إستقصاء الإعتبار - ج ٦

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-178-8
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٤٤٧

عبد الله كما يأتي مفسراً في الباب الآتي (١) ، وإن أمكن نوع كلام لكن الظن حاصل في مثل هذا بإرادة عبد الله.

والثالث : فيه المفضل بن صالح ، وقد ضعّفه العلاّمة قائلاً : إنّه كذّاب (٢) ، وغيره لا يزيد حاله في كلامه على الإهمال (٣). أمّا عمرو بن عثمان فهو الثقة ؛ للتصريح في التهذيب بالخزاز (٤) ، وعلى تقدير عدم التصريح لا يبعد أن يكون هو الثقة لقرب المرتبة ، وفي الرجال من سمّي بالاسم متعدداً من أصحاب الصادق عليه‌السلام في كتاب الشيخ (٥). ورواية إبراهيم ابن هاشم عن أصحاب الصادق عليه‌السلام وإن كانت موجودة لروايته عن حماد ابن عيسى ، إلاّ أنّه ربما يدّعى ظهور من هو قريب المرتبة ، وقد ينظر فيه ، إلاّ أنّ الفائدة هنا منتفية كما هو ظاهر.

والرابع : ضمير « عنه » فيه لمحمد بن يعقوب ، وروايته عن أحمد بن محمد الذي هو ابن عيسى بغير واسطة العدّة لا وجه لها إلاّ من جهة احتمال اعتماد الشيخ على المعلومية ، وقد قدمنا أنّ الشيخ ينقل الخبر من الكافي كما هو فيه ، ومن عادة الكليني رحمه‌الله البناء على الإسناد السابق ، فكأنّ العدة كانت في الخبر السابق على هذا الخبر فبنى عليه ، والشيخ نقله بصورته.

والخامس : موثق كما هو واضح مما تكرر (٦).

__________________

(١) انظر ص : ١٠٧.

(٢) الخلاصة : ٢٥٨ / ٢.

(٣) رجال الطوسي : ٣١٥ / ٥٦٥.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٢ / ٦٠١.

(٥) رجال الطوسي : ٢٤٧ / ٣٨٦ و ٢٥٠ / ٤٢٨.

(٦) لان رجاله فطحيّة ، انظر ج ١ : ٧٩ ، ٣٧٩.

١٠١

المتن :

في الأوّل : قدّمنا فيه أنّ الشيخ استدلّ به على ما ذهب إليه في بعض كتبه على الرجوع للسجدة المشكوك فيها ما لم يركع نظراً إلى إطلاق الخبر ، وقد حكى في المختلف ذلك عن نهاية الشيخ ، وزاد في الاستدلال نقلاً عن الشيخ في التوجيه بأنّ الأمر يتناول حالة الجلوس وغيرها ، تُرك العمل به مع الركوع للإجماع والأخبار فيبقى الباقي ، ولأنّه إن وجب الرجوع مع الذكر وجب مع الشك ، والمقدم حق للدليل فكذا التالي (١). ثم بيّن الشرطية بما أظن أنّ ترك ذكرها أولى ، بل ترك الجميع كذلك ، والحاصل : أنّ المقيّد من الأخبار يحكم على المطلق.

فإن قلت : المقيد إن عنى به خبر إسماعيل بن جابر السابق الدال على أنّ من شك في السجود بعد ما قام فليمض ، ففيه : أنّ في السند محمد ابن عيسى الأشعري وقد مضى ما فيه (٢) ، وإن كان خبر زرارة السابق عن التهذيب الدال بعمومه على أنّ من خرج من شي‌ء ثم دخل في غيره فشكه ليس بشي‌ء ، فقد مضى (٣) احتمال أن يراد بالشي‌ء الخارج منه الداخل في غيره هو المسئول عنه وليس ما نحن فيه منه.

قلت : خبر محمد بن عيسى لا يقصر عن خبر الحلبي ؛ لأنّ المدح له يستفاد من الرجال (٤) ، فعلى تقدير العمل بالحسن لا فرق بينهما ،

__________________

(١) المختلف ٢ : ٤٠١.

(٢) انظر ص ١٤٧.

(٣) انظر ص ١٧٩٦.

(٤) رجال النجاشي : ٣٣٨ / ٩٠٥ ، الخلاصة : ١٥٤ / ٨٣.

١٠٢

والاحتمال المذكور في خبر زرارة بعيد ، والاعتبار بعموم الجواب.

نعم ربما يقال : إنّ خبر زرارة عام وخبر الحلبي خاصّ ، فيجوز أن يخصّ ذاك العام بغير الشك في السجدة ويبقى حكمها الإتيان بها وإن دخل في فعل آخر غير الركوع للإجماع.

ويمكن الجواب : بأنّ خبر الحلبي لا يخرج عن الإجمال ، والتخصيص بمثله بعيد. وما عساه يقال : إنّ مقام الجواب ينافيه الإجمال قد قدمنا جوابه. والحقّ أنّ في البين كلاماً إلاّ أنّ من لم يعمل بالحسن يسهل الأمر عنده.

وما تضمنه الخبر من نفي سجدتي السهو ربما قيل : إنّ فيه دلالة على عدم الكلّيّة المدّعاة في سجود السهو لكل زيادة ، وقد يقال : إنّ الزيادة هنا محل تأمّل ؛ لأنّ الزيادة يراد بها زيادة القيام ونحوه ، فيحتمل أن يكون المنفي في الرواية السجود لأجل السجدة حيث أتى بها ، وحينئذ يبقى ما دل على سجود السهو لكل زيادة على عمومه ، ولو ردّ ذاك الخبر الدال على حكم كل زيادة أمكن أن يقال بسجود السهو للقيام في موضع قعود ، إنْ عملنا بالرواية الدالة عليه المرويّة في الكافي بسند فيه محمد بن عيسى عن يونس (١).

ويحتمل أن يقال : بعدم صدق مدلول الخبر على ما نحن فيه ؛ لأنّ القيام في موضع القعود المتبادر منه فيما يتحقّق فيه وجوب القعود ، ( ومع الشك لم يعلم ، ووجوب القعود ) (٢) للسجود وإن كشف عن أنّ القيام كان في موضع القعود ، إلاّ أنّ الحكم جزماً مشكل.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٧ / ٩.

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « رض ».

١٠٣

وربما يوجه تمامية الدخول في الخبر ، غير أنّه يخطر في البال أنّ في الخبر نوع إجمال ؛ لأنّ القعود إن أُريد به ما يعم السجود أمكن أن يقال بالدخول في الخبر ، وإن أُريد به الجلوس في مثل التشهد والفصل بين السجدتين احتيج إلى زيادة تقييد بما لا يخفى (١) ( وسيأتي (٢) إن شاء الله ذكر ما لا بدّ منه في بابه ) (٣).

أمّا ما تضمّنه الخبر من قوله : سها ، ففيه دلالة على إطلاق السهو على الشك ، لكنّ القرينة في قوله : فلم يدر ، إلى آخره. لا يعلم كونها لبيان المجاز أو للاشتراك.

وأمّا الثاني : ففيه دلالة على ما ادّعاه الشيخ ، والجواب واحد. والثالث مثله.

أمّا الرابع : فما تضمّنه من قوله : شك قبل أن يستوي جالساً ، محتمل لأن يراد به الجلوس للفصل بين السجدتين ، والمعنى أنّه لم يستقرّ بعد نوع حركة ، وغير خفي أنّ الشك مع هذه الحالة بين فعل السجود وعدمه من رأس لا يخلو من خفاء.

واحتمال أن يراد الشك مع هذه الحالة في كون حركته للقيام من السجدة الأُولى أو الثانية له نوع وجه ، كما أنّ احتمال أن يراد بالجلوس التشهد [ كذلك (٤) ] لتعارف إطلاقه عليه في الأخبار ، والفائدة حينئذ لبيان أنّه‌

__________________

(١) في « م » زيادة : ثم إن القيام في موضع القعود قد يتناول القعود المستحبّ كجلسة الاستراحة عند من يستحبّها والجلوس بمستحبّات التشهّد وأمثال ذلك.

(٢) انظر ص ١٨٢٦ ، ١٨٢٧.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٤) ما بين المعقوفين أثبتناه لاستقامة العبارة.

١٠٤

لو جلس وشرع في التشهد كان له حكم آخر ، وسيأتي إن شاء الله (١).

وقوله : قلت فرجل نهض ، إلى آخره. أيضاً لا يخلو من إجمال إلاّ أنّ الظاهر من النهوض من السجود تحقق السجود في الجملة ، وإنّما الشك في واحدة من السجدتين.

ويحتمل أن يراد النهوض من حالة معدّة للسجود ثم شك في أصل وقوع السجود ، وإنّما احتمل هذا لظاهر الرواية من قوله : سجد أم لا ، لكن احتمال الواحدة قد عرفته.

ولا يخفى تخصيص ما دل على الدخول في الغير بغير صورة الأخذ في القيام.

ويخطر في البال : أنّ الخبر إذا اختص بالسجدة الواحدة كان حكم السجدتين إذا حصل الشك فيهما بعد الأخذ في القيام ينبغي عدم الالتفات لعموم خبر زرارة ، فما قاله شيخنا قدس‌سره : من أنّ من شك في السجود وقد أخذ في القيام ولم يستكمله فالأقرب وجوب الإتيان به كما اختاره الشهيدان لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن (٢) ، وذكر الرواية (٣) محل تأمّل لا ينبغي الغفلة عنه.

وأمّا الخامس : فحمل الشيخ له قد يشكل ، أمّا الأوّل : فلأنّ قوله : « حتى يستيقن يقيناً » يفيد أنّ مع يقين ترك السجدة لا يمضي في صلاته مع تجاوز المحل.

وأمّا الثاني : فلاستلزامه أنّ كثير الشك لا يلتفت إلاّ مع اليقين ،

__________________

(١) انظر ص ١٨٢٦ ، ١٨٢٧.

(٢) مدارك الاحكام ٤ : ٢٥٠.

(٣) تقدم في ص ١٨١٩.

١٠٥

والحال أنّ الظن إذا حصل له ارتفع الشك ، فكيف يلزمه الحكم المتعلق بالشك؟ والمفروض انتفاؤه.

ويمكن الجواب عن الأوّل بأنّ : المفهوم إذا عارضه شي‌ء لا يبقى على مدلوله.

وعن الثاني : أنّ حكم الظن في كثير الشك موضع بحث ، إلاّ أنّي لم أقف على مصرّح بحقيقة الحال الآن ، غير أنّي أظن ذكره في كلام بعض الأصحاب ، وللقول فيه موضع آخر ، حيث إنّ الرواية لا تصلح للاعتماد ؛ إذ ما ذكر فيها احتمال من الشيخ ، وعلى تقدير الالتفات إلى لفظ الكثرة فيها فالسند محل كلام.

قوله :

باب من نسي التشهد الأوّل حتى ركع في الثالثة‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن أبي العلاء قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل (١) يصلّي الركعتين من المكتوبة لا يجلس فيهما حتى يركع في الثالثة ، قال : « فليتمّ صلاته ثم ليسلّم ويسجد سجدتي السهو وهو جالس قبل أن يتكلّم ».

الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأوّلتين ، فقال : « إذا ذكر قبل أن يركع فليجلس ،

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٦٢ / ١٣٧٣ : الرجل.

١٠٦

وإن لم يذكر حتى يركع فليتم صلاته (١) حتى إذا فرغ وسلم سجد (٢) سجدتي السهو ».

عنه ، عن فضالة ، عن العلاء عن ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل صلّى الركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما حتى يركع ، فقال : « يتمّ صلاته ثمّ يسلّم ويسجد سجدتي السهو وهو جالس قبل أن يتكلّم ».

فأمّا ما رواه سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن سنان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن محمد بن علي الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهد ، فقال : « يرجع فيتشهّد » قلت : أيسجد سجدتي السهو؟ فقال : « لا ، ليس في هذا سجدتا السهو ».

( فالوجه في هذا الخبر : أنّه إذا ذكر قبل الركوع فرجع فتشهّد فليس عليه سجدتا السهو ) (٣) وإنّما يجبان على من لم يذكر حتى ركع (٤) فإنّه يمضي في صلاته ويسلّم ويقضي التشهد ثم يسجد سجدتي السهو على ما بيّناه.

السند‌ :

في الأول : فيه الحسين بن أبي العلاء ، وقد قدّمنا فيه أنّا لم نعلم‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٦٣ / ١٣٧٤ : الصلاة.

(٢) في الاستبصار ١ : ٣٦٣ / ١٣٧٤ : فليسجد.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « رض ».

(٤) في الاستبصار ١ : ٣٦٣ : يركع.

١٠٧

توثيقه ، بل غاية ما يستفاد المدح ، والوجه فيه مفصّلاً سبق (١).

ثمّ إنّ رواية أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين قد يستبعد ؛ لأنّ الذي في الرجال رواية ابن أبي عمير عنه ، وصفوان كذلك ، ولعلّ التوجيه غير بعيد ، إلاّ أنّ في التهذيب (٢) أحمد بن محمد بن عيسى عن عليّ بن الحكم عن الحسين. وكأنّه الصواب والله أعلم.

والثاني : فيه سليمان بن خالد ، وقد مضى أيضاً فيه الكلام (٣) ، مع إمكان تسديد حاله على وجه يوصف روايته بالصحة.

والثالث : واضح.

والرابع : ظاهر الضعف (٤).

المتن :

في الأخبار الثلاثة الأوّل لا دلالة فيه على قضاء التشهد ، فقول الشيخ : ويقضي التشهد ، كأنّ المراد به على ما هو مقرر ، وقوله : على ما بيّناه ، يريد به في كتب الاستدلال إن عاد إلى جميع ما ذكر ، وإن عاد إلى سجود السهو وقع نوع قصور في العبارة ؛ إذ البيان في الأخبار ، وقد يرجع إلى بيان الشيخ أيضاً ، والأمر سهل.

وقد استدل على وجوب قضاء التشهد بما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة. وعن صفوان ، عن العلاء ، عن محمد ،

__________________

(١) في ص ١٠٩.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٧ / ٦١٦.

(٣) في ص ٢٧٤.

(٤) من جهة محمد بن سنان ، راجع ص : ٨٥.

١٠٨

عن أحدهما عليهما‌السلام في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف فقال : « إن كان قريباً رجع إلى مكانه فتشهد ، وإلاّ طلب مكاناً نظيفاً فتشهد فيه » وقال : « إنّما التشهد سنّة في الصلاة » (١).

ونقل شيخنا قدس‌سره في المدارك عن المفيد وابني بابويه إجزاء التشهد الذي في سجدتي السهو عن قضاء التشهد المنسي ، قال : ويدلُّ عليه مضافاً إلى الأصل ظاهر الأخبار الكثيرة المتضمنة لأنّ ناسي التشهد إلى أن يركع يجب عليه سجدتا السهو من غير ذكر القضاء قال : وهذا القول لا يخلو من قوة وإن كان ما عليه الأكثر أولى وأحوط (٢). انتهى.

وفي فوائده على الكتاب ملخّصاً : إنّه ليس في ما أورده الشيخ من الروايات دلالة على وجوب قضاء التشهد الأوّل. والأصحّ أنّه لا يجب قضاؤه بل يكفيه سجدتا السهو ، كما تضمنته الأخبار الصحيحة المستفيضة ، وإليه ذهب ابنا بابويه وشيخنا المفيد رحمهم‌الله انتهى.

ولقائل أن يقول : إنّ ما دل على قضاء التشهد لا وجه للاكتفاء عنه بما دلّ على سجود السهو ؛ لأنّ ما دل على السجود لا ينافي ثبوت حكم القضاء إلاّ من حيث ترك ذكره في الأخبار ، وهذا لو اقتضى عدم الوجوب أشكل الحال في كثير من الأحكام الساقطة من بعض الأخبار الثابتة في بعض.

وقوله قدس‌سره : إنّ الأصحّ عدم الوجوب بل يكفيه سجدتا السهو. إن أراد به كما هو الظاهر عدم وجوب القضاء لخلوّ الأخبار منه ، فالمنقول عن ابني بابويه والمفيد إجزاء تشهد سجدتي السهو عن قضاء التشهد ، وحينئذ ظاهر كلامهم القول بالقضاء والإجزاء عنه بتشهد سجود السهو.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٧ / ٦١٧ ، الوسائل ٦ : ٤٠١ أبواب التشهد ب ٧ ح ٢.

(٢) مدارك الاحكام ٤ : ٢٤٢.

١٠٩

والذي هو منقول عن الفقيه في المختلف : إن ذكرت بعد ما ركعت يعني التشهد فامض في صلاتك ، فإذا سلّمت سجدت سجدتي السهو وتشهدت فيهما التشهد الذي فاتك ، قال العلاّمة : وكذا في رسالة أبيه وكذا في الرسالة العزّيّة للمفيد (١).

وهذا كما ترى يعطي أنّهم قائلون بقضاء التشهد ، فإن أراد قدس‌سره ما قاله الجماعة فالعبارة لا تساعد عليه.

ثم إنّ تخصيص التشهد بالأوّل في فوائد الكتاب ، لأنّ الظاهر من الأخبار ذلك ، والخبر المنقول من التهذيب ربما يظن منه نسيان التشهد الأخير (٢) ، وعلى تقدير الشمول للتشهدين ربما يظن من ظاهره أنّ القضاء غير واجب ؛ لأنّ الرجوع إلى المكان وطلب المكان النظيف غير معلوم الوجوب ، إلاّ أن يقال : إن أُخرج هذا بالدليل من الإجماع بقي ما عداه. وفيه نوع تأمّل.

ومن عجب ما اتفق لشيخنا قدس‌سره أنّه ذكر في الاستدلال لقضاء التشهد الأخير والسجود الأخير رواية محمد بن مسلم ، ورواية ابن سنان السابق نقلها ، حيث قال فيها عليه‌السلام : « إذا نسيت شيئاً من الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً فاقض الذي فاتك سهواً » (٣).

وأنت خبير بأنّ ظاهر الرواية لا يمكن إرادته ، بل لا بدّ أن يراد بالقضاء فعل الشي‌ء في محلّه ، ومعه لا يتم المطلوب في قضاء السجود.

وينبغي أن يعلم أنّ ابن إدريس قال : لو أخلّ بالتشهد الأخير حتى‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ٤٠٥.

(٢) راجع ص ١٨٢٦.

(٣) مدارك الأحكام ٤ : ٢٣٧ ٢٣٨.

١١٠

سلّم وأحدث أعاد الصلاة ؛ لأنّه أحدث في الصلاة لوقوع التسليم في غير موضعه (١).

واعترضه المحقق في المعتبر : بأنّ التسليم مع السهو مشروع فيقع موقعه ، ويقضي التشهد ؛ لما رواه حكم بن حكيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل نسي ركعة أو سجدة أو الشي‌ء منها ثم يذكر بعد ذلك ، قال : « يقضي ذلك بعينه » قلت : أيعيد الصلاة؟ قال : « لا » انتهى (٢).

والاستدلال بالرواية لا يخفى غرابته ، أمّا اعتراضه بأنّ التسليم في موضعه ، فقد يقال عليه : إنّ موضعه إن أراد به الموضع بحسب الوهم أشكل بما ذكره هو وغيره من سجود السهو للتسليم في غير محله ، إلاّ أن يراد غير هذا التسليم ، وفيه : أنّه لا يخرج عن التحكّم ، إلاّ أن يقال : إنّ ما دل على قضاء التشهد مطلق بحيث يشمل ما لو أحدث وعدمه ، وفيه : أنّ في هذا خروجاً عن المناقشة كما هو واضح.

والعجب من استحسان شيخنا قدس‌سره كلام المحقق.

وقوله قدس‌سره بعد الاستحسان : إنّ الظاهر أنّ المراد بالركعة يعني في خبر حكم بن حكيم مجموعها لا نفس الركوع خاصة ، وبالشي‌ء منها القنوت والتشهد ونحو ذلك ممّا لم يقم دليل على سقوط تداركه ، وهذه الرواية معتبرة الإسناد (٣).

لا يخلو أيضاً من غرابة ، أمّا أوّلاً : فلأنّ القضاء في الرواية إن أُريد به المعروف منه فقضاء الركعة واضح الإشكال ، وإن أُريد فعل الشي‌ء لا يتم‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٥٩.

(٢) المعتبر ٢ : ٣٨٦ ، وتقدم الحديث بتفاوت يسير في ص ١٧٧٨.

(٣) مدارك الاحكام ٤ : ٢٣٨.

١١١

المطلوب في التشهد ، ( وذكر القنوت لا وجه له ، وأمّا ثانياً : فلأنّ التشهد ) (١) غير داخل في الركعة.

وربما يتبادر من الرواية عود الضمير للسجدة والمراد شي‌ء من أجزائها ، وقضاؤه حينئذ غير خفي الحال ، هذا.

وأمّا الخبر الأخير : فواضح الدلالة ، ومنافاته لما سبق من رواية سفيان ابن السمط الدالة على سجود السهو لكل نقيصة واضحة ، وكان على الشيخ التنبيه على ذلك لعلمه بالخبرين ، فليتأمّل.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ العلاّمة في المختلف نقل عن القائلين بإجزاء تشهد سجدتي السهو عن تشهد الفريضة الاحتجاج بأنّ التشهد في السجدتين ليس بواجب على ما سيأتي ، قال : وقد وردت أخبار بأنّه يسجد للسهو من غير ذكر قضاء التشهد فيكفي تشهده فيهما (٢).

ثم ذكر رواية سليمان بن خالد والحلبي الأخيرة موجِّهاً بما تركه أولى من ذكره ، وإنّما ذكرنا الأوّل لنوع فائدة وهو أنّ مقتضاه عدم وجوب التشهد في سجدتي السهو.

وقد نقل شيخنا قدس‌سره عن المحقق في المعتبر والعلاّمة في المنتهى أنّ وجوب التشهد والتسليم قول علمائنا أجمع (٣) ؛ والحال أنّه في المختلف اختار الاستحباب (٤) ، ونقل عن بعض الأصحاب ما يفيد ذلك ، والاستدلال المذكور في المقام تحققه. وبالجملة فالأمر لا يخلو من غرابة والله تعالى‌

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « فض ».

(٢) المختلف ٢ : ٤٠٥.

(٣) المدارك ٣ : ٤٢٥ ، وهو في المعتبر ٢ : ٢٢١ ، والمنتهى ١ : ٢٩٢.

(٤) المختلف ٢ : ١٩١.

١١٢

أعلم بالحقائق.

بقي شيئان ، أحدهما : أنّ ظاهر الأمر في الخبر الأوّل بالتسليم الوجوب ، لكن قد قدّمنا (١) في بحث التسليم أنّ الأوامر في أخبارنا غير معلوم كونها حقائق في الوجوب فقط كما قرّر في أُصول المعالم (٢) ، وربما يقال : إنّ الأمر في هذا الخبر للوجوب بقرينة قوله : « فليتمّ صلاته » إذ من المستبعد اختلاف الأمرين في خبر واحد. وفيه : عدم استبعاد الاختلاف لوجوده في أخبارنا بكثرة.

أمّا الثاني : فليس فيه أمر بالتسليم ، غير أنّه ربما يدل على الوجوب من حيث تعليق فعل سجود السهو عليه ، والسجود واجب فيكون التسليم واجباً. وقد يجاب بجواز التعليق على المستحب ، لا بمعنى أنّ الوجوب معلّق عليه ، بل بمعنى أنّ الفعل لا يقع إلاّ بعده بتقدير فعله ، فليتأمّل.

والثالث : له نوع دلالة من جهة قوله : « يتمّ صلاته » والكلام فيه كالأوّل.

وثانيهما : أنّ ظاهر الأوّل إيقاع السجود والتسليم عقيب الإتمام ، وربما كان فيه دلالة على عدم وجوب قضاء التشهد ، أو على أنّ قضاءه بعد السجود ، لكن الثاني ظاهر الأصحاب نفيه ، أمّا الأوّل فيمكن أن يقال ـ بتقدير وجوب قضاء التشهد وحده ـ : إنّ الخبر من قبيل المطلق فلا مانع من تقييده.

والثاني مثله من حيث قوله : « حتى إذا فرغ وسلم سجد » بل هو أوضح دلالة. والثالث كذلك في الجملة ، فليتأمّل هذا كلّه.

__________________

(١) راجع ص ١٧٣١ ١٧٣٣.

(٢) معالم الأصول : ٤٥.

١١٣

قوله :

باب السهو في الركعتين الأوّلتين‌

الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن عاصم ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل شكّ في الركعة الأُولى ، قال : « يستأنف ».

عنه ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن عنبسة بن مصعب قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا شككت في الركعتين الأوّلتين فأعد ».

عنه ، عن القروي ، عن أبان ، عن إسماعيل الجعفي وابن أبي يعفور ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنّهما قالا : « إذا لم تدرِ أواحدة صلّيت أم ثنتين فاستقبل ».

عنه ، عن النضر ، عن موسى بن بكر قال سأله الفضيل عن السهو فقال : « إذا شككت في الأوّلتين فأعد ».

عنه ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة قال : قال : « إذا سها الرجل في الركعتين الأوّلتين من الظهر والعصر (١) فلم يدر واحدة صلّى أم ثنتين فعليه أن يعيد الصلاة ».

عنه ، عن فضالة ، عن رفاعة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لا يدري أركعة صلّى أم اثنتين؟ قال : « يعيد ».

عنه ، عن فضالة ، عن حسين بن عثمان ، عن هارون بن‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٦٤ / ١٣٨١ زيادة : والعتمة.

١١٤

خارجة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا سهوت في الأوّلتين فأعدهما حتى تثبتهما ».

عنه ، عن فضالة ، عن حمّاد ، عن الفضل بن عبد الملك قال : قال لي : « إذا لم تحفظ الركعتين الأوّلتين فأعد صلاتك ».

علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : قلت له : رجل لا يدري أواحدة صلّى أم اثنتين؟ قال : « يعيد ».

محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشّاء قال : قال لي أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : « الإعادة في الركعتين الأوّلتين والسهو في الركعتين الأخيرتين ».

السند‌ :

في الأوّل : النضر فيه ابن سويد ، وعاصم فيه اشتراك بين ابن حميد وغيره (١) ، ولم يظهر لي من الرجال ما يعيّنه ، لكن في الأخبار على ما أظن : النضر بن سويد عن عاصم بن حميد ؛ والعلاّمة في المنتهى وصفها بالصحّة (٢) ، وغير بعيد استفادته ذلك ، وعلى كل حال ربما يصلح قرينة في الجملة.

والثاني : فيه محمد بن سنان ، أمّا عنبسة بن مصعب فقيل : إنّه ناووسيّ (٣) وقد مضى (٤) فيه كلام ما.

__________________

(١) انظر هداية المحدثين : ٨٧.

(٢) المنتهى ١ : ٤١٠.

(٣) كما في رجال الكشي ٢ : ٦٥٩.

(٤) في ص ٤٩٨.

١١٥

والثالث : فيه القروي ، وقد مضى (١) مثله في خبر واحتملنا فيه أن يكون الهروي فصحّف وهو عبد السلام ، [ ونبّهنا (٢) ] على أنّه سيأتي في هذا الكتاب في باب صلاة العيدين رواية الحسين بن سعيد عن أحمد بن عبد الله القروي وهو مجهول الحال. أمّا إسماعيل الجعفي فهو وإن كان مشتركاً (٣) بين ابن عبد الرحمن الضعيف وبين ابن جابر الثقة مع نوع كلام ، إلاّ أنّ الظاهر كونه الثقة ؛ لما تقدّم من أنّ ابن جابر قال النجاشي : إنّه روى حديث الأذان (٤) ، والراوي في حديث الأذان عنه أبان بن عثمان ، وحينئذ يكون أبان هو ابن عثمان أيضاً ، وإن كان في البين كلام من جهة أبان ، وإسماعيل الجعفي ؛ لاحتمال عدم انحصار رواية أبان عن ابن جابر ، وعدم تعيّن أبان لابن عثمان ، والأمر سهل في المقام بعد القروي.

والرابع : فيه موسى بن بكر ، وهو إمّا مهمل كما في النجاشي (٥) والفهرست (٦) ، أو واقفي كما في كتاب الشيخ (٧). والعلاّمة في الخلاصة قال : إنّه واقفي (٨) ، وفي المنتهى وصف الخبر بالصحة (٩) ؛ وكأنّها إضافية.

والخامس : الحسن فيه ابن سعيد ، وسماعة تكرّر القول فيه (١٠) مع زرعة.

__________________

(١) في ص ١٥٨٢.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « م » : ومنها ، وفي « فض » : وهاهنا ، وفي « رض » : وانتهى ، والصواب ما أثبتناه.

(٣) رجال الطوسي : ١٠٤ / ١٥ و ١٠٥ / ١٨.

(٤) رجال النجاشي : ٣٢ / ٧١.

(٥) رجال النجاشي : ٤٠٧ / ١٠٨١.

(٦) الفهرست : ١٦٢ / ٧٠٥.

(٧) رجال الطوسي : ٣٥٩ / ٩.

(٨) الخلاصة : ٢٥٧ / ١.

(٩) المنتهى ١ : ٤١٠.

(١٠) في ص ٤٩ و ٧٨.

١١٦

والسادس : صحيح.

والسابع : فيه مع أبي بصير هارون بن خارجة ، وفي النجاشي : ثقة متحد (١) ، والشيخ ذكره متعدداً مع الإهمال (٢) ، وقد مضى القول (٣) في ذلك.

والثامن : صحيح ؛ لأنّ حمّاداً على الظاهر ابن عثمان ، لتقدم ذكره (٤) عن قريب مبيناً بابن عثمان مع رواية فضالة عنه ، والاحتمال السابق في المقام بعيد كما لا يخفى.

والتاسع : حسن كالعاشر بالوشّاء على ما قدّمناه فيه من الكلام (٥).

المتن :

في الأوّل : له دلالة على أنّ الشك في الركعة الأُولى مبطل ، أمّا الشك فيها فيحتمل أن يراد به الشك في كونها واحدة أو معها غيرها ، ويحتمل أن يراد به عدم تحقق فعلها كاملة ، وقد مضى في خبر أحمد بن محمد بن أبي نصر الدال على أنّه إذا ترك سجدة في الركعة الأُولى يستقبل (٦) ، احتمال ربما يؤيّده هذه الرواية بتقدير الاحتمال الثاني ، لكن قد بيّنا سابقاً بُعد ذاك عن ظاهر الرواية.

وباقي الأخبار واضح الدلالة على أنّ الأوّلتين يوجب الشك فيهما الإعادة ، والإجمال في خبر أبي بصير منها كالأوّل.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٣٧ / ١١٧٦.

(٢) رجال الطوسي : ٣٢٨.

(٣) في ص ١٣٥٠.

(٤) في ص ١٧٨٨.

(٥) في ص ١١١.

(٦) في ص ١٨٠٥.

١١٧

أمّا خبر الفضل بن عبد الملك الدال على حفظ الركعتين فيحتمل أن يراد بالحفظ للأعداد والأجزاء كغيره ممّا ذكرناه ، وفيه مع ذلك احتمال الحفظ لليقين أو الظن ، والخلاف واقع في الاكتفاء بالظن في الأوّلتين كما سنذكره إن شاء الله تعالى.

وفي المختلف نقل عن علي بن بابويه أنّه قال : إذا شككت في الركعة الأُولى والثانية فأعد صلاتك ، وإن شككت مرّة أُخرى فيهما وكان أكثر وهمك إلى الثانية فابنِ عليها واجعلها ثانية فإذا سلّمت صلّيت ركعتين من قعود بأُمّ القرآن ، وإن ذهب وهمك إلى الأُولى جعلتها الاولى وتشهدت في كل ركعة ، ( فإن استيقنت بعد ما سلّمت ) (١) أنّ التي بنيت عليها واحدة كانت ثانية وزدت في صلاتك ركعة لم يكن عليك شي‌ء ، لأنّ التشهد حائل بين الرابعة والخامسة ، وإن اعتدل [ وهمك ] فأنت بالخيار إن شئت صليت ركعة من قيام وإلاّ ركعتين وأنت جالس (٢).

ونقل العلاّمة عند الاحتجاج بالأخبار الآتية وستسمعها (٣) ، وإنّما قدّمنا هذا القول هنا لأنّ المشهور فيما قيل الإعادة إذا حصل الشك في الأوّلتين من الرباعية وغيرها.

أمّا الاكتفاء بالظن في الأوّلتين وفي الثنائية فقد جزم به جماعة من الأصحاب (٤) ، لكن المحقق يفهم ذلك من إطلاق عبارته (٥) ، وجدّي قدس‌سره

__________________

(١) في « م » : فإذا استيقنت بعد ما صلّيت.

(٢) المختلف ٢ : ٣٧٨ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) في ص ١٢٦.

(٤) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ١٢٨.

(٥) كما في المعتبر : ٣٩٠.

١١٨

بالتصريح (١) ، وقبله الشهيد (٢) رحمه‌الله كذلك ، وتبعهما شيخنا قدس‌سره (٣) ، والوالد قدس‌سره أطلق في الرسالة أيضاً.

والذي يمكن اعتباره هو اليقين ، للخبر الصحيح الذي نقلناه عن الصدوق في الفقيه في بحث التسبيح في الأخيرتين (٤) ، والخبر مذكور في باب فرض الصلاة من الفقيه ، وراويه (٥) زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : « كان الذي فرض الله على العباد عشر ركعات وفيهن القراءة وليس فيهنّ وهم يعني سهواً فزاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعاً وفيهنّ السهو وليس فيهن قراءة ، فمن شك في الأوّلتين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين ، ومن شك في الأخيرتين عمل بالوهم » (٦) وغير خفيّ دلالة الخبر على اليقين مع الشكّ غاية الأمر أنّ الشك محتمل احتمالاً ظاهرا للركعات ويحتمل التناول للأجزاء.

وفي نظري القاصر أنّ فيه تفسيراً لخبر الفضل بن عبد الملك من الأخبار المبحوث عنها المتضمن لقوله : « إذا لم تحفظ الركعتين الأوّلتين » فيكون المراد بالحفظ اليقين. وقد يتعجب من غفلة هؤلاء الأجلاّء عن هذا الخبر إلاّ من الوالد قدس‌سره فإنّه وإن ذكره في المنتقى (٧) إلاّ أنّه غير صحيح على أُصوله.

__________________

(١) كما في المسالك ١ : ٤٢.

(٢) في الذكرى : ٢٢٢.

(٣) المدارك ٤ : ٢٦٣.

(٤) راجع ص : ١٦٠٨.

(٥) في « م » و « رض » : ورواية.

(٦) الفقيه ١ : ١٢٨ / ٦٠٥ ، الوسائل ٨ : ١٨٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١.

(٧) منتقى الجمان ٢ : ٣١٧.

١١٩

ويمكن أن يناقش من جهة أُخرى ، وهو أنّ ما دل على الاكتفاء بالظن مع الشك وارد في غير الأوّلتين كما يعلم من التتبع ، وما قد يتناول الأوّلتين ستسمعه (١) ، وسنده محل تأمّل ؛ والإجماع على الظن منتفٍ ، فإنّ المنقول عن ابن إدريس فيما قاله الشهيد رحمه‌الله في الذكرى أنّ الظاهر من كلامه اعتبار الظن فيما عدا الأوّلتين (٢) ؛ إلاّ أن يقال : إنّ كلام ابن إدريس لا يضرّ مع مخالفته لفتوى الأصحاب كما قاله الشهيد في الذكرى أيضاً ، وفيه ما لا يخفى ، من حيث إنّ اطلاع الشهيد على أقوال جميع العلماء على وجه يتحقق الإجماع في زمانه يعدّ من الأُمور الممتنعة عادةً.

ومن عجيب ما اتفق للشهيد رحمه‌الله في الذكرى أنّه قال في ردّ قول ابن إدريس : إنّ فيه تخصيصاً لعموم الأدلة مع مخالفة فتوى الأصحاب. والحال أنّ عموم الأدلّة لم نقف عليه ؛ إذ الأخبار كما ذكرناه واردة في الأخيرتين.

نعم ذكر في أدلته رحمه‌الله أنّ تحصيل اليقين عسر في كثير من الأحوال ، فاكتفي بالظن تحصيلاً لليسر ودفعاً للحرج ، وبما رواه الجمهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليبن (٣) عليه ».

وما روي عن الصادق عليه‌السلام بعدة طرق أنّه قال : « إذا وقع همك على الثلاث فابن عليه ، وإن وقع وهمك على الأربع فسلّم وانصرف » (٤).

وأنت خبير بأنّ مثل هذه الأدلة لا تصلح لإثبات العموم المانع من‌

__________________

(١) في ص ١٨٣٧.

(٢) الذكرى : ٢٢٢ ، وهو في السرائر ١ : ٢٥٠.

(٣) في « رض » : فليبيّن ، وفي « فض » : فليمض.

(٤) الذكرى : ٢٢٢.

١٢٠