جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦١

ويحمل على الظاهر كالحقيقة دون المجاز.

ولو اوصى له بقوس انصرف إلى قوس النشاب والنبل وهي العربية ، والحسبان وهي فارسيّة ، لها مجرى من قصب يجعل فيها سهام صغار ويرمى بها ، دون قوس الندف ، ودون الجلاهق : وهو قوس البندق. ويتخيّر الوارث ولو وجدت قرينة حملت على ما دلت عليه.

______________________________________________________

الثاني : فالمصير إلى القرعة إن لم يعلم إرادة الجميع أو بعض بعينه أقوى.

قوله : ( ويحمل على الظاهر كالحقيقة دون المجاز ).

لأن الحمل على الحقيقة متعيّن ، فإذا قال : أعطوه أسدا أعطي السبع ، إلاّ أن يعلم إرادة الشجاع ، والظاهر هو اللفظ الدال على المعنى دلالة راجحة مع احتمال غيره احتمالا مرجوحا.

قوله : ( ولو أوصى له بقوس انصرف إلى قوس النشاب ، والنبل وهي العربية ، والحسبان وهي فارسية لها مجرى من قصب يجعل فيها سهام صغار ويرمى بها ، دون قوس الندف ، ودون الجلاهق وهو قوس البندق ، ويتخير الوارث ، ولو وجدت قرينة حملت على ما دلت عليه ).

قال في التذكرة : اسم القوس يقع على العربية : وهي التي يرمى به النبل ، وهي السهام العربية. وعلى الفارسية : وهي التي يرمى بها النشّاب ، وعلى القسمي التي لها مجرى تنفذ فيها السهام الصغار ويسمّى الحسبان إلى آخره (١).

ثم قال : إنّ السابق إلى الفهم من لفظ القوس أحد الثلاثة الأول ، وهو استعمال عرفي. فعلى هذا إذا اوصى بقوس انصرف إلى أحد الثلاثة ، وهو مختار الشيخ (٢) ، وابن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٨٤.

(٢) المبسوط ٤ : ٢١.

١٤١

______________________________________________________

حمزة (١) والمصنف هنا ، ويلوح من المختلف اختياره (٢) ، وقال ابن إدريس : يتخير الورثة في إعطاء ما شاءوا من الخمسة ، لأن اسم القوس يقع على كل منها ، ولا دليل للتخصيص (٣).

واختار المصنف في التحرير تخيير الورثة في إعطاء ما شاءوا مما يقع عليه عرف ذلك الموضع (٤) ، وهو حق ، إلاّ أنه فرار عن تحقيق مقتضى العرف الجاري بين الناس ، ولا يريد الشيخ سوى ذلك.

ولا ريب أن لفظ القوس إذا أطلق عرفا معرّى عن القرائن الحالية والمقالية فالأكثر في الاستعمال عدم فهم قوس الجلاهق والندف منه ، إلاّ أن بلوغ ذلك حد الحقيقة محل تأمل. ثم ان هذا القدر من الأرجحية إن أثّر وجب أن يؤثّر في ترجيح العربية على غيرها ، لأنها أكثر في الاستعمال وأقرب الى الفهم ، وقول الشيخ (٥) أشهر ، وإن كان قول ابن إدريس (٦) لا يخلو من قوة.

ومع وجود قرينة مثل : أعطوه قوسا يغزو به ، أو يتعيش به وحرفته ندف القطن لا شك في العمل بمقتضاها. وقد حقق المصنف في التذكرة ان من القرائن حال الموصى له ، فإذا كان ندّافا لا عادة له بالرمي ، أو بنداقا لا عادة له بشي‌ء سواه ،. وجنديا يرمي بقوس النشاب لا غيره انصرفت الوصية إلى القوس الذي يستعمله عادة.

قال : وإن انتفت القرائن فالقرعة ، أو ما يختاره الورثة (٧) أقول : وهذا بناء منه‌

__________________

(١) الوسيلة : ٢٧٦.

(٢) المختلف : ٥٠٣.

(٣) السرائر : ٣٨٨.

(٤) التحرير : ٢٩٤.

(٥) المبسوط ٤ : ٢١.

(٦) السرائر : ٣٨٨.

(٧) التذكرة ٢ : ٤٨٤.

١٤٢

ولو قال : قوس الرمي إلى الطير اعطى الجلاهق ، ولو قال : أعطوه قوسا من قسيّ ، وله قوس ندف وبندق ، اعطي قوس البندق ، لأنه أسبق إلى الفهم ، ولو لم يكن له إلاّ قوس ندف اعطي منها ، أما لو قال : قوسا ، فالأقرب انه يشترى له.

______________________________________________________

على احتمال كون القوس مقولا عليها بالتواطي أو بالاشتراك ، ولا أستبعد التواطؤ فتخير الوارث قوي.

والقوس يؤنث ويذكر ذكره في القاموس (١).

قوله : ( ولو قال : قوس الرمي إلى الطير أعطي الجلاهق ).

قد أغنى عن ذكر هذا قوله : ( ولو وجدت قرينة ) ، فإن الرمي إلى الطير قرينة على إرادة الجلاهق ، ولو أتى بالفاء بدل الواو ليكون تفريعا على ما قبله لكان أولى وأربط.

قوله : ( ولو قال : أعطوه قوسا من قسيّ وله قوس ندف وبندق أعطي قوس البندق ، لأنه أسبق إلى الفهم ، ولو لم يكن له إلاّ قوس ندف اعطي منها ).

في تعيين إعطاء قوس البندق في المسألة الأولى نظر يعلم مما سبق ، وظاهر كلام المصنف في التذكرة تخيّر الوارث أو القرعة (٢) ، وتخيّر الوارث قوي.

قوله : ( أما لو قال : قوسا فالأقرب أنه يشترى له ).

وجه القرب : إنّ لفظ القوس عند الإطلاق إنما يحمل على أحد الثلاثة ، فيجب أن يشترى له أحدها ، بخلاف ما لو قال : من قسيّ فإن ذلك قرينة على عدم إرادة شي‌ء منها.

ويحتمل العدم ، لأن الظاهر أن المراد بقوله : ( أعطوه قوسا ) كونه من قسيّه ،

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ : ٢٤٣ « قوس ».

(٢) التذكرة ٢ : ٤٨٤.

١٤٣

والأقرب دخول الوتر إن كان موجودا ، وإلاّ فلا.

ولو قال : أعطوه قوسي ، ولا قوس له إلاّ واحدة ، انصرفت إليه الوصية من أي الأجناس كان.

ولو اوصى له برأس من مماليكه ، تخيّر الإرث في إعطاء الصغير‌

______________________________________________________

لاستبعاد أن يريد بالإطلاق الشراء وعنده ما يقع عليه اسم القوس ، وعلى ما سبق اختياره من تخيير الوارث في المسألة السابقة فتخييره هنا أولى.

قوله : ( والأقرب دخول الوتر إن كان موجودا ، وإلاّ فلا ).

أي : الأقرب دخول الوتر في الوصية بالقوس إن كان موجودا وقت الوصية ، ووجه القرب : إنّه لا يتم المقصود من القوس إلاّ به ، وانه حين وجوده كالجزء من القوس ، فصار كالفص بالنسبة إلى الخاتم ، والغلاف بالنسبة إلى السيف ، بل هو أولى ، لأن الخاتم بدون الفص ناقص الزينة ، والغلاف حافظ للسيف وأما القوس بدون الوتر فهو بمنزلة عصا ، فهو جزء لا يحصل به المقصود منه ، وهو أظهر ، واختاره المصنف في التحرير (١).

ويحتمل العدم ، لخروجه عن مفهومه ، فصار كسرج الدابة ، والفرق بينهما عرفا باعتبار إطلاق اسم القوس على المجموع ، بخلاف الدابة ، وامتناع حصول المقصود بدونه بخلافها أيضا واضح. وأما إذا لم يكن موجودا معه فإنه لا دليل على إدخاله في الوصية ، ووجوب اجتلابه وإكمال مقصود القوس به.

قوله : ( ولو قال : أعطوه قوسي ولا قوس له إلاّ واحدة انصرفت الوصية إليه من أي الأجناس كان ).

لأن إضافتها إلى نفسه يقتضي ذلك.

قوله : ( ولو أوصى له برأس من مماليكه تخيّر الوارث في إعطاء الصغير‌

__________________

(١) التحرير : ٢٩٤.

١٤٤

والكبير ، والصحيح والمعيب ، والذكر والأنثى والخنثى ، والمسلم والكافر. فإن امتناع أعطي الأقل ، فإن تساووا فالقرعة.

______________________________________________________

والكبير ، والصحيح والمعيب ، والذكر والأنثى والخنثى ، والمسلم والكافر ).

وذلك لوقوع الاسم على كل واحد منها ، وقال بعض الشافعية : لا يعطى الخنثى ، لانصراف اللفظ إلى الغالب المعهود (١) ، وشبهوا ذلك بما لو أوصى بدابة فإنه ينصرف إلى المعهود دون ما يدب على وجه الأرض. والفرق قائم ، لأن الدابة حقيقة عرفية في بعض الأفراد ، بخلاف الرقيق المملوك.

ويجي‌ء على قول هذا البعض المنع من إعطاء المعيب ، لأن المتبادر من إطلاق اللفظ الصحيح ، ولهذا نزّل إطلاق البيع عليه ، والفرق ظاهر فإن البيع وغيره من المعاوضات مبني على المكايسة ، بخلاف التبرعات.

قوله : ( فإن امتنع أعطي الأقل ، فإن تساووا فالقرعة ).

أي : فإن امتنع الوارث من إعطاء شي‌ء من هذه للموصى له أعطاه الحاكم الأقل احتياطا للوارث ، لأن ما زاد على الأقل غير ثابت استحقاقه ، وكذا في كل متواطئ.

فإن تساووا فالقرعة ، لأن التعيين منوط باختيار الوارث ، وقد تعذر بامتناعه ، فصار المستحق مجهولا فلم يبق طريق إلاّ القرعة.

تنبيه : هل يتعيّن صرف الوصية إلى الموجود وقت صدورها أم المتجدد بعدها كالموجود ، حتى لو قال : أعطوه رأسا من مماليكي ولم يكن له مماليك حين الوصية لم يصح أو تعلقت بالمتجدد؟ صرح المصنف في التذكرة بتعلقها بالمتجدد (٢) ، وحكى عن الشافعية في ذلك وجهين (٣).

__________________

(١) انظر المجموع ١٥ : ٤٨٣.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٨٠.

(٣) المجموع ١٥ : ٤٢٦ ، كفاية الأخيار ٢ : ٢٠.

١٤٥

وكذا لو قال : اشتروا له من مالي رأسا.

ولو قال : أعطوه رأسا من رقيقي ، وماتوا أو قتلوا على اشكال قبل الوفاة بطلت.

______________________________________________________

ولا يخفى أن في هذه المسألة وما سبق فيما إذا أوصى لأقرب الناس إليه وله ابن وابن ابن فمات الابن قبل موت الموصي نظرا ، وكأن المصنف ـ نظرا إلى أن متعلّق الوصية التصرف بعد الموت ـ اعتبر تعلقها بكل ما يتجدد الى حين الموت ، وما في هذا التنبيه يأتي في كلام المصنف قريبا.

قوله : ( وكذا لو قال : اشتروا له من مالي رأسا ).

أي : وكذا يتخيّر الوارث في شراء الكبير والصغير لو قال : اشتروا له رأسا من مالي ، والتقريب ما تقدم.

قوله : ( ولو قال : أعطوه رأسا من رقيقي وماتوا أو قتلوا على اشكال قبل الوفاة بطلت ).

أما إذا ماتوا قبل الوفاة فلا بحث في بطلان الوصية ، لفوات محلها ، وأما إذا قتلوا قبلها ففي البطلان إشكال ينشأ : من فوات متعلّق الوصية فتبطل ، ومن أن القيمة بدل منهم فتتعلق بها الوصية ، فإن من استحق العين استحق القيمة ، وهو مختار الشيخ في المبسوط (١) ، واختاره الشارح الفاضل (٢).

واختار المصنف في التذكرة الأول (٣) ، وهو أقرب ، لأن الوصية لم تتضمن ما يدل على تعلقها بالقيمة وقد تحقق قتلهم في ملك الموصي فكان البدل له ، وخروجه عنه وعن وارثه يستدعي سببا يقتضي ذلك ، وهو منتف هنا.

__________________

(١) المبسوط ٤ : ١٨.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٥١٣.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٨٦.

١٤٦

ولو قتلوا بعدها لم تبطل ، وكان للموصى له مطالبة الجاني بقيمة من يعيّنه الوارث.

ولو أعتقهم الموصي بطلت ، ولو بقي واحد تعيّن للوصية ، ولو لم يكن له رقيق حال الوصية بطلت.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قتلوا بعدها لم تبطل ، وكان للموصى له مطالبة الجاني بقيمة من يعينه الوارث ).

هذا إنما يتم إذا كان بعد القبول ، أو قلنا : بأن القبول كاشف ، وهو مختار المصنف ، وكذا على القول بأن الوصية تملك بالموت.

ولو قلنا : إنها إنما تملك بالقبول بطلت ، وقد صرّح المصنف بذلك في التذكرة (١) ، ومؤمن التجهيز على المالك ، فعلى المختار يطالب الوارث بالتعيين فمن عيّنه تعلّقت به الأحكام.

قوله : ( ولو أعتقهم الموصي بطلت ، ولو بقي واحد تعيّن للوصية ).

أما الأول ، فلأن الإعتاق بمنزلة الإتلاف ، ولتضمنه الرجوع من الموصي. وأما الثاني ، فلإمكان تنفيذ الوصية ولا متعلق سواه. وكذا لو قتلوا قبل الوفاة إلاّ واحدا ، فإنه يتعين للوصية على القول بالبطلان مع قتل الجميع.

ولو قتلوا بعد الوفاة إلاّ واحدا ، فعلى القول بأن القبول كاشف يتخير الوارث في التعيين ، وعلى القول بأنه يملك يتعيّن للوصية الباقي.

قوله : ( ولو لم يكن له رقيق حال الوصية بطلت ).

يجب بناء على ما سبق في كلامه ، وعلى ما اختاره في التذكرة (٢) ، أن يقيد بما إذا لم يتجدد له رقيق قبل الموت ، بل يلزمه انه لو تجدد له رقيق بعده ، كما لو تراضى‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٨٦.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٨٠.

١٤٧

أما لو قال : أعطوه رأسا من الرقيق ، أو اشتروا له من مالي ، أو أوصيت له بعبد من مالي لم تبطل.

ولو قال : أعطوه عبدا من مالي ، وله عبد ، تخيّر الوارث بينه وبين الشراء. ولو اوصى بثلث عبده فخرج ثلثاه مستحقا ، صرفت الوصية إلى الثلث الباقي.

______________________________________________________

الوارث والقاتل على أخذ رقيق من الدية تتعلق به الوصية ، إذ إطلاق الوصية عنده لا ينزل على وقت صدورها ، بل هو أعم من ذلك فيتناول ما ذكرناه ، ولو لا ذلك لم يصح تنفيذ وصاياه من ديته ، وقد ثبت بالنص والإجماع ، فكان دليلا على عدم اختصاص الوصية بالموجود في وقت صدورها.

قوله : ( أما لو قال : أعطوه رأسا من الرقيق ، أو اشتروا له من مالي ، أو أوصيت له بعبد من مالي لم تبطل ).

أي : لم تبطل الوصية لو لم يكن له رقيق ، وذلك لأنه لم يضف الرقيق ولا العبد إلى نفسه.

قوله : ( ولو قال : أعطوه عبدا من مالي وله عبيد تخيّر الوارث بينه وبين الشراء ).

وذلك لأنه يصدق على كل من المشتري بماله ، والذي في ملكه أنه عبد من ماله.

ولا يخفى ان الضمير في ( بينه ) يعود الى ما دل عليه الكلام ، وهو إعطاء عبد من عبيده.

قوله : ( ولو اوصى بثلث عبده فخرج ثلثاه مستحقا صرفت الوصية إلى الثلث الباقي ).

أي : لو اوصى لزيد ، أو في وجه من الوجوه بثلث عبده فخرج ثلثاه مستحقا تعيّنت الوصية في الثلث الباقي على ملكه منه ، لأنه يصدق عليه أنه ثلث عبده ، لأن هذا القدر من العلاقة كاف في صحة الإضافة.

١٤٨

ولو قال : أعطوه عبدا من عبيدي ، ولا عبيد له ، ثم تجدد له قبل الموت ، احتمل الصحة ، كما لو قال : أعطوه ألفا ولا مال له ثم تجدد ، أو أعطوه ثلث مالي وله درهم ثم ملك مالا كثيرا ، والمنع اعتبارا بحال الوصية.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : أعطوه عبدا من عبيدي ولا عبيد له ، ثم تجدد له قبل الموت احتمل الصحة ، كما لو قال : أعطوه ألفا ولا مال له ثم تجدد ، أو أعطوه ثلث مالي وله درهم ثم ملك مالا كثيرا ، والمنع اعتبارا بحال الوصية ).

توضيح دليل الصحة : إنّ بطلان الوصية في محل النزاع مع تعلقها بالمال المتجدد في المثال مما لا يجتمعان ، والثاني ثابت فينتفي الأول.

بيان التنافي : إنّ الاعتبار في الوصية إما أن يكون بوقت صدورها ، أو بما يتجدد ، فإن كان الأول وجب الحكم بعدم تعلّقها بالمتجدد في محل النزاع والمثال ، وإن كان الثاني وجب الحكم بتعلّقها به فيهما.

وأما بيان ثبوت الثاني فلرواية السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : من أوصى بثلثه ثم قتل خطأ فإن ثلث ديته داخل في وصيته » (١) ، ولرواية الحسن بن صالح عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل أوصى لمملوكه بثلث ماله ، قال : فقال : « يقوم المملوك ثم ينظر ما يبلغ ثلث الميت » (٢) الحديث ، ولم يستفصل. ولو اختلف الحكم لوجب الاستفصال ، لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، إذ لم يرد في ذلك بيان آخر.

وتوجيه الثاني : إنّ المتبادر من قوله : ( أعطوه عبدا من عبيدي ) إنما هو العبيد الكائنون حال الخطاب ، فمع انتفائهم يقع الخطاب لغوا ، كما لو أوصى بما لا وجود له.

ويمكن أن يقال : لما كانت الوصية تمليكا بعد الوفاة ، أو ما جرى مجراه وجب‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١حديث ٧.

(٢) الاستبصار ٤ : ١٣٤ حديث ٥٠٥. التهذيب ٩ : ٧١٦ حديث ٨٥١.

١٤٩

وكذا لو كان له مماليك ثم ملك آخرين ، فإن أبطلنا الأول تعيّن حقه في الأولين ، وإلاّ تخيّر الوارث.

ولو لم يكن له سوى واحد ومات عنه ، فعلى البطلان يحتمل الصحة هنا.

______________________________________________________

أن يعتبر الملك حينئذ لا قبله ، فاحتمال الصحة لا يخلو من قوة ، ومنه تظهر قوة اختصاص ابن الابن ، فيما إذا أوصى لأقرب الناس إليه وله ابن وابن ابن فمات الابن قبل موته ، وقد جزم المصنف بالحكم هناك وتوقف هنا.

قوله : ( وكذا لو كان له مماليك ثم ملك آخرين ، فإن أبطلنا الأول تعيّن حقه في الأولين ، وإلاّ تخير الوارث ).

أي : وكذا يجي‌ء احتمالان هنا ، وهو ما إذا أوصى له بعبد من عبيده وله عبيد ثم ملك آخرين.

والاحتمالان : أحدهما : تعيين حصة الموصى له في العبيد الأولين ، بناء على احتمال البطلان في المسألة السابقة ، وهي ما إذا أوصى بذلك ولم يكن له عبيد حال الوصية ثم تجدد له ذلك.

والثاني : تخيير الوارث في الإعطاء من الأولين ومن تجدد ، بناء على الصحة في تلك المسألة وتعلّق الوصية بالمتجدد ، وعلى ما سبق ترجيحه فالثاني أرجح.

قوله : ( ولو لم يكن له سوى واحد ومات عنه ، فعلى البطلان في المسألة السابقة يحتمل الصحة هنا ).

أي : لو أوصى له بعبد من عبيده ، وليس له سوى واحد ومات عنه ، فعلى البطلان في المسألة السابقة يحتمل الصحة هنا ، لوجود ما تتعلق به الوصية ، وكونه بعض عبيده صادق مجازا من حيث القوة ، وتنفيذ الوصية واجب بحسب الممكن. ويحتمل البطلان ، لأن المتبادر من قوله : ( من عبيدي ) الموجودون بالفعل ، وذلك وصف للعبد الموصى به ، فإذا انتفى فقد انتفى متعلق الوصية.

١٥٠

ولو اوصى له بشاة أجزأ الذكر والأنثى والخنثى ـ لأن التاء للوحدة وأصلها شاهد ، لأن تصغيرها شويهة ـ ، والصغير والكبير ، والصحيح والمعيب ، والضأن والمعز.

______________________________________________________

وقول المصنف : ( فعلى البطلان يحتمل الصحة هنا ) يحتمل أن يريد بتخصيص احتمال الصحة بتقدير البطلان في المسألة السابقة أنه بتقدير الصحة فيها يلزم القول بالصحة هنا بطريق أولى ، وهو الذي فهمه الشارح الفاضل ولد المصنف (١).

ويحتمل أن لا يريد ذلك ، وتخصيص احتمال الصحة بتقدير البطلان ثمة لبيان الفرق بين هذه المسألة والتي قبلها في الحكم ، وهذا هو الظاهر ، لأنه على تقدير احتمال الصحة في المسألة السابقة يحتمل هنا البطلان أيضا ، نظرا إلى فوات الوصف المقتضي لفوات متعلّق الوصية.

وقوله : ( ومات عنه ) ليس فيه كثير فائدة ، إذ جميع مسائل الوصية لا بد فيها من بقاء الموصى به بعد الموصي ، إذ لو تلف قبله لبطلت الوصية ، لفوات متعلقها. ولا يحترز به عن أن يتجدد له قبل الموت غيره ، لأنه على احتمال البطلان في المسألة السابقة لا تعلق للوصية بالمتجدد.

وليس القول بصحة الوصية بعيدا من الصواب ، لما سبق تحقيقه من أن الحمل على المجاز بمعونة المقام في مثل ذلك أولى من إلغاء الوصية ، كما لو أوصى لأولاده وليس له إلاّ أولاد أولاد.

قوله : ( ولو أوصى بشاة أجزأ الذكر والأنثى والخنثى ، لأن التاء للوحدة ، وأصلها شاهة ، لأن تصغيرها شويهة ، والصغير والكبير والصحيح والمعيب والضأن والمعز ).

نص أهل اللغة على أن اسم الشاة يذكر ويؤنث (٢) ، وذلك دليل على أنه لا‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٥١٥.

(٢) انظر الصحاح ٦ : ٢٢٣٨ « شوء ».

١٥١

ولا يجزئ الظبي.

والبعير يدخل فيه الصغير والكبير ، وفي دخول الأنثى اشكال أقربه أنه كالإنسان.

______________________________________________________

يختص بالإناث ، بل هو اسم جنس ، وحينئذ فتكون التاء فيه للوحدة لا محالة. وما ذكره المصنف من أن أصلها شاهة بدليل التصغير صحيح ، إلاّ أنه لا دخل له فيما نحن فيه.

وشمولها الضأن والمعز أمر واضح لا ريب فيه ، وإجزاء كل واحد من المذكورة لصدق الاسم عليه. وذهب الشافعي إلى أن الشاة لا تتناول الكباش والتيوس وإنما هو للإناث عرفا (١) ، ولا يدخل في اسم الشاة السخلة والعناق ، خلافا لبعض الشافعية (٢).

قوله : ( ولا يجزئ الظبي ).

لأن اسم الشاة لا يقع عليه حقيقة ، وإن كان قد يقال للظباء شياه البر ، خلافا لبعض الشافعية (٣).

قوله : ( والبعير يدخل فيه الصغير والكبير ، وفي دخول الأنثى اشكال أقربه أنه كالإنسان ).

قال في الصحاح : البعير من الإبل بمنزلة الإنسان من الناس ، يقال للجمل بعير وللناقة بعير ، وإنما يقال له بعير إذا أجذع (٤) ، ومنه يظهر وجه القرب.

ويحتمل قصره على الذكر نظرا إلى العرف ، وهو خيرة الشيخ في المبسوط (٥) ، واستقرار العرف على ذلك محل منع ، فالأقرب ما قرّبه المصنف.

__________________

(١) الام ٤ : ٩١.

(٢) الوجيز : ٢٧٥.

(٣) المجموع ١٥ : ٤٨٥ ، مغني المحتاج ٣ : ٥٥.

(٤) الصحاح ٢ : ٥٩٣ « بعر ».

(٥) المبسوط ٤ : ١٨.

١٥٢

أما الجمل فكالرجل ، والناقة كالأنثى ، والبكرة بمنزلة الفتاة ، والبكر بمنزلة الفتى ، والثور للذكر ، والبقرة للأنثى ، وفي دخول الجاموس في البقر نظر ، ولا تدخل بقرة الوحش. ولا يدخل في الكلب ولا في الحمار الأنثى.

______________________________________________________

قوله : ( أما الجمل فكالرجل ، والناقة الأنثى ، والبكرة بمنزلة الفتاة ، والبكر بمنزلة الفتى ).

المرجع في ذلك كله إلى اللغة.

قوله : ( والثور للذكر والبقرة للأنثى ).

أما الثور فلا بحث فيه ، وأما البقرة فلقضاء العرف بكونها للأنثى. ويحتمل وقوع الاسم على الذكر والأنثى ، لأنه للجنس كالشاة ، والتاء فيه للوحدة ، ولا خفاء أن الشائع في العرف اختصاصه بالاثني ، وهو مقدم على اللغة ، على ان العرف إن استقر على إطلاق البعير على الذكر تعيّن المصير إليه.

قوله : ( وفي دخول الجاموس في البقر نظر ).

ينشأ من تعارض العرف واللغة ، والظاهر عدم الدخول ، لعدم فهمه من لفظ البقر عرفا.

قوله : ( ولا يدخل بقر الوحش ).

لانتفاء الصدق عند الإطلاق لغة وعرفا.

قوله : ( ولا يدخل في الكلب ولا في الحمار الأنثى ).

لأنهم ميزوا فقالوا : كلب وكلبة ، وحمار وحمارة. ويحتمل كونهما للجنس ، قال في الصحاح : ربما قالوا للأتان حمارة (١) ، فرواه رواية الشي‌ء الغريب ، وكيف كان فالمتبادر‌

__________________

(١) الصحاح ٥ : ٢٠٦٧ « أتن ».

١٥٣

والدابة اسم للخيل والبغال والحمير ، فإن تخصّص عرف بلد بالفرس أو بغيره حمل عليه. ولا يدخل السرج في الفرس ، ولا الثوب في العبد.

ولو اوصى بدار اندرج ما يدخل في المبيع ، فإن انهدمت قبل موته ففي انقطاع الوصية إشكال ، ينشأ من عدم تناول الاسم له ، ومن دخول العرصة والنقض في الوصية.

______________________________________________________

عرفا هو التمييز.

قوله : ( والدابة اسم للخيل والبغال والحمير ، فإنّ تخصص عرف بلد بالفرس أو بغيره حمل عليه ).

الدابة لغة : اسم لكل ما يدب على الأرض ، ثم اختص بذوات الحافر ، فإذا أوصى بها انصرفت الوصية إلى الخيل والبغال الحمير ، فيتخير بينها الوارث ، ولو استقر عرف قوم على خلافه حمل الإطلاق عندهم على المتعارف بينهم.

قوله : ( ولا يدخل السرج ، ولا الثوب في العبد ).

أي : لا يدخل السرج في الوصية بالدابة ، ولا الثوب في الوصية بالعبد ، لخروجهما عن مسمّى الدابة والعبد. وقد سبق في كتاب البيع انّه يدخل في العبد إذا بيع من الثياب ما يقتضي العرف دخوله ، وجزم هنا بعدم دخول الثوب ، وفي الفرق نظر.

قوله : ( ولو أوصى بدار اندرج ما يدخل في المبيع ، فإن انهدمت قبل موته ففي انقطاع الوصية إشكال ، ينشأ من : عدم تناول الاسم له ، ومن دخول العرصة والنقض في الوصية ).

أي : لو أوصى بالدار الفلانية لزيد مثلا ـ بدليل أن النقض من الدار المعينة لا يدخل في الوصية بدار في الجملة ـ فانهدمت قبل موته ، فكان كما لو أوصى بحنطة‌

١٥٤

ولو انهدم بعضها لم تبطل ، وكذا بعد الموت وإن كان قبل القبول.

ولو زاد في عمارتها لم يكن رجوعا ، بخلاف طحن الحنطة.

______________________________________________________

فنبتت ففي انقطاع الوصية وبطلانها إشكال ينشأ من : أن الموصى به الدار المعينة ، وبعد الانهدام لا يقع عليها الاسم فلا تكون متعلق الوصية.

ومن ان اسم الدار متناول للمجموع الذي من جملته العرصة والنقض ، وهما باقيان فلا تبطل الوصية. وكذا في كل مجموع إذا أوصى به فبطلت الجملة وبقيت الأنقاض.

ويفهم من قوله : ( فانهدمت ) انه لو هدمها الموصي بطلت الوصية ، وفي التذكرة تردد في البطلان في الأنقاض والعرصة لو هدمها الموصي ، واختار عدم البطلان لو انهدمت بنفسها (١) ، وما في التذكرة حسن.

والأقرب من الوجهين الثاني : لوجوب تنفيذ الوصية وتحريم التبديل ، ولم يقم دليل على البطلان فيما بقي. إذا عرفت ذلك فاعلم أن اسم الدار يندرج فيه ـ إذا تعلقت به الوصية ـ ما يندرج فيه إذا تعلّق به البيع ، وكذا البستان والقرية والشجرة.

قوله : ( ولو انهدم بعضها لم تبطل ).

أي : لو انهدم بعض الدار لم تبطل الوصية بها ، لكن ينبغي أن يقيّد ذلك بما إذا لم يكن انهدام ذلك البعض قادحا في صدق الاسم ، وإلاّ كان كالأول.

قوله : ( وكذا بعد الموت وان كان قبل القبول ).

أي : وكذا لا تبطل لو كان الانهدام بعد الموت قبل القبول ، لكن بناء على أن القبول كاشف ، ولو جعلناه مملّكا اطرد الاشكال السابق.

قوله : ( ولو زاد في عمارتها لم يكن رجوعا بخلاف طحن الحنطة ).

الفرق بقاء الاسم في الأول دون الثاني ، وفواته موجب لفوات متعلق الوصية‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥١٦.

١٥٥

والجمع يحمل على الثلاثة ، فلو قال : أعتقوا رقابا فأقله ثلاثة ، فإن وفّى الثلث باثنين وبعض الثالث اشترى البعض على اشكال ،

______________________________________________________

فيتعين بطلانها.

قوله : ( والجمع يحمل على الثلاثة ، فلو قال : أعتقوا رقابا ، فأقله ثلاثة ، فإن وفّى الثلث باثنين وبعض الثالث اشترى البعض على اشكال ).

الأظهر بين المحققين ان أقل الجمع ثلاثة ، فإذا أطلق الجمع حمل على المتيقن ، وهو أقل محتملاته ، أعني الثلاثة ، لأن صدقه على ما دونها إنما هو بالمجاز. ولا يتعين الزائد للشك في إرادته ، واللفظ لا يقتضيه ، والأصل براءة الذمة ، فإذا قال : أعتقوا رقابا تعيّن عتق أقل محتملات الجمع ، لما قلناه.

فإن وفّى ثلث الموصي باثنين وبعض الثالث ، ففي وجوب شراء البعض وإعتاقه مع الاثنين إشكال ينشأ : من أن الموصى به إعتاق ثلاثة ، وحقيقة ذلك الرقيق كله ، إذ لا يقع اسم الكل على البعض إلاّ بالمجاز ، فمع تعذّر الموصى به يسقط ، لقبح التكليف به ، ولا يجب شراء غيره ، لانتفاء الدليل.

ومن انه إذا تعذرت الحقيقة وجب المصير إلى المجاز ، ومع التعدد يجب ارتكاب أقرب المجازات إلى الحقيقة. ولا ريب أن اثنين وبعض ثالث أقرب إلى الثلاثة من اثنين.

ولأن إطلاق الثلاثة على الاثنين وبعض الثالث شائع كما في أقراء العدة ، وهذا أقوى ، لأن تنفيذ الوصية إن كان مشروطا بكون الإعتاق لثلاثة تعيّن القول بالبطلان ، للتعذر. والاّ وجب إعتاق ما يحتمله الثلث ، لأن التصرف في الزائد غير جائز ، ولا يسقط الميسور بالمعسور ، وهذا مختار ابن إدريس (١) ، وذهب الشيخ في المبسوط والخلاف إلى‌

__________________

(١) السرائر : ٣٨٧.

١٥٦

فإن وفّى بخسيسين وبعض ثالث ، أو بنفيسين فالأقرب الأول.

تنبيه : الجمع بصيغة أقله تجزي فيه الثلاثة مطلقا ، وكذا بصيغة أكثره مع الإطلاق ، ومع التقييد يجب الأزيد إذا احتمله القيد ، وإن كان أخس فتجب الخمسة الخسيسة ، ولا يجزئ عتق الأربعة النفيسة المساوية قيمة.

______________________________________________________

إعتاق اثنين واعطائهما الزائد (١).

قوله : ( فإن وفّى بخسيسين وبعض ثالث أو بنفيسين فالأقرب الأول ).

أي : فإن وفّى الثلث بخسيسين وبعض ثالث أو بنفيسين ، فهل يتخير من إليه تنفيذ الوصية في شراء أيهما أراد ، أم يتعين عليه الأول؟ الأقرب عند المصنف تعيّنه لما قلناه من أنه أقرب إلى الحقيقة من الاثنين وان كانا نفيسين ، إذ لا اثر للنفاسة والخساسة في ذلك ، وإنما الواجب امتثال الوصية والعمل بمقتضاها. ويحتمل العدم ، إذ لا يحصل الجمع على كل من التقديرين ، والأول أقوى.

قوله : ( تنبيه : الجمع بصيغة أقله تجزئ فيه الثلاثة مطلقا ، وكذا بصيغة أكثره مع الإطلاق ، ومع التقييد يجب الأزيد إذا احتمله القيد ، وإن كان أخس فتجب الخمسة الخسيسة ، ولا يجزئ عتق الأربعة النفيسة المساوية قيمة ).

هذا تنقيح للوصية بصيغة الجمع ، فهو من متممات البحث الذي قبله.

وتحقيقه : إنّه إذا أوصى بصيغة الجمع ، فإما أن يكون بصيغة جمع القلة ، أو صيغة جمع الكثرة. وعلى التقديرين فأما أن يقيد الوصية بأن يقدّر لها مالا ، أو لا ، فالصور‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٢ ، الخلاف : كتاب الوصية مسألة ١٦.

١٥٧

______________________________________________________

أربع.

فإن أوصى بصيغة جمع القلة أجزأت الثلاثة ، فلو قال : أعتقوا عني أعبدا وجب عتق ثلاثة ولا يجب ما زاد ، سواء عيّن لها قدرا من المال كأن قال : أعتقوا أعبدا بألف ، أم لا ، فلو أمكن شراء ثلاثة نفيسة بألف ، أو أربعة خسيسة به تخير ، لأن أقل جمع القلة هو الثلاثة ، والأصل براءة الذمة من تعيّن شراء ما زاد.

وإن أوصى بصيغة جمع الكثرة ، فإما أن يطلق ، أو يقيّد بمقدار من المال. فإن أطلق أجزأ الثلاثة ، لأنها أقل محتملات الجمع ، ولا دليل على إرادة الزائد ، والأصل البراءة.

وإن قيد بمقدار من المال كألف وجب عند المصنف عتق الزائد على الثلاثة بحسب الممكن ، وهو المراد بقوله : ( إذا احتمله القيد ) ، أي : إذا احتمل الزائد القيد وهو تقدير المال ، عملا بمقتضى صيغة الكثرة فإنها لما فوق العشرة ، وتعيين قدر المال مع احتماله للزائد مؤكد ، لمفاد الجمع ودليل على إرادة الزائد ، بخلاف جمع القلة الذي أقل محتملاته الثلاثة.

وفيه نظر ، لأن استعمال جمع الكثرة فيما فوق العشرة ليس لكونه حقيقة فيه ، بل ذلك استعمال طارئ على أصل الوضع اللغوي ، أعني كون أقل الجمع مطلقا ثلاثة ، ولم يبلغ ذلك حد الحقيقة ليتحقق النقل ، ولم يفرق الأصوليون في أن أقل الجمع ثلاثة أو اثنان بين كونه جمع كثرة أو قلة.

ثم إنّ أهل الاستعمالات العرفية والمحاورات العامية لا يعرفون هذا الاستعمال ، ولا شعور لهم به ، فكيف تحمل إطلاقاتهم عليه ، مع أن اللفظ تابع لمقصود لافظه ، المقتضي لتوقف قصد المعنى الموضوع له على العلم بالوضع؟

على أنه لو تم له جميع ذلك من كون الاستعمال حقيقيا ، وشيوعه بحيث يتفاهمه أهل العرف ويتبادر إلى أذهانهم ، يجب أن لا يفرق إذا اوصى بصيغة جمع الكثرة‌

١٥٨

البحث الثاني : في الموصى له : لو قال : إن كان حملها غلاما ، أو إن كان الذي في بطنها غلاما ، أو إن كان ما في بطنها ، أو كل حملها فأعطوه ، فولدت غلامين أو جاريتين ، أو جارية ، أو غلاما وجارية بطلت.

______________________________________________________

بين ما إذا قدّر للوصية مالا وعدمه في وجوب تحري ما زاد على الثلاثة إلى أقل محتملاته عملا بحقيقة اللفظ ، فالفرق الواقع في كلام المصنف غير واضح.

فعلى هذا لو أوصى بعتق رقاب بألف ، وأمكن شراء أربعة نفيسة بألف ، أو خمسة خسيسة به لم يتعين شراء الخمسة لما قلناه بل يتخير ، وعلى ما ذكره المصنف يتعين شراء الخمسة.

ومعنى قول المصنف : ( ولا يجزئ عتق الأربعة النفيسة المساوية قيمة ) ان الأربعة النفيسة المساوية لقيمة الخمسة الخسيسة بحيث تكون قيمة كل منها بقدر المقدر من المال لا يجزي ، لأن الخمسة أقرب إلى مدلول صيغة جمع الكثرة.

قوله : ( البحث الثاني : الموصى له : لو قال إن كان حملها غلاما ، أو إن كان الذي في بطنها غلاما ، أو إن كان ما في بطنها ، أو كل حملها فأعطوه ، فولدت غلامين ، أو جاريتين ، أو جارية ، أو غلاما وجارية بطلت ).

وجه البطلان : إن التنكير في قوله : ( غلاما ) يشعر بالتوحيد ، بل لا يتبادر منه إلاّ ذلك ، فالمفهوم من قوله : ( إن كان حملها غلاما ) أن يكون كله غلاما ، وكذا البواقي ، بل الحكم مع ألفاظ العموم أظهر. وفي وجه للشافعية انها إن ولدت غلامين فالوصية لهما (١).

__________________

(١) انظر : الام ٤ : ١١٣ ، المجموع ١٥ : ٤٧٢ ، الوجيز : ٢٧٥.

١٥٩

ولو قال : إن كان في بطنها غلام ، استحق الغلام دون الجارية وإن ولدا.

ولو ولدت غلامين احتمل تخيير الوارث ، والتشريك ، والإيقاف حتى يصطلحا فإنه متداعى بينهما.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : إن كان في بطنها غلام استحق الغلام دون الجارية ).

أما استحقاقه فلتحقق الشرط ، وهو كون الغلام في بطنها ، لأن ظرفية الشي‌ء لا ينافي الظرفية لغيره ، بخلاف الصور السابقة ، لأنه شرط فيها أن يكون مجموع الحمل غلاما. وأما عدم استحقاق الجارية ، فلأن الموصى له هو الغلام دونها.

قوله : ( ولو ولدت غلامين احتمل تخير الوارث ، والتشريك ، والإيقاف حتى يصطلحا ، فإنه متداعي بينهما ).

أي : لو ولدت في الصورة الأخيرة وهي ما إذا قال : ( إن كان في بطنها ... ).

ووجه الأول : صدق الشرط على كل منهما حقيقة ، ولما كان لفظ غلام مفردا نكرة لم يتناول الغلامين بل كان بالنسبة إليهما متواطئا ، فوجب أن يتخير الوارث ، كما لو أوصى لأحد هذين الشخصين أو لفقير وفقيرين.

ووجه الثاني : انحصار الوصية فيهما ، ولا أولوية لأحدهما على الآخر ، فيكون بمنزلة العين الواحدة إذا ادعاها اثنان ولا ترجيح فإنها يقسم بينهما.

ووجه الثالث : ما ذكره المصنف من أنه مال متداعى بينهما ، ولا يعلم مستحقه منهما فيوقف حتى يصطلحا.

ويضعف الوجهان بانتفاء الدعوى ، للاتفاق على أن المستحق غلام في بطنها ، وهو صادق عليهما فيكون تعيينه للوارث ، كما في كل متواطئ فيكون الراجح هو الوجه الأول.

١٦٠