إستقصاء الإعتبار - ج ٧

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-179-6
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٤٨٦

اجتنبت ترجى الغفران من الله لغيرها من الذنوب ، وحينئذٍ لا يتمّ إطلاق ما ذكرناه في الآية ، وقد مشينا في الجواب على قول الأصحاب ، والاحتمال في تفسيرها بعد خبر الكليني الدال على الآية وتفسير الكبائر السبع في رواية الصدوق لا يخلو من وجه ، لولا نوع اختلاف في السبعة ، وفي الظن أنّ هذا الوجه أقرب إلى الاعتبار ؛ إذ الأخبار الدالّة على السبعة والأخبار الدالّة على الأزيد لا بُدّ من الجمع بينها ، وهذا وجه للجمع ، وبه يتّضح أنّ الكبائر لا تنحصر في السبعة ، وأنّ الآية لا تحتاج إلى ما ذكرنا ؛ فليتأمّل هذا فإنّي لم أر من حقّقه.

الموضع الرابع : قد تقدّم (١) في تعريف العدالة منافيات المروءة ، ونقلنا عن المختلف عدم ذكر هذا (٢) ، لكنه في تهذيب الأُصول ذكر ذلك ، وقد قدّمنا (٣) عدم وضوح الدليل على اعتبارها ، كما قدّمنا في باب الجمعة جملةً من معناها (٤) ، وفي كلام بعض أنّ صاحب المروءة هو الذي يصون نفسه عن الأدناس ولا يبيّنها (٥) عند الناس ، أو الذي يحترز عمّا يسخر به ويضحك منه ، أو الذي يسلك سلوك أمثاله في زمانه ومكانه ، ( فمن ترك المروءة لبس ما لا يليق بأمثاله ، ) (٦) [ كلبس (٧) ] الفقيه لباس الجندي ويتردد به في البلاد ، ولبس التاجر ثوب الحمّالين (٨) ، ومنه المشي في الأسواق‌

__________________

(١) في ص : ١٤١.

(٢) راجع ص ١٤١ ، وهو المختلف ٢ : ٤٨٠.

(٣) في ص ١٤٥.

(٤) في ص ٥٥.

(٥) في رض : وما يشبهها ، وهي غير واضحة في « فض » و « م » ، وما أثبتناه موافق للمصدر.

(٦) ما بين القوسين ليس في النسخ ، أثبتناه من المصدر.

(٧) في النسخ : كلباس ، والأولى ما أثبتناه.

(٨) في « فض » و « م » : الجمّالين.

١٦١

والمجامع مكشوف الرأس والبدن إذا لم يكن أهل المجلس كذلك ، ومنه مدّ الرجلين في مجالس الناس ، والأكل في الأسواق ، إلاّ أنْ يكون الشخص سوقياً أو بدوياً أو قروياً أو يكون عادة تلك البلد ذلك ، ومنه أنْ يقبّل زوجته أو أمَته بين الناس ، أو يحكي ما يجري بينه وبينهما في الخلوة ، أو يكثر من الحكايات المضحكة ، أو يخرج من حسن العشرة التي هي مطلوبة عقلاً وعادةً مع أهله وإخوانه وجيرانه ومخالطيه ومعامليه ، كأن يضايق في المطعم القليل ، ويأكل وحده نفيس الأطعمة ويطعم غيره أقلّ ما يجزئ شرعاً ، ولا يلتفت إلى الجيران بإطعامٍ وماءٍ ، ونحو ذلك مضايقتهم في الأُمور المشتركة ، ومنه أن يباشر نقل الماء والنار والأطعمة إلى البيت ليشحّ عن دفع الأُجرة ، أمّا لو كان لكسر نفسه فلا (١).

وقد ذكر جدّي قدس‌سره في الروضة : أنّه لا يقدح فعل السنن وإن استهجنها العامّة وهجرها الناس ، كالكحل والحنّاء والحنك في بعض البلاد ، وإنّما العبرة بغير الراجح شرعاً (٢). انتهى. ولا يخفى أنّ الرجحان الشرعي وعدمه إذا علما فلا إشكال.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ فعل منافيات المروءة إذا أخلّ بالعدالة إمّا لكونه جزءاً منها أو شرطاً هل يحتاج إلى الندم بعد وقوعها ، والإصرار عليها كالإصرار على الصغائر فتصير كبيرة أم لا؟ لم أقف على مصرّحٍ بشي‌ءٍ من ذلك ، ( وظاهر تعريف العدالة ) (٣) أنْ تكون كالصغائر ، وكونها كبيرة مع الإصرار محل تأمّل.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٠٢ بتفاوت.

(٢) الروضة ٣ : ١٣٠.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « فض ».

١٦٢

وقد ذكر بعض الأصحاب أنّ الإصرار على الصغيرة إمّا بالفعل ، أو بالحكم ، فالأوّل كالمواظبة على نوع أو أنواع من الصغائر ، والثاني كالعزم على فعلها ثانياً بعد وقوعه وإن لم يفعل (١). وادّعى بعض أنّ هذا هو الظاهر (٢) ، لكن في جهة منافيات المروءة لم يذكروا ما لا بُدّ منه ، ( والأخبار الواردة في الإصرار ستسمع حالها (٣) ) (٤).

ولعلّ عدم الخلاف يسهّل الخطب ، لكن مع حصول الإصرار أو منافيات المروءة أو فعل الكبيرة هل تنتفي العدالة التي هي الملكة على ما قالوه (٥) ، أو تبقى الملكة لكن المانع حصل لها ، أو بعض ما ذكر يقتضي زوالها والبعض مانع ، فالأوّل كالكبيرة والإصرار ، والثاني كمنافيات المروءة؟ لم أجد في كلام الأصحاب تصريحاً بالحال ، غير أنّ الذي يمكن أن يقال : إنّ الملكة بتقدير حصولها يبعد زوالها بفعل الكبيرة ، فإمّا أن يقال بحصول المانع مع بقاء الملكة في الجملة ، أو يقال بزوالها للاتصاف بالفسق ؛ إذ لا واسطة هنا ، وتظهر الفائدة لو حصلت التوبة ، هل تعود الملكة لانتفاء المانع ، أو يتوقف على تحصيل ملكة بعد ذلك؟ لم أقف على ما يقتضي توضيح المقام.

نعم في كلام بعض الأصحاب أنّه لا خلاف في زوالها بارتكاب الكبيرة ، وكذلك بالإصرار على الصغيرة (٦) ؛ لأنّها كبيرة عندهم ، والظاهر‌

__________________

(١) القواعد والفوائد ١ : ٢٢٧.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣٢٠.

(٣) في ص : ٢١٨٦.

(٤) بدل ما بين القوسين في « م » : والاخبار الواردة في الإصرار غير سليمة.

(٥) الروضة البهية ١ : ٣٧٨ ، معالم الأُصول : ٢٠١ ، مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٣٥١.

(٦) المسالك ٢ : ٤٠١.

١٦٣

أنّها تعود بالتوبة والعمل الصالح ، مع احتمال الاكتفاء بالتوبة ، وهي الندامة ، والعزم على عدم الفعل لكونه قبيحاً ، ( لما سبق (١) من خبر الصدوق في كتاب التوحيد ) (٢) ، وللوالد قدس‌سره كلام في جواب المسائل المدنية يمكن أن يستخرج منه ما يصلح في المقام ، وسنذكره فيما يأتي إن شاء الله تعالى (٣).

الموضع الخامس : في ما تُعرف به العدالة ، وفي خبر عبد الله بن أبي يعفور (٤) ما يدلّ على معرفتها بنوعٍ من الشياع ، حيث قال عليه‌السلام فيها : « فإذا سُئل عنه في قبيلته ومحلّته قالوا ما نعلم منه إلاّ خيراً » وفي كلام بعض الأصحاب ثبوتها بالاستفاضة (٥) ، بل قيل إنّه مشهور (٦). فإنْ كان الالتفات في ذلك إلى الخبر أمكن توجيهه ، ولو نظر إلى ما ذكره جدّي قدس‌سره في دليل قبول الاستفاضة : من أنّ الظن الحاصل بها أقوى من شهادة العدلين فكانت أولى (٧) ؛ أمكن المناقشة بأنّ شهادة الشاهدين غير معلّلة بالظنّ ، فيجوز كون القبول تعبّداً.

ويؤيد هذا أنّ الشاهد الواحد لو كان الظنّ الحاصل به أقوى من الاثنين لزم الاكتفاء به ، ولا يقولون بذلك ، واحتمال خروجه بالإجماع له وجه ، إلاّ أنّ مقام المجيب يكفيه الاحتمال ، على أنّ مفهوم الموافقة فيه كلام تقدّم بيانه.

__________________

(١) راجع ص : ١٥٦.

(٢) ما بين القوسين أثبتناه من « م ».

(٣) في ص : ٢١٨٦ ٢١٨٧.

(٤) تقدّم في ص ١٤٢.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٢٥٤.

(٦) لم نعثر عليه.

(٧) المسالك ٢ : ٣٥٤.

١٦٤

ومن العجب أنّ ظاهر جدّي (١) قدس‌سره وجماعة (٢) اختصاص الاستفاضة بأشياء ، ولو كان الدليل ما ذكره لما كان حصل الفرق بين المواد.

وما عساه يقال : إنّ الاختصاص يجوز أن يكون الوجه فيه الإجماع على نفي ما عداها.

يمكن الجواب عنه : بأنّ الدليل حينئذٍ وهو مفهوم الموافقة لا وجه له ، إلاّ أن يقال إنّ الإجماع على ما عدا المذكورات الثابتة بالاستفاضة لمّا حصل بقي حكم المذكورات لا بالإجماع عليها ، بل بأنّ الظنّ فيها أقوى ، وفيه : ما تقدّم من الإشكال ، فإذا انتفى دليل المفهوم ولا إجماع على المذكورات لا يتمّ الاستدلال ، على أنّ قبول العدالة بالاستفاضة غير مذكور في جملة ما يثبت بالاستفاضة في عبارة البعض.

وعلى تقدير اعتبار الاستفاضة فقد صرّح جدّي قدس‌سره في الروضة : بأنّها استفعال من الفيض ، وهو الظهور والكثرة ، والمراد بها هنا يعني في بحث الشهادة شياع الخبر إلى حدٍّ يفيد السامع الظن الغالب المقارب للعلم ، ولا تنحصر في عدد ، ( بل يختلف باختلاف المخبرين ) (٣) ، نعم يعتبر أن يزيدوا عن عدد الشهود ، ليحصل الفرق بين خبر العدل وغيره (٤) ، انتهى.

وفي نظري القاصر أنّ الفرق يحصل وإن لم يزيدوا ؛ لأنّ اعتبار الشاهدين يقتضي ثبوت الحكم بهما من حيث كونها شهادة ، والاستفاضة‌

__________________

(١) في الروضة البهية ٣ : ١٣٥.

(٢) الشرائع ٤ : ٧٠ ، والشهيد في اللمعة ( الروضة ٣ ) : ١٣٥.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٤) الروضة البهية ٣ : ١٣٥.

١٦٥

من حيث كونها استفاضة ، وحينئذٍ اعتبار وصف العدالة في الشاهدين يحتمل أن يكون من جهة أنّ الحكم بهما يتوقف على الحاكم ، بخلاف الاستفاضة فإنّها لا تتوقف على حكم الحاكم ، فإذا أخبر اثنان عدلان فلهما جهتان ، أحدهما : جهة الشهادة فلا يحكم بهما ( إلاّ الحاكم وثانيهما جهة الاستفاضة فلا تتوقف ، وحينئذٍ تكون الاستفاضة أعمّ.

فإن قلت : تكون ) (١) من أين توقف الشهادة على الحكم دون غيرها؟

قلت : لأنّ دليل قبول شهادة الشاهدين الإجماع ، وتحقّقه في القبول عند غير الحاكم محلّ تأمّل ، وقبولهما في بعض المسائل عند غيره بالدليل لا يقتضي القبول في غيرها.

وما عساه يقال : إنا إذا رأينا في المسائل ما يثبت عند غير الحاكم وفيها ما يثبت عنده عدم علمنا توقف شهادة الشاهدين على الحكم على الإطلاق ، فيحتاج دعوى توقف شهادة الشاهدين على الحاكم إلاّ ما خرج بالدليل إلى إثبات.

يمكن الجواب عنه : بأنّ المطلوب ثبوت شهادة الشاهدين عند غير الحاكم فيما نحن فيه ، ومع عدم ثبوت ( إطلاق القبول ) (٢) لا يتمّ المطلوب كما لا يخفى على المتأمّل.

وهذا الذي ذكره قدس‌سره في بحث الشهادة وإن اقتضى التخصيص كما نبّه عليه بقوله : هنا ، إلاّ أنّ الإشكال لا يندفع ؛ لأنّ ما نحن فيه ثبوت العدالة بالاستفاضة متوقف على الدليل ، ولعلّ الخبر له دلالة مع تأييد الشهرة‌

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

١٦٦

المنقولة ، أمّا ثبوتها بالشاهدين عند غير الحاكم فقد علمت ما فيه ، نعم يمكن أن يقال بثبوتها بإخبار العدل ؛ لعموم آية ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ ) (١) وإشكال الوالد قدس‌سره ( في الآية ) (٢) قد قدّمنا القول فيه (٣).

وأمّا ثبوت العدالة بالمعاشرة الباطنة فهو مذكور في كلام البعض (٤) ، إلاّ أنّ ذكر الباطنة لا يخلو من خفاء ؛ لأنّ الاطلاع على البواطن بعيد التحقق ، إلاّ أن يراد به حصول الظن الغالب ، والتعبير بالباطن ( لإرادة أنّ ) (٥) مجرد الاطلاع على الظاهر لا يكفي ، وله نوع وجه.

لكن لا يخفى أنّ هذا في جانب الإصرار على الصغيرة ومنافيات المروءة في غاية الإشكال ، والالتفات إلى الملكة المذكورة يزيد الإشكال ، ولو نظرنا إلى ظاهر خبر ابن أبي يعفور أمكن الاكتفاء بما دون الملكة.

والذي ذكره الوالد قدس‌سره فيما أشرنا إليه هو أنّ المراد بالملكة الصفة المستقرة زماناً تباين باعتباره الأعراض السريعة الزوال ، فهي ما من شأنها زجر النفس ومنعها من فعل الكبائر والإصرار على الصغائر وفعل ما ينافي المروءة ، ولمّا كانت هذه الصفات ممّا لا تدرك بالحسّ وإنّما تعلم بالآثار الصادرة عنها اعتُبر في معرفتها حصول العشرة والملازمة التي يتكرر فيها صدور الآثار الظاهرة عن تلك الحالة الباطنة ، بحيث يعلم بالعادة (٦) أنّ مثلها لا يصدر إلاّ عن الملكة.

__________________

(١) الحجرات : آية ٦.

(٢) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٣) في ص ٢١٨٣.

(٤) روض الجنان : ٣٦٤.

(٥) بدل ما بين القوسين في « رض » و « م » ، لأنّ إرادة.

(٦) في « م » : بالإعادة.

١٦٧

قال قدس‌سره : واستبعاد بعض الأصحاب إمكان تحصيل العلم من حيث إنّ الأُمور الباطنة لا يعلمها إلاّ الله ؛ في غاية الضعف ، كيف والاستدلال بالأثر المحسوس على المؤثر المعقول أجلى ظهوراً وأكثر وقوعاً من أن يحتاج إلى مثال.

وربما قرب (١) قرب هذا الاستبعاد ببعد العلم بعدم مفارقة الكبائر ، بناءً على عمومها لكلّ ما وقع التوعد عليه بخصوصه في الكتاب والسنّة ، فإنّها إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبعين وسبعة ، كما يروى في بعض الأخبار.

ويدفعه ضعف البناء ، فإنّ المروي في الأخبار المعتمدة تخصيص الكبائر بما وعد الله عليه بالنار ، فروى الكليني في الصحيح عن ابن محبوب وذكر الرواية السابقة إلى أن قال : وروى في الحسن عن عبيد بن زرارة وذكر الرواية السابقة أيضاً ثم قال : هذا مع أنّ الملكة التي اعتبرناها لم يقع فيها أن لا يقع معها كبيرة ، وإنّما اعتبرنا فيها أن يكون من شأنها المنع ، بمعنى أنّ الكبيرة إذا خطرت بالبال أخذت تلك الملكة بالمدافعة ، ولا ريب أنّ من حصلت له هذه الحالة تكون طبيعته (٢) مقهورة مع الملكة.

وعلى القول بعموم الكبائر لو قدّر غلبة الطبيعة في بعض الأحيان ، إمّا لنوع غفلة تضعف بها الملكة ، أو لمزيد القرب من المعصية ، إذ في جملة الكبائر بالمعنى العام ما هو بهذه المثابة ، كبعض أنواع الغيبة ؛ فلا شك أن النفس بعد قضائها الوطر تعود إلى طاعة الملكة ( وتستشعر (٣) الندم‌

__________________

(١) في « م » : فرض.

(٢) في « م » : طبيعة.

(٣) في « فض » : ويستقر.

١٦٨

والتأسف ، وهو معنى التوبة المسقطة لحكم الكبيرة فأثر الملكة ) (١) على هذا التقدير إمّا عدم صدور الكبيرة إذا قلنا بتخصيصها ، أو المبادرة على أثرها بالتوبة لو قيل بالعموم ، ولا إشكال في ذلك بالنظر إلى المعنى العرفي للفسق ، فإنه غير صادق على من هذا شأنه. وكذا إن قلنا بثبوت الحقيقة الشرعية ، وأنّ المعنى العرفي له شرعي ، كما يشهد به حديث ابن أبي يعفور الوارد بتفسير العدالة. انتهى كلامه قدس‌سره.

ولقائل أن يقول أوّلاً : إنّ العلم إن أراد به العلم الحقيقي فهو من قبيل المحالات العادية بالنسبة إلى الاطّلاع على البواطن ، ومن ثمّ قال السيّد المرتضى رضي‌الله‌عنه فيما نقل عنه في مقام ردّ الاستدلال على الإجماع بقوله تعالى ( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ) (٢) : إنّ الآية تدلّ على وجوب اتّباع من عُلم إيمانه ، وإنّما يتحقق ذلك في المعصوم (٣). وحينئذٍ فاستبعاد من ذكر متوجه.

وإنْ أراد قدس‌سره بالعلم الظن الغالب والاطّلاع على الباطن به ؛ لا يكاد يتحقق ، سيّما بعد الاختلاف في الكبائر والإصرار على الصغائر ومنافيات المروءة. وإن أراد بالباطن معنى آخر ، وهو البعيد عن مطلق الظن ، فالكلام لا يساعد عليه.

وأمّا ثانياً : فما ذكره من دلالة الأخبار على التخصيص ، فيه : أنّ عدم الالتفات إلى معارضها لا وجه له ، كما أوضحناه سابقاً ، ومع التعارض الموجب لزيادة الارتياب في الكبائر وغيرها كيف يحصل الظن الغالب بل‌

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٢) النّساء : ١١٥.

(٣) الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٦٠٨.

١٦٩

مطلق الظن لحصول الملكة المانعة من اجتناب الجميع.

وأما ثالثاً : فقوله : إنّ الملكة لا تمنع أن تقع ، إلى آخره. فيه : أنّ تقدير الوقوع إمّا أن يوجب زوال الملكة ، أولا ، بل هو مانع من القبول ، فإن أوجب الزوال لتحقق الفسق حينئذٍ لم يكف مجرد التوبة ، بل لا بدّ من رجوع الملكة ، وقد صرّح بأنّ التوبة كافية ، وإن لم توجب الزوال بأن يكون ما فعل مانعاً من القبول لزم حصول الواسطة بين الفسق والعدالة ، وهو لا يقول به ، والوجه في ذلك : أنّ عدم القبول إنّما هو لحصول الفسق ، أو لعدم تحقق شرط (١) العدالة ، والحال أنّه لم يقل بالواسطة ، وإذا لم يقل بها لزم حصول الفسق ، وزوال الفسق لا يكون بمجرّد التوبة ، بل بتحصيل الملكة ، ولو نظرنا إلى عدم حصول الشرط لزم الواسطة ، وهي عدم القبول ، لا للفسق ، بل لحصول المانع ، فيصير القبول موقوفاً على العدالة ، وعدم القبول إمّا للفسق ، أو لعدم شرط العدالة ، ولا يقول به.

ويمكن أن يقال : إنّه لا مانع من الاتفاق بالفسق على معنى عدم العدالة ، أمّا لفقد الملكة ، أو لفقد شرطها ، أو لحصول المانع.

وفيه : أنّ اللازم من هذا حصول الواسطة.

إلاّ أن يقال : إنّ الواسطة المنفية بين العدل والفسق على الإطلاق ، وحينئذٍ لا مانع من كون الفسق له معنيان ، أحدهما : عدم الملكة ، وثانيهما : حصولها مع وجود المانع ، وهذا ربما يقول به ، كما في الشخص إذا كان أوّل البلوغ قبل أن يفعل شيئاً من ( الكبائر و ) (٢) منافيات العدالة ، فإنّه يصدق عليه أنّه فاسق ، بمعنى أنّه ليس بعدل قد حصّل الملكة ، مع أنّه‌

__________________

(١) في « م » : صدق.

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض » و « م ».

١٧٠

ليس بفاسق قد فعل موجب الفسق من الخروج عن الطاعة.

وفيه : أنّ الفرق حاصل بين ما نحن فيه وبين من ذكر ، فعلى تقدير القول بذلك يلزم تكثّر الواسطة ، على أنّ الظاهر من آخر الكلام منه قدس‌سره أنّ صدق الفسق على من هذا شأنه محلّ تأمّل.

وأمّا رابعاً : فما ذكره من أنّ التوبة معناها ما ذكر ، فيه : أنّ التوبة إن أُريد بها نفي العقاب على الكبيرة إذا تاب عنها فمسلّم ، إلاّ أنّ عود الملكة يحتاج إلى إثبات أنّ فعل الكبيرة إنّما كان مانعاً فلمّا زال رجعت ، والحال أنّه يحتمل أن يكون شرطاً أو جزءاً ، وحينئذٍ يحتاج إلى تحصيل الملكة ، ولا مانع من عدم العقاب مع عدم الملكة ، كما في المثال السابق بالشخص حين البلوغ.

وأما خامساً : فما ذكره في خبر ابن أبي يعفور لا يخلو من إجمال ، والذي يفهم من الخبر أنّ المانع من القبول ظهور ضد ما ذكر في الرواية ، وحينئذٍ يحتمل انتفاء المجموع ، أو البعض ، وعلى التقديرين فالرواية تدلّ على خلاف ما اعتبره في العدالة ، إلاّ بتكلّفٍ غير خفي.

بقي شي‌ء ، وهو أنّ الشيخ روى في التهذيب ، عن محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه (١) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قومٍ خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمّهم رجل فلمّا قدموا (٢) إلى الكوفة علموا أنّه يهودي ، قال : « لا يعيدون » الحديث (٣) ، وفيه دلالة على عدم اعتبار العشرة (٤) الباطنة كما‌

__________________

(١) في التهذيب ٣ : ٤٠ / ١٤١ : أصحابنا.

(٢) في التهذيب ٣ : ٤٠ / ١٤١ : صاروا.

(٣) التهذيب ٣ : ٤٠ / ١٤١ ، الوسائل ٨ : ٣٧٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٧ ح ١.

(٤) في « فض » : الفسق.

١٧١

لا يخفى.

وما عساه يقال : إنّ الخبر غير صحيح ؛ يمكن الجواب عنه : بأنّ الصدوق رواه عن نوادر ابن أبي عمير (١) ، والطريق إلى ابن أبي عمير لا ريب فيه ، واحتمال اختصاص طريق الرواية من غير النوادر ؛ بعيد ، وعلى كل حال مزيّتها (٢) غير خفية.

فإن قلت : كيف يروي الشيخ عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، والصدوق لم يذكر الإرسال ، بل قال في نوادر ابن أبي عمير : إنّ الصادق عليه‌السلام ، إلى آخره.

قلت : يحتمل أن يكون الصدوق ذكر ما (٣) في نوادر ابن أبي عمير من غير ذكر الإرسال وإن كان في النوادر عن بعض الأصحاب اعتماداً على صحّة أخبار ابن أبي عمير عن الصادق عليه‌السلام ، وإن كان بواسطة بعض الأصحاب.

وما عساه يقال : إنّ هذا يستلزم الحكم بصحة مراسيل ابن أبي عمير ، وقد تقدّم التوقف في هذا (٤) ، ومثل الصدوق كلامه حجّة على ما مضى أيضاً ، فيصلح مستنداً لقبول مراسيل ابن أبي عمير.

يمكن الجواب عنه : بجواز ظن (٥) الصحة لا للإرسال بل لقرائن‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٣ / ١٢٠٠.

(٢) في « م » و « رض » : مرتبتها.

(٣) في « رض » : ذكرها.

(٤) راجع ج ١ ص ١٠٢.

(٥) ليست في « فض ».

١٧٢

أُخر ، وفيه : أنّه يرجع الى الاجتهاد ، والتقليد فيه مشكل ، ولعلّ الشيخ نقله من غير النوادر ، وقد يشكل الحال بأنّ الإرسال يقتضي نوع قدح في ذكر الرواية في النوادر من غير إرسال. وبالجملة فالأمر لا يخلو من تأمّل ، لولا ما كرّرنا القول فيه من جهة الصدوق (١) ، فليتأمّل.

إذا عرفت هذا كلّه فاعلم أنّ ما سبق (٢) نقله عن البعض من الاكتفاء في الإمام بحسن الظاهر لعسر الاطّلاع على البواطن ، إن أُريد اعتبار العدالة ظاهراً فغير خفي أنّ مقابلته للقول بالعدالة غير واضح ، بل ينبغي أن يقال إنّ العدالة قيل باعتبار الاطّلاع على الباطن فيها ، وقيل بالظاهر.

وإن أُريد به الاكتفاء بظاهر حال المسلم من العدالة على معنى أنّ من لم يعلم فسقه تصحّ الصلاة خلفه [ فالدليل (٣) ] عليه لم أقف على نقله ، غير أنّ المذكور في كلام بعض في باب الشهادات أنّه يكفي في الشاهد الإيمان مع عدم ظهور الفسق ، وعلّل بأنّ الظاهر من حال المسلم عدم الإخلال بالطاعات وعدم فعل المنهيات (٤) ، والقائلون بالملكة أجابوا عن ذلك بأنّها وجودية فالأصل عدمها ، مضافاً إلى أنّ الناس فيهم من يجتنب ما ذكر ومن لا يجتنب ، بل الأكثر عدم الاجتناب ، فالظاهر لا وجه له.

والحقّ أنّ الملكة إن اعتبرت على وجه الشرطية فلا بدّ من العلم بها ، والأصل عدمها ، وإن لم تعتبر فالمستفاد من سابق بعض الأخبار ( عدم الصلاة خلف المجهول ، والجهالة محتملة لأن يراد بها عدم معلومية كونه‌

__________________

(١) راجع ص ١٣٨.

(٢) في « ص » : ١٣٥ ، وانظر المدارك ٤ : ٦٦ ، ٣٤٧.

(٣) في النسخ : والدليل ، والأولى ما أثبتناه.

(٤) الإشراف ( مصنّفات المفيد ٩ ) : ٢٥ ، الخلاف ٦ : ٢١٧ ، المسالك ٢ : ٣٦١.

١٧٣

مؤمناً أو غيره ، أو عدم معلومية فسقه من عدالته ، إلاّ أنّ ظاهر اللفظ التناول للجميع ، وما ورد في بعض الأخبار السابقة من المتجاهر بالفسق وإن اقتضى أنّ المجهول غير تابع إلاّ أنّ فيه إجمالاً ) (١).

وبالجملة : فالمشهور لا خروج عنه ، وإنّما أطنبنا القول في هذه المسألة زيادةً على المعتاد ، لأنّها من مهمات المسائل ، والمتأخرون من الأصحاب اكتفوا فيها بقليل من الدلائل ، فعليك بإنعام النظر فيما ذكرته ، والله وليّ التوفيق.

قوله :

باب من صلّى بقوم على غير وضوء‌

أحمد بن محمّد ، عن الحسن ( بن علي ) (٢) بن فضّال ، عن عبد الله بن بكير والحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن عبد الله بن بكير ، قال : سأل حمزة بن حمران أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلٍ أمّنا في السفر وهو جنب وقد علم ونحن لا نعلم؟ قال : « لا بأس ».

الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يؤمّ القوم وهو على غير طهر فلا يعلم حتى تنقضي صلاته؟ فقال : « يعيد ، ولا يعيد من صلّى خلفه وإن أعلمهم أنّه على غير طهر ».

عنه ، عن عثمان بن عيسى ، عن عبد الله بن مسكان ، عن عبد الله ابن أبي يعفور قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل أمّ قوماً وهو على‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « فض » : ما سمعته الأخبار ، وفي « رض » : ما سمعته.

(٢) ما بين القوسين ليس في « م ».

١٧٤

غير وضوء؟ فقال : « ليس عليهم إعادة ، وعليه هو أن يعيد ».

عنه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن قومٍ صلّى بهم إمامهم وهو على غير طهر ، تجوز صلاتهم أم يعيدونها؟ فقال : « لا إعادة عليهم ، تمّت صلاتهم وعليه هو الإعادة ، وليس عليه أن يُعلمهم ، هذا عنه موضوع ».

فأمّا ما رواه علي بن الحكم ، عن عبد الرحمن العرزمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « صلّى علي عليه‌السلام بالناس على غير طهر وكانت الظهر ، فخرج مناديه أنّ أمير المؤمنين صلّى على غير طهر فأعيدوا وليبلّغ الشاهد الغائب ».

فهذا خبرٌ شاذ مخالف للأحاديث ، وما هذا حكمه لا يعمل عليه ، وقد تضمّن أيضاً من الفساد ما يقدح في صحّته ، وهو أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام صلّى بالناس على غير وضوء وقد آمَنَنا (١) من ذلك دلالة عصمته عليه‌السلام.

وذكر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه قال : سمعت جماعة من مشايخنا يقولون : ليس عليهم إعادة شي‌ءٍ ممّا جهر فيه ، وعليهم إعادة ما صلّى بهم ممّا لم يجهر فيه.

السند :‌

في الأوّل : موثق على ما تقدّم في عبد الله بن بكير (٢) ، ثم إنّ الحسين‌

__________________

(١) في « رض » و « فض » : آمنا ، وفي « م » آمني ، وما أثبتناه موافق للإستبصار ١ : ٤٣٣ / ١٦٧١ ، والتهذيب ٣ : ٤٠ / ١٤٠.

(٢) في ص : ٩٠.

١٧٥

ابن سعيد محتمل للعطف على الحسن بن علي بن فضّال ، فيكون الراوي عنه أحمد بن محمّد بن عيسى بسند الشيخ إليه ، ويحتمل أن يكون سنداً آخر بطريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد ، وعلى كل حال فهو موثّق.

والثاني : صحيح على ما مضى (١).

والثالث : فيه عثمان بن عيسى وقد تكرر (٢).

والرابع : صحيح على ما تقرّر في رجاله (٣).

والخامس : فيه أنّ الطريق إلى علي بن الحكم غير مذكور في المشيخة ، وفي الفهرست ما لا يفيد تعيّناً (٤). وعبد الرحمن العرزمي قد تقدّم غير بعيد (٥) ، وفي التهذيب رواه عن عبد الرحمن العرزمي ، عن أبيه (٦) ، والأب مجهول ، ولا يبعد أن يكون سقوطه هنا سهواً من الشيخ أو الناسخ.

المتن :

في الأوّل : ظاهر الدلالة على أنّه لا بأس بصلاة المأمومين خلف الإمام إذا كان جنباً مع عدم علمهم ، إلاّ أنّ قوله : وقد علم ؛ محتمل لأن يراد به علمه قبل ثم نسيانه حال الصلاة ، ويحتمل علمه حال الصلاة وصلّى بهم ، واقتضاء هذا فسقه الموجب للإعادة عند بعض (٧) يمكن توجيهه عند‌

__________________

(١) راجع ص ٧٤.

(٢) راجع ص : ١٠٢.

(٣) راجع ج ١ ص ٥٦ ، ج ٦ ص ١٩١.

(٤) الفهرست : ٨٧ / ٣٦٦.

(٥) في ص ٦٢.

(٦) التهذيب ٣ : ٤٠ / ١٤٠.

(٧) حكاه في السرائر ١ : ٢٨٢ عن السيد المرتضى.

١٧٦

القائل بتقدير العمل به بالحمل على الاحتمال الأوّل ، أو على الجهل (١) ، وفي هذا بعد غير خفي ، أمّا على القول بعدم الإعادة مع الفسق لا إشكال ، واحتمال أنْ يراد بعلمه بعد ، لا وجه له بعد قوله : ونحن لا نعلم.

والثاني : واضح الدلالة ومتناول للجنب وغيره.

والثالث : مثله ، إلاّ أنّه خاص.

والرابع : كالثاني ، وفيه دلالة على أنّه ليس على الإمام الإعلام.

والخامس : ما ذكره الشيخ فيه من الشذوذ ينافي ما نقله عن الصدوق ؛ لأنّ الجماعة من مشايخه إذا قالوا بإعادة ما لم يجهر فيه والخبر وارد في الظهر فلا شذوذ إن أراد به عدم القائل ، وإن أراد به من جهة منافاة العصمة أغنى عنه قوله : وقد تضمّن ، إلى آخره.

إلاّ أن يقال : إنّ قوله وقد تضمّن ، يدلّ على أنّ غرضه بالشذوذ هذا ، فيكون في قوة التعليل.

وفيه : أنّ ظاهر قوله : شاذ مخالف ، كون الشذوذ من جهة أُخرى ، ويمكن أن يجعل الشذوذ من مخالفة الأحاديث لا من جهة عدم القائل.

وعلى كل حال فالذي نقله عن الصدوق قد ذكره في الفقيه بعد رواية محمّد بن أبي عمير السابقة المتضمنة للرجل الذي صلّى بالقوم ثم ظهر أنّه يهودي (٢) ، فيحتمل أن يخص (٣) الحكم به ، إلاّ أنّ الشيخ أعرف بالحال ، وربما يندفع عنه ما ذكرناه من جهة الشذوذ إذا عاد المسموع للقوم الذي ظهر أنّ إمامهم يهودي أو نصراني.

__________________

(١) في « م » الجهر.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٣ / ١٢٠٠ ، الوسائل ٨ : ٣٧٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٧ ح ١.

(٣) في « رض » : يختص.

١٧٧

وما عساه يقال : إنّ مع ظهور كونه يهودياً أو نصرانياً يتحقق عدم الطهارة ، فيتمّ مطلوب الشيخ.

يمكن الجواب عنه : بجواز اختصاص الحكم بمورده ، وهو فقدان الطهارة وما معها ، وقد ذكر الصدوق بعد ما سمعته ما هذه صورته : والحديث المفسّر [ يحكم (١) ] على المجمل ؛ والظاهر منه أنّ ما سمعه من مشايخه مفصّل ، والخبر مجمل ، فيحمل على عدم الإعادة في الصلاة الجهرية.

وغير خفي أنّ السماع من مشايخه وإن كان ظاهره الفتوى والمغايرة للحديث إلاّ أنّ الحمل على أنّ السماع بطريق الرواية لا مانع منه ، أو على أنّ قولهم لا بُدّ له من مستند إلى نص.

وما عساه يقال : إنّ الثاني لا يصلح للاعتماد لجواز الاجتهاد.

يمكن الجواب عنه : بجواز علمه بالاجتهاد على وجهٍ يرجع إلى الخبر.

والعجب من شيخنا قدس‌سره في المدارك أنّه قال عند قول المحقّق رحمه‌الله إذا ثبت أنّ الإمام فاسق أو كافر أو على غير طهارة لم تبطل صلاة المؤتم ، ولو كان عالماً أعاد ـ : أمّا أنّه يجب على المأموم الإعادة إذا كان عالماً ، إلى آخره. فلا ريب فيه ؛ لأنّه صلّى صلاةً منهياً عنها فكانت فاسدةً ، وأمّا أنه لا يجب عليه الإعادة إذا تبيّن ذلك بعد الصلاة فهو أشهر القولين في المسألة وأظهرهما ، ونقل عن المرتضى رضي‌الله‌عنه وابن الجنيد أنّهما أوجبا الإعادة ، وحكى ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه عن جماعةٍ من مشايخه‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٣ / ١٢٠٠ ، وما بين المعقوفين في النسخ : يحمل ، وما أثبتناه من المصدر هو الأنسب.

١٧٨

أنّه سمعهم يقولون ، إلى آخره (١). انتهى. والحال ما سمعت.

وحكى في المختلف عن ابن بابويه في المقنع أنّه قال فيه : لو خرج قوم من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمّهم رجل ، فلمّا صاروا إلى الكوفة أُخبروا بأنّه يهودي فليس عليهم إعادة شي‌ءٍ من الصلوات التي جهر فيها بالقراءة ، وعليهم إعادة الصلوات التي صلّى ولم يجهر بالقراءة (٢).

وغير خفي أنّ هذا صريح في أنّ ما قاله الصدوق بعد الرواية من تتمّتها ، وقوله : والحديث المفسّر ؛ حينئذٍ يكون صريحاً فيما قلناه ، وهذا يرجّح الاحتمال السابق ، وقد وقفت على كلام المختلف بعد ما كتبته ، فالتعجب من الشيخ ومن قدّمناه يزيد من هذا الكلام ، ويوجب فائدة أُخرى ، وهو الحكم من الصدوق بصحّة ما نقله في المقنع (٣).

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ العلاّمة احتجّ بالخبر الأوّل واصفاً له بالصحّة على مطلوبه من عدم الإعادة بتقدير تبيّن الكفر أو الفسق ، بعد أن قدّم عليها أنّها صلاة مأمور بها ، وذكر أيضاً رواية ابن أبي عمير في الحسن عن بعض أصحابه وهذه قدّمناها عن قريب عن الشيخ ، كما نقلها العلاّمة عن الصدوق من غير إرسال واعترض على نفسه : بأنّ عبد الله بن بكير فطحي ، ومورد الرواية غير محلّ النزاع ، ثم أجاب بأنّ ابن بكير وإن كان فطحياً إلاّ أنّ المشايخ وثّقوه ، وأنّ الكشّي قال في موضع : إنّه ممّن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، ثم قال : والفرق بين الجنب والكافر ضعيف (٤).

__________________

(١) المدارك ٤ : ٣٧٢.

(٢) المختلف ٢ : ٤٩٩ ، وهو في المقنع : ٣٥.

(٣) المقنع : ٣٥.

(٤) المختلف ٢ : ٤٩٧.

١٧٩

وأنت خبير بأنّ توثيق ابن بكير لا يوجب صحّة ( الخبر ، والإجماع على التصحيح إنّما هو على اصطلاح المتقدمين ، وذكر الصحيح منه خلط للاصطلاح. وخبر ابن أبي عمير ) (١) قد سمعت حاله من الفقيه (٢) ، والفرق بين الجنب والكافر بعد نقل الصدوق ظاهر ، فالعجب من هؤلاء الفضلاء كيف يغفلون عن هذه الأُمور ، والله تعالى أعلم بالحال.

قوله :

باب الإمام إذا أحدث فيقدّم (٣) من

فاتته ركعة أو ركعتان لإتمام الصلاة.

محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي المسجد وهم في الصلاة وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فيعتلّ الإمام فيأخذ بيده ( ويكون أدنى القوم إليه ) (٤) فيقدّمه؟ فقال : « يتمّ الصلاة بالقوم ثم يجلس حتى إذا فرغوا من التشهد أومأ بيده إليهم عن اليمين والشمال ، فكأنّ الذي أومأ إليهم بيده التسليم (٥) وانقضاء صلاتهم وأتمّ هو ما كان قد فاته أو ما بقي‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « م » : الأخبار والإجماع على ابن أبي بكير ، وعبارة : وذكر الصحيح ، ساقطة عن « رض ».

(٢) راجع ص ١٧٠ ١٧١.

(٣) في الاستبصار ١ : ٤٣٣ : فقدّم.

(٤) ما بين القوسين ليس في النسخ ، أثبتناه من التهذيب ٣ : ٤١ / ١٤٤ ، والاستبصار ١ : ٤٣٣ / ١٦٧٢.

(٥) في الاستبصار ١ : ٤٣٣ / ١٦٧٢ : وكأنّ الذي أومى بيده إليهم هو التشهد.

١٨٠