إستقصاء الإعتبار - ج ٦

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-178-8
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٤٤٧

١
٢

٣
٤

قوله :

أبواب السهو والنسيان‌

باب من نسي تكبيرة الافتتاح‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن ابن بكير ، عن عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أقام الصلاة فنسي أن يكبّر حتى افتتح الصلاة قال : « يعيد الصلاة ».

عنه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح ، قال : « يعيد ».

عنه ، عن فضالة ، وصفوان ، عن العلاء ، عن محمد ، عن أحدهما عليهما‌السلام : في الذي يذكر أنّه لم يكبّر في أوّل صلاته ، فقال : « إذا‌

٥

استيقن أنّه لم يكبّر فليعد ، ولكن كيف يستيقن؟! ».

أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن ذريح بن محمد المحاربي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل ينسى أن يكبّر حتى قرأ ، قال : « يكبّر ».

عنه ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أخيه الحسين ، عن أبيه علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل ينسى أن يفتتح الصلاة حتى يركع ، قال : « يعيد الصلاة ».

السند‌ :

في الجميع ظاهر ممّا قدّمناه (١) ، غير أنّه ينبغي أنْ يعلم أوّلاً : أنّ جدّي قدس‌سره في دراية الحديث وثّق أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد (٢) ، ومأخذ ذلك لم أعلمه إلاّ من تصحيح العلاّمة بعض الطرق الموجود فيها ، وقد سبق في هذا كلام ، واحتمال الالتفات إلى أنّ أحمد بن محمد من الشيوخ يوجب عدم الفرق بينه وبين غيره من الشيوخ كما لا يخفى ، واحتمال الالتفات إلى إيثار الشيخ الرواية عن أحمد على غيره في هذا الكتاب والتهذيب ، فيكون الاعتماد عليه من الشيخ ، محل تأمّل يعرف من الممارسة لطرق الشيخ ، مضافاً إلى مشاركة غيره ، فليتأمّل.

وثانياً : أنّ جميل المذكور ، في الظاهر أنّه ابن درّاج ؛ لأنّ الراوي عنه ابن أبي عمير في الرجال (٣) ، وحاله في الجلالة أظهر من أنْ يبيّن ، واحتمال‌

__________________

(١) راجع ص ١١٥٣ ، ٣٩ ، ٧٦ ، ١٢٢٩ ، ١٠٤.

(٢) الدراية : ١٢٨.

(٣) انظر رجال النجاشي : ١٢٦ / ٣٢٨.

٦

ابن صالح لما يظهر من النجاشي أنّ ابن أبي عمير يروي عنه ممكن لولا ما في النجاشي من نوع ارتياب ؛ لأنّه قال : ابن صالح الأسدي ثقة وجه ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام ، ذكره أبو العباس في كتاب الرجال ، روى عنه سماعة وأكثر ( ما يروى عنه ) (١) نسخة رواية الحسن بن محبوب أو محمد بن أبي عمير ، طريق القميين إليه ما أخبرني به الحسين بن عبيد الله إلى أن قال عن الحسن بن محبوب عنه به ، وأمّا رواية الكوفيين فأخبرنا محمد بن عثمان إلى أن قال عن ابن أبي عمير عنه به (٢).

ولا يخفى أنّ قوله أوّلاً : أو محمد بن أبي عمير ، ثم قوله : طريق القميين إلى قوله : وأمّا رواية الكوفيين ، يقتضي التردد في الأوّل بالنسبة إلى الراوي عن جميل ، والجزم في الثاني بأنّ الراوي كل من الرجلين عنه. ولا يبعد أن يكون النجاشي متوقفاً في الراوي على التعيين ، ووجه التوقف كون القميين يروون عن الحسن بن محبوب عنه ، والكوفيين عن ابن أبي عمير عنه ، إلاّ أنّه غير خفي إمكان الجمع بين الأمرين فلا وجه للتوقف من هذه الحيثية ، ولا يبعد أن يكون « أو » في النسخة التي وقفت عليها وإن تكثرت (٣) غير صحيحة ، وإنّما هي رواية الحسن بن محبوب وابن أبي عمير ، ثم إنّه ذكر رواية القميين والكوفيين لبيان أنّ الروايتين مختلفتان من جهة الرواة.

ثم إنّ قوله : روى عنه سماعة وأكثر ما يروى عنه نسخة ، إلى آخره. لا يخلو من إجمال أيضاً ؛ لأنّ لفظ « نسخة » إمّا أن يكون جمعاً أو مفرداً ،

__________________

(١) في المصدر : ما يُرى منه.

(٢) رجال النجاشي : ١٢٧ / ٣٢٩.

(٣) في « رض » : تكرّرت.

٧

وعلى التقدير فسماعة في أوّل الكلام ظاهر في أنّه يروي عن جميل ، وقوله : وأكثر ما يروي ، إنْ رجع إلى سماعة على معنى أنّ أكثر ما يروي عنه سماعة نسخة رواية الحسن بن محبوب ، إلى آخره. ففيه : أنّ سماعة غير مذكور في الطرق إلى الحسن بن محبوب وابن أبي عمير ، وإنْ كان فاعل يروي مجهولاً « ونسخة » نائب الفاعل يشكل بأنّ الحسن بن محبوب وابن أبي عمير معلومان ، على أنّ ذكر رواية الحسن خالية من الفائدة ، فليتأمّل.

ثم إنّ التوثيق من النجاشي ربما يظن رجوعه إلى أبي العباس ، وفيه اشتراك (١) كما تقدم بيانه بين ابن نوح وابن عقدة ، وإن كان احتمال ابن نوح له قرب ، حيث إنّه شيخ النجاشي ، مع احتمال أن يعود ضمير « ذكره » لكونه روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام.

وأمّا ثالثاً : فذريح كما ترى في السند ابن محمد ، وهو كذلك في النجاشي (٢) ، وفي الفهرست ذريح المحاربي (٣) ، وفي رجال الصادق عليه‌السلام من كتاب الشيخ ذريح بن يزيد المحاربي (٤) ، والنجاشي قال : ذريح بن محمد بن يزيد (٥) ، والأمر سهل كما لا يخفى ؛ إذ لا ريب في الاتحاد ، والاختلاف في النسبة كثير الوقوع.

وما عساه يقال : إنّ الشيخ قد وثق الرجل في الفهرست (٦) ، والنجاشي لم يذكر توثيقه (٧) ، ومن المستبعد اطلاع الشيخ على ما لم يطلع‌

__________________

(١) انظر هداية المحدثين : ٢٨٨.

(٢) رجال النجاشي : ١٦٣ / ٤٣١.

(٣) الفهرست : ٦٩ / ٢٧٩.

(٤) رجال الطوسي : ١٩١ / ١.

(٥) رجال النجاشي : ١٦٣ / ٤٣١.

(٦) الفهرست : ٦٩ / ٢٧٩.

(٧) رجال النجاشي : ١٦٣ / ٤٣١.

٨

عليه النجاشي ، يمكن الجواب عنه ، لكن لا يخفى أنّ للكلام مجالاً.

وفي الفقيه روى في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : أتيت أبا عبد الله عليه‌السلام فقلت : جعلني الله فداك [ ما معنى ] قول الله عز وجل ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ )؟ قال : « أخذ الشارب وقصّ الأظفار وما أشبه ذلك » قال : قلت : جعلت فداك فإنّ ذريحاً المحاربي حدّثني عنك أنك قلت ( لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) لقاء الإمام ، ( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) تلك المناسك ، قال : « صدق ذريح وصدقت ، إنّ للقرآن ظاهراً وباطناً ، ومن يحتمل ما يحتمل ذريح؟! » (١).

وقد كان الوالد قدس‌سره يعتمد على ذريح بسبب انضمام الخبر المذكور إلى توثيق الشيخ بناءً على أصله من اعتبار تزكية الشاهدين في الراوي (٢).

وربما يقال عليه : إنّ الأصل على تقدير تمامه يشكل الاعتماد على الرجل بهذه الرواية ؛ لأنّ الشيخ إذا استبعد اطلاعه على ما لم يطلع عليه النجاشي فالرواية لا تدل على التوثيق المعتبر في الرواية ، ولا يخفى إمكان الجواب بعد ملاحظة كنه الرواية ، أمّا تمامية اعتماد الوالد قدس‌سره فلا يخلو من تأمّل.

وله قدس‌سره كلام في الأصل المذكور أوضحه في المنتقى والمعالم (٣) ، إلاّ أنّه محل بحث ؛ لا لما ذكره بعض محققي المعاصرين سلّمه الله حيث أتى الوالد قدس‌سره بأنّ التزكية ( شهادة فيعتبر ) (٤) فيها التعدد كغيرها من‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٩٠ / ١٤٣٧ ، ما بين المعقوفين من المصدر. والآية في سورة الحج : ٢٩.

(٢) منتقى الجمان ١ : ١٦.

(٣) منتقى الجمان ١ : ١٦ ، معالم الدين : ٢٠٤.

(٤) بدل ما بين القوسين في « فض » : زيادة فيفسر.

٩

الأحكام (١). فاعترض عليه بأنّ هذه الدعوى غير بيّنة ولا مبيّنة (٢) ؛ لإمكان الجواب بأنّ الدعوى بيانها موكول ( إلى جوابه عن حجة المكتفي بالواحد ، وقد يؤيّده (٣) النهي ) (٤) عن اتباع الظن بقول مطلق ، فإذا خرج منه شهادة الشاهدين بالإجماع بقي ما عداه ، ومن جملته تزكية الواحد ، وعموم الآية بسبب المفهوم يخص بما ذكر.

وما قد يقال : إنّ آيات النهي عن الظن مخصوصة بالعقائد ، فيه : أنّ بعضها ممكن فيه ذلك للسياق ، أمّا جميعها فلا.

وما عساه يقال : إنّ النهي عن الظن فيها يقتضي عدم العمل بها لإفادتها الظن ، قد ذكرنا جوابه ( في أول الكتاب وغيره مما حاصله أن التخصيص ممكن بالنهي عن اتباع الظن في غيرها جمعاً.

بل إنّما (٥) وجه البحث احتمال كون التزكية خبراً فيدخل في مفهوم آية ( إِنْ جاءَكُمْ ) وفيه إشكال ذكرناه في الرسالة المفردة ) (٦) وهذا البحث وإن كان موضعه بالذات الأُصول ، إلاّ أنّ له مناسبة هنا.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الضمير في قوله : عنه عن الحسن بن علي ابن يقطين ، في الظاهر يرجع إلى أحمد بن محمد بن عيسى ، وفي التهذيب « وعنه » بالواو بعد أن سبق منه : وعنه عن فضالة ، وعنه عن ابن‌

__________________

(١) منتقى الجمان ١ : ١٧.

(٢) انظر الحبل المتين : ٢٧١.

(٣) في « رض » و « فض » زيادة : من.

(٤) بدل ما بين القوسين في « م » : إلى ما أجاب به عن حجة المكتفي بتزكية الواحد كما أوضحنا القول فيه في رسالة مفردة ويؤيد قول الوالد قدس‌سره وجود النهي.

(٥) في « فض » : إتمام.

(٦) بدل ما بين القوسين في « م » : في مواضع وتمام القول في الرسالة المشار إليها.

١٠

أبي عمير (١) ، وقد يظن منه العود إلى الحسين بن سعيد ، والضمير في « عنه » أوّلاً هنا للحسين بن سعيد ، ومن الرجال لا يستفاد رواية أحمد بن محمد ابن عيسى عن الحسن ولا الحسين بن سعيد عن الحسن ، لكن المرتبة قريبة ، والأمر سهل على كل حال.

المتن :

في الأوّل : ظاهر الدلالة على إعادة الصلاة بنسيان تكبيرة الافتتاح ، وظاهر العلاّمة في المنتهى دعوى الإجماع على ذلك (٢). وقد ينظّر في الإجماع ( بأنّ ظاهر الصدوق في الفقيه العمل بمضمون الخبر الآتي كما سنذكره (٣) ، إلاّ أن يقال : الإجماع ) (٤) بعد الصدوق ، وفيه ما فيه. وما تضمنه الخبر من قوله : حتى افتتح ، كأنّ المراد به حتى شرع في القراءة ، ويحتمل إرادة التوجه المطلوب في أوّل الصلاة ، ويحتمل أن يكون المراد نسيان تكبيرة الافتتاح والتعبير بلفظ « حتى » قابل للتوجيه ، وفي بعض النسخ « حين » ولا يخلو من وجه ، إلاّ أنّ الأكثر ما نقلناه.

والثاني : واضح الدلالة على البطلان مع النسيان.

والثالث : كذلك ، إلاّ أنّ قوله عليه‌السلام : « ولكن كيف يستيقن » قيل إنّه استفهام إنكاري يتضمن استبعاد عدم التكبير ، وله وجه ، غير أنّه يحتمل أن يراد أنّ ترك السبع تكبيرات جملةً مستبعد ، فإذا أوقع بعضها كفى ، وفيه‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤٣ / ٥٦٠.

(٢) المنتهى ١ : ٤٠٨.

(٣) انظر ص ١٧٦٠.

(٤) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

١١

ما يأتي.

والرابع : واضح الدلالة على إعادة التكبير إذا نسيه حتى قرأ ، أمّا إعادة القراءة فلا دلالة فيه عليها ، كما لا دلالة له على الإعادة بعد الركوع.

والخامس : يدل على الإعادة بعد الركوع ، فيخص به غيره في الجملة.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الخبرين الأوّلين تضمّنا الإعادة مع النسيان ، وقد يستفاد منهما الإعادة مع العمد بطريق أولى لو احتيج الأمر إلى ذلك وعملنا بمفهوم الموافقة.

والثاني : تضمن نسيان تكبيرة الافتتاح ، وفيه دلالة على أنّه لا بدّ من قصد الافتتاح بواحدة من السبع ، أو لا بدّ من الإتيان بالسبع لتكون تكبيرة الافتتاح في جملتها ، فلا يتحقق نسيانها ، ويحتمل ادعاء ظهور إرادة الأوّل من النسيان.

وما عساه يقال : إنّ ما دلّ من بعض الأخبار على أنّ من أراد الصلاة يكبّر بعد الإقامة ثلاثاً واثنتين واثنتين ثم يقول : وجّهت وجهي ، إلى آخره. يدل على أنّ مجرد فعل السبع كافٍ في الصحة من دون قصد الافتتاح ، لأنّه عليه‌السلام بيّن للحلبي كيفية الدخول في الصلاة (١) ، فلو كان القصد بالتكبيرة للافتتاح واجباً لذكره.

يمكن الجواب عنه بأنّ متن الرواية المذكورة « إذا افتتحت الصلاة فارفع يديك ثم ابسطها بسطاً ثم كبّر ثلاث تكبيرات ثم قل » إلى آخره. ولا يبعد استفادة قصد الافتتاح في الأوّل من قوله : « إذا افتتحت الصلاة » إذ‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٠ / ٧ ، التهذيب ٢ : ٦٧ / ٢٤٤ ، الوسائل ٦ : ٢٤ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٨ ح ١.

١٢

المراد أردت افتتاح الصلاة ، وهذا القصد كاف ، والمستفاد من معتبر الأخبار أنّ الاولى تكبيرة الافتتاح ، وحينئذ يتم المطلوب.

وقد يقال : إنّ غاية ما يدل عليه الخبر إرادة الافتتاح بمجموع التكبيرات بتقدير فهم القصد ، والقائل بالاكتفاء في تكبيرة الافتتاح بهذا غير معلوم ، ولو سلّم فالخبر تضمن مجموعة ذكر السبع ، فلا دلالة فيه على تعيين الاولى.

وعلى تقدير إرادة الافتتاح من التكبير الأوّل لا دلالة على الاولى ، والخبر المتضمن للأُولى وهو خبر زرارة (١) المتضمن لقصة الحسين عليه‌السلام لا يخلو من إجمال كما يعلم من مراجعته في حاشية التهذيب.

ثم إنّ في الخبر المنقول عن الحلبي « ثم تكبر تكبيرتين ، ثم تقول : وجّهت وجهي » إلى آخره وغير خفي أنّ التكبير مرّتين يتناول الإتيان بهما بالوصل في الثانية والقطع ، فما قاله شيخنا قدس‌سره (٢) من أنّ الآتي بالنيّة لفظاً إن وصل خالف المنقول ، وإن قطع خالف اللغة ( مع المقارنة وبدونها بطلت صلاته ) (٣) محل تأمّل يعرف وجهه ممّا قلناه.

نعم في بعض الأخبار الإتيان بالتكبير بالقطع ، وهو لا ينافي غيره ، وإذا تحققت هذا يتضح لك ما أشرنا إليه من الاحتمال في قوله عليه‌السلام : « وكيف يستيقن » في الخبر الثالث.

أمّا ما تضمنه الخبر الثالث أيضاً من قوله : إنّه لم يكبّر في أوّل صلاته ، إلى آخره. فمحتمل لأن يراد بالأوّل أوّل أفعال الصلاة الواجبة ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٩٩ / ٩١٨ ، الوسائل ٦ : ٢١ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧ ح ٤.

(٢) المدارك ٣ : ٣١٩ ٣٢٠.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

١٣

فيدل على أنّ تكبيرة الافتتاح الأخيرة من السبع ، ويحتمل أن يراد بالأوّل بعد الإقامة فلا يدل ( على ما دل ) (١) عليه الاحتمال الأوّل ، لكنه يدل على أنّ الإتيان بتكبيرة الافتتاح في أحد السبع كافٍ ، إلاّ أن يحمل على إرادة عدم التعرض للسبع.

وعلى تقدير الاحتمالين لا صراحة للخبر في الدلالة على أنّ الأخيرة من السبع تكبيرة الإحرام ، وقد يدعى الظهور ، فما ذكره بعض محقّقي المعاصرين سلّمه الله من عدم الوقوف على ما يقتضي ذلك (٢) ، محل تأمّل ، مضافاً إلى ما ذكرناه في حاشية التهذيب من دلالة بعض الأخبار أيضاً ، فليتأمّل.

قوله :

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبيد الله الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل ينسى أن يكبّر حتى دخل في الصلاة ، قال : « أليس كان من نيته أن يكبّر؟ » قلت : نعم ، قال : « فليمض في صلاته ».

سعد ، عن أبي جعفر ، عن علي بن حديد وعبد الرحمن بن أبي نجران ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز بن عبد الله ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت له : الرجل ينسى أوّل تكبيرة من الافتتاح فقال : « إن ذكرها قبل الركوع كبّر ثم قرأ (٣) ، وإن ذكرها في‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٢) البهائي في الحبل المتين : ٢٢١.

(٣) في الاستبصار ١ : ٣٥٢ / ١٣٣١ زيادة : ثم ركع.

١٤

الصلاة كبّرها في قيامه في موضع التكبير قبل القراءة وبعد القراءة » قلت : فإن ذكرها بعد الصلاة ، قال : « فليقضها ولا شي‌ء عليه ».

علي بن مهزيار ، عن فضالة بن أيوب ، عن الحسين بن عثمان ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قام في الصلاة ونسي أنْ يكبّر فبدأ بالقراءة ، قال : « إن ذكرها وهو قائم قبل أن يركع فليكبّر ، وإن ركع فليمض في صلاته ».

فالوجه في هذه الأخبار أنْ نحملها على من يشك في تكبيرة الافتتاح ولا يذكرها ذكراً يقيناً ، فإنّه إذا كانت هذه حاله فإنّه يكبّر ما لم يركع استظهاراً ، فإذا ركع مضى في صلاته لأنّه قد انتقل إلى حالة اخرى ، ولو كان [ علم (١) ] علماً يقينا لكان عليه إعادة الصلاة حسب ما قدّمناه في الأخبار الأوّلة.

السند‌ :

في الجميع قدّمنا في رجاله ما فيه كفاية عن الإعادة (٢).

فالأوّل صحيح. وكذا الثاني على ما قدّمناه في حريز (٣) ، وأبو جعفر فيه أحمد بن محمد بن عيسى على ما مضى القول (٤) فيه نقلاً عن العلاّمة في الخلاصة (٥). ووجود رواية في الكافي مشتمل سندها على سعد عن‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من الاستبصار ١ : ٣٥٢.

(٢) راجع ص ١٣٥٠ ، ٣٩ ، ٥١.

(٣) راجع ص ٣٨.

(٤) راجع ص ١٢١.

(٥) الخلاصة : ١٣ و ١٤.

١٥

أبي جعفر مفسراً بغير أحمد كما تقدم (١) لعلّه لا يضر بالحال ؛ لما يعرف من ممارسة كتابي الشيخ.

والثالث : واضح الحال بأبي بصير. والطريق إلى علي بن مهزيار في مشيخة الكتاب : عن المفيد ، عن محمد بن علي بن بابويه ، عن أبيه ومحمد بن الحسن ، عن سعد والحميري ومحمد بن يحيى وأحمد بن إدريس كلهم ، عن أحمد بن محمد ، عن العباس بن معروف (٢).

المتن :

في الأوّل : وإن كان ظاهراً في النسيان الدال على تحقق الترك إلاّ أنّه لا بُدّ من التأويل على تقدير بطلان الصلاة بترك تكبيرة الإحرام مطلقاً. وما ذكره الشيخ من الحمل على الشكّ وإن بعد لا يخلو من وجه ، غير أنّ الدخول في الصلاة بتقدير النسخة التي نقلت منها وهي ما فيها لفظ « حتى » إن أريد به الدخول في القراءة أمكن التوجيه ؛ لدلالة معتبر بعض الأخبار على أنّ الشك في التكبير مع القراءة لا يلتفت إليه ، وستسمعه عن قريب (٣) ، ولو أُريد بالدخول ما يتناول التوجه قبل القراءة يشكل بعدم معلومية القائل به ، وإن كان في نظري القاصر إمكان دعوى تناول النصّ المشار إليه لما ذكر ، وتوضيح الحال يتوقف على ذكر الخبر وسنذكره بعد نقل فائدة شيخنا قدس‌سره على الكتاب.

أمّا على تقدير النسخة الأُخرى ، وهي « حين دخل » فالذي يظن أنّها‌

__________________

(١) راجع ص ١٢١.

(٢) مشيخة الاستبصار ( الاستبصار ٤ ) : ٣٣٨.

(٣) انظر ص ١٧٥٥.

١٦

الصواب. لكن الأكثر على خلافها ، والمعنى على النسخة ظاهر (١).

أمّا ما تضمنه الخبر من قوله عليه‌السلام : « أليس كان من نيّته » إلى آخره.

ففي الظاهر أنّه لا يوافق تأويل الشيخ ؛ لأنّ الشك مع الدخول في الصلاة لا يلتفت إليه (٢).

ولا يبعد أن يوجّه بأنّ المقصود بيان عدم الالتفات للشك بتقدير الدخول في القراءة ونحوها بنوع تقريب وإنْ كان مجرد الدخول كافياً ، على أنّه لا يبعد تخصيص ما دلّ على عدم الالتفات للشك بعد الدخول في فعل بمن كان ناوياً قبله الفعل ، عملاً بمقتضى الخبر. وعدم التصريح به في كلام من رأينا عبارته لا يضرّ بالحال ، إلاّ أنّ الخبر غير صريح في الشك ، وحينئذ لا يقع في القول.

ولو حمل النسيان على توهّم النسيان ، كما قد يفيده عبارة بعض محققي المعاصرين سلّمه الله حيث قال في معنى الحديث : إنّه يراد به أنّ من قام إلى الصلاة قاصداً افتتاحها بالتكبير ، ثم لمّا تلبّس بها خطر له أنّه نسي التكبير فإنّه لا يلتفت ؛ لأنّ الظاهر جريانه على ما كان قاصداً وعدم افتتاحه الصلاة بغير التكبير ، فيكون هذا من المواضع التي يرجّح فيها الظاهر على الأصل (٣). انتهى.

وإنّما ذكرنا الوهم في ظاهر كلامه لأنّ إرادة غيره لا وجه لها. وفي نظري القاصر أنّ كلامه سلّمه الله محل تأمّل أيضاً ؛ لأنّ خطور النسيان إن أُريد به الوهم فترجيح الظاهر على الأصل لا وجه له ، لأنّ الأصل لا يصلح‌

__________________

(١) في « م » زيادة : حاصله نسي تكبيرة الافتتاح.

(٢) في « م » زيادة : سواءً كان في النيّة أوّلاً الفعل أم لا.

(٣) البهائي في الحبل المتين : ٢٢٠.

١٧

دليلاً للوهم ، ولو أُريد تحقق الترك فالظاهر لا وجه لمعارضته الأصل ، بل الأصل لا وجه له بعد التحقق ، ولو أُريد الشكّ كما ذكره الشيخ فالأصل لا وجه له بعد حكم الشارع بعدم الالتفات للشك بعد الدخول في الفعل ، ولعلّ ما قدّمناه من التقريب أولى ، فليتأمّل.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّه يمكن حمل النسيان على عدم علم التكبير ، بمعنى أنّه لم يخطر في باله التكبير ، لا أنّه علم عدم التكبير ، واستعمال النسيان في مثل هذا لا مانع منه ؛ إذ عدم ذكر شي‌ء نوع منه ، غاية الأمر أنّ التعبير بقوله : « نسي أن يكبّر » لا

يفي به ، لكن التأويل لا بدّ منه ، فلا يضر مخالفة الظاهر. وحينئذ يمكن حمل التعليل على أنّ المقصود به إزاحة ظن دخوله فيمن نسي التكبير على معنى تحقق تركه ، لكن لا يخفى أنّ اللازم من هذا كون من لم ينو التكبير أوّلاً لا بُدّ من استحضاره التكبير في أثناء الصلاة ، فلو حصل له الشكّ لزم إعادة الصلاة وإن دخل في القراءة ، وهو واضح الإشكال ، إلاّ أن يقال : إنّ التعليل خاص فلا يعم (١).

وأمّا الثاني : فالذي يقتضيه قوله : ينسى أوّل تكبيرة من الافتتاح ، أن تكون تكبيرة الإحرام هي الاولى من السبع ، بل ربما دلّ التقرير من الإمام عليه‌السلام على تحتم كونها الأولى ، وقد نقل الإجماع على التخيير في السبع أيّها اختار المصلّي جعلها تكبيرة الافتتاح (٢) ، وقدّمنا ما يدل على الأخيرة في الجملة ، وأشرنا إلى أنّ في التهذيب روى الشيخ ما يدل على الأخيرة أيضاً (٣).

__________________

(١) في « م » زيادة : وفي هذا دقة لا ينبغي الغفلة عن تدقّقها.

(٢) انظر الحبل المتين : ٢٢١.

(٣) راجع ص ١٧٤٨.

١٨

ويمكن أن يحمل الخبر على أنّ قوله : أوّل تكبيرة من الافتتاح ، (١) المراد به تكبيرة الافتتاح سواء كانت في الأوّل أو غيره ، وذكر الأوّل لإخراج تكبيرة الركوع والسجود ، وحينئذ يكون قوله : من الافتتاح بياناً للتكبيرة.

وفيه : أنّ تكبيرة الافتتاح على تقدير وحدتها لا وجه لجعلها أوّلاً إلاّ بتكلّف.

وما ذكره الشيخ من الحمل على الشك لا يخلو من تأمّل ، أمّا أوّلاً : فلأنّ من شك في التكبير وقد قرأ لا يلتفت على ما يقتضيه خبر زرارة المعتبر ، كما أشار إليه شيخنا قدس‌سره في فوائد الكتاب ، حيث قال : مقتضى هذا الحمل أنّ من شك في التكبير وقد قرأ يأتي بالتكبير ما لم يركع ، وهو خلاف ما صرّح به الأصحاب ويدلُّ عليه صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، حيث قال فيها : رجل شك في التكبير وقد قرأ ، قال : « يمضي » انتهى.

وهذا الكلام منه وإن كان يحتمل المناقشة من حيث إنّ الحكم إذا لم يكن إجماعياً لا يضر بالشيخ ، بل له أن يقول : تعارض خبر زرارة والخبر المبحوث عنه يقتضي جواز التكبير إذا قرأ ، وربما يدل عليه قوله : استظهاراً ، وإن احتمل كلام الشيخ أن يريد لزوم التكبير قبل الركوع من قوله : لأنّه قد انتقل ، إلى آخره. فإنّه يعطي أنّ الانتقال المقتضي لعدم التكبير هو الركوع ، إلاّ أنّ قوله سابقاً : استظهاراً ، قد يفيد عدم اللزوم.

ويختلج في البال أنّ خبر زرارة لا يدل على انحصار عدم الالتفات إلى الشك بالقراءة ، بل لو وقع الشك بعد التوجه المطلوب في الصلاة أمكن مساواته للقراءة ؛ لأنّ آخر الرواية : « يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثم‌

__________________

(١) في النسخ زيادة : على أنّ ، حذفناها لاستقامة العبارة.

١٩

دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء » (١) وهذا وإن احتمل أن يعود لما سأل عنه زرارة من الشك في التكبير وقد قرأ ، والقراءة وقد ركع ، إلى غير ذلك من المسئول عنه ، إلاّ أنّه يحتمل احتمالاً يظن ظهوره أن يكون عليه‌السلام أراد بيان قاعدة كلية لما سأل عنه وغيره ، ولو نوقش في الظهور أمكن الإحالة في الجواب على الإنصاف.

وإذا عرفت هذا فيتوجه على الشيخ ثانياً : أنّ الرواية تضمنت أنّه إذا ذكرها في الصلاة كبّرها في قيامه في موضع التكبير قبل القراءة أو بعدها فإن حملها على الشك في الجميع لزم نوع تدافع ؛ إذ يقتضي أوّلها عدم التكبير بعد الركوع ، والحال أنّ بعضها يفيد التكبير مطلقاً.

ولو حمل التكبير في الصورة الثانية على الاستحباب كما قد يشعر به قوله عليه‌السلام : « قبل القراءة أو بعد القراءة » توجه عليه احتمال إرادة التكبير واجباً سواء كان قبل القراءة أو بعدها ثم القراءة بعدها ، والاعتماد على فهم هذا من أوّل الرواية حيث قال : « ثم قرأ » غير بعيد.

غاية الأمر إمكان أن يقال : إنّ قوله : « كبّرها في موضع التكبير » مجمل ؛ إذ يحتمل أن يراد كبّرها قبل الركوع الأوّل ، إذ هو موضع التكبير في الجملة ، ويحتمل أن يراد كبّرها في حال القيام المشروط به التكبير ، فلا يكبّرها جالساً ولا في غير القيام المعتبر ، ويحتمل أن يكون قوله : « وإن ذكرها في الصلاة » وصلياً لما قبله ، والمعنى : إن ذكرها قبل الركوع كبّر ثم قرأ وإن كان ذكرها في الصلاة ، وقوله : « كبّرها في قيامه » بيان لأوّل الكلام ، وقوله : « قبل القراءة أو بعدها » يراد به القراءة في الأُولى.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٢ / ١٤٥٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

٢٠