جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦١

١
٢

٣
٤

٥
٦

المقصد الرابع : في الوصايا وفيه فصول :

الأول : في أركانها ومطالبه أربعة :

الأول : الوصية تمليك عين أو منفعة بعد الموت ،

______________________________________________________

قوله : ( المقصد الرابع : في الوصايا : وفيه فصول :

الأول : في أركانها ، ومطالبه أربعة :

الأول : الوصية تمليك عين أو منفعة بعد الموت ).

الوصية مأخوذة من وصى يصي وصية ، وأوصى يوصي ووصّى يوصّي توصية ، يقال : وصى إليه بكذا إذا وصل به ، وأرض واصية : أي متصلة النبات. وسمّي هذا التصرف وصية لما فيه من وصلة القربة الواقعة بعد الموت بالقربات المنجزة في الحياة.

وقد عرّفها المصنف بأنها ( تمليك عين أو منفعة بعد الموت ) ، فقوله : ( تمليك عين أو منفعة ) بمنزلة الجنس ، يعم الهبة والوقف وسائر التصرفات المملّكة. وفي ذكر العين والمنفعة تنبيه على متعلّق الوصية ، ويندرج فيها العين الموجودة بالفعل ، والموجودة بالقوة كالشجرة والثمرة المتجددتين ، ويندرج في المنفعة : الموقتة ، والمؤبدة ، والمطلقة.

وقوله : ( بعد الموت ) كالفصل يخرج به الهبة وغيرها من التصرفات المنجزة في الحياة.

ونقض في عكسه بالوصية بالولاية فإنها ليست تمليك أحد الأمرين ، بالوصية بالعتق فإنه فك ، والتدبير فإنه وصية عند كثيرين ، ووقف المسجد فإنه فك ، وينتقض بالوصية بالمضاربة والمساقات.

فإن قيل : إنهما مملكان لحصة من الربح والثمرة.

قلنا : قد لا يحصل الربح ولا الثمرة فينتفي التمليك.

٧

وتفتقر إلى إيجاب : وهو كل لفظ دال على ذلك القصد نحو : أوصيت بكذا ، أو افعلوا كذا ، أو أعطوا فلانا بعد وفاتي ، أو لفلان كذا بعد وفاتي ، أو جعلت له كذا.

ولو قال : هو له ، فهو إقرار يؤخذ به في الحال ، لا يقبل منه حمله على‌

______________________________________________________

وزاد في التذكرة : ( تبرعا ) (١) ، وتشكل هذه الزيادة بورود الوصية بالبيع ونحوه من المعاوضات ، لأن ذلك وصية ولا تبرع فيه.

وعرّفها شيخنا الشهيد في حواشيه : بأنها تنفيذ حكم شرعي من مكلّف أو في حكمه بعد وفاته ، ويشكل بعدم صدقه على شي‌ء من أقسام الوصية ، لأن المنفّذ لها هو الموصى إليه أو الحاكم.

وفي الدروس : أنها تمليك العين أو المنفعة بعد الوفاة ، أو جعلها في جهة مباحة (٢) ، ويشكل بأن الجعل في جهة مباحة لا يصدق على الوصية بالولاية ، ولا على الوصية بالعتق ونحوه ، إذ ليس الوصية بذلك نفس جعل العين أو المنفعة في جهة مباحة ، بل الجعل هو التصرف المترتب على الوصية.

قوله : ( وتفتقر إلى إيجاب : وهو كل لفظ دال على ذلك القصد ، نحو : أوصيت بكذا ، أو افعلوا كذا ، أو أعطوا فلانا بعد وفاتي ، أو لفلان كذا بعد وفاتي ، أو جعلت له كذا ).

أشار بذلك القصد إلى ما اقتضاه قوله : ( تمليك عين ) ، وفي اعتبار القصد إشعار بأن خصوص اللفظ لا ينظر إليه ، فتستوي الكناية والتصريح إذا علم القصد.

قوله : ( ولو قال : هو له فهو إقرار في الحال لا يقبل منه حمله على‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٥٢.

(٢) الدروس : ٢٣٩.

٨

الإيصاء ، إلاّ أن يقرنه بما يفسد الإقرار كما لو قال : هو من مالي له ، فهو وصية.

ولو قال : عيّنت له كذا ، فهو كناية ينفذ مع النية.

ولو قال : وهبته وقصد الوصية لا التنجيز فالأقرب صحة التفسير ، لأنه بمنزلة ملّكت.

______________________________________________________

الإيصاء إلاّ أن يقرنه بما يفسد الإقرار ، كما لو قال : هو من مالي له فهو وصية ).

إذا قال : هو له فهو إقرار لصراحته في ذلك ، واحتمل المصنف في التذكرة انه لو قال : نويت أنّه له بعد الموت يكون وصية ، لاحتمال اللفظ له ، وهو أعرف بنيته وقصده (١) ، وهو ضعيف ، لأن ذلك تصرف في اللفظ الصريح في الإقرار بما يقتضي إبطاله.

وإذا قرنه بما يفسد الإقرار كقوله : هو من مالي له ، بناء على أن إضافة المال إلى نفسه ينافي الإقرار به للغير ، فقد حكم المصنف بكونه وصية. ويشكل بانتفاء ما يدل على ذلك ، وفساد الإقرار غير كاف في وجوب صرف اللفظ إلى الوصية. نعم لو وجد في اللفظ ما يقتضي ذلك كقوله : بعد وفاتي فهو وصية ، وكذا لو دلت على إرادته قرينة ، وبدونه فالمعتمد العدم.

قوله : ( ولو قال : عيّنت له كذا ، فهو كناية ينفذ مع النية ).

وذلك لأنه لا يدل على قصد الوصية بشي‌ء من الدلالات ، فإن التعيين قد يكون للتمليك وللإعارة ولغيرهما ، فما لم توجد قرينة تدل على إدارة ذلك لم يحكم بكونه وصية ولا تمليكا.

قوله : ( ولو قال : وهبته وقصد الوصية لا التنجيز فالأقرب صحة التفسير ، لأنه بمنزلة ملّكت ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٥٢.

٩

وقبول بعد الموت ، ولا أثر له لو تقدّم.

______________________________________________________

وصحة الوصية بملّكت ثابتة ، فكذا وهبت لكونه بمنزلته. ويحتمل العدم ، لانتفاء دلالة اللفظ على هذا المعنى لغة وعرفا ، بل الهبة والوصية متباينتان فلا تقع إحداهما على الأخرى ، بخلاف ملّكت الذي هو كالجنس للوصية.

والمتجه أن يقال : إن وجدت قرينة حالية أو مقالية تدل على إرادة الوصية بلفظ الهبة تعيّن الحمل على الوصية ، لأن غايته أن يكون مجازا ولا يمتنع ذلك في الوصية ، وإلاّ فإن وجد للفظ نفوذا في موضوعه ، وصدر على وجه حقه أن يمتنع اعتبار التفسير من المالك ، لوقوع القبول والقبض بالإذن من ذي الرحم ، المقتضي لخروج العين عن ملكه على وجه اللزوم لم يلتفت إلى قوله ـ ما يخالف ذلك ـ وبدون ذلك فالوجه قبول تفسيره ، لبقاء سلطنته على العين ، فيقبل قوله في قصده باللفظ الصادر عنه.

قوله : ( وقبول بعد الموت ، ولا أثر له لو تقدم ).

لما كانت الوصية عقدا اعتبر فيها مع الإيجاب القبول كسائر العقود ، إلاّ أن يكون الموصى له غير معيّن كالفقراء وبني هاشم ، أو تكون الوصية في مصلحة كنحو مسجد وقنطرة. ثم إن أصح القولين للأصحاب عدم اعتبار القبول لو وقع في حال الحياة ، لأن الإيجاب في الوصية إنما تعلّق بما بعد الوفاة ، لأنها تمليك بعد الموت ، فلو قبل لم يطابق القبول الإيجاب.

فإن قيل : المراد قبوله التمليك بعد الموت.

قلنا : ما قبل الموت لما لم يكن متعلق الإيجاب وجب أن لا يعتد بالقبول الواقع فيه ، كما لو باعه ما سيملكه فقيل ، ولأن القبول إما كاشف أو جزء السبب ، وعلى كل تقدير يمتنع اعتباره قبل الموت ، أما إذا جعل كاشفا ، فلأن الكاشف عن الملك يجب أن يتأخر عنه ويمتنع الملك قبل الوفاة ، وأما إذا جعل جزء السبب ، فلأنه إذا تم العقد وجب أن يترتب عليه أثره ، وهو هنا ممتنع قبل الموت.

ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يكون الموت شرطا لحصول الملك بالعقد ،

١٠

وبهما ينتقل الملك مع موت الموصي ، ولا يكفي الموت بدون القبول ، وبالعكس.

ولا يشترط القبول لفظا ، بل يكفي الفعل الدال عليه ، ولا اتصال‌

______________________________________________________

كالبيع فإنه لا يتم الملك إلاّ بعد انقضاء مدة الخيار على رأي الشيخ (١) ، وجوّز ابن إدريس القبول قبل الموت وبعده (٢) ، ويلوح من الدروس اختياره (٣).

ومختار المصنف أقوى ، وإلاّ لم يعتبر قبول الوارث ولا رده لو مات الموصى له قبل موت الموصي وقد قبل ، وهو باطل ، لأن إطلاق الأخبار يقتضي عدم الفرق بين تقدّم قبول الموصى له وعدمه ، فيكون قبول الوارث ورده معتبرا.

قوله : ( وبهما ينتقل الملك مع موت الموصي ، ولا يكفي الموت بدون القبول ، وبالعكس ).

لما سبق من أن الوصية عقد فلا بد فيها من القبول ، وانه لا يعتبر إلاّ بعد الموت ، إذ لا يؤثر بدونه على اختلاف القولين.

قوله : ( ولا يشترط القبول لفظا ، بل يكفي الفعل الدال عليه ).

كالأخذ والتصرف ، وذلك لأن الوصية غير منجّزة فلم يشترط فيها القبول لفظا ، لكونها شرعت على غير نهج العقود اللازمة واكتفي فيها بالكتابة ، ومن ثمّ لم يعتبر في القبول اتصاله بالإيجاب على الوجه المعتبر في العقود اللازمة ، بل لا يكاد يتفق على القول بأن القبول إنما يعتبر بعد الموت ، وإلى ذلك أومأ بقوله : ( ولا اتصال القبول ) ، إلاّ أن قوله : ( فلو قبل بعد الموت بمدة ، أو في الحياة بعد مدة صح ما لم يرد ) يقتضي بأمرين :

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٨٤.

(٢) السرائر : ٣٨٣.

(٣) الدروس : ٢٣٩.

١١

القبول. فلو قبل بعد الموت بمدة ، أو في الحياة بعد مدة صح ما لم يرد ، فإن ردّ في حياة الموصي جاز أن يقبل بعد وفاته ، إذ لا اعتبار بذلك الرد.

______________________________________________________

أحدهما : أن الاتصال المنفي اشتراطه هو اتصال القبول بالموت ، وإلاّ لم يتفرّع عليه صحة قبوله بعد الموت بمدة ، وليس كذلك قطعا ، إذ المنفي هو الاتصال المعتبر بين الإيجاب والقبول كسائر العقود اللازمة.

فإن قيل : ربما اتصل الموت بالإيجاب فلا يتحقق التراخي حتى يتراخى القبول عنه.

قلنا : أولا : تأخيره إلى ما بعد الموت غالبا يقتضي التراخي ، فلا حاجة ، إلى اعتبار المدة بعده.

وثانيا : إن اعتبار المدة بعده يشعر بأن المنافي للاتصال هو هذا التراخي ، دون التراخي الواقع بين الموت والوصية ، ولو قال : فلو قبل بعد الموت ولو بمدة لكان أولى.

الثاني : أن حكمه بالصحة لو وقع القبول في الحياة بعد مدة ينافي ما سبق من قوله : ( ولا أثر للقبول لو تقدّم ). وتأوّله شيخنا الشهيد ـ بأن المنفي أولا هو أثر خاص ـ ، وهو نقل الملك.

والمراد بالصحة هنا : الاكتفاء به عن القبول بعد الموت ، وهو مخالف لمختار المصنف في المختلف (١) ، وإن طابق اختياره في التحرير (٢)

ومقتضى قوله : ( ما لم يرد ) أنه لو ردّ لم يكن له القبول ، سواء كان الرد في الحياة أو بعد الموت ، لكنه نقّحه بقوله : ( فإن ردّ في حياة الموصي جاز أن يقبل بعد وفاته ، إذ لا اعتبار بذلك الرد ). واعلم أن قضية اعتبار القبول في الحياة اعتبار الرد فيها أيضا ، لفوات أحد ركني العقد حين اعتباره.

__________________

(١) المختلف : ٤٩٩.

(٢) التحرير : ٢٩٢.

١٢

ولو ردّ بعد الموت قبل القبول بطلت وإن كان بعد القبض ، وبعده لا يبطل وإن كان قبل القبض على رأي.

______________________________________________________

قوله : ( ولو ردّ بعد الموت قبل القبول بطلت وإن كان بعد القبض ).

أي : بطلت وإن كان الرد بعد القبض ، فهو وصلي لما قبله ، واعلم أن أقسام الرد بعد الموت أربعة ، هذان قسمان ولا خلاف في حكمهما.

قوله : ( وبعده لا تبطل وإن كان قبل القبض على رأي ).

أي : وبعد القبول لا تبطل وإن كان قبل القبض على رأي في الأخير ، وهو المدلول عليه بجملة إن الوصيلة ، وهذان القسمان الباقيان من الأربعة.

وقول المصنف : ( ولو كان بعده لم تبطل إجماعا ) هو أحد هذين القسمين ، وكأنه إنما أعاد ذكره لفائدة الإخبار بالإجماع.

إذا عرفت ذلك فالرأي المشار إليه هو مختار المصنف ، والمحقق نجم الدين (١). وذهب الشيخ (٢) ، وابن حمزة إلى صحة الرد وبطلان الوصية (٣) ، لأن ملك الموصى له لا يستقر إلاّ بالقبض كما في الوقف ، ولأن الهبة تبطل بالرد قبل القبض ، وهي أقوى من الوصية ، لأنها منجّزة والمنجز أقوى من المعلّق ، ومن ثمّ قيل بتقديم منجّزات المريض فبطلان الوصية بالرد قبله أولى.

وجوابه : إنّ القبض قد ثبت اعتباره في الوقف والهبة دون الوصية ، وإلحاقها بهما قياس ، والأولوية المذكورة ممنوعة ، فإنها إنما تكون مع تعقّل العلة وكونها في الفرع أقوى ، ولا نسلّم أن المنجّز أقوى من المعلّق على أن الفرق قائم ، فإن الملك في الوقف والهبة إنما يكون بالقبض ، بخلاف الوصية فإن القبول إما كاشف أو ناقل. والأصح‌

__________________

(١) شرائع الإسلام ٢ : ٢٤٣.

(٢) المبسوط ٤ : ٣٣.

(٣) الوسيلة : ٣٧٥.

١٣

ولو كان بعده لم يبطل إجماعا.

ولو ردّ بعضا صح فيما قبله ، وفي ردّ رأس العبد مثلا إشكال ، ينشأ من بطلان افراده ، فيبطل الرد أو الوصية.

______________________________________________________

مختار المصنف ، لأن زوال الملك بعد ثبوته يتوقف على وجود السبب الناقل ، والأصل عدمه ، ولعموم قوله تعالى ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً ) (١) ونحوه.

قوله : ( ولو كان بعده لم يبطل إجماعا ).

هذا والذي قبله هما القسمان الباقيان من الأربعة.

قوله : ( ولو ردّ بعضا صح فيما قبله ).

المراد انه ردّ بعضا وقبل بعضا ، وحكمه الصحة فيما قبله ، والبطلان فيما رده إعطاء لكل منهما حكمه.

وليست الوصية كالبيع ونحوه يجب فيها مطابقة القبول للإيجاب ، لأنها تبرع محض ، فلا يتفاوت الحال فيها بين قبول الكل والبعض ، ومن ثمّ لو زادت على الثلث وقبل الموصى له بطل الزائد خاصة ، ولم ينظر إلى التضرر بالشركة لو كان الموصى به شيئا واحدا.

قوله : ( وفي ردّ رأس العبد مثلا إشكال ينشأ من بطلان افراده فيبطل الرد أو الوصية ).

أي : لو ردّ بعضا لا يمكن افراده بالحكم كرأس العبد الموصى به ويده ، ففي صحة الرد وبطلانه إشكال ينشأ : من امتناع افراده حتى لو خصه بالرد كان باطلا ، فيحتمل بطلان الوصية ، لأن الرأس قد يعبّر به عن الجملة ، وأقل أحواله أن يكون مجازا.

__________________

(١) النساء : ٢٩.

١٤

ولو مات قبل القبول قام وارثه مقامه في قبول الوصية ، ولا يدخل في ملك الميت ،

______________________________________________________

والأصل في أفعال المكلّف وأقواله الصحة والصيانة عن الهذر ، ولأنه قد ردّ الوصية في الرأس ولا يتم إلاّ برد الجميع ، وليس في كلامه ما ينافيه فيجب تحققه تحصيلا لمراده بحسب الممكن.

ويحتمل بطلان الرد ، لأن رد الرأس وحده ممتنع ، ولم يتعرّض لرد ما سواه فيتمسك فيه بأصالة بقاء الوصية.

ويضعّف بأن ذلك يقتضي إلغاء رده في الجزء المردود مع إمكان تنفيذه ، فالبطلان أقرب.

وقد أشار المصنف إلى وجهي الإشكال بقوله : ( ينشأ من بطلان إفراده ) وفي بعض النسخ : إفرازه ، بالزاء عوض الدال ، فإنه يلزم إما اختصاصه بالبطلان ، لامتناع الرد فيه ، أو سريانه إلى الباقي ، لتوقفه عليه.

قوله : ( ولو مات قبل القبول قام وارثه مقامه في قبول الوصية ، ولا يدخل في ملك الميت ).

أي : لو مات الموصى له قبل قبول الوصية قام وارثه مقامه في ذلك ، وحينئذ فلو قبل لم يدخل الموصى به في ملك الميت ، والبحث هنا يقع في أمرين :

أحدهما : عدم بطلان الوصية ، وهو المشهور بين الأصحاب ، سواء كان موت الموصى له قبل موت الموصي أو بعده. وقيل تبطل الوصية ، واختاره المصنف في المختلف (١) ، وخصّ نجم الدين البطلان بما إذا مات الموصى له قبل موت الموصي (٢) والأصح الأول ، لرواية محمد بن قيس عن الباقر عليه‌السلام قال : « قضى أمير المؤمنين‌

__________________

(١) المختلف : ٥١٣.

(٢) الشرائع ٢ : ٢٥٥.

١٥

______________________________________________________

عليه‌السلام في رجل أوصى لآخر ، والموصى له غائب ، فتوفّي الذي أوصى له قبل الموصي ، قال : الوصية لوارث الذي أوصى له ، إلاّ أن يرجع في وصيته قبل موته » (١) ، وهي نص في الباب.

ولا منافاة بينها وبين صحيحة أبي بصير ومحمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام قال : سئل عن رجل أوصى لرجل فمات الموصى له قبل الموصي ، قال : « ليس بشي‌ء » (٢) ومثلها موثقة منصور بن حازم عنه عليه‌السلام (٣) ، لأنهما إن نزّلتا على أن المراد ـ ليس بشي‌ء ـ ينقض الوصية بل هي على حالها فهو ظاهر ، وإن نزّلتا على أن المراد بطلان الوصية خصتا بما إذا غيّرها الموصي في حال حياته ، أو علم منه تعلّق غرضه بكونها للمورّث ، لأن الأولى تدل نصا وهاتان تقبلان التأويل ، وحينئذ فلا حجة فيهما للقائل بالبطلان والاحتجاج بأن الوصية للمورّث ـ ولا دلالة لذلك على استحقاق الوارث قبولها بشي‌ء من الدلالات ـ لا ينظر إليه في مقابل النص.

الثاني : إطلاق المصنف عدم دخولها في ملك الميت لو قبل الوارث لا يستقيم ، لأنه إن قبل بعد الموت وقلنا : إنّ القبول كاشف ـ كما سيأتي إن شاء الله تعالى اختياره في كلام المصنف ـ دخلت في ملك الميت ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله ، وعليه نزّل ما ذكره المصنف في العتق : من أنه لو أوصى له ببعض ولده ، فمات قبل القبول ، فورثه ولده وقبل الوصية بأخيه انعتق على الأب إن خرج من الثلث ، فكأنه القابل. فعلى هذا ينبغي أن ينزّل كلام المصنف هنا على موت الموصى له في حياة الموصي ، وما في العتق على كونه بعد موت الموصي.

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٣ حديث ، الاستبصار ٤ : ١٣٧ حديث ٥١٥.

(٢) التهذيب ٩ : ٢٣حديث ٩٠٦ ، الاستبصار ٤ : ١٣٨ حديث ٥١٨.

(٣) التهذيب ٩ : ٢٣حديث ٩٠٧ ، الاستبصار ٤ : ١٣٨ حديث ٥١٩.

١٦

فلو أوصى بالحامل والحمل من الزوج له ، فمات قبل القبول فقبل الوارث لم ينعتق عليه ولا على الوارث ، إلاّ أن يكون ممن ينعتق عليه ، ولا يرث إلاّ أن يكونوا جماعة.

ولو انعتق على بعضهم ، كما لو كان الوارث ابنا وبنتا والحمل أنثى ، انعتق ثلثاها وورثت ثلثي سهم بنت مما عداها خاصة ، بخلاف ما لو انعتق ثلثاه قبل الوفاة.

______________________________________________________

قوله : ( فلو أوصى بالحامل والحمل من الزوج له ، فمات قبل القبول ، فقبل الوارث لم ينعتق عليه ولا على الوارث ، إلاّ أن يكون ممن ينعتق عليه ، ولا يرث ، إلاّ أن يكونوا جماعة ).

فرّع على ما سبق ما إذا أوصى مالك الجارية الحامل من زوجها بها وبالحمل للزوج ، حيث يكون الحمل رقيقا للمولى بشرط ونحوه حيث يصح ، ثم مات الزوج قبل القبول وقبل موت الموصي على ما حققناه ، ثم قبل الوارث فإنّ الحمل لا ينعتق على الموصى له ، إذ لم يدخل في ملكه ، ولا على الوارث إلاّ أن يكون الوارث ذكرا والحمل أنثى ، فإذا عتق لم يرث إلاّ أن يكون الوارث متعددا ، ليتحقق زوال المانع من الإرث قبل القسمة.

قوله : ( ولو انعتق على بعضهم ، كما لو كان الوارث ابنا وبنتا والحمل أنثى انعتق ثلثاها ، وورثت ثلثي سهم بنت مما عداها خاصة ، بخلاف ما لو انعتق ثلثاه قبل الوفاة ).

أي : لو كان الحمل بحيث ينعتق على بعض الورثة دون بعض ، كما لو كان الوارث ابنا وبنتا والحمل أنثى انعتق ثلثاها بقبولهما الوصية ، وذلك نصيب الابن ويبقى الثلث وهو نصيب البنت على الرقية ، لعدم انعتاقه عليها كما هو ظاهر.

وترث ثلثي سهم بنت ببعضها الحر مما عداها خاصة ـ أي دون نفسها ـ ، لأنها‌

١٧

ولو قبل أحد الوارثين وردّ الآخر صح في نصيب القابل ، فإن كان ممن ينعتق عليه عتق عليه وقوّم الباقي.

وتصح مطلقة مثل : إن متّ فثلثي للمساكين ، ومقيّدة مثل إن متّ في مرضي هذا ، أو في سفري هذا ، أو في سنتي هذه ، أو بلدي فثلثي للمساكين ، فإن بري‌ء ، أو قدم ، أو خرجت السنة عليه حيا ، أو خرج من بلده فمات بطلت المقيّدة لا المطلقة.

______________________________________________________

إنما ترث ما جرى عليه ملك الميت ولم تدخل في ملكه ، ومن ثمّ لا ترث من أمها شيئا ، وإن كان قوله : ( وورثت ثلثي سهم بنت مما عداها خاصة ) يقتضي إرثها مما سواها خاصة.

ولو اتفق موت الموصى له بعد موت الموصي وقبل القبول فقبل الوارث والصورة هذه لم ترث من نفسها ، لسبق استقرار ملك أخيها وأختها ، ولذلك عتق سهم الأخ ، فيكون ذلك بمنزلة القسمة ، وترث حينئذ من كل ما عداها.

قوله : ( ولو قبل أحد الوارثين وردّ الآخر صح في نصيب القابل ، فإن كان ممن ينعتق عليه عتق عليه وقوّم الباقي ).

أي : عتق عليه نصيبه وقوّم عليه نصيب الباقين ، وفيه نظر ينشأ : من التردد في ثبوت التقويم في مثل ذلك.

قوله : ( وتصح مطلقة مثل : إن متّ فثلثي للمساكين ـ إلى قوله ـ فإن بري‌ء ، أو قدم ، أو خرجت السنة عليه حيا ، أو خرج من بلده فمات بطلت المقيّدة لا المطلقة ).

الفرق اختصاص الوصية بمحل القيد ، فلا وصية بدونه ، بخلاف المطلقة ، والأمر ظاهر.

١٨

ولو عجز عن النطق كفت الإشارة الدالة على المراد ، ولا تكفي الكتابة بدون الإشارة أو اللفظ ، وإن عمل الورثة ببعضها على رأي ، سواء شوهد كاتبا أو اعترف بأنه خطه أو عرف.

______________________________________________________

قوله : ( ولو عجز عن النطق كفت الإشارة الدالة على المراد ).

لصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام ان أباه حدّثه « ان امامة بنت أبي العاص بن الربيع توجّعت وجعا شديدا حتى اعتقل لسانها ، فأتاها الحسن والحسين عليهما‌السلام فجعلا يسألانها عن الشي‌ء وهي تشير برأسها نعم أم لا ، وأخبر عليه‌السلام : أنهما عليهما‌السلام أجازا ذلك » (١). أما مع إمكان النطق فلا تكفي الإشارة ، لانتفاء دليل الصحة.

قوله : ( ولا تكفي الكتابة بدون الإشارة أو اللفظ وإن عمل الورثة ببعضها على رأي ، سواء شوهد كاتبا أو اعترف بأنه خطه ، أو عرف ).

إذا وجدت وصية بخط الميت ولم يكن أقرّ بها ولا أشهد عليها لم يجب العمل بها على الورثة ، سواء شاهدوه يكتب أم لا ، وسواء اعترفوا بأنه خطه أو عرف أم لا ، وسواء قدر على النطق أو لا ، وسواء عمل الورثة ببعض الوصية أو لا.

وقال الشيخ في النهاية : إن عملوا ببعضها لزمهم العمل بجميعها ، لما رواه الصدوق عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام : رجل كتب كتابا بخطه ولم يقل لورثته هذه وصيتي ، ولم يقل إني قد أوصيت ، إلاّ أنه كتب كتابا فيه ما أراد أن يوصي به ، فهل يجب على ورثته القيام بما في الكتاب بخطه ولم يأمرهم بذلك؟ فكتب عليه‌السلام : « إن كان له ولد ينفذون كل شي‌ء يجدون في كتاب أبيهم في وجه البر أو غيره » (٢) (٣) ، ولا دلالة فيها على مراد الشيخ. والأصح الأول ، لأن‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٥٨ حديث ٩٣٦.

(٢) النهاية : ٦٢٢.

(٣) الفقيه ٤ : ١٤٦ حديث ٥٠٧.

١٩

ولو كتب وصية فقال : اشهدوا عليّ بما في هذه الورقة ، أو قال : هذه وصيتي فاشهدوا عليّ بها ، لم يجزئ حتى يستمعوا منه ما فيه ، أو تقرأ عليه فيقرّ به ،

______________________________________________________

الكتابة قد لا تكون على قصد الوصية ، وهو مختار ابن إدريس (١) وأكثر الأصحاب (٢).

ويفهم من قول المصنف : ( ولا تكفي الكتابة بدون الإشارة ) انه لو اقترن بها إشارة مفهمة تدل على المراد كفت ، وقد تقدّم في عبارته الاكتفاء بذلك مع العجز عن النطق ، ولا شك فيه.

أما مع القدرة فقد احتمل المصنف في التذكرة الاكتفاء ، لأن ذلك بمثابة الكتابة وهي كافية في الوصية (٣). ويشكل بأن الاكتفاء بالكتابة من الألفاظ لا يقتضي الاكتفاء بما يجري مجراها من الإشارة والكتابة ، والأسباب الشرعية إنما تثبت بالتلقّي من الشارع ، ولا دليل على الثبوت هنا.

قوله : ( ولو كتب وصية وقال : اشهدوا عليّ بما في هذه الورقة ، أو قال : هذه وصيتي فاشهدوا عليّ بها لم يجزئ حتى يسمعوا منه ما فيها أو يقرأ عليه فيقر به ).

وذلك لأن الأمر المبهم لا يعقل تحمل الشهادة به ، لأن الشهادة مشروطة بالعلم ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشيرا إلى الشمس : « على مثلها فاشهد ، وإلاّ فدع » (٤). وذهب ابن الجنيد (٥) ، وبعض العامة إلى الاكتفاء بذلك (٦) وضعفه ظاهر.

__________________

(١) السرائر : ٣٩٢.

(٢) منهم المحقق في المختصر النافع : ١٦٣ ، والعلاّمة في التذكرة ٢ : ٤٥٢ ، والشهيد في اللمعة : ١٧٦.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٥٢.

(٤) رواه المحقق في الشرائع ٤ : ١٣٢.

(٥) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥١٤.

(٦) انظر مغني المحتاج ٣ : ٥٣.

٢٠