إستقصاء الإعتبار - ج ٧

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-179-6
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٤٨٦

وبالجملة : فالظن حاصل بأنّ الأخبار المرويّة في الفقيه لا تقصر عن الصحيح كما قدّمنا وجهه (١).

وروى الصدوق عن محمّد بن علي الحلبي ، عن الصادق عليه‌السلام ، أنّه قال : « لا تصلّ خلف من يشهد عليك بالكفر ، ولا خلف من شهدت عليه بالكفر » (٢). وروى عدم جواز الصلاة خلف من وقف على الإمام (٣) ، ومن قال بالجسم (٤).

وإذا عرفت هذا فاعلم أنّه يستفاد من معتبر الأخبار أنّ غير المؤمن لا يصلّى خلفه.

وكذلك فاعل الذنب لا يصلّى خلفه ؛ لدلالة خبر سعد عليه صريحاً ، حيث قال فيه : يقارف الذنب ، وفي القاموس ما يقتضي أنّ مقارفة الذنب اكتسابه (٥) ، والظاهر من الذنب الجنس الشامل للصغائر والكبائر.

وكذلك المجهول المستفاد من قول الصادق عليه‌السلام مع المغالي. وما تضمنه من اعتبار المجاهرة بالفسق يقتضي أنّ الذي فسقه مخفي لا يضر بالحال ، ولعلّ المراد به عدم ظهوره للمصلّي معه غالباً ، أمّا الاستدلال به على العدالة ففيه ما تعلم من تعاريفها إن شاء الله ، لكن الجمع بينه وبين من يقارف الذنب لا يخلو من إشكال ، إلاّ أنْ يحمل على المجاهرة بالفسق.

وما تضمنه خبر عمر بن يزيد من أنّ إسماع الكلام الغليظ لا يضر بالحال ينافي مقارفة الذنب ، لتحريم ذلك ، وذكر العقوق والقطيعة المراد‌

__________________

(١) ج ٣ ص ٢٧ ٢٩.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٩ / ١١١٥.

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٨ / ١١١٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٨ / ١١١٢.

(٥) القاموس المحيط ٣ : ١٩٠.

١٤١

بها في الظاهر قطيعة الرحم ربما يدلّ على تخصيص الذنب بالكبيرة ، وتخصيص الأمرين يحتمل أنْ يكون وجهه مورد السؤال ، فإنّ القريب إلى السؤال من الكبائر الأمران.

ويمكن أنْ يقال : إذا ثبت في بعض الكبائر الحكم ثبت في الجميع ؛ لعدم القائل بالفصل ، بل المقصود الأهمّ أنّ مقارفة الذنب ليس على وجه العموم ، لخبر عمر بن يزيد ، ويمكن أنْ يراد بالذنب : المشهور وهو الكبائر ، وعلى هذا يحتمل أنْ يراد بالمجاهر بالفسق فاعل الكبائر ، ويحتمل أنْ يراد به المخالف ، والعدول عنه إلى نكتة لا تخفى.

وما عساه يقال : إنّ المجهول لا وجه للمنع فيه إلاّ الفسق ؛ سيعلم الجواب عنه إن شاء الله.

وممّا حرّرناه يعلم أنّ احتمال إرادة من هو بالوصف الحاصل من الأخبار غير المرضي ، والمرضي في الأخبار الأُخر ، وكذا الموثوق به ، والدلالة على العدالة بالإطلاق محل بحث ، إلاّ أنْ يقال : إنّ الآية الواردة في الشهادة بقوله تعالى ( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ ) (١) / مع آية ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ ) (٢) تدلّ على أنّ المرضي هو العدل ، وفيه ما لا يخفى.

الموضع الثاني : على تقدير اعتبار العدالة فحقيقتها الشرعية غير معلومة ، وقد سبق في تعريفها في باب الجمعة بأنّها ملكة نفسانية باعثة على ملازمة التقوى ، التي هي القيام بالواجبات وترك المنهيات الكبيرة مطلقاً والصغيرة مع الإصرار عليها ، وملازمة المروءة (٣).

__________________

(١) البقرة : ٢٨٢.

(٢) الطلاق : ٢.

(٣) تقدّم في ص ٥٥.

١٤٢

وهذا التعريف ذكره في الروضة في باب الجماعة (١) ، وغير خفي المطالبة بالدليل على اعتبار الملكة والقيام بالواجبات وما ذكر معهما ، سيّما اعتبار ملازمة المروءة ، والإجماع على التعريف مشكل التحقق ، وقد صرّح العلاّمة في المختلف في مسألة عدم جواز إمامة الصبي بتعريفها بنحو مغاير لما ذكره جدّي قدس‌سره حيث قال : إنّها هيئة قائمة بالنفس تقتضي البعث على ملازمة الطاعات والانتهاء عن المحرّمات (٢). وغير خفي وجه المغايرة ، إلاّ أنْ يقال : إنّ غرض العلاّمة بالتعريف بيان انتفاء التكليف عن الصبي فاكتفى ببعض اللوازم. وفيه : أنّ المغايرة في الجملة حاصلة ، ولو سلّم فقد صرّح جدّي قدس‌سره في الروضة في باب الزكاة أنّ المروءة غير معتبرة (٣) فيها على ما صرّح به الشهيد في شرح الإرشاد (٤). وفي كتاب الشهادات للأصحاب زيادة عن شروط العدالة في غيرها (٥).

وبالجملة : فتحقيق العدالة شرعاً منتفٍ ، وفي اللغة على ما يقتضيه كلام البعض هي الاستقامة وعدم الميل (٦). وفائدة هذا التعريف فرع وقوعها في كلام الشارع في صلاة الجماعة على وجهٍ يعتمد عليه.

نعم ورد تفسيرها في بعض الأخبار ، وهو ما رواه الصدوق في الفقيه بلفظ : وروى عن عبد الله بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : بِمَ‌

__________________

(١) الروضة ١ : ٣٧٨.

(٢) المختلف ٢ : ٤٨٠.

(٣) في النسخ : مفسّرة ، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) الروضة ٢ : ٥١ ، وانظر غاية المراد ١ : ٢٦١.

(٥) انظر المقنعة : ٧٢٥ ، النهاية : ٣٢٥ ، المبسوط ٨ : ٢١٧ ، الكافي في الفقه : ٤٣٥ ، المهذب ٢ : ٥٥٦ ، المختلف ٨ : ٤٩٨.

(٦) المدارك ٤ : ٦٧.

١٤٣

تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال : « أنْ يعرفوه بالستر والعفاف وكفّ البطن والفرج واليد واللسان ، ويعرف (١) باجتناب الكبائر التي أوعد الله عزّ وجلّ عليها النار من شرب الخمور والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك ، والدلالة على ذلك كلّه أنْ يكون ساتراً لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك ، ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس ، ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين ، وأنْ لا يتخلّف عن جماعتهم في مصلاّهم ، إلاّ من علّة ، فإذا كان كذلك لازماً لمصلاّه عند حضور الصلوات الخمس ، فإذا سُئل عنه في قبيلته ومحلّته قالوا : ما رأينا منه إلاّ خيراً مواظباً على الصلوات متعاهداً لأوقاتها في مصلاّه ، فإنّ ذلك تجوز شهادته وعدالته بين المسلمين ، وذلك أنّ الصلاة ستر وكفّارة للذنوب ، وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنّه يصلّي إذا كان لا يحضر مصلاّه ويتعاهد جماعة المسلمين ، وإنّما جعل (٢) الجماعة والاجتماع ( إلى الصلاة ) (٣) لكي يعرف من يصلّي ممّن لا يصلّي ، ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممّن يضيع ، ولو لا ذلك لم يمكن لأحد (٤) أنْ يشهد على آخر بصلاح ، لأنّ مَن لا يصلّي (٥) لا صلاح له بين المسلمين ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هَمّ بأنْ يحرق قوماً في منازلهم ، لتركهم الحضور لجماعة‌

__________________

(١) في المصدر : وتعرف.

(٢) في « رض » و « م » : حصل.

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٤) في « فض » : لم يمكن أحد ، وفي « رض » : لم يكن لأحد.

(٥) في « رض » : لم يصلي. ، وفي « رض » لم يصل.

١٤٤

المسلمين ، وقد كان فيهم مَن يصلّي في بيته فلم يقبل منه ذلك ، وكيف تقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممّن (١) جرى الحكم من الله عزّ وجلّ ومن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٢) الحديث (٣).

وسيأتي في الكتاب ، لكن طريق الفقيه أقرب إلى الاعتبار ، وإنْ كان في الطريق نوع ارتياب يدفعه ما أسلفناه.

فإنْ قلت : ما وجه الارتياب في طريق الصدوق إلى عبد الله؟.

قلت : من جهة أنّه قال : روي عن عبد الله ، وقد قدّمنا أنّ في دخول هذا في المشيخة تأمّلاً ؛ لأنّ الظاهر منها ما رواه عن الشخص ، ولفظ « روي » يقتضي المغايرة ، إلاّ أنّه قابل للتوجيه.

وفي الطريق محمّد بن خالد البرقي وأحمد ابنه ، أمّا أحمد بن محمّد ابن يحيى العطّار فقد قدّمنا عدم التوقف فيه من مشايخنا ، وغيره أيضاً (٤) ، إلاّ أنّ في البين كلاماً مضى (٥) ، وتسديد الرواية برواية الصدوق تكرّر.

ثم إنّ الخبر كما ترى يدل على أنّ العدالة فيمن تعتبر شهادته يشترط فيها الستر والعفاف وكفّ البطن والفرج واجتناب الكبائر.

ولا يبعد أنْ يراد بالستر ستر العيوب ؛ لما يظهر من قوله : « ساتراً لجميع عيوبه » غير أنّ ستر العيوب في حيّز الإجمال ، وغير بعيد أنْ يتناول ستر العيوب إخفاء الذنوب إمّا بالتوبة عنها أو بوقوعها نادراً ، ويراد بها‌

__________________

(١) في النسخ : فمن ، وما أثبتناه موافق للفقيه ٣ : ٢٤ / ٦٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩١ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ١.

(٢) إنّ ذيل الحديث في الفقيه هكذا : فيه الحرق في جوف بيته بالنّار ، وقد كان يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين إلاّ من عِلّة.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٤ / ٦٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩١ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ١.

(٤) راجع ١ ص ٩١ ٩٢.

(٥) راجع ١ ص ٩١ ٩٢.

١٤٥

الصغائر فلا يكون مصرّاً عليها.

ويحتمل أنْ يراد بالمتجاهر بالفسق في الخبر السابق (١) مقابل الساتر لذنوبه ، إلاّ أنّ الجزم بإرادة هذا مشكل ، فلا يتم الاستدلال به على قولهم في تعريف العدالة عدم الإصرار على الصغائر (٢) ، ولو نظرنا إلى أنّ الإصرار يوجب عدّها كبيرة لدلالة بعض الأخبار (٣) ، أمكن دخولها في الكبائر المذكورة في الحديث ، وما ظنّه بعض من دلالة الخبر على حصر الكبائر ؛ محلّ بحث ؛ لأنّ قوله : « وغير ذلك » يدل على أنّ المذكور بعضها ، وسيأتي في خبر عبد العظيم ما يدلّ على الزيادة (٤) ، وكذلك في غيره (٥) ، وحينئذٍ فالخبر لا يدلّ على الحصر ، واحتمال أنْ يراد ب « غير ذلك » الإشارة إلى ما يعتبر في العدالة ، وكأنّه قال : اجتناب الكبائر وما تقدّم وغير ما ذكر.

وقوله : « والدلالة » إلى آخره. يراد به أنّ الدالّ على اجتناب ما ذكر وغيره ما قاله فيه ، ما أشرنا إليه من دلالة بعض الأخبار على الزيادة ، فلا مانع من إرادة غير ما ذكر من الكبائر وغيرها ، أو لكون الغير كبائر أو غيرها.

ثم إنّ ستر العيوب ربما يتناول مع ما ذكر أو على الانفراد منافيات المروءة ، لكن تناولها لجميع ما ذكروه محلّ تأمّل ، بل ربما يخصّ بما يعدّ عيباً بالنسبة إليه ، وستسمع القول في ذلك ، لكن الاستدلال بالخبر على اعتبار عدم فعل منافيات المروءة يتوقف على العلم بإرادته من الخبر ، وهو‌

__________________

(١) تقدم في ص ١٣٧.

(٢) المختلف ٨ : ٥٠١ ، المبسوط ٨ : ٢١٧ ، الروضة ١ : ٣٧٩.

(٣) انظر الكافي ٢ : ٢٨٨ باب الإصرار على الذنب.

(٤) في ص ١٤٧.

(٥) انظر ص ١٥٢.

١٤٦

مشكل ، مضافاً إلى إثبات أنّ عدالة الصلاة متّحدة مع عدالة الشهادة ، ولا يخلو من إشكال.

وما تضمّنه من كفّ البطن والفرج واليد ظاهر الإجمال ، وفي الأخبار ما يدلّ على هذا في الجملة ، كما يفهم من رواياتٍ في الكافي (١) ، إلاّ أنّ اعتبار هذا في العدالة لا أعرف الآن القائل به.

واعتبار المواظبة على الصلوات ظاهر الخبر دخوله في العدالة ، وكذلك حضور الجماعة ، ويمكن بتكلفٍ إدراجه فيما ذكروه من تعريف العدالة ، غير أنّه يمكن أنْ يقال : إنّ حضور الجماعة كما يكون بالائتمام يكون بصلاته إماماً ، فالمواظبة لا تدلّ على اعتباره في الإمام على أنْ تكون عدالته متوقفة على الملكة بجواز أنْ يكون يصلّي جماعة من دون حصول الملكة ، نعم ربما تستفاد الملكة من جوهر الرواية ، حيث قال فيها : « فإذا سُئل عنه في قبيلته » إلى آخره.

وما عساه يقال : إنّ الظاهر من الرواية إنّما هو صلاته مؤتمّاً لا إماماً ، بقرينة ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ يمكن دفعه : بأنّه لا منافاة ؛ لجواز (٢) ذكر قصّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأحد الأفراد ، وبالجملة فاستفادة الملكة جزماً واستفادة التعريف للعدالة من الرواية لا تخلو من تكلّف.

الموضع الثالث : قد عرفت ممّا قرّرناه في رواية عبد الله بن أبي يعفور أنّ الكبائر غير محصورة فيها ، وللعلماء اختلاف فيها ، فقيل : إنّها كلّ ذنب توعّد الله عليه بالعقاب في الكتاب العزيز (٣). وقيل : كلّ ذنب‌

__________________

(١) الكافي ٢ : ٢٧٦ باب الكبائر.

(٢) في « فض » : بجواز.

(٣) حكاه البهائي في الأربعين : ٣٨٠.

١٤٧

رتّب عليه الشارع حدّا ، أو صرّح فيه بالوعيد (١). وقيل : كلّ معصية تؤذن بقلّة اكتراث فاعلها بالدين (٢). وقيل : كلّ ذنب علم حرمته بدليل قاطع (٣). وقيل : كلّ ما توعّد عليه توعّداً شديداً في الكتاب والسنّة (٤). وقيل : الذنوب كلّها كبائر ، لكن قد يطلق الصغير والكبير بالإضافة ، وهو محكي عن الشيخ أبي علي الطبرسي (٥) ، بل قيل : إنّه أضافه إلى أصحابنا (٦). وقيل : إنّها سبع : الشرك بالله ، وقتل النفس التي حرّم الله ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، والزنا ، والفرار من الزحف ، وعقوق الوالدين (٧).

( والأخبار في المقام مختلفة ) (٨) ، وقد روى الصدوق في باب معرفة الكبائر التي أوعد الله عليها النار ما يدلّ على أنّ الخبر السابق (٩) عنه لا يراد فيه الحصر ، إلاّ بتكلّف أنْ يراد في عدالة الشاهد الاكتفاء ببعضها ، وهو ما ذكر فيها ، ولا أعلم القائل بذلك.

والذي رواه عن أبي عبد الله عليه‌السلام بطريق غير سليم ، لولا ما قدّمناه : « أنّ الكبائر سبع فينا أُنزلت ومنّا استحلّت ، فأوّلها : الشرك بالله العظيم ، وقتل النفس التي حرّم الله ، وأكل مال اليتيم ، وعقوق الوالدين ، وقذف‌

__________________

(١) قال به أبو السعود في تفسيره ٢ : ١٧١.

(٢) الإرشاد لإمام الحرمين عبد الملك الجويني : ٣٢٩.

(٣) حكاه أبو السعود في تفسيره ٢ : ١٧١.

(٤) حكاه ابن كثير في تفسيره ١ : ٧٦٩.

(٥) حكاه عنه في المسالك ٢ : ٤٠٢ ، وهو في مجمع البيان ٢ : ٣٨.

(٦) حكاه عنه في الروضة ٣ : ١٢٩ ، وهو في مجمع البيان ٢ : ٣٨.

(٧) حكاه أبو السعود في تفسيره ٢ : ١٧١.

(٨) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٩) راجع ص ١٤٢.

١٤٨

المحصنة ، والفرار من الزحف ، وإنكار حقّنا » الحديث (١).

والحصر في السبعة على ما يظهر من الرواية أوّلها وآخرها (٢) إضافي بالنسبة إليهم عليهم‌السلام ، ومنه يعلم أنّ إطلاق بعض الروايات وربما كان خبر عبد الله بن أبي يعفور منه يراد به المقيّد.

وروى الصدوق (٣) عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن أبي جعفر محمّد بن علي الرضا عليهم‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام قال : « سمعت أبي موسى عليه‌السلام ابن جعفر عليه‌السلام يقول : دخل عمرو بن عبيد البصري على أبي عبد الله عليه‌السلام فلمّا سلّم وجلس تلا هذه الآية ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ* ) (٤) ثم أمسك ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما أسكتك؟ قال : أُحبّ أنْ أعرف الكبائر من كتاب الله عزّ وجلّ ، قال : نعم يا عمرو أكبر الكبائر الشرك بالله ، يقول الله تبارك وتعالى ( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ* ) (٥) ويقول الله عزّ وجلّ ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النّارُ وَما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ ) (٦).

وبعده اليأس من رَوْح الله ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ يقول ( إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ ) (٧).

ثم الأمن من مكر الله ؛ لأنّ الله تعالى يقول ( فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٦٦ / ١٧٤٥.

(٢) في « م » : وربما آخرها.

(٣) ليست في « رض ».

(٤) الشورى : ٣٧.

(٥) النساء : ٤٨ و ١١٦.

(٦) المائدة : ٧٢.

(٧) يوسف : ٨٧.

١٤٩

الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ ) (١).

ومنها عقوق الوالدين ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ جعل العاق جبّاراً شقيّاً في قوله تعالى ( وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا ) (٢).

وقتل النفس التي حرّم الله إلاّ بالحق ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ يقول ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ) إلى آخر الآية (٣).

وقذف المحصنات ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ يقول ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) (٤).

وأكل مال اليتيم ظلماً ، لقول الله عزّ وجلّ ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ) (٥).

والفرار من الزحف ؛ لأنّ الله عزّ وجل يقول ( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (٦).

وأكل الربا ؛ لأنّ الله تعالى يقول ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ) (٧) ويقول الله عزّ وجلّ ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

__________________

(١) الأعراف : ٩٩.

(٢) مريم : ٣٢.

(٣) النساء : ٩٣.

(٤) النّور : ٢٣.

(٥) النساء : ٩.

(٦) الأنفال : ١٦.

(٧) البقرة : ٢٧٥.

١٥٠

فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ) (١).

والسحر ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ يقول ( وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) (٢).

والزنا ؛ لأنّ الله تعالى يقول ( وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً إِلاّ مَنْ تابَ ) الآية (٣).

واليمين الغموس ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ يقول ( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ) الآية (٤).

والغلول ، قال الله تعالى ( وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) (٥).

ومنع الزكاة المفروضة ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ يقول ( يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ) (٦).

وشهادة الزور ، وكتمان الشهادة ، لأنّ الله عزّ وجلّ يقول ( وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) (٧).

وشرب الخمر ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ عدل بها عبادة الأوثان (٨).

__________________

(١) البقرة : ٢٧٨ و ٢٧٩.

(٢) البقرة : ١٠٢.

(٣) الفرقان : ٦٨ ٧٠.

(٤) آل عمران : ٧٧.

(٥) آل عمران : ١٦١.

(٦) التوبة : ٣٥.

(٧) البقرة : ٢٨٣.

(٨) المائدة : ٩٠.

١٥١

وترك الصلاة متعمداً أو شيئاً ممّا فرض الله عزّ وجلّ ؛ لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من ترك الصلاة متعمداً فقد برئ من ذمّة الله عزّ وجلّ وذمّة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ونقض العهد وقطيعة الرحم ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ يقول ( أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ ) (١) (٢) فخرج عمرو بن عبيد وله صراخ من بكائه ، وهو يقول : هلك من قال برأيه (٣) » (٤).

وهذا الخبر كما ترى يدلّ من حيث ذكر الآيات وقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تارك الصلاة على أنّ الكبائر ما وعد الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنار على فعلها ، وقد روى الصدوق عن أحمد بن النضر ، عن عبّاد ، عن كثير النواء ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الكبائر ، فقال : « كلّ ما وعد (٥) الله عليه النار » (٦) والخبر وإنْ كان طريقه غير سليم إلاّ أنّ رواية الصدوق توجب مزيّته.

وقد روى محمّد بن يعقوب بطريقٍ فيه أبو جميلة وابن فضّال ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزّ وجلّ ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً ) (٧) قال : « الكبائر التي أوجب الله عليها النار » (٨). وهذا الخبر كما يحتمل أنْ يراد به تفسير الكبائر على الإطلاق فيؤيد رواية الصدوق ، يحتمل الرجوع إلى‌

__________________

(١) الرعد : ٢٥.

(٢) في الفقيه ٣ : ٣٦٧ / ١٧٤٦ والوسائل ١٥ : ٣١٨ أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب ٤٦ ح ٢ زيادة : قال.

(٣) في المصدر زيادة : ونازعكم في الفضل والعلم.

(٤) الفقيه ٣ : ٣٦٧ / ١٧٤٦ ، الوسائل ١٥ : ٣١٨ أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب ٤٦ ح ٢.

(٥) في الفقيه ٣ : ٣٧٣ / ١٧٥٨ : أوعد.

(٦) الفقيه ٣ : ٣٧٣ / ١٧٥٨.

(٧) النساء : ٣١.

(٨) الكافي ٢ : ٢٧٦ الايمان والكفر ب ١١٢ ح ١.

١٥٢

الكبائر في الآية ، وسنبيّن الوجه في هذا فيما بعد (١).

وروى محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكبائر ، قال : « هنّ في كتاب علي عليه‌السلام سبع : الكفر بالله ، وقتل النفس ، وعقوق الوالدين ، وأكل الربا بعد البيّنة ، وأكل مال اليتيم ظلماً ، والفرار من الزحف ، والتعرّب بعد الهجرة » قال : قلت : فهذا أكبر المعاصي؟ قال : « نعم » قلت : أكل درهم من مال اليتيم ظلماً أكبر أَم ترك الصلاة؟ قال : « ترك الصلاة » قلت : فما عدد ترك الصلاة في الكبائر؟ قال : « أي شي‌ء أوّل ما قلت لك؟ » قال : قلت : الكفر ، قال : « فإنّ تارك الصلاة كافر يعني من غير علّة » (٢).

ولا يخفى عليك أنّ ظاهر هذا الخبر منافٍ لما تقدّم من الأخبار الدالّة على أزيد ممّا ذكر ، والذي يمكن أنْ يوجّه الجمع بما فصّله أبو عبد الله عليه‌السلام في رواية عبد الرحمن بن كثير السابقة عن الصدوق (٣) ، بعد ما قدّمناه منها من أنّ السبع فينا أُنزلت ، إلى آخره. حيث قال عليه‌السلام : « فأمّا الشرك بالله العظيم فقد أنزل (٤) فينا ما أنزل ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فينا ما قال ، فكذّبوا الله وكذّبوا رسوله وأشركوا بالله ؛ وأمّا قتل النفس التي حرّم الله فقد قتلوا الحسين عليه‌السلام وأصحابه ؛ وأمّا أكل مال اليتيم فقد ذهبوا بفيئنا الذي جعله الله لنا فأعطوه غيرنا ؛ وأمّا العقوق فقد أنزل الله تبارك وتعالى في كتابه ، فقال ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ) (٥) فعقّوا‌

__________________

(١) في ص : ١٥٥.

(٢) الكافي ٢ : ٢٧٨ الإيمان والكفر ب ١١٢ ح ٨.

(٣) في ص ١٤٧.

(٤) في المصدر : فقد أنزل الله فينا.

(٥) الأحزاب : ٦.

١٥٣

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذريته وعقّوا أُمّهم خديجة (١) في ذريّتها ؛ وأمّا قذف المحصنة فقد قذفوا فاطمة ( سلام الله عليها ) (٢) ؛ وأمّا الفرار من الزحف فقد أعطوا أمير المؤمنين عليه‌السلام بيعتهم طائعين غير مكرهين ففرّوا عنه وخذلوه ؛ وأمّا إنكار حقّنا فهذا ممّا لا يتنازعون فيه » (٣).

فإنْ قلت : هذا الخبر مغاير لخبر عبيد بن زرارة ، فلا يمكن الجمع.

قلت : المقصود من الجمع أنّ الكبائر تقال بالتفاوت ، فالسبع في كتاب علي عليه‌السلام يجوز أنْ تكون بنحو السبع في خبر الصدوق ، فلا يفيد الخبران الحصر ليقع التنافي ، ومن هنا يمكن أنْ يقال بأنّ جميع الذنوب كبائر ، وإنّما يقال صغائر بالإضافة ، ويؤيده ما تقدّم من أنّها ما أوعد الله عليها النار ورسوله (٤) ، وظاهر بعض الآيات بعمومها التوعد بدخول النار على العصيان وتعدّي الحدود ، وكذلك الأخبار ، كما يعلم من الكافي (٥) وغيره (٦) ، وقد روى الصدوق (٧) أيضاً ما يقتضي الزيادة على ما في خبر عبد العظيم وغيره.

فإنْ قلت : خبر عبد العظيم تضمّن السؤال عن معرفة الكبائر من كتاب الله عزّ وجلّ ولم يذكر فيه آية على شهادة الزور ، ثم إنّه ذكر عليه‌السلام غير الصلاة من الفروض ولم يذكر إلاّ قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو خلاف السؤال.

قلت : لا يبعد أنْ يكون ترك شهادة الزور لعدم ورود آية فيها تغليظ‌

__________________

(١) في النسخ : فاطمة ، والصواب ما أثبتناه من الفقيه ٣ : ٣٦٧ / ١٧٤٥.

(٢) في الفقيه ٣ : ٣٦٧ / ١٧٤٥ يوجد : على منابرهم.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٦٧ / ١٧٤٥ بتفاوتٍ يسير.

(٤) في ص ١٥١.

(٥) الكافي ٢ : ٢٧٦ الايمان والكفر ب الكبائر.

(٦) ثواب الاعمال وعقاب الاعمال : ٢٣٣ عقاب من أتى الكبائر.

(٧) الفقيه ٣ : ٣٦٦ باب معرفة الكبائر التي أوعد الله عزّ وجلّ عليها النار.

١٥٤

الإثم ، وأمّا أصل الحكم فمذكور في قوله ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) (١) هكذا ذكر الوالد قدس‌سره وفيه نوع تأمّل ، إلاّ أنّه قابل للتسديد. وأمّا من جهة الصلاة ونحوها فيجوز أنْ يكون عليه‌السلام أراد بقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيان الاتحاد مع قول الله عزّ وجلّ ، أو أنّ (٢) قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشدّ تغليظاً بحسب فهم السائل.

ثم إنّ التعميم للفروض قد سبق التنبيه عليه ، غير أنّ الفروض يحتمل أنْ يراد بها ما ثبت من القرآن ، ويحتمل إرادة الواجبات ، فالاستدلال من هذه الجهة على أنّ الذنوب كلّها كبائر مشكل ، وقد روى محمّد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب قال : كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه‌السلام يسأله عن الكبائر كم هي وما هي؟ فكتب : « الكبائر مَن اجتنب ما أوعد الله عليها النار كفّر عنه سيئاته إذا كان مؤمناً ، والسبع (٣) الموجبات : قتل النفس الحرام ، وعقوق الوالدين ، وأكل الربا ، والتعرّب بعد الهجرة ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، والفرار بعد الزحف » (٤).

وربما يظن من هذا الخبر نفي القول بأنّ الذنوب كلّها كبائر ، وقد يقال : إنّ ما ورد في الأخبار من الزيادة على هذا يكاد أنْ يعلم وقوعه ، وتأويل هذا الخبر بما سبق ممكن ، بأنْ يقال : إنّ المذكورات لا يغفر لصاحبها لخروجه عن الإيمان كما يلوح من خبر الصدوق ، وإنْ كان في‌

__________________

(١) الفرقان : ٧٢.

(٢) في « رض » و « م » : وأنّ.

(٣) ليست في « رض » و « م » ، وفي « فض » : الشفع ، وما أثبتناه موافق للكافي ٢ : ٢٧٦ / ٢ والوسائل ١٥ : ٣١٨ أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب ٤٦ ح ١.

(٤) الكافي ٢ : ٢٧٦ الإيمان والكفر ب ١١٢ ح ٢ ، الوسائل ١٥ : ٣١٨ أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب ٤٦ ح ١ ، وفيهما : والفرار من الزحف.

١٥٥

هذا زيادة ليست في ذلك ونقيصة ؛ ولئن نوقش في هذا يقال : إنّ معنى كون الصغائر مغفورة لمن اجتنب الكبائر هو أنّ من عنّ له أمران منها ودَعته نفسه إليهما فانتهى عن [ أكبرهما (١) ] فاعلاً لأصغرهما فإنّه يكفّر عنه ما ارتكبه بما استحقه من الثواب.

فإنْ قلت : هذا قد قيل في تفسير الآية على تقدير القول بأنّ الجميع كبائر ، أمّا في الخبر فلا يتم ؛ لأنّ مقتضاه أنّ من اجتنب السبع كفّر عنه سيئاته ، ولا قائل بهذا.

قلت : يمكن أنْ يوجّه الخبر بالنسبة إلى السبع على نحو غيرها (٢) ، لكن في الظنّ أنّ قوله عليه‌السلام : « والسبع الموجبات » إلى آخره. يمكن [ للقائل (٣) ] بأنّ الجميع كبائر أن يوجّه إرادة ما يوجب الخروج عن الإيمان منها بقرينة رواية الصدوق.

( فإنْ قلت : على تقدير رواية الصدوق يصير حاصل الآية أنّ مَن اجتنب ما يخرج عن الإيمان يكفّر عنه سيئاته ، والحال أنّ السيئات لا تكفّر بمجرد الإيمان.

قلت : لا يبعد أنْ يراد التكفير مع التوبة ، والفائدة حينئذٍ أنّ المخالف لو فعل السيئات وتاب عنها لا يكفّر عنه ، بخلاف المؤمن ، ولا بعد في تخصيص الحكم بما دلّ على التوبة ، ولئن استبعد أمكن العمل بالظاهر ؛ لما رواه الكليني في الكافي من أخبارٍ دالّة على ذلك (٤) ، وكذلك روى البرقي‌

__________________

(١) في « رض » و « فض » : أكثرهما ، وفي « م » : كونهما ، والصحيح ما أثبتناه.

(٢) في « م » : غيره.

(٣) في النسخ : القائل ، والأنسب ما أثبتناه.

(٤) الكافي ١ : ١٨٣ / ٨.

١٥٦

في المحاسن في باب الشفاعة (١) ، ولو لا خوف شي‌ءٍ ما لنقلتها.

فإنْ قلت : قد روى الصدوق في كتاب التوحيد في باب الأمر والنهي ، عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي‌الله‌عنه قال : حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير قال : سمعت موسى ابن جعفر عليهما‌السلام يقول : « لا يخلّد الله في النار إلاّ أهل الكفر والجحود وأهل الضلال والشرك ، ومن اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يُسأل عن الصغائر ، قال الله تبارك وتعالى ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً ) (٢).

قال : فقلت له : يا ابن رسول الله فالشفاعة لِمَن تجب من المذنبين؟ قال : « حدّثنا أبي ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أُمّتي ، فأمّا المحسنون منهم فما عليهم من سبيل ».

قال ابن أبي عمير : فقلت له : يا ابن رسول الله كيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر والله تعالى ذِكْره يقول ( وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى ) (٣) ومن ارتكب الكبائر لا يكون مرتضى؟ فقال : « يا أبا أحمد ما مِن مؤمنٍ يرتكب ذنباً إلاّ ساءه ذلك وندم عليه ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كفى بالندم توبةً ، وقال عليه‌السلام : من سَرّته حسنته وساءته سيّئته فهو مؤمن ، فمن لم يندم على ذنبٍ يرتكبه فليس بمؤمن ولم تجب له الشفاعة وكان ظالماً ، والله تعالى يقول ( ما لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ ) (٤).

__________________

(١) المحاسن : ١٨٤ ب ٤٥.

(٢) النساء : ٣١.

(٣) الأنبياء : ٢٨.

(٤) غافر : ١٨.

١٥٧

فقلت له : يا ابن رسول الله وكيف لا يكون مؤمناً من لم يندم على ذنبٍ يرتكبه؟ فقال : « يا أبا أحمد ما مِن أحدٍ يرتكب كبيرة من المعاصي وهو يعلم أنّه سيعاقب عليها إلاّ ندم على ما ارتكب ، ومتى ندم كان تائباً مستحقاً للشّفاعة ، ومتى لم يندم عليها كان مصرّاً والمصرّ لا يغفر له ، لأنّه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب ، ولو كان مؤمناً بالعقوبة لندم ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار » الحديث (١).

وهو مع اعتبار سنده لتوثيق العلاّمة أحمد بن زياد (٢) ، وجلالة إبراهيم بن هاشم يدلّ على أنّ من اجتنب الكبائر لا يُسأل عن (٣) ) (٤) ( الصغائر ، للآية ، وحينئذٍ لا يوافق ما ذكرت من جهة رواية الصدوق ، لأنّ الكبائر على تقدير إرادة [ السبعة (٥) ] المخرجة عن الإيمان لا يناسبه عدم الحساب على الصغائر ، بل ينبغي عدم الحساب على الكبائر غير السبعة أيضاً ، وما تضمّنه من أنّ الشفاعة لأهل الكبائر وإنْ دلّ على ما ذكرت إلاّ أنّ في ذكر الأُمّة ما ينافي الاعتبار للأُمّة.

قلت : أمّا دلالة الحديث على ما ذكرت ففيها تأمّل ؛ إذ لا مانع من تسمية ما عدا السبعة صغائر وإنْ كانت كبائر ، ودلالته من جهة الشفاعة واضحة ، [ وليس ] في الآثار ما يدلّ على اختصاصها [ بالسبعة (٦) ] ، نعم في الحديث دلالة على أنّ مجرد الندم كافٍ كما يأتي فيه كلام (٧). كما أنّ فيه‌

__________________

(١) التوحيد : ٤٠٧ / ٦.

(٢) خلاصة العلاّمة : ١٩ / ٣٧.

(٣) في « رض » زيادة : كذا في النسخة.

(٤) من عبارة : فإن قلت على تقدير ، في ص ١٥٥ إلى هنا ساقط عن « فض ».

(٥) في « م » : الستة ، والصحيح ما أثبتناه.

(٦) موضع ما بين المعقوفين كان بياضاً في « م » والمناسب ما أثبتناه.

(٧) في ص ١٦٣.

١٥٨

دلالة على أنّ معنى قولهم : « لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار » هو أنّ الإصرار يوجب عدم الإيمان ، لا أنّه كبيرة ، والمعروف في كلام الأصحاب الثاني ، إلاّ أنْ يحمل على عدم الإيمان الكامل نفي الإيمان مع فعل بعض الكبائر على ذلك ، هذا ولم أقف على حديث متيقنة الاسناد دالّ على أنّه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار إلاّ هذا الخبر ولا يخفى ظهوره في الانتفاء لمجرد الندم ، فليتأمّل ) (١).

فإنْ قلت : خبر ابن محبوب تضمن أنّ من اجتنب ما أُوعد عليه النار كفّر عنه سيئاته ، وغير خفي أنّ الذنوب إذا كانت كلّها كبائر فالكلام في الرواية لا (٢) يتمّ ؛ لأنّ من اجتنب جميع ما أوعد الله عليه النار لا تكون عليه سيئات ، وحينئذٍ لا معنى لتكفير السيئات.

قلت : لعل بعض السيئات يكون عقابها بغير النار ؛ إذ (٣) قد يقال : إنّ وعد النار ليس على جميع السيئات ، بل العقاب على بعض المنهيات مستحق ، وهو أعمّ من النار ، وفيه نوع تأمّل.

ولحق أنّ الخبر له دلالة على نفي كون جميع الذنوب كبائر ، إلاّ أنّه محتاج إلى الجمع بينه وبين ما دلّ على الزيادة ، وروى الكليني بطريق ليس فيه ارتياب ، إلاّ من محمّد بن عيسى ، عن يونس (٤) ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « الكبائر سبع : قتل النفس متعمداً ، وقذف المحصنة ، والفرار من الزحف ( والتعرّب بعد الهجرة ) (٥) وأكل مال‌

__________________

(١) من عبارة : الصغائر ، في ص ١٥٧ إلى هنا ، أثبتناه من « م ».

(٢) في « م » : لم.

(٣) في « م » : أو ، وفي « رض » : و.

(٤) في الكافي ٢ : ٢٧٧ / ٣ زيادة : عن عبد الله بن مسكان.

(٥) بدل ما بين القوسين في « رض » : والتغرب.

١٥٩

اليتيم ظلماً ، وأكل الربا بعد البيّنة ، وكلّ ما أوجب الله عليه النار » (١).

والكلام في هذا الخبر كالسابق ، ويزيد دلالة على التعميم المنافي للحصر في السبعة ، والذي أظنّ أنّ ما قدّمناه (٢) يصلح للجمع ، وأمّا الاستدلال بآية ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ ) الآية فما قدّمناه في الجواب (٣) قد ينظر فيه ، إلاّ أنّ الاتفاق منقول على أنّ الصغائر مغفورة لمن اجتنب الكبائر ، والتوجيه ممكن التسديد.

وما (٤) أورده بعض (٥) من أنّ اللازم من جعل الذنوب كلّها كبائر أنْ يخرج العدل بفعل الصغيرة ؛ ولا قائل به.

يمكن الجواب عنه : بأن الإنسان إذا عنّ له أمران فكفّ عن الأكبر ولم يصرّ على الأصغر لا يخرج عن العدالة ، نعم يمكن أنْ يقال إنّ ما في الأخبار الدالّة على أنّه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار (٦) ينافي كون الذنوب كلّها كبائر ؛ والجواب ما تقدّم (٧).

وبالجملة : فالمقام واسع البحث ، والمحصّل ما ذكرناه ، غير أنّه ينبغي أنْ يعلم أنّ ما تقدّم (٨) من بعض الأخبار عن الكافي والفقيه يدلّ على أنّ الآية يمكن أنْ يراد بها أنّ (٩) الكبائر الواردة في حق الأئمّة عليهم‌السلام إذا‌

__________________

(١) الكافي ٢ : ٢٧٧ الايمان والكفر ب ١١٢ ح ٣.

(٢) في ص ١٥٢ ١٥٤.

(٣) في ص ١٥٨.

(٤) في « م » : لما.

(٥) المسالك ٢ : ٤٠٢.

(٦) الكافي ٢ : ٢٨٨ الايمان والكفر ب ١١٤ ح ١.

(٧) في ص ١٥٧.

(٨) تقدّم في ص ١٤٧ ، ٥١٢.

(٩) في النسخ زيادة : اجتناب ، حذفناها لاستقامة العبارة.

١٦٠