جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦١

ولو قال : حجوا عني بألف ، واجرة المثل أقل ، فالزيادة وصية للنائب ، فإن كان معيّنا صح ، وكذا إن كان مطلقا.

ولو امتنع المعيّن في الندب احتمل البطلان.

______________________________________________________

وصيته بغير المعروف.

ويضعف الأول بأن الحمل على كونها وصية لباقي الورثة خلاف مدلول اللفظ ، لأن إخراجه لا اشعار له بإرادة الوصية لهم وإن لزم رجوع الحصة إليهم بالآخرة ، لأن ذلك ليس بالوصية بل لاستحقاقهم التركة حيث لا وارث غيرهم ، والعدول باللفظ إلى ما لا يدل عليه مطابقة ولا تضمنا ولا التزاما ، بل ولا يستلزم نفوذه والحكم به بنفسه ، بل بضميمة شي‌ء آخر تصرف لا يدل عليه دليل.

وقد سبق أن لزوم بطلان الوصية مع حمل اللفظ على حقيقته لا يجوز العدول إلى المجاز ، فالأصح البطلان ، واعلم أن المراد بقول المصنف : ( أو يلغوا لفظه ) بطلانه ، لا أن لا يكون له معنى أصلا.

قوله : ( ولو قال : حجوا عني بألف واجرة المثل أقل فالزيادة وصية للنائب ، فإن كان معينا صح ، وكذا إن كان مطلقا ).

لا ريب انه لو عيّن للحج الواجب أجرة زائدة عن اجرة المثل بحيث تخرج من الثلث تعينت ، وتكون وصية للنائب ، سواء كان معينا أو لا.

وعبارة المصنف لا تخلو من طول حيث قال : ( وكذا إن كان مطلقا ) ، فإنه لو قال : سواء كان معينا أو لا لكان أحسن. وتجي‌ء باعتبار تعيين الأجرة والنائب وإطلاقهما ، وتعيين أحدهما خاصة صور أربع.

قوله : ( ولو امتنع المعين في الندب احتمل البطلان ).

وجهه : إنّ الموصى به تعذر ، وغيره لم تتعلق به الوصية. ويحتمل استئجار غيره ، لأن الوصية بأمرين : الحج ، وكونه من المعيّن فلا يلزم من امتناع المعين تعذر الموصى‌

٢٢١

ولو قال : اشتروا عشرة أقفزة بمائة ، وتصدقوا بها ، فوجد عشرة أجود أنواعها بثمانين ، فالعشرون للورثة لا للبائع.

______________________________________________________

به ، ولا يسقط الميسور بالمعسور. ولو سلم فذلك أقرب إلى مراد الموصى ، وفي هذا الاحتمال قوة.

هذا إذا أوصى بالحج وإيقاع زيد إياه ، فإن أوصى بأن يحج زيد عنه فاحتمال البطلان حينئذ أقوى. والمتجه أنه مع عدم قبوله يستأجر غيره ، لأن تعذر مثل هذه الوصية لا يقتضي البطلان على ما سيأتي ، واستئجار غيره أقرب إلى مراد الموصى.

واحتمل شيخنا الشهيد في حواشيه تفصيلا حاصله : إنّه اما أن يعلم قصد الحج بالذات وكونه من المعين بالعرض ، أو بالعكس ، أو قصدهما معا ، أو يخفى القصد. ففي الأول والأخير يستأجر غيره تحصيلا للمقصود بالذات قطعا أو ظنا غالبا ، وفي الثاني تبطل الوصية ، وفي الثالث الوجهان.

وفيه نظر ، فإنه إن علم انه إنما أراد الحج من المعيّن ينبغي الجزم بالبطلان ، ولا أثر للذات ولا للعرض هنا ، وإن لم يعلم ذلك فقد تعلق غرضه بأمرين : الحج ، وكونه من المعين فلا يلزم من فوات الثاني جواز ترك الأول. وقد تردد المصنف في التذكرة في البطلان وعدمه (١) ، كما هنا ، واحتاط في التحرير باستئجار غير المعين (٢).

قوله : ( ولو قال : اشتروا عشرة أقفزة بمائة وتصدّقوا بها ، فوجد عشرة أجود أنواعها بثمانين فالعشرون للورثة لا للبائع ).

وذلك لحصول الغرض من الوصية ، وهو الصدقة بالقدر المعيّن ، فيكون الزائد من الثمن حقا للوارث.

وفصّل شيخنا الشهيد في حواشيه بما حاصله : إنه إن عين البائع وعلم منه قصد‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٩٤.

(٢) التحرير : ٢٩٤.

٢٢٢

ولو اوصى بثلثه للفقراء ، وله أموال متفرقة ، جاز صرف كل ما في بلد إلى فقرائه.

ولو صرف الجميع في فقراء بلد الموصي أو غيره أجزأ ، ويدفع إلى الموجودين في البلد ، ولا يجب تتبع الغائب.

______________________________________________________

نفعه بالثمن الزائد صحت الوصية ، وكان الزائد له. وإن علم قصد جودة الطعام وأن التعيين إنما كان لأجله كان الزائد للوارث ، وإلاّ فالوجهان.

وعبارة المصنف لا تأبى ذلك ، إذ لا بحث مع العلم بالقصد بقرينة ونحوها ، ومع الجهل فيحتمل التصدق بالزائد ، لصيرورته متعلق الوصية فلا يعود إلى الوارث ، ولأن ذلك القدر الزائد من المال في حكم الموصى بالصدقة به ، لأنه لأنه عوضه ، فلا يعود إلى الوارث بحال. ووجوب شراء القدر المعين بالثمن المعين بارتفاع السوق ، لان فيه تنفيذا للوصية ، ولأنه بعد ارتفاع قيمته يكون أعز وجودا فيكون ارتفاع الفقراء به أكثر.

ويحتمل إن كان قد عين البائع الشراء منه بذلك القدر وإن لم تبلغه قيمة السوق لاحتمال إرادة نفعه بالزائدة ، خصوصا إذا كان صالحا ويحتمل البطلان في الزائد وهو أبعدها ، وليس القول بالتصدق بالزائد ، أو توقع الشراء بالقدر المعيّن بذلك البعيد.

ولو كان البائع معيّنا ، وهو ممن وقع الحث على الصدقة عليه فوجوب الشراء بجميع الثمن منه قريب.

قوله : ( ولو أوصى بثلثه للفقراء وله أموال متفرقة جاز صرف كل ما في بلد إلى فقرائه ، ولو صرف الجميع في فقراء بلد الموصي أو غيره أجزأ ويدفع إلى الموجودين في البلد ولا يجب تتبع الغائب ).

أما الاجزاء فلحصول الغرض من الوصية ، واستشكل شيخنا الشهيد في بعض حواشيه الجواز في بعض الصور ، وذلك لأنه إن نقل المال من البلاد المتفرقة إلى بلد الإخراج كان فيه تغرير بالمال وتأخير للإخراج ، وإن اخرج قدر الثلث من بعض‌

٢٢٣

ولو قال : أعتقوا رقابا وجب عتق ثلاثة ، إلاّ أن يقصر الثلث فيعتق من يحتمله ولو كان واحدا.

______________________________________________________

الأموال ففيه خروج عن الوصية ، إذ مقتضاها الإشاعة.

هذا محصل كلامه ، وفي هذا الأخير نظر ، لأن مقتضاه وجوب الإخراج من جميع التركة حتى لا يجوز الأخذ من بعضها قدر الثلث ، ويلزم من عدم جوازه عدم اجزائه ، لأنه غير متعلق الوصية ، بخلاف ما لو تعدى بالنقل ثم أخرج الوصية. والظاهر انه لا يتعين الإخراج من جميع أعيان التركة ، إلاّ أن يتعلق غرض الموصي بذلك أو تتفاوت به مصلحة الفقراء.

ولو نقل المال إلى بلد آخر لغرض صحيح ، ككثرة الصلحاء ، وشدة الفقراء ، ووجود من يرجع إليه في أمور الدين في ذلك البلد فالظاهر انه لا حرج.

وقد علم انه يصرف ذلك إلى الموجودين ، في البلد ، ولا يجب تتبع الغائب ، وانه يجب الدفع إلى ثلاثة فصاعدا مما سبق ، لكن هنا لا يجب أن يكون المدفوع إليهم في كل بلد ثلاثة بل يجب أن لا يقصر المجموع عن ثلاثة.

قوله : ( ولو قال : أعتقوا عني رقابا وجب ثلاثة ، إلاّ أن يقصر الثلث فيعتق من يحتمله ولو كان واحدا ).

أما وجوب إعتاق الثلاثة فظاهر ، لأنها أقل ما يقع عليه الجمع ، وأما انه إذا قصر الثلث أعتق من يحتمله ولو كان واحدا ، فلأنه لا يسقط الميسور بالمعسور.

فإن قيل : الموصى به هو مسمّى الجمع وقد تعذر ، فينبغي أن تبطل الوصية أو يتوقع تنفيذها إن رجي ذلك.

قلنا : مسمى الجمع واحد وواحد وواحد كما نصّ عليه أهل العربية ، فإنهم قالوا : رجال في قوة رجل ورجل ورجل.

ولو أوصى بهذا اللفظ وتعذر البعض لم يسقط الباقي ، نعم إن رجي إعتاق أزيد بانتظار زمان آخر ، أو مجي‌ء قافلة يتوقع مجيؤها لم يبعد القول بوجوب التوقع إن لم‌

٢٢٤

ولو قصر فالأقرب عتق شقص إن وجد وإلاّ صرف إلى الورثة ، أو يتصدّق به على اشكال ،

______________________________________________________

يكن فيه تضييع للوصية ، أما بشدة طول الزمان ، أو تعريض المال للتلف ، ونحو ذلك ، ومعه لا يجوز.

قوله : ( ولو قصر فالأقرب عتق شقص إن وجد ، وإلاّ صرف إلى الورثة ، أو تصدقوا به على اشكال ).

أي : ولو قصر الثلث عن واحد فالأقرب وجوب عتق شقص ، كثلث وربع بحسب ما يحتمل ، وكذا لو عين للوصية قدرا من المال فقصر.

ووجه القرب : إنّ وجوب عتق الجزء ثابت كوجوب عتق الكل ، فإذا تعذر الثاني لم يسقط الأول ، ولأن الحقيقة إعتاق الكل ، ومع تعذر الحقيقة يصار إلى أقرب المجازات إليها. ويحتمل عدم الوجوب ، لأن لفظ الرقبة لا يدل على البعض إلاّ تضمّنا ومع انتفاء دلالة المطابقة تنتفي دلالة التضمن ، ولأن فيه تبديلا للوصية.

ويمكن الجواب : بأن إعتاق البعض مراد ، فإنه لو اشترى بعضا من عبد وأعتقه ، ثم بعضا آخر وأعتقه إلى ان يستكمل إعتاقه عدّ ممتثلا للوصية. ولأن القدر الموصى به قد خرج عن استحقاق الوارث للحكم بصحة الوصية ووجوب تنفيذها ، فلا يعود إلى ملكه إلاّ بدليل ، وهو منتف وأشبه شي‌ء بمراد الموصى هو إعتاق الشقص ، وهو قريب.

هذا إن وجد الشقص بحيث أمكن شراؤه وإعتاقه ، فإن لم يوجد ففي وجوب صرف الثلث الموصى به إلى الورثة ووجوب التصدق به إشكال ينشأ : من تعذر الموصى به وغيره ليس بواجب ، وحرمان الورثة من القدر المذكور إنما كان للصرف في الوجه المعيّن ، فإذا تعذّر بطل أصل حرمانهم ووجب استحقاقهم ذلك بالإرث.

وفيه نظر ، للمنع من الملازمة ، ومن أن أقرب شي‌ء إلى مراد الموصي في المتنازع صرفه في وجوه البر ، وأقرب المجازات متعين عند تعذر الحقيقة ، وعود الموصى به إلى‌

٢٢٥

وكذا الاشكال لو اوصى بشي‌ء في وجه فتعذر صرفه فيه.

ولو اوصى له بعبد ، ولآخر بتمام الثلث صح. ولو ذهب من المال شي‌ء فالنقص على الثاني.

ولو حدث عيب في العبد قبل تسليمه إلى الموصى له ، فللثاني تكملة الثلث بعد وضع قيمة العبد صحيحا ، لأنه قصد عطية التكلمة والعبد صحيح ، بخلاف رخصه.

______________________________________________________

الورثة بعد الحكم بخروجه عنهم بالوصية يحتاج إلى دليل.

واعلم أن قوله : ( وإلاّ صرف إلى الورثة ) معناه : وإن لم يوجد إلى آخره. وينبغي أن يراد بعدم الوجدان : اليأس منه عادة ، فإنه لو رجي حصول الموصى به اتجه وجوب الصبر إلى حصوله.

قوله : ( وكذا الاشكال لو أوصى بشي‌ء في وجه فتعذر صرفه فيه ).

وجه الاشكال معلوم مما سبق ، وينبغي أن يقال : إذا كانت الوصية لمحض جهة القربة لم يشترط فيها قبول ، فتكون متمحضة حقا للموصى ، فينبغي عدم البطلان بتعذر المصرف ، لانقطاع حق الورثة عنها فيصرف في وجوه البر.

وينبغي تحرّي أقرب الوجوه إلى الوصية ، بخلاف ما لو أوصى لزيد بكذا فلم يقبل. وينبغي أن يقال : إن لم يكن الغرض من الوصية القربة تبطل ، لتعذر المصرف وانتفاء ما يشبهه ، وإلاّ اتجه الصرف في وجوه البر.

قوله : ( ولو أوصى له بعبد ولآخر بتمام الثلث صح ، ولو ذهب من المال شي‌ء فالنقص على الثاني ، ولو حدث عيب في العبد قبل تسليمه إلى الموصى له فللثاني تكملة الثلث بعد وضع قيمة العبد صحيحا ، لأنه قصد عطية التكملة والعبد صحيح بخلاف رخصه ).

أي : لو أوصى لزيد بعبد ، ولآخر بتمام الثلث باعتبار قيمة العبد صحت‌

٢٢٦

______________________________________________________

الوصية ، لوجود المقتضي ، وهو تناول دلائل الصحة لها وانتفاء المانع ، وحينئذ فيقوّم العبد يوم موت الموصي ، لأنه حال نفوذ الوصية ، ونظر إلى المال فإن خرج العبد من الثلث دفع إلى زيد ، فإن بقي من الثلث شي‌ء دفع إلى عمرو ، وإن لم يبق شي‌ء بطلت الوصية الثانية ، إذ لا متعلق لها.

ولو ذهب من المال شي‌ء قبل قبض الوارث فالنقص على الثاني ، لأن الوصية له بتكملة الثلث بعد الوصية الاولى ، فلا بد من إخراج الأولى أولا.

ولو حدث عيب في العبد قبل تسليمه إلى الموصى له فللثاني تكملة الثلث بعد وضع قيمة العبد صحيحا ، لأن الموصي قصد عطية التكملة والعبد صحيح ، فإذا تجدد العيب كان ذلك نقصا في العين فلا بد من اعتبار الناقص مع الباقي كما لو تلف بعض العين الموصى بها وللآخر بتمام الثلث ، بخلاف ما لو حدث نقص في قيمة العبد باعتبار السوق والعين بحالها ، فإنه لا يقوّم بقيمة وقت الوصية ، فلو كانت تساوي مائة عند الوصية وباقي المال خمسمائة فرجعت قيمة السوق إلى خمسين ، فإن تتمة الثلث مائة وثلاثة وثلاثون وثلث ، ولو كان النقص المذكور بالعيب فالقيمة مائة لا غير.

والفرق إن العيب نقص محسوس ، له حصة من الثمن ، ولهذا ضمنه الغاصب ويثبت أرشه للمشتري على البائع ، وليس كذلك رخص السوق ، لأن العين بحالها ، والثلث إنما يعتبر عند انتقال التركة عن الموصي.

واعلم أن تقييد حدوث العيب في العبد بكونه قبل تسليمه إلى الموصى له لا محصل له ، لأن الحكم المذكور ثابت سواء كان قبل التسليم أو بعده.

فإن قيل : إنما قيّد به باعتبار النقص برخص السوق ، فإنه لو حصل بعد تسليم العبد إلى الموصى له لكان المعتبر قيمته عند التسليم ، ولم يلتفت إلى ما يتجدد بعد ذلك.

قلنا : فالواجب حينئذ أن يقيّد بكون ذلك قبل موت الموصي ، إذ لو كان بعده‌

٢٢٧

ولو مات العبد قبل الموصي بطلت وصيته ، واعطي الآخر ما زاد على قيمة العبد الصحيح. ولو كانت قيمته بقدر الثلث بطلت الثانية.

______________________________________________________

لم يؤثر ، لأن القبول كاشف عن دخوله في ملك الموصى له حين الموت ، والرد كاشف عن دخوله في ملك الوارث ، فلا أثر لما يتجدد من نقص السوق بعد الموت. فلو قال : ولو حدث عيب في العبد فللثاني تكملة الثلث بعد وضع قيمة العبد صحيحا ـ سواء كان ذلك قبل موت الموصي أو بعده بخلاف رخصه ـ لكان أولى.

قوله : ( ولو مات العبد قبل موت الموصي بطلت وصيته وأعطي الآخر ما زاد على قيمة العبد الصحيح ).

أما بطلان الوصية فلفوات متعلقها ، وأما إعطاء الآخر ما زاد على قيمة العبد ، فلأن له تكملة الثلث ، ولا يسقط بموت العبد ، لكن متى تعتبر قيمته؟

قال في التذكرة : إنّ جميع أمواله تقوّم حال موت الموصي بدون العبد ، ثم يقوّم العبد لو كان حيا ، فيحط من ثلثها قيمة العبد ويدفع الباقي إلى الموصى له الثاني (١). وظاهره انه يقوّم العبد لو كان حيا وقت الموت ، لأنه وقت انتقال التركة.

فإن قيل : ينبغي أن يقوم مقدر الحياة عند قبض الوارث التركة ، لأن المعتبر أقل الأمرين من وقت الموت إلى القبض.

قلنا : إنما اعتبر أقل الأمرين من الموت إلى القبض ، لإمكان عروض تلف أو نقص وذلك منتف بالنسبة إلى التالف ، مع أن هذا ممكن لأصالة براءة ذمة الوارث من إيجاب الزائد ، ولإمكان حدوث النقص.

قوله : ( ولو كانت قيمته بقدر الثلث بطلت الثانية ).

وذلك لانتفاء متعلقها ، إذ لا وجود له.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٠٢.

٢٢٨

ولو قبل المريض الوصية بأبيه عتق عليه من أصل المال ، لأنا نعتبر من الثلث ما يخرج من ملكه ، وهنا لم يخرجه بل بالقبول ملكه وانعتق تبعا لملكه ، وكذا لو ملكه بالإرث. أما لو ملكه بالشراء فإنه يعتق من الثلث على الأقوى.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قبل المريض الوصية بأبيه عتق عليه من أصل المال ، لأنا نعتبر من الثلث ما يخرج عن ملكه وهنا لم يخرجه بل بالقبول ملكه وانعتق تبعا لملكه ، وكذا لو ملكه بالإرث ).

لو قبل المريض الوصية بمن يعتق عليه صح ذلك وعتق عليه ، وهل يحسب عليه من الثلث؟

ذكر فيه المصنف في التذكرة احتمالين (١) ونقلهما عن الشافعية وجهين ، وذكر فيما لو ورثه فعتق وجهين (٢) ، إلاّ أنه على احتسابه من الثلث في الإرث يحتسب منه في قبول الهبة والوصية بطريق أولى ، لانتفاء قصد التملك في الإرث ، وحصول الملك والعتق فيه قهرا. بخلاف قبول الهبة ، لثبوت قصد التملك المعقب حصوله للعتق ، فجرى مجرى ما لو أعتق ، وعلى احتسابه من الأصل في الإرث يجي‌ء في الهبة والوصية وجهان.

ولا ريب ان القول باحتسابه من الثلث في الجميع ضعيف ، لأن المريض لم يتلف على الورثة شيئا مما هو محسوب مالا له ، وإنما قبل الوصية والهبة فانعتق تبعا للملك.

قوله : ( أما لو ملكه بالشراء فإنه ينعتق من الثلث على الأقوى ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٨٩.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٨٩.

٢٢٩

والأقرب في الاتهاب أنه كالإرث ، لأنه عتق مستحق ولا عوض في مقابلته ، فحينئذ لو اشترى ابنه وهو يساوي ألفا بخمسمائة فالزائد محاباة ، حكمه حكم الموهوب.

______________________________________________________

والأقرب في الاتهاب أنه كالإرث ، لأنه عتق مستحق ولا عوض في مقابله ، فحينئذ لو اشترى ابنه وهو يساوي ألفا بخمسمائة ، فالزائد محاباة حكمه حكم الموهوب ).

الكلام هنا في مقامين :

الأول : إذا اشترى المريض من يعتق عليه بثمن مثله فهل يحتسب من الثلث ، حتى إذا ضاق الثلث عنه يبطل الشراء في الزائد ، أم يقع نافذا من الأصل؟ فنقول :

على القول بأن منجّزات المريض من الأصل لا بحث في نفوذ الشراء والعتق هنا على كل حال ، بل الحكم هنا أولى ، إذ لم يقع العتق من المريض هنا مباشرة ، لوقوعه بتبعية الملك. أما على القول بأنها من الثلث ـ وهو الأصح ، وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى ـ ففي وقوعه هنا من الثلث أو نفوذه من الأصل احتمالان :

أحدهما : ـ وهو الأقوى عند المصنف ـ الأول ، لاستناد العتق إلى حصول الملك الناشئ عن الشراء ، فكان العتق مستندا إليه ، ولأنه بشرائه مالا يبقى في ملكه مضيع للثمن ، كما لو اشترى بماله ما يقطع بتلفه ، فإنه يعد مضيعا للمال وباذلا له في مقابل ما هو فائت عن الورثة ، ولا يحصل لهم منه شي‌ء ، وما هذا شأنه فسبيله أن يكون من الثلث.

والثاني : اعتباره من الأصل ، لأن الغرض انه اشترى مالا متقوما بثمن مثله ، والعتق أمر قهري حصل بالقرابة. وضعفه ظاهر ، لأن بذل الثمن في مقابل ما قطع بفواته وزوال ماليته بالعتق تضييع على الوارث ، فالأصلح الأول ، وسيأتي في المطلب الثاني في كيفية التنفيذ رجوع المصنف عما اختاره هنا.

٢٣٠

______________________________________________________

الثاني : لو اتهب المريض من ينعتق عليه هبة خالية من العوض ، ففي احتساب العتق من الثلث أو الأصل الوجهان ، إلاّ أن الأقرب هنا كونه من الأصل كما في قبول الوصية. وضعف كونه من الثلث ظاهر ، إذ لم يتصرف المريض في شي‌ء من الأموال التي تعلق حق الورثة بها هنا.

إذا تقرر ذلك فاعلم انه يتفرع على هذين الأصلين ما لو اشترى المريض من ينعتق عليه بدون ثمن مثله ، فإن ذلك في قوة عقدين بيع وهبة ، إذ المحاباة في البيع في معنى الهبة ، فإذا اشترى أباه مثلا بخمسمائة وهو يساوي ألفا ، فالزائد من قيمته على خمسمائة محاباة في معنى الهبة ، فيكون حكمه حكم الموهوب.

فلو كانت التركة كلها ستمائة ، فعلى قول الشيخ والجماعة من بطلان البيع في القدر الزائد عن الثلث خاصة دون ما قابله ـ يصح البيع هنا في نصف العبد ، إذ هو في قوة الموهوب ، وفي خمسه خاصة بما تبين هي ثلث التركة ، لأن ما صح البيع فيه فهو تالف بالعتق ، فيصح البيع في سبعة أعشار العبد بمائتين من الثمن ، وينعتق ذلك ويبطل في ثلاثة أعشاره ، فيرجع إلى الورثة ثلاثمائة من الثمن ، هي مع المائة الباقية ثلثا التركة ، وهو قدر ما أتلفه المريض مرتين.

وعلى ما اختاره المصنف ـ وهو الأصح ـ من أن بطلان البيع في جزء من أحد العوضين يقتضي بطلانه في مقابله من العوض الآخر ، لأن المجموع في مقابل المجموع ، وليست المحاباة هبة حقيقة ، وانما هي في معنى الهبة فتمتنع الصحة في مجموع أحد العوضين والبطلان في البعض الآخر ـ وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى ـ فيبطل في ثلاثة أخماس العبد في مقابلة ما زاد على ثلث التركة ـ أعني : ثلاثة أخماس الثمن وهو ثلاثمائة ـ ، ويصح في خمسة بمائتين ، فينعتق منه الخمسان ، ويكون التصرف في ثلث التركة ، أعني المائتين.

٢٣١

ولو اوصى بالحج تطوعا فهي من الثلث ، ولو كان واجبا فهي كالدين لا حاجة فيه إلى الوصية ، لكن لو قال : حجوا عني من ثلثي كانت فائدته زحمة الوصايا بالمضاربة ، ولا يقدّم على الوصايا في الثلث.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أوصى بالحج تطوعا فهي من الثلث ، ولو كان واجبا فهي كالدين لا حاجة فيه إلى الوصية ).

قد سبق التنبيه على أن ما كان من الواجبات متعلقا بالمال في حال الحياة لا حاجة فيه إلى الوصية ، وانما هو من أصل المال ، وإخراجه واجب مع الوصية وبدونها ، وما عداه من الواجبات والمندوبات فهو من الثلث ولا يخرج حتما إلاّ بالوصية ، وفي الصلاة خلاف ضعيف مذكور في كتاب الصلاة.

وإنما ذكر المصنف هذا الحكم هنا تمهيدا لقوله : ( لكن لو قال : حجوا عني من ثلثي كانت فائدته زحمة الوصايا بالمضاربة ولا يقدّم على الوصايا في الثلث ) ، أي : لا حاجة في وجوب إخراج الحج الواجب على الميت إلى الوصية ، فالوصية بالنسبة إلى ذلك وجودها كعدمها.

لكن لها فائدة على بعض الوجوه ، وهو ما إذا أوصى بوصايا وأوصى بكون الحج الواجب عليه من ثلثه ، فإن فائدة هذه الوصية زحمة الوصايا بالمضاربة ، وهي مفاعلة من الضرب. والمراد بها هنا : تقسيط الثلث على الوصايا والحج بالنسبة ، وصرف ما يصيب كل واحد من ذلك من الثلث إليه.

ولا يقدم الحج على الوصايا في الثلث على أصح القولين ، بل الأصح ما قلناه من التقسيط. وقيل : إنّه يقدم الحج على غيره في الثلث ، حتى انه لو اقتصر الثلث عن الجميع دخل النقص على غير الحج.

وقال شيخنا في الدروس : ولو ضم الواجب كالحج والدين إلى المتبرع به ، وحصرها في الثلث وقصر قدم الواجب ودخل النقص على الأخير ، للنص وفتوى‌

٢٣٢

ثم إن لم يتم الحج بما حصل من المضاربة كمّل من رأس المال ، فيدخلها الدور فإذا كانت التركة ثلاثين وكل من اجرة المثل والوصية عشرة اخرج من الأصل شي‌ء هو تتمة الأجرة ، ويبقى ثلاثون إلاّ شيئا ، ثلثها عشرة إلاّ ثلث شي‌ء. فللموصى له خمسة إلاّ سدس شي‌ء ، وكذا للحج. فإذا ضم إليه شي‌ء صار للحج خمسة وخمسة أسداس شي‌ء تعدل عشرة ، فالشي‌ء ستة ، فللموصى له أربعة.

______________________________________________________

الجماعة ، والقول بأنه يكمل الواجب من الأصل ليس مذهبنا (١). وكأنه أراد بالنص : ما دل على تقديم الواجب على غيره ، إلاّ أنه لا دلالة له في مثل ذلك على التقديم في الثلث المانع من التقسيط عند القصور وتكميل الواجب من الأصل.

وحكى في حواشيه عن ابن إدريس وغيره الحكم بتقديم الحج هنا ، والذي يقتضيه الدليل هو التقسيط لعموم المنع من تبديل الوصية. ووجوب التقديم في الحج إنما يراد به في أصل المال ، ولأن تعيين الحج الواجب من الثلث يقتضي مزاحمة بقية الوصايا ، وذلك يقتضي المنع من إخراجها عن بعض الحالات وهذا أمر ممكن مقدور للموصى فيجب اتباع وصيته به.

قوله : ( ثم إن لم يتم الحج بما حصل من المضاربة كمل من رأس المال فيدخلها الدور ).

اي : فتدخل الوصية أو المسألة الدور. ووجهه : إنّ معرفة الثلث موقوفة على إخراج تتمة اجرة المثل من الأصل ، ومعرفة التتمة موقوفة على معرفة الثلث.

وطريق التخلص ما أشار إليه بقوله : ( فإذا كانت التركة ثلاثين ، وكل من اجرة المثل والوصية عشرة اخرج من الأصل شي‌ء وهو تتمة الأجرة ، يبقى ثلاثون إلاّ شيئا ، ثلثها عشرة إلاّ ثلث شي‌ء ، فللموصى له خمسة إلاّ سدس شي‌ء ، وكذا للحج ، فإذا ضم إليه الشي‌ء صار للحج خمسة وخمسة أسداس شي‌ء تعدل عشرة ، فالشي‌ء ستة ،

__________________

(١) الدروس : ٢٤٥.

٢٣٣

______________________________________________________

فللموصى له أربعة.

وتوضيحه : إنه إذا فرض أن التركة ثلاثون ، وكل من اجرة المثل للحج والوصية عشرة ، نقول : يخرج من الأصل شي‌ء ، وهو تتمة أجرة الحج الباقية بعد التقسيط ، يبقى من التركة ثلاثون إلاّ شيئا ، هي التركة في الحقيقة التي يؤخذ ثلثها ويصرف في الوصايا ، وقد كان ثلثها عشرة إلاّ ثلث شي‌ء ، ونصفها وهو خمسة إلاّ سدس شي‌ء للوصية والنصف الآخر للحج ، فإذا ضم ذلك إلى الشي‌ء المأخوذ أولا من أصل التركة صار للحج خمسة وخمسة أسداس شي‌ء ، وذلك لأنا جبرنا خمسة إلاّ سدس شي‌ء بسدس شي‌ء بقي من الشي‌ء خمسة أسداسه مع الخمسة ، ومجموع ذلك يعدل اجرة المثل للحج وهو عشرة. فإذا أسقطت الخمسة بمثلها بقي خمسة أسداس شي‌ء تعدل خمسة ، فالشي‌ء ستة ، فالتركة التي يؤخذ ثلثها أربعة وعشرون ، وثلثها ثمانية ، للموصى له أربعة وللأجرة أربعة.

* * *

٢٣٤

المطلب الثالث : في الأحكام المتعلقة بالحساب : وفيه بحثان :

الأول : فيما خلا عن الاستثناء : وفيه مقامان :

الأول : إذا كان الموصى له واحدا ، إذا اوصى له بمثل نصيب أحد ورثته وأطلق ، فإن تساووا فله مثل نصيب أحدهم مزادا على الفريضة ، ويجعل كواحد منهم زاد فيهم وإن تفاضلوا ، فله مثل نصيب أقلهم ميراثا يزاد على فريضتهم.

______________________________________________________

قوله : ( الأول : إذا كان الموصى له واحدا : إذا أوصى بمثل نصيب أحد ورثته وأطلق ، فإن تساووا فله مثل نصيب أحدهم مزادا على الفريضة ، ويجعل كواحد منهم زاد فيهم ، وان تفاضلوا فله مثل نصيب أقلهم ميراثا يزاد على فريضتهم ).

الذي عليه علماؤنا انه لو أوصى لزيد بمثل نصيب أحد ورثته ، أن الموصى له يكون بمنزلة وارث آخر فيضاف إلى الورثة ، ويتساوى الموصى له والوارث إن تساووا. وإن تفاضلوا جعل كأقلهم نصيبا ، لأن ذلك متيقن والزائد مشكوك فيه.

وقال جمع من العامة : إنّه يعطى مثل نصيب أحدهم إذا كانوا متساوين من أصل المال ، ويقسم الباقي بين الورثة ، لأن نصيب الوارث قبل الوصية من أصل المال.

فإذا أوصى له بمثل نصيب ابنه وله ابن واحد فالوصية بجميع المال ، وإن كان له ابنان فالوصية بنصف المال ، وعلى هذا ـ وليس بجيد ، لأن التماثل يقتضي شيئين والوارث لا يستحق شيئا إلاّ بعد الوصية النافذة ـ فالوارث الموصى بمثل نصيبه لا نصيب له إلاّ بعد الوصية ، وحينئذ فيجب أن يكون ما للموصى مماثلا لنصيبه بعد الوصية.

وعلى ما ذكروه من أن الوصية مع الاثنين بنصف المال ومع الثلاثة بثلث المال ،

٢٣٥

وإن اوصى بمثل نصيب واحد معيّن ، فله مثل نصيبه مزادا على الفريضة ، فإن زاد على الثلث ولم تجز الورثة اعطي الثلث. فلو كان له ابن أو بنت فأوصى بمثل نصيبه ، فإن أجاز فله نصف التركة ، وإن ردّ فله الثلث ،

______________________________________________________

لا يكون هناك نصيب للوارث مماثلا لنصيب الموصى له ، وهو خلاف مدلول الوصية فيكون تبديلا لها ، ولأصالة بقاء مال الميت على الوارث ، ويلوح من التحرير اختيار الأول.

واعلم أن هذه وأشباهها من المسائل الدورية.

لأن معرفة نصيب الوارث متوقفة على إخراج الوصية ، ومعرفة نصيب الموصى له إنما يكون إذا عرف نصيب الوارث. وطريق التخلص بالجبر أن يقال : إنّ التركة مال إلاّ نصيبا يعدل نصيبين ، مثلا فبعد الجبر والمقابلة تكون التركة تعدل ثلاثة أنصبة فالنصيب هو الثلث ، إلاّ أن هذه المقدمات لظهورها وسرعة انتقال الذهن إلى النتيجة لم يعرجوا عليها.

واعلم أن قوله : ( فله مثل نصيب أحدهم مزادا على الفريضة ) يراد به تصحيح الفريضة أو لا ، ثم زيادة قدر نصيب الموصى بمثل نصيبه على أصل الفريضة للموصى له.

وأراد بقوله : ( وأطلق ) : عدم تعيين الوارث الموصى بمثل نصيبه.

قوله : ( وإن أوصى بمثل نصيب واحد معيّن فله مثل نصيبه مزادا على الفريضة ).

الكلام في الوصية بمثل نصيب المعين كالكلام في الوصية بمثل نصيب واحد منهم من غير تعيين.

قوله : ( فإن زاد على الثلث ولم تجز الورثة ).

هذا الحكم شامل للوصية بمثل نصيب واحد من غير تعيين ومع التعيين.

٢٣٦

وسواء كان الموصى له أحد الورثة أو أجنبيا.

ولو كان له ابنان فاوصى له بمثل نصيب أحدهما فله الثلث.

ولو كانوا ثلاثة فله الربع.

ولو كانوا أربعة فله الخمس ، وهكذا.

وطريقه أن تصحح مسألة الفريضة ، وتزيد عليها مثل نصيب من أضيف الوصية إلى نصيبه ، فلو كان له ابن وبنت واوصى له بمثل نصيب الابن ، فله سهمان من خمسة إن أجازا.

ولو قال : مثل نصيب البنت فله الربع.

ولو كان له ثلاثة بنين وثلاث بنات ، واوصى له بمثل سهم بنت أو أحد وارثه ، فله العشر.

ولو قال : مثل نصيب ابن فله سهمان من أحد عشر.

______________________________________________________

قوله : ( وسواء كان الموصى له أحد الورثة أو أجنبيا ).

قد سبق جواز الوصية للوارث عندنا ، خلافا لبعض العامة (١) ، فلو اوصى لوارث بمثل نصيب أحد وارثه فكالوصية للأجنبي.

قوله : ( ولو كان له ابنان فأوصى بمثل نصيب أحدهما ).

ذكر في هذه المسائل صورا مختلفة باختلاف عدد الوارث ، وكونهم ذكورا أو اناثا ، أو بالتفريق ، وكون الموصى به مثل نصيب الذكر أو مثل نصيب الأنثى ، وذكر طريق ذلك ، واعتبر الإجازة حيث كان متعلق الوصية زائدا على الثلث دون ما سواه.

__________________

(١) المجموع ١٥ : ٤٢٢ ، المغني لابن قدامة ٦ : ٤٤٩.

٢٣٧

ولو قال : مثل نصيب بنتي ، وله مع البنت زوجة ، فأجازتا فله سبعة من خمسة عشر ، وكذا للبنت ، وللزوجة سهم واحد. ولو قال : مثل نصيب الزوجة فله التسع ولو كنّ الزوجات أربعا فله سهم من ثلاثة وثلاثين.

وكذا لو كان مع الزوجات ابن ، واوصى بمثل نصيبه فأجاز الورثة ، ففريضة الورثة من اثنين وثلاثين ، نضيف إليها ثمانية وعشرين هي سهام الموصى له فيصير ستين.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : مثل نصيب بنتي ، وله مع البنت زوجة وأجازتا فله سبعة من خمسة عشر ، وكذا للبنت وللزوجة سهم واحد ولو قال : مثل نصيب الزوجة فله التسع ).

هذا هو الصواب ، وقال الشيخ رحمه‌الله إنّ له في الصورة الأولى سبعة من ستة عشر ، وكذا للبنت والزوجة سهمان (١). وهو سهو ظاهر ، لأنه على هذا التقدير تكون الوصية من نصيب البنت خاصة ، ويكون سهم الزوجة من أصل التركة موفّرا عليها.

والواجب أن تكون الوصية من أصل التركة ، فيدخل النقص بها على كل واحد منهم بنسبة استحقاقه ، فيكون من خمسة عشر عملا بالطريق السابق ، وهو تصحيح مسألة الفريضة ، وزيادة مثل نصيب من أضيفت الوصية إلى نصيبه عليها ليشترك الجميع في النقص كما قررناه.

وقال في الصورة الثانية : إنّ للزوجة سهما من ثمانية ، وللموصى له سهم ، وللبنت ستة أسهم (٢). وهو ايضا سهو لمثل ما قلناه وهو خروج الوصية من نصيب البنت خاصة فيكون من تسعة.

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٦.

(٢) المبسوط ٤ : ٦.

٢٣٨

ولو اوصى لأجنبي بنصيب ولده احتمل البطلان ، والصرف الى المثل.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أوصى لأجنبي بنصيب ولده احتمل البطلان ، والصرف الى المثل ).

وجه البطلان : إنّه قد أوصى له بما هو حق الابن ، فكان كما لو قال : بدار ابني.

ولأن صحتها موقوفة على بطلانها ، لتوقف صحتها على أن يكون للابن نصيب ، ولا يكون له نصيب حتى تبطل هذه الوصية ، لأن الابن لا يملك الموصى به ، ولأن بطلانها لازم لكل واحد من النقيضين ، فإنه إن ثبت للابن نصيب امتنعت صحتها ، إذ لا يملك الموصى به ، وكذا إن لم يثبت ، لانتفاء متعلق الوصية ، وفي الكل نظر :

أما الأول : فللفرق بين ما إذا أوصى بدار ابنه التي لا حق فيها ، وبين ما إذا أوصى بما هو ملكه في وقت الوصية ، وقد تعلق حق ابنه به بكونه نصيبا له بعد الموت.

وأما الثاني : فلمنع توقف صحتها على أن يكون للابن نصيب ، إذ المراد : الوصية بما هو نصيب للابن لو لا الوصية ، ومثله آت في الثالث. والقول بالبطلان اختيار الشيخ في المبسوط (١) والخلاف (٢) ، والمصنف في المختلف (٣).

ووجه صرفها إلى المثل : إنّ اللفظ يحمل على مجازه عند تعذر الحقيقة ، ونقل المصنف في المختلف هذا القول عن بعض علمائنا (٤).

والجواب : إنّ الأصل حمل اللفظ على حقيقته متى أمكن ، وهو هنا ممكن ، وبطلان الوصية معه لا يقتضي تعذر الحمل على الحقيقة ووجوب صرفه إلى المجاز.

ولقائل أن يقول : إن هنا احتمالا ثالثا ، وهو الحكم بالصحة ، على أن الوصية‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٧.

(٢) الخلاف ٢ : ١٧٧ مسألة ٤ كتاب الوصايا.

(٣) المختلف : ٥٠١.

(٤) المختلف : ٥٠١.

٢٣٩

______________________________________________________

بجميع المال إذا كان الابن واحدا ، وبالنصف لو كانا اثنين ، وعلى هذا. ووجهه : إنّ ذلك في المعنى وصية بنصيب الابن لو لا الوصية ، وهذا لا يستدعي أن يكون الابن مالكا للنصيب حقيقة.

فإن قيل : ذلك مجاز والأصل الحقيقة.

قلنا : هو مجاز معروف مشهور يكاد أن يكون أعرف من الحقيقة ، فإن أحدا لا يفهم من هذا اللفظ إلاّ هذا المعنى. وما أشبه ذلك بما سبق في الإقرار من قوله : ( داري له ، وله في ميراثي من أبي ) ونحو ذلك. ولم أجد أحدا تعرض إلى هذا الاحتمال ، وإنما المصنف في المختلف ذكر في استدلاله على الاحتمال الثاني : إنّ هذه الوصية وصية بجميع المال في الحقيقة (١) ، وهذا إن تم إنما يلزم منه ما ذكرناه في الاحتمال الثالث دون الثاني.

وأجاب عنه بالفرق بين الوصية بجميع المال وبالنصيب : إنّه في الأول لم يضف إليه حق غيره ، قال : ولهذا لو أوصى له بما يستحقه ابنه بطلت الوصية ، ولو أوصى له بجميع المال صحت وما ذكرناه في الجواب عن السؤال السابق كاف في الدفع.

وقال شيخنا الشهيد في الدروس : ولو أوصى بنصيب وارث ، فإن قصد عزله من الإرث فالأقرب البطلان ، وإلاّ حمل على المثل (٢). هذا كلامه ، فإن أراد بعزله عن الإرث : إبطال كونه وارثا فما ذكره صحيح ، وإن أراد منعه من الإرث بالوصية فهو محل النظر. ثم قوله : ( وإلاّ حمل على المثل ) فيه ارتكاب للمجاز البعيد بغير دليل.

وملخّص النظر : إنه إن قصد شيئا بخصوصه رتب عليه مقتضاه ، وإن أطلق اللفظ مريدا منه مقتضاه من غير أن يلحظ شيئا بخصوصه ، فإنا في ذلك من المتوقفين.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ ما سيأتي في كلام المصنف من الوصية بجزء من حصة‌

__________________

(١) المختلف : ٥٠١.

(٢) الدروس : ٢٤٦.

٢٤٠