إستقصاء الإعتبار - ج ٧

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-179-6
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٤٨٦

زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهم‌السلام قال : « يجعل الرجل ما أدرك مع الإمام أوّل صلاته » ( قال جعفر : ) (١) « وليس نقول كما يقول الحمقى ».

السند :‌

في الجميع واضح بما كرّرناه من القول في رجاله ، فالأوّل : صحيح. والثاني : كذلك بتقدير دفع الارتياب في عبد الرحمن ، ومحمّد بن الحسين هو ابن أبي الخطّاب. والثالث : ضعيف.

المتن :

في الأوّل : واضح الدلالة على القراءة بالحمد وسورة في كلّ ركعةٍ ممّا أدرك خلف الإمام في غير الأوّلتين إنْ أمكن قراءة السورتين ، وإلاّ اجتزأ بالحمد ، لكن حكم من لم يتمكن من الحمد تامّةً مسكوت عنه في الرواية ، أو أنّه لا يجزئه إلاّ الفاتحة ، فإذا لم يتمكن من إتمامها لا يسقط الفرض عنه ، لدلالة إجزاء الفاتحة من جوهر الكلام ، إلاّ أنّ في الدلالة نوع تأمّل.

ثمّ إنّ دلالته على رجحان التسبيح ظاهرة مع دعوى الاتفاق على التخيير كما سبق عن المختلف (٢) ، واحتمال اختصاص هذه المسألة بالحكم المذكور ، فيه : أنّ الظاهر من قوله عليه‌السلام : « لأنّ الصلاة إنّما يقرأ فيها » إلى آخره. العموم ، نعم حكم القراءة خلف الإمام في الصورة المذكورة ينقل فيه الخلاف عن المنتهى ، حيث قال العلاّمة : الأقرب عندي أنّ القراءة‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في النسخ ، أثبتناه من التهذيب ٣ : ٤٦ / ١٦١ ، والاستبصار ١ : ٤٣٧ / ١٦٨٥ ، والوسائل ٨ : ٣٨٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٦.

(٢) في ج ٥ ص ١٨٠.

٢٠١

مستحبة ، ونقل عن بعض علمائنا الوجوب ، لئلاّ تخلو الصلاة عن قراءة ، إذ هو مخيّر في التسبيح في الأخيرتين ، ثم قال : وليس بشي‌ء ، فإنْ احتجّ بحديث زرارة وعبد الرحمن حملنا الأمر فيهما على الندب ، لما ثبت من عدم وجوب القراءة على المأموم (١) ، انتهى.

واعترضه شيخنا قدس‌سره بأنّ ما تضمّن سقوط القراءة بإطلاقه لا ينافي هذين الخبرين المفصّلين ، وإنْ كان ما ذكره من الحمل لا يخلو من قرب ؛ لأنّ النهي عن القراءة في الأخيرتين للكراهة قطعاً ، وكذا الأمر بالتجافي في الثانية محمول على الاستحباب ، ومع اشتمال الرواية على استعمال الأمر في الندب والنهي في الكراهة يضعف الاستدلال بما وقع من الأوامر والنواهي على الحقيقة ، مع أنّ مقتضى الرواية القراءة في النفس ، وهو لا يدلّ صريحاً على وجوب التلفّظ (٢) ، انتهى كلامه قدس‌سره ملخّصاً.

ولقائل أنْ يقول : إنّ ما دلّ على سقوط القراءة عن المأموم وعدمه في غاية الاختلاف ، ومعه كيف يقيَّد الإطلاق بهذين الخبرين؟ ثم ما قاله قدس‌سره من أنّ النهي عن القراءة في الأخيرتين للكراهة قطعاً يشكل بأنّه يرجّح القراءة للإمام ، وإذا حملت الرواية على الكراهة بالنسبة إلى السؤال عن المصلّي خلف الإمام إذا لحق الأخيرتين يلزم أنْ يكون قوله عليه‌السلام في الرواية : « لأنّ الصلاة إنّما يقرأ فيها في الأوّلتين » عائداً إلى الصلاة المسئول عنها ، والحال أنّ الحصر لا يتمّ ، لتحقّق القراءة بما ذكر في غيرها ، ولو حمل الحصر على الإضافي بالنسبة إلى الأخيرتين المذكورتين في السؤال لزم اختصاص التسبيح المذكور فيها بالمسؤول عنه ، وحينئذٍ يلزم احتمال‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٨٤.

(٢) المدارك ٤ : ٣٨٣. بتفاوتٍ يسير.

٢٠٢

كراهة القراءة بهذه الصورة ، والحال أنّه قائل بالكراهة للمنفرد مطلقاً ، وحينئذٍ لا بُدّ من حمل الخبر على الإطلاق فيفيد ترجيح التسبيح كذلك ، وقد قدّمنا القول مفصّلاً (١).

وذكر بعض محققي المتأخّرين رحمه‌الله أنّ في الخبر الأوّل دلالة على وجوب السورة من جهات ، أحدها : من قوله : « قرأ في كلّ ركعة » وثانيها : من قوله : « إنّ الصلاة إنّما يقرأ فيها » إلى آخره. وثالثها : من قوله في آخرها : « فإذا سلّم قام فقرأ » إلى آخره (٢).

ولا يخفى أنّه يتوجه عليه ما ذكره شيخنا من أنّ النهي للكراهة ، فإنّه يقتضي عدم تمامية الاستدلال.

فإنْ قلت : كون النهي للكراهة يقتضي عدم الوثوق بأنّ غيره من النهي للتحريم ، لا أنّ الأمر للاستحباب ، والحال أنّ أوامر الرواية لا مقتضي لحملها على الاستحباب ، فتبقى على حقيقتها ويتمّ المطلوب.

قلت : بل الأمر فيها كذلك ، من حيث إنّ من جملة الأوامر القراءة خلف الإمام في نفسه في الجهرية ، إذ (٣) من جملة ما ذكر العشاء ، ووجوب القراءة في الجهرية خلف الإمام على الإطلاق غير معلوم القائل ، والمستدل بما ذكر ينفيه ، والإخفاتية أمرها أظهر ، بل صرّح المستدل بالتحريم ، إلاّ أنْ يقال بتخصيص هذه المسألة ، وبتقديره فالتسليم لا يقول المستدل بوجوبه ، وقد تضمّنت الرواية اقتران التسليم بقراءة السورة.

وما عساه يقال : إنّ الفاتحة مقترنة أيضاً ، ولا ريب في وجوبها.

يمكن الجواب عنه : بأنّ ما خرج بالإجماع لا يضرّ بالحال ،

__________________

(١) في ج ٥ ص ١٨٥ ١٨٦.

(٢) مجمع الفائدة ٣ : ٣٢٥.

(٣) في « رض » و « م » : أو.

٢٠٣

والحاصل أنّ الاعتماد على ظاهر الأمر مشكل بعد ما سمعته ، نعم في قوله عليه‌السلام : « أجزأته أُمّ الكتاب » نوع دلالة على ( وجوب السورة ) (١) فلو ذكره المستدل كان أولى ، ويمكن الجواب بأنّ استعمال الإجزاء في ترك الأكمل موجود بكثرة.

فإنْ قلت : ظاهر قوله عليه‌السلام : « وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما » بعد قوله : « إنّما يقرأ فيها في الأوّلتين » إلى آخره. أنّ المنفي قراءة الحمد وسورة ، وهذا لا ينافي قراءة الحمد وحدها في الأخيرتين ، فلا يدلّ الخبر على كراهة القراءة في الأخيرتين.

قلت : وجه الدلالة من حيث قوله : « إنّما هو تسبيح » إلى آخره. نعم ربما يقال : إنّ قول شيخنا قدس‌سره بدلالة النهي على الكراهة يشكل باحتمال النهي عن قراءة الحمد وسورة فيكون للتحريم ، والحصر في التسبيح إنّما ذكر لبيان اختصاص الأخيرتين بما ذكر دون الأوّلتين ، فهو إضافي بالنسبة إلى الأوّلتين ، وقوله عليه‌السلام : « وليس فيهما قراءة » محتمل لقراءة الحمد وسورة ، وعلى هذا فلا دلالة في النهي على الكراهة ليساعد على عدم الوثوق في الاستدلال بالخبر لردّ احتجاج القائل به ، وهذا لا يضرّ بما قدّمناه من جهة ( عدم صلاحيته للاستدلال على ) (٢) وجوب السورة ، لأنّ مناط توجيهنا من جهة الأمر فيه الحاصل من الجملة الخبرية.

وقد يقال في توجيه النهي بسبب إرادة الكراهة : إنّ توجيهنا خلاف الظاهر.

فإنْ قلت : يحتمل حمل النهي على الحقيقة بإرادة عدم القراءة على‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « رض » : الوجوب.

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

٢٠٤

وجه التعيّن ، وذكر التسبيح لبيان أنّه ينبغي كونه ملحوظاً على أنّه أحد الفردين للواجب ، وحينئذٍ لا يتمّ القول بأنّ النهي للكراهة.

قلت : ولما ذكرت وجه أيضاً ، إلاّ أنّه خلاف الظاهر ، هذا.

ولا يخفى صراحة الخبر في ضميمة الدعاء إلى التسبيح فيندفع به تخيل عدم مشروعيته ، بل احتمال وجوبه على تقدير التسبيح له وجه ، وقد مضى القول في ذلك (١).

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الصدوق في الفقيه روى الرواية الأُولى (٢) ، وظاهره العمل بها ، فما نقله العلاّمة (٣) لعلّ مراده به الصدوق ، ويحتمل الشيخ ، لاعتماد العلاّمة على قول الشيخ في الاستبصار.

ثم إنّ ما تضمّنه الخبر الثاني من التجافي ( قد سمعت قول شيخنا قدس‌سره أنّه مستحب (٤) ، ولعلّ الوجه فيه عدم القول بالوجوب ؛ ثم إنّ التجافي ) (٥) لا ينافي ما دلّ على التشهد للمسبوق في غير محلّه ، وربما يستفاد من قوله : « فليلبث قليلاً بقدر ما يتشهد » أنّ زيادة المستحبات في تشهده غير مشروعة ، بل ربما تنافي المتابعة ، إلاّ أنْ يقال : إنّ التشهّد يشمل مستحباته ، أو يقال : إنّ الأمر غير معلوم الوجوب ، لما مضى.

وما تضمّنه من قوله : « ولا تجعل أوّل صلاتك آخرها » محتمل لأُمور ، أظهرها ما يأتي (٦) من الشيخ.

__________________

(١) في ج ٥ ص ١٨٦ ١٨٨.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٦ / ١١٦٢.

(٣) في ص ٢٠١.

(٤) تقدّم في ص ٢٠١.

(٥) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٦) في ص ٢٠٦ ، ٢٠٧.

٢٠٥

والثالث من الأخبار مثل الثاني في جعل ما أدرك أوّل صلاته ، أمّا دلالته على القراءة فلا ، وكأنّ الشيخ نظر إلى أنّه يقيَّد بغيره.

اللغة‌ :

قال في القاموس : جَفَا جفاءً وتجافى لم يلزم مكانه (١). وقال : حَمُقَ ككَرُمَ وغَنِمَ حُمقاً بالضمّ وبضمتين وكسَكْرَى وسَكارى ، إلى أنْ قال : قليل العقل (٢).

قوله :

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن مروك ابن عبيد ، عن أحمد بن النضر ، عن رجلٍ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قال لي : « أيّ شي‌ء يقول هؤلاء في الرجل إذا فاتته مع الإمام ركعتان؟ » قال : يقولون يقرأ في الركعتين بالحمد وسورة ، فقال : « هذا يقلب صلاته فيجعل أوّلها آخرها » قلت : كيف يصنع؟ قال : « يقرأ بفاتحة الكتاب في كلّ ركعة ».

فليس ينافي هذا الخبر ما قدّمناه من الأخبار ؛ لأنّ قوله : يقرأ الحمد وحدها في الركعتين يعني في الركعتين الفائتتين لا في اللتين أدركهما ، لأنّ اللتين أدركهما ( يقرأ فيهما بالحمد وسورة ، ولأجل ذلك ردّ على من قال : يقرأ بالحمد وسورة ، بأن « هذا ) (٣) يقلب صلاته » ‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٣١٤.

(٢) القاموس المحيط ٣ : ٢٣١.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

٢٠٦

لأنّ في العامّة من يقول : إنّه يقرأ الحمد وسورة فيما فاته ، لأنّ اللتين فاتتاه هما الأوّلتان فيحتاج أنْ يقضيهما ، ولذلك قال في رواية طلحة ابن زيد : « وليس نقول كما يقول الحمقى ».

فأمّا رواه الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن معاوية ابن وهب قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام وهي أوّل صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرأ فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال « نعم ».

قوله : يقضي القراءة في آخر صلاته ؛ تجوّز ، وإنّما أراد به ما يختصّ آخر الصلاة من قراءة الحمد دون أنْ يكون أراد به قضاء قراءة ما يختص الركعة الأُولى والثانية.

السند :‌

في الأوّل : فيه مروك بن عبيد ، ولم نرَ توثيقه إلاّ من الكشّي نقلاً عن محمّد بن مسعود ، عن علي بن الحسن (١) ، وقد قدّمنا أنّ في ابن مسعود نوع كلام (٢) ، ( لكن لم أسمع ) (٣) من مشايخنا التوقف فيه. وعلي بن الحسن هو ابن فضّال ، وظاهر الخبر رواية محمّد بن مسعود ، عن علي بن الحسن ، وفي النجاشي : إنّه سمع أصحاب علي بن الحسن (٤) ، والظاهر منه أنّه لم يرو عنه بغير واسطة ، فيكون مرسلاً ( وقد تقدّم (٥) في أوّل الكتاب‌

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٨٣٥ / ١٠٦٣.

(٢) في ص ١٠٥.

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٤) رجال النجاشي : ٣٥٠ / ٩٤٤.

(٥) في ج ٥ ص ١٠٧.

٢٠٧

رواية محمّد بن مسعود ، عن علي بن الحسن بغير واسطة ، والقول واحد ) (١) ، ثم في السند المبحوث عنه الإرسال أيضاً.

والثاني : صحيح على ما مضى مفصّلاً (٢).

المتن :

في الأوّل : وإنْ كان ظاهره قراءة الحمد في كلّ ركعة المتناول لما أدركه مع الإمام وما أتى به بعد إلاّ أنّه يمكن حمله على كلّ ركعة من الباقي في المسألة المذكورة في الخبر ، والظاهر أنّ هذا غرض الشيخ ، إلاّ أنّ قوله (٣) : قوله. يقرأ الحمد وحدها في الركعتين ، لا يخلو من خلل ، وقول الشيخ : إنّ الذي أدركهما يقرأ فيهما بالحمد وسورة ، بناءً على الأخبار السابقة ، وقد يحتمل حمل الخبر على ظاهره من قراءة الحمد في كلّ ركعة من الأربع بناءً على استحباب السورة ، أو لأنّ (٤) المقصود بيان ما فيه الاشتراك بين الأربع ، ويبقى حكم السورة من جهةٍ أُخرى ، ولا يخفى ما في هذا من مخالفة الظاهر.

ثمّ إنّ قلب الصلاة قد قدّمنا احتماله لأُمور ، لكن الظاهر من نقل الشيخ عن بعض العامّة إرادة ما قالوه.

والثاني : ما ذكره الشيخ فيه لا يخلو من بعد ، واحتمال التقية كأنّه أقرب ، والله تعالى أعلم.

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٢) راجع ج ١ ص ٦٩ ، ج ٦ ص ١٩١ ، ٤٠٧.

(٣) ليست في « رض » و « م ».

(٤) في « رض » : ولأنّ.

٢٠٨

اللغة :

قال في القاموس : استمهله استنظره ، وأمهله أنظره (١).

قوله :

باب من رفع رأسه من الركوع قبل الإمام.

سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سهل الأشعري ، عن أبيه ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عمّن ركع مع إمامٍ يقتدى به ثم رفع رأسه قبل الإمام؟ قال : « يعيد ركوعه معه ».

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن غياث بن إبراهيم قال : سُئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام ، أيعود فيركع (٢) إذا أبطأ الإمام ويرفع رأسه معه (٣)؟ قال : « لا ».

فالوجه في هذا الخبر أحد شيئين ، أحدهما : أنْ يكون مصلّياً خلف من لا يقتدى به ، فإنّه لا يجوز أنْ يعود ( في الركوع (٤) ، لأنّه يصير زيادة في الصلاة. والثاني : أنْ يكون فعل ذلك عامداً ، فإنّه لا يجوز أنْ يعود ) (٥) أيضاً إلى الركوع ، وإنّما ينبغي أنْ يعود إذا رفع‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٥٤.

(٢) في « رض » : فيرجع.

(٣) ليست في النسخ ، أثبتناها من التهذيب ٣ : ٤٧ / ١٦٤ ، والاستبصار ١ : ٤٣٨ / ١٦٨٩.

(٤) في « رض » : أن يعود أيضاً إلى الركوع.

(٥) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

٢٠٩

رأسه ساهياً ، ليكون رفع رأسه مع رفع رأس الإمام.

السند :‌

في الأوّل : فيه محمّد بن سهل ، وهو مهمل في الرجال (١) ، إمّا أبوه فهو ثقة.

والثاني : فيه غياث بن إبراهيم ، وقد مضى أنّه بتري عن الشيخ (٢) ، لكنه ثقة في النجاشي من دون ذكر أنه بتري (٣) ، وتكرّر القول منّا في أمثال هذا من أنّ النجاشي له ترجيح (٤) ، لا ما ذكره جماعة من إمكان الجمع بين الثقة وكونه بترياً.

ومحمّد بن عيسى الأشعري المعبّر عنه بأبيه قدّمنا أنّا لم نعلم توثيقه (٥) ، بل ورد فيه ما يقتضي المدح على تقدير ما ذكروه من ألفاظ المدح.

وما عساه يقال : إنّ عبد الله بن المغيرة قد نقل الإجماع على تصحيح ما يصحّ عنه في الكشّي (٦). قد قدّمنا ما يقتضي الجواب عنه (٧) بتقدير توثيق محمّد بن عيسى.

فإنْ قلت : على تقدير ما فهمه البعض من الإجماع على تصحيح‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٦٧ / ٩٩٦.

(٢) في ص : ٩٢٥.

(٣) رجال النجاشي : ٣٠٥ / ٨٣٣.

(٤) راجع ج ١ ص ١٠٨ ، ح ٤ ص ٨٩.

(٥) راجع ج ١ ص ٣٣١ ، ٣٤٥ ، ج ٢ ص ٢٣١ ، ج ٣ ص ١٦.

(٦) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠ / ١٠٥٠.

(٧) راجع ج ١ ص ٥٩.

٢١٠

ما يصحّ عن الرجل ، هل يكون الحديث موثّقاً بتقدير مدح محمّد بن عيسى؟

قلت : قد مضى عن بعض محقّقي المعاصرين سلّمه الله أنّ الخبر يوصف بالموثق (١) مع أنّه أخذ في تعريف الموثّق ما يقتضي خروجه ، لكنه علّل ما ذكره بأنّ الحديث يوصف بأحسن الوصفين. وفيه تأمّل ، إلاّ أنّ الأمر سهل إذا كان كلّ من عمل بالموثّق عمل بالحسن.

وما قدّمناه عن العلاّمة في المختلف من وصف بعض روايات من أجمع على تصحيح ما يصحّ عنهم بالصحّة مع كونه على خلاف المذهب ؛ أجبنا (٢) عنه فيما مضى من أنّه خلط للاصطلاح المتأخر بالمتقدم (٣) ، لكن اللازم منه أنْ يوصف هذا بالحسن على تقدير ما فهمه البعض من معنى الإجماع ، والإشكال فيه ظاهر بالنسبة إلى تعريف الحسن ، وبالجملة فالارتياب حاصل في وصف الخبر ، فليتأمّل.

أمّا ما نقله شيخنا في باب بول الخشّاف في غياث عن الكشّي ، ونقله عن حمدويه ، عن بعض أشياخه ، وأنّ البعض غير معلوم ، وأنّ الظاهر أخذ الشيخ وصف كونه بترياً من الكشّي (٤) ، ففيه : أنّه في نهاية البعد عن الشيخ ، على أنّا لم نقف في الكشّي الآن على ما ذكره قدس‌سره وهو أعلم ، وفي الكافي روى الخبر عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن غياث بن إبراهيم ، إلى آخره (٥).

__________________

(١) راجع ص ١٢٦ ، ١٢٧.

(٢) في « م » : أُجيب.

(٣) راجع ص ١٧٨ ، ١٧٩.

(٤) المدارك ٦ : ١٠٦ بتفاوت.

(٥) الكافي ٣ : ٣٨٤ الصلاة ب ٦١ ح ١٤.

٢١١

المتن :

لا بُدّ قبل الكلام فيه من نقل ما وقفت عليه من الأخبار غير ما ذكره الشيخ هنا ، وكذلك نقل الأقوال المنقولة في المقام ، فاعلم أنّ الشيخ روى في التهذيب ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أخيه الحسين بن علي بن يقطين في نسخة ، وفي اخرى بعد الحسين : عن علي بن يقطين ، ولعلّها الصواب لكثرة الوقوع قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يركع مع الإمام يقتدي به ثم يرفع رأسه قبل الإمام؟ قال : « يعيد ركوعه معه » (١).

عنه ، عن البرقي ، عن ابن فضّال قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في رجلٍ كان خلف إمام يأتمّ به فركع قبل أنْ يركع الإمام وهو يظنّ أنّ الإمام قد ركع ، فلمّا ركع رآه لم يركع ، رفع رأسه ثم أعاد الركوع مع الإمام ، أيفسد ذلك عليه صلاته ، أم تجوز تلك الركعة؟ فكتب : « يتمّ صلاته ولا يفسد بما صنع صلاته ».

وهذه الرواية رواها الشيخ مع الاولى في زيادات الصلاة (٢) ، وروى الخبر الثاني من المبحوث عنهما في غير الزيادات ، لكن من غير لفظ « أبيه » بعد أحمد بن محمّد بن عيسى (٣).

وروى أيضاً عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد ابن سنان ، عن حمّاد بن عثمان وخلف بن حمّاد ، عن ربعي بن عبد الله ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٧٧ / ٨١٠ ، الوسائل ٨ : ٣٩١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٧٧ / ٨١١ ، الوسائل ٨ : ٣٩١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٤٧ / ١٦٤.

٢١٢

عن ابن أبي الجارود (١) والفضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قالا : سألناه عن رجلٍ صلّى مع إمام يأتمّ به فرفع رأسه من السجود قبل أنْ يرفع الإمام رأسه من السجود؟ قال : « فليسجد » (٢).

والسند كما ترى في النسخة التي وقفت عليها ، وهي معتبرة ، وغير خفي أنّ الصواب ابن الجارود بدل ( عن ) ولفظ « أبي » سهو ، كما يعرف من الرجال (٣).

ثم إنّ الحديث غير واضح الصحّة ؛ لاحتمال عطف خلف بن حمّاد على حمّاد بن عثمان فيكون في السند محمّد بن سنان ، وحاله تكرّر القول فيها (٤) ، واحتمال العطف على محمّد بن سنان يتوقف على المرجّح ، ولا أعلمه ؛ لأنّ في الرجال يروي عن خلف بن حمّاد أحمد بن محمّد بن عيسى وأحمد بن أبي عبد الله ، عن محمّد بن خالد البرقي ، عنه (٥).

وهذا كما ترى يحتمل أنْ يكون الراوي عن خلف أحمد بن محمّد ابن عيسى ، وأحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عنه ، ويحتمل اشتراك أحمد ابن محمّد بن عيسى وأحمد بن أبي عبد الله في أبيه ، لكن الفائدة منتفية مع عدم الجزم برواية أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن خلف ؛ ولو فرض جميع ما احتملناه لا مانع من رواية أحمد بن محمّد بن عيسى عن خلف بواسطة ابن سنان ، فوصف شيخنا قدس‌سره الرواية بالصحّة في المدارك (٦) لا أعلم‌

__________________

(١) في المصدر : عن ربعي ، عن عبد الله بن الجارود.

(٢) التهذيب ٣ : ٤٨ / ١٦٥ ، الوسائل ٨ : ٣٩٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ١.

(٣) رجال النجاشي : ١٦٧ / ٤٤١ ، رجال الطوسي : ١٩٤ / ٣٩.

(٤) في ص ٨٥.

(٥) الفهرست : ٦٧ / ٢٦٢.

(٦) المدارك ٤ : ٣٢٨.

٢١٣

وجهه ، إلاّ ممّا سنذكره.

وقد رواه الصدوق في الفقيه عن الفضيل بن يسار (١) ، وفي الطريق كلام إلاّ أنّ مزيّة الرواية حينئذٍ ظاهرة ، ولو لا أنّ شيخنا قدس‌سره قال : صحيحة ربعي والفضيل لأمكن أنْ يكون اعتمد على طريق الصدوق ؛ وحكى بعض محقّقي المتأخرين رحمه‌الله في شرح الإرشاد أنّ العلاّمة في المنتهى قال : ما رواه محمّد بن سنان والفضيل ، وعلى هذا تكون الرواية صحيحة (٢) ؛ إلاّ أنّ احتمال ظنّ العلاّمة أنّ الفضيل معطوف على محمّد بن سنان ممكن ، وغير خفي عدم تماميته ؛ لأنّ محمّد بن سنان روى عن حمّاد بن عثمان ، كما في التهذيب (٣) ، فكان ينبغي ما رواه حمّاد بن عثمان والفضيل ، لا محمّد بن سنان والفضيل ، ولو كان مأخذ العلاّمة غير التهذيب أمكن توجيه صحّة الحديث ، وبالجملة فالاشتباه حاصل ، وربما يظنّ قرب عطف خلف على محمّد.

وقد روى الشيخ في الزيادات ، عن سعد ، عن أبي جعفر ، عن الحسن بن علي بن فضّال قال : كتبت إلى الرضا عليه‌السلام (٤) ، وذكر المتن السابق عنه ، وهذا السند ربما كان أسلم من ذاك ، بسبب البرقي ، وإنْ اشتركا في الحسن بن علي بن فضّال.

وروى أيضاً في الزيادات بسند غير سليم يتضمن إعادة السجود (٥) ، هذا.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٨ / ١١٧٣.

(٢) مجمع الفائدة ٣ : ٣٠٩.

(٣) التهذيب ٣ : ٤٨ / ١٦٥.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٨٠ / ٨٢٣.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٨٠ / ٨٢٤.

٢١٤

وأمّا الأقوال في المسألة : فقيل : إنّ المشهور كون المأموم إذا رفع رأسه قبل الإمام يستمر مع العمد على سبيل الوجوب (١) ؛ بل قال شيخنا قدس‌سره إنّه لا يعلم فيه مخالفاً صريحاً ، نعم قال المفيد في المقنعة : ومن صلّى مع إمامٍ يأتمّ به فرفع رأسه قبل الإمام فليعد إلى الركوع حتى يرفع رأسه معه ، وكذلك إذا رفع رأسه من السجود قبل الإمام فليعد إلى سجوده ، ليكون ارتفاعه عنه مع الإمام ؛ وإطلاق كلامه يقتضي عدم الفرق بين العامد والناسي (٢). انتهى.

وأمّا مع النسيان فقد قيل : إنّ المشهور الإعادة على سبيل الوجوب أيضاً (٣).

وينقل [ على (٤) ] الحكم الأوّل يعني الاستمرار مع العمد الاستدلال بالخبر الثاني من الخبرين المبحوث عنهما ، وبأنّه لو عاد إلى الركوع أو السجود يكون قد زاد ما ليس من الصلاة ، وهو مبطل ؛ إذ لا عذر.

واعترض عليه شيخنا قدس‌سره بضعف الرواية ، وعدم دلالتها على العمد ، وبأنّ الفعل المتقدم وقع منهياً عنه ، لترتّب الإثم إجماعاً ، فلا [ يبرئ ] الذمّة ، وإعادته تستلزم زيادة الواجب ، وهو مبطل ، فيحتمل بطلان الصلاة لذلك ، ويحتمل وجوب الإعادة ، كما في الناسي إنْ لم يثبت البطلان ، لإطلاق الروايات المتضمنة للإعادة (٥). انتهى.

وفي نظري القاصر : أنّ فيه تأمّلاً ، أمّا أوّلاً : فلأنّ الخبر الموثق إذا‌

__________________

(١) روض الجنان : ٣٧٤.

(٢) المدارك ٤ : ٣٢٧.

(٣) المدارك ٤ : ٣٢٨.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٥) المدارك ٤ : ٣٢٨.

٢١٥

انضمّ إليه الشهرة بل عدم علم المخالف لا يقصر عن الصحيح ، كما يشهد به التأمّل في رجال الصحيح ممّا فيهم من التعارض في الجرح غالباً ، أو المعارض من الأخبار ، إذ قلّ ما يسلم من ذلك خبر.

وأمّا ثانياً : فلأنّ عدم دلالة الخبر على العمد إنْ أُريد به خصوصاً فمسلّم ولا يضرّ ؛ إذ الإطلاق كافٍ عند المعروفين من الأصحاب.

وأمّا ثالثاً : فلأنّ النهي عن الفعل إنما يتحقق إذا قلنا : إنّ الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضدّه ، وهو لا يقول به ؛ والوجه في ذلك أنّ الواجب المتابعة ، وإذا لم يتابع حصل النهي عن عدمها ، والفعل وهو الرفع في المثال من قبيل الضدّ الخاص.

وترتّب الإثم بالإجماع إنْ أُريد به على عدم المتابعة لا يفيد ، وإنْ أُريد على نفس الرفع فلا إجماع ؛ إذ القائل بعدم الاستلزام لا يقول به هنا ، ولو فرض أنّه وقع الإثم في عبارة بعض أمكن أنْ يتوجّه عليه ما قلناه.

وما قاله جدّي قدس‌سره في الروضة : من أنّ عدم البطلان مع العمد لكون النهي ليس عن جزء الصلاة ، بل عن المتابعة ، وهي خارجة (١) ؛ قد أوردنا عليه في حواشيها ما لا بُدّ منه مفصّلاً.

والحاصل أنّ المتابعة إنْ أراد بكونها خارجة عن مطلق الصلاة فلا نسلّم ذلك ، بل هي جزء من صلاة الجماعة ، واللازم من هذا أنْ تكون صلاة الجماعة منهيّاً عنها ، لتعلّق النهي بجزئها ، ويلزم بطلان الجماعة.

ويحتمل بطلان الصلاة ؛ لما أشرنا إليه سابقاً من أنّ جنس الصلاة لا يتقوّم إلاّ بفصل ، فإذا فات الفصل وهو الجماعة أمكن بطلان الجنس‌

__________________

(١) الروضة البهية ١ : ٣٨٥.

٢١٦

الذي مع الفصل. ويحتمل الصحّة ؛ لقيام فصل آخر عوضه وهو الانفراد ، لكن لمّا لم يكن الانفراد مقصوداً احتمل البطلان ، لعدم تقوّم الجنس بدون فصل ، إلاّ أنْ يقال : إنّ جنس الصلاة لا بُدّ له من فصل ، إمّا الانفراد أو الجماعة ، فإذا انتفت الجماعة خلفها الانفراد ، وفيه : أنّ الانفراد يتوقّف على القصد ؛ نعم لو كان صيرورة الصلاة فرادى من غير قصد ممكناً توجّه الاحتمال ، ولا أعلم القائل بهذا ، ومن هنا يتّجه أنْ يقال بالبطلان لهذا الوجه ، ولم أرَ من ذكره من الأصحاب.

أمّا ما تخيّله بعض الأفاضل رحمه‌الله من أنّ المفارقة في الأثناء إذا جازت على قولٍ لما سبق من بعض أدلّته في هذا الكتاب عن قريب (١) فلا وجه للإثم مع العمد إذا رفع قبل الإمام ؛ فيدفعه : أنّ كلام القوم في الإثم مع بقاء القدوة قصداً ، ولهذا قال في المعتبر : تجب متابعة الإمام في أفعال الصلاة ، وعليه اتفاق العلماء (٢) ؛ مع أنّه هو (٣) وغيره (٤) نقل جواز الانفراد ، بل نُقل عن العلاّمة في النهاية دعوى الإجماع (٥) ، غاية الأمر أنّه يمكن أنْ يقال على القول بعدم وجوب استمرار الجماعة : لو (٦) تعمّد الإنسان المفارقة لا الانفراد مع قصد الجماعة لا وجه للإثم ، وقد ادُّعي الإجماع على الإثم فيدخل فيه القائل بجواز الانفراد.

وقد يجاب : بأنّ العبادة كيفية متلقاة من الشارع ، فإذا فعلها الإنسان‌

__________________

(١) راجع ص ١٨٥ ١٨٢.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٢١.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٤٨.

(٤) روض الجنان : ٣٧٨.

(٥) حكاه عنه في روض الجنان : ٣٧٨ ، نهاية الإحكام ٢ : ١٢٨.

(٦) في « م » : ولو.

٢١٧

على غير وجهها مع قصد كونها من الشارع أثِمَ وإنْ كانت مستحبة ، كما في كثير من النظائر.

وفي النظر القاصر : أنّ هذا ربما يستلزم النهي عن نفس الفعل ، كما لو فرض أنّ الإنسان صلّى النافلة بغير وضوء مع اعتقاد المشروعية ، فإنّ النهي يتوجّه إلى الصلاة.

ومثل هذا يقال فيمن رفع قبل الإمام بقصد الجماعة التي جزؤها المتابعة أو جزؤها عدم الانفراد ، فإنّ الرفع مثلاً من الركوع كيفية متلقاة من الشارع ، إمّا بأنْ يؤتى بها بقصد الجماعة متابعاً ، أو بقصد الانفراد ، فإذا أتى بها مع قصد الجماعة من دون المتابعة لا تكون مجزية ، للنهي ، وحينئذٍ يتمّ كون الفعل منهياً عنه ، والتفات شيخنا قدس‌سره إلى هذا لا أظنّه ؛ لعدم سماعه منه حال الاشتغال عليه في البحث المذكور.

ومنه يعلم ما في كلام جدّي قدس‌سره في الروضة من قوله : إنّ المتابعة خارجة عن الصلاة (١) ؛ وهذا غير ما ذكرناه سابقاً (٢) ، وربما يرجع بنوعٍ من الاعتبار إلى بعضه.

وما عساه يقال : إنّ فعل غير المشروع أيّ نهي ورد عنه؟ بل غاية الأمر أنّ الفعل باطل ؛ لعدم موافقة الأمر ، والإثم إنّما هو على اعتقاد مشروعية ما ليس بمشروع ، على أنّ الإثم على الاعتقاد يحتاج إلى دليل.

يمكن الجواب عنه : بأنّ الظاهر عدم الخلاف في تحقق النهي ، وعدم الإثم على الاعتقاد إنما هو إذا لم يفعل الشي‌ء المعتقد.

ويشكل : بأنّ ما دلّ على عدم المؤاخذة على الاعتقاد يتناوله ،

__________________

(١) راجع ص ٢١٥.

(٢) في ص ٢١٥ ٢١٦.

٢١٨

وما يدلّ عليه بعض الآيات من المؤاخذة مخصوص بالإيمان.

وفيه : أنّ التخصيص موقوف على الدليل ، وقد وجدت في الكافي حديثاً بطريق حسن عن بكير تضمّن أنّ من همّ بسيّئةٍ لم تكتب عليه ، فإنْ عملها كتبت عليه سيّئة (١). وهذا يدلّ على أنّ العقوبة على الفعل دون العزم ، فتأمّل.

فإنْ قلت : ما وجه ما ذكرته بقولك : أو جزؤها عدم الانفراد؟

قلت : لأجل دخول الحالة التي لم يفعل فيها المتابعة ولم يقصد الانفراد مع صحّة الجماعة عند المعروفين.

وما عساه يقال : إنّ العدم لا يكون جزءاً.

يمكن الجواب عنه : بأنّ العدم في الأحكام الشرعية قد يذكر ويراد به ما يرجع إلى الوجود ، وهنا قد يعبّر عن العدم بالحالة التي لم يقصد فيها الانفراد ، ولهذا في الفقه نظائر يطول بذكرها لسان المقال ، فينبغي التأمّل التام فيما ذكر على حسب مقتضى الحال.

وإذا عرفت هذا فاعلم أنّه يمكن أنْ يؤيَّد خبر غياث بالأصل ؛ لأنّ الأصل الصحّة بعد تحققها قبل فعل ما فعل ، وما دلّ من الأخبار المعتبرة كصحيح علي بن يقطين المنقول من التهذيب (٢) ، وغيره كالخبر الأوّل من المبحوث عنهما يحمل على جواز الرجوع ( إنْ لم يثبت الإجماع على استمرار العامد وجوباً ، أمّا ما ذكره الشيخ من حمل ما دلّ على الرجوع ) (٣) على الساهي فيحتاج إلى ترجيح بعد ما ذكرناه من الحمل.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٤٤٠ الايمان والكفر ب ١٩٣ ح ١ ، وفيه : عن ابن بكير.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٧٧ / ٨١٠.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

٢١٩

فإنْ قلت : الأصل الذي ذكرته غير تام ؛ لأنّ العبادة متلقّاة من الشارع ، والمعروف في الجماعة المتابعة ، فأصالة صحّة الصلاة جماعةً موقوفة على المتابعة ، فإذا زالت زال الأصل.

قلت : المتابعة المعروفة من الشارع شرطاً للصحّة مرجعها إلى الإجماع المدّعى من المحقّق في المعتبر على ما نقل عنه ، مع روايةٍ رواها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : « إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به ، فإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا » (١) (٢).

وغير خفي أنّ الإجماع تحقّقه في ما نحن فيه على وجه الشرطية في الصحّة غير معلوم ، كيف وقد جزم الأكثرون بالاستمرار وصحّة الصلاة جماعةً ، والخبر المروي لا يدلّ على ما نحن فيه ، بل إنما يدلّ على المتابعة إذا ركع ، وإذا سجد الإمام ، أمّا بقية الأفعال فترجع إلى الإجماع ، وقد سمعت القول فيه ، وسيجي‌ء (٣) التنبيه على ما يصلح (٤) في الجملة للدلالة على وجوب المتابعة ، وكلامنا هنا على ما ذكره القوم.

فإنْ قلت : الإجماع أيضاً وقع على إثم من رفع عمداً ، واللازم منه البطلان فترتفع أصالة الصحّة.

قلت : لزوم البطلان أوّل المدّعى ، كيف وقد قال بالصحّة من قال بالإثم.

فإنْ قلت : القائل بالصحّة والإثم جعل متعلق الإثم خارجاً عن‌

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٣٩٢ / ١٢٣٨.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٢١.

(٣) في ص : ٢٢٢.

(٤) في « م » : يصحّ.

٢٢٠