جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦١

ويستحب الوصية للقرابة وارثا كان أو غيره.

فروع‌

أ : لو اوصى لعبده برقبته احتمل ضعيفا البطلان ، والصرف. إلى التدبير

______________________________________________________

والقول المحكي هو قول الشيخ في النهاية (١) ، والمفيد في المقنعة (٢) ، فإنهما قالا : إذا أوصى بثلث ماله في سبيل الله ولم يسمّ أخرج في معونة المجاهدين لأهل الضلال والكافرين ، فان لم يحضر مجاهد في سبيل الله وضع في أبواب البر من معونة الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وصلة آل الرسول ، بل يصرف أكثره في فقراء آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، ويصرف ما بقي بعد ذلك في وجوه البر.

احتج الشيخ رحمه‌الله بأن عرف الشرع يقتضي صرف السبيل إلى الغزاة ، وحكم كلام الآدميين إذا أطلق حكم ما اقتضاه الشرع ، والمقدمتان ممنوعتان ، والأصح الأول.

قوله : ( ويستحب الوصية للقرابة ، وارثا كان أو غيره ).

لا خلاف عندنا في جواز الوصية للوارث ، وبه أخبار متعددة صحيحة من طرقنا (٣) ، وقوله تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (٤) نص في استحباب الوصية لكل قريب ، وارثا كان أو لا ، ويؤيده انها صلة للرحم فتكون مستحبة.

قوله : ( فروع : أ : لو أوصى لعبده برقبته احتمل ضعيفا البطلان ،

__________________

(١) النهاية : ٦١٣.

(٢) المقنعة : ١٠٢.

(٣) الكافي ٧ : ٩ حديث و ٢ ، التهذيب ٩ : ١٩٩ حديث ٧٩ وما بعده ، الاستبصار ٤ : ١٢٧ حديث ٤٧٦ وما بعده.

(٤) البقرة : ١٨٠.

٨١

ب : لو اوصى لمكاتبة فالأقرب أنه كالعبد ،

______________________________________________________

والصرف إلى التدبير ).

وجه احتمال البطلان : أن التمليك يستدعي المغايرة بين الملك والمالك ، وهي منتفية هنا ، مع أن العبد لا يملك.

ووجه ضعفه : ان المفهوم من ذلك عرفا إزالة الملك عنه بعد موته ، وهو معنى التدبير ، فإنه يقال : ملك العبد نفسه إذا أعتق ، والطائر جناحه إذا أفلت ، والمجاز المشهور يجب المصير اليه عند تعذر الحقيقة فوجب الصرف إلى التدبير ، وهو الاحتمال الثاني وعليه الفتوى.

قوله : ( ب : لو أوصى لمكاتبة فالأقرب أنه كالعبد ).

وجه القرب : أنه بالكتابة لم يخرج عن كونه عبدا ، لبقائه في الملك ، فيدخل في عموم الدليل الدال على أن الوصية للعبد تصرف إلى قيمته ، فيأتي ما سبق في العبد من احتمال الفرق بين الوصية بمعيّن من التركة وغيره. إلاّ أن المتجه هنا عدم البطلان في المعيّن ، لصحة الوصية لمكاتب الغير على أصح القولين ، فمكاتب نفسه كذلك.

ويحتمل نفوذ الوصية مطلقا ، لانقطاع سلطنة المولى عنه ، وصحة تصرفاته ، وتملكه بجميع أسباب الملك فلا مانع من تملكه بالوصية ، والأول أقوى ، لتناول النص له. وعن المفيد (١) وسلار (٢) وابن البراج (٣) : إن الوصية لمكاتبة إنما تصح في مقدار ما عتق منه ويرجع الباقي إلى الورثة ، وضعفه ظاهر.

__________________

(١) المقنعة : ١٠٣.

(٢) المراسم : ٢٠٣ ـ ٢٠٤.

(٣) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٣٠.

٨٢

وحينئذ فالأقرب اعتبار أقل الأمرين من القيمة ومال الكتابة ، فإن ساواه الموصى به عتق.

______________________________________________________

قوله : ( وحينئذ فالأقرب اعتبار أقل الأمرين من القيمة ومال الكتابة ، فإن سواه الموصى به عتق ).

أي : وحينئذ كان كالعبد فيما سبق ، فالأقرب في عتقه من الوصية اعتبار أقل الأمرين من قيمته ومال الكتابة بالنسبة إلى الموصى به ، فان ساوى الموصى به الأقل منهما عتق.

ووجه القرب : ـ إذا كان مال الكتابة أقل ـ إنّ عتقه مترتب على أداء ذلك القدر ، فان عقد الكتابة لازم ، فإذا أداه تحتم عتقه ، فيقاص من الوصية له بمقدار مال الكتابة ويحكم بعتقه ، فإذا كانت القيمة أقل فالرواية (١) الواردة بتقويم المملوك بقيمة عادلة متناولة لمحل النزاع.

فان قيل : إنّ في ذلك تضييعا لبعض الدين الثابت في ذمة المكاتب بالعقد اللازم.

قلنا : إطلاق الرواية دل على عدم اعتبار الزائد ، على انه غير معلوم الحصول ، لإمكان تعجيز نفسه فيرجع إلى القيمة حينئذ ، فليعتبر من أول الأمر.

فإن قيل : حيث اعتبرت القيمة نظرا إلى دلالة الرواية ، فلا يعتبر مال الكتابة إذا كان أقل ، لأنه خروج عن النص.

قلنا : اعتبر بدليل آخر ، فإنه مع القلة لا شي‌ء عليه بمقتضى العقد اللازم سوى ذلك القليل ، فمع أدائه يجب الحكم بعتقه قطعا ، ولا امتناع في العمل بالحكمين المختلفين بدليلين ، وهذا أقوى.

ويحتمل اعتبار القيمة مطلقا للرواية ، ( أو مال ) الكتابة مطلقا ، لأنه الذي في‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٨ حديث ، الفقيه ٤ : ١٦٠ حديث ٥٥٨ ، التهذيب ٩ : ٢٢٣ حديث ٨٧٤.

٨٣

ج : لو اوصى لحمل امرأة من زوجها فنفاه باللعان بطلت على اشكال ، وكذا لو اوصى لولد فلان وأشار إلى معيّن فكذبت النسبة ، والأقرب البطلان مع تعلّق غرضه بها.

______________________________________________________

الذمة ، وكلاهما ضعيف.

قوله : ( ج : لو أوصى لحمل امرأة من زوجها فنفاه باللعان بطلت على اشكال ).

ينشأ : من انتفاء الحمل باللعان ، والوصية له مقيدة بكونه من الزوج. ومن انه عند الوصية كان حملا من الزوج للحاقه به ، وإنما انتفى باللعان ، ولا يلزم من انتفائه باللعان انتفاء الاستحقاق الثابت قبل ذلك ، ولأن الموصي قصده بالوصية ، لأنه بنى على الظاهر حينئذ.

ويضعف بأن اللعان يقتضي الكشف عن نفي نسبه من حين تكونه ، وكونه حملا من الزوج قبل اللعان ظاهرا غير كاف في الاستحقاق إذا تبين انتفاؤه عنه ، والوصية منوطة بكونه منه. وقصد الموصي إياه بالوصية إنما كان من هذه الجهة كما دل عليه اللفظ ، وقد حكم بانتفائها فالأصح البطلان.

قوله : ( وكذا لو أوصى لولد فلان وأشار إلى معيّن فكذبت النسبة ، والأقرب البطلان مع تعلق غرضه بها ).

أي : وكذا الإشكال في البطلان وعدمه لو أوصى لولد فلان هذا ، وأشار به إلى معيّن فكذبت النسبة عليه وتبين أنه ولد غيره. ومنشؤه : من وجود النسبة والإشارة ، فيحتمل تغليب الإشارة لقوتها ، ولأن النسبة ربما كانت للتعريف والتميز ، ويحتمل اعتبارها لإناطة الوصية بالأمرين معا.

ووجه القرب فيما قربه المصنف : انه مع تعلّق الغرض بالنسبة إنما أوصى للمعيّن مع صدقها عليه فلا يستحق بدونها بخلاف ما إذا دلّت القرينة على عدم تعلق الغرض‌

٨٤

د : لو اوصى بعين لحي وميت ، أو للملك ، أو للحائط مع علمه احتمل تخصيص الحي بالجميع أو النصف ، ولو جهل فالنصف.

______________________________________________________

بها ، ( فإن ) ذكرها حينئذ كعدمه ، وهذا هو الأصح.

إذا عرفت ذلك فالأحوال ثلاثة : أن يعلم تعلّق الغرض بها وعدمه ، والحكم فيهما قد علم وأن يجهل الأمران فيحتمل الصحة ، لوجود المقتضي وهو الوصية ، والشك في المانع وهو تعلق الغرض والبطلان ، لأن ذكر النسبة يدل على تعلّق الغرض.

وفيه نظر ، لجواز أن يكون ذكرها للتعريف والتميز لا لتعلق الغرض ، وكل منهما محتمل ، وإن كان الأول لا يخلو من قرب ، فان ذكر النسبة لا دلالة له ، على كونها شرطا في الاستحقاق.

قوله : ( د : لو أوصى بعين لحي وميت أو للملك أو للحائط مع علمه احتمل تخصيص الحي بالجميع أو النصف ، ولو جهل فالنصف ).

لما امتنعت الوصية للميت والملك والحائط ، لامتناع ثبوت الملك لهم على الوجه المتعارف ، احتمل فيما إذا جمع في الوصية بين أحدهم وبين زيد الحي تخصيص الحي بالجميع ، لأنه بالوصية قصد إخراج الجميع عن ملكه ، فمع علمه بان من عدا زيد الحي لا يملك يكون قاصدا إلى تمليك الحي الجميع ، ولأن العطف يقتضي التسوية في الحكم ، وهو هنا تملك جميع العين ، والتشريك إنما نشأ عن المزاحمة وهي منتفية هنا.

ويحتمل تخصيصه بالنصف ، لأن ظاهر اللفظ يقتضي التشريك نظرا إلى العطف ، فيقتضي صرف النصف عن الحي إلى من لا يصح تملكه ، وذلك يقتضي بقاؤه على ملك الموصي ولا أثر لعلمه وعدمه ، لأن معنى المعطوف عليه في مثل هذا التركيب إنما يتم بالمعطوف ، وحينئذ فلا شي‌ء في اللفظ يقتضي اختصاص الحي بالجميع ، وهذا أظهر ، أما إذا جهل عدم تملك من عدا الحي فلا بحث في استحقاقه النصف خاصة.

٨٥

وكذا لو مات أحدهما بعد الوصية لهما ، أو قال : أوصيت لكل من فلان وفلان بنصف المائة فإن الحي يستحق النصف.

هـ : لو اوصى بشي‌ء لزيد وللمساكين احتمل أن يكون لزيد النصف والربع ، وكواحد منهم ، أما المساكين فلا يعطي أقل من ثلاثة.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا لو مات أحدهما بعد الوصية لهما ).

أي : وكذا الحكم فيما إذا جهل عدم تملك من عدا الحي ، فيما لو أوصى لهما فمات أحدهما بعد الوصية ، فإن للحي النصف فقط قطعا ، لتحقق قصد الشركة حين الوصية ، سواء قلنا إن موت الموصى له يقتضي بطلان الوصية لو مات قبل الموصي أم لا.

قوله : ( اما لو قال : أوصيت لكل من فلان وفلان بنصف المائة فإن الحي يستحق النصف ).

أي : لو قال : أوصيت لكل من فلان وفلان بنصف المائة مثلا ، وكان أحدهما ميتا فإن الحي يستحق النصف قطعا ، لأنه قد أفرد كل واحد منهما عن الآخر بالاستحقاق باللفظ ، فكان كما لو قال : هذا المقدار بينهما أو لهما ، بخلاف الصورة السابقة ، فإن التنصيف إنما جاء من مزاحمة الثاني للأول في استحقاق الجميع.

واعلم أن الظاهر في مثل هذا اللفظ اشتراكهما في نصف المائة ، لأن كل واحد منهما يستحق نصفا ، إذ لا يفهم من اللفظ إلاّ ذاك ، وأن استحقاق كل واحد منهما يحتمله اللفظ احتمالا مرجوحا ، والظاهر هو الأول ، وليس هو كما لو قال : أعطوا كلا منهما درهما إذ لا يفهم منه الا التعدد.

قوله : ( ه‍ : ولو أوصى بشي‌ء لزيد وللمساكين احتمل أن يكون لزيد النصف ، والربع ، وكواحد منهم ).

وجه الأول : أنه أوصى لفريقين فلا ينظر إلى آحادهما ، كما لو أوصى لشخصين أو لقبيلتين.

٨٦

و : لو قال : اشتروا بثلثي رقابا فأعتقوه لم يجز الصرف إلى المكاتبين.

ز : لو اوصى لحمل فأتت به لأقل من ستة أشهر استحق ، فإن ولدت آخر لأقل من ستة أشهر من ولادة الأول شاركه ، لتحقق وجوده وقت الوصية.

______________________________________________________

ووجه الثاني : أن أقل المساكين ثلاثة ، لأنهم جمع ، وقد شرك بين زيد وبينهم بالعطف فيكون كأحدهم. ويضعف بأن التشريك بين زيد والمساكين لا بينه وبين آحاد المساكين ، فيكون زيد فريقا والمساكين فريقا آخر.

ووجه الثالث : ان المساكين وإن كان أقل ما يقع عليه ثلاثة ، إلاّ أنه يقع على ما زاد ، ولا يتعين الدفع إلى ثلاثة ، بل يجوز الدفع إلى ما زاد ، ومقتضى التشريك أن يكون كواحد منهم وضعفه معلوم مما سبق ، والأصح الأول.

قوله : ( و : لو قال : اشتروا بثلثي رقابا وأعتقوهم لم يجز الصرف إلى المكاتبين ).

لامتناع الشراء بالنسبة إليهم ، نعم لو بطلت الكتابة بالتعجيز صح ، لإمكان الشراء حينئذ.

قوله : ( ز : لو أوصى لحمل فأتت به لأقل من ستة أشهر استحق ، فان ولدت آخر لأقل من ستة أشهر من ولادة الأول شاركه ، لتحقق وجوده وقت الوصية ).

وذلك لأنهما حمل واحد إجماعا ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون فراشا أولا. ولو جاءت بالثاني لستة أشهر فما زاد لم يشارك ، لإمكان تجدده ، ولا يخفى أن ذلك إنما يتصور إذا لم يتجاوز مجموع المدتين أقصى مدة الحمل.

٨٧

ح : لو اوصى للمسجد صرف إلى مصالحه ، سواء أطلق أو عينه ، اما لو قصد التملك فإنه يبطل.

ط : لو أوصى لكل وارث بقدر نصيبه فهو لغو ، ولو خصص كل واحد بعين هي قدر نصيبه فالأقرب الافتقار إلى الإجازة ، لظهور الغرض في أعيان الأموال ،

______________________________________________________

قوله : ( ح : لو أوصى للمسجد صرف إلى مصالحه ، سواء أطلق أو عيّنه ، أما لو قصد التملك فإنه يبطل ).

أي : سواء أطلق المسجد أو عينه كالمسجد الحرام ، فالضمير في عيّنه يعود إلى المسجد.

ويحتمل عوده إلى مصدر ( صرف ) ، أي : سواء أطلق الوصية فلم يذكر المصرف أو عيّنه ، وذلك لأن المعروف من الوقف على المسجد أو المشهد ونحوهما الصرف إلى مصالحه فلا حاجة إلى التصريح به. نعم لو قصد بالوصية للمسجد تملكه لم تصح ، لامتناعه.

قوله : ( ط : لو أوصى لكل وارث بقدر نصيبه فهو لغو ، ولو خصص كل واحد بعين هي قدر نصيبه فالأقرب الافتقار إلى الإجازة ، لظهور الفرض في أعيان الأموال ).

لا ريب انه لو أوصى لكل وارث بقدر نصيبه من التركة كان لغوا ، لأن ذلك ثابت على كل تقدير.

ولو خصص كل واحد بعين هي قدر نصيبه ، فإما أن يكون على وجه التنجيز ، أو على وجه الوصية :

فإن كان الأول فالأقرب عدم توقفه على الإجازة ، لأن التصرف في المرض إذا لم ينقص القيمة لا يتوقف على الإجازة ، ولهذا جاز البيع بثمن المثل ، وكذا بأقل‌

٨٨

______________________________________________________

بما لا يتجاوز الثلث ، وكذا سائر المعاوضات.

والسر فيه أن الشخص ما دام حيا لا يخرج ملكه عنه و « الناس مسلطون على أموالهم » (١) ، غاية ما هناك ان ظهور أمارة الموت اقتضى المنع من إتلاف ما زاد على الثلث لمصلحة الوارث ، فجمع بين الحقين بوجوب مراعاة القيمة للوارث وتجويز التصرفات عن المريض ، ولولاه لم يكن لبقاء ملكه أثر.

ويحتمل ضعيفا توقف الزائد على الثلث على الإجازة ، لثبوت الحجر في الزائد لحق الوارث ، وتعلّق الغرض بأعيان الأموال كتعلقه بالقيمة أمر ظاهر ، وليس بشي‌ء ، وإلاّ لم يصح بيع التركة بثمن المثل.

وإن كان الثاني ففي التوقف على الإجازة وجهان :

أحدهما : يتوقف لتعلّق الغرض بالأعيان كتعلقه بالقيمة ، فكما لا يجوز إبطال حق الوارث من القيمة لا يجوز إبطاله من العين ، ولأن الوصية تمليك بعد الموت فيقف فيما عدا الثلث على الإجازة ، لتضمنها إبطال حق الوارث من العين فيما زاد على الثلث ، لعموم النص الدال على منع التصرف في الزائد (٢).

والثاني : العدم ، لأن الوصية وإن كانت تمليكا بعد الموت إلاّ أنها تصرف قبله ، فوجب أن يكون نافذا مع بقاء قيمة الثلثين للوارث ، للجمع بين الحقين كما سبق. ولأن اعتبار الأعيان هنا مع عدم اعتبارها في بيع المريض تركته بثمن المثل بناء على عدم الفرق بين المنجز والوصية مما لا يجتمعان ، والثاني ثابت قطعا ، فينتفي الأول. بيان التنافي : إنّ النص الدال على المنع مما زاد عن الثلث في المنجز والوصية واحد ، فإذا قيّد بالقيمة استويا في ذلك.

فإن قيل : التقييد بالقيمة في المنجز ثابت إجماعا ، ولا يلزم مثل ذلك في الوصية‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ١٣٨ حديث ٣٨٣.

(٢) انظر الوسائل ١٣ : ٣٦٤ باب ١١.

٨٩

وكذا لو اوصى أن يباع عين ماله من انسان بنقد بثمن المثل.

______________________________________________________

فإنها تصرف بعد الموت ، ولا دليل على التقييد فيها.

قلنا : بل هي تصرف في حال الحياة يظهر أثره بعد الموت فاللازم نفوذهما معا ، أو عدم نفوذهما معا ، ويؤيده عموم قوله تعالى ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ) (١).

فإن قيل : هو عام مخصوص بالنص الدال على المنع مما زاد على الثلث إلاّ بالإجازة.

قلنا : بل هذا النص محتمل لأن يراد المنع من الزائد باعتبار القيمة فقط أو العين أيضا ، ومع تطرق الاحتمال لا يثبت التخصيص ، ويؤيده عموم قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) ، فإن الوصية عقد ، وعموم قوله عليه‌السلام : ( الناس مسلّطون على أموالهم ) (٣) ، والأول مقرّب المصنف هنا ، واعترف في التذكرة بقوة الثاني (٤) ، ولا ريب في قوته.

واعلم أن قول المصنف : ( ولو خصص ) يحتمل أن يكون على طريق التنجيز ، وأن يكون على طريق الوصية ، وأن يراد الأعم منهما ، وقد عرفت الحكم في كل واحد منهما.

قوله : ( وكذا لو أوصى أن تباع عين ماله من انسان بنقد ثمن المثل ).

إنما قيد بكون البيع بثمن المثل نقدا ، لأنه لو كان إلى أجل وبدون ثمن المثل اعتبر حينئذ كون التفاوت غير زائد على الثلث ، فينظر الى ذلك الأجل وكم حظه من الثمن ، ثم ينظر إلى الباقي من الثمن وينسب إلى القيمة ، فإن ساواه أو نقص‌

__________________

(١) البقرة : ١٨١.

(٢) المائدة : ١.

(٣) عوالي اللآلئ ٢ : ١٣٨ حديث ٣٨٣.

(٤) التذكرة ٢ : ٤٨٢.

٩٠

ولو باع عين ماله من وارثه بثمن المثل نفذ.

ى : في اشتراط التعيين اشكال ،

______________________________________________________

بقدر الثلث فهو من صور الوجهين في اعتبار الإجازة.

وإن زاد فلا بحث في التوقف على الإجازة ، مع احتمال المنع من بيع ما زاد على الثلث مؤجلا بكل تقدير ، لما فيه من الإضرار بالورثة بمنعهم من التركة إلى الأجل.

وفيه ضعف ، وإلاّ لم تصح الوصية بمنافع التركة مدة لا تزيد على الثلث ، واعلم أن الحكم في هذه المسألة مستفاد مما قبلها.

قوله : ( ولو باع عين ماله من وارثه بثمن المثل نفذ ).

إذ لا مانع ، وقال أبو حنيفة : انه وصية يتوقف على اجازة الورثة (١).

قوله : ( ى : في اشتراط التعيين إشكال ).

ينشأ : من أنها تمليك فيمتنع وقوعه لمجهول ، ومن الإطباق على صحة الوصية لفقير وفقيرين ، ولأصالة عدم الاشتراط ، وباب الوصية أوسع من غيره في احتمال الجهالة ، والأصح عدم الاشتراط.

ولا يخفى أنه كما لا يشترط التعيين لا تصح الوصية مع الإبهام ، فلو أوصى لأحد هذين قاصدا به أحدهما مبهما لم تصح قطعا ، لامتناع صرف الوصية إلى المبهم ، أما إذا قصد أيهما كان فإنها تصح على الأصح.

ولو قصد الواحد ولم يرد معيّنا ، ولا مقيّدا بعدم التعيين ، ولا أيهما كان بل واحدا هو غير معيّن يمكن تعيينه بعد ذلك ، وهو مراد المصنف هنا ، كما لو طلق واحدة من نسائه ولم يرد معيّنة ، فإنه على القول به تطلق واحدة ثم يعينها بعد ذلك ، إذ نمنع إيقاع الطلاق على الأمر الكلي من الزوجات ، إذ لا يقع الطلاق إلاّ على فرد.

وفي صحة هذا اشكال ، والقول بصحته بعيد جدا ، لكن الاحتمالات الثلاثة إنما‌

__________________

(١) الوجيز : ٢٧١.

٩١

فإن لم نقل به لو اوصى لأحد هذين احتمل تخيير الوارث ، والقرعة ، وفي التشريك بعد.

______________________________________________________

تتأتى على هذا التقدير ، إذ لا معنى للقرعة لو كانت الوصية للأمر الكلي على معنى أنه مصرف ، وكذا التشريك.

إلاّ أن قول المصنف فيما بعد : ( والفرق بين الموالي وبين أحد هذين ظاهر ، فإن الثاني متواطئ ) ينافي هذا المعنى ، لأنه على التقدير الذي ذكرناه لا يكون متواطئا ، ولو كان متواطئا لم يكن للقرعة معنى ، وقوله آخرا : ( وكذا لو أوصى لأحد هذين وجوزنا الوصية المبهمة ... ) مناف لما ذكره من التواطؤ.

قوله : ( فإن لم نقل به ، فلو أوصى لأحد هذين احتمل تخيير الوارث ، والقرعة ، وفي التشريك بعد ).

أي : إن لم نقل باشتراط التعيين فأوصى لأحد هذين ففيه احتمالات :

أحدهما : تخيير الوارث ، كما لو أوصى لمسكين من المساكين فإن الوارث يتخير مسكينا ويدفع اليه ، والأصل براءة الذمة من تحتم غير ذلك ، ولأن المراد : أيهما كان ، لامتناع الوصية للمبهم ، فكل واحد على طريق البدل موصى له ، فأيهما دفعت إليه الوصية فقد صرفت إلى الموصى له بها.

والثاني : القرعة ، لأنه أمر مشكل ، ويضعّف بأن المستحق ليس واحدا منهما مبهما بل كل واحد منهما على البدل ، فلا وجه للقرعة إذ لا اشكال.

والثالث ـ وهو أبعدها ـ : التشريك ، لأن الحق دائر بينهما ولا مرجّح فيقسم بينهما. وضعفه ظاهر ، لأن فيه تبديلا للوصية ، فإن الموصى له واحد منهما اي واحد كان.

ويجي‌ء احتمال رابع لم يذكره المصنف ، وهو أن يوقف حتى يصطلحا ، وضعفه ظاهر ، لأن الحق ليس لهما معا وقد جهل قدره ، ولا لواحد مبهم ، بل لأيهما كان ، فكل من دفع إليه فهو الموصى له ، والأصح الأول.

٩٢

ولو اوصى لمنكر كرجل تخير الوارث ، لتعذر القرعة.

ولو اوصى لمن يصدق عليه بالتواطؤ كالرجل ولمن شاء عمّ.

يا : لو اوصى لمن يتعذر حمل اللفظ عليه حقيقة فالأقرب صرفه إلى المجاز ، كما لو اوصى لأولاده وله أولاد أولاد لا غير ، أو لآبائه وله أجداد ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو أوصى لمنكر كرجل تخير الوارث لتعذر القرعة ).

وكذا التشريك فلم يبق إلاّ التخيير شرعا.

قوله : ( ولو أوصى لمن يصدق عليه بالتواطؤ كالرجل ولمن شاء عم ).

أي : لو أوصى بلفظ متواطئ كلفظ الرجل ، ولمن شاء الموصي مثلا أو الوارث كما لو قال : أوصيت بكذا لمن شئت ، أو لمن شاء الوارث فلا بحث في الصحة ، وانه يعم الافراد على طريق البدل أو أعم منه كما في ( من شاء ). والغرض من هذا ان مثل هذا اللفظ لا يحتمل سوى ارادة كل واحد ، بخلاف أحد هذين ، لأنه يحتمل مع ذلك إرادة الإبهام.

واعلم أنه ليس المراد من قوله : ( كالرجل ) تعلّق الوصية به مع التعريف بل أعم ، إذ يجوز أن يراد باللام العهد ، والمعهود ما سبق من قوله : ( كرجل ). وأيضا فإن في مثله لا تفيد العموم فهو في حكم النكرة ، لان اللام الجنسية لا تخرج المعرف بها عن معنى النكرة. أما قوله : ( من شاء ) فإنه للعموم ، لأن من من أدواته. وقوله : ( عم ) المراد به مطلق الشمول الصالح للعموم الحقيقي ، ولكل فرد على طريق البدل.

قوله : ( يا : لو أوصى لمن يتعذر حمل اللفظ عليه حقيقة فالأقرب صرفه إلى المجاز ، كما لو أوصى لأولاده وله أولاد أولاد لا غير ، أو لآبائه وله أجداد ).

وجه القرب : ان العدول إلى المجاز تكفي فيه القرينة الحالية والمقالية ، ولا ريب أن ظاهر حال العاقل الخائض في وصيته على وجه يبعد في حقه اللعب والهذر ، العالم بأنه لا ولد له صلبي ، انه لا يريد بولده إلاّ الموجود وهو ولد ولده ، ولا يريد بأبيه وهو يعلم أن‌

٩٣

إلاّ في مثل الدابة فإنه لا ينصرف إلى البليد إلاّ لقرينة ، لأن الحقيقة هنا ممكنة ، أقصى ما في الباب أنه يقتضي بطلان الوصية ، وهو حكم شرعي ، فلا يخرج اللفظ باعتباره عن حقيقته.

______________________________________________________

لا أب له إلاّ الموجود وهو جده ، ولا نعني بالقرينة الحالية إلاّ ما جرى هذا المجرى ، ولأن الأصل صيانة كلام المكلف عن اللغو ، وقد أمكن ما به يصان كلامه عنه ، فتعيّن الحمل عليه.

ويحتمل العدم ، لأن اللفظ إنما يحمل عند الإطلاق على الحقيقة دون المجاز ، وانتفاء المعنى الحقيقي بحسب الواقع غير كاف في العدول إلى المجاز بدون القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي ، فإنه على خلاف الأصل. ولأن الأصل صيانة مال الغير إلى أن يحصل السبب الناقل.

ويضعف بأن ما ذكره من حال الموصي قرينة كافية في العدول إلى المجاز ، فإنه لا يشترط في القرينة أن تكون أمرا قطعيا ، وحينئذ فقد حصل السبب الناقل. نعم لو لم يكن عالما بالحال بأن اعتقد أن له ولدا أو أبا أو نسبي الحال فإن الوصية تبطل ، وهذا هو الأصح.

واعلم أن العبارة لا تخلو من مناقشة ، فإنه لو أوصى لمن يتعذر حمل اللفظ عليه حقيقة يجب صرف الوصية إليه قطعا ، فلا يناسب قوله : ( فالأقرب صرفه إلى المجاز ) ، إذ لا يتطرق احتمال حينئذ ، مع انه لو قال : صرف إليه لكان أوقع ، ولكنه أقام المظهر مقام المضمر. هذا مع أن عبارته لا تطابق مطلوبه ، ولو قال : لو أوصى بلفظ يتعذر حمله على الحقيقة فالأقرب صرفه الى المجاز لكان أحسن وأوفق.

قوله : ( إلاّ في مثل الدابة فإنه لا ينصرف الى البليد إلاّ بقرينة ، لأن الحقيقة هنا ممكنة ، أقصى ما في الباب انه يقتضي بطلان الوصية وهو حكم شرعي ، فلا يخرج اللفظ باعتباره عن حقيقته ، ومن ثم لم تحمل الوصية‌

٩٤

ومن ثم لم تحمل الوصية للموالي على المجاز ، وهو ارادة المعنيين على الأقوى.

والفرق بين الموالي وبين أحد هذين ظاهر ، فإن الثاني متواطئ.

______________________________________________________

للموالي على المجاز ، وهو إرادة المعنيين على الأقوى ، والفرق بين الموالي وبين أحد هذين ظاهر ، فإن الثاني متواطئ ).

يظهر بأدنى تأمل أن الاستثناء هنا منقطع ، فإن الوصية بمثل الدابة ليس مما يتعذر فيه حمل اللفظ على حقيقته ، بل الحقيقة فيه ممكنة كما صرح به المصنف ، فلا يمكن أن يكون استثناء من قوله : ( لو أوصى لمن يتعذر حمل اللفظ عليه حقيقة ).

إذا عرفت ذلك فتوضيح ما اراده : أن العدول عن الحقيقة إلى المجاز يستدعي قرينة تقتضي ذلك ، ولا يكفي في ذلك لزوم فساد الصيغة المأتي بها ، لأن الفساد حكم شرعي كالصحة ، فإذا أتى بعقد لو أجرى لفظه على حقيقته لزم فساده لم يكن ذلك كافيا في العدول إلى المجاز ، فلو أوصى للدابة مثلا بأن قال : ادفعوا هذا لدابتي ، أو لدابة زيد وله دابة وابن بليد مثلا لم يجز حمله على البليد ، نظرا إلى أن حمله على حقيقته يقتضي فساده ، بل لا بد من قرينة خارجة عن ذلك حالية أو مقالية تقتضي صرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز.

ومن أجل هذا لم تحمل الوصية للموالي حيث يكون للموصى له موال من أعلى وموالي من أسفل على المعنيين معا مجازا ، بناء على أن المشترك لا يحمل على معنييه معا عند التجرد عن القرائن ، لكونه ليس حقيقة فيهما معا على الأصح ، بل حكم ببطلان الوصية ، لأن الحقيقة ممكنة ، غاية ما في الباب انه يلزم من كون اللفظ حقيقة ـ وكونه مرادا به أحد المعنيين ـ الفساد ، لكونه مبهما ، والفساد حكم شرعي كما ان الصحة حكم شرعي فيجب أن يترتب على كل مقتضاه ، ولا يخرج اللفظ عن مدلولة بمجرد ذلك.

وقول المصنف : ( على الأقوى ) في قوله : ( وهو إرادة المعنيين على الأقوى ) يشير به الى الخلاف الواقع بين الأصوليين في أن المشترك بالنسبة إلى مجموع معنييه حقيقة‌

٩٥

يب : لو اوصى للحمل فوضعت حيا وميتا صرف الجميع إلى الحي مع‌ احتمال النصف ،

______________________________________________________

أو مجازا. وإلى المختار عنده أنه مجاز ، فالجار في قوله : ( على الأقوى ) يتعلق بما دل عليه قوله : ( وهو ارادة المعنيين ) أي : والمجاز هو ارادة المعنيين على الأقوى ، فيكون متعلقا بما دلت عليه النسبة مما فيه معنى الفعل ، ولا يخفى أن المجاز هو اللفظ باعتبار إرادة غير موضوعة منه ، ففي العبارة توسع.

وقوله : ( والفرق بين الموالي ... ) جواب سؤال مقدر تقديره : على ما ذكرت من أن الموالي لا يحمل إلاّ على أحد المعنيين فأي فرق بين الوصية لأحد هذين وبين الوصية للموالي؟ فيجب استواؤهما في الحكم ، لانتفاء الفرق.

وجوابه : أن أحد هذين إذا أريد به أي واحد كان منهما متواطئ ، فهو بمنزلة حيوان وما جرى مجراه ، غاية ما هناك ان أفراد أحد هذين اثنان فقط بخلاف افراد الحيوان ونحوه.

وأما الموالي فإنه بالنسبة إلى المعنيين مشترك لا يراد منه إلاّ واحد منهما بخصوصه ، وفي المتواطئ يراد ما صدق عليه مفهوم اللفظ ، ولو أريد بأحد هذين واحد مبهم لكانت الوصية باطلة.

إن قيل : أي فرق بين الموالي وبين الوصية لأحدهما إذا أريد به المبهم ، فإن عبارة المصنف لم تشتمل على الفرق إلاّ إذا كان متواطئا.

قلنا : الموالي في الأصل مشترك ، فالإبهام حاصل في أصل الوضع فلذلك حكم ببطلانه ، بخلاف أحدهما فإن إبهامه إنما حصل بقصد الموصي ، ولكونه لا ينهض هذا فرقا قد يقال : إذا أوصى باللفظ المشترك كالموالي تتعين القرعة لكونه أمرا مشكلا.

قوله : ( يب : ولو أوصى للحمل فوضعت حيا وميتا صرف الجميع إلى الحي مع احتمال النصف ).

٩٦

وكذا لو أوصى لأحد هذين وجوزنا الوصية المبهمة ومات أحدهما قبل البيان.

______________________________________________________

وجه الأول : أن الميت كالمعدوم فيكون الحي كأنه تمام الحمل ، فتكون الوصية له كما في الميراث الموقوف.

ووجه الثاني : أن تمام الحمل هو الحي والميت ، وكون الميت كالمعدوم إنما هو في عدم ثبوت الوصية له لا مطلقا.

ولو كانا حيين لكان لكل منهما النصف ، لأن الحمل مجموعهما فيكون كلام الموصي منزلا عليهما فلا يتفاوت الحال بموت أحدهما ، لأن من أوصى لحي ومن ظن حياته فتبيّن موته لا يصرف الحصة التي أوصى بها للميت إلى الحي قطعا ، فكذا هنا. والفرق بين الوصية والإرث ظاهر ، فإن الإرث للقريب اتحد أو تعدد ، وهذا أظهر.

قوله : ( وكذا لو أوصى لأحد هذين وجوزنا الوصية المبهمة ومات أحدهما قبل البيان ).

أي : وكذا الحكم فيما لو أوصى لأحد لهذين وجوّزنا الوصية المبهمة ومات أحدهما قبل البيان ، فإنه يحتمل فيه استحقاق الباقي الجميع والنصف ، نظرا إلى أن الميت كالمعدوم فتكون الوصية كلها للحي ، والتفاتا إلى التردد في أن الحي يستحق الجميع ، لكونه الموصى له ، أو لا يستحق شيئا ، لكون الموصى له غيره فيحكم بالنصف.

وفي هذا نظر ، لأن الوصية لأحد هذين على طريق الإبهام لا على معنى أيهما كان يجب أن تكون باطلة ، لأن المبهم في حد ذاته يمتنع وجوده والعلم به فتمتنع الوصية له.

وما ذكره من قوله : ( ومات أحدهما قبل البيان ) يشعر بأن الإبهام إنما هو عند السامع لا عند الموصي ، وحينئذ فلا يجي‌ء الاحتمالان باستحقاق الباقي الجميع أو النصف ، بل يجب أن يقال : إن أمكن البيان من الموصي أو من يقوم مقامه فلا بحث ، وإن تعذّر أمكن القول بالقرعة والبطلان.

٩٧

المطلب الرابع : الموصى به : وهو كل مقصود يقبل النقل.

______________________________________________________

والشارح الفاضل بنى المسألة على أن البيان هل هو كاشف عن كون المعين موصى له ، أو سبب في حصول هذا الوصف له؟ قال : فعلى الأول يقوم وارثه مقامه ويكون كأنه لم يمت ، وعلى الثاني يتأتى هذان الاحتمالان ، فعلى هذا إن قلنا بالنصف للحي يبطل النصف الآخر ، وهو الأصح عندي (١).

هذا كلامه ، ومحصله يرجع إلى أنه يجوز إنشاء الوصية لأحدهما لا على قصد أيهما كان ، ولا على قصد واحد مبهم ، بل كما يطلّق واحدة من نسائه من دون قصد معيّنة ، ولا على قصد وصفها بالإبهام ، ثم ينشئ التعيين بعد ذلك على أحد القولين في الطلاق ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ، ويأتي أن الطلاق لا يصح على هذا الوجه بل لا بد من تعيين المطلقة على الأصح.

ويناسبه القول هنا بعدم صحة الوصية لأحد هذين على الوجه المذكور ، إذ لا يعقل استحقاق غير المعيّن لا على جهة كونه مصرفا. وليس هذا كما لو أوصى لأحد هذين أيهما كان ، لأن كلاّ منهما مصرف متعلق الوصية متوطئ ، وهو المفهوم الصادق على كل منهما. ومع ذلك فالبناء الذي ذكره لا يستقيم ، فإنه على التقدير الثاني ـ وهو كون البيان سببا في حصول هذا الوصف له ـ لا وجه لاستحقاق باقي النصف خاصة ، بل يجب على هذا التقدير أن يستحق الجميع لوجود سبب استحقاقه.

قوله : ( المطلب الرابع : الموصى به : وهو كل مقصود يقبل النقل ).

احترز بالمقصود عما لا يقصد في العادة لحقارته كفضلات الإنسان ، أو لكون جنسه لا يملك ولا يعد مالا.

واحترز بكونه قابلا للنقل عن نحو الوقف وأم الولد ، فلا تصح الوصية بشي‌ء‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٥٠٤.

٩٨

ويشترط أن يكون موجودا ، مختصا بالموصى ، منتفعا به ، غير زائد على الثلث ، إلاّ مع اجازة الوارث.

ولا يشترط كونه مالا ، ولا معلوما ، ولا معيّنا ، ولا مقدورا على تسليمه. ولا نعني بالموجود كونه موجودا بالفعل حال الوصية ، بل ما يمكن وجوده ، فلو اوصى بما تحمله الجارية أو الدابة ، أو بالثمرة المتجددة في العام المقبل ، أو بأجرة سكنى الدار السنة المستقبلة صح ، لأنها في تقدير‌ الموجود.

______________________________________________________

من ذلك. ولا يخفى أن قوله بعد ( ويشترط ... ) يقتضي ألا يكون ما عرف به الموصى به ضابطا.

قوله : ( ويشترط أن يكون موجودا ، مختصا بالموصى ، منتفعا به ، غير زائد على الثلث إلاّ مع اجازة الوارث ، ولا يشترط كونه معلوما ، ولا مالا ، ولا معيّنا ، ولا مقدورا على تسليمه ).

احترز بالموجود عما ليس بموجود بالفعل ولا بالقوة حال الوصية ، لأنه قد فسر الموجود بقوله : ( ولا نعني بالموجود كونه موجودا بالفعل حال الوصية بل ما يمكن وجوده ) فيكون الاحتراز به عما يمتنع وجوده ولو عادة ، إلاّ أنه يلزم أن تصح الوصية بمال الغير ، لأن حصوله للموصي ممكن.

وقد احتمله في التذكرة إذ قيّده بتملكه إياه (١) ، واحتمل في الدروس الصحة مع الإجازة وجزم هنا بعدم الصحة فيما بعد (٢) ، ولعله أراد إذا لم يقيد بتملكه إياه ، فلا تبقى منافاة.

قوله : ( فلو أوصى بما تحمله الجارية ، أو الدابة ، أو بالثمرة المتجددة في العام المقبل ، أو بأجرة سكنى السنة المستقبلة صح ، لأنها في تقدير‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٨٠.

(٢) الدروس : ٢٤٥.

٩٩

ولو اوصى بالمنافع صحت وإن لم تكن مالا ، لمساواتها له في الانتفاع.

ولو اوصى بالمجهول ، أو بالآبق ، أو بالمغصوب صح.

______________________________________________________

الموجود ... ).

نظرا إلى العادة ، بل ينبغي أن يقال : لو أوصى بما يتجدد له تملكه ولو على وجه الندرة ، كما يتجدد له بشراء وهبة وارث ونحو ذلك صح ، لأن وجود ذلك ممكن ، وقد قرر أن الشرط إمكان وجوده.

قوله : ( ولو أوصى بالمنافع صحت وأن لم يكن مالا لمساواتها له في الانتفاع ).

قد جزم هنا بأن المنافع ليست مالا ، وذكر في أحكام المفلّس إشكالا في عدها أموالا فيكون جزما بعد التردد ، ولعلة تسامح في الجزم هنا ، إذ لا يترتب على كونها أموالا وعدمها شي‌ء من الأحكام المختلفة في هذا الباب. وعلى كل حال فالأصح أنها أموال ، لأنها تقابل بالمال وتجعل عوضا عنه. ولو أوصى بالخمر المحترمة ، أو بالموات الذي حجره ونحو ذلك صحت ، لأن المالية غير شرط ، إذ لا معاوضة هنا.

قوله : ( ولو أوصى بالمجهول أو الآبق أو المغصوب صح ).

لا فرق في صحة الوصية بالمجهول بين أن يتوغل في الإبهام إلى غايته ، كأن يقول : أعطوه شيئا ، أو حظا ، أو قسطا ، أو نصيبا ، أو جزءا ، أو سهما ، أو قليلا أو كثيرا إلى غير ذلك ، لأن الله تعالى أعطانا ثلث أموالنا في آخر أعمارنا. وقد يشتبه علينا قدر الثلث إما لكثرة المال أو غيبته فدعت الحاجة إلى تجويز الوصية بالمجهول.

وكذا لا فرق في صحة الوصية بالآبق والمغصوب بين كون الوصية للغاصب ومن يقدر على قبض الآبق ، ولغيره ، لأن القبض ليس شرطا في الصحة ، ولأنه تصح الوصية‌

١٠٠