جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦١

فأما ان قرأه الشاهد مع نفسه فقال له الموصي : قد عرفت ما فيه فاشهد عليّ به فالأقرب القبول ، وكذا البحث في المقر.

وإذا ردّ الوصية رجع المال إلى التركة ،

______________________________________________________

قوله : ( فأما إن قرأه الشاهد مع نفسه فقال له الموصي : قد عرفت ما فيه فاشهد عليّ به فالأقرب القبول ).

يجوز في تاء ( عرفت ) الفتح والضم على ارادة الموصي نفسه أو الشاهد ، ولعل الضم أولى ليكون إخبارا عن علمه بما في الكتاب وانه ليس بمبهم عنده ، فإنّ شرط الإشهاد كون المقر عالما بما أقربه.

ووجه القرب : أن ذلك جار في الصراحة مجرى ما لو أخبرهم به تفصيلا ، لأن الدلالة على الأمور المتعددة إجمالا كافية كالدلالة عليها تفصيلا. ويحتمل العدم ، لبقاء الإبهام مع الإجمال ، وهو ممنوع ، وما قرّبه المصنف أقرب.

قوله : ( وكذا البحث في المقر ).

أي : الحكم في المقر بكتاب الإقرار كالحكم في المقر بكتاب الوصية ، فإن أقر بما فيه من غير أن يعلم الشهود بما فيه لم يجز ولم يعد بذلك مقرا. وإن قال : قد عرفت ما فيه فاشهدوا عليّ به ، وقد قرأه الشاهد وعلم ما فيه ، فإنه يكفي ذلك في الشهادة على إقراره على الأقرب.

قوله : ( وإذا ردّ الوصية رجع المال إلى التركة ).

إذا وقع الرد بعد الموت وقبل القبول من الموصى له ، أو من يقوم مقامه بطلت الوصية ، وكان الموصى به معدودا من جملة التركة يصرف في مصارفها.

ولا يخفى أن في قوله : ( رجع ) توسعا ، لأنه لم يخرج عن التركة بمجرد الوصية والموت ليعود إليها وإن قلنا إنّ القبول كاشف عن الملك بالموت ، لأن الرد على هذا القول كاشف عن عدمه. نعم على القول بأن الموصى له يملك بالموت ملكا غير ثابت فيستقر بالقبول ، وينتقل بالرد إلى الورثة يستقيم ذلك ، إلاّ انه قول غير مرضي ،

٢١

فإن عيّن بالرد واحدا وقصد تخصيصه بالمردود لم يكن له ذلك.

أما لو ردّه في موضع يمتنع فيه الرد ، فإن له تخصيص من شاء هبة ، ويحصل الرد بقوله : رددت الوصية ، أولا اقبلها ، وما ادى معناه.

______________________________________________________

والمصنف ارتكب التوسع في ذلك ليس إلاّ.

قوله : ( فإن عيّن بالرد واحدا وقصد تخصيصه بالمردود لم يكن له ذلك ، أما لو ردّ في موضع يمتنع فيه الرد فإن له تخصيص من شاء هبة ).

أي : حيث كان رد الوصية يقتضي رجوع المال إلى التركة ، فإن عيّن الموصى له بالرد واحدا من الورثة ، قاصدا بذلك تخصيصه بالمردود لم يكن له ذلك وكان للجميع ، لأن ردّه امتناع من تملكه فيبقى على ما كان عليه.

ولأنه لا يملك دفعه إلى الأجنبي ، فلم يملك دفعه إلى وارث يخصه به ، بخلاف ما لو ردّ في موضع يمتنع فيه الرد ، لاستقرار ملكه عليه ، فإن له أن يخص به من شاء من الورثة وغيرهم ، لأنه ابتداء هبة وتمليك.

فلو قال : رددت هذه الوصية لفلان سئل عن مراده ، فإن قال : أردت تمليكه إياها فهي له هبة إن قبلها ، وان قال : أردت ردّها على جميع الورثة لرضى فلان فهي هبة للجميع إن قبلوا ، وإلاّ فإن قبل واحد فله حصته.

قوله : ( ويحصل الرد بقوله : رددت الوصية ، أو لا أقبلها ، أو ما أدى معناه ).

مقتضى ذلك أن قصد الرد غير كاف في حصوله ، وهو صحيح ، كما أن إرادة القبول لا تكفي عنه. وكما أن إرادة الوصية لا تعدّ وصية. ووجهه : أن الأسباب من عقود وإيقاعات وفسوخ بوضع الشارع وتعيينه ، فلا بد لها من عبارة متواضع عليها يستدل بها على المراد.

٢٢

ولو كانت الوصية لغير معيّن كفى في التمليك الإيجاب والموت ، ولا يتوقف على القبول ، كمن أوصى للفقراء ، وكذا لو أوصى للمصالح كعمارة مسجد.

وهل القبول كاشف عن انتقال الملك إلى الموصى له بعد الموت ، أو سبب؟ فيه إشكال ينشأ : من انتقال الملك عن الميت ، وعدم دخوله في ملك الورثة ، لقوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ ) ، فلو لم ينتقل إلى الموصى له بقي بغير مالك. ومن كون القبول إما جزء من السبب أو شرطا ـ كقبول البيع‌

______________________________________________________

قوله : ( ولو كانت الوصية لغير معيّن كفى في التمليك الإيجاب والموت ، ولا يتوقف على القبول ، كمن أوصى للفقراء ، وكذا لو أوصى للمصالح كعمارة مسجد ).

وذلك لأن القبول هنا متعذّر إن اعتبر من الجميع ، وليست الوصية للبعض فيكتفى بقبوله.

وقد سبق في الوقف قول بقبول الحاكم عنهم وعن المسجد ولم يذكروا مثله هنا ، ولعله لكون مجال الوصية أوسع ، إذ لا يقدح فيها عدم التنجيز ، ولا يشترط صراحة الإيجاب ، ولا وقوعه بالعربية مع القدرة ، ولا فورية القبول ، فلم يستهجن عدم اشتراط القبول في الموضع المذكور.

قوله : ( وهل القبول كاشف عن انتقال الملك إلى الموصى له بعد الموت ، أو سبب؟ فيه إشكال : ينشأ : من انتفاء الملك عن الميت ، وعدم دخوله في ملك الورثة ، لقوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ ) ، فلو لم ينتقل إلى الموصى له بقي بغير مالك.

ومن كون القبول إما جزءا من السبب أو شرطا كقبول البيع ،

٢٣

وانتفاء الملك عن الميت ـ ممنوع ، كما لو قتل ، وكالمديون ، وكما لو نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته ، والآية يراد بها من بعد وصية مقبولة والأول أقرب.

وتمنع سببية القبول ، بل هو كاشف عن صحة الوصية وفسادها ، والمقتول والمديون لا يملكان ، لكن الدين يتعلق بالتركة ، والدية تعلق الرهن ، والصيد لا يملكه الميت ،

______________________________________________________

وانتفاء الملك عن الميت ممنوع كما لو قتل ، وكالمديون ، وكما لو نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته. والآية يراد بها : من بعد وصية مقبولة ، والأول أقرب.

ونمنع سببية القبول بل هو كاشف عن صحة الوصية وفسادها ، والمقتول والمديون لا يملكان ، لكن الدين متعلّق بالتركة ، والدية تعلق الرهن ، والصيد لا يملكه الميت ).

اختلف الأصحاب فيما به يملك الموصى له الوصية على أقوال ثلاثة :

الأول : انه بالقبول يتبين دخوله في ملك الموصى له من حين موت الموصي ، وبالرد يتبين دخوله في ملك الوارث حينئذ ، ويعبّر عنه بكون القبول كاشفا ، وهو اختيار الشيخ في بعض كتبه (١) ، وابن الجنيد (٢) ، والمصنف هنا وفي التذكرة (٣).

الثاني : أن الملك ينتقل إلى الموصى له بالقبول ، فيكون إما جزء السبب ، أو شرطا ، وهو اختيار الشيخ في كتاب الفطرة من الخلاف (٤) ، وابن إدريس (٥) ، والمصنف في المختلف (٦).

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٣٣.

(٢) نقله عنه العلاّمة في التذكرة ٢ : ٤٥٤.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٥٤.

(٤) الخلاف : ٢١٣ مسألة ٢٥ كتاب زكاة الفطرة.

(٥) السرائر : ٣٨٧.

(٦) المختلف : ٥٠٠.

٢٤

______________________________________________________

الثالث : أنه ينتقل بالوفاة ملكا غير مستقر ، وبالقبول يتحقق استقراره ويزول بالرد ، وهو قول الشيخ في موضع من الخلاف (١) ، وحكاه في المبسوط وضعّفه (٢) ، واختاره المصنف في أول المبحث من التذكرة (٣) ، ثم في آخره نفى البأس عن القول الأول (٤). ولا ريب في ضعفه ، لأنه يقتضي ثبوت الملك للموصى له على وجه قهري كالإرث ، وهو على خلاف الأصل.

وأيضا فإنه لو صح ذلك لم يحتج إلى قبول وارث الموصى له لو مات بعد الموصي وقبل القبول والرد ، وظاهرهم الإطباق على اعتبار قبول الوارث وردّه. وفيه نظر ، فإن لقائل أن يقول : ينتقل الملك إليه غير مستقر كانتقاله إلى مورثه ، ولضعف هذا القول لم يلتفت إليه المصنف هنا ، وجعل الاشكال باعتبار القولين الآخرين.

ووجه الأول : أنه لولاه لزم بقاء الملك بغير مالك واللازم باطل اتفاقا ، بيان الملازمة : أن المالك هنا منحصر في الميت والموصى له والوارث ، والحصر هنا إجماعي.

أما الميت فيمتنع ملكه ، لأنه بالموت يخرج عن أهلية الملك ويصير كسائر الجمادات وتنتقل أمواله عنه ، ولهذا لا تتعلق به أحكام المالكين. وكذا الوارث ، لظاهر قوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (٥) ، ولو كان للقبول دخل في حصول الملك للموصى له لكان المعتبر بعديته في ملك الوارث هو الوصية المقبولة لا مطلقا ، فإذا انتفى الملك عنهما ولم يثبت للموصى له لزم المحذور ، وهو بقاء الملك بغير مالك.

__________________

(١) الخلاف : ٢١٣ مسألة ٢٦ كتاب الوصايا.

(٢) المبسوط ٤ : ٣٣.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٥٤.

(٤) التذكرة ٢ : ٤٥٥.

(٥) النساء : ١١.

٢٥

______________________________________________________

ووجه الثاني : أن القبول معتبر في حصول الملك ، فهو إما جزء السبب أو شرطه كقبول البيع فيمتنع تقدّم الملك عليه ، ولأن الموصى له لو ردّ الوصية بطلت ، ولو كان قد ملك لم يزل الملك بالرد ، ولأن الملك الثابت في الحال لا يجوز تعليقه بشرط مستقبل ، لامتناع تقدّم المشروط على شرطه.

واعترض على الأول بمنع انتفاء الملك عن الميت ، فجاز أن يبقى على ملكه ، كما جاز أن يتجدّد له الملك لو مات قتلا ، ووجبت الدية فإنها تدخل في ملكه وتؤدى منها ديونه ووصاياه ، وكما لو نصب شبكة حيا فوقع فيها صيد بعد موته ، وكما لو كان على الميت دين فإن ما يجب صرفه في الدين من التركة باق على ملكه ، وكذا ما يحتاج إليه من مؤنة تجهيزه ودفنه.

ولا دلالة في الآية على انتفاء الملك عن الوارث في الوصية ، لأن المراد : من بعد وصية مقبولة ، بدليل أنه مع عدم القبول يكون الملك للوارث لا محالة ، أو أن المراد من قوله تعالى ( وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ ) (١) ، أي لكم ذلك مستقرا ، بدليل أن الدين لا يمنع ثبوت الملك للوارث مع أنه أقوى من الوصية ، على أن الآية إنما تدل على عدم ملك الوارث قبل الوصية والدين بمفهوم المخالفة ، وهو ضعيف ، ومن ثمّ يملك الوارث النماء.

وجوابه : إنّا قد بيّنا أن الموت سبب في انتقال الملك عن الميت وخروجه عن الأهلية ، وتعلق الدين والوصايا بدية المقتول لا يستلزم كونها مملوكة له ، إذ يكفي في ذلك تسببها عنه فيثبت التعلق وإن كانت مملوكة للوارث ، وليس في النصوص ما يدل على ثبوت الملك له ، وليس هذا بأعجب من تعلّق الدين بمال الغير إذا رهن.

وتعلق الدين بالتركة لا يقتضي كونها مملوكة للميت ، لعدم المنافاة بين تملك الوارث إياها وتعلقه بها ، وكذا مؤن التجهيز والدفن ، ولهذا لو فقد الميت أو بذل ذلك‌

__________________

(١) النساء : ١٢.

٢٦

فعلى الأول النماء المتجدد بين الموت والقبول للموصى له ، وللورثة على الثاني.

______________________________________________________

باذل كان الجميع ملك للوارث ، ولو خرج عنه لم يعد إليه إلاّ بسبب. والصيد إنما يملكه الوارث دون الميت لقيامه مقامه ، فكان كما لو نصب الشبكة هو بنفسه.

وعدم دلالة الآية على انتفاء الملك في الوصية عن الوارث لا يقدح ، لثبوت انتفائه بدليل آخر ، وهو انه لو ملك لكان تلقّي الموصى له الملك عنه لا عن الموصي ، وهو يقتضي خروج الملك عن المالك لا بسبب من قبله بل على وجه القهر ، حتى لو أراد خلافه لم تؤثر إرادته شيئا ، وذلك على خلاف الأصل ، فعلى هذا القول بات القبول كاشف قريب.

ويؤيده أن مدخلية القبول في حصول الملك منتفية بالأصل ، واعتباره فيه يكفي فيه كونه كاشفا. وللوصية حكم منفرد عن البيع وسائر العقود ، فلا يبعد مخالفتها في حكم القبول. وبطلان الوصية بالرد لا يستلزم كون القبول سببا أو شرطا لجواز كونه كاشفا عن الملك ، والرد كاشف عن عدمه.

وعلى تقدير كونه كاشفا فليس الملك الثابت في الحال معلّقا بشرط مستقبل ، بل انكشاف الحال عندنا هو المشروط. ولا يخفى أن المصنف رحمه‌الله حكى دليل الجانبين ، وأورد المنع على كل منهما ، ولم يبيّن صحة واحد منهما.

قوله : ( فعلى الأول النماء المتجدد بين الموت والقبول للموصى له ، وللورثة على الثاني ).

لما فرغ المصنف من دليل القولين شرع في ذكر المسائل المتفرعة عليهما ، فمن ذلك حكم النماء المتجدد بين الموت والقبول.

فعلى الأول ـ وهو القول بأن القبول كاشف ـ يكون النماء للموصى له ، لأن القبول كشف عن أن الموصى له ملك بموت الموصي.

وعلى الثاني ـ وهو القول بأن القبول سبب أو شرط ـ يكون للورثة ، فإن‌

٢٧

ولو أوصى له بزوجته فأولدها بعد الموت وقبل القبول فالولد حر وامه أم ولد على الأول ، وعلى الثاني الولد رق للورثة.

ولو مات الموصى له قبل القبول والرد ، فإن قبل وارثه ملك الجارية والولد وعتق عليه إن كان ممن ينعتق عليه على الثاني على قول الشيخ رحمه‌الله ، وتكون الجارية أم ولد ويرث الولد أباه ويحجب القابل إن كان أخا على الأول ولا دور باعتبار ان توريثه يمنع كون القابل وارثا فيبطل قبوله فيودي توريثه الى عدمه لأنا نعتبر من هو وارث حال القبول لولاه كالإقرار ولا يرث على الثاني ولا تصير امه أم ولد.

______________________________________________________

الموصى به إما مملوك لهم أو للميت ، وكيف كان فالنماء لهم.

قوله : ( ولو أوصى له بزوجته فأولدها بعد الموت وقبل القبول فالولد حر وامه أم ولد على الأول ، وعلى الثاني الولد رق للورثة ).

هذا من المسائل المتفرعة أيضا ، وتحقيقه : أنه إذا أوصى مالك الأمة المزوّجة بها لزوجها فأولدها الزوج بعد الموت وقبل القبول ، وكان الولد مشروطا رقه لمولى الأمة ، فعلى القول بأن القبول كاشف ـ وهو الأول ـ يتبين بالقبول أنه ملك بالموت ، وأن علوقها بالولد ثبت في ملكه فيكون الولد حرا فتكون الأمة أم ولد. وعلى الثاني يملكها من حين القبول ، فيكون الولد رقا للورثة ولا استيلاد.

قوله : ( ولو مات الموصى له قبل القبول والرد ، فإن قبل وارثه ملك الجارية والولد ، وعتق عليه إن كان ممن ينعتق عليه على الثاني على قول الشيخ رحمه‌الله تعالى ، وتكون الجارية أم ولد ، ويرث الولد أباه ، ويحجب القابل إن كان أخا على الأول ).

المراد : انه في المسألة السابقة ـ وهي ما إذا أوصى له بزوجته فأولدها ـ حيث يكون الولد رقا لو مات الموصى له قبل القبول والرد ، فإن قبل الوارث ملك الجارية‌

٢٨

______________________________________________________

والولد ، وعتق عليه إن كان ممن ينعتق عليه كما لو كان أنثى والوارث ابن أو أخ ، ويستقر ملكه على الجارية ولا تكون أم ولد له على القول الثاني وهو أن القبول سبب. ولو كان الوارث ابنا عتقت عليه امه أيضا ، وعبارة المصنف خالية من ذلك.

ولا يخفى أن هذا الحكم إنما يستقيم على قول الشيخ : من أن الحمل كالجزء من الام يدخل في بيعها والوصية بها ، أما على القول الآخر ـ وهو الأصح ـ فإنه يكون مملوكا للوارث بناء على القول بأن القبول سبب ، وعلى القول بأنه كاشف ـ وهو القول الأول ـ فالولد حر والجارية أم ولد ويرث الولد أباه ، لأنه قد تبيّن علوقها به في الملك ، ويحجب القابل إن كان أخا ونحوه.

فإن قيل : يلزم من إرث الولد أباه الدور المتعارف عند الفقهاء ، وهو استلزام ثبوت الشي‌ء نفيه ، وذلك لأنه يلزم من توريثه كون القابل غير وارث فيبطل قبوله ، فلا يكون الولد حرا فلا يرث ، وكل ما أدى فرض ثبوته إلى نفيه وجب الحكم بنفيه.

قلنا : لا دور ، لأنّا نعتبر قبول من هو وارث حال القبول ، ولا وارث سواه لو لا القبول ، ولا عبرة بما يتجدد بعد ذلك. كما انا نعتبر في الإقرار بالنسب صدوره ممن هو وارث حين الإقرار ونحكم بتوريثه ، وحجبه المقر لو كان أولى ، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله : ( ولا دور باعتبار أن توريثه يمنع كون القابل وارثا فيبطل قبوله فيؤدي توريثه إلى عدمه ، لأنّا نعتبر من هو وارث حال القبول لولاه كالإقرار ).

ولا يخفى أن الجار في قوله : ( باعتبار ) متعلّق بمحذوف هو مقدّر بقولنا : كائن ، أو ثابت ، ونحوهما. وفي قوله ( لأنّا نعتبر ) بما يدل عليه قوله : ( ولا دور ) وهو نفي لزومه. وقوله : ( ولا يرث على الثاني ولا تصير امه أم ولد ) كان حقه أن يكون بعد قوله : ( على قول الشيخ ) وقبل قوله : ( وتكون الجارية أم ولد ) ، لأنه من فروع ذلك القول في هذه المسألة ، فكان حقه أن يكون مذكورا في جملتها.

٢٩

ولو أوصى له بأبيه فمات فقبل ابنه ، فعلى الأول تثبت حريته من حين الموت فيرث السدس ، ولا دور من حيث أنه لو ورث لاعتبر قبوله.

ولا يجوز اعتبار قبوله قبل الحكم بحريته.

وإذا لم يعتبر لم يعتق ، فيؤدي توريثه إلى إبطال توريثه ، لأنه أقر جميع الورثة ـ وهم ابن الابن ـ بمشارك ، فيثبت نسبه ويرث. وعلى الثاني يعتق الجد على ابن الابن ولا يرث.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أوصى له بأبيه فمات فقبل ابنه ، فعلى الأول تثبت حريته من حين الموت فيرث السدس ، ولا دور من حيث أنه لو ورث لاعتبر قبوله ، ولا يجوز اعتبار قبوله قبل الحكم بحريته ، وإذا لم يعتبر لم يعتق فيؤدي توريثه إلى إبطال توريثه ، لأنه أقر جميع الورثة ـ وهم ابن الابن ـ بمشارك فيثبت نسبه ويرث ، وعلى الثاني يعتق الجد على ابن الابن ولا يرث ).

هذا أيضا من المسائل المتفرعة على القولين ، وتحقيق القول فيها : انه إذا أوصى لشخص بأبيه المملوك للموصي ، فمات الموصى له بعد الموصي وكان له ابن فقبل الوصية ، فعلى الأول ـ وهو أن القبول كاشف ـ تثبت حرية الأب من حين الموت ، أي : موت الموصي فيرث السدس لتحقق موت الموصى له عن أب وابن ولا يرد لزوم الدور من حيث لو ورث لاعتبر قبوله في الوصية ، لأن المعتبر قبول جميع الورثة ، واعتبار قبوله حينئذ ممتنع ، لأنه إذا ذاك رقيق فلا يحكم بعتقه ، لتوقفه على قبول جميع الورثة ، وهو ممتنع بالنسبة إليه فيلزم عدم توريثه ، فيكون توريثه مؤديا إلى إبطال توريثه ، وما هذا شأنه وجب أن يكون باطلا فيحكم ببطلان توريثه.

ووجه عدم لزوم الدور : أن المعتبر قبول جميع الورثة حين القبول ، وقد تحقق الانحصار في ابن الابن ، فكان كما لو أقر ابن الابن بأب ، فإن الوارث حين الإقرار منحصر فيه فيثبت الإرث بإقراره.

٣٠

ولو كان على الموصى له دين فقبل وارثه قضي منه الديون والوصايا ، ويعتق من ينعتق عليه على الأول دون الثاني.

ولو وطأ الوارث قبل القبول فعليه المهر ، ولا تصير أم ولد لو أحبلها على الأول دون الثاني.

______________________________________________________

وعلى الثاني ـ وهو القول بأن القبول سبب ـ يعتق الجد على ابن الابن ، لدخوله في ملكه بالقبول ، ولا يرث لسبق استحقاق الابن تركة أبيه على عتق الأب.

واعلم أن عبارة المصنف لا تخلو من مناقشة ، فإنّ ذكر الإقرار في قوله : ( لأنه أقر جميع الورثة ) لا موضع له ، لأن المسألة مفروضة في قبول الوصية لا في الإقرار ، إلاّ أن يريد محاذاتها بمسألة الإقرار ، وفيه تكلّف لا يخفى. وكذا قوله : ( فيثبت نسبه ) فإن نسبه لا يثبت بمجرد إقراره ، إلاّ أن يحمل على أن المراد ثبوته في حقه.

قوله : ( ولو كان على الموصى له دين وقبل وارثه قضى منه الدين والوصايا ، ويعتق من يعتق عليه على الأول دون الثاني ).

هذا أيضا من المسائل المتفرعة على القولين ، وتحقيقها : أنه لو كان على الموصى له دين ، أو كان له وصايا ومات بعد موت الموصي وقبل القبول فقبل وارثه ، فعلى القول بأن القبول كاشف يقضى من الموصى به دين الموصى له وينفذ وصاياه ، ولو كان في الموصى به من ينعتق على الموصى له خاصة كابنه والوارث ابن آخر عتق.

وعلى القول بأن القبول جزء السبب يستقر ملك الوارث على الموصى به ، ولا يقضى الدين منه ، ولا ينفذ منه الوصايا ، ولا يحكم بالعتق ، لعدم دخوله في ملك الموصى له.

قوله : ( ولو وطأ الوارث قبل القبول فعليه المهر ، ولا تصير أم ولد لو أحبلها على الأول دون الثاني ).

هذا أيضا من الفروع ، وبيانه : أنه لو وطأ وارث الموصي الجارية الموصى بها بعد موت الموصى وقبل قبول الموصى له : فعلى القبول بأن القبول كاشف يجب عليه‌

٣١

وزكاة الفطرة على الموصى له لو تخلّل الهلال الموت ، والقبول على الأول دون الثاني.

______________________________________________________

المهر ، لأنه وطأ شبهة ، ولا تصير أم ولد ، لأنه قد تبيّن دخولها في ملك الموصى له من حين الموت. وعلى القول الآخر تصير أم ولد لعلوقها منه في ملكه ولا مهر عليه ، لكن تقوّم عليه عند القبول.

وقد أطلق المصنف هنا وفي التذكرة صيرورتها أم ولد على القول الثاني (١) ، وهو إنما يتم إذا قلنا بأن الموصى به ينتقل بالموت إلى الوارث وبالقبول إلى الموصى له ، أما إذا قلنا بأن الموصى به قبل القبول باق على ملك الميت فيشكل الحكم بذلك.

قوله : ( وزكاة الفطرة على الموصى له لو تخلل الهلال الموت والقبول على الأول دون الثاني ).

هذا أيضا من الفروع ، وبيانه : أنه لو كان الموصى به عبدا ، ومات الموصي قبل هلال شوال وقبل الموصى له بعده ، فعلى القول بأن القبول كاشف تجب الفطرة على الموصى له ، لأنه قد تبيّن كونه مملوكا له عند الهلال ، لأنه دخل في ملكه بالموت ، وعلى القول الآخر لا تجب عليه ، لأنه لم يكن مالكا عند الهلال.

فعلى هذا هل تجب على الوارث أم تسقط؟ فيه وجهان مبنيان على أن الموصى به قبل القبول ـ بناء على أن القبول سبب ـ هل هو ملك للميت أم للوارث؟ فعلى الثاني يتفرع الوجوب ، وعلى الأول السقوط.

ويحتمل ـ على القول بأن القبول كاشف ـ السقوط أيضا ، لامتناع تكليف الغافل ، لعدم تعيين المالك وقت الوجوب لاحتمال حصول القبول فيكون هو الموصى له ، والرد ، فيكون هو الوارث ، خصوصا إذا لم يتبيّن الحال إلاّ بعد خروج وقت الأداء.

ولقائل أن يقول : إنّ عدم العلم بالمالك وقت الوجوب لا يقتضي السقوط‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٥٦.

٣٢

المطلب الثاني : في الموصي : ويشترط فيه البلوغ ، والعقل ، والحرية.

فلا تنفذ وصية الصبي وإن كان مميزا في المعروف ، وغيره على رأي ،

______________________________________________________

أصلا ، ولا يستلزم تكليف الغافل ، إذ الكلام في الوجوب إنما هو بعد وضوح الأمر وتبيّن المالك بعينه بالقبول والرد ، كما لو ولد له قبل الهلال ولم يعلم إلاّ بعده ، أو مات مورّثه كذلك فملك عبده ، أو ملكه كذلك بشراء وكيله ونحوه ، ولم يعلم بالحال إلاّ بعد وقت الوجوب ، فإن القول بعدم الوجوب في هذه المواضع بعيد ، فحينئذ اتجه الوجوب على الموصى له على الأول وعلى الوارث على الثاني ، لأن الميت ليس مالكا. وهذا كله إذا لم يعله أحدهما بأن كان يأكل من كسبه ، أما مع العيلولة فإن الفطرة على العائل.

واعلم أن القول في نفقة العبد الموصى به ومؤنته بعد الموت كالقول في فطرته على ما ذكره المصنف في التذكرة ، قال : وإذا توقف الموصى له في القبول والرد ألزم النفقة ، فإن أراد الخلاص رد ، قال : ويحتمل إلزام الوارث إن قلنا انه يملك بالقبول خاصة بعد الموت (١).

قوله : ( المطلب الثاني : في الموصي : ويشترط فيه البلوغ والعقل والحرية ، فلا تنفذ وصية الصبي وإن كان مميزا في المعروف وغيره على رأي ).

قال الشيخ : تصح وصية من بلغ عشرا في المعروف وهبته وعتقه بشرط وضعه الأشياء في مواضعها (٢) ، وتبعه ابن البراج (٣). وجوّز المفيد الوصية والعتق ومنع الهبة ، ولم يصرح باشتراط وضع الأشياء في مواضعها (٤) ، وتبعه سلار (٥).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٥٥.

(٢) النهاية : ٦١١.

(٣) المهذّب ٢ : ١١٩.

(٤) المقنعة : ١٠١.

(٥) المراسم : ٢٠٣.

٣٣

ولا وصية المجنون مطلقا ، ولا السكران.

ولو جرح الموصي نفسه بما فيه هلاكها ثم أوصى لم تقبل.

ولو قيل بالقبول مع تيقّن رشده بعد الجرح كان وجها ، وتحمل الرواية على عدم استقرار الحياة على اشكال.

______________________________________________________

والحاصل أن المشهور بين الأصحاب تجويز تصرف الصبي في المعروف وإن اختلفوا في تعيين ذلك وشروطه ، ومنعه ابن إدريس مطلقا (١) ، والمصنف منعه تارة وجوّزه اخرى. والروايات الدالة على الجواز كثيرة ، مثل رواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : « إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز له في ماله ما أعتق ، أو تصدق ، أو أوصى على حد معروف وحق فهو جائز » (٢) ، وغير ذلك من الأخبار الصحيحة والمناسب لأصول المذهب وطريقة الاحتياط ، القول بعدم الجواز.

قوله : ( ولا وصية المجنون مطلقا ).

أي : في المعروف وغيره ، لرفع القلم عنه ، ومثله المغمى عليه والسكران.

قوله : ( ولو جرح الموصي نفسه بما فيه هلاكها ثم أوصى لم يقبل ، ولو قيل بالقبول مع تيقن رشده بعد الجرح كان وجها ، وتحمل الرواية على عدم استقرار الحياة على اشكال ).

المشهور بين الأصحاب أن من جرح نفسه بما فيه هلاكها ثم أوصى لا تقبل وصيته ، وجوّز ابن إدريس وصيته إذا كان عقله ثابتا (٣).

وجه الأول : انه سفيه فلا ينفذ تصرفه في المال ، أما انه سفيه ، فلأن إتلاف المال وإفساده يقتضي السفه ، فإتلاف النفس أولى. وأما ان السفيه لا ينفذ تصرفه فسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى ، ولقول الصادق عليه‌السلام في رواية أبي ولاّد : « فإن كان‌

__________________

(١) السرائر : ٣٨٨.

(٢) الكافي ٧ : ٢٨ حديث ١.

(٣) السرائر : ٣٨٦.

٣٤

______________________________________________________

أوصى بوصية بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعله يموت لم تجز وصيته » (١). وروى أبو ولاّد عنه عليه‌السلام : « انه إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثا في نفسه من جراحة أو قتل أجيزت وصيته في ثلثه » (٢).

احتج ابن إدريس بأنه عاقل رشيد فتنفذ وصيته كغيره ، وبعموم النهي عن تبديل الوصية (٣) ، والمصنف رحمه‌الله في المختلف نفي البأس عن قول ابن إدريس (٤) ، ويظهر من كلامه هنا الميل إليه حيث قال : ( ولو قيل بالقبول مع تيقن رشده كان وجها ).

وأجاب عن الاحتجاج بالرواية بحملها على عدم استقرار الحياة ، ومقتضاه أن المريض إذا صار غير مستقر الحياة لا تنفذ وصيته على اشكال في الحمل المذكور ينشأ : من أنه مع كونه خلاف الظاهر فقد يقال : إنه غير صحيح في نفسه ، لأنه حي بالغ رشيد فتتناول وصيته الأدلة الدالة على وجوب تنفيذ الوصية ، من غير فرق بين وصية مستقر الحياة وغيره ، والتخصيص يحتاج إلى دليل.

ومن أن من بلغ هذه الحالة صار في حكم الميت ، فلا تجري عليه الأحكام الجارية على مستقر الحياة ، ومن ثمّ لم يحتج إلى تذكية الصيد إذ أزال جرحه استقرار حياته.

ويضعّف ذلك بمنع كونه في حكم الميت ، وسنده وجوب الدية على قاتله ، والمفتي به هو المشهور.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٥ حديث ، الفقيه ٤ : ١٥٠ حديث ٥٢٢ ، التهذيب ٩ : ٢٠٧ حديث ٨٢٠.

(٢) المصادر السابقة.

(٣) السرائر : ٣٨٦ ، سورة البقرة : ١٨١.

(٤) المختلف : ٥٠٥.

٣٥

أما لو اوصى ثم قتل نفسه فإنها تمضي ، وتصح وصية المبذّر والمفلس.

______________________________________________________

قوله : ( أما لو أوصى ثم قتل نفسه فإنها تمضي ).

يدل عليه ما سبق من رواية أبي ولاّد ، ولو أوصى ثم جن ، أو صار سفيها ـ على القول بعدم صحة وصية السفيه ـ ، هل يقدح ذلك في صحة وصيته؟ في الرواية إيماء إلى أن ذلك لا يقدح ، وهو المناسب للحال ، فإن حال المريض يؤول إلى ذلك آخر الأمر.

قوله : ( وتصح وصية المبذّر والمفلس ).

المشهور بين الأصحاب جواز وصية السفيه في البر والمعروف ، لصحة عبارته ، ومنع من ذلك بعض الأصحاب (١) ، وحكاه في الدروس عن ظاهر ابن حمزة (٢) ، واختاره المصنف في التحرير (٣). ويفهم من قول المصنف في المسألة السابقة : ( ولو قيل بالقبول مع تيقن رشده ... ) إن عدم الرشد مانع من صحة الوصية ، وإلاّ لكان ذكره مستدركا ، وعدم صحة وصيته قوي.

وأما المفلّس فإن وصيته نافذة لكماله ، إلاّ أن تتضمن وصيته التصرف في شي‌ء من الأموال التي تعلّقت بها حقوق الغرماء فإنها غير نافذة. ولو رضوا بالتنفيذ ففي جوازه إشكال ينشأ : من تجويز ظهور غريم آخر.

ينبغي أن تكون صحة وصية المفلس والسفيه بعد زوال المانع ، لأنه إن أريد صحة وصيتهما بمعنى النفوذ لم يصح ، لانتفاء ذلك بالنسبة إلى كل منهما ، إذ كل منهما محجور عليه في التصرف المالي ، فلم يبق أن يراد بالصحة إلاّ صحة عبارتهما ، بحيث إذا زال المانع نفذت ، بخلاف عبارة الصبي والمجنون.

ويمكن أن يقال : يتصور وصية المفلس ونفوذها في مثل ما لو أوصى بأرض‌

__________________

(١) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٦٤ ، وسلار في المراسم : ٢٠٣.

(٢) الدروس : ٢٤٠ ، الوسيلة : ٣٧٢.

(٣) التحرير ٢ : ٢٩٣.

٣٦

ولو اوصى العبد لم تصح ، فإن عتق وملك ففي النفوذ اشكال.

______________________________________________________

حجرها ، فإنه قد صار أولى بها ولم يملكها فلم تتعلق بها حقوق الغرماء ، ومثله الوصية بما التقطه ، أو الحصة من الغنيمة قبل القسمة ، بناء على أنه لم يملك بل ملك ان يملك ، بخلاف المبذّر فإن ذلك لا يصح منه ، إذ لا يصح منه شي‌ء من التصرف في مال ولا في حكمه.

قوله : ( ولو أوصى العبد لم يصح ، فإن عتق وملك ففي النفوذ اشكال ).

لا ريب أن وصية العبد ـ إذا مات على العبودية ـ لا غية ، لأنه لا يقدر على شي‌ء ، ولا مال له تنفذ منه وصيته.

أما لو أوصى ثم عتق وملك ومات ففي نفوذ وصيته إشكال ينشأ : من أن العبد مسلوب الأهلية ، لأنها تصرف مالي فلا بد من الملك أو الأهلية فتقع وصيته لاغية ، ولأن من شرط صحة الوصية كونه بحيث متى مات لم يكن ثمة مانع من نفوذها ، والشرط منتف هنا ، لأنه لو مات قبل العتق لم تنفذ قطعا. ولأن وصيته في حكم المعلقة على شرط ، لأن الحكم بالصحة إنما هو على تقدير العتق ، والتعليق مناف للصحة.

ومن أن الوصية تصرف بعد الموت ، والواقع الآن إنما هو العبارة الدالة على ذلك ، والعبد صحيح العبارة ، لأن الغرض بلوغه وعقله ورشده ، وقد تحقق شرط صحة التصرف قبل الموت فوجب القول بالصحة ، لقول الباقر عليه‌السلام : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في مكاتب قضى نصف ما عليه فأوصى بوصية فأجاز نصف الوصية ، وقضى في مكاتب قضى ثلث ما عليه أو أوصى بوصية فأجاز ثلث الوصية » (١). ولم يستفصل عليه‌السلام عن موته قبل العتق وعدمه ، وترك الاستفصال دليل العموم.

ولقائل أن يقول : إنّ ترك الاستفصال إنما يكون مع حكاية الحال ، وهنا‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٢٢٣ حديث ٨٧٦.

٣٧

وتنفذ وصية الكافر إلاّ بخمر أو خنزير لمسلم ـ وفي الذمي إشكال ـ

______________________________________________________

لا حكاية ، وإنما المروي قضاؤه عليه‌السلام ولا عموم له. وسلب أهلية العبد إن أريد به بالنسبة إلى العبارة فممنوع ، وإن أريد به بالنسبة إلى التصرف لم يضر ، لأنّا نحاول بصحة الوصية نفوذها بعد الموت على تقدير العتق ، ونمنع اشتراط صحة العبارة بكونه متى مات يجب النفوذ ، والتعليق المدعى لزومه غير قادح كما لو قال : إن متّ في سفري هذا ، وهذا الشرط معتبر بحسب الواقع فلا يعدّ اعتباره تعليقا فالنفوذ لا بأس به ، لكن قوله عليه‌السلام : « لا وصية لمملوك » (١) ينافي صحة الوصية منه.

قوله : ( وتنفذ وصية الكافر إلاّ بخمر أو خنزير لمسلم ، وفي الذمي إشكال ).

إنما تنفذ وصية الكافر لاستجماعه شروط الوصية من البلوغ ، والعقل ، والحرية ، ونفوذ التصرفات ، وعدم صحة الوصية بالخمر والخنزير للمسلم ظاهر ، لأنه لا يملك ذلك.

أما الذمي فمنشأ الإشكال فيه : من أن شرط صحة الوصية كون الموصى به مملوكا في نظر الشارع ، وليس الخمر والخنزير كذلك.

ومن أن ذلك يملكه الذمي ، ويصح بيعه وسائر العقود المترتبة عليه ، ويجوز للمسلم قبض ثمنه منه بمعاوضة ونحوها ، والأصح الصحة.

والعجب أن المصنف جوّز وقف الذمي على مثله الخنزير وتوقف هنا ، مع أن الوقف آكد من الوصية ، لأنه يشترط فيه كونه قربة.

وأعجب منه ان الشارح الفاضل ولد المصنف بنى في هذه المسألة على أن الكافر مخاطب بفروع العبادات (٢) ، فإنّا نحكم بكونه مخاطبا بها ، وتمضي تصرفاته‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٢١٦ حديث ٨٥٢ ، الاستبصار ٤ : ١٣٤ حديث ٤٨١.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٤٨١.

٣٨

أو عمارة كنيسة ، ولو أوصى بعمارة قبور أنبيائهم جاز.

وتنفذ وصية الأخرس بالإشارة المعقولة.

ولو عقل لسان الناطق ، فعرضت عليه وصية فأشار بها وفهمت إشارته صحت وصيته ،

______________________________________________________

الجارية على الخمر والخنزير ، ونمنع من غصبها وإتلافها ، ونوجب على المسلم ردها وضمان القيمة عندهم.

قوله : ( أو عمارة كنيسة ).

هذا من جملة المستثنى ، أي : تنفذ وصية الكافر إلاّ في عمارة الكنيسة ، لأن ذلك ممنوع منه شرعا ، نعم لو أوصى بذلك في موضع لا يمنع منه شرعا جاز ، وبه صرّح في الدروس (١).

ويشكل ذلك ، لأن ذلك معصية في نفسه ، إذ هي بيت عبادتهم الفاسدة وموضع مشاتم الرسول عليه‌السلام ، والغرض من صحتها تنفيذنا لها ، ولو أريد بصحتها : عدم تعرضنا لهم إذا أرادوا تنفيذها ولم يتحاكموا إلينا كان ما ذكره الشهيد صحيحا.

قوله : ( ولو أوصى بعمارة قبور أنبيائهم جاز ).

لأن ذلك جائز من المسلم ، لما فيه من تعظيم شعائر الله وإحياء الزيارة لها والتبرك بها ، فلا مانع من الجواز في حق الكافر.

قوله : ( وتنفيذ وصية الأخرس بالإشارة المعقولة ، ولو عقل لسان الناطق فعرضت عليه وصيته فأشار بها وفهمت إشارته صحت وصيته ).

قد تقدّم في الخبر من فعل الحسن والحسين عليهما‌السلام مع أمامة (٢) ما يصلح دليلا لذلك.

__________________

(١) الدروس : ٢٤٠.

(٢) الفقيه ٤ : ١٤٦ حديث ٥٠٦ ، التهذيب ٩ : ٢٤حديث ٩٣٥.

٣٩

ولو اوصى الفقير ثم استغنى صحت وصيته.

ولو قال العبد : متى عتقت ثم متّ فثلثي لفلان فالأقرب الجواز.

وكل من عليه حق من مال أو غيره وجب عليه أن يوصي به إذا ظن الموت.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أوصى الفقير ثم استغنى صحت وصيته ).

لأن له أهلية التملك ، وهي قائمة مقام الملك في صحة الوصية.

قوله : ( ولو قال العبد : متى عتقت ثم متّ فثلثي لفلان فالأقرب الجواز ).

وجه القرب : انه تصرّف وارد على حالة الحرية ، فيصح لعموم وجوب العمل بالوصية السالم عن معارضة كونه عبدا.

ويشكل بأن المانع عدم الأهلية حين الوصية فتقع لاغية ، كما لو أوصى الصبي على تقدير بلوغه ثم موته ، ولما فيه من تعليق الوصية وهو مانع ، وللرواية السالفة عن الباقر عليه‌السلام (١) إن ثبت العموم المدعى سابقا ، لكن ضعف الاشكال معلوم مما سبق فالجواز قريب.

قوله : ( وكل من عليه حق من مال أو غيره وجب عليه أن يوصي به إذا ظن الموت ).

لا خلاف في الوجوب هنا ، ولو كان له حق يخاف ضياعه فليس ببعيد القول بالوجوب ، لأن ذلك تضييع للمال على الوارث ، ولم أجد التصريح به ، لكن إطلاق الأخبار مثل قوله عليه‌السلام : « من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية » (٢) يتناوله.

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٢٢٣ حديث ٨٧٦.

(٢) المقنعة : ١٠، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٤٦.

٤٠