرجهن ، وفي « م » : لا يؤمهم ولا يخرجن ، وما أثبتناه موافق للتهذيب والمختلف والوسائل.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٨٩ / ٨٧٢ ، الوسائل ٧ : ٤٧١ أبواب صلاة العيد ب ٢٨ ح ٢.

٢٦٤

جماعةً وعملهم حجّة ، انتهى (١).

وإنّما نقلناه بطوله لأنّ بعض محقّقي المتأخّرين نقل عن ظاهر المنتهى عدم النزاع في الجماعة ، حيث ما نقل إلاّ خلاف بعض العامّة في جوازها فرادى إلى أن قال ـ : إنّ الشهرة وأدلّة الجماعة مطلقاً والترغيب فيها [ خصوصاً في مثل العيد ] مع عدم النصّ والإجماع الواقع على عدم جوازها في النافلة ، وظاهر الأخبار يدلّ عليها ، ويؤيده ظاهر المنتهى من عدم النزاع ، وإن نقل المحقق الثاني يعني الشيخ علي رحمه‌الله في حاشية الشرائع الخلاف في جواز الجماعة (٢). انتهى.

ولا يذهب عليك أنّ ما نقله المحقق الثاني قد حكاه العلاّمة نفسه في المختلف كما سمعت ، لكن قول العلاّمة أخيراً : ( إنّ قول أصحابنا في زماننا ، (٣) يشعر بالإجماع المتأخر ، وفيه : أنّ احتمال إرادة المعروفين من الأصحاب ) (٤) لا جميع العلماء في زمانه ، لتعذّر الاطّلاع ، بل امتناعه ؛ وقول القطب الراوندي كذلك. وإذا لم يتحقق الإجماع فالأخبار قد دلّ معتبرها على صلاة الإنسان وحده ، والحمل على أنّ الوحدة يراد بها الانفراد عن الشرائط كما قاله ابن إدريس من البعد بمكان.

وقد قدّمنا أنّ الصدوق روى خبر عبد الله بن سنان ، عن جعفر بن ( بشير ، عن عبد الله بن سنان ، وطريقه إليه لا ارتياب فيه (٥) ، وهو ظاهر في‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ٢٧٥.

(٢) انظر مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٣٩٧ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) في « رض » زيادة : قد.

(٤) ما بين القوسين ساقط عن « فض ».

(٥) راجع ص ٢٥٥.

٢٦٥

صلاة الإنسان ) (١) وحده إذا لم يشهد جماعة من الناس ، وقد أوضحنا الكلام في هذا في كتاب معاهد التنبيه على نكت من لا يحضره الفقيه.

والحاصل أنّ خبر زرارة الصحيح الدالّ على أنّ من لم يصلّ مع الإمام في جماعة فلا صلاة له ، ربما يقتضي حمل حديث : « من لم يشهد جماعة من الناس » على صلاة الفرض ، وفيه : بتقدير عدم انحصار الإمام في إمام الأصل جواز حمل الأحاديث الدالّة على أنّه لا صلاة إلاّ مع الإمام على الصلاة الكاملة ، سواء كانت فرضاً أو نفلاً ، فالفرض مع اجتماع الشرائط ، والنفل مع عدمها ، ولا يشكل بثبوت الصلاة منفرداً ؛ لإمكان الجواب بأنّ الكمال مع الجماعة أزيد.

نعم ربّما يدّعى أنّ نفي الصلاة المفروضة إلاّ مع الإمام أوضح ، وحينئذٍ تدلّ الأخبار على أن الصلاة المفروضة لا تكون إلاّ مع إمام أو الإمام ، وأمّا النفل فلا ، فينفى الدلالة على جواز الجماعة مع عدم اجتماع الشرائط ، فيتّضح (٢) القول بتعيّن الانفراد.

وقد يحمل خبر : « من لم يصلّ مع الإمام فلا صلاة له » على أنّه مع وجود الإمام وصلاته متمكناً إذا لم يحضرها الإنسان مختاراً فلا صلاة له منفرداً وجماعةً ، إلاّ أنّ القائل بهذا غير معلوم كما سبق (٣).

أمّا ما قاله شيخنا قدس‌سره في المدارك من أنّ المستفاد من النصوص المستفيضة أنّها إنّما تصلّى على الانفراد (٤) ؛ ففيه تأمّل يظهر ممّا قرّرناه ـ

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٢) في « فض » : ويتضح. ، وفي « م » : ويتعيّن.

(٣) في ص ٢٥٨.

(٤) المدارك ٤ : ٩٩.

٢٦٦

غير خفي ، وبُعد وصول الأخبار إلى حدّ الاستفاضة.

وكذلك ما ذكره قدس‌سره من أنّ المستفاد من النصوص المستفيضة أنّها تصلّى على الانفراد مع تعذّر الجماعة ، أو عدم اجتماع العدد (١) ؛ محلّ تأمّل ، والوجه فيه يعلم من الكتاب المشار إليه ، والله تعالى أعلم بالحقائق.

ويبقى الكلام في السابع والثامن ، وكلام الشيخ فيهما واضح.

اللغة‌ :

قال في القاموس : الجبّان والجبّانة مشدّدتين ـ : المقبرة والصحراء والمنبت الكريم و (٢) الأرض المستوية في ارتفاع (٣).

قوله :

باب من يصلّي (٤) وحده كم يصلي؟

الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « صلاة العيد ركعتان بلا أذان ولا إقامة ، (٥) ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء ».

محمّد بن يعقوب ، عن علي ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن معاوية بن عمّار قال : سألته عن صلاة العيدين ، فقال : « ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء ».

__________________

(١) المدارك ٤ : ٩٩.

(٢) في المصدر : أو.

(٣) القاموس المحيط ٤ : ٢١٠.

(٤) في الاستبصار ١ : ٤٤٦ : صلّى.

(٥) في الاستبصار ١ : ٤٤٦ / ١٧٢٢ زيادة : و.

٢٦٧

سعد ، عن موسى بن الحسن ، عن معاوية بن حكيم ، عن عبد الله ابن المغيرة قال : حدّثني بعض أصحابنا قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صلاة الفطر والأضحى ، قال : « صلّهما ركعتين في جماعة وغير جماعة ، وكبّر سبعاً وخمساً ».

فأمّا ما رواه أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن أبي البختري ، عن جعفر عن أبيه عن علي : قال : « من فاتته (١) العيد فليصلّ أربعاً ».

فالوجه في الرواية التخيير ، لأنّ من صلّى وحده كان مخيّراً بين أن يصلى ركعتين على ترتيب صلاة العيدين وبين أن يصلي أربعاً كيف ما شاء ؛ وإنْ كان الفضل في صلاة الركعتين على ترتيب صلاة العيد.

السند :‌

في الأوّل : ليس فيه ارتياب بعد ملاحظة ما كرّرنا القول فيه (٢).

والثاني : علي فيه لا يبعد أنْ يكون ابن إبراهيم ، لرواية علي بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى بكثرة في الكافي (٣). لكن الشيخ في التهذيب رواه عن علي بن محمّد (٤) ، فيكون علاّن الثقة. والذي وجدته في الكافي علي عن محمّد بن عيسى (٥). ولعلّ الأمر سهل. ومحمّد بن عيسى عن‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤٤٦ / ١٧٢٥ ، والتهذيب ٣ : ١٣٥ / ٢٩٥ زيادة : صلاة.

(٢) في ص ٤٩ ، ١٥٤ ، ٢٨٩.

(٣) الكافي ٣ : ١٦ / ١ ، ١٧ / ٥ ، ١٩ / ١٧ ، ٢١ / ١ ، ٢٤ / ١ و ٣.

(٤) التهذيب ٣ : ١٢٩ / ٢٧٨.

(٥) الكافي ٣ : ٤٦٠ الصلاة ب ٩٣ ح ٣.

٢٦٨

يونس مضى القول فيه (١) ممّا حاصله : احتمال ضعف محمّد بن عيسى إذا روى عن يونس ، على اصطلاح المتقدّمين من احتياج الخبر إلى زيادة القرائن ، وهو لا ينافي توثيق النجاشي (٢).

والثالث : فيه موسى بن الحسن ، وقد قدمنا مكرراً حاله كمعاوية بن حكيم (٣) ، والفائدة في إعادة البيان بعد الإرسال منتفية. واحتمال المعنى الذي فهمه البعض من الإجماع على تصحيح ما يصح عن عبد الله بن المغيرة (٤) يتوقف على ثبوت توثيق معاوية بن حكيم من دون القدح بكونه فطحياً ، والذي يقول بالمعنى المشار إليه يحكم بالجمع بين كونه ثقة وفطحياً ، لعدم منافاة توثيق النجاشي (٥) له مع عدم ذكر الفطحية ، لما ذكره الكشي : من أنّه فطحي (٦).

وقد قدّمنا (٧) في مثل هذا أنّ من المستبعد اطلاع النجاشي على كونه فطحياً مع عدم ذكره ؛ إذ ليس من شأنه عدم ذكر مخالفة المذهب في الرجال ، كما أنّ اطلاع الكشي على ما لم يطلع عليه النجاشي أشدّ بُعداً ، والعمدة عند القائلين بالجمع هو جواز اطلاع الجارح على ما لم يطلع عليه المعدِّل فيقدّم (٨) عليه مع التعارض ، وما نحن فيه واضح المنافاة لما ذكروه ، فليتأمّل.

__________________

(١) راجع ج ١ : ٧٦ وج ٤ : ٨ ، ١٨٧.

(٢) رجال النجاشي : ٣٣٣ / ٨٩٦.

(٣) راجع ج ١ : ١٥٢ ، ٣١٥ ، ٣٧٦ ، وج ٢ : ٧٢ وج ٣ : ١٨٧ وج ٥ : ٢٤٩.

(٤) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠ / ١٠٥٠.

(٥) رجال النجاشي : ٤١٢ / ١٠٩٨.

(٦) رجال الكشي ٢ : ٨٣٥ / ١٠٦٢.

(٧) راجع ج ١ : ١١٠ وج ٤ : ٩٣ وج ٦ : ٣٧٢.

(٨) في « رض » و « م » : في تقديمه.

٢٦٩

والرابع : أحمد بن أبي عبد الله فيه البرقي ؛ وأبوه معلوم حينئذٍ والقول في حقيقة حالهما تكرر (١). ثمّ إنّ الطريق إلى أحمد في المشيخة واضح الصحّة (٢).

وأمّا أبو البختري فهو وهب بن وهب ، وقد قال الشيخ : إنّه ضعيف (٣). والنجاشي : إنّه كذّاب (٤). لكن لا يخفى أنّ الشيخ وغيره من المتقدمين لا يلتفتون إلى الراوي بل إلى مأخذ الرواية من الأُصول والكتب المعتمدة والقرائن الدالة على الصحة ، والعجب من شيخنا قدس‌سره في فوائد الكتاب ، حيث قال : إنّ الرواية ضعيفة جدّاً ، فإنّ راويها وهو أبو البختري كان كذّاباً قاضياً عاميا ، فالعجب من تعلّق الشيخ بروايته في إثبات هذا الحكم.

المتن :

في الأخبار الثلاثة الأُول ظاهر الدلالة ، وما تضمنه من نفي الصلاة قبل وبعد في الأوّلين قد قدّمنا فيه القول (٥) ، والثالث يدل على جواز فعل العيدين جماعة وعلى الانفراد ، وأنّ التكبير سبعاً وخمساً ، غاية الأمر أنّ الإجمال واقع فيه من جهة التكبير ، وستسمع القول في ذلك إن شاء الله.

وما تضمنه [ الأوّل (٦) ] من نفي الأذان والإقامة ظاهر في نفي المشروعية فيختص العموم أو يقيّد الإطلاق ؛ وغير بعيد إرادة الأذان‌

__________________

(١) راجع ج ١ ص ٤٧ ، ٩٣ ، ج ٢ ص ٤٠١.

(٢) مشيخة الاستبصار ( الاستبصار ٤ ) : ٣١٤.

(٣) الفهرست : ١٧٣ ، ٧٦٧.

(٤) رجال النجاشي : ٤٣٠ / ١١٥٥.

(٥) في ص ٢٤٨ ٢٥٠.

(٦) ما بين المعقوفين في النسخ : الثاني ، والصواب ما أثبتناه.

٢٧٠

والإقامة المعلومين في اليومية ، فلا ينافي ما روي أنّه ينادي : « الصلاة » ثلاث مرّات.

ويؤيد هذا أنّ الشيخ روى في التهذيب في الزيادات عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان وإقامة؟ قال : « ليس فيهما أذان ولا إقامة ، ولكن ينادى : الصلاة ، ثلاث مرّات. وليس فيهما منبر ، المنبر لا يحوّل من موضعه ، ولكن يصنع للإمام شي‌ء شبه المنبر من طين ، فيقوم عليه فيخطب الناس ثم ينزل » (١).

ووجه التأييد ظاهر ، غير أنّه يمكن أنْ يقال : إنّ ظاهر قوله : « وليس فيهما منبر » يدل بمعونة عدم معلومية تحريم المنبر على ( أنّ تحريم الأذان والإقامة غير معلومٍ. ولعلّ جواب هذا سهل. نعم ربما يقال : إنّ الشيخ قد ) (٢) روى في التهذيب أيضاً عن محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن زرارة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : « ليس في يوم الفطر والأضحى أذان ولا إقامة ، أذانهما طلوع الشمس ، إذا طلعت خرجوا » الحديث (٣).

وهو يدل على أنّ ما تضمنه الخبر المبحوث عنه وغيره من نفي الأذان والإقامة يمكن أن يراد به على تقدير إرادة نفي أذان اليومية وإقامتها أنّ ما تضمنه الخبر الآخر من قوله : « الصلاة ثلاثاً » ليس بأذان ، بل إمّا أنْ يكون إقامة ، وحينئذٍ الأذان طلوع الشمس كما في الخبر المذكور ؛ أو‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩٠ / ٨٧٣ ، الوسائل ٧ : ٤٢٨ أبواب صلاة العيد ب ٧ ح ١.

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « فض ».

(٣) التهذيب ٣ : ١٢٩ / ٢٧٦ ، الوسائل ٧ : ٤٢٩ أبواب صلاة العيد ب ٧ ج ٥.

٢٧١

يقال : إنّ النداء أذان ، فيكون حين الطلوع للإخبار به.

وفي الذكرى : إنّ هذا النداء ليعلم الناس بالخروج إلى المصلّى (١). وكأنّه فهم هذا ممّا ذكرناه ، ويشكل بدلالة الخبر على انحصار الأذان في طلوع الشمس. وينقل عن أبي الصلاح أنّ محل النداء بالصلاة بعد القيام إلى الصلاة (٢) ؛ ولا يبعد ذلك إلاّ أنّ في البين توقفاً ، ولم أر من حرّر المقام.

فإنْ قلت : رواية إسماعيل غير صحيحة ؛ لأنّ الشيخ في التهذيب لم يذكر طريقه إلى إسماعيل بن جابر ، وفي الفهرست لم يذكر إلاّ الطريق إلى كتابه (٣) ، فلا يفيد لعدم العلم بكونها من الكتاب ؛ وإسماعيل بن جابر فيه كلام.

قلت : قد ذكر الرواية الصدوق عن إسماعيل بن جابر (٤) ؛ وطريقه إليه وإن كان فيه ابن المتوكل ومحمّد بن عيسى إلاّ أنّ إيداعها الفقيه يوجب المزية كما كرّرنا القول فيه (٥) ، على أنّ محمّد بن عيسى قدّمنا احتمال قبول روايته (٦) ، وابن المتوكل معتبر عند مشايخنا (٧) ؛ والعلاّمة حكم بصحة طريق اشتمل عليه (٨).

__________________

(١) الذكرى ٤ : ١٧٢.

(٢) الكافي في الفقه : ١٥٣.

(٣) الفهرست : ١٥ / ٤٩.

(٤) الفقيه ١ : ٣٢٢ / ١٤٧٣.

(٥) في ص ١٢١١.

(٦) تقدم في ص ٩٠.

(٧) خلاصة العلاّمة : ١٤٩ / ٥٨ ، رجال ابن داود : ١٨٥ ، وانظر فلاح السائل : ١٥٨.

(٨) وهو طريق الصدوق إلى الحسن بن محبوب وثعلبة بن ميمون ، الخلاصة : ٢٧٨ ، ٢٨١.

٢٧٢

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما تضمنه الخبر الرابع من الصلاة أربعاً قد نقل في المختلف الاحتجاج به بعد أن حكى عن ابن الجنيد أنّه قال : تصلّى العيد مع الشرائط ركعتين ومع اختلالها أربعاً ؛ وبه قال علي بن بابويه. وقال الشيخ في التهذيب : من فاتته الصلاة يوم العيد لا يجب عليه القضاء ، ويجوز له أنْ يصلّي إنْ شاء ركعتين وإن شاء أربعاً من غير أنْ يقصد بها القضاء (١).

ثم إنّ العلاّمة اختار المشهور من استحباب صلاتها ركعتين كما يصلّي مع الشرائط ، واحتج بالأخبار المبحوث عنها ، ثم قال : احتج بما رواه أبو البختري ، وذكر الحديث.

والظاهر منه أنّ الاحتجاج للشيخ في التهذيب ، والذي وجدته فيه ما ذكره من كلامه ، ورواية أبي البختري ذكرها في جملة روايات (٢).

وقد أجاب العلاّمة عن الرواية بالضعف ، وغير خفي عدم مطابقتها لقول الشيخ في التهذيب ، والظاهر عود الاحتجاج لابن الجنيد ؛ لأنّه ذكر مع الرواية ما يناسب المشهور عنه من العمل بالقياس ، وبالجملة فهو دليل في غاية الغرابة ، بل لا ينبغي أن يذكر في كتب الاستدلال ، ومن ثَمّ [ لم ننقله (٣) ] هذا ؛ وما ذكره الشيخ هنا من التخيير لم ينقله العلاّمة في المختلف ، وهو غريب ؛ فإنّه ينقل في الكتاب أقوال الشيخ في الاستبصار.

وعلى كل حال ينبغي أن يعلم أنّ الصدوق في آخر أبواب الصوم ذكر خبراً يقتضي فعل صلاة العيد بعده إذا ثبت الهلال يوم العيد بعد الزوال.

__________________

(١) المختلف ٢ : ٢٧٧.

(٢) التهذيب ٣ : ١٣٥.

(٣) في النسخ : لم ينقله ، والظاهر ما أثبتناه.

٢٧٣

وقد أوضحت الحال فيه في معاهد التنبيه ، فمن أراده وقف عليه.

قوله :

باب سقوط صلاة العيدين عن المسافر.

أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن حمّاد ( بن عثمان وخلف بن حمّاد ) (١) ، عن ربعي بن عبد الله والفضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ليس في السفر جمعة ولا فطر ولا أضحى ».

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد ، عن سعد بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن المسافر إلى مكة وغيرها ، هل عليه صلاة العيدين الفطر والأضحى؟ قال : « نعم (٢) ».

فالوجه في هذا الخبر ضرب من الاستحباب دون الفرض والإيجاب.

السند :

في الأوّل : قد تقدّم الكلام فيه عن قريب ، حيث نقلنا رواية غير هذه عن التهذيب بهذا الإسناد ؛ وبينا احتمال عطف خلف بن حماد على محمّد بن سنان فتكون صحيحة ، وعلى حمّاد فلا تكون صحيحة ، وذكرنا حكم العلاّمة بصحتها في المنتهى (٣).

والثاني : لا ريب فيه.

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « فض » و « م ».

(٢) في الاستبصار ١ : ٤٤٧ / ١٧٢٧ ، والتهذيب ٣ : ٢٨٨ / ٨٦٧ زيادة : إلاّ بمنى يوم النحر.

(٣) راجع ص ٢١١ ٢١٣.

٢٧٤

المتن :

في الأوّل : على تقدير العمل به أفاد مشاركة الجمعة للعيدين ؛ وإطلاق نفي الجمعة عن المسافر لا يخلو من تقييد عند جماعة من الأصحاب (١) ، بل قد نقل الإجماع على أنّ المسافر لو فعل الجمعة جاز وأجزأته عن الظهر (٢) ، لكن في الإجماع تأمّل ؛ لعدم معلومية الناقل ، ووجود أخبار معتبرة دالة على السقوط عنه (٣).

والثاني : ظاهر الدلالة على جواز العيدين في السفر ، والشيخ كما ترى حملها على الاستحباب ، فإنْ كان مراده أنّ اجتماع الشرائط من حضور الإمام عليه‌السلام كما هو مذهب الشيخ (٤) وغيره (٥) وباقي الشروط غير الإقامة يقتضي استحباب العيدين ، فهو موقوف على دليل اشتراط الإقامة في وجوب العيدين ، والذي وقفت عليه ما نقل عن المنتهى من دعوى الإجماع ، حيث قال : إنّما يجب العيدان بشرائط الجمعة بلا خلاف بين أصحابنا إلاّ الخطبة ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاّها مع الشرائط (٦) وقال : « صلّوا كما رأيتموني أُصلّي ». وقال : الذكورة والعقل والحرّية والحضر شروط فيها ولا نعرف فيه خلافاً (٧). ولا يخفى عليك الحال.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٦١٠ ، السرائر ١ : ٢٩٣ ، المعتبر ٢ : ٢٩٢.

(٢) الذكرى ٤ : ١١٧ ، انظر المدارك ٤ : ٥٣.

(٣) الوسائل ٧ : ٢٩٥ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١.

(٤) التهذيب ٣ : ١٣٥.

(٥) المختلف ٢ : ٢٧٥.

(٦) في المصدر : شرائط الجمعة.

(٧) المنتهى ١ : ٣٤٢.

٢٧٥

وإنْ كان مراد الشيخ أنّ الصلاة في السفر مستحبة مع عدم حضور الإمام عليه‌السلام فكان ينبغي بيانه ، ولعلّ اعتماد الشيخ على المعلومية اقتضى الإطلاق ، وقد تقدم في خبر جميل الصحيح أنّ صلاة العيدين فريضة ، والتقييد موقوف على الثبوت ، فليتأمّل.

وينبغي أنْ يعلم أنّ الصدوق روى خبر سعد وزاد فيه : « إلاّ بمنى يوم النحر » (١) ولا أدري الوجه في ترك الشيخ ذلك (٢).

قوله :

باب عدد التكبيرات في صلاة العيد.

الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الصباح قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التكبير في العيدين ، قال « اثنتا عشرة تكبيرة ، سبع في الأُولى وخمس في الأخيرة ».

عنه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التكبير في العيدين ، قال : « سبع وخمس ».

فأمّا ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمّد بن الحسين (٣) ، عن يزيد بن إسحاق شعر ، عن هارون بن حمزة الغنوي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن التكبير (٤) في الفطر والأضحى ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٢٣ / ١٤٨١.

(٢) الزيادة موجودة في التهذيب والاستبصار كما قدّمناه في ص ٢٧٣.

(٣) في الاستبصار ١ : ٤٤٧ / ١٧٣٠ : الحسن.

(٤) في الاستبصار ١ : ٤٤٧ / ١٧٣٠ زيادة : في العيدين ، قال : « سبع وخمس ». عنه ، عن هارون بن حمزة الغنوي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن التكبير.

٢٧٦

فقال : « خمس وأربع ، ولا (١) يضرك إذا انصرفت على وتر ».

وما رواه الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة ، عن زرارة : أنّ عبد الملك بن أعين سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن الصلاة في العيدين ، فقال : « الصلاة فيهما سواء ، يكبّر الإمام تكبيرة الصلاة تاماً كما يصنع في الفريضة ، ثم يزيد في الركعة الأُولى ثلاث تكبيرات وفي الأخيرة (٢) ثلاثاً سوى تكبيرة الصلاة والركوع والسجود ؛ وإنْ شاء ثلاثاً وخمساً ، وإنْ شاء خمساً وسبعاً بعد أنْ يلحق ذلك إلى وتر ».

فالوجه في هاتين الروايتين التقية ؛ لأنّهما موافقتان لمذاهب كثير من العامة ولسنا نعمل به ، وإجماع الطائفة المحقة على ما قدّمناه.

السند :

في الأوّل : فيه محمّد بن الفضيل وهو مشترك (٣) ، والصدوق في الفقيه رواه عن محمّد بن الفضيل (٤) ولم يذكر الطريق إليه ، لكن قد كرّرنا القول في رواياته (٥).

والثاني : لا ريب فيه ؛ وجميل هو ابن دراج ؛ لرواية ابن أبي عمير عنه في الفهرست (٦). وفي التهذيب عن ابن أبي عمير وفضالة عن جميل (٧) ، والأمر سهل.

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤٤٧ / ١٧٣١ ، والتهذيب ٣ : ٢٨٦ / ٨٥٤ : فلا.

(٢) في الإستبصار ١ : ٤٤٧ / ١٧٣٢ ، والتهذيب ٣ : ١٣٤ / ٢٩٦ : الأُخرى.

(٣) هداية المحدثين : ٢٤٩.

(٤) الفقيه ١ : ٣٢٤ / ١٤٨٥.

(٥) راجع ص ٦٦٩.

(٦) الفهرست : ٤٤ / ١٤٣.

(٧) التهذيب ٣ : ١٢٧ / ٢٧٠.

٢٧٧

والثالث : محمّد بن الحسين فيه ابن أبي الخطاب ، ورجاله تقدم القول فيهم عن قريب وبعيد (١) ، ( والحاصل أنّ يزيد بن إسحاق لا أعلم توثيقه إلاّ من جدّي قدس‌سره في شرح البداية (٢) ، وكأنّه من تصحيح العلاّمة بعض الطريق إلى هارون بن حمزة (٣) ) (٤).

والرابع : لا ارتياب في رجاله إنْ كان زرارة سمع الإمام عليه‌السلام ، كما هو الظاهر من قوله : فقال ، إلى آخره. ويحتمل أنْ يكون الراوي عبد الملك لقول الإمام عليه‌السلام ؛ ولا يخفى بُعده عن الظاهر ، وعبد الملك فيه كلام يعرف ممّا قدّمناه.

المتن :

لا بُدّ قبل الكلام فيه من مقدمة ، وهي أنّ العلاّمة في المختلف قال : لا خلاف في عدد التكبير الزائد ، وأنّه تسع تكبيرات خمس في الأُولى وأربع في الثانية ؛ لكن الخلاف في وضعه ، فالشيخ على أنّه في الأُولى بعد القراءة يكبّر خمس تكبيرات ، ويقنت خمس مرّات عقيب كل تكبيرة قنتة ، ثم يكبّر تكبير الركوع ويركع ؛ وفي الثانية بعد القراءة يكبّر أربع تكبيرات ، يقنت عقيب كل تكبيرة ، ثم يكبّر الخامسة للركوع ؛ وذهب إليه ابن أبي عقيل وابن الجنيد وابن حمزة وابن إدريس. وقال المفيد : يكبّر في الأُولى سبع تكبيرات مع تكبيرة الافتتاح والركوع ، ويقنت خمس مرّات ؛ فإذا نهض إلى الثانية كبّر وقرأ ، ثم كبّر أربع تكبيرات يركع في الرابعة ،

__________________

(١) راجع ج ١ ص ١٨٢ ١٨٣ ، ج ٢ ص ٢٣٧.

(٢) الدراية : ١٣١.

(٣) خلاصة العلاّمة : ٢٧٩.

(٤) ما بين القوسين أثبتناه من « م ».

٢٧٨

ويقنت ثلاث مرّات ؛ وهو اختيار المرتضى وابن بابويه وأبي الصلاح وابن البرّاج وسلاّر (١). هذا كلامه.

ونقل بعض محقّقي المتأخّرين رحمه‌الله عن المنتهى أنّ فيه نقلاً عن ابن بابويه وابن أبي عقيل : أنّ التكبيرات الزائدة سبع. وعن المفيد : أنّ في الثانية ثلاثاً (٢).

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الخبرين الأوّلين ظاهران في أنّ التكبير سبع وخمس ، والأوّل صريح في أنّ السبع في الأُولى والخمس في الأخيرة ، غير أنّ موضع كل غير مفصَّل.

والثالث : كما ترى يدل صدره على الخمس والأربع ؛ وهذا لا ينافي مدلول الأوّلين بجواز إرادة التكبير الزائد ، وهو خمس في الأُولى وأربع في الثانية على ما يقتضيه بعض الأخبار ، لكن قوله : « ولا يضرك إذا انصرفت على وتر » فيه منافاة لما سبق ، من حيث تناوله للأقل من خمسة وأربعة والأكثر.

والرابع : ظاهر المنافاة للأوّلين ، ومفصِّل لإطلاق الثالث.

وما ذكره الشيخ من إجماع الطائفة على ما قدّمه لا يخلو من إجمال ؛ إذ يحتمل أنْ يراد به إجماع الطائفة على أنّ التكبيرات اثنا عشر ؛ والخلاف السابق عن المنتهى ينافيه ، ويوافقه كلام المختلف. ويحتمل أنْ يراد الإجماع على نفي ما تضمنه الخبران ؛ إذ الخلاف السابق لا يتناوله الخبران ؛ لكن العبارة يساعد على الاحتمال الأوّل ، فيحتاج تطبيق ما ذكره في المنتهى‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ٢٦٨ ، وهو في النهاية : ١٣٥ ، والمبسوط ١ : ١٧٠ ، وفي الوسيلة : ١١١ ، وفي السرائر ١ : ٣١٦ ، ٣١٧ ، وفي المقنعة : ١٩٤ ، ١٩٥ ، وفي جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٤٥ ، وفي الفقيه ١ : ٣٢٤ ، المقنع : ٤٦ ، وفي الكافي في الفقه : ١٥٣ ، ١٥٤ ، وفي المهذب ١ : ١٢٢ ، وفي المراسم : ٧٨.

(٢) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٤٠٢ ، وهو في المنتهي ١ : ٣٤٠.

٢٧٩

إلى مراجعة ما نقله عن المذكورين ، ولم يحضرني الآن كلامهم.

وفي التهذيب ذكر الخبر الثاني في مقام الاستدلال على أنّ التكبيرات الزائدة مستحبة ، لأنّه قال بعد عبارة لا أدري أنّها منه أو من المفيد : ومن أخل بالتكبيرات السبع لم يكن مأثوماً ، إلاّ أنّه يكون تاركاً سنّةً ومهمِلاً فضيلةً ، يدل على ذلك ما رواه الحسين بن سعيد إلى آخر الرواية ثم قال : ألا ترى أنّه جوّز الاقتصار على الثلاث تكبيرات وعلى الخمس تكبيرات ، وهذا يدل على أنّ الإخلال بها لا يضر بالصلاة (١). وكلامه هنا غير خفي أنّه ينافي ما ذكره في التهذيب إلاّ بوجه متكلف.

ومن العجب أنّ العلاّمة في المختلف نقل عن الشيخ في التهذيب أنّه قال : من أخلّ بالتكبيرات السبع (٢) إلى آخر ما ذكره الشيخ ثم نقل احتجاجه بالرواية ، ثم أجاب بأنّ زيادة الثلاث لا تنافي زيادة الأكثر (٣).

وغير خفي أنّه إنْ أراد بما ذكره أنّ ما دلّ على الزيادة لا ينافي الخبر المذكور ، ففيه : أنّ الخبر مصرِّح بالتخيير بين الثلاث وما زاد ، وما دلّ على السبع والخمس يدل على التعين (٤) فالمنافاة حاصلة.

وإنْ أراد أنّ الرواية لا تدلّ على أنّ التكبير الزائد مستحب مطلقاً ، بل على أنّ ما فوق الثلاث مستحب ، وكلام الشيخ يدلّ على أنّ مطلق التكبير الزائد مستحب ، والرواية لا تدلّ على مطلوبه. ففيه : أنّ العلاّمة اختار وجوب التسع ؛ لأنّ أوّل الكلام يقتضيه ، حيث قال بعد ما سمعته من عبارة التهذيب ، ثم نقل كلام غيره ـ : وأختاره (٥). والجواب لا يطابق مدّعاه‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٣٤.

(٢) في « فض » و « رض » : التسع.

(٣) المختلف ٢ : ٢٦٩.

(٤) في « رض » : التعيين.

(٥) المختلف ٢ : ٢٦٩ ، وفيه. وهو الأقرب.

٢٨٠