جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦١

وكذا لو قال : أوصيت لأحدهما ثم مات قبل البيان ، ويحتمل الفرق هنا.

______________________________________________________

وللشافعية وجه ببطلان الوصية ، لأن التنكير يقتضي التوحيد (١). ويضعف بأن المراد من التوحيد في مثله عدم صدقه على المتعدد ، لا عدم وجود آخر غيره.

قوله : ( وكذا لو قال : أوصيت لأحدهما ثم مات قبل البيان ، ويحتمل الفرق هنا ).

قد سبق في كلام المصنف انه إذا أوصى لأحدهما يحتمل البطلان والصحة. وعلى الصحة يحتمل التخيير والقرعة والتشريك ، وهنا لم يأت باحتمال البطلان ، وذكر احتمال الإيقاف حتى يصطلحا بدل القرعة ، فإطلاق التشبيه لا يخلو من شي‌ء إلاّ أن يكون رجوعا عما سبق.

هذا مع ان قوله : ( ثم مات قبل البيان ) يشعر بأن الوصية لأحدهما يريد بها الوصية لواحد منهما غير معين ، لا لأحدهما أيهما كان ليكون متواطئا. وليس الموصى له هنا من قبيل الأول ، بل من قبيل ما لو أوصى لفقير في الدار أو في المسجد ، أو لفقير من الفقراء فهو متواطئ ، فيكون من جملة الأسباب المخلة بصحة التشبيه.

ووجه احتمال الفرق هنا : إن الموصي علم تعددهما فيما إذا أوصى لأحدهما وخص بالوصية واحدا منهما ، فهو بعيد عن احتمال الاشتراك ، بخلاف ما هنا ، فإنه لم يعلم وجود المتعدد وقصد بالوصية واحدا دون غيره ، ولفظ ( غلام ) صالح للواحد والمتعدد.

وغاية ما يستفاد من قوله : ( إن كان في بطنها غلام فأعطوه كذا ) عدم إعطاء الجارية. وفيه نظر ، لأن المفرد النكرة لا يقع على المتعدد ، وعدم العلم بالتعدد لا تأثير له في استحقاق الجميع مع عدم صلاحية اللفظ لاستحقاقهم.

__________________

(١) المجموع ١٥ : ٤٧٤ ، الوجيز : ٢٧٥.

١٦١

ولو اوصى للقرّاء فهو لمن يحفظ جميع القرآن ، والأقرب عدم اشتراط الحفظ على ظهر القلب.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أوصى للقرّاء فهو لمن يحفظ جميع القرآن ، والأقرب عدم اشتراط الحفظ عن ظهر القلب ).

في تفسير القارئ بمن يحفظ جميع القرآن مناقشة ، لأن القارئ هو من يحسن قراءة القرآن ، كما أن النحوي هو من يحسن علم النحو وإن لم يحفظه ، وكذا غيره ، لأن المشتق منه يصدق من دون الحفظ ، وللإطباق على الفرق بين القارئ والحافظ ، فإن الأول أعم مطلقا.

ثم في قول المصنف : ( والأقرب عدم اشتراط الحفظ عن ظهر القلب ) بعد قوله : ( فهو لمن يحفظ جميع القرآن ) مناقشة أخرى ، فإن المفهوم من الحافظ لجميع القرآن هو من يحفظه عن ظهر القلب ليس إلاّ. نعم ، لا بد في صدق القارئ من الاستقلال بقراءة جميع القرآن ، نظرا إلى العرف.

قال المصنف في التذكرة : ( ولو اوصى للقرّاء انصرف إلى من يقرأ جميع القرآن ، لا إلى من يقرأ بعضه ، عملا بالعرف ، فإنه لا يفهم منه إلاّ الكل ، لأنهم الذين يقع عليهم الاسم في العادة. قال : وهل يدخل فيه من لا يحفظه وإنما يقرأ من المصحف؟ إشكال ينشأ من معارضة العرف للوضع (١).

وللشافعية وجهان (٢) ، والأقرب الرجوع إلى العرف ، وهو الآن ينصرف إلى الحفّاظ الذين يقرؤون بالألحان ، فظاهره اشتراط الحفظ عن ظهر القلب ، واختاره في التحرير (٣) ، وشيخنا الشهيد في الدروس (٤) ، وهو بعيد. ثم قال : إنه من حيث الوضع‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٦٩.

(٢) المجموع ١٥ : ٤٦١.

(٣) التحرير : ٣٠٢.

(٤) الدروس : ٢٤٤.

١٦٢

والعلماء ينزّل على العلماء بعلوم الشريعة ، فيدخل التفسير والحديث والفقه ، ولا يدخل سامع الحديث إذا لم يعلم طريقه ، ولا الأطباء ، ولا المنجمون ، ولا المعبّرون ، ولا الأدباء.

______________________________________________________

لا يشترط في إطلاق اللفظ الحفظ ، ولا قراءة جميع القرآن (١) ، وما ذكره صحيح.

قوله : ( والعلماء ينزّل على العلماء بعلوم الشريعة ، فيدخل التفسير والحديث والفقه ، ولا يدخل سامع الحديث إذا لم يعلم طريقه ، ولا الأطباء ، ولا المعبّرون ، ولا المنجّمون ولا الأدباء ).

إذا أوصى للعلماء أو لأهل العلم صرف إلى العلماء بعلوم الشريعة ، صرّح به المصنف وغيره ، ويدخل في ذلك من يعلم الفقه والحديث والتفسير.

ولا يدخل سامع الحديث الذي لا علم له بطرقه ، ولا بأسامي الرواة ولا بمتن الأحاديث ، فإنّ السماع المجرد ليس بعلم. وكذا لا يدخل فيه الأطباء ، ولا المعبّرون ، ولا المنجّمون ، ولا الأدباء ولا الحسّاب ، ولا المهندسون ، لعدم فهمهم من العلماء عند أهل الشرع.

قال المصنف في التذكرة : وهكذا ذكر أكثرهم في المتكلمين ، قال : وقال بعضهم : إنّ علم الكلام داخل في العلوم الشرعية ، ثم قال : والوجه دخول الجميع فيه ، وفي المنجّم اشكال (٢). وقال الشهيد في الدروس : وفي الأدباء وجه ، لتوقف علم الشريعة عليها (٣).

ولم أظفر بكلام لهم في الأصول ، وينبغي دخوله بطريق أولى ، لأنه من علوم الشرع في الحقيقة ، وهو أساس الفقه ومبناه ومباحثه قواعد مسائله. ولعل سكوتهم عنه‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٦٩.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٦٩.

(٣) الدروس : ٢٤٤.

١٦٣

ولو اوصى لزيد ولجبرئيل عليه‌السلام ، أو لزيد والريح أو الحائط ، فالنصف لزيد والباقي باطل.

ويحتمل صرف الكل إلى زيد في الأخيرين ، إذ الإضافة إلى الريح والحائط باطلة ، بخلاف جبرئيل عليه‌السلام.

______________________________________________________

لاعتقادهم دخوله في الفقه ، ومن ثمّ صرحوا باعتبار قول الأصولي في الإجماع إذا تمكن من الاجتهاد وإن لم يحفظ الأحكام.

ولا ريب أن إخراج علم الكلام المتضمّن للمعارف الدينية ـ وهو أساس الدين ومبناه ـ عن علوم الشرع مستهجن ، فالقول بدخوله ودخول الأصول قوي. أما دخول الباقين فللنظر فيه مجال.

قوله : ( ولو أوصى لزيد ولجبرئيل عليه‌السلام ، أو لزيد والريح أو الحائط فالنصف لزيد والثاني باطل ، ويحتمل صرف الكل إلى زيد في الأخيرين ، إذ الإضافة إلى الريح والحائط باطلة بخلاف جبرئيل عليه‌السلام ).

قد تقدّمت هذه المسألة في الفروع قبل المطلب الرابع : الموصى به ، وذكر المصنف احتمال كون الجميع لزيد دون الملك ، وبيّنا دليل الوجهين وأن الأصح ان لزيد النصف فإنه لم يتم الوصية بالمعين لزيد إلاّ بالمعطوف ، وحينئذ فيلزم التوزيع.

وكلام المصنف هنا مخالف لما تقدم ، حيث أنه نفى احتمال كون الجميع لزيد فيما إذا أوصى له ولجبرئيل عليه‌السلام ، لأن إضافة الملك إلى جبرئيل ليست باطلة ، فيكون لزيد النصف وجها واحدا. ويضعّف بأنه وإن لم تمتنع الإضافة ، لكن لما لم يمكن التوصل إليه كانت وصية لأمر ممتنع ، فجرت مجرى الوصية للريح والحائط.

١٦٤

ولو قال : لزيد ولله احتمل صرف الكل الى زيد ، فيكون ذكر الله تعالى تأكيدا لقربة الوصية ، وصرف سهم الله إلى الفقراء فإنهم محل حقوقه.

ولو اوصى لأقارب علوي معيّن في زمانه ، ارتقى في بني الأعمام من‌

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : لزيد ولله احتمل صرف الكل إلى زيد ، فيكون ذكر الله تعالى تأكيدا لقربة الوصية ، وصرف سهم الله تعالى إلى الفقراء ، لأنهم محل حقوقه ).

قد ذكر هنا احتمالين :

أحدهما : صرف الكل إلى زيد ، فعلى هذا يكون ذكر الله تعالى تأكيدا لكون الوصية قربة. ووجهه : إنّ هذا هو المتعارف في مثل ذلك ، لأن الله سبحانه هو يأخذ الصدقات ، وصدقة المتصدّق تقع في يده سبحانه وتعالى ، على معنى أنها لكونها ابتغاء لوجهه كأنها واقعة في يده ، وعلى هذا يتخرّج مذهب من ذهب إلى قسمة الخمس خمسة أقسام.

والثاني : صرف النصف وهو سهم الله تعالى إلى محل حقوقه تعالى وهم الفقراء والمساكين ، لأن الأصل عدم التأكيد ، والتأسيس هنا ممكن ، لأن المالك الحقيقي هو الله تعالى ، فنسبة الملك إليه صحيحة ، ولما يملكه مصرف معين فيتعين المصير إليه.

وذهب الشارح الفاضل إلى صرف هذا النصف في وجوه القرب (١) ، وهو حسن ، وهو مختار التذكرة (٢). وكلام المصنف هنا لا ينافيه ، فإن الصرف إلى الفقراء لا ينافي جواز الصرف في غير ذلك من وجوه القرب ، نعم يلوح من سوق العبارة انحصار المصرف فيهم.

قوله : ( ولو أوصى لأقارب علوي معيّن في زمانه ، ارتقى في بني الأعمام‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٥٢٠.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٧٥.

١٦٥

أقاربه إلى أقرب جد ينسب إليه الرجل ، فيرتقي إلى بني علي عليه‌السلام دون بني عبد المطلب وعبد مناف ، وبعد زمانه لا يصرف إلاّ إلى أولاد ذلك العلوي ومن ينسب اليه ، لا إلى علي عليه‌السلام.

______________________________________________________

من أقاربه إلى أقرب جد ينسب إليه الرجل ، فيرتقي إلى بني علي عليه‌السلام دون بني عبد المطلب وبني عبد مناف ، وبعد زمانه لا يصرف إلاّ إلى أولاد ذلك العلوي ومن ينسب اليه ، لا إلى علي عليه‌السلام ).

محصل المسألة : إنّه لو أوصى لأقارب علوي معيّن ، كما لو أوصى لأقارب موسى بن جعفر عليه‌السلام العلوي مثلا ، فاما أن تكون الوصية في زمان ذلك العلوي ، أو بعد زمانه : فإن كانت في زمانه وجب الارتقاء في بني الأعمام من أقاربه إلى أقرب جد ينسب إليه الرجل عرفا ، وذلك علي عليه‌السلام ، لأنه المشهور بالنسبة إليه ، بخلاف عبد المطلب وعبد مناف وأبي طالب فلا يرتقي في الأقرباء إلى من ينسب إلى أحدهم ، لانتفاء كون أحدهم أقرب جد ينسب إليه الرجل.

وإن كانت الوصية واقعة بعد زمان ذلك العلوي لم تصرف إلاّ إلى أولاده ـ أعني أولاد ذلك العلوي ـ ومن ينسب إليه دون من ينسب إلى علي عليه‌السلام. والفرق انه ما دام حيا فأقاربه هم المنسوبون إلى جده الأقرب الذي شهرته بالنسبة إليه ، وبعد الموت أقاربه هم المنسوبون إليه لقطع النظر حينئذ عمن ينسب إلى جده.

هذا محصل ما في العبارة ، والحكم مشكل ، والدليل على ما ذكره غير ظاهر ، وقد تقدّم الكلام فيما لو أوصى لأقاربه ، وسبق أن الأصح صرفه إلى من يعد قرابة عرفا دون من يتقرب إليه إلى آخر أب وأم في الإسلام.

فإن قيل : تعليق الوصية بأقارب العلوي يقتضي أن تكون للنسبة إلى علي عليه‌السلام دخل في الاستحقاق.

١٦٦

______________________________________________________

قلنا : هذا إن كان الموصي أوصى لقرابة العلوي مصرّحا بهذه النسبة ، وحينئذ فلا فرق بين كون الوصية في زمان ذلك العلوي أو بعده.

والذي ذكره المصنف في التذكرة حكاية عن الشافعي ما صورته : وإذا كان الموصي لقرابته من قريش ، قيل : قريش تفترق فمن أيها؟ فقال : من بني عبد مناف ، فقيل : من أيها؟ فقال : من بني المطلب ، قيل : هم يفترقون فمن أيها؟ فقال : من بني عبد يزيد ، قيل : من أيها؟ فقال من بني السائب بن عبيد ، قيل : من أيها؟ فقال : من بني شافع.

قال الشافعي : وبنو شافع لا يفترقون فيكون قرابته من ينسب إلى شافع وهو الأب الأدنى ، ولم يذكر غير ذلك ، ولم يذكر في التذكرة (١) غير هذا ، وليس فيه فرق بين حال الحياة وما بعد الموت.

وذكر الرافعي من الشافعية في كتابه الكبير في الوصية لأقارب زيد ما صورته : يعتبر أقرب جد ينسب إليه الرجل ويعد أصلا وقبيلة في نفسه ، فيرتقي في بني الأعمام إليه ، ولا يعتبر من فوقه حتى لو أوصى لأقارب حسني أو أوصى حسني لأقارب نفسه لم يدخل الحسينيون في الوصية ، وكذلك وصية المأموني لأقاربه ، والوصية لأقارب المأموني لا يدخل فيها أولاد المعتصم وسائر العباسية ، والوصية لأقارب الشافعي في زمانه تصرف إلى أولاد شافع ، ولا يدخل فيها أولاد علي والعباس وإن كان شافع وعلي والعباس كلهم أولاد السائب بن عبيد ، إلى أن قال : وإذا أوصى موص لأقارب بعض أولاد الشافعي في هذه الأزمنة دخل فيه أولاد الشافعي دون غيرهم من أولاد شافع ، وعلى هذا القياس.

هذا كلامه ، والحاصل انه لم يوجد الفرق في الوصية لأقارب العلوي بين كونه‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٧٥ ، الأم ٤ : ١١١.

١٦٧

ولو اوصى لأقاربه دخل الوارث وغيره ، ولو اوصى لأقارب أقاربه دخل الأب والابن فيه.

______________________________________________________

حيا أو ميتا إلاّ هنا ، لأن المذكور في العبارة المحكية إجزاء الوصية لأقارب الشافعي في زمانه والوصية لأقارب بعض أولاد الشافعي في هذه الأزمنة ، وأحدهما غير الآخر ، فالحاصل أن الفرق الذي ذكره المصنف لا وجه له أصلا.

بقي شي‌ء ، وهو انه إذا أوصى لأقارب العلوي هل يقتصر في أقاربه على من انتسب إلى علي عليه‌السلام ، أم يجب اتباع العرف على ما سبق؟ الذي يقتضيه النظر ويناسب الدليل هو الثاني فليلحظ.

قوله : ( ولو أوصى لأقاربه دخل الوارث وغيره ).

أي : لو اوصى لأقارب نفسه دخل فيه الوارث وغيره ، وفي وجه للشافعية انه لا يدخل فيه الوارث لقرينة الشرع ، لأن الوارث لا يوصى له خاصة فلا يدخل في عموم اللفظ (١) ، والأصل ممنوع ، ولو أوصى لأقارب زيد دخل فيه وارث زيد إجماعا ، حكاه في التذكرة (٢).

قوله : ( ولو أوصى لأقارب أقاربه دخل فيه الأب والابن ).

في وجه للشافعية أن الأبوين والأولاد لا يدخلون في الأقارب ويدخل الأحفاد والأجداد ، لأن الوالد والولد لا يعرفان بالقريب بالعرف ، بل القريب من ينتمي إليه بواسطة (٣) ، وهو مذهب أبو حنيفة (٤). وهو خطأ ، لأنه لو اوصى لأقرب الأقارب دخل الأبوان والولد إجماعا ، كذا ذكر في التذكرة (٥).

__________________

(١) الام ٤ : ١١٢ ، المجموع ١٥ : ٤٢٢ ، الوجيز : ٢٦٩.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٧٥.

(٣) مغني المحتاج ٣ : ٦٤ ، الوجيز : ٢٧٦.

(٤) المبسوط للسرخسي ٢٧ : ١٥٥.

(٥) التذكرة ٢ : ٤٧٥.

١٦٨

ولو اوصى لغير المنحصر كالعلويين صح ، ولا يعطى أقل من ثلاثة ، ولا يجب تتبع من غاب عن البلد.

وهل يجوز التخصيص؟ إشكال ، وكذا جواز التفضيل.

______________________________________________________

فعلى هذا لو أوصى لأقارب أقاربه يجب ان لا يدخل الأب والابن عند المخالف بطريق أولى ، لأنهما إذا لم يعدا أقارب لم يعدا أقرب الأقارب ، والحق أنهم يعدون أقارب وأقارب الأقارب لغة وعرفا.

قوله : ( ولو اوصى لغير المنحصر كالعلويين صح ، ولا يعطى أقل من ثلاثة ، ولا يجب تتبع من غاب عن البلد ).

منع بعض العامة من الوصية لغير المنحصرين إلاّ نحو الفقراء والمساكين ، لان التعميم يقتضي الاستيعاب وهو ممتنع ، بخلاف الفقراء ، لثبوت عرف الشرع فيهم المخصص بثلاثة فاتبعناه (١). وليس بشي‌ء ، لأن المناط تعذّر الاستيعاب فيثبت الحكم حيث ثبت ، وعلى هذا فيجب ان يعطى ثلاثة فصاعدا ، نظرا إلى ظاهر لفظ الجمع.

ولا يجب تتبع من غاب عن البلد قطعا ، لكن هل يجب استيعاب من حضر البلد؟ يحتمل ذلك كما سبق في الوقف ، والأصح العدم ، لانتفاء الدليل ، فإن الوصية هنا للجهة ومن ثمة لم يشترط القبول ، نعم هو أحوط ، قال في التذكرة : ولا ريب في أولويته (٢).

قوله : ( وهل يجوز التخصيص؟ اشكال وكذا جواز التفضيل ).

منشأ الاشكال الأول من أن العمل بالوصية ما أمكن واجب ، وأنما سقط وجوب التعميم للتعذر ، فيجب استيعاب من أمكن ، إذ لا يسقط الميسور بالمعسور. ومن ان الوصية للمنتشرين الذين يتعذر استيعابهم ، وإنما يتصور القول بصحتها إذا أريد‌

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ٢٧ : ١٥٨.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٧٤.

١٦٩

أما لو اوصى لثلاثة معيّنين فإنه يجب التسوية.

ولو اوصى لبني فلان وهم منحصرون اختص بالذكور ،

______________________________________________________

بهم كونهم مصرفا كالزكاة فجاز التخصيص ، وهذا أقوى.

ولم يسقط وجوب التعميم ، للتعذر ، بل التعذر اقتضى عدم إرادته ، وان الموصى لهم مصرف كالفقراء ، وهو الأقرب. نعم لو نص الموصي على الاستيعاب ما أمكن تعيّن ، ومن هذا يظهر منشأ الاشكال الثاني وان الأقرب جواز التفضيل أيضا.

وقول الشارح الفاضل : إنّ الوصية بلفظ تقتضي التعميم ، اما ان يراد منه كل واحد واحد أو الكل المجموع إلخ (١) ، منظور فيه إذ الحصر ممنوع ، ولم لا يجوز ان يراد الجميع على جهة المصرف ، وقرينته تعذر استيعابهم كما في الزكاة والوقف ، والأصل براءة الذمة من وجوب استيعاب من زاد على الثلاثة فشغلها يتوقف على الدليل.

قوله : ( أما لو اوصى لثلاثة معينين فإنه يجب التسوية ).

وذلك لأن الموصى له هم المعيّنون ، ونسبتهم إلى الوصية واحدة فيستوون فيها ، ولأن الأصل عدم التفاضل ، بخلاف غير المنحصرين.

قوله : ( ولو أوصى لبني فلان وهم منحصرون اختص بالذكور ).

وذلك لأن لفظة بني حقيقة في الذكور ، كما ان بنات حقيقة في الإناث. ويحتمل دخول الإناث تبعا لكثرة وقوعه في الاستعمال ، ولأن صيغ المذكر تشمل الإناث تبعا ، قال الله تعالى ( وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً ) (٢) ، ( فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ ) (٣) ، وجميع خطابات التكليف بلفظ الذكور شاملة للإناث ، وهو مقرب التذكرة (٤).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٥٢٠.

(٢) النساء : ١٧٦.

(٣) النساء : ١١.

(٤) التذكرة ٢ : ٤٧٤.

١٧٠

ولو كانوا منتشرين دخل الإناث.

ولو اوصى للأرامل فهو لمن مات عنهن أزواجهن ، أو بنّ عنهم بسبب. ولو اوصى للإخوة لم تدخل الأخوات.

ولو اوصى للأيتام لم يدخل البالغ ، ولا‌ من له أب.

______________________________________________________

ويمكن الجواب بان الدليل قد قام على ذلك ولا يلزم منه ثبوت الحكم في كل موضع.

واحترز بقوله : ( وهم منحصرون ) عما إذا لم يكونوا محصورين ، وصرح بحكم هذا بقوله : ( ولو كانوا منتشرين دخل الإناث ). قال المصنف في التذكرة في آخر البحث : هذا إذا كانوا محصورين ، واما إن كان بنو فلان اسم قبيلة أو فخذ فإنه يدخل فيه الذكور والإناث إجماعا (١).

قوله : ( ولو اوصى للأرامل فهو لمن مات عنهن أزواجهن ، أو بنّ عنهم بسبب ).

كذا فسر المصنف في التحرير (٢) ، والشهيد في الدروس (٣). وقيل بدخول من لا زوجة له من الرجال في لفظ الأرامل (٤) ، والذي في كلام أهل اللغة ان الأرملة هي المحتاجة المسكينة (٥).

قوله : ( ولو اوصى للإخوة لم تدخل الأخوات ).

لأن لفظ الاخوة لا يشملهن إلاّ مجازا.

قوله : ( ولو اوصى للأيتام لم يدخل البالغ ، ولا من له أب ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٧٧.

(٢) التحرير : ٣٠٢.

(٣) الدروس : ٢٤٤.

(٤) قاله بعض العامة ، انظر : المجموع ١٥ : ٤٦٤.

(٥) الصحاح ٤ : ١٧١٣. « رمل ».

١٧١

ولو اوصى لورثة فلان ، ومات عن غير وارث بطلت ، وفي الموالي إشكال.

ولو قال : لعصبة زيد فمات الموصي وزيد حي أعطي عصبته ، ولو‌

______________________________________________________

نص عليه أهل اللغة ، قال في القاموس : اليتم بالضم : الانفراد أو فقدان الأب ، ويحرك ، ثم قال : وقد يتم كضرب وعلم يتما ، ويفتح إلى ان قال : ما لم يبلغ الحكم (١).

قوله : ( ولو اوصى لورثة فلان ومات عن غير وارث بطلت ، وفي الموالي إشكال ).

لو أوصى لورثة فلان دخل فيهم الذكور والإناث ، بنسب أو سبب ، ويستوون في الوصية سواء تفاوتوا في الميراث أو اتفقوا ، خلافا للحنفية حيث نزّلوها على استحقاق الإرث (٢).

ولو لم يكن له وارث خاص وصرف ماله إلى بيت المال ، فقد قال المصنف في التذكرة : بطلت الوصية عند الشافعية (٣) ، قال : وأما على مذهبنا فمقتضاه انه يكون للإمام ، لأنه وارث من لا وارث له فهو وارث خاص (٤) ، وما ذكره محتمل.

وفي دخول الموالي إشكال ينشأ : من كون المولى وارثا لغة وشرعا ، ومن عدم تناول الوارث له عرفا ، ويضعف بأنّ الحقيقة الشرعية مقدّمة ، والظاهر دخول الموالي والامام في الوصية ، ولا يستحق الوصية إلاّ من كان وارثا لفلان بالفعل قبل موت الموصي ، كما يدل عليه ما سيأتي في العبارة.

قوله : ( ولو قال : لعصبة زيد فمات الموصي وزيد حي أعطي عصبته ،

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ١٩٥ « يتم ».

(٢) المبسوط ٢٧ : ١٤٨.

(٣) المجموع ١٥ : ٤١٢ ، المغني لابن قدامة ٦ : ٥٦٥.

(٤) التذكرة ٢ : ٤٧٧.

١٧٢

قال : لورثته بطلت.

ولو اوصى للشيوخ صرف إلى من جاوز الأربعين ، وللشبان إلى من جاوز البلوغ إلى الثلاثين ، وللكهول إلى من بلغ الأربعين ، وللغلمان والصبيان من لم يبلغ.

______________________________________________________

ولو قال : لورثته بطلت ).

لأن لفظ العصبة لا يشترط في صدقه موت زيد بخلاف الورثة ، واختار المصنف في التذكرة الصحة في الوصية لورثة فلان إذا مات الموصي وفلان حي ، والتوقف إلى أن يموت فلان فيتبين من يرثه وتصرف إليهم الوصية (١). ويشكل بأن الموصى له لا بد من وجوده وقت الوصية ، وربما تجدد وارث فلان بعدها كما لو تجدد له ولد ، نعم لو ورثه من كان موجودا وقت الوصية لم يكن ما ذكره بعيدا.

ولقائل أن يقول : إنّه لو صح مثل ذلك لزم صحة الوصية للوارث في زمان لم يكن وارثا ، فيلزم انه لو أوصى للعلماء استحق الوصية من تجدد صيرورته عالما بعد موت الموصي ، إذا كان موجودا وقت الوصية ، وهو معلوم البطلان ، إذ الوصية للعلماء يستدعي كون المستحق عالما بالفعل ولو حين موت الموصي.

قوله : ( ولو أوصى للشيوخ صرف إلى من جاوز الأربعين وللشبان إلى من جاوز البلوغ إلى الثلاثين ، وللكهول لمن بلغ الأربعين ، والغلمان والصبيان لمن لم يبلغ ).

أما الغلمان والصبيان فلا بحث فيهم ، وأما الشيوخ والشبّان والفتيان فقد اختلف فيهم.

وحكى المصنف في التذكرة ما ذكره هنا عن بعض الشافعية (٢) ثم قال : والمعتمد‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٧٥.

(٢) المجموع ١٥ : ٤٦٦ ، مغني المحتاج ٣ : ٦١.

١٧٣

ولو اوصى لأعقل الناس صرف إلى الزهاد والعلماء ،

______________________________________________________

الرجوع إلى اللغة أو العرف (١) وما اختاره جيد ، إلاّ ان اللغويين لم يشتغلوا بتحقيق سن الشباب والفتى.

وفي جملة كلام القاموس : إنّ الشيخ يصدق من خمسين أو احدى وخمسين إلى آخر العمر أو الى الثمانين (٢) ، وفي جملة كلامه في الكهل : إنّه من جاوز الثلاثين أو أربعا وثلاثين إلى إحدى وخمسين (٣). فإن لم يتعين معنى اللفظ لغة ولا عرفا ولا علم قصد الموصي اتجه البطلان.

قوله : ( ولو أوصى لأعقل الناس صرف إلى الزهاد والعلماء ).

قال المصنف في التذكرة : ولو أوصى لأعقل الناس في البلد فهو لأجودهم تدبيرا في دينه ودنياه (٤) ، وحكى عن الشافعي انه يصرف إلى أزهدهم (٥).

ولا يخفى ان الزهد وحده لا يكفي في صدق الأعقل من دون العلم ، فحينئذ تظهر جودة ما ذهب إليه هنا. ولما كانت أمور الدنيا غير منظور إليها بالقصد الأول لم يعتبر الحذق في معرفتها في صدق الأعقل ، إلاّ ان لها مدخلا بينا في السلوك إلى الآخرة. وربما كان عدم الحذق فيها قاطعا عن كثير من مقاصد الدين.

وذهب شيخنا الشهيد في الدروس إلى أن الأعلم والأعقل والأزهد والأورع والأتقى وغيرها من صفات المبالغة تحمل على الامام عليه‌السلام وفي كلام منسوب إليه : إنّ أعقل الناس هو المقبل على شأنه ، العارف بأبناء زمانه ، العامل لله بجنانه ولسانه وأركانه (٦).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٧٨.

(٢) القاموس المحيط : ٢٦٣ « شيخ ».

(٣) القاموس المحيط ٤ : ٤٧ « كهل ».

(٤) التذكرة ٢ : ٤٦٩.

(٥) كفاية الأخيار ٢ : ٢٢.

(٦) الدروس : ٢٤٤.

١٧٤

ولو قال : لأحمقهم تبع العرف.

المطلب الثاني : في الأحكام المعنوية.

لو اوصى بخدمة عبده ، أو اجرة داره ، أو ثمرة بستانه ، صح من الثلث أيضا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : لأحمقهم تبع العرف ).

لا أرى لهذه الوصية مصرفا أقرب من القائل بأن معاوية مأجور على حرب أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه‌السلام ، وعلى سبه إياه ، وعلى إهانة أهل البيت عليهم‌السلام وإيذائهم ، فإن هؤلاء يكادون ان يكونوا شرا من عبدة الأوثان وأجهل منهم.

قوله : ( المطلب الثاني : في الأحكام المعنوية ).

إنما كان هذا المبحث في الأحكام المعنوية دون الذي قبله ، لأن البحث الذي قبله قد اشتمل على كثير من الأحكام المتعلقة بمباحث الألفاظ ، كالتواطؤ والاشتراك والحقيقة والمجاز بخلاف هذا المبحث ، فلذلك عنونه بالأحكام الراجعة إلى اللفظ ، وعنون هذا بالأحكام المعنوية في مقابلة الأول.

قوله : ( لو أوصى بخدمة عبده ، أو اجرة داره ، أو ثمرة بستانه صح من الثلث أيضا ).

الوصية بالمنافع صحيحة عند أكثر أهل العلم ، وقد سبق بيان ذلك في كلامه مكررا وذلك في تعريف الوصية وفي المطلب الرابع : الموصى به.

والغرض هنا بيان صحتها من الثلث أيضا كالأعيان ، سواء عدت مالا أم لا ، لأن نقص العين بسبب الوصية بالمنفعة يظهر به التصرف في المال. ولو قال : أو ثمرة بستانه أو غير ذلك من المنافع لكان أولى باعتبار شموله ثم ان في عدّ ثمرة البستان من المنافع مع أنها عين نوع تجوّز وتسامح.

١٧٥

وهي تمليك لا عارية ، فلو مات الموصى له ورث عنه ، وتصح إجارته وإعارته.

ولا يضمن العبد إذا تلف في يده بغير تفريط.

وإذا اوصى له بمنافعه ملك جميع اكتساب العبد من الاصطياد والاحتطاب ، فإن عتق فإشكال.

______________________________________________________

قوله : ( وهي تمليك لا عارية ).

هذا مذهب جميع علمائنا ، واختاره الشافعي ، وقال أبو حنيفة : إنها عارية لازمة لا ملك فيها (١). ويتفرع على القولين ما ذكره من قوله : ( فلو مات الموصى له ورثت عنه ، وتصح إجارته وإعارته ، ولا يضمن العبد إذا تلف في يده بغير تفريط ) ، وعلى القول بأنها عارية فلا إرث ، ولا تصح الإجارة ولا الإعارة ، كما لا تصح ذلك من المستعير.

ولو تلف العبد مثلا في يد الموصى له بغير تفريط ، فعلى القول بأنها عارية ، وأن العارية مضمونه يكون ضامنا ، ولا فرق في ذلك بين كون الوصية بالمنفعة مؤبدة أو موقّتة أو مطلقة.

قوله : ( وإذا أوصى له بمنافعه ملك جميع اكتسابات العبد من الاصطياد والاحتطاب ، فإن عتق فإشكال ).

لا ريب انه إذا أوصى له بمنافعه ملك جميع اكتسابات العبد التي تعدّ منافعا ، حتى الاصطياد والاحتطاب ونحوهما ، لأن الحيازة حق للموصى له فيثبت الملك له بموجبها ، ولا فرق في ذلك بين المعتاد والنادر ، خلافا لبعض الشافعية.

فإن عتق ففي بقاء الحكم في الاحتطاب ونحوه إشكال ينشأ : من أنه ملك جميع منافعه بالوصية ، وملكه مستمر إلى ما بعد العتق. ومن أن تملك المباحات تابع للنية‌

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ٢٨ : ٣.

١٧٦

وفي تملك ولد الجارية وعقرها إشكال ، ينشأ من بطلان الوصية بمنفعة البضع ، وكون الولد جزءا من الام يتبعها في الأحكام ، ومن كون ذلك كله من المنافع.

______________________________________________________

خصوصا على القول بالافتقار في تملكها إلى النية ، فإذا حازها بنيه التملك مع حريته وجب أن يثبت الملك له.

وعلى القول بالتملك بمجرد الحيازة فثبوت الملك له أظهر ، والأول أقوى ، لثبوت استحقاق جميع المنافع التي من جملتها المتنازع فيه ، والأصل بقاؤه. والعتق إنما اقتضى فك الرقبة دون المنافع ، ولأنه لو لم يبق الحكم بحاله لزم تبديل الوصية بالعتق ، وهو باطل. ولا استبعاد في عدم تأثير نية العتق فيما ليس له لو قلنا : يملك المعتق المباحات أمكن إن تجب عليه اجرة مثل حيازتها.

قوله : ( وفي تملك ولد الجارية وعقرها إشكال ).

ينشأ : من بطلان الوصية بمنفعة البضع ، وكون الولد ، جزءا من الام يتبعها في الأحكام.

ومن كون ذلك كله من المنافع ، أي : في كون الموصى له بالمنافع كلها مستحقا للولد المتجدد عن الأمة الموصى بها حيث يكون رقا ، والعقر لو وطئت حيث يكون وطؤها موجبا للعقر إشكال ينشأ : من ان منفعة البضع لا تصح الوصية بها قطعا ، إذ ليست على نهج سائر المنافع يملك بكل سبب صالح لنقل المنفعة ، فلا يندرج في الوصية بجميع المنافع ، فلا يستحق بدلها بالوصية. والولد اما جزء من الأم ، أو بمنزلة الجزء منها ، فلا تتعدى الوصية بالمنافع إليه.

ومن ان كلاّ منهما معدود من المنافع فيندرج في عمومها ، وقد روي انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمّى الولد كسب أبيه (١) ، فيدخل في الاكتساب ، وقد عرفت امتناع تناول‌

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٦٩ ، مسند أحمد بن حنبل ٢ : ١٧٩.

١٧٧

وهل يملك الوطء؟ الأقرب المنع ، ويمنع أيضا الوارث منه ، فإن وطأ أحدهما فهو شبهة لا حدّ عليه ، وتصير أم ولد لو حملت من الوارث لا من‌ الموصى له.

______________________________________________________

العموم لمنفعة البضع ، وأما الولد فلا يقع عليه اسم المنفعة إلاّ بالمجاز ، والأصح العدم.

واعلم انه يلوح من قوله : ( وكون الولد جزءا من الام يتبعها في الأحكام ) ، أن الولد كحال امه رقبته للوارث ومنفعته للموصى له.

قوله : ( وهل يملك الوطء؟ الأقرب المنع ).

وجه القرب ان منفعة البضع لا تملك بالوصية ، ويحتمل ضعيفا الثبوت لو قلنا باستحقاق الموصى له المهر ، وليس بشي‌ء ، لأن الوطء لا يحل إلاّ بالطريق الذي عيّنه الشارع لحله من العقد والملك ، وكلاهما منتف هنا ، وقد كان الأحرى بالمصنف القطع بعدم استحقاق الوطء هنا.

قوله : ( ويمنع أيضا الوارث منه ).

أي : من الوطء وإن كان مالكا للقربة ، لأن فيه تفويتا لبعض المنافع وتعريضا للأمة للهلاك بالطلق ، ونقصان المنفعة بالحبل ، ولو كانت ممن لا تحبل فوجهان ، وربما وجه المنع بأنه غير تام الملك.

قوله : ( فإن وطأ أحدهما فهو شبهة لا حدّ عليه ).

أما الوارث فظاهر ، لأنه مالك الرقبة ، واما الموصى له : فإن وطأها بظن الحل فلا بحث ، وإن كان عالما بالتحريم ففي وجوب الحد وجهان ، أحدهما : ـ وهو المستفاد من إطلاق العبارة وحكاه في التذكرة عن الشيخ (١) ـ العدم ، لقيام الشبهة باعتبار كون المسألة موضع تردد ، وأقربهما ـ واختاره في التذكرة ـ (٢) الوجوب كالمستأجر والشريك.

قوله : ( وتصير أم ولد لو حملت من الوارث لا من الموصى له ).

__________________

(١) المبسوط ٤ : ١٦ ، التذكرة ٢ : ٥٠٧.

(٢) التذكرة ٢ : ٥٠٧.

١٧٨

وإذا منعنا من تملّك الولد فالأقرب سقوط الخدمة عنه.

ولوطئت للشبهة فعلى الواطئ العقر للموصى له على اشكال ،

______________________________________________________

لأن الوارث مالك للرقبة ، بخلاف الموصى له ، وقال الشيخ : تصير أم ولد ويكون الولد حرا للشبهة (١).

قوله : ( وإذا منعنا من تملك الولد فالأقرب سقوط الخدمة عنه ).

أي : إذا حكمنا بأن الولد المتجدد ليس مملوكا للموصى له فالأقرب سقوط الخدمة عنه ، والمراد انه لا يكون الموصى بمنافعه. ووجه القرب : إنّ الموصى بمنافعه إنما هو الام ، ومنافع الولد غير داخلة في منافعها ، كما أن الولد ليس جزءا من الام ولا يشمله اسمها.

ويحتمل ثبوت الحكم في منافعه إلحاقا له بأمه ، ويضعف بانتفاء المقتضي للإلحاق ، إذ ليس جزءا منها ، فيكون كحالها ، ولا من منافعها ليكون من جملة الموصى به ، والأصح ما قربه المصنف.

ولا يخفى أن قوله فيما سبق في وجه الاشكال : إنّ ( الولد جزءا من الام يتبعها في الأحكام ) لو تم لاقتضي شمول الوصية لمنافعه ، إلاّ أنّ ذكره في دليل أحد الطرفين لا يقتضي كونه مرضيا عنده.

قوله : ( ولو وطئت للشبهة فعلى الواطئ العقر للموصى له على اشكال ).

ينشأ : من أن العقر بدل بعض منافعها وقد ملك جميعها الموصى له بالوصية ، وهو مختار الشيخ (٢). ومن ان منفعة البضع لا تملك بالوصية ، فلا يستحق بدلها بها ، وهو الأصح.

ولو قال المصنف : على الاشكال بدل قوله : ( على اشكال ) لكان أولى ، لأن‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ١٦.

(٢) المبسوط ٤ : ١٦.

١٧٩

وإن أتت بولد فهو حر وعلى الواطئ قيمته ، فإن قلنا : الموصى له يملك الولد فالقيمة له وإلاّ فللوارث.

ولو ولدت من الموصى له فهو حر وعليه القيمة ، وفي المستحق ما تقدم.

______________________________________________________

المسألة قد سبق ذكرها وأن فيها اشكالا ، فاعادتها تكرار.

قوله : ( وإن أتت بولد فهو حر ، وعلى الواطئ قيمته ، فإن قلنا : الموصى له يملك الولد فالقيمة له وإلاّ فللوارث ).

لا يخفى ان إطلاق قوله : ( وإن أتت بولد فهو حر ) يحتاج إلى التقييد ، لأنه إنما يحكم بحريته مع كون الواطئ حرا وثبوت الشبهة ، وحينئذ فتجب القيمة إن كان الواطئ غير المستحق لها. ويبنى ذلك على اختلاف القولين في مستحق الولد المملوك ، فإن قلنا : إنّه الموصى له فالقيمة له ، وإلاّ فللوارث.

قوله : ( ولو ولدت من الموصى له فهو حر وعليه القيمة ، وفي المستحق ما تقدم ).

أطلق الحكم بكونها إذا ولدت من الموصى له يكون الولد حرا ، وذلك بناء على نفي الحد وإن كان عالما بالتحريم ، كما دل عليه إطلاق عبارته سابقا. وعلى ما اخترناه من أن انتفاء الحد مشروط بظن الحل فالحرية في الولد مشروطة بذلك أيضا ، وحينئذ فعليه القيمة للمستحق إن كان المستحق هو الوارث ، لامتناع ثبوتها عليه ، ولو كان هو المستحق ، لأن الإنسان لا يعقل استحقاقه على نفسه شيئا.

وقد أورد على عبارة المصنف مناقشة ، وهي انه ذكر ترددا في مستحق الولد مع رقيته وقيمته مع حريته ، وجزم هنا بوجوب القيمة على الموصى له إذا استولدها ، ثم أشار في تعيين المستحق إلى ما سبق ، ولا ريب أن هذا الجزم والتردد متنافيان ، لأن وجوب القيمة عليه إنما يتحقق إذا كان المستحق غيره ، إذ لا يعقل الوجوب عليه‌

١٨٠