إستقصاء الإعتبار - ج ٦

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-178-8
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٤٤٧

اللغة :

قال في القاموس : السبخة محركة ومسكّنة أرض ذات نزّ وملح ، الجمع سباخ (١).

قوله :

باب المصلّي يصلّي وفي قبلته نار

محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يصلّي (٢) الرجل وفي قبلته نار أو حديد ».

محمّد بن يحيى ، عن العمركي ، عن علي بن جعفر ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلّي والسراج موضوع بين يديه في القبلة؟ فقال : « لا يصلح له أنْ يستقبل النار ».

فأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن الحسن ، عن الحسين بن عمرو ، عن أبيه ، عن (٣) عمرو بن إبراهيم الهمداني ، رفع الحديث قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا بأس أنْ يصلّي الرجل (٤) والسراج والصورة بين يديه ، إنّ الذي يصلّي له أقرب إليه من الذي بين يديه ».

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ٢٧٠.

(٢) في « فض » لا يصلّ.

(٣) ليس في الاستبصار ١ : ٣٩٦ / ١٥١٢.

(٤) في الاستبصار ١ : ٣٩٦ / ١٥١٢ زيادة : والنار.

٣٤١

فهذه رواية شاذة مقطوعة الإسناد ، وهي محمولة على ضرب من الرخصة ، وإن كان الأفضل ما قدّمناه.

السند‌ :

في الأوّل : موثق ، وما عساه يقال : إنّ رواية محمّد بن أحمد ، عن أحمد بن الحسن مستبعدة ؛ لأنّ سعداً يروي عن أحمد بن الحسن ، والطريق إلى محمّد بن أحمد بن يحيى سعد بن عبد الله ؛ جوابه غير خفيّ بعد الممارسة.

والثاني : صحيح على ما مضى ، وقد رواه الصدوق أيضاً عن علي بن جعفر (١) ، وليس في الطريق ارتياب.

فإن قلت : ظاهر الكلام التوقف في طريق الشيخ ، وهو غير واضح.

قلت : لأنّ في الطريق أحمد بن محمّد بن يحيى العطار ، وقد مضى فيه أنّه غير مصرح بتوثيقه (٢) ، لكنه معتبر عند مشايخنا (٣) ومن تقدّمهم من المتأخرين (٤). أمّا طريق الصدوق فعن أبيه عن محمّد بن يحيى.

والثالث : الحسن فيه هو ابن علي الكوفي ، كما في الفقيه (٥) ، والحسن هو ابن أبي المغيرة ( كما يستفاد من الصدوق في مشيخة الفقيه في ذكر الطريق إلى روح بن عبد الرحيم (٦) كما نبّه عليه الوالد قدس‌سره وشيخنا‌

__________________

(١) انظر الفقيه ١ : ١٦٢ / ٧٦٣.

(٢) في ص ٢٦.

(٣) انظر منهج المقال : ٤٧ ، منتقى الجمان ١ : ٣٩ ٤١.

(٤) خلاصة العلاّمة : ٢٧٦ ، الدراية ٦٩.

(٥) الفقيه ١ : ١٦٢.

(٦) مشيخة الفقيه ( الفقيه ٤ ) : ١٠٣.

٣٤٢

ـ أيّده الله ـ في كتاب الرجال (١) ، وقد يستفاد من قول الصدوق هنا توثيقه هنا أيضاً ) (٢) لأنّه ( قال : [ يرويه ] الحسن بن علي الكوفي وهو معروف ، ثم قال : إنّ ) (٣) الرواية صدرت عن ثقات ثم اتصلت بالمجهولين والانقطاع (٤).

وظاهر هذا الكلام أنّ الثقات الحسن بن علي الكوفي ومن تقدّمه إلى الصدوق ، وغير خفي إعطاء كلامه توثيق علي بن الحسن بن علي الكوفي ، وجعفر بن علي بن الحسن الكوفي ؛ إذ طريقه إلى الحسن هذان الرجلان (٥) ، ولم أر من ذكرهما في الرجال.

ثم إنّ الجهالة في الثلاثة بعد الحسن ذكرها الصدوق ( في الفقيه (٦) وقد ذكرت في معاهد التنبيه كلاماً في المقام ، وحاصل الأمر : أنّ (٧) الذي يستفاد من الصدوق ) (٨) وغيره عدم العمل بالخبر من حيث الطرق ، بل من أخذه من الكتب المعتمدة ونحو ذلك ، والخبر المذكور ردّه بأنّه حديث يرويه ثلاثة من المجهولين بإسناد منقطع ، وهو يعطي التفاته للطريق.

__________________

(١) منهج المقال : ١٤١.

(٢) بدل ما بين القوسين في « م » : على ما فهمته من الوالد قدس‌سره. واستفادته من الرجال غير بعيدة ، لأنَّ الصدوق ذكر في الطريق إلى الحسن بن علي الكوفي عن أبيه عن علي بن الحسن بن علي الكوفي عن أبيه. والمذكور في النجاشي في الحسن بن علي بن أبي المغيرة أنَّ ابنه يروي عنه. وقد يتوجه في المقام نوع كلام ، إلاّ أنّ الذي يفهم من الفقيه توثيق الحسن بن علي الكوفي هذا.

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض » ، وبدل ما بين المعقوفين في « فض » و « م » : إنّ ، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) الفقيه ١ : ١٦٢.

(٥) مشيخة الفقيه ( الفقيه ٤ ) : ٤٠.

(٦) الفقيه ١ : ١٦٢.

(٧) ليس في « رض ».

(٨) ما بين القوسين ليس في « م ».

٣٤٣

ثم إنّه قال أخيراً : أنّها رخصة اقترنت بها علة صدرت عن ثقات ثم اتصلت بالمجهولين والانقطاع ، فمن أخذ بها لم يكن مخطئاً بعد أنْ يعلم أنّ الأصل هو النهي ، وأنّ الإطلاق هو الرخصة والرخصة رحمة.

وهذا الكلام كما ترى ظاهره أنّ الخبر قد نقله الثقات ، فلا يضرّ الجهالة والقطع فيه ، والحال أنّ الثقات إذا رووه عن المجهولين فإنْ كان من جهة الاعتماد على المجهولين فليسوا بمجهولين ، وإنْ كان من حيث انضمام القرائن فلا يضرّ الجهالة ، والظاهر هو هذا ؛ لأنّ العمل بالخبر لا يفهم وجهه إلاّ من هذه الحيثية ، واحتمال كون الثقات قبل المجهولين لا وجه له ، واحتمال كون الثقات معهم كالأوّل. وبهذا يتضح أنّ الخبر صحيح عند الصدوق ، لا أنّه شاذّ كما قاله الشيخ ، وتبعه شيخنا قدس‌سره في فوائد الكتاب قائلاً : إنّه لا يخفى أنّ ثبوت الرخصة بهذه الرواية مع كونها شاذّة مقطوعة الإسناد مشكل جدّاً.

وفي الظن ، أنّ الخبر حينئذٍ يعتمد عليه بنحو ما قرّرناه في غيره ، وإن بقي الإشكال في ظاهر كلام الصدوق المقتضي للتنافي بين عادته وقوله هنا ، وإلى الآن لم يخطر في البال وجه التسديد ، والله المستعان.

ويبقى الكلام في الرخصة المذكورة في كلام الشيخ والصدوق ، فإنّ الظاهر من الشيخ إرادة الجواز ، وأنّ الأفضل عدم الصلاة إلى النار ، والرخصة في عبارة الصدوق لم يتضح لي معناها ، فلو أراد بها ما قاله الشيخ يكون قائلاً بكراهة الصلاة إلى النار ، وظاهر قوله : إنّ الأصل هو النهي ؛ يفيد التحريم ، وأنّ الرخصة يراد بها جواز الفعل للضرورة على نحو ما قرّره أهل الأُصول في الرخصة.

فإنْ قلت : قوله : اقترنت بها علة ، ثم قوله : فمن أخذ بها لم يكن‌

٣٤٤

مخطئاً. لا يوافق المعنى الأُصولي (١) ، إذ الرخصة عُرّفت بما يقتضي جواز الفعل مع قيام المانع منه ، واقتران العلّة المذكورة لو لوحظ فيه ما قرّر في الأُصول من أنّ الرخصة جواز الفعل مع الضرورة فغير خفيّ أنّ العلة في الخبر لا دخل لها بالضرورة المناسبة بجواز الفعل على حدّ الضرورة المقررة في الرخصة. وقد سبقه إلى هذا شيخنا الشهيد رحمه‌الله في شرح الإرشاد (٢). وأمّا قوله : فمن أخذ بها ، إلى آخره. فعدم المناسبة فيه ظاهر ؛ إذ المتبادر من جواز العمل بالخبر مع عدم الضرورة وقوله بعد ذلك : إنّ الإطلاق هو الرخصة. يدل على هذا.

قلت : ما ذكرته في الأوّل واضح من حيث إنّ العلة في الخبر لا توافق الضرورة إلاّ على تكلّف بأنْ يراد بالعلّة الضرورة ، والمعني باقتران العلّة الضرورة ، وحينئذٍ فالكلام في قوة أنّ الجواز مشروط بالضرورة ، ووجه التكلف غير خفيّ. وربما يدفع التوجيه الكلام الأخير حيث ذكر الإطلاق ، إلاّ أنّه يمكن التوجيه بأنْ يراد بالإطلاق الإباحة (٣). وأمّا الثاني : فما ذكرته فيه يمكن دفعه بإرادة أنّ من عمل بالخبر حال الضرورة لم يكن مخطئاً.

وبالجملة : فالرخصة في كلامه رحمه‌الله مجملة المعنى.

فإن قلت : الرخصة في الأُصول ما (٤) وجه إخراج التيمم منها ( ونحوه ، مع أنَّ الظاهر الدخول. قلتُ : الظاهر أنّ المراد من الرخصة أن‌

__________________

(١) في « رض » : الأُولى.

(٢) روض الجنان : ٢٣٠.

(٣) في « م » زيادة : وقد يمكن أن يوجه موافقة العلة للضرورة على تقدير كونها غيرها بأنّ مع الضرورة فالعلّة المدخولة في الرواية مؤثرة ، وإن كانت العلّة في الظاهر شمولها للضرورة وعدمها. وفيه من التكلف ما لا يخفى.

(٤) ليست في « رض ».

٣٤٥

يكون التحريم مثلاً مطلقاً غير مشروط التكليف به بشي‌ء ، ثمَّ إنّ الشارع يبيح الفعل للضرورة ، بخلاف التيمم ونحوه ) (١).

وأوضح من هذا أنْ يقال : إنّ المشروط بالضرورة في الرخصة الفعل لا التحريم ، بل هو مطلق بخلاف التيمم ، فإنّ المشروط فيه الوجوب ألا ترى أنّ الصلاة واجب مطلق مع اشتراط فعلها بالوضوء ، بخلاف الزكاة والحج. وقد اشتبه الفرق بين الواجب المشروط والفعل المشروط على بعض المتأخّرين حتى أوقعهم ذلك في مضايق اكتفوا في الخروج عنها بالإجمال ، فمن جملتها أحكام الميت فإنّها كفائية مع توقف بعضها على إذن الولي.

وقد أجاب جدّي قدس‌سره عن إشكال الجمع بين الوجوب والتوقف على الإذن بعدم المنافاة ، ولا يخفى غرابته لولا ما قلناه من أنّ المتوقف هو الفعل لا الوجوب. وتحقيق القول في بحث الأموات وغيره يأتي إنشاء الله تعالى.

وقد نقل في المختلف القول بالتحريم عن أبي الصلاح ، وهو يشعر بأنّ الصدوق غير قائل به ، كما يؤيّده استشهاده بكلام الصدوق على الكراهة (٢) ، والأمر كما ترى.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ خبر علي بن جعفر ظن شيخنا قدس‌سره أن قوله عليه‌السلام : « لا يصلح » يشعر بالكراهة ؛ لعدم الصراحة في التحريم (٣). وقد سبقه إلى‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في ( فض ) و « ض » : مع أنّ الظاهر أنّ ما ذكر إنما يجوز مع الضرورة فهو في معنى الرخصة.

قلت : المراد من الرخصة أنْ يكون التحريم مثلاً مطلقاً غير مشروط التكليف به بشي‌ء ، ثم إنّ الشارع : يبيح الفعل للضرورة ، بخلاف التيمم ونحوه ، فما ذكره الشريف من أنّ التكليف به مشروط بعدم الماء. فلا تكليف بدون فقد الماء.

(٢) المختلف ٢ : ١٢٤.

(٣) المدارك ٣ : ٢٣٥.

٣٤٦

هذا شيخنا الشهيد رحمه‌الله في شرح الإرشاد (١). وقد يناقش في ذلك إلاّ أنّ الأمر يسهل بعد ما قدّمناه.

ومن هنا يعلم أنّ قول بعض محققي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ : ولو قلنا به يعني بالتحريم لكان وجهاً ؛ لضعف الرواية المؤذنة بالجواز جدّاً ، وهي مرفوعة عمر بن إبراهيم ، وذكر الرواية (٢) ؛ واستدلال العلاّمة في المختلف على الكراهة بما حاصله أنّه مكلف بإدخال ماهية الصلاة إلى الوجود ، وهو حاصل في صورة النزاع (٣) ؛ غريب في الظاهر ، إلاّ أنّه يمكن تصويره ، والضرورة غير داعية إلى ذلك.

المتن :

قد قدّمنا ما لا بدّ منه في الكلام عليه وإنّما أدخلناه في السند لانسياق القول فيه من عبارة الفقيه ، غير أنّه ينبغي أنْ يعلم أنّ الأوّل يدل على النهي عن الصلاة لمن في قبلته النار.

والثاني : تضمن أنّ السراج موضوع في القبلة بين يدي المصلّي ، والجواب مطابق أيضاً ، فهو موافق للأوّل في القبلة ( فتعبير بعض المتأخّرين بكراهة كون النار بين يدي المصلّي (٤) ، محلّ تأمّل ؛ لأنّ الانحراف عن القبلة ) (٥) يقتضي زوال الكراهة أو التحريم مع (٦) صدق أنّها بين اليدين في‌

__________________

(١) روض الجنان : ٢٣٠.

(٢) البهائي في الحبل المتين : ١٦٣.

(٣) المختلف ٢ : ١٢٥.

(٤) الشرائع ١ : ٧٢.

(٥) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٦) في « رض » زيادة : تحقق.

٣٤٧

الجملة ، وكذلك التعبير بالمضرمة ليس في الأخبار التي وقفنا عليها ما يدلّ عليه.

قوله :

باب الصلاة بين المقابر

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمّد ، عن محمّد ابن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن ( محمّد بن أحمد بن يحيى ) (١) عن أحمد بن الحسن بن علي ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمّار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلّي بين القبور؟ قال : « لا يجوز ذلك ، إلاّ أنْ يجعل بينه وبين القبور إذا صلّى عشرة أذرع من بين يديه ، وعشرة أذرع من خلفه ، وعشرة أذرع عن يمينه ، وعشرة أذرع عن يساره ، ثم يصلّي إن شاء ».

فأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن (٢) يحيى ، عن معاوية بن حكيم (٣) ، عن مَعْمر بن خلاّد ، عن الرضا عليه‌السلام قال : « لا بأس بالصلاة بين المقابر (٤) ما لم يتخذ القبر قبلة ».

وما رواه محمّد بن علي بن ( محبوب ، عن محمّد بن عيسى العبيدي (٥) ، عن الحسين (٦) بن علي بن يقطين ، عن أخيه ، عن أبيه‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في الاستبصار ١ : ٣٩٧ / ١٥١٣ : أحمد بن محمّد.

(٢) في « فض » زيادة : محمّد بن.

(٣) في « فض » : حكم.

(٤) في الاستبصار ١ : ٣٩٧ / ١٥١٤ : إلى القبر.

(٥) في الإستبصار ١ : ٣٩٧ / ١٥١٥ : العبدي.

(٦) في الإستبصار ١ : ٣٩٧ / ١٥١٥ : الحسن.

٣٤٨

علي بن ) (١) يقطين قال : سألت أبا الحسن الماضي عليه‌السلام عن الصلاة بين القبور هل يصلح؟ قال : « لا بأس ».

فالوجه في هذين الخبرين أنْ نحملهما على أنّه إذا كان بينه وبين القبر حائل أو يكون بينه وبين القبر عشرة أذرع حسب ما فصّله في الخبر الأوّل.

السند‌ :

في الأوّل : موثق.

والثاني : فيه معاوية بن حكيم ، وقد وثقه النجاشي (٢). والكشي قال : إنّه فطحي (٣). ولا يبعد ترجيح النجاشي ؛ لما قدمناه (٤). وما يقال : من أنّه لا منافاة بين توثيق النجاشي وكونه فطحياً ؛ جوابه أيضاً مضى من أنّ النجاشي لو كان من عادته عدم التعرض لذكر الفطحية ونحوهم أمكن ، إلاّ أنّه يذكر من ثبت عنده الحكم فيه. وأمّا مَعْمر بن خلاّد فهو ثقة بلا ارتياب.

والثالث : فيه محمّد بن عيسى العبيدي ، وقد مضى القول فيه (٥) ، وغيره خال من الارتياب. والنسخة التي نقلت منها كما ترى عن الحسين عن أخيه ، وربما كان المتعارف عن الحسن عن أخيه ، والأمر سهل.

المتن :

في الأوّل : ظاهره عدم الجواز بين القبور إلاّ بالمقدار المذكور ، وقد‌

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٢) رجال النجاشي : ٤١٢ / ١٠٩٨.

(٣) رجال الكشي ٢ : ٨٣٥ / ١٠٦٢.

(٤) في ص ٧٩.

(٥) في ص ٥٣.

٣٤٩

نقل العلاّمة في المختلف عن المفيد أنّه سوّغ الصلاة إلى القبر بشرط الحائل ، وكذا سلاّر ، والشيخ كره الصلاة بين القبور إلاّ مع الساتر ولو عنزة ، فإنْ لم يتمكن فليكن بينه وبين القبر عشرة أذرع عن قدّامه وعن يمينه ويساره ، ولا بأس بأنْ لا يكون ذلك من خلفه ، لما رواه عمّار الساباطي ، وذكر الرواية المبحوث عنها (١). ولا يخفى عدم مطابقتها في الجملة للمقدار ، وما نقله عنه من التفصيل.

وحكى العلاّمة عن المفيد أيضاً أنّه قال : لا تجوز الصلاة بين القبور حتى يكون بين يدي الإنسان وبينه حائل ولو قدر لبنة أو عنزة منصوبة أو ثوب موضوع ، وقد روي أنّه لا بأس بالصلاة إلى قبلة فيها قبر إمام ، ( والأصل ما ذكرناه ، ويصلّي الزائر ممّا يلي رأس الإمام وهو أفضل من أنْ يصلّي إلى القبر من غير حائل ) (٢) بينه وبينه على حال ، وكذا منع سلاّر من الصلاة إلى القبر (٣).

ولا يخفى أنّ الثاني والثالث دالاّن على الجواز ، لكن الثاني مقيّد بما لم يتخذ القبر قبلة فيمكن أنْ يخصّ الثالث به.

وأمّا الدلالة على التحريم إذا كان القبر قبلة ، ففيها : أنّ المستفاد من الرواية ثبوت البأس وهو أعم من التحريم ، ولو حمل على الكراهة نظراً إلى ظاهر إطلاق الثالث كان متوجّهاً.

وما قد يقال : إنّ ظاهر ( الأخبار بين القبور ، أمّا القبر الواحد فلا دلالة عليه.

__________________

(١) المختلف ٢ : ١٢١.

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٣) المختلف ٢ : ١٢١.

٣٥٠

يمكن الجواب عنه : بأنّ ظاهر ) (١) قوله : « ما لم يتخذ القبر قبلة » الشمول للواحد ، إلاّ أنّ يقال : إنّ مع تعدد القبور إذا اتخذ القبر قبلة يثبت الحكم المستفاد من الأخبار.

وفي المنتهى : لو كان في الموضع قبر أو قبران لم يكن بالصلاة فيه بأس إذا تباعد عن القبر بنحو من عشرة أذرع (٢).

وإذا ثبت زوال الكراهة أو التحريم مع الحائل ثبت في قبورهم ؛ لوجود الحائل ، لكن دليل الحائل لم نقف عليه.

وقد روى الصدوق في الفقيه عن علي بن جعفر وهو صحيح عن أخيه موسى عليه‌السلام ، عن الصلاة بين القبور هل تصلح؟ قال : « لا بأس به » (٣).

فإنْ قلت : إنّ الصدوق قال قبل هذه الرواية : وأمّا القبور فلا يجوز أنْ تتّخذ قبلة ولا مسجداً ، ولا بأس بالصلاة بين خللها ما لم يتخذ شيئاً منها قبلة ، والمستحب أنْ يكون بين المصلّي وبين القبور عشرة أذرع من كلّ ناحية (٤) ؛ وهذا يقتضي عدم عمله بإطلاق رواية علي بن جعفر.

قلت : الظاهر ما ذكرت ، فيكون قائلاً بتحريم جعل القبر قبلة ، وظاهر قوله : بين خللها ، أنّ الحكم المذكور في القبور ، أمّا القبر الواحد فاستفادته مشكلة ، لكن لا أعلم الفارق الآن من الأصحاب.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما قاله الشيخ بعد الخبر الأخير : من أنّه محمول على الحائل أو البعد بالقدر المذكور ؛ لم يتقدم ما يدلّ عليهما في‌

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « رض ».

(٢) المنتهى ١ : ٢٤٥.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٨ / ٧٣٧ ، الوسائل ٥ : ١٥٨ أبواب مكان المصلي ب ٢٥ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ١٥٦.

٣٥١

الأوّل ، فكأنّ مراده بدلالة الأوّل على المقدار لا الحائل.

ثم إنّ ما تقدم نقله عن المفيد من قوله : وقد روي أنّه لا بأس بالصلاة إلى قبلة فيها قبر إمام (١) ؛ قد ذكر الشيخ في التهذيب بعد عبارة المفيد ما هذه صورته : روى ذلك محمّد بن أحمد بن داود ، عن أبيه قال : حدّثنا محمّد بن عبد الله الحميري قال : كتبت إلى الفقيه أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمّة عليهم‌السلام هل يجوز أنْ يسجد على القبر أم لا ، وهل يجوز لمن صلّى عند قبورهم أنْ يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ، ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أنْ يتقدّم القبر ويصلّي ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب عليه‌السلام وقرأت التوقيع ومنه نسخت : « أمّا السجود على القبر ( فلا يجوز ) (٢) في نافلة ولا فريضة ولا زيارة بل يضع خدّه الأيمن على القبر ، وأمّا الصلاة فإنّها خلفه يجعله الامام ، ولا يجوز أنْ يصلّى بين يديه ، لأنّ الإمام لا يتقدّم ، ويصلّى عن يمينه وشماله » (٣) وهذا الخبر موصوف بالصحة في كلام بعض محقّقي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ (٤).

وعلى ما في التهذيب فالطريق إلى محمّد بن أحمد بن داود غير مذكور في المشيخة ، بل إلى أبيه (٥) ، لكن في الفهرست ذكر الطريق إلى جميع كتبه ورواياته جماعة منهم المفيد (٦) ، والظاهر دخول هذه الرواية ( في رواياته ) (٧) ، واحتمال أنْ يقال : إنّ الحكم بأنّها من رواياته فرع صحة‌

__________________

(١) راجع ص ٣٤٧.

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٣) التهذيب ٢ : ٢٢٨ / ٨٩٨ ، الوسائل ٥ : ١٦٠ أبواب مكان المصلي ب ٢٦ ح ١.

(٤) البهائي في الحبل المتين : ١٥٦.

(٥) مشيخة التهذيب ( التهذيب ١٠ ) : ٧٨.

(٦) الفهرست : ١٣٦ / ٥٩٢.

(٧) ما بين القوسين ليس في « م ».

٣٥٢

الطريق إليه ولم تعلم ، قد قدّمنا الجواب عنه في هذا الكتاب من أنّ ظاهر الشيخ الحكم بأنّ من رواياته ما نقله ، واحتمال رجوع الحال إلى الشيخ فهو نوع إرسال ، يمكن دفعه بأنّه يخرج عن الإرسال بذكر الطريق في الفهرست إلى جميع رواياته وكتبه.

ثم إنّ محمّد بن أحمد من الشيوخ الأجلاّء وإنْ لم يصرح بتوثيقه كأمثاله.

والخبر كما ترى يدلّ على جواز جعل قبر الإمام قبلة ، فلا ندري الوجه في عدم اعتباره من المفيد ، واحتمال التوقف في المكاتبة له وجه ، ولا يبعد أنْ يقال : إنّ الجواب تضمن جعل القبر الأمام ، لا بأنْ يكون خلفه ، وما دلّ على البعد يقيّده ، لكن من لم يعمل بالموثق لا يحتاج إلى هذا ، فليتأمّل.

قوله :

باب المصلّي يصلّي وعليه لثام

محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت له : أيصلّي الرجل وهو متلثم؟ فقال : « أمّا على الأرض فلا ، وأمّا على الدابة فلا بأس ».

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلّي ويقرأ القرآن وهو متلثم؟ فقال : « لا بأس ».

سعد ، عن أبي جعفر ، عن العباس بن معروف ، عن عليّ بن‌

٣٥٣

مهزيار ، عن الحسن (١) بن علي ، عمّن ذكره ، عن أحدهما عليهما‌السلام أنّه قال : « لا بأس بأنْ يقرأ الرجل في الصلاة وثوبه على فيه ».

فالوجه في هذين الخبرين أنْ نحملهما على أنّه إذا لم يمنع اللثام من سماع القرآن فإنّه لا بأس به وإنّما كره ذلك إذا كان مانعاً من سماع القراءة ، يدل على ذلك :

ما رواه سعد بن عبد الله ( عن أحمد بن محمّد (٢) ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ) (٣) هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ فقال : « لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة ».

السند‌ :

في الأوّل : تكرّر القول فيه (٤) من جهة محمّد بن إسماعيل ، والبواقي من رجاله لا ارتياب فيهم.

والثاني : ضعيف بعثمان بن عيسى.

والثالث : فيه مع الإرسال اشتراك الحسن بن علي (٥).

والرابع : لا ارتياب فيه بعد ما قدّمناه. وفي نسخة : سعد ، عن أحمد ابن الحسن ، وهو ابن فضّال فيكون موثقاً ، لكن قد تقدم الحديث في باب إسماع الرجل نفسه القراءة بسند صحيح من غير ارتياب (٦) ، فليراجعه من‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٩٨ / ١٥١٨ : الحسين.

(٢) في الاستبصار : ٣٩٨ / ١٥١٩ : الحسن.

(٣) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٤) في ص ٣١ ، ٧٨.

(٥) هداية المحدثين : ١٩٠.

(٦) في ص ١٦٠١.

٣٥٤

أراده.

المتن :

في الأوّل : ظاهر في الفرق بين الراكب ومن على الأرض (١) في المتلثّم ، والحكمة خفية.

والثاني : كما ترى وإن كان ظاهره القراءة في الصلاة مع اللثام ، ( إلاّ أنّ فيه احتمال إرادة قراءة القرآن في غير الصلاة وهو متلثّم والصلاة مع اللثام ) (٢) والتفاوت سهل ؛ إذ إطلاق جواز الصلاة متلثّما يدلّ على أنّه لا يمنع من القراءة في حال اللثام.

أمّا الثالث : فالظاهر أنّ وضع الثوب على الفم مغاير اللثام ، وقد يحصل الفرق بينه وبين اللثام بقوة المانع مع اللثام ، وضعفه مع وضع الثوب على الفم. وما ذكره الشيخ من الحمل قد يشكل بأنّه إذا منع لا وجه للكراهة ( بل ينبغي التحريم ، إلاّ أنْ يريد ذلك. وفيه : أنّ الكراهة ) (٣) مع عدم المنع محتملة ، لدلالة الخبر على المنع لمن كان على الأرض ، ولو منع القراءة لما حصل الفرق بين الراكب وغيره.

وأمّا الرابع : فقد مضى القول فيه في الباب المشار إليه (٤) ، وبيّنّا أنّ ظاهره الاكتفاء بالهمهمة بالنسبة إلى إسماع نفسه في الإخفاتية وإسماع الصحيح القريب في الجهرية ، ولم أر من صرّح به ، ودلالته على وضع‌

__________________

(١) في « م » : الأربع.

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٤) في ص ١٦٠٢ ١٦٠١.

٣٥٥

الثوب غير خفية ، فليتأمّل.

اللغة‌ :

قال في القاموس : اللثام ككتاب ما على الفم من النقاب ، وتلثّمت : شدّته (١). وعلى هذا فقوله في الخبر الأوّل : وهو متلثم. يراد به مشدود اللثام ، وذكر النقاب يدلّ على ما قدّمناه من المغايرة.

قوله :

باب الرجل يصلّي والمرأة تصلّي بحذاه

الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن العلاء ، عن محمّد (٢) ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلّي (٣) في زاوية الحجرة ، وامرأته أو بنته (٤) تصلّي بحذاه في الزاوية الأُخرى؟ قال : « لا ينبغي ذلك ، وإنْ كان بينهما شبرٌ أجزأه » يعني إذا كان الرجل متقدّماً للمرأة بشبر.

عنه ، عن فضالة ، عن الحسين بن عثمان ، عن الحسن الصيقل ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال : سألته عن الرجل والمرأة يصلّيان في بيت واحد والمرأة عن يمين الرجل بحذاه؟ قال : « لا ، إلاّ أن يكون بينهما شبر أو ذراع » ثم قال : « كان طول رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ١٧٦.

(٢) في الاستبصار ١ : ٣٩٨ / ١٥٢٠ زيادة : بن مسلم.

(٣) ليست في « رض ».

(٤) في « م » : وابنته.

٣٥٦

ذراعاً وكان يضعه بين يديه إذا صلّى ليستره ممن يمرّ بين يديه ».

عنه ، عن صفوان وفضالة ، عن العلاء ، عن محمّد ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن المرأة تزامل (١) الرجل في المحمل يصلّيان جميعاً؟ فقال : « لا ، ولكن يصلّي الرجل فإذا فرغ صلّت المرأة ».

عنه ، عن محمّد بن سنان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل والمرأة يصلّيان جميعاً في بيت ، المرأة عن يمين الرجل بحذاه؟ قال : « لا ، حتى يكون بينهما شبر أو ذراع أو نحوه ».

محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمّد بن الحسين ، عن ابن فضال ، عمّن أخبره ، عن جميل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يصلّي والمرأة (٢) بحذاه أو إلى جنبه ، فقال : « إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس ».

عنه ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أُذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن المرأة تصلّي عند الرجل؟ فقال : « لا تصلّي المرأة بحيال الرجل إلاّ أنْ يكون قدّامها ولو بصدره ».

السند‌ :

في الأوّل : صحيح على ما مضى (٣).

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٩٩ / ١٥٢٢ : تواصل.

(٢) في النسخ : الحرّة ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٣٩٩ / ١٥٢٤.

(٣) في ص ٤٩ ، ١٠٨ ، ٨٦٥ ، ٧٦.

٣٥٧

والثاني : فيه أبو بصير والحسن الصيقل وتقدم الكلام فيهما أيضاً مفصّلاً (١) كالحسين بن عثمان.

والثالث : صحيح.

والرابع : واضح الضعف.

والخامس : فيه مع الإرسال معلوميّة ابن فضّال على أيّ حال.

والسادس : صحيح لما قدّمناه في عمر بن أُذينة من دفع وهم الاشتراك فيه (٢).

المتن :

في الأوّل : ربما كان ظاهراً في الكراهة من لفظ « لا ينبغي » كما فهمه شيخنا قدس‌سره (٣) وغيره (٤). وقد يشكل باستعمال اللفظ في المحرّم. ويجاب : بأنّ اشتراك اللفظ بين المحرّم والمكروه كاف في عدم الحكم بالتحريم كما لا يخفى.

وما وقع في الخبر من قوله : يعني ، إلى آخره. ربما ظن منه جماعة (٥) أنّه من الشيخ ، بناءً على أنّ لفظ « شبر » بالشين المعجمة والباء الموحّدة. فدفع بأنّه بالسين المهملة والتاء المثنّاة فوق. وفي ظني أنّ فيه نظراً ؛ لأنّ كونه من الشيخ في غاية البعد ، إذ اللائق في أمثال هذا أنْ يقال على سبيل الاحتمال أو الظاهر لا الجزم.

__________________

(١) في ص ٥١ ، ١٤٥٩.

(٢) في ص ٢٠٩.

(٣) مدارك الأحكام ٣ : ٢٢٢.

(٤) انظر المعتبر ٢ : ١١٠ ، روض الجنان : ٢٢٥ ، جامع المقاصد ٢ : ١٢١.

(٥) كالبهائي في الحبل المتين : ١٥٩.

٣٥٨

وغير بعيد أنْ يكون من الراوي عن الإمام عليه‌السلام لفهمه ذلك منه ، كما سبق مثله في كلام الصدوق في المسلخ (١).

وقد ذكر بعض محققي المتأخّرين رحمه‌الله أنّ الشبر بالشين المعجمة لو أُريد ظاهره لكان لغواً (٢). وغرضه أنّ الزاوية لا يتصور كونها بمقدار ما يصلّي الرجل والمرأة فيها وبينهما شبر. وقد يقال : إنّ المقصود من الإمام عليه‌السلام بيان الكراهة على وجه أبلغ ، وهو أنّ وقوف كلّ منهما في زاوية مع المحاذاة ( لا ينبغي ، أمّا الإجزاء فلو حصل بينهما شبر في أيّ مكان كفى ، [ لا أنّ (٣) ] الزاوية هذا المقدار.

ومن هنا يعلم أنّ القرينة ) (٤) على أنّ لفظ « لا ينبغي » يصير ظاهره (٥) لولا احتمال كون التفسير من الراوي لفهمه من الإمام عليه‌السلام. ولو رجع إلى الشيخ فالأخبار الآتية ربما يقال : إنّها تنافيه ؛ لأنّ الثاني تضمّن أنْ يكون بينهما شبر أو ذراع ، وكذلك الرابع. ويدفعه أنّ الاحتمال الذي ذكره الشيخ جار (٦) في الأخبار الثلاثة ، ويؤيد احتمال الشيخ الخامس ، فإنّ سجودها إذا كان موضع ركوعه فالتقدم منه بنحو ذراع وشبر ، والسادس كذلك.

ولو حمل الخبر الأوّل على الستر بالسين المهملة أمكن أيضاً ، ويكون الغرض زوال الكراهة ، كما أنّ بالشبر أيضاً تزول ، كما يستفاد من الأخبار.

__________________

(١) في ص ١٩٩١.

(٢) الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١٢٩.

(٣) في النسخ : لأنّ ، والظاهر ما أثبتناه.

(٤) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٥) كذا في النسخ.

(٦) في « رض » : جاز.

٣٥٩

ومن هنا يعلم أنّ القول بالتحريم لا يخلو من إشكال مع ملاحظة الأخبار وما ذكرناه.

وحكى العلاّمة في المختلف القول بعدم الجواز إذا صلّت المرأة إلى جنب الرجل أو تقدمته عن الشيخين وابن حمزة وأبي الصلاح ، وعن المرتضى القول بالكراهة ، وأنّ الشيخ احتج بإجماع الفرقة واشتغال الذمّة بالصلاة بيقين ، ولا يزول إلاّ بيقين كما تكرر من الشيخ مثله ، وبرواية أبي بصير وهي الرابعة وبخبر عمّار الآتي (١) ، وبخبر آخر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أظن ترك ذكره أولى.

وأجاب العلاّمة عن الإجماع بعدم ثبوته ، ثم تعجّب من نقله الإجماع مع حكايته يعني الشيخ خلاف السيّد ؛ وأمّا عن اليقين فبأنّ الاشتغال ( بيقين قبل ) (٢) هذه الصلاة لا بعدها (٣). وهذا عجيب منه رحمه‌الله فإنّ الاستدلال كثيراً ما يستدل بمثله ، وقد أجبنا عنه بما ذكره فيما تقدم.

وقد يقال هنا : إنّ ثبوت الصلاة بيقين قبل هذه الصلاة ، فإمّا أن يتوقف زواله على اليقين أو يكفي الظن ، فإن توقّف على اليقين لم تكن الصلاة مشروعة من أوّل الأمر ، فلا يزول بها يقين الاشتغال ، وإنْ اكتفي بالظن فلا حاجة إلى دفع يقين الاشتغال ، بل يقال : إنّه زال بالامتثال.

وما عساه يقال : إنّ ذكر زوال (٤) الاشتغال لأنه وقع في كلام الشيخ.

فيه : أنّ غرض الشيخ كون اليقين لا يزيله إلاّ اليقين ، لا أنّ زوال‌

__________________

(١) في ص ٢٠١٧.

(٢) بدل ما بين القوسين في « رض » : يتعيّن فيه.

(٣) المختلف ٢ : ١٢٦.

(٤) في « م » زيادة : يقين.

٣٦٠