جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦١

المطلب الثالث : في الموصى له.

ويشترط فيه أمران : الوجود وصحة التملك ، فلو اوصى لمعدوم لم يصح ، وكذا للميت ، سواء علم بموته أو ظن حياته فبأن ميتا ، أو لما تحمله المرأة ، أو لمن يوجد من أولاد فلان وتصح للحمل الموجود بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر ، أو لأكثر مدة الحمل مع خلوها من زوج ومولى.

______________________________________________________

قوله : ( المطلب الثالث : الموصى له : ويشترط فيه أمران : الوجود ، وصحة التملك. فلو أوصى لمعدوم لم يصح ، وكذا للميت سواء علم بموته أو ظن حياته فبان ميتا ، أو لما تحمله المرأة ، أو لمن يوجد من أولاد فلان ).

لما كان شرط صحة الوصية لمعيّن أن تكون له أهلية التملك ، لامتناع تحقق الملك المقصود بالوصية من دونها ، لم تصح الوصية للمعدوم ، ولا للميت على حال وإن علم بموته ، خلافا لمالك مع العلم بموته فإنه حكم بصحة الوصية له ، وبكون الموصى به تركته ، وكذا ما تحمله المرأة ، أو من يتجدد من أولاد فلان (١).

واعلم أنه قد سبق في الوقف جوازه على المعدوم إذا كان تابعا ، كما لو وقف على أولاد فلان ومن سيولد له ، فأي مانع من صحة الوصية كذلك؟ فإذا أوصى بثمرة بستانه مثلا خمسين سنة لأولاد فلان ومن سيولد له فلا مانع من الصحة ، بل تجويز ذلك في الوقف يقتضي التجويز هنا بطريق أولى ، لأنه أضيق مجالا من الوصية.

قوله : ( ويصح للحمل الموجود بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر ، أو لأكثر مدة الحمل مع خلوها من زوج ومولى ).

يشترط لصحة الوصية للحمل أمران :

__________________

(١) المدوّنة الكبرى ٥ : ٣٥ و ٧٣.

٤١

ولو كان بينهما وهي ذات زوج أو مولى لم تصح ، لعدم العلم بوجوده حين الوصية ، وتستقر بانفصاله حيا ، فلو وضعته ميتا بطلت.

______________________________________________________

أحدهما : أن يكون موجودا حالة الوصية ، لأن الوصية للمعدوم لا تصح إجماعا.

الثاني : انفصاله حيا فتبطل بدون ذلك ، ومع الشرطين تصح الوصية له إجماعا ، كما يثبت إرثه.

ويتحقق وجوده بأن تأتي به أمّه لأقل من ستة أشهر من حين الوصية ، للقطع بوجوده حينئذ ، فلو كان لستة فصاعدا ولها زوج أو مولى فليس وجوده حين الوصية بمعلوم ، لإمكان تجدده ، والأصل عدمه. نعم لو خلت عن زوج ومولى وأتت به لما دون أكثر مدة الحمل من حين الوصية فإن الوصية تصح أيضا ، للحكم بوجوده شرعا حين الوصية ، لوجوب إلحاقه بصاحب الفراش.

ولا يخفى أن الأولى أن يقول المصنف : لدون أكثر مدة الحمل ، بدل قوله : ( أو أكثر مدة الحمل ) ، لأنه إذا تخلل بين الوصية والوضع أكثر مدة الحمل حكم بعدم وجوده حين الوصية قطعا.

قوله : ( ولو كان بينهما وهي ذات زوج أو مولى لم تصح ، لعدم العلم بوجوده حين الوصية ).

أي : لو كان الإتيان به بين أقل مدة الحمل من حين الوصية وأكثرها ، وهي ذات زوج أو مولى يأتيها لم تصح الوصية ، للحكم بكونه معدوما استنادا إلى أصالة عدمه.

قوله : ( ويستقر بانفصاله حيا ، فلو وضعته ميتا بطلت ).

تلوح من هذه العبارة صحة الوصية للحمل قبل الانفصال غير مستقرة ، وبانفصاله حيا يتحقق الاستقرار ، كما أنها لو وضعته ميتا بطلت.

وعلى هذا فلو وضعته حيا وتحقق القبول ثبت الملك من حين موت الموصي فيتبعه النماء ، وهو صحيح في موضعه. ولا فرق في ذلك كله بين أن يكون قد حلّته الحياة في بطن امه أو لا ، لأن الحياة المعتبرة هي ما بعد الانفصال اتفاقا ، ولا فرق بين أن يسقط بجناية جان أو لا.

٤٢

ولو مات بعد انفصاله حيا صحت وكانت لورثته ، ويسقط اعتبار القبول هنا على اشكال.

ولو ردّ الولي للمصلحة فالأقرب بطلان الوصية إن ردّ بعد الموت ،

______________________________________________________

فرع : لو وضعت أحد التوأمين لأقل من ستة أشهر ، ثم ولدت الثاني لأقل من ستة أشهر من الولادة الأولى صحت الوصية لهما ، وإن زاد ما بين الثاني والوصية على ستة أشهر وكانت المرأة فراشا ، لأنهما حمل واحد ، كذا قال في التذكرة ، وادعى فيه الإجماع (١) ، والحكم واضح.

قوله : ( ولو مات بعد انفصاله حيا صحت وكانت لورثته ، ويسقط اعتبار القبول هنا على اشكال ).

ينشأ : من إطلاق الأصحاب كون الوصية للحمل ، وإذا مات بعد الانفصال يكون لوارثه ، ولتعذر القبول هنا فجرى مجرى الوصية للجهات العامة في عدم اشتراط القبول.

ومن إطباقهم على اعتبار قبول الوارث لو مات الموصى له قبل القبول ، وهو متناول محل النزاع ، ولثبوت اعتبار القبول فيما عدا الوصية للجهات العامة. ولم يدل دليل على السقوط هنا فيقيّد إطلاقهم في محل النزاع ، والأصح أنه لا بد منه هنا أيضا.

قوله : ( ولو ردّ الولي للمصلحة فالأقرب بطلان الوصية إن ردّ بعد الموت ).

أي : لو ردّ ولي غير الكامل في موضع يكون الرد أغبط فالأقرب بطلان الوصية إن وقع الرد في موضع يعتبر تأثيره وهو بعد الموت ، ووجه القرب : أن الولي قائم مقام المولى عليه في جميع التصرفات ، ويحكم بنفوذ ما وقع على وفق الغبطة منها ، فيجب الحكم بالنفوذ في محل النزاع.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٦١.

٤٣

وكذا لو ردّ بعد بلوغه وهل النماء المتجدد بين الوفاة والرد تابع أو للموصى له؟ اشكال.

______________________________________________________

ويحتمل ضعيفا العدم ، لأن ذلك إزالة ملك بغير عوض فكان بمنزلة الإتلاف ، وليس لأن الولي قائم مقامه ففعله مع المصلحة بمنزلة فعله ، ولو رد قبل الموت فلا اعتبار به ، كما لا اعتبار برد الموصى له حينئذ.

قوله : ( وكذا لو ردّ بعد بلوغه ).

أي : وكذا تبطل الوصية لو رد المولى عليه بعد بلوغه قطعا ، لأن قبوله ورده حينئذ يقع معتبرا ، وهذا إذا لم يسبق قبول الولي عنه للمصلحة.

قوله : ( وهل النماء المتجدد بين الوفاة والرد تابع أو للموصى له؟ إشكال ).

أي : هل النماء الحاصل من الموصى به المتجدد بين الوفاة والرد تابع لحال الموصى به؟ ـ فإن قلنا : إنّ القبول كاشف كان النماء للوارث مع الرد ، وإن قلنا : إنه سبب فالنماء للوارث ، سواء قلنا إنّ الموصى به في تلك الحال للورثة ، أو على حكم مال الميت ـ أم هذا النماء للموصى له ، بناء على أنه يملك بموت الموصي ويستقر بالقبول ويزول بالرد؟ فيه إشكال ينشأ : من تقابل دلائل هذه الأقوال.

ولا يخفى ما في هذه العبارة وهذا الاشكال من الخلل ، أما العبارة ، فلأن مقتضى‌ قوله : ( وهل النماء تابع أو للموصى له ) ينافي الأمرين ، وليس كذلك ، لأنّا إذا حكمنا بأنه للموصى له فإنما هو باعتبار تبعيته للعين ، ودخولها في ملك الموصى له بالموت من دون اعتبار القبول.

وأما خلل الإشكال ، فلأنه قد سبق في كلامه رحمه‌الله اختيار كون القبول كاشفا ، فلا وجه للإشكال في حال النماء بعد ذلك ، لوجوب كونه مع الرد للوارث ، فيكون رجوعا عن الجزم إلى التردد.

٤٤

ولا تصح لمملوك الأجنبي ، ولا لمدبرة ، ولا لام ولده ، ولا لمكاتبة المشروط على اشكال ، وغير المؤدي وإن أجاز مولاه ، ولو أعتق عند الاستحقاق ، ولا تكون وصية للمولى.

______________________________________________________

قوله : ( ولا تصح لمملوك الأجنبي ، ولا لمدبّره ، ولا لام ولده ، ولا لمكاتبة المشروط على اشكال ، وغير المؤدي وإن أجاز مولاه ولو أعتق عند الاستحقاق ).

لا تصح الوصية للمملوك الغير سواء كان قنّا أو مدبّرا أو أم ولد عندنا ، لأن العبد لا يملك وإن ملّكه سيده ، فمع تمليك الغير أولى ، فهو بمنزلة المعدوم ، ولما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « لا وصية لمملوك » (١).

وفي الوصية لمكاتب الغير المشروط إشكال ينشأ مما ذكر فإنه مملوك ، وتؤيده رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام في مكاتب كانت تحته امرأة حرة فأوصت له عند موتها بوصية ، فقال أهل الميراث : لا نجيز وصيتها انه مكاتب لم يعتق ولا يرث ، فقضى عليه‌السلام انه يرث بحساب ما أعتق ، ويجوز له من الوصية بحساب ما أعتق منه (٢).

ومن انقطاع سلطنة المولى عنه ، ولهذا يصح بيعه واكتسابه والهبة له ، فأي مانع من الوصية وإنما هي نوع اكتساب؟ والمتبادر في الرواية الاولى من المملوك غير المكاتب ، والثانية واقعة عين فلا عموم لها ، ومع ذلك فمحمد بن قيس مشترك بين الثقة وغيره ، فصحة الوصية له لا تخلو من قوة.

والمكاتب المطلق الذي لم يؤد شيئا ـ وهو المراد بقوله : ( وغير المؤدي ) ـ يطّرد فيه الاشكال السابق وأولى بالصحة من المشروط ، لأن استعداده للحرية أشد منه.

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٢١٦ حديث ٨٥٢ ، الاستبصار ٤ : ١٣٤ حديث ٥٠٦.

(٢) الكافي ٧ : ٢٨ حديث ١.

٤٥

ولو ادى المطلق البعض صحت بنسبة الحرية ، وفي الوصية للجزء الحر اشكال.

وتصح بالجزء الشائع لعبد الموصى ومدبره ومكاتبه وأم ولده ، ثم يعتبر ما وصّى به بعد خروجه من الثلث ، فإن كان بقدر قيمته عتق ولا شي‌ء‌

______________________________________________________

وقوله : ( وإن أجاز مولاه ) وصلي لقوله : ( ولا تصح لمملوك الأجنبي ) ، وسيأتي إن شاء الله تعالى حكم الوصية لمملوك نفسه. وكذا قوله : ( وإن أعتق عند الاستحقاق ) ، أي : استحقاق الوصية ، وذلك عند الموت ، وقوله : ( ولا تكون وصية للمولى ) ردّ به على العامة القائلين بذلك إذا استمر رقه.

قوله : ( ولو أدى المطلق البعض صحت بنسبة الحرية ).

كما يصح إرثه بنسبتها.

قوله : ( وفي الوصية للجزء الحر إشكال ).

ينشأ : من أن صحة الوصية إنما هي باعتباره فتصح له ، ومن أن المالك هو من تحرر بعضه لا البعض الحر ، وبذلك وردت الأخبار ، وجرى عليه كلام الفقهاء.

وحقق الشارح الفاضل أن المالكية من الأعراض النفسانية والمملوكية من الأعراض الجسمانية ، وحصول الأول للنفس الإنسانية كاملا مشروط بانتفاء الثانية عن البدن ، فإن انتفت عن بعضه ثبت الملك بالنسبة (١).

وما ذكره صحيح ، ولا يرد عليه أنه لو كان المالك النفس لما زال الملك بالموت ، لما عرفت من أن لاتصال النفس بالبدن دخلا في ذلك ، وكيف كان فالظاهر عدم صحة الوصية.

قوله : ( ويصح بالجزء المشاع لعبد الموصي ، ومدبّره ، ومكاتبه ، وأم ولده. ثم يعتبر ما أوصى به بعد خروجه من الثلث ، فإن كان بقدر قيمته عتق‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٤٨٤.

٤٦

له وكان الموصى به للورثة ، وإن كانت قيمته أقل أعتق واعطي الفاضل ، وإن كانت أكثر سعى للورثة في الباقي وإن بلغت الضعف على رأي ،

______________________________________________________

ولا شي‌ء له ، وكان الموصى به للورثة ، وإن كانت قيمته أقل أعتق واعطي الفاضل ، وإن كانت أكثر سعى للورثة في الباقي وإن بلغت الضعف على رأي ).

إذا أوصى لعبد نفسه بجزء مشاع في التركة كثلثها وربعها صحت الوصية ، سواء كان قنا أم لا.

ثم ينظر فإن كان الموصى به بعد خروجه من الثلث بقدر قيمة العبد عتق ولا شي‌ء له ، ويكون باقي التركة للورثة ، وجرى ذلك مجرى ما إذا قال : أعتقوا عبدي من ثلثي.

وإن كانت قيمته أقل أعتق واعطي الفاضل ، وإن كانت قيمته أكثر عتق منه بقدر الوصية إن كانت الثلث فما دون ، أو بقدر ما يحتمله الثلث إن زادت ، واستسعى للورثة في الباقي ، سواء كانت قيمته ضعف الوصية أم لا ، ذهب إلى ذلك الشيخ في الخلاف (١) ، وعلي بن بابويه (٢) ، وأبو الصلاح (٣) ، وابن إدريس (٤) ، وأكثر المتأخرين.

وقال المفيد : إذا بلغت القيمة ضعف الوصية بطلت (٥) ، وهو اختيار الشيخ في النهاية (٦) ، وابن البراج (٧) ، لما رواه الحسن بن صالح بن حي عن أبي عبد الله عليه‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٨٥ مسألة ٤٨ كتاب الوصايا.

(٢) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٠٥.

(٣) الكافي في الفقه : ٣٦٥.

(٤) السرائر : ٣٨٦.

(٥) المقنعة : ١٠٢.

(٦) النهاية : ٦١٠.

(٧) المهذب : ٢ : ١٠٧.

٤٧

وفي المعيّن اشكال.

______________________________________________________

السلام في رجل أوصى لمملوك له بثلث ما له فقال : « يقوّم المملوك بقيمة عادلة ثم ينظر ما ثلث الميت ، فإن كان الثلث أقل من قيمة العبد بقدر ربع القيمة استسعى العبد في ربع القيمة ، وإن كان الثلث أكثر من قيمة العبد أعتق العبد ودفع إليه الفاضل » (١). وهي دالة بمفهوم الشرط لقوله : « فإن كان الثلث أقل من قيمة العبد بقدر ربع القيمة استسعى العبد في ربع القيمة » ، وهو حجة عند الأكثر ، ويضعّف ذلك بوجوه :

الأول : ضعف سند الرواية.

الثاني : إنّ مفهوم الرواية ـ إن سلم ـ : عدم الاستسعاء إذا كان الثلث أقل من قيمة العبد بزيادة على ربع القيمة ، وهم لا يقولون به ، والتحديد بالضعف لا دليل عليه.

الثالث : منع كون المفهوم ذلك ، بل المفهوم ، عدم كون الاستسعاء في ربع القيمة إن كان الثلث أقل بزيادة عن الربع ، ونحن نقول بموجبه ، ودعواهم عدم الاستسعاء ، حينئذ مطلقا لا عدم الاستسعاء على هذا الوجه ، والأصح الأول ، لعموم الدلائل الدالة على صحة الوصية الشاملة لمحل النزاع بغير معارض ، وتدل على الأحكام الباقية السالفة مع هذه العمومات وإجماع الأصحاب الرواية المذكورة.

قوله : ( وفي المعيّن إشكال ).

أراد بالمعيّن هنا : ما ليس جزءا مشاعا في التركة وإن كان مشاعا من معيّن كنصف دار أو فرس ، ومعناه : أنه لو أوصى لعبده بما ليس جزءا مشاعا في التركة ففي صحة الوصية إشكال ينشأ : من أنه إنما تصح في المشاع ، لأنه متناول من حيث الصلاحية لرقية العبد ، فصار كأنه موصى بعتقه ، وذلك منتف في محل النزاع. ولعموم‌

__________________

(١) التهذيب : ٩ : ١٩٤ حديث ٧٨٢ ، الاستبصار ٤ : ١٢٠ حديث ٤٥٦.

٤٨

ولو أوصى للدابة فإن قصد التملك أو أطلق بطلت.

ولو قصد الصرف الى علفها فالأقرب الجواز ،

______________________________________________________

قول أحدهما عليهما‌السلام : « لا وصية لمملوك » (١) ، ولأن تنفيذ الوصية بالمعيّن محال ، لامتناع تملك العبد هنا ، والتخطي إلى رقبة العبد يقتضي تبديل الوصية.

ومن عموم الرواية السالفة المتضمّنة الوصية لمملوك بثلث المال (٢) ، فإنها أعم من المعيّن وغيره ، فإنّ ترك الاستفصال في حكاية الحال يدل على العموم ، وعموم : ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ) (٣) ، وغير ذلك من دلائل صحة الوصية ، ولإطلاق كلام الأصحاب المتناول لمحل النزاع ، ولأنه إنما صحت الوصية في المشاع لتناول رقبة العبد.

ولم لا يجوز لكونه وصية لا لأمر غير ذلك ، والتبديل غير لازم ، لأن ذلك تنفيذ للوصية بحسب الممكن ، ولو منع من ذلك لمنع مع الإشاعة ، لأن التخصيص برقبة العبد خروج عن الإشاعة التي هي مناط الوصية ، والأصح الصحة في المعيّن أيضا.

فرع : وصية الإنسان لعبده لا تتوقف على القبول ، لعدم اعتباره من العبد ، ولتنزيل اعتقاده فكانت كالوصية بعتقه.

قوله : ( ولو أوصى للدابة ، فإن قصد التملك أو أطلق بطل ).

أي : بطل ما فعل من الوصية ، ولا بحث في البطلان مع قصد التملك ، فأما مع الإطلاق فوجه البطلان : أن المتبادر من إطلاق اللفظ التمليك ، وذلك ممتنع في الدابة. واللفظ عند الإطلاق إنما يحمل على المعنى المستفاد منه بالوضع.

قوله : ( ولو قصد الصرف إلى علفها فالأقرب الجواز ).

وجه القرب : أن ذلك في الحقيقة وصية للمالك ، لأن علفها واجب عليه. ويحتمل‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٢١٦ حديث ٨٥٢ ، الاستبصار ٤ : ١٣٤ حديث ٥٠٦.

(٢) التهذيب ٩ : ١٩٤ حديث ٧٨٢ ، الاستبصار ٤ : ١٢٠ حديث ٤٥٦.

(٣) البقرة : ١٨١.

٤٩

والأقرب التوقف على قبول المالك ، وحينئذ ففي الدفع إليه إشكال ، فإن دفع ففي جواز الصرف إلى غير العلف اشكال.

______________________________________________________

المنع ، لأن الذي دل عليه اللفظ كون الوصية للدابة وذلك ممتنع. ويضعف بأن المراد منه المجاز ، إذ المراد على ما قلناه إنما هو الوصية للمالك على الوجه المخصوص ، والمختار الجواز.

قوله : ( والأقرب التوقف على قبول المالك ).

وجه القرب : انها وصية لمعيّن ، فيعتبر قبوله كما في غيرها من الوصايا ، على حدّ ما لو أوصى له بعمارة داره. ويحتمل العدم ، لأنها وصية في وجه قربة ، لقوله عليه‌السلام : « على كل كبد حرى أجر » (١). ويضعف بأنه وإن كان قربة ، إلاّ أنه وصية لمعيّن ، وحدوث الملك له من غير رضاه على وجه قهري خلاف الأصل ، فالأقرب قريب.

قوله : ( وحينئذ ففي الدفع إليه إشكال ).

أي : وحين إذا كان الأقرب توقف هذه الوصية على قبول المالك ، لكونها في الواقع وصية له ، ففي دفعها إليه إشكال ينشأ : من أنه المالك لها ، وكونها معتبرة بقبوله.

ومن أنها وصية في وجه خاص فيتولاها الولي أو الحاكم ، والأصح جواز الدفع إلى المالك ليصرفها في العلف ، ولا يجوز الصرف إلى غيره ، فينبغي أن يكون عدلا ، لأن الدفع في ذلك حقا لله تعالى.

قوله : ( فإن دفع ففي جواز الصرف إلى غير العلف إشكال ).

ينشأ : من أنها وصية للمالك فيصنع بها ما شاء ، ومن أنها وصية على وجه مخصوص فلا يجوز تبديلها. وربما تعلّق غرض الموصي بخصوص هذه القربة ، وقد بينا سابقا أنه لا يجوز الصرف في غيره.

فإن قيل : لم لم تجز الوصية للعبد إذا قصد بها الصرف إلى مؤنته ، كما جاز في‌

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٩٥ حديث ٢ و ٣.

٥٠

والأقرب صحة الوصية للذمي وإن كان أجنبيا ، والبطلان للحربي والمرتد ،

______________________________________________________

الدابة ذلك.

قلنا : الظاهر أنه إذا علم ارادة ذلك لا مانع من الجواز ، والمبحوث عنه في العبد إنما هو إذا قصد هو بالوصية ، أو لم توجد قرينة تدل على شي‌ء ، وذلك لأن خلاف العامة القائلين بأنه إن أعتق فالوصية له ، وإلاّ فلمولاه ، إنما هو هنا ، فلا يستقيم فرض المسألة فيما ذكر ، لأنه خروج عن محل النزاع.

قوله : ( والأقرب صحة الوصية للذمي وإن كان أجنبيا ، والبطلان للحربي والمرتد ).

اختلف الأصحاب في جواز الوصية للكافر على أقوال :

الأول : المنع مطلقا ، وهو مختار ابن البراج (١).

الثاني : الجواز مطلقا ، وهو مختار المفيد (٢) وابن إدريس (٣).

الثالث : جواز الوصية للكافر القريب دون غيره ، وهو مختار الشيخ في المبسوط (٤) ، وجماعة.

الرابع : جواز الوصية للذمي دون الحربي ، وهو مختار الشيخ في الخلاف (٥) ، والمصنف.

وجه الأول : أن الوصية تستلزم المودّة وهي محرّمة بالنسبة إلى الكافر ، ويضعف‌

__________________

(١) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٠٠.

(٢) المقنعة : ١٠١.

(٣) السرائر : ٣٨٦.

(٤) المبسوط ٤ : ٤.

(٥) الخلاف ٢ : ١٨مسألة ٢٦ كتاب الوصايا.

٥١

______________________________________________________

بمعارضته بقوله تعالى ( لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ ) (١) وبقوله عليه‌السلام : « على كل كبد حرى أجر » (٢) ، وبرواية محمد بن مسلم الآتية ، وينتقض بجواز هبة الذمي وإطعامه.

ووجه الثاني : عموم قوله عليه‌السلام : « على كل كبد حرى أجر » ، وضعفه ظاهر مما سنذكره إن شاء الله تعالى.

ووجه الثالث : ما ورد من الحث على صلة الرحم مطلقا.

ووجه الرابع : يستفاد مما ذكر ، لأن فيه جمعا بين الدلائل ، وهو أولى من الجمع بينها باشتراط كونه ذا رحم ، لأن مطابقته لقوله تعالى ( لا يَنْهاكُمُ اللهُ ) الآية إنما يتحقق بحيث يجري على ظاهره.

فإن قيل ينتقض ذلك بالنساء والصبيان من أهل الحرب ، فإنهم لم يقاتلوا ولا هم بصدد ذلك ، وعلى التخصيص بالذمي لا تجوز الوصية لهم.

قلنا : لا نسلم انهم لبسوا بصدد ذلك ، لأنهم من توابع أهل الحرب والممدين لهم.

فإن قيل : كيف جازت الهبة للحربي ولم تجز الوصية له.

قلنا : قد حقق المصنف في المختلف وجه الفرق : بأن ملك الحربي غير لازم ، وماله غير معصوم ، ولا يجب دفع ماله إليه بخلاف الذمي ، فلو جازت الوصية للحربي لكان إما أن يجب الدفع إليه إذا قيل وهو باطل ، أو لا وهو المراد من بطلان الوصية له ، لأنا لا نريد من الباطل في العقود إلاّ ما لا يترتب أثره عليه ، وأثر الوصية اتباع أمر الموصي (٣).

ويزيده بيانا ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليه‌السلام : في رجل أوصى‌

__________________

(١) الممتحنة : ٨.

(٢) عوالي اللآلي : ٩٥ حديث ٢ و ٣.

(٣) المختلف : ٥٠١.

٥٢

وتصح الوصية للأجنبي والوارث ، سواء أجاز بقية الورثة أو لا.

______________________________________________________

بماله في سبيل الله ، قال : « أعط لمن أوصى له وإن كان يهوديا أو نصرانيا ، فإن الله تعالى يقول ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١). وفيه إيماء إلى عدم صحة الوصية للحربي ، من حيث أنه عطف بأن الوصيلة ما إذا كان يهوديا أو نصرانيا ، ولو كان المعطوف عليه شاملا للحربي لكان المناسب أن يعطف بالفرد الأخفى ، وهو الحربي الوثني دون حربي أهل الكتاب ، فاقتصاره على اليهودي والنصراني يشعر بأنه يريد الذمي.

وأما المرتد ، فإن كان عن غير فطرة أو كان امرأة فلا مانع من الوصية له ، وإن كان عن فطرة وكان ذكرا لم يصح ، إلاّ إذا قلنا بأنه يملك الكسب المتجدد ، كما اختاره في الدروس (٢). وسيأتي إن شاء الله تعالى انا لا نقول به ، لأنه صار في نظر الشارع مقتولا بدليل خروج أمواله عنه.

قوله : ( وتصح الوصية للأجنبي والوارث ، سواء أجازت بقية الورّاث أو لا ).

المراد : أنه لا فرق بين الوصية للوارث وغيره في صحتها إذا كانت ثلثا فما دون ، ولا اعتبار بإجازة باقي الورثة بلا خلاف في ذلك عندنا. وقالت العامة : لا تصح الوصية للوارث (٣) ، وبعضهم جعل الحكم في الوصية له كالحكم فيما لو أوصى بزيادة على الثلث (٤).

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٤ حديث ٢ ، الفقيه ٤ : ١٤٨ حديث ٥١٤ ، التهذيب ٩ : ٢٠حديث ٨٠٤ ، الاستبصار ٤ : ١٢٨ حديث ٤٨٤.

(٢) الدروس : ٢٤٣.

(٣) المغني لابن قدامة ٦ : ٤٥٠ ، الشرح الكبير ( المطبوع مع المغني ) ٦ : ٤٦٢.

(٤) المغني لابن قدامة ٦ : ٤٥٠ ، الشرح الكبير ( المطبوع مع المغني ) ٦ : ٤٦٢.

٥٣

ولو اوصى لأم ولده فالأقرب أنها تعتق من الوصية لا من النصيب على رأي.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أوصى لأم ولده فالأقرب أنها تعتق من الوصية لا من النصيب على رأي ).

لا خلاف في أن وصية الإنسان لأم ولده صحيحة إلاّ أن الأصحاب مع اتفاقهم على صحتها اختلفوا في عتقها هل هو من الوصية أم من نصيب ولدها على أقوال أربعة :

الأول : عتقها من الوصية ، فإن ضاقت فالباقي من نصيب ولدها ، اختاره ابن إدريس (١) ، ونجم الدين في الشرائع (٢) ، والمصنف هنا وفي الإرشاد (٣) ، لتأخر الإرث عن الوصية والدين بمقتضى قوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (٤) ، وقد علم ضعفه مما سبق ، وان الآية لا دلالة لها على ذلك ، وإن دلت فإنما تدل على أن المتأخر هو استقرار الملك لا نفسه.

الثاني : أنها تعتق من نصيب ولدها وتأخذ الوصية ، واختاره الشيخ في النهاية (٥) ، ونجم الدين في النكت (٦) ، والمصنف في المختلف (٧) وهو الأصح ، لأن التركة تنتقل إلى الوارث من حين الموت ، فيستقر ملك ولدها على جزء منها ، فتعتق عليه وتستحق الوصية.

__________________

(١) السرائر : ٣٨٦.

(٢) الشرائع ٢ : ٢٥٤.

(٣) الإرشاد : ٤٥٨.

(٤) النساء : ١١.

(٥) النهاية : ٦١١.

(٦) نكت النهاية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧٠.

(٧) المختلف : ٥٠٦.

٥٤

______________________________________________________

فإن قيل : الوصية للمملوك لا تتوقف على القبول ، وحينئذ فيحكم بالعتق بحسب الوصية من حين الموت ، فلا يتحقق دخول أم الولد في ملك الولد ، إلاّ أن يفضل منها شي‌ء عن الوصية.

قلنا : ليس كذلك ، لأن تنفيذ الوصية موقوف على معرفة القيمة ووصول التركة إلى الوارث ، وملك الوارث لا يتوقف على شي‌ء.

وفيه نظر ، لإمكان القول بالانكشاف عن العتق بالتقويم وقبض الوارث التركة ، نعم يمكن أن يقال : إنّه لو لا الانعتاق من النصيب لزم التوزيع إذ لا مرجّح للوصية ، وهو باطل إجماعا.

وقد روى أبو عبيدة في الصحيح قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كانت له أم ولد له منها غلام ، فلما حضرته الوفاة أوصى لها بألفي درهم أو بأكثر ، للورثة أن يسترقوها؟ قال : فقال « لا ، بل تعتق من ثلث الميت وتعطى ما أوصى لها به » (١). قال المصنف في التذكرة والمختلف وغيره : وفي كتاب العباس (٢) : تعتق من نصيب ابنها وتعطى من ثلثه ما أوصى لها به (٣) ، وهذا الموجود في كتاب العباس نص في الباب (٤).

أقول : وهذا هو الجاري على الأصول ، لأن إعتاقها من ثلث الميت واعطاءها الوصية لا مخرج له ، على أنه لا اختلاف في المروي في إعطائها الوصية ، فيبقى‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٩ حديث ٤ ، التهذيب ٩ : ٢٢٤ حديث ٨٨٠.

(٢) هو العباس بن معروف ، كما قاله السيد محمد جواد العاملي في مفتاح الكرامة ٩ : ٤١٠. وقال النجاشي : العباس ابن معروف ، أبو الفضل ، مولى جعفر بن [ عمران بن ] عبد الله الأشعري ، قمي ، ثقة. له كتاب الآداب ، وله نوادر.

رجال النجاشي : ٢٨١.

(٣) ورد كلام العباس في ذيل صحيحة أبي عبيدة المروية في الكافي والتهذيب.

(٤) التذكرة ٢ : ٤٦٣ ، المختلف ٥٠٦.

٥٥

وإطلاق الوصية يقتضي التساوي في المتعدد ، فلو أوصى لأولاده وهم ذكور وإناث تساووا ، إلاّ أن يفضل ، وكذا لو اوصى لأعمامه وأخواله.

______________________________________________________

انعتاقها من نصيب الولد ثابتا بالدلائل القاطعة ، بل يكون شاهدا على ما في كتاب العباس.

الثالث : أنها تعتق من ثلث الميت ، اختاره محمد بن بابويه (١) ، لرواية أبي عبيدة السالفة (٢). وقد أسلفنا بيان ترجيح ما في كتاب العباس ، وحملت على كون نصيب ولدها مقدار الثلث ، وهو بعيد.

الرابع : أنها تعتق من الوصية أو نصيب الولد وتعطى بقية الوصية ، وهو قول ابن الجنيد حكاه المصنف (٣) وغيره عنه.

قوله : ( وإطلاق الوصية يقتضي التساوي في المتعدد ، فلو أوصى لأولاده وهم ذكور وإناث تساووا إلاّ أن يفضّل ، وكذا لو أوصى لأعمامه وأخواله ).

هذا هو الشهور بين متأخري الأصحاب ، لاستواء نسبة الوصية إليهم ، وانتفاء ما يدل على التفضيل في كلام الموصي فيجب الاستواء.

وقال الشيخ (٤) ، وابن البراج (٥) ، وابن الجنيد : للأعمام الثلثان وللأخوال الثلث (٦) ، وقد روى ذلك في الصحيح (٧) وغيره ، والعمل على الأول. والرواية منزّلة على ما إذا أوصى على كتاب الله تعالى. ومكاتبة سهل بن زياد في الوصية للأولاد : « انها‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١٦٠ حديث ٥٥٩.

(٢) الكافي ٧ : ٢٩ حديث ٤ ، التهذيب ٩ : ٢٢٤ حديث ٨٨٠.

(٣) المختلف : ٥٠٦.

(٤) النهاية : ٦١٤.

(٥) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٠٨.

(٦) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٠٨.

(٧) الكافي ٧ : ٤٥ حديث ٣ ، الفقيه ٤ : ١٥٤ حديث ٥٣٥ ، التهذيب ٩ : ٢١٤ حديث ٨٤٥.

٥٦

ولو قال : على كتاب الله فللذكر ضعف الأنثى ، وكذا الوقف.

ولو اوصى لقرابته فهو للمعروف بنسبه ، سواء كان ذكرا أو أنثى ، صغيرا أو كبيرا ، غنيا أو فقيرا ، من قبل أب انتسب إليه أو من قبل أم ، بعيدا كان أو قريبا بالسوية.

وقيل : لمن يتقرب إليه إلى آخر أب وأم له في الإسلام ، ومعناه الارتقاء إلى أبعد جد في الإسلام وإلى فروعه ، ولا يرتقي إلى آباء الشرك ، ولا يعطى الكافر ، وكذا لو قال : لقرابة فلان.

______________________________________________________

تكون بينهم على كتاب الله » (١) ضعيفة بسهل بن زياد ومهجورة.

قوله : ( ولو قال : على كتاب الله فللذكر ضعف الأنثى ).

لأن ذلك حكم الكتاب في الإرث ، والمتبادر من هذا اللفظ في الاستعمال هو هذا المعنى.

قوله : ( وكذا الوقف ).

المراد به التساوي في المتعدد مع الإطلاق ، واتباع التقييد بالتفضيل ولو بقوله على كتاب الله في أن للذكر ضعف الأنثى.

قوله : ( ولو أوصى لقرابته فهو للمعروف بنسبه ، ذكرا كان أو أنثى ، صغيرا أو كبيرا ، غنيا أو فقيرا ، من قبل أب انتسب إليه أو من قبل أم ، بعيدا كان أو قريبا بالسوية ، وقيل : لمن يتقرب إليه إلى آخر أب ، أو أم له في الإسلام ، ومعناه : الارتقاء إلى أبعد جد في الإسلام وإلى فروعه. ولا يرتقي إلى آباء الشرك ، ولا يعطى الكافر ، وكذا لو قال : لقرابة فلان ).

لا خلاف بين العلماء في صحة الوصية للقرابة ، إنما الخلاف في أن القرابة من هم؟

فقال الشيخ في المبسوط والخلاف : هم كل من يعرف في العادة بأنه من قرابته ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٥ حديث ، الفقيه ٤ : ١٥٥ حديث ٥٣٦ ، التهذيب ٩ : ٢١٤ حديث ٨٦٤.

٥٧

______________________________________________________

سواء كان وارثا أو غيره (١) ، واختاره ابن البراج (٢) ، وابن إدريس (٣) ، وأكثر المتأخرين ، وهو الأقوى ، إذ لا نص في ذلك فيجب ان يحكم فيه العرف.

وقال الشيخ في النهاية : هم جميع ذوي نسبه الراجعين إلى أخر أب وأم له في الإسلام (٤) ، ونقّحه المصنف بأن المراد به : من تقرّب إليه ولو بأبعد جد أو جدة بشرط كونهما مسلمين ، فالجد البعيد ومن كان من فروعه وإن بعدت مرتبته بالنسبة إليه معدود قرابة إذا كان الجد مسلما.

ووجه صدق اسم القرابة عليه لغة من حيث المشاركة في النسب ، وإنما اعتبر الإسلام لقوله عليه‌السلام : « قطع الإسلام أرحام الجاهلية » ، ويؤيده قوله تعالى لنوح( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ) (٥) ، فعلى هذا لا يرتقي إلى آباء الشرك ، ولا تعتبر القرابة بسببهم ، ولا يعطى الكافر.

وقال ابن الجنيد : هم من تقرّب من جهة الولد أو الوالدين ، قال : ولا أختار أن يتجاوز بالتفرقة ولد الأب الرابع ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتجاوز ذلك في تفرقة سهم ذوي القربى من الخمس (٦).

ولا دلالة في ذلك على أن ذوي القربى حقيقة في مستحق الخمس ، وإنما كان ذلك أمرا إرادة الله تعالى ، وفسره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بدليل ما روى أنه لما نزل‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٤٠ ، الخلاف ٢ : كتاب الوصايا مسألة ٢٤.

(٢) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٠٣.

(٣) السرائر : ٣٨٣.

(٤) النهاية : ٦١٤.

(٥) هود : ٤٦.

(٦) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٠٣.

٥٨

ولو قال : لقرابة النبي عليه‌السلام فهو لأولاد عبد المطلب وأولاد هاشم ، دون بني عبد شمس وبني نوفل ، والأقرب دخول بني المطلب هنا.

______________________________________________________

قوله تعالى ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) ، قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : « علي وفاطمة عليهما‌السلام وابناهما » (٢) ، ذكره صاحب الكشاف وغيره.

وهذا معنى آخر للقرابة بالنسبة إليه عليه‌السلام سوى الأول ، وهو قاض بأن للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القرابة معنى خاصا به ، للقطع بأن القرابة في حق غيره لا تقتصر فيها على إحدى بناته وأولادها وبعلها الذي هو من شجرته ، فالمرجع حينئذ إلى العرف ، ومثل ما قلناه فيما لو أوصى لقرابته يجي‌ء فيما لو أوصى لقرابة غيره بغير تفاوت.

قوله : ( ولو قال : لقرابة النبي فهو لأولاد عبد المطلب وأولاد هاشم ، دون بني عبد شمس وبني نوفل ، والأقرب دخول بني المطلب هنا ).

لا ريب في دخول أولاد عبد المطلب وأولاد هاشم في قرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا أوصى لقرابته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفع إليهم دون بني عبد شمس وبني نوفل ، والأقرب عنده دخول بني المطلب في ذلك لقوله عليه‌السلام : « نحن وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام » (٣). فجعل بني هاشم وبني المطلب كالجماعة الواحدة والقبيلة المنفردة بقوله : ( لم نفترق ) ، إذ ليس المراد الافتراق المكاني ، فكان لهم حكم بني هاشم في تناول لفظ القرابة لهم ، فكل ما جرى على هذا اللفظ من الأحكام الشرعية جرى عليهم.

__________________

(١) الشورى : ٢٣.

(٢) الكشاف ٣ : ٤٦٧.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٣١.

٥٩

ولو اوصى لأقرب الناس إليه ، أو لأقرب أقاربه ينزل على مراتب‌

______________________________________________________

فإن قيل : فعلى هذا يلزم استحقاقهم الخمس ولا يقولون به ، وقد نبّه المصنف عليه بقوله : ( هنا ).

قلنا : مستحق الخمس لم يستفده من لفظ القرابة ، وإنما هو معلوم من قول الشارع وفعله ، بخلاف الوصية الجارية على لفظ القرابة.

ولقائل أن يقول : إنّ الله تعالى جعل الخمس لذي القربى ، والأصل في الاستعمال الحقيقة ، فاللازم أحد الأمرين : إما دخول بني المطلب في مستحقي الخمس ، أو خروجهم من ذوي القربى ، ولما انتفى الأول تعيّن الثاني ، إذ ليس في الشرع ما ينافيه.

والمتبادر من قوله عليه‌السلام : « نحن وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام » (١) عدم الافتراق في المناصرة والمعاضدة بقرينة ذكر الجاهلية ، فإنه لم يكن هناك اجزاء للإسلام عليهم. وأيضا فإن : ( لم نفترق ) للماضي ، وهو غير دال على عدم الافتراق في المستقبل ليدل على محل النزاع.

والذي أورده المصنف في التذكرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطى بني المطلب مع بني هاشم ، وعلل عطيتهم بأنهم لم يفارقوا بني هاشم في جاهلية ولا إسلام (٢) ، وهو ظاهر فيما قلناه.

وهذا كله بناء على أن المراد بـ ( ذي القربى ) في الآية مستحق الخمس من أقرباؤه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأما على ما رواه أصحابنا من أن المراد بذي القربى هو الإمام عليه‌السلام فلا يتجه ذلك ، فعلى هذا دخول بني المطلب في ذلك محل تأمل.

قوله : ( ولو أوصى لأقرب الناس إليه ، أو لأقرب أقاربه نزّل على‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٣١.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٧٥.

٦٠