جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦١

ولو اوصى بمال الغير لم يصح ، لعدم الاختصاص.

ولو اوصى بالمشترك صح في نصيبه ، لاختصاصه به.

ولو اوصى بالخمر والخنزير ، وكلب الهراش ، وطبل اللهو لم تصح.

______________________________________________________

بالمعدوم فبالموجود الذي لا قدرة عليه أولى. وكذا الطير المنفلت في الهواء ونحوه ، قال في التذكرة : ولا نعلم فيه خلافا (١).

قوله : ( ولو أوصى بمال الغير لم يصح ، لعدم الاختصاص ).

إلاّ انه لو قيّد الوصية بتملكه إياه لكانت مقيدة بحال الاختصاص.

قوله : ( ولو أوصى بالمشترك صح في نصيبه ، لاختصاصه به ).

لا فرق في ذلك بين أن يوصي بجميع المشترك أو بقدر نصيبه ، في انه إنما تصح في نصيبه ، لاختصاصه ، بخلاف البيع فإنه لو باع الجميع وقف ملك الغير على الإجازة.

ولو باع قدر نصيبه ففي انصرافه إلى ما يملكه وجهان ، أصحهما انصرافه إليه وقد سبق ، والفرق تأثير الإجازة في بيع الفضولي دون الوصية ، إلاّ على احتمال الدروس (٢). ولو دبر العبد المشترك ، أو قدر نصيبه أمكن تأثير الإجازة هنا ، نظرا إلى قوة جانب العتق.

قوله : ( ولو أوصى بالخمر والخنزير وكلب الهراش وطبل اللهو لم يصح ).

لأن ذلك ليس مالا ولا ينتفع به في محلل ، إلاّ الخمر للتخليل ، وطبل اللهو إذا قبل الزوال عن صفته المحرمة بتغيير يسير لا يزيل الاسم إذا أريد رضاضه كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٨٠.

(٢) الدروس : ٢٤٥.

١٠١

ولو اوصى بما ينتفع به في ثاني الحال ، كالخمر المحترمة التي يرجى انقلابها ، والجر والقابل لتعليم الصيد فالأقرب الجواز. وكذا لو اوصى بالزبل ، أو المجهول كأحد العبدين ، أو بالقسط أو النصيب.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أوصى بما ينتفع به في ثاني الحال ، كالخمر المحترمة التي يرجى انقلابها ، والجر والقابل لتعليم الصيد فالأقرب الجواز ).

الخمر المحترمة عند المسلم هي المتخذة للتخليل ، وذلك حيث يكون إذا انقلبت غير نجسة ، لعدم تنجيسها بنجاسة عارضة.

كذا قيل ، ويشكل بأن تنجيسها لا يمنع الانتفاع بها بعد الانقلاب في الأدوية ، والشرب في محل الضرورة ، لجواز شرب المتنجس عند الضرورة ، وفي نحو الطلاء واللصوق اختيارا ، خصوصا على القول بأن المائع لا يقبل التطهير.

ووجه القرب : ان كلا منهما قابل للانتفاع به ، ولصيرورته مالا فجازت الوصية بهما ، لأنه يكفي لصحة الوصية كون الشي‌ء مالا بالقوة. ويحتمل العدم ، لأن الوصية تمليك ، وهو ممتنع هنا ، وليس بشي‌ء ، بل هو ممكن باعتبار التجدد ، والكبير القابل للتعليم كالجر وفي ذلك ، ولعله ذكر الجر ونظرا إلى أن قبوله أغلب.

قوله : ( وكذا لو أوصى بالزبل ، أو المجهول كأحد العبدين ، أو بالقسط أو النصيب ).

أي : وكذا يصح لو أوصى بالزبل ، والمراد به الطاهر ، لأن غيره نجاسة لا يعتد بالنفع به شرعا ، وبه صرح في الدروس (١) ، وهو مقتضى كلام التذكرة (٢).

قال الشارح الفاضل : البحث هنا في ما لا يملك باعتبار أولوية اليد ، وله منفعة مباحة كالزبل ، فإنه ينتفع به للزرع هل تصح الوصية به أم لا؟ والبحث فيه كالمسألة‌

__________________

(١) الدروس : ٢٤٠.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٨٠.

١٠٢

وكل ما ينتقل إلى الوارث إلاّ القصاص وحد القذف ، فإنه لا يقع للموصى له ، وإن انتقل إلى الوارث لأن المقصود وهو التشفي يحصل للوارث دونه.

______________________________________________________

المتقدمة (١). هذا كلامه ، ويلوح منه انه يعتقد أن المراد بالزبل النجس ، لأن غير النجس يملك ، وهو مال.

وقد سبق ذكر الوصية بالمجهول ، وكأنه أراد هنا الجواز مع الإبهام. ولا بعد في جوازه ، لان الغرر غير قادح هنا ، بخلاف الوصية لأحد الشخصين على جهة الإبهام فإن فيه خلافا ، وقد منع بعضهم منه كما في التمليكات. وقد يحتمل في الموصى به ما لا يحتمل في الموصى له ، ولذلك جازت الوصية بحمل سيكون دون الوصية لحمل سيكون.

قوله : ( وكل ما ينتقل إلى الوارث إلاّ القصاص وحد القذف فإنه لا يقع للموصى له وإن انتقل إلى الوارث ، لأن المقصود ـ وهو التشفي ـ يحصل للوارث دونه ).

أي : وكذا تصح لو أوصى بكل ما ينتقل إلى الوارث إلاّ ما ذكره ، لأنه وأن انتقل إلى الوارث إلاّ أنه لا يتمكن مستحقه من نقله إلى غيره ، لفوات المقصود وهو التشفي. وينبغي أن يكون كل ما جرى هذا المجرى كذلك ، كالتعزير الثابت بالشتم.

وهل تصح الوصية بالحقوق التابعة للأموال ، كالخيار وحق الشفعة حيث لا يبطل بالتأخير؟ حكى المصنف عن الشافعية (٢) في التذكرة المنع ولم يفت بشي‌ء (٣). والمنع متجه ، إذ لا حظّ للموصى له في ذلك ، نعم لو أوصى له بالبيع والخيار معا ، على معنى إن فسخ يكون الثمن له أمكن الصحة ، لوجود الوصية بالمال ، والخيار تابع وفيه‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٥٠٥.

(٢) الوجيز : ٢٧١.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٧٩.

١٠٣

ولو اوصى بكلب ولا كلب له لم تصح ، لتعذر شرائه إن منعنا بيعه مطلقا ، وإلاّ اشترى له ما يصح بيعه ، وعلى الأول لو كان له كلاب ولا مال له فوجه اعتباره من الثلث تقدير القيمة لها.

ويحتمل التقدير بتقويم المنفعة ، أو اعتبار العدد ،

______________________________________________________

نفع ظاهر ، أما لو أوصى بحق التحجير وبالأولوية في الأرض الخراجية ونحو ذلك فإن الصحة أظهر.

قوله : ( ولو أوصى بكلب ولا كلب له لم يصح ، لتعذر شرائه إن منعنا بيعه مطلقا ، وإلاّ اشترى له ما يصح بيعه ).

المراد بقوله : ( إن منعنا بيعه مطلقا ) التعميم في كلب الصيد وغيره. ويشكل إطلاق عدم الصحة بإمكان حصوله للموصى له بغير البيع ، وصحة الوصية دائرة مع إمكان الوجود كما سبق ، فإن تعذر بطلت. أما إذا جوّزنا الشراء ـ وهو الأصح ـ فإن الوارث يتخير في شراء أي الكلاب الأربعة شاء.

قوله : ( وعلى الأول لو كان له كلاب ولا مال له ، فوجه اعتباره من الثلث تقدير القيمة لها ، ويحتمل التقدير بتقويم المنفعة واعتبار العدد ).

أي : على المنع من بيع الكلاب مطلقا لو كان للموصي كلاب ولا مال له سواها ففي اعتباره من الثلث طرق :

الأول : تقدير القيمة لها ، بأن يفرض كونها أموالا تباع ، وينظر كل واحد منها كم يساوي على ذلك التقدير. ووجهه أن الطريق إلى تقويم مالا قيمة له مع وجود منفعة معتبرة شرعا ، كتقدير الحر عبدا عند الحاجة ، وكأرش الجراح الذي لا مقدر له شرعا ليمكن التوصل إلى ما يقابله من المال.

الثاني : التقدير للقيمة بتقويم المنفعة ، لأن المقصود من العين الانتفاع بها ، ولذلك تقل القيمة بقلة المنفعة وتكثر بكثرتها ، وهي مناط صحة الوصية حتى أن ما لا‌

١٠٤

ويتعذر الأولان لو اوصى ذو الكلب وطبل اللهو وزق الخمر بأحدها ، ولا مال سواها.

ولو كان له سواه نفذت الوصية وإن قل ، لأنه خير من ضعف الكلب الذي لا قيمة له.

______________________________________________________

منفعة فيه لا تصح الوصية به.

ووجه الثالث : اعتبار العدد ، لأنه المرجع عند الاستواء ، ولما لم يكن لها قيمة كانت سواء.

وأقربها الأول ، لأن المنفعة كما أنها مقصودة فكذا خصوصية الذات ، لظهور اختلافها وتفاوت الأغراض باختلافها ، فتفرض ذوات قيمة ثم ينظر في ذواتها وصفاتها ، وما يقابل كل واحد منها باعتبار ذاته وصفاته من القيمة ثم يستخرج الثلث.

قوله : ( ويتعذر الأولان لو أوصى ذو الكلب وطبل اللهو وزق الخمر بأحدها ولا مال له سواها ، ولو كان له سواه نفذت الوصية وإن قل ، لأنه خير من ضعف الكلب الذي لا قيمة له ).

هاتان مسألتان متفرعتان على القول بمنع بيع الكلب مطلقا :

الأولى : لو كان لمريض كلب وطبل لا منفعة له في غير المحرّم ولا قيمة لرضاضه وزق خمر محترم ليجوز اقتناؤها فأوصى بأحدها فطريق اعتبار الثلث هنا العدد ليس إلاّ ، لامتناع التقويم والمالية في الطبل والخمر المذكورين ، إذ لا منفعة محللة لهما ، ولا يقابل أحدهما بمال فتعذر الأولان ـ أعني : تقدير القيمة لها أو تقديرها باعتبار المنفعة ـ ، بخلاف الكلب ، لإمكان تقدير القيمة له حيث أن الشارع جعل له دية فهو في حكم المال.

لكن لقائل أن يقول : إنّ طبل اللهو المذكور لا يجوز اقتناؤه ويجب إتلافه فكيف يعتبر كونه ثلثا باعتبار العدد ، ويلزم من اعتباره اعتبار الخمر إن لم تكن محترمة؟

١٠٥

ولو اوصى بطبل لهو بطل ، إلاّ أن يقبل الإصلاح للحرب ، أو غيره مع بقاء الاسم.

ولو لم يصلح إلاّ برضه لم يصح ، فإن الوصية لا تنزّل على الرضاض ، لاعتمادها اسم الطبل.

______________________________________________________

مع أن المصنف في التذكرة قيّد بكونها محترمة (١) ، وكذا الشارح ولده (٢) وأيضا فإنه لو أوصى بالطبل المذكور لم تصح الوصية به فكيف يعدّ ثلثا.

قيل : إنما عدّ ثلثا باعتبار رضاضه ، لأنه وأن لم يكن له قيمة فهو مملوك.

قلنا : هذا ينافي عدم جواز الوصية ، فإنه لو اعتبر رضاضه لزم جواز الوصية به ، إلاّ أن يقال : إنّ عدم جواز الوصية به لم يكن من حيث أنه غير مملوك ، بل لأن نفعه منحصر في الجهة المحترمة ، وإخراجه عن كونه آلة لهو يحتاج إلى تغيير كثير ، وحينئذ فمختار المصنف قريب.

الثانية : لو كان له مال سوى الكلب وإن قل صحت الوصية بالكلب ، لأن المال القليل خير من ضعف الكلب ، لأنه على ذلك التقدير لا يعد مالا ولا قيمة له ، وشرط نفوذ الوصية أن يبقى للورثة من التركة ضعفها.

وللشافعية وجه : إنّ الوصية تنفذ في ثلث الكلب ، لأنه ليس من جنس الأموال فيقدّر كأنه لا مال له ، كما أن وصيته بالمال في هذه الصورة تعتبر من ثلثه ويقدر كأنه لا كلب له. ووجه آخر : أنّه يقوّم الكلب أو منفعته على اختلاف الوجهين السابقين ، وينضم إلى ماله وتنفذ الوصية من الجميع (٣).

قوله : ( ولو أوصى بطبل لهو بطل إلاّ أن يقبل الإصلاح للحرب أو غيره مع بقاء الاسم ، ولو لم يصلح إلاّ برضه لم تصح ، لأن الوصية لا تنزّل على‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٨٢.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٥٠٤.

(٣) الوجيز : ٢٧١.

١٠٦

______________________________________________________

الرضاض لاعتمادها اسم الطبل ).

لفظة الطبل تقع على طبل الحرب الذي يضرب به للتهويل ، وعلى طبل الحجيج والقوافل الذي يضرب لإعلام النزول والارتحال ، وعلى طبل العطارين وهو سفط لهم ، وعلى طبل اللهو. وقد فسر بالكوبة التي يضربها المخنثون وسطها ضيق وطرفاها واسعان ، وهي من الملاهي. قال المصنف في التذكرة : ولعل التمثيل بها أولى من التفسير (١).

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الطبل الذي الغرض المقصود منه أمر محلل ، كطبل الحرب الذي ليس المراد منه اللهو بل التهويل في قلوب العدو يجوز اقتناؤه ، فإن بعض المحرمات قد أبيحت في الحرب كلبس الحرير ، فما لم تكن غايته محرّمة وليس في حد ذاته معصية بطريق أولى ، فلو أوصى بطبل الحرب صحت الوصية.

نقل فيه المصنف في التذكرة الإجماع ، قال : وكذا باقي الطبول إلاّ طبل اللهو ، ولو صلح الطبل للهو وغيره من الأمور المحللة صحت الوصية ، لوجود المنفعة المحللة. ولو لم تصلح إلاّ للهو فإن أمكن إصلاحه للحرب ونحوه بتغيير يسير يبقى معه اسم الطبل صحت الوصية به أيضا ، خلافا لبعض العامة ، لأنه عين يمكن الانتفاع بها انتفاعا محللا مع بقاء الاسم مع تغيير يسير ، فأشبه ما لو أوصى له بعبد مريض لا ينتفع به على حالته تلك ، بخلاف ما لو لم يمكن الانتفاع به إلاّ بتغييره عن صفته بحيث يخرج عن الاسم ، فإن الوصية به لا تصح لاعتمادها اسم الطبل وهو محرّم ، ولا يحمل على ما لا يتناوله اللفظ وهو الرضاض (٢).

واختار في التذكرة الصحة (٣) ، وينزّل على الوصية بالرضاض وإن لم يكن نفيسا‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٨٣.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٨٣.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٨٣.

١٠٧

ولو كان الرضاض من ذهب أو عود كان هو المقصود ، فتنزّل الوصية عليه ، فكأنّه أوصى برضاضه.

ولو اوصى برضاضه صحت ، كأنه قال : يكسّر الطبل ويعطي رضاضه.

ويشترط أن لا يكون الموصى به زائدا على ثلث الموجود عند‌

______________________________________________________

كالمتخذ من الخشب ، والأول أولى ، لأن معظم الغرض من هذا الطبل والفائدة العظمى المقصودة منه محرّمة. ولا ينزّل إطلاق الوصية به على ما لا يقصد منه غالبا ولا ينتقل الذهن إليه ـ وهو الرضاض ـ ، لعدم فهمه من اللفظ ولا قصده من تلك الآلة ـ واعلم أن رضاض الشي‌ء ـ بضم الراء ـ هو فتاته.

قوله : ( ولو كان الرضاض من ذهب أو عود كان هو المقصود فتنزل الوصية عليه ، فكأنه أوصى برضاضه ).

لما كان بين الطبل المتخذ من النفيس والخسيس فرق ـ لأن الأول يقصد منه اللهو المحرم ويقصد رضاضه لنفاسته ، بل قصد رضاضه أقوى من قصد منفعته المحرّمة وأكثر ، بخلاف المتخذ من الخسيس ـ ، فرق بينهما في الحكم فصحت الوصية بالنفيس ونزّل إطلاقها على الغرض الصحيح ، بخلاف المتخذ من الخسيس ، ولم يفرّق بعض العامة بينهما في البطلان.

قوله : ( ولو أوصى برضاضه صحت كأنه قال : يكسر الطبل ويعطى رضاضه ).

أي : لو أوصى برضاض الخسيس صحت الوصية ، لأن الوصية بالنفيس مرّ صحتها تنزيلا على الرضاض ، فإذا صرح بالرضاض كان أولى. ويمكن إرادتهما معا ، لعدم سبق ذكره ، وكيف كان فلا كلام في الصحة هنا.

قوله : ( ويشترط أن لا يكون الموصى به زائدا على ثلث الموجود عند‌

١٠٨

الموت.

ويستحب التقليل ، فالربع أفضل من الثلث ، والخمس أفضل من الربع ، وهكذا.

______________________________________________________

الموت ).

إنما قيده بقوله : ( عند الموت ) ، لأنه الوقت الذي تنتقل فيه التركة إلى الوارث ، فربما كان في وقت الوصية أكثر ثم صار أقل بتلف بعض التركة ، وربما انعكس الحال بتجدد مال بكسب أو إرث أو قبول وصية ، ونحو ذلك.

ويرد عليه أنه ربما تلف بعض التركة بعد الموت وقبل قبض الوارث إياها ، فلا يحسب ذلك على الورثة ويصير الثلث أقل ، وربما تجدد بعد الموت دية نفس أو طرف يصلح ونحوه فيصير أكثر.

ولا يستقيم التقييد بقوله : ( عند الموت ) ، بل يقيّد بوقت قبض الوارث التركة وأخذ دية النفس والطرف ، وقبوله الوصية لمورثه إذا مات بعد موت الموصي الأول بناء على أن القبول كاشف وما جرى هذا المجرى.

قوله : ( ويستحب التقليل ، فالربع أفضل من الثلث ، والخمس أفضل من الربع ، وهكذا ).

ظاهر العبارة أن التقليل مطلقا أفضل ، وليس في النصوص ما يشهد له على إطلاقه. روي عن قيس بن عاصم في الحسن عن الباقر عليه‌السلام قال : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : أوصى بخمس مالي أحب إليّ من أن أوصى بالربع ، ولئن أوصى بالربع أحب إلي من أن أوصى بالثلث ، ومن اوصى بالثلث فلم يترك فقد بالغ » (١) ، وغيره من الأخبار.

وغاية ما ذكره المصنف في التذكرة انه قال : ولا يبعد عندي التقدير بأنه متى‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١حديث ٧ ، الاستبصار ٤ : ١١٩ حديث ٣. وفيهما عن محمد بن قيس.

١٠٩

فلو أوصى بأزيد من الثلث ، فإن أجازت الورثة ، صحت ، وإن منعوا بطلت. ولو أجاز بعض الورثة نفذت الإجازة في قدر حصته من الزيادة ، ولو أجازوا بعض الزائد صح خاصة.

______________________________________________________

كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة لا تستحب الوصية ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علّل المنع من الوصية بقوله ( إِنْ تَرَكَ خَيْراً ) (١) : « لئن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة » (٢).

ولأن إعطاء القريب المحتاج خير من إعطاء الأجنبي ، فمتى لم يبلغ الميراث غناهم كان تركه لهم كعطيتهم ، فيكون ذلك أفضل من الوصية لغيرهم فحينئذ يختلف الحال باختلاف الورثة وكثرتهم وقلتهم وغنائهم وحاجتهم ، ولا يتقدّر بقدر من المال (٣).

هذا كلامه ، وهو حسن ، إلاّ أنه لا يقتضي استحباب التقليل مطلقا.

قوله : ( فلو أوصى بأزيد من الثلث : فإن أجاز الورثة صحت وإن منعوا بطلت ، ولو أجاز بعض الورثة نفذت الإجازة في قدر حصته من الزيادة ، ولو أجازوا بعض الزائد صح خاصة ).

لما علم أن الوصية إنما تنفذ إذا كانت ثلثا فما دون ، تبيّن أنه لو أوصى بأزيد من الثلث نفذت في الثلث ووقف الباقي على الإجازة ، إعطاء لكل منهما حكمه ، فإن أجاز الورثة صحت ، وإن منعوا بطلت الزيادة لا أصل الوصية كما لا يخفى ، وهو ظاهر.

ولو أجاز بعض الورثة دون بعض أثّرت الإجازة في نصيبه من الزيارة ، إذ لا أثر للإجازة في قدر الثلث ، ولو أن جميع الورثة أجازوا الوصية في بعض الزيادة كنصفها أو ثلثها لم ينفذ إلاّ ذلك القدر دون ما سواه.

__________________

(١) البقرة : ١٨.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٠٣ و ٧ : ٨، سنن الترمذي ٤ : ٤٣ حديث ٢١١٦.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٨٠.

١١٠

ولو اوصى ببيع تركته بثمن المثل ففي اشتراط الإجازة إشكال ، والإجازة تنفيذ لفعل الموصى لا ابتداء عطية ، فلا يفتقر إلى قبض ، ويكفي أجزت أو وأنفذت وشبهه. فلو أعتق عبدا ولا مال له سواه ، أو اوصى بعتقه فأجاز الورثة ، فالولاء كله لعصبته دون عصبة الوارث.

______________________________________________________

قوله : ( ولو اوصى ببيع تركته بثمن المثل ففي اشتراط الإجازة إشكال ).

منشأ الاشكال معلوم مما سبق ، ومنه يعلم الراجح من الطرفين.

قوله : ( والإجازة تنفيذ لفعل الموصي لا ابتداء عطية ، فلا تفتقر إلى قبض ويكفي : أجزت ، أو أنفذت ، وشبهه. ولو أعتق عبدا لا مال له سواه ، أو أوصى بعتقه فأجاز الورثة فالولاء كله لعصبته دون عصبة الوارث ).

في كون الإجازة تنفيذا ، أو إمضاء لتصرف الموصي ، أو ابتداء عطية من الورثة وجهان :

المختار عندنا الأول ، لأن الملك باق على المريض لم يخرج عنه بمرضه ، فيصح تصرفه فيه لمصادفته الملك ، وحق الوارث إنما يثبت في ثاني الحال ، فأشبه بيع الشقص المشفوع. وأيضا فإن الوارث ليس بمالك ، وثبوت حق له لا يقتضي كونه مالكا ، لأن الحق أعم من الملك فتصرف الموصي في الملك وإجازة الوارث في معنى الإسقاط لحقه. وأيضا فإن المريض لو برأ من مرضه نفذت تصرفاته المنجّزة بناء على أنها كالوصية ، ولم يفتقر الى الاستئناف.

والثاني : ان الإجازة ابتداء عطية من الورثة ، وتصرف الموصي في الزائد على الثلث لاغ ، لأنه منهي عنه ، والنهي يقتضي الفساد ، ولأن الزيادة حق الورثة فيلغو تصرف الموصى فيها.

وضعفه ظاهر ، لأنّا لا نسلم ان مجرد التلفظ بالوصية منهي عنه ، ولا نسلم ان‌

١١١

ولا فرق بين أن يكون الموصي مريضا أو صحيحا ،

______________________________________________________

النهي هنا يقتضي الفساد ، ولو سلم فإنما يقتضيه لو لم تجز الورثة ، ولا نسلّم أن الزيادة حق الورثة ، بل هي ملك الموصي ، غاية ما في الباب ان حقهم قد تعلّق بها ، ومع الإجازة يسقط كإجازة المرتهن تصرف الراهن ، وقد فرّع المصنف على ذلك فرعين :

الأول : عدم افتقار الإجازة إلى قبض من الموصى له على الأول ، وكذا لا حاجة إلى تجديد هبة وقبول ، بل يكفي : أجزت ، أو أنفذت ، أو أمضيت ، وما أفاد هذا المعنى. وليس للمجيز الرجوع وإن لم يحصل القبض ، بل وإن لم يحصل القبول بعد ، ولأن الإجازة لما كانت تنفيذا لم يبق له معها حق. وعلى القول الثاني يفتقر الى قبول آخر في المجلس وقبض ، وللمجيز الرجوع قبله ، وبه صرح جمع من العامة (١).

الثاني : لو أعتق عبدا لا مال له سواه ، أو أوصى بعتقه فلا بد من اجازة الورثة ، لأن المنجز في المرض كالوصية ، فإذا أجاز الورثة فالولاء كله للموصى ، فيكون لعصبته على أحد الأقوال. وعلى الثاني : فما زاد على الثلث يكون ولاؤه للمجيزين ذكورهم وإناثهم بحسب استحقاقهم ، لأنهم باشروه بالإعتاق.

واحتمل بعض الشافعية كون الولاء للموصي على القولين ، لأن إجازتهم على تقدير كونها ابتداء عطية كاعتاقهم عن الميت بإذنه ، وذلك يقتضي ثبوت الولاء للاذن (٢). وعلى القول الثاني فقد ذهب بعضهم إلى انه لا بد في إجازة العتق من الإتيان بلفظه.

قوله : ( ولا فرق بين أن يكون الموصي مريضا أو صحيحا ).

أي : لا فرق في افتقار الوصية بالزائد على الثلث إلى الإجازة بين أن يكون الموصي مريضا أو صحيحا ، لأن الوصية تمليك بعد الموت ، فلا يختلف الحال بالصحة‌

__________________

(١) المجموع ١٥ : ٤٠٤ ، المغني لابن قدامة ٤ : ٤٥٠.

(٢) المجموع ١٥ : ٤١٠.

١١٢

وتنفذ الإجازة إن وقعت بعد الموت إجماعا ، وفي نفوذها قبله قولان.

______________________________________________________

والمرض ، بخلاف التصرف المنجز.

قوله : ( وتنفذ الإجازة إن وقعت بعد الموت إجماعا ، وفي نفوذها قبله قولان ).

أطبق الأصحاب على أن الإجازة من الوارث إذا وقعت بعد الموت كانت معتبرة ، واختلفوا في اعتبارها لو وقعت قبل الموت.

فاعتبرها الأكثر كالشيخ (١) ، وابن الجنيد (٢) ، وابن بابويه (٣) ، وابن حمزة (٤) ، والمحقق بن سعيد (٥) ، والمصنف في المختلف (٦) ، والتذكرة (٧) وذهب المفيد (٨) وسلاّر (٩) ، وابن إدريس إلى عدم اعتبارها (١٠). والأصح الأول ، لنا عموم قوله تعالى : ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ) (١١) ، وقوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ ) (١٢) خرج ما أخرجه الدليل فيبقى الباقي على الأصل. وأيضا فإن الرد حق الورثة ، فرضاهم مسقط له ، بدليل أن الحق ثابت وإلاّ لم يمنع الموصى من الزائد.

فإن قيل لم يملكوا شيئا بعد.

__________________

(١) النهاية : ٦٠٨ ، الخلاف ٢ : ١٧٩.

(٢) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٠٠.

(٣) الفقيه ٤ : ١٤٧ حديث ٥١٢.

(٤) الوسيلة : ٣٧٥.

(٥) الشرائع ٢ : ٢٤٥.

(٦) المختلف : ٥٠٠.

(٧) التذكرة ٢ : ٤٨٢.

(٨) المقنعة : ١٠١.

(٩) المراسم : ٢٠٣.

(١٠) السرائر : ٣٨٥.

(١١) البقرة : ١٨١.

(١٢) النساء : ١ـ ١٢.

١١٣

______________________________________________________

قلنا : لا يلزم من عدم الملك عدم الحق أصلا.

وأيضا فإنه لو لم يكن لهم حق لانحصر الحق كله في الموصي ، وهو باطل ، ومع ثبوته فهم مسلطون على إسقاطه كسائر الحقوق. وقد روى منصور بن حازم في الصحيح ، ومحمد بن مسلم في الحسن كلاهما عن الصادق عليه‌السلام : في رجل أوصى بوصية وورثته شهود فأجازوا ذلك ، فلما مات الرجل نقضوا الوصية ، هل لهم أن يردوا ما أقروا به في حياته؟ قال : « ليس لهم ذلك ، الوصية جائزة عليهم إذا أقروا بها في حياته » (١) ، وادعى الشيخ على ذلك إجماعنا (٢).

احتج الآخرون بأنها أجازه فيما لا يستحقونه بعد فجرى مجرى ردهم حينئذ.

أجاب المصنف بأنه لو لا تعلق حق الوارث لم يمنع المريض. والفرق بين الإجازة والرد ظاهر ، فإن الرد إنما لم يعتبر حال حياة الموصي ، لأن استمرار الوصية يجري مجرى تجددها حالا فحالا ، بخلاف الإجازة فإن الدوام يؤكدها.

والحاصل ان الرد لما لم يكن مانعا من إنشاء الوصية لم يكن معتبرا ، بخلاف الإجازة فإنها إسقاط لحق قد ثبت ، ودليل الثبوت ما سبق ، ولا يتوقف الثبوت على حصول الملك.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ المفهوم من عبارة الأكثر ومن استدلالهم ، أن هذا الحكم إنما هو فيما إذا أجاز الوارث وصية المريض وما في حكمها.

أما وصية الصحيح فمقتضى قولهم : أنّ الوارث بالإجازة أسقط حقه ان إجازته حينئذ لا تؤثر ، إذ لا حق له. والمصنف في التحرير عمّم الحكم في الإجازة للوصية حال المرض والصحة (٣) ، وعموم الرواية الحاصل من ترك الاستفصال يتناوله ، وكل منهما‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١٤٨ حديث ٥١٣ ، التهذيب ٩ : ١٩٣ حديث ٧٧٦ ، الاستبصار ٤ : ١٢٢ حديث ٤٦٥.

(٢) الخلاف ٢ : ١٧٩ مسألة ١٤ كتاب الوصايا.

(٣) تحرير الأحكام : ٢٩٤.

١١٤

ولا تصح الإجازة إلاّ من جائز التصرف ، فلا تنفذ اجازة المجنون ، والصبي والسفيه ، وتصح من المفلّس.

______________________________________________________

محتمل ، وإن كان التعميم لا يخلو من اشكال.

قوله : ( ولا تصح الإجازة إلاّ من جائز التصرف ، فلا تنفذ إجازة الصبي والمجنون والسفيه ، ويصح من المفلس ).

أما عدم صحة الإجازة من الصبي والمجنون والسفيه فظاهر ، لأن الإجازة تنفيذ للتصرف في المال فهي في حكم التصرف في المال ، وهو ممتنع ممن ذكر.

وأما صحتها من المفلّس فبناها المصنف في التذكرة على أنها تنفيذ حتى لو قلنا بأنها ابتداء عطية لم تصح ، لأنه ليس له هبة ماله (١) ، وهذا يتم في الإجازة بعد الموت. أما في حال المرض فلا ، لأن المفلّس لم يملك شيئا حينئذ ، فلم تتعلق حقوق الغرماء بمتعلق الإجازة ليحجر عليه في ذلك ، إذ لا يحجر عليه إلاّ في الأموال التي تعلقت بها حقوق الغرماء.

على أن لقائل أن يقول : إنّ كانت الإجازة بعد الموت أيضا يجب أن تكون نافذة إذا قلنا بأن قبول الوصية كاشف عن تملّك الموصى له بالموت ، لأن الإجازة والقبول على هذا التقدير يكشفان عن أن المفلّس إن لم يملك الموصى به فلم تتعلق به حقوق الغرماء ، أما على القول بأن القبول جزء السبب فيتم ما ذكره إذا وقعت الإجازة بعد الموت ، لأن الوارث قد ملك حينئذ.

ويشكل هذا أيضا بأن ذلك يقتضي تصرف المفلس في المال الذي تعلقت به حقوق الغرماء ، فلا يتم ما ذكره بحال. واعلم أن العبرة بإجازة الورثة عند الموت لا عند الوصية ، فلو كان له أخ فأجاز ثم تجدد له ابن لامتداد المرض فالمعتبر إجازة الابن.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٨٢.

١١٥

ويعتبر الثلث وقت الوفاة لا الوصية ، سواء كانت الوصية بمعين أو لا ، فلو أوصى الغني ثم افتقر ، والفقير ثم استغنى ، فالحكم بحالة الموت.

ولو قتل خطأ أو استحق أرشا ، خرجت الوصية من ثلث تركته وثلث ديته وأرشه ، وكذا العمد إذا‌ تراضوا بالدية ).

______________________________________________________

قوله : ( ويعتبر الثلث وقت الوفاة لا الوصية ، سواء كانت الوصية بمعين أو بجزء مشاع أو لا ).

قد بيّنا فيما تقدم أن الثلث معتبر بعد الموت ، إذ قد يتجدد مال للميت بعد الموت كالدية إذا ثبت صلحا. وقد يتجدد تلف بعض التركة قبل قبض الوارث ، وكأن المصنف أنّما اعتبر ذلك في مقابل وقت الوصية لا مطلقا ، فكأنه قال : لا يعتبر وقت الوصية. ولا فرق في ذلك بين ان تكون الوصية بمعين كعبد أو بجزء مشاع كربع ، أو لا كمائة درهم.

واعلم ان هذا يستقيم فيما إذا أوصى بقدر معلوم ، أما إذا أوصى بثلث تركته وكان في وقت الوصية قليلا ، فتجدد له مال كثير بالإرث أو بالوصية أو بالاكتساب ، ففي تعلق الوصية بثلث المتجدد مع عدم العلم بإرادة الموصي للموجود وقت الوصية والمتجدد نظر ظاهر ، منشؤه دلالة قرائن الأحوال على أن الموصي لم يرد ثلث المتجدد حيث لا يكون تجدده متوقعا. وقد تقدم الاشكال فيما إذا أوصى لأقرب الناس إليه وله ابن وابن ابن ، فمات الابن فإن استحقاق ابن الابن لها لا يخلو من تردد.

قوله : ( فلو أوصى الغني ثم افتقر ، أو الفقير ثم استغنى فالحكم بحالة الموت ).

هذا واضح إذا كان الموصى به معيّنا كدار أو شقص منها أو مائة درهم. أما إذا كان الموصى به ثلث التركة مثلا ففي الحكم إشكال في الفرض الثاني ينشأ مما سبق ، أما ما عداه فإن تنفيذ الوصية بحسب الممكن واجب.

قوله : ( ولو قتل خطأ أو استحق أرشا خرجت الوصية من ثلث تركته وثلث ديته وأرشه ، وكذا العمد إذا تراضوا بالدية ).

١١٦

ولو اوصى بالمضاربة بتركته اجمع ، على أن نصف الربح للوارث صح.

______________________________________________________

للإطباق على أن ذلك محسوب من التركة ، والوصية تتعلق بمجموعها والأمر في غير العمد واضح. أما العمد فقد يتوقف فيه من حيث تجدد ثبوته بعد الموت ، ويندفع بأنه عوض القصاص الذي هو موروث عن المجني عليه ، وعوض الموروث موروث.

قوله : ( ولو أوصى بالمضاربة بتركته على أن نصف الربح للوارث صح ).

هذا قول الشيخ في النهاية (١) ، وجمع من الأصحاب (٢) ، واختاره المصنف هنا وفي التذكرة (٣) ، وإطلاقه يتناول الوارث الصغير والبالغ ، ويعم ما إذا كانت حصة الموصى له من الربح بقدر اجرة المثل لعمله في المال أو زائدة عليها ، بل صرح المصنف في القراض من هذا الكتاب والتذكرة : بأن الزائد من الحصة عن اجرة المثل لا يحسب من الثلث (٤).

وقد روى خالد بن بكر الطويل قال : دعاني أبي حين حضرته الوفاة فقال يا بني اقبض مال إخوتك الصغار ، واعمل به وخذ نصف الربح وأعطهم النصف وليس عليك ضمان ـ إلى أن قال ـ فدخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فاقتصصت عليه قصتي فقال عليه‌السلام : « أما فيما بينك وبين الله فليس عليك ضمان » (٥).

وعن محمد بن مسلم ، عن ابي عبد الله عليه‌السلام : انه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال له ، فأذن له عند الوصية أن يعمل بالمال ويكون الربح بينه‌

__________________

(١) النهاية : ٦٠٨.

(٢) منهم ابن البراج كما نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥١١.

(٣) التذكرة ٢ : ٥٢٠.

(٤) التذكرة ٢ : ٢٣٠.

(٥) الكافي ٧ : ٦٢ حديث ١٦.

١١٧

______________________________________________________

وبينهم؟ قال : فقال : « لا بأس به من أجل أنّ أباه قد أذن له في ذلك وهو حي » (١).

وهاتان الروايتان تعمّان ما إذا كان الربح بقدر أجرة المثل ، وما إذا كان زائدا عليها بقدر الثلث أو أكثر ، من حيث أنه عليه‌السلام ترك الاستفصال في حكاية الحال ، وهو دليل العموم عند جمع من الأصوليين. ويؤيده ما ذكره المصنف من أن المقيد بالثلث هو تفويت بعض التركة ، وليس حاصلا هنا لانتفاء الربح حينئذ.

فإن قيل : عدم وجود الربح حينئذ لا يخل بتفويته ، فإنه لو أوصى بما تحمله دابته أو أمته لكان ذلك محسوبا من الثلث مع انتفائه حينئذ.

قلنا : الفرق بين الربح والحمل ثابت ، فإن الحمل نماء الملك وهو متوقع وجوده ، بخلاف الربح فإنه أثر سعي العامل وتجارته ، وليس هو نماء الملك بل السلعة التي يشتريها بمال التركة وليست من التركة فلا يكون الربح شيئا من أموال الميت ولا من منافعها هذا ، مع أنه إنما يحدث على ملك العامل والوارث من أول الأمر ، فما يملكه العامل ليس للوارث ولا للموصي فيه حق.

فإن قيل : إنّ السلعة المقابلة بمال التركة تحسب من التركة ، لأنها تشترى بعين المال على مقتضى وضع المضاربة فتكون ملكا للوارث ، فيكون نماؤها له.

قلنا : إنما يدخل في ملكه على تقدير صحة المضاربة ، إذ لولاها لم يكن الشراء نافذا ، ومتى صحت المضاربة كانت الحصة من الربح ملكا للعامل.

والحاصل أنه لو لا صحة المضاربة لأدى فسادها إلى عدم الفساد ، بيانه : إنّ فسادها على تقدير ثبوته إنما يكون لتفويت ما زاد على الثلث من التركة تبرعا ، وذلك إنما يكون على تقدير أن تكون الحصة أزيد من أجرة المثل بزيادة على الثلث ، وأن يكون ذلك من نماء مال التركة ، وإنما يكون ذلك من نماء مال التركة إذا صحت‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٦٢ حديث ١٩.

١١٨

ولو اوصى بواجب وغيره ، بدئ بالواجب من صلب المال ،

______________________________________________________

المضاربة ليكون الشراء نافذا ، فإذا فسدت المضاربة لم ينفذ الشراء فلم يتحقق الربح ، فانتفى التصرف في الزائد على الثلث ، فانتفى المقتضي للفساد فوجب الحكم بالصحة ، ومتى أدى فرض الفساد إلى عدمه ، كان فرضه محالا.

وقال ابن إدريس : إنّ الوصية لا تنفذ إلاّ في ثلث المال قبل موته ، والربح تجدد بعد موته فكيف تنفذ وصيته وقوله فيه (١)؟. ولا محصل لذلك ، لأن الوصية بما تحمله الدابة وبالمنافع المتجددة جائز.

نعم قد يقال : إنّ منع الوارث من أعيان التركة القابلة للمضاربة ، وتنفيذ الوصية بالمضاربة بها على كل حال يفضي إلى جواز المضاربة عليها بحصة قليلة من الربح ، هي سهم الوارث مدّة طويلة جدا كخمسين سنة ، وذلك في حكم منع الوارث من التركة أصلا ، وهو بيّن البطلان فالحاصل أن الصحة مطلقا تفضي إلى محال ، وذلك يقتضي بطلان الملزوم.

وقد ذهب بعض المتأخرين إلى أن المحاباة في الحصة من الربح بالنسبة إلى أجرة المثل محسوبة من الثلث ، وقد عرفت فساده بما ذكرناه من أن الربح ليس من مال الموصي ولا نماؤه.

ولو اعتبرت منفعة المال الذي وقعت المضاربة به مدة المضاربة ، ونسب ذلك إلى أجرة المثل أمكن لو كان له منفعة متقوّمة ، فإن النقد ليس له منفعة متقوّمة. ويمكن اعتبار فرض كون منفعته متقومة ، ثم اعتبار المحاباة حينئذ على تقدير وقوعها من الثلث ، وقد تردد المصنف في هذه المسألة في التحرير (٢) ، وهي موضع التردد.

قوله : ( ولو أوصى بواجب وغيره بدئ بالواجب من صلب المال ،

__________________

(١) السرائر : ٣٨٤.

(٢) التحرير : ٢٩٤.

١١٩

والباقي من الثلث إن لم يجز الوارث ، ويبدأ بالأول فالأول مع القصور.

ولو كان الجميع غير واجب بدأ بالأول فالأول حتى يستوفى الثلث ، ويبطل إن لم يجز الوارث.

______________________________________________________

والباقي من الثلث إن لم يجز الوارث ، ويبدأ بالأول فالأول مع القصور ).

إنما يتم كون الواجب من صلب المال إذا كان متعلقا بالمال حال الحياة كالحج ، ونذر المال ، والكفارات ، وسائر الحقوق المالية كالزكاة والخمس ، لا نحو الصلاة والصوم. وقد قيل : إنّ الصلاة من صلب المال ، وهو ضعيف ، إذ لا تعلق لها بالمال في حال الحياة ، ولم ينص الشارع على وجوب الاستئجار لها بعد الموت.

وهل يجب على المريض الوصية بها وتعيين مال لها من الثلث؟ فيه وجهان ، وإيجاب ذلك ليس ببعيد ، لأن فيه توصلا إلى الإتيان بالواجب ، مع احتمال العدم ، لأن الواجب فعله بنفسه أو بوليه ، لانتفاء الدليل على ما سوى ذلك ، نعم يجب إعلامه بذلك ليتأهب لقضائها ، ويقبل قول المريض في وجوب القضاء على الولي على الظاهر.

إذا عرفت ذلك ، فما عدا الواجب الذي يكون من صلب المال إنما يكون من الثلث وتوفر الثلث عليه ، لأن هذا الواجب لا يختلف الحال في وجوب إخراجه بالوصية به وعدمها ، وحينئذ فلو ضاق الثلث عما سواه ولم يجز الورثة بدئ بالأول ، ثم الذي يليه إن كان قد أوصى بها مرتبة ، ويبطل ما تأخر مما ضاق عنه الثلث.

ولو حصر الجميع في الثلث بدئ بالواجب الصلبي ، فإن فضل من الثلث شي‌ء ولم يف بالباقي اعتبر الترتيب في الوصية وعدمه. ومن هذا يعلم أن الواجب الذي لا تعلّق له بالمال لا فرق بينه وبين سائر الوصايا التي ليست بواجبة ، ومما قررناه يظهر وجه قوله : ( ولو كان الجميع غير واجب بدئ بالأول فالأول حتى يستوفى الثلث ويبطل الزائد إن لم يجز الوارث ).

وهذا إنما يكون إذا اتى بالوصية مرتبة ، أما بأداة الترتيب ، أو في الذكر فقط.

١٢٠