إستقصاء الإعتبار - ج ٦

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-178-8
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٤٤٧

ابن خالد أبو خالد الواسطي روى عن زيد (١). ( والشيخ في رجال الباقر عليه‌السلام من كتابه قال : إنّه بتري (٢). والعلاّمة في الخلاصة جمع بين كونه روى عن زيد ) (٣) وأنّه بتري (٤). وفيما مضى من هذا الكتاب في باب المسح على الرجلين ما يدل على أنّه زيدي أو عامي. والأمر سهل.

والرابع : فيه عبد الكريم بن عمرو ، وهو واقفي ثقة في النجاشي (٥). وأمّا الحسين بن حماد فهو مهمل في الرجال (٦).

المتن :

في الأوّل : قد مضى القول فيه مفصّلاً (٧) ؛ لتقدمه مع زيادةٍ عمّا هنا واختصار ما في المتن. وما ذكره الشيخ في الجمع واضح ، وحصر الشيخ الحكم في العمد والنسيان قد عرفت ما فيه.

وأمّا الثاني : فزيادة البيان به غير واضحة ، إلاّ من جهة أنّه إذا ركع أجزأه. وهذا كما ترى يدل على أنّ الأخبار الأوّلة محمولة على أنّ النسيان مطلقاً لا يؤثر في الصحة ، بل إذا كان الذكر بعد الركوع ، فقول الشيخ في الخبر الأوّل : إنّه محمول على العمد دون النسيان ، محتاج إلى التفصيل ثم ذكر ما يدل عليه كما هو واضح.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٨٨ / ٧٧١.

(٢) رجال الطوسي : ١٣١ / ٦٩.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « فض ».

(٤) الخلاصة : ٢٤١ / ٤.

(٥) رجال النجاشي : ٢٤٥ / ٦٤٥.

(٦) انظر رجال النجاشي : ٥٥ / ١٢٤ ، رجال الطوسي : ١٦٩ / ٦٧.

(٧) راجع ص ١٥٢٥ ١٥٢٩.

٤١

وقد يستفاد من الخبر المبحوث عنه والذي قبله أنّ السورة غير واجبة.

وما يستفاد من قوله : ينسى فاتحة الكتاب ، من أنّ المراد مجموعها فيكون البعض مسكوتاً عنه جوابه يظهر من الجواب.

نعم ربما يستفاد من قوله : « في جهر أو إخفات » أنّ ناسي الجهر في الجهرية والإخفات في الإخفاتية على تقدير ذكره قبل الركوع يرجع إلى قراءتها على الوجه المعتبر.

وفيه : أنّ للخبر معنيين قدّمناهما ، وهما احتمال إرادة الجهرية والإخفاتية ، أو قراءة الفاتحة جهراً أو إخفاتاً ، ومع الاحتمالين لا يتم المطلوب ، فليتأمّل.

ويظهر من بعض الأصحاب الرجوع إلى الفاتحة لو نسي الجهر أو الإخفات (١) ، ويدفعه قوله عليه‌السلام في صحيح زرارة : « فإن فعل ذلك يعني الجهر في موضع الإخفات أو عكسه ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي‌ء عليه » (٢).

وقد يتوجه على هذا شي‌ء سهل وهو أنّ السؤال في الرواية عمن وقع منه ذلك فلا (٣) يتناول الذاكر قبل الركوع. وجوابه غير خفي.

نعم قد يقع الإشكال في ناسي قراءة بعض الفاتحة جهراً في موضع الإخفات وعكسه ، وقد ذكرنا ما لا بدّ منه في حواشي الروضة.

إذا عرفت هذا فما تضمنه الخبر من صورة التعويذ يخالف ما هو المشهور من صورته ، ولم أقف الآن على ما يقتضي الصورة المشهورة ، ولو‌

__________________

(١) انظر المدارك ٣ : ٣٧٨.

(٢) راجع ص ١٥٥٠.

(٣) في « م » : قد.

٤٢

صحّ الخبر لكان اتباع مدلوله أولى.

وأمّا الثالث : فما ذكره الشيخ في تأويله لا بأس به ، إلاّ أنّ فيه اعترافاً بوقوع النسيان من الإمام عليه‌السلام ، وسيأتي من الشيخ ما ينافيه ، فكان عليه التنبيه على حقيقة الحال ، ولا يخفى ما في متن الحديث من القصور.

أمّا الرابع : فما قاله الشيخ في توجيهه محل تأمّل ، أمّا أوّلاً : فلأنّ إرادة ما تخصّ الركعات من القراءة إنْ كان جميع الركعات المذكورة في السؤال فالثالثة لا تختص بالقراءة ، واختصاصها لمن نسي القراءة في الأوّلتين على ما ظنه الشيخ فرع دلالة الرواية على التعين ، واحتمال إرادة القراءة الفائتة إذا قام لا يتم الاستدلال ، إلاّ أن يقال : إنّه إذا ثبت انتفاء قضاء الفائت في اللاحق تعيّن أنّ الأمر بالقراءة دون التخيير لأجل نسيان القراءة سابقاً ، وفيه : أنّا إذا حملنا القراءة على ما يخص يصير حاصل الجواب : اقرأ في الثالثة ما يخصها ، وإذا ثبت أنّ ما يخصها الفاتحة على وجه التخيير بقي الحكم على ما كان ، فليتأمّل.

وأمّا ثانياً : فلأنّ قوله : أمّا الأوّلة فقد مضى حكمها (١) ، على الظاهر أن المراد به كون الركعة الأولى مضى حكمها بسبب النسيان ، وهذا أوّل المدعى ، وعلى تقدير ثبوته لا وجه لاختصاصه بالأوّلة.

وأمّا ثالثاً : فلأنّ الرابعة لا تستفاد من الرواية ، وكون الصلاة بلا قراءة لو ضرّ بالحال لم يتم الحكم بصحة صلاة الناسي في جميع الركعات إذا أتم الركوع والسجود. واحتمال أن يقال : إنّ هذا خرج بالنص ، فيه : أنّ الموجب للإتيان بالقراءة في الأخيرتين غير مذكور ، إذ الرواية غير صريحة ،

__________________

(١) راجع ص ١٧٧٠.

٤٣

بل ولا ظاهرة ، وقد يمكن تسديد بعض الوجوه بما لا يخفى.

أمّا ما تضمنته الرواية من قوله : « إذا حفظت الركوع والسجود » فقد مضى القول فيه (١) ، وما يظن من أنّ ظاهر الرواية اعتبار الإتمام في ناسي القراءة في مجموع الركعات يمكن توجيهه ، إلاّ أنّه لا يضر بالحال بعد دلالة غيره ، وقد نقل العلاّمة في المختلف عن الشيخ في المبسوط أنّه قال : من نسي القراءة في الأوّلتين لم تبطل صلاته (٢) ، وإنما الأولى له القراءة لئلاّ تخلو الصلاة من القراءة ، وقد روي أنّه إذا نسي القراءة في الأوّلتين تعين في الأخيرتين ، وقال ابن أبي عقيل من نسي القراءة في الأوّلتين وذكر في الأخيرتين سبح فيهما ولم يقرأ فيهما شيئاً (٣). انتهى.

ولا يخفى دلالة كلام المبسوط على أنّه فهم من الرواية تعين القراءة في الأخيرتين ، وقد عرفت الحال ، ولا وجه لعدم ذكر قول الشيخ في هذا الكتاب من العلاّمة كما هو دأبه من نقل ما فيه لظنه مذهباً للشيخ.

ثم العجب من العلاّمة أنّه ذكر الرواية المبحوث عنها وقال بعد الردّ بضعف السند : إنّا نقول بموجبها ؛ إذ الأمر بالقراءة لا ينافي التخيير ، فإنّ الواجب المخيّر مأمور به.

ووجه التعجب يظهر ممّا ذكرناه من عدم صراحة الرواية ، وقوله : إنّ المخيّر مأمور به ، فيه : أنّ الأمر للوجوب العيني حقيقة ، والتخيير إنّما هو من خارج ، إلاّ أن يدعى إرادته ، هذا ، وفيه : أنّ الكلام لا يدل عليه ، فليتأمّل.

__________________

(١) راجع ص ١٧٦٥ ١٧٦٦.

(٢) كذا في جميع النسخ ، وفي المختلف : تخييره ، بدل صلاته. وكذا في المبسوط ١ : ١٠٦ ، وهو الصواب.

(٣) المختلف ٢ : ١٦٦.

٤٤

قوله :

باب من نسي الركوع.

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة ».

عنه ، عن فضالة ، عن رفاعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل نسي أن يركع حتى يسجد ويقوم ، قال : « يستقبل ».

عنه ، عن ابن أبي عمير ، عن رفاعة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يركع حتى يسجد ويقوم ، قال : « يستقبل ».

عنه ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل نسي أن يركع ، قال : « عليه الإعادة ».

الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الرجل نسي أن يركع ، قال : « يستقبل حتى يضع كل شي‌ء موضعه ».

السند‌ :

في الجميع تكرّر القول فيه مفصلاً (١) ، والإجمال أنّ في الأوّل‌

__________________

(١) راجع ص ٥١ ، ٧٣٦ ، ١٢١ ، ١٤٦.

٤٥

أبا بصير ، وهو وإن كان فيه الاشتراك بين الإمامي الثقة وبين الثقة المخلط على قول والوارد فيه الرواية المعتبرة في هذا الكتاب فيما يأتي الدالة على ما يوجب الشك في الإمام ، إلاّ أنّ رواية صفوان عنه في الخبر تفيد نوع رجحان لحديثه ، لما ذكره النجاشي في ترجمة صفوان : من أنّه كانت له منزلة من الزهد والعبادة (١). والشيخ في الفهرست قال : إنّه أوثق أهل زمانه وأعبدهم (٢). فيبعد مع ذلك روايته عن أبي بصير المخلط بل الشاك. واحتمال كون الرواية لا يقتضي العمل بعيد في المقام. نعم الحقّ أنّ اعتماد الأوائل ليس على الرواة من حيث هم ، بل على القرائن المفيدة للصحة.

فإن قلت : صفوان مشترك (٣) ، فما المراد هنا؟.

قلت : هو ابن يحيى ، بقرينة رواية الحسين بن سعيد عنه. كما يستفاد من الفهرست (٤).

والثاني : صحيح على ما تقدم (٥). وكذلك الثالث.

والرابع : ضعيف بابن سنان وأبي بصير.

( وما عساه. يقال : إنّ رواية الحسين بن سعيد مع جلالة قدره كرواية صفوان عن أبي بصير ، له وجه ، إلاّ أنّ مراتب الرجال متفاوتة على تقدير تسليم ما ذكر فرواية ابن مسكان ربما تؤيد رجحان كون أبي بصير الثقة الإمامي كما ذكره شيخنا قدس‌سره بل جزم به في مواضع من مصنفاته. ووالدي قدس‌سره

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٩٧ / ٥٢٤.

(٢) الفهرست : ٨٣ / ٣٤٦.

(٣) انظر هداية المحدثين : ٨٢.

(٤) الفهرست : ٨٤.

(٥) راجع ص ٤٩ ، ٢٨٩ ، ٧٣٦.

٤٦

حكى أنّه رأى رواية ابن مسكان عن أبي بصير عن المذكور. وبالجملة فللكلام في مثل هذه المواضع مجال واسع ) (١).

والخامس : موثق في المشهور بين المتأخرين (٢). وفيه نوع تأمّل أشرنا إلى وجهه مراراً من أنّ النجاشي لم يذكر أنّه كان فطحياً (٣) ، والشيخ ذكر ذلك (٤) ، ومن المستبعد اطلاع الشيخ على ما لم يطلع عليه النجاشي (٥).

المتن :

في الأوّل : لا يخلو من نوع ركاكة لظهور النقل بالمعنى ، والحاصل أنّ المراد بترك الركعة ترك الركوع ، وقوله : « وقد سجد » تفسير لذلك. ودلالته على بطلان الصلاة بترك الركوع ظاهرة. وكذلك الثاني والثالث.

والرابع : ظاهره البطلان بنسيان الركوع وإن لم يسجد ، وهو مقيد بالسجود بلا ريب.

والخامس : كالرابع ، وما قد يقال : إنّ التقييد للخبرين إن كان من الأخبار السابقة ، ففيه : أنّ مفادها السؤال عمن نسي الركوع حتى يسجد ، وهو لا ينافي البطلان فيما إذا نسي الركوع ولمّا يسجد. وإن كان من غيرها فأيّ شي‌ء هو؟. يجاب عنه : بأنّ الدليل هو الإجماع المدعى على أنّ ناسي الركوع إذا ذكره قبل أن يسجد يرجع فيركع.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض » و « فض ».

(٢) كما وصفه به العلاّمة في المختلف ٢ : ٣٦٧.

(٣) رجال النجاشي : ٧١ / ١٦٩.

(٤) الفهرست : ١٥ / ٥٢.

(٥) راجع ص ٧٩.

٤٧

وربما يستدل عليه بما رواه الصدوق صحيحاً عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « إذا نسيت شيئاً من الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً فاقض الذي فاتك سهوا » (١) وقد ينظر في الرواية بتناولها قضاء الركوع بعد السجود ، وجوابه الخروج بالإجماع. والتعبير بالقضاء عن الإتيان بالفعل كثير. وقد رواها الشيخ في التهذيب (٢) ، وفي المتن : « فاصنع ».

أمّا ما قد يقال في الرواية : أنّها واردة في السهو وهو غير النسيان ، فيجاب عنه : بما قدّمناه من أنّ ظاهر بعض الأخبار وهذا من جملتها إرادة ما يتناول النسيان من السهو ؛ لأنّ الرواية تضمنت أوّلاً النسيان وثانياً السهو ، فلا بدّ من إرادة الاتحاد ، إلاّ أن يتكلّف غيره ، فليتدبّر.

وما يقال : من أنّ ظاهر الرواية قضاء السجود ، وهو شامل للسجدتين من ركعة ، والبطلان بذلك مشهور. ( جوابه : أنّ القضاء إذا أُريد به الإتيان بالفعل لا مانع من فعل السجدتين قبل الدخول في الركن ) (٣).

وينبغي أن يعلم أنّ نسيان الركوع إمّا أن يكون لأصله ، على معنى أن يهوي بقصد السجود حال القيام ، أو يكون بعد الهُويّ للركوع قبل الانتهاء إلى حدّه ، أو بعد الوصول إلى حدّه ، ففي الأوّل يرجع إلى القيام لاستدراك الهويّ له ؛ إذ هو من الواجبات فيه ولم يقصد ، على ما قاله بعض الأصحاب (٤) ، وعلى الثاني قيل : يقوم منحنياً إلى حدّ الراكع (٥). ويشكل مع‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠٠٧ ، الوسائل ٨ : ٢٤٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٦ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٠ / ١٤٥٠ ، الوسائل ٨ : ٢٣٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٧.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٤) كصاحب المدارك ٤ : ٢٣٤.

(٥) كما في المدارك ٤ : ٢٣٤.

٤٨

تحقق صورة الركوع ، لاستلزام العود زيادة الركن ، لأنّ الركوع حقيقة هو الانحناء المخصوص والبواقي من واجباته ، إلاّ أن يقال : إنّ الركن الشرعي مجموع ما أعدّه الشارع ، وفيه ما فيه. ولو اشتبه الحال في محل النسيان فإشكال.

قوله :

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين ، عن الحكم ابن مسكين ، عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في رجل شك بعد ما سجد أنّه لم يركع ، قال : « فإن استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما فيبني على صلاته على التمام ، وإن كان لم يستيقن إلاّ بعد ما فرغ وانصرف (١) فليصلِّ ركعة وسجدتين ، ولا شي‌ء عليه ».

فالوجه في هذه الرواية أن نحملها على من نسي الركوع من الركعتين الأخيرتين ، فإنّه يلقي السجدتين ويتم صلاته ، فامّا إذا كان نسيانه في الركعتين الأوّلتين فإنّه يجب عليه إعادة الصلاة على ما تضمنته الأخبار الأوّلة.

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن منصور ، عن أبي بصير ، قال : « إذا أيقن الرجل أنّه ترك الركعة (٢) من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة ».

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٥٦ / ١٣٤٨ زيادة : فليقم.

(٢) في الاستبصار ١ : ٣٥٦ / ١٣٤٩ : ركعة.

٤٩

فلا ينافي ما قلناه ؛ لأنّ هذا الخبر نحمله على من نسي الركوع من صلاة لا يجوز فيها السهو ، مثل الغداة والمغرب ، أو على الركعتين الأوّلتين على ما قلناه في الأخبار الأوّلة ، والذي يكشف عما ذكرناه :

ما رواه سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن حكم بن حكيم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي من صلاته ركعة أو سجدة أو أكثر منها ثم يذكر ، قال : « يقضي ذلك بعينه » ( قلت : أيعيد ) (١) الصلاة؟ قال : « لا ».

السند‌ :

في الأول : فيه الحكم بن مسكين ، وهو مذكور في الرجال بما لا يزيد على الإهمال (٢).

والثاني : فيه أبو بصير ، ولا يخفى عليك أنّ هذا بعينه ما تقدم في أوّل الباب ، وقد رواه الشيخ هناك عن صفوان عن أبي بصير ، وذكرنا احتمال رجحان الاعتماد برواية صفوان عن أبي بصير (٣) ، وهنا قد رواه صفوان بواسطة منصور. وفي التهذيب مروية أيضاً مرّتين ، وفي الاولى برواية صفوان عن أبي بصير ، والثانية بواسطة منصور (٤). ومنصور هو ابن حازم ، للتصريح في الفهرست برواية صفوان عنه (٥). ( والثناء المذكور لمنصور بن‌

__________________

(١) في النسخ : قلنا يعيد. وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٣٥٧ / ١٣٥٠ ، هو الظاهر.

(٢) انظر رجال النجاشي : ١٣٦ / ٣٥٠.

(٣) راجع ص ١٧٧٥.

(٤) التهذيب ٢ : ١٤٨ / ٥٨٠ و ١٤٩ / ٥٨٧.

(٥) الفهرست : ١٦٤ / ٧١٨.

٥٠

حازم في النجاشي : أنّه ثقة عين صدوق من جِلّة أصحابنا وفقهائهم (١) ، فربما لا يقصر عن صفوان لاحتمال تمامية ما قدمناه ) (٢).

والثالث : فيه حكم بن حكيم ، وفي النجاشي : أنّه كوفي مولى ثقة روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، ذكر ذلك أبو العباس في كتاب الرجال (٣). وقد قدّمنا الكلام في مثل هذه العبارة من النجاشي (٤) ( والظاهر هنا أنّ أبا العباس ابن عقدة ، لأنّ النجاشي ذكر بعد هذا ) (٥) عن ابن نوح أنّ الحَكَم ابن عم خلاد بن عيسى. والعلاّمة في الخلاصة نقل عن ابن بابويه أنّ حكم بن حكيم ابن أخي خلاد (٦). وفي إيضاح الاشتباه (٧) نقل عن ابن نوح ما حكاه النجاشي. وفي الفقيه ذكر في المشيخة أنّ ما كان فيه عن حكم بن حكيم ابن أخي خلاد (٨). وكذلك في باب ما ينجس الثوب والجسد (٩).

المتن :

في الأوّل : لا يخلو من قصور ، وهو في التهذيب كذلك (١٠). وفي الفقيه روى بطريق صحيح عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤١٣ / ١١٠١.

(٢) ما بين القوسين زيادة من « م ».

(٣) رجال النجاشي : ١٣٧ / ٣٥٣.

(٤) راجع ص ١٧٤٦.

(٥) بدل ما بين القوسين في « م » : وذكر النجاشي أيضاً.

(٦) الخلاصة : ٦٠ / ٢.

(٧) إيضاح الاشتباه : ١٤٢ / ١٦٤.

(٨) مشيخة الفقيه ( الفقيه ٤ ) : ١٣.

(٩) الفقيه ١ : ٤٠ / ١٥٨.

(١٠) التهذيب ٢ : ١٤٩ / ٥٨٥.

٥١

أبي جعفر عليه‌السلام : في رجل شك بعد ما سجد أنّه لم يركع ، فقال : « يمضي في صلاته حتى يستيقن أنّه لم يركع ، فإن استيقن أنّه لم يركع فليلق السجدتين اللتين لا ركوع لهما ويبني على صلاته (١) على التمام ، وإن كان لم يستيقن إلاّ بعد ما فرغ وانصرف فليقم وليصلِّ ركعة وسجدتين ولا شي‌ء عليه » (٢) وهذا المتن أوضح من المذكور في الكتاب.

ثم إنّ المنقول عن الشيخ في المبسوط أنّ الإخلال بالركوع نسياناً إنّما يبطل في الأوّلتين أو ثالثة المغرب ، وإن كان في الأخيرتين من الرباعية حذف الزائد وأتى بالفائت ، فلو ترك الركوع في الثالثة حتى سجد سجدتيها أسقطهما وركع وأعاد السجدتين ، ولو لم يذكر حتى ركع في الرابعة أسقط الركوع وسجد للثالثة ثم أتى بالرابعة (٣) ، قال شيخنا قدس‌سره : ونحوه قال في كتابي الأخبار (٤).

ثم قال قدس‌سره : احتج الشيخ في التهذيب على البطلان في الركعتين الأوّلتين وثالثة المغرب بما تلوناه من الأخبار وعنى بها الأخبار السابقة وعلى إسقاط الزائد والإتيان بالفائت في الركعتين الأخيرتين من الرباعية بما رواه عن محمد بن مسلم إلى آخره (٥) ، وفي الصحيح عن العيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر أنّه لم يركع ، قال : « يقوم فيركع ، ويسجد سجدتي السهو » (٦).

__________________

(١) في النسخ والمصدر زيادة : التي ، حذفناها لاستقامة المعنى.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠٠٦.

(٣) المبسوط ١ : ١٠٩ و ١١٩ ، وحكاه عنه في المدارك ٤ : ٢١٦.

(٤) المدارك ٤ : ٢١٦.

(٥) التهذيب ٢ : ١٤٩ / ٥٨٥ ، الوسائل ٦ : ٣١٤ أبواب الركوع ب ١١ ح ٢.

(٦) التهذيب ٢ : ١٤٩ / ٥٨٦ ، الوسائل ٦ : ٣١٥ أبواب الركوع ب ١١ ح ٣.

٥٢

وأجاب في المعتبر عن الرواية الأُولى بأنّ ظاهرها الإطلاق ، وهو متروك ، وتخصيصها بالأخيرتين تحكم. ويتوجه عليها أيضاً أنّها ضعيفة السند ، وعلى الرواية الثانية أنّها غير دالة على مطلوبه وإنّما تدل على وجوب الإتيان بالمنسي خاصة ، وهو لا يذهب إليه ، بل يوجب الإتيان بما بعده ، ثم قال قدس‌سره : لكن الصدوق أورد رواية محمد بن مسلم بطريق صحيح وذكرها ثم قال : ومقتضى الرواية وجوب الإتيان بالركوع وإسقاط السجدتين مطلقاً كما هو أحد الأقوال في المسألة ، ويمكن الجمع بينها وبين ما تضمن الاستئناف بالتخيير بين الأمرين (١). انتهى كلامه.

وفي نظري القاصر أنّ فيه تأمّلاً من وجوه :

الأوّل : ما ذكره قدس‌سره من أنّ كلام الشيخ في كتابي الأخبار نحو ما في المبسوط غير واضح كما يعرف من مراجعة التهذيب ، فإنّه صنع كما هنا وزاد احتمال أن يكون المراد بقوله في رواية أبي بصير « استأنف الصلاة » يعني الركعة التي فاتته (٢) ، أمّا الحكم المذكور في المبسوط من إسقاط الركوع الذي فعله في الرابعة فغير مذكور.

الثاني : أنّ مقتضى عبارة التهذيب والاستبصار هي مدلول الرواية ، أعني إلقاء السجدتين وإتمام الصلاة ، أمّا وجوب الإتيان بما بعده من السجود كما ذكره قدس‌سره من أنّ مراد الشيخ ذلك في الكتابين فلا ، نعم عبارة المبسوط تقتضي ذلك ، والحال أنّ الذي نقله (٣) من الاستدلال بالرواية لما في التهذيب ، وربما يقال : إنّ المتبادر من قوله عليه‌السلام : « فليلق السجدتين » ‌

__________________

(١) المدارك ٤ : ٢١٩.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٩.

(٣) في « فض » : فعله.

٥٣

حذفهما وقوله : « ويبني على صلاته على التمام » ظاهره الإتيان ببقية الأفعال التي بعد الركوع المأتي به ، ومن جملة البقية السجدتان ، فليتأمّل.

الثالث : ما قاله من وضوح متن رواية الصدوق (١) إن كان من حيث قوله عليه‌السلام : « يمضي في صلاته حتى يستيقن أنّه لم يركع » فهو كذلك ، إلاّ أنّ كلامه قدس‌سره بصدد دلالة ما رواه الشيخ على خلاف مطلوبه ، وذكر رواية الصدوق بالاستدراك يوهم أنّ متنها يدل على مطلوبه ، وليس ذلك ، بل هما متحدان في المدلول كما لا يخفى. وإن كان المراد وضوح الدلالة في المتن بزيادة التفصيل فهو كذلك أيضاً ، والكلام واحد ، ونحن قد أشرنا إلى ذلك في أوّل القول.

الرابع : أنّ مدلول الرواية على التقديرين أنّ الذكر إذا كان بعد الفراغ فليتم وليصلِّ ركعة وسجدتين ولا شي‌ء عليه ، وهذا غير معلوم القائل به ، وعدم التعرض له غريب ، فقول شيخنا قدس‌سره : إنّ متنها أوضح. يوهم عدم الارتياب فيما ذكرناه (٢) ، والأمر كما ترى. وقد يحتمل أن يراد بالركعة الركوع ، واستعمالها موجود حتى في رواية الشيخ ، حيث قال : « اللتين لا ركعة لهما ». ويراد بالسجدتين سجدتا السهو ، وهذا وإن كان أيضاً لا قائل به فيما نعلم إلاّ أنّ ما دل على قضاء الركوع في الخبر السابق عن الصدوق يتناوله. والإجماع هنا غير متحقق ، والمنقول من الأقوال في المسألة لا يفيد الإجماع ، وإن كان الحق أنّ ما ذكرناه متكلِّف ، غير أنّ الغرض بيان ما في المتن.

الخامس : ما نقله قدس‌سره عن المعتبر من التحكم في الظاهر متوجه ، إلاّ‌

__________________

(١) انظر المدارك ٤ : ٢١٩.

(٢) في « رض » : ذكره.

٥٤

أنّه يمكن أن يقال : إنّ في معتبر الأخبار ( ما يدل على مراعاة حفظ الأوّلتين كما يأتي بيانه إن شاء الله ، وحينئذ مع تعارض الأخبار ) (١) يخص الحكم المذكور بالأخيرتين.

وقد يتكلف أن يقال : إنّ ما تضمنه الخبر المبحوث عنه من قوله : « فليصلِّ ركعة وسجدتين » فيه دلالة على حمل الشيخ ، بأنْ يراد حصول النسيان في الرابعة من الرباعية ، فإنّه إذا نسي الركوع وألقى السجدتين أتى بركعة وسجدتين ، وحينئذ يراد بالركعة حقيقتها ، وبالسجدتين سجدتا السهو ، ولو أُريد بالركعة الركوع لا يفيد المطلوب.

وينبغي أنْ يعلم أنّ العلاّمة نقل في المنتهى عن الشيخ القول بإسقاط السجدتين والإتيان بالركوع من غير فرق بين الأوّلتين والأخيرتين (٢).

ويحكى عن ابن الجنيد أنّه قال : لو صحّت الاولى وسها في الثانية سهواً لم يمكنه استدراكه ، كأن أيقن وهو ساجد أنّه لم يركع فأراد البناء على الركعة الأُولى التي صحت له رجوت أنْ يجزئه ذلك ، ولو أعاد إذا كان في الأوّلتين وكان الوقت واسعاً كان أحبّ إليّ (٣).

إذا تمهّد هذا فاعلم أنّ القائلين بالبطلان في المسألة نقل احتجاجهم شيخنا قدس‌سره بالأخبار الأوّلة ، مع ضميمة أنّ الناسي للركوع إلى أن يسجد لم يأت بالمأمور به على وجهه فيبقى في العهدة ، واعترض على هذا بأنّ الامتثال يتحقّق بالإتيان بالركوع ثم السجود ، فلا يتعين الاستئناف ، نعم لو لم يذكر إلاّ بعد السجدتين اتجه البطلان ؛ لزيادة الركن ، كما هو مدلول‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٢) المنتهى ١ : ٤٠٨.

(٣) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٣٦٥.

٥٥

الروايتين الأوّلتين ، والرواية الثالثة ضعيفة السند فلا تنهض حجة في إثبات حكم مخالف للأصل (١). انتهى.

وفي نظري القاصر أنّه محل تأمّل ، أمّا أولاً : فلأنّ تحقّق الامتثال غير مسلّم ؛ إذ الإتيان بالركوع بعد السجدة خارج عن الصلاة المأمور بها ، والعبادة كيفية متلقاة من الشارع فتتوقف الصحة مع الفعل المخصوص على الدليل.

فإنْ قلت : إذا حكم بصحة الصلاة بالدخول فيها فالبطلان بما ذكر يتوقف على الدليل.

قلت : يكفي في البطلان تغيّر الكيفية المطلوبة ، وغير خفي أنّ تغيير الكيفية يقتضي عدم الامتثال إلاّ ما خرج بالدليل ، وما نحن فيه لا دليل عليه.

فإنْ قلت : النهي عن إبطال العمل موجود ، والمخصص وهو نسيان الركوع على الوجه المذكور غير معلوم الدليل ، فيبقى النهي على عمومه ، مضافاً إلى أصالة الصحة المحكوم بها أوّلاً.

قلت : النهي عن إبطال العمل متوقف على العمل الشرعي ، والحال أنّ المدعى عدم الفعل الشرعي بما ذكر ، والأصل كذلك ، فليتأمّل.

وأمّا ثانياً : فما ذكره قدس‌سره من أنّ مدلول الروايتين البطلان بزيادة السجدتين ، يريد به أنّ روايتي رفاعة وأبي بصير يدلان على ذلك ، أمّا رواية رفاعة فمن جهة قوله : حتى يسجد ويقوم. وفي هذا تأمّل ؛ لأنّ القيام كما يتحقق بعد السجدتين يتحقق من السجدة ، واحتمال أن يقال : إنّ القيام من السجدة يقال له : رفع ، واضح الدفع ، وأمّا رواية أبي بصير فهي وإن كانت صريحة إلاّ أنّها غير صالحة للاعتماد.

__________________

(١) المدارك ٤ : ٢١٧.

٥٦

وأمّا ثالثاً : فما ذكره قدس‌سره من البطلان بزيادة السجدتين ليس أولى من نقصان الركوع ؛ إذ لا ريب في تحقق النقصان بالدخول في السجود ، ولو نظرنا إلى أنّ البطلان بزيادة الركن إجماعي ، ومع نقصان الركوع الخلاف واقع ، أمكن الجواب بأنّ الخلاف في الأمرين حاصل ، بل الظاهر أنّ القائل بالتفصيل المذكور غير موجود ، بل المنقول البطلان مطلقاً والتلفيق السابق.

وحكى في المختلف عن المفيد القول بأنّ من ترك الركوع ناسياً أو متعمداً أعاد على كل حال (١). وظاهر هذا يشمل ما لو ذكر قبل السجود ، لكن العلاّمة قال : إن قصد الإعادة وإن ذكر قبل السجود (٢) فهو ممنوع. ونقل في المختلف عن الشيخ أنّه قال : وإن تركه يعني الركوع ناسياً وسجد السجدتين أو واحدة منهما أسقط السجدة وقام وركع وتمم صلاته (٣). وهذا وإن اقتضى القول بالسجدة إلاّ أنّ التخصيص بها غير حاصل ، وكلامنا في ذلك ، فلا يشكل ما قلناه من عدم القائل بالفرق ، هذا.

وما يقتضيه كلام الشيخ في الخبر الثاني بعد ذكره لا يخلو من غرابة ؛ لدخول الخبر في الأخبار الأوّلة ، ومغايرته إنّما هي بمجرد ذكر الواسطة بين صفوان وأبي بصير ، وهذه لا توجب إفراده.

ثم الحمل على صلاة الغداة والمغرب دون غيره من الأخبار الأوّلة لا وجه له ، بل ذكر الغداة أيضاً كذلك ، ولو جعل الحمل على الأوّلتين وثالثة المغرب والغداة كان أولى ؛ إذ ربما يفيد قوله : أو على الركعتين الأوّلتين. أنّ الغداة خارجة مع أنّ حكم الأوّلتين يشترك فيه الغداة. وذكر المغرب‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ٣٦٤.

(٢) في النسخ : الركوع ، والصواب ما أثبتناه من المصدر.

(٣) المختلف ٢ : ٣٦٥.

٥٧

لا أعلم وجهه ، وقد سمعت كلامه في المبسوط (١).

والعجب من العلاّمة في المختلف أنّه لم ينقل قول الشيخ هنا مع اعتنائه بأقواله في الكتاب ، وقد اتفق له رحمه‌الله توجيه للاستدلال على البطلان حيث اختاره ، وفي نظري القاصر أنّه محل بحث ، والذي ذكره هذا لفظه :

لنا : أنّه لم يأت بالمأمور به ، فيبقى في عهدة التكليف ، أمّا المقدمة الأُولى فلأنّه مأمور بإتيان كل ركعة بركوعها ، ولم يأت به ، إذ التقدير ذلك. وأمّا الثانية فظاهرة.

لا يقال : المقدمتان ممنوعتان ، أمّا الأُولى : فللمنع من كونه مأموراً حالة النسيان ، وإلاّ لزم تكليف ما لا يطاق ، وأمّا الثانية : فلا نسلم البقاء في عهدة التكليف ؛ لأنّه إنّما يلزم ذلك لو قلنا إنّ الإتيان بالمأمور به لا على وجهه يوجب الإعادة ، وهو ممنوع ، فإنّ الإعادة تفتقر إلى دليل خارجي ، ولم يثبت. سلّمنا المقدمتين ، لكن لا نسلّم دلالتهما على محل النزاع ، فإنّ مذهبكم بطلان الصلاة والمقدمتان لا تدل عليه ، إنّما تدل على بقاء التكليف بالركوع ، ونحن نقول بموجبه ؛ إذ مع حذف السجدتين والإتيان بالركوع يكون التكليف به باقياً ولا يخرج عن العهدة بدونه.

لأنّا نقول : الناسي لا يسقط عنه الفعل مطلقاً ، بل الإثم ، وتكليف ما لا يطاق لازم لو قلنا إنّه مكلَّف حالة النسيان بالإتيان به حينئذ ، أمّا لو قلنا إنّه مكلَّف بأن يأتي به حالة الذكر فلا ، وظاهر أنّ النسيان لا يسقط التكاليف بالإجماع.

وأمّا وجوب الإعادة فظاهر ؛ إذ الإتيان بالمأمور به لا على وجهه ليس‌

__________________

(١) راجع ص ١٧٨٠.

٥٨

إتياناً بالمأمور به ، فوجوب الإعادة حينئذ ظاهر.

وأمّا دلالة المقدمتين على محل النزاع فظاهرة ؛ لأنّ إعادة الركوع من دون إعادة السجدتين مخل بهيئة الصلاة ، فلا يقع المأمور به على وجهه ، وهو خلاف الإجماع أيضاً ، وإعادة السجدتين بعد الإتيان بالركوع مخل بهيئة الصلاة أيضاً ، ومقتض لزيادة ركن (١). انتهى المراد منه.

ولا يخفى عليك ما فيه ، أمّا أولاً : فما ذكره من أنّه مأمور بإتيان كل ركعة بركوعها إن أراد به (٢) بركوعها قبل السجود فهو مسلّم والعبارة لا تدل عليه ، وإن أراد غير ذلك فلا وجه له ، لكن جواب هذا سهل. نعم قد يتوجه عليه أنّ الإتيان بالركوع قبل على الإطلاق إنْ كان بالإجماع فهو مردود في موضع النزاع ، وإن كان من المعروف في العبادة أمكن أن يقال : إنّ مثل هذا لا يصلح للحجيّة ، وفيه نوع تأمّل أظنه لا يخفى.

وأمّا ثانياً : فما ذكره في السؤال من أنّ الإعادة تفتقر إلى أمر خارجي ولم يثبت ، إن أراد به أنّ القضاء يتوقف على أمر خارجي فمسلّم ، والكلام ليس فيه ، وإن أراد الأداء فغير متوقف على أمر خارج ، بل عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه يقتضي بقاء التكليف كما هو واضح. وعدم التعرض في الجواب لهذا لا وجه له ، وقوله : وأمّا وجوب الإعادة ، إلى آخره. غير وافٍ بما قلناه.

وأمّا ثالثاً : فالجواب الذي ذكره من أنّ الناسي لا يسقط عنه الفعل بل الإثم ، إن أراد به في حال النسيان فالفعل عنه ساقط مع الإثم ، وإن أراد حال الذكر فالفعل باق إذاً ، وكذلك الإثم لو تركه. وقوله : إنّ النسيان لا يسقط‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ٣٦٦.

(٢) ليست في « رض ».

٥٩

التكاليف بالإجماع ، غريب.

وأمّا رابعاً : فقوله : إنّ دلالة المقدمتين ظاهرة ، إلى آخره. فيه أنّ المُورِد قال إنّ التكليف بالركوع باقٍ مع الإتيان بالسجدتين ، والجواب كما ترى يقتضي أنّ الفعل يخل بهيئة الصلاة ، فإن أراد هيئة الصلاة لغير الناسي فلا يضر بالحال ، وإن أراد للناسي فالإخلال محل كلام ، والأولى أن نقول : إنّ الناسي مكلّف بمجموع الصلاة لا بالركوع.

وما قاله من زيادة الركن ، فيه : أنّ هذا مختص بما لو ذكر بعد السجدتين ، فكان الأولى الاقتصار على تغيير الهيئة ، ولعلّ مراده بيان فردٍ ما.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الذي ذكره الشيخ لكشف ما قاله لا يخلو من إجمال ؛ لأنّ ظاهر الخبر أنّ ما ينسى من الركعة والسجدة وأكثر منها يقضى ولا تعاد الصلاة بسببه ، والحال أنّه لا بدّ من تخصيصه ، ومعه لا يتم الكشف ، بل يوجب الغموض ، فليتأمّل.

قوله :

باب من شك وهو قائم فلا يدري أركع أم لا‌

الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن حمّاد ، عن عمران الحلبي قال : قلت : الرجل يشك وهو قائم فلا يدري أركع‌ أم لا ، قال : « فليركع ».

عنه ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل شك وهو قائم فلا يدري أركع

٦٠