القول الصّراح في البخاري وصحيحه الجامع

الميرزا فتح الله بن محمّد جواد الإصبهاني

القول الصّراح في البخاري وصحيحه الجامع

المؤلف:

الميرزا فتح الله بن محمّد جواد الإصبهاني


المحقق: الشيخ حسين الهرساوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-024-X
الصفحات: ٢٦٢

قال : فكتب الرجل إلى نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قلت ابعثني فبعثني مصدّقاً ، قال : فجعلت أقرأ الكتاب وأقول صدق صدق فامسك يدي والكتاب ، قال : أتبغض علياً؟ قال : قلت : نعم ، قال : فلا تبغضه وان كنت تحبه فازدد له حبّاً ، فوالذي نفس محمد بيده نصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة ، قال : فما كان من الناس أحد بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحب الي من علي ، قال عبدالله فوالذي لا اله الاّ هو ما بيني وبين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الحديث غير أبي بريدة (١).

__________________

١. والرواية قد جاءت في المتون الأُخرى أَكثر فائدة ، وأَوضح دلالة ، من رواية البخاري ، وقد يصح أَن يستدل على المحذوف منها في الوصاية والخلافة في مناقب علي بن أَبي طالب عليه‌السلام.

وفي رواية النسائي : أَخبرنا محمد بن العلاء ، قال : أَنا معاويد ، قال : أَنا الأَعمش ، عن سعيد ، عن بريدة ، عن أَبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت وليه ، فعلي وليه ».

وله أَيضاً : أَخبرنا أَبو داود سليمان بن سيف ، قال : ثنا أَبو نعيم ، قال : أَنا عبدالملك بن أَبي غنيَّة ، قال : ثنا الحكم عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس عن بريدة ، قال : خرجت مع علي إِلى اليمن ، فرأَيت منه جفوة ، فقدمت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكرت علياً فتنقّصته ، فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتغير وجهه ، قال : « يا بريدة ، أَلست أَولى بالمؤمنين من أَنفسهم؟

قلت : بلى يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : « من كنت مولاه ، فعلي مولاه »

وله أَيضاً : أَخبرنا قتيبة بن سعيد ، قال : أَنا جعفر ، وهو ابن سليمان ، عن يزيد الرشك ، عن مطرف بن عبدالله ، عن عمران بن حصين ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إِنَّ علياً مني ، وأَنا منه ، وهو وليُّ كل مؤمن من بعدي ». السنن الكبرى ٥ : ٤٥ رقم ٨٨٤٤ / ٨.

وقال الحافظ الذهبي : أَخبرنا اسحاق الصفار ، أَخبرنا يوسف الآدمي ، أَخبرنا أَبو المكارم اللبان ، أَخبرنا أَبو علي الحداد ، أَخبرنا أَبونعيم ، حدَّثنا سليمان بن أَحمد ، حدَّثنا معاذ بن المثنى ، حدَّثنا مسدد ، حدّثنا جعفر بن سليمان ، عن يزيد الرشك ، عن مطرِّف ، عن عمران بن حصين ، قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سريَّة ، واستعمل عليهم علياً ، فأصاب جارية ، فانكروا عليه ، قال : فتعقد أَربعة من الصحابة ، فقالوا : إِذا لقينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أَخبرناه ، وكان المسلمون إِذا قدموا من سفر ، بدؤوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسلموا عليه ، فلما قدمت السريَّة سلموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقام أَحد الأَربعة ، فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أَلم تر أَنَّ علياً صنع كذا وكذا؟

٨١

__________________

فأقبل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف الغضب في وجهه ، فقال : « ما تريدون من عليٍّ ، ما تريدون من عليٍّ ، ما تريدون من عليٍّ ، إِنَّ علياً منِّي ، وأَنا منه ، وهو ولَيُّ كُلِّ مُؤمن بعدي »

تابعه قتيبة ، وبشر بن هلال ، عفان ، وهو من أَفراد جعفر أَخرجه الترمذي وحسَّنه النسائي. سيرأعلام النبلاء ٨ : ١٩٩ ، أخرجه الترمذي رقم ٣٧١٢ ، والمسند ٤ : ٤٣٧ ـ ٤٣٨.

وفي رواية الطبراني في « الأَوسط » : ... عن بريدة عن أَبيه ، قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً أَميراً على اليمن ، وبعث خالد بن الوليد على الجبل ، فقال : إِن اجتمعتما فعليٌّ على الناس ، فالتقوا وأَصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله ، وأَخذ علي جارية من الخمس ، فدعا خالد بن الوليد بريدة فقال : اغتنمها فأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما صنع ، فقدمت المدينة ودخلت المسجد ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منزله وناس من أَصحابه على بابه ، فقالوا : ما الخبريا بريدة؟ فقلت : خيرٌ ، فتح الله على المسلمين فقالوا : ما أَقدمك؟ قال : جارية أَخذها علي من الخمس فجئت لأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قالوا فاخبره فإنه يسقطه من عين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسمع الكلام ، فخرج مغضباً وقال : ما بالُ أَقوام ينتقصون علياً ، من ينتقص علياً فقد تنقصني ، ومن فارق علياً فارقني ، إِنَّ علياً مني وأَنا منه ، خلق من طينتي وخُلقت من طينة إِبراهيم ، وأَنا أَفضل من إِبراهيم ، ذريةً بعضها من بعض ، والله سميع عليم وذلك يابريدة أَما علمت أَنَّ لعلي أَكثر من الجارية التي أَخذ ، وإِنَّه وليكم من بعدي ، فقلت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصحبة أَلا بسطت يدك حتى أَبايعك على الإِسلام جديداً؟ قال : فما فارقته حتى بايعته على الإِسلام. المعجم الأوسط للطبرني ٧ : ٤٩ رقم ٦٠٨١.

وفي المستدرك للحاكم : ... قال بريدة : فقدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكرت علياً فتنقصته فرأَيت وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتغير فقال : يا بريدة أَلست أَولى بالمؤمنين من أَنفسهم؟ قلت : بلى يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : من كنت مولاه وذكر حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

وفيه أَيضاً : ... قال : فقام أَحد الأَربعة فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أَلم تر أَن علياً صنع كذا وكذا فأعرض عنه ، ثم قام الثاني فقال : مثل ذلك ، فأعرض عنه ، ثم قام الثالث فقال : مثل ذلك ، فأعرض عنه ، ثم قام الرابع ، فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أَلم تر أَن علياً صنع كذا وكذا فاقبل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والغضب في وجهه فقال : ما تريدون من علي إِنَّ علياً مني وأَنا منه وولي كل

٨٢

ولا يخفى أن صريح هذا الكلام ، أن هذا الحذف والاسقاط والتصرف والإختباط والتبديل ، والتغيير ، والتنقيص ، والتبتير ، ليس مما يختص بهذا الحديث ، بل هذه عادته في كل ما كان من هذا القبيل كما صرح به ابن دحية وصرح أيضاً في بتنكبه عن صراط الله القويم.

وقال : أيضاً في موضع آخر بعد أن أورد من حديث مسلم حديثاً ، ثم أورده عن البخاري ما لفظه : بدئنا بما أورده بكماله وقطعه البخاري واسقط منه على عادته كما ترى وهو مما عيب عليه في تصنيفه على ما جرى ولاسيما اسقاطه لذكر علي رضي الله عنه.

وناهيك بهذا القول شاهداً على انحراف البخاري عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وكفاك به دليلاً على سوء رأيه وقبح عقيدته وشناعة سريرته وانهماكه في التعصب المخزي بين الانام ، وأي خزي أعظم من أن يبتر الانسان أحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمحض هواه وسوء رأيه الجالب للهوان والملام وقد ظهر لك انهم في ردّ الحق هائمون ، حائرون ، ( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متمّ نوره ولو كره الكافرون ) (١).

__________________

مؤمن. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. المستدرك للحاكم ٣ : ١١٠ ـ ١١١

والذهبي في تلخيصه للمستدرك : ... فرأَيت وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتغير فقال : يا بريدة أَلست أَولى بالمؤمنين من أَنفسهم؟ قلت : بلى يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه.

وله أَيضاً : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سرية واستعمل عليهم علي بن أَبي طالب ، الحديث بطوله ، وفيه : « ما تريدون من علي إِنَّ علياً مني وأَنا منه وولي كل مؤمن. تلخيص المستدرك ، ذيل المستدرك ٣ : ١١٠ ـ ١١١ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ : ٥٠٤ باب ١٨ رقم ٥٨.

١. الصف : ٨.

٨٣

ثم ان جلالة ابن دحية مما لايخفى على من راجع كتاب وفيات الاعيان لابن خلكان ، و « بغية الوعاة » وغيرها.

قال الاول (١) : أبو الخطاب عمر بن الحسن بن علي بن محمد بن الجميَّل بن فرح بن خلف بن قومس بن مزلال ابن ملاّل بن بدر بن دحية بن خليفة بن فروة الكلبي صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلبي المعروف بذي النسبين الاندلسي البلنسي الحافظ ، إلى أن قال : كان يذكر أن أمّه أمة الرحمن بنت أبي عبدالله ابن أبي البسام موسى بن عبدالله بن الحسين بن جعفر بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، فلهذا كان يكتب بخطه ذو النسبين بين دحية والحسين رضي الله عنهما ، وكان يكتب أيضاً : « سبط أبي البسام » اشارة إلى ذلك وكان أبو الخطاب المذكور ، من أعيان العلماء ، ومشاهير الفضلاء ، متقناً لعلم الحديث النبوي وما يتعلق به ، عارفاً بالنحو واللغة ، وأيام العرب ، وأشعارها ، واشتغل بطلب الحديث ، في أكثر بلاد الاندلس الإسلامية ، ولقى بها علمائها ومشايخها ، ثم رحل منها إلى برّ العدوة ودخل مراكش واجتمع بفضلائها ، ثم ارتحل إلى افريقية ، ومنها إلى الديار المصرية ، ثم إلى الشام والشرق والعراق.

وسمع ببغداد من بعض أصحاب ابن الحصين ، وسمع بواسط من أبي الفتح محمد بن أحمد ابن الميداني ، ودخل إلى عراق العجم وخراسان وما والاها ، ومازندران ، وكل ذلك في طلب الحديث والاجتماع بأئمته والأخذ عنهم ، وهو في تلك الحال يؤخذ عنه ، ويستفاد منه ؛ وسمع باصبهان من أبي

__________________

١. ابن خلّكان.

٨٤

جعفر الصيدلاني ، وبنيسابور من منصور بن عبدالمنعم الفراوي (١).

وأثنى عليه في بغية الوعاة وحسن المحاضرة بنظير ما ذكر وقال مات سنة ثلاث وثلاثين وستمائة.

الوجه السادس : ما يدل على جهله وجحوده وتعصبه حيث أنه طعن في حديث الغدير وضعّفه على ما حكاه ابن تيمية عنه في المنهاج.

وذكر الفاضل البدخشاني وهو من عظماء أهل السنة في كتابه المسمى بنزل الأبرار بعد ذكر حديث الغدير : هذا حديث صحيح مشهور لم يتكلّم في صحته الاّ متعصّب جاحد لا اعتبار بقوله.

فإن الحديث كثير الطرق جدّاً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد وقد نصّ الذهبي على كثير من طرقه بالصحة ، ورواه من الصحابة عدد كثير.

وقد نص كثير من اعاظمهم المنقّدين وأفاضلهم المحققين على تواتر هذا الحديث فضلاً عن صحته كما لا يخفى على من راجع « الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة » للعلامة السيوطي مجدّد دينهم في المائة التاسعة ، « والفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة » له أيضاً ، أو راجع « أسنى المطالب » لابن الجزري او شرح « الجامع الصغير » لنور الدين العزيري ، او « شرح الجامع الصغير » للمناوي ، او « المرقاة (٢) » لعلي القاري او « الاربعين » لجلال الدين المحدّث وغيرها ، وقال العلامة التستري رحمهم‌الله بعد ذكر الحديث : وكيف لا يكون الحديث من الصحاح وقد رواه أحمد بن حنبل في مسنده بأكثر من خمس

__________________

١. وفيات الأعيان ٣ : ١٢٢ رقم ٤٦٩.

٢. مرقاة المفاتيح شرح المشكاة كتاب المناقب رقم ٦٠٩١.

٨٥

عشرة طريقاً ، وابن عقدة في مائة وخمس طرق ، وابن المغازلي في اثني عشر طريقاً؟

وقال بعد روايته هذا الحديث ، صحيح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كذا رواه الثعلبي في تفسيره وقد صنّف الشيخ الفاضل ختم المحدّثين محمد الجزري الشافعي في ذلك رسالة ، وقد أثبت فيها تواتر هذا الحديث من سبعين طريقاً ، ونسب منكره إلى الجهل والعصبية.

ولنذكر بعض ما قيل في حقّ ابن الجزري المذكور :

قال السخاوي في الضوء اللامع لأهل القرن التاسع : بعد أن ذكر ترجمة مبسوطة وذكر مصنّفاته ومشايخه وشطراً من حالاته ما لفظه :

وقد ذكر الطاوسي في مشيخته وقال : أنه تفرّد بعلوّ الرواية وحفظ الأحاديث والجرح والتعديل ومعرفة الرواية من المتقدمين والمتأخرين إلى آخر ما ذكره.

وقال في مفتاح كنز الدراية : قال العلامة أبو القاسم عمر بن فهد في معجم شيوخ والده الحافظ تقي الدين بن فهد : هو الامام العلامة أستاذ الأقراء أبو الخيرة قاضي القضاة شمس الدين محمد بن محمد بن محمد علي بن يوسف العمري الدمشقي ثم الشيرازي الشافعي الشهير بابن الجزري بفتح الجيم والزاء وكسر الراء نسبة الى جزيرة ابن عمر ببلاد بكر قرب الموصل.

كان والده تاجراً وبقي مدّة من العمر لم يرزق ولداً فلما حجّ شرب ماء زمزم وسأل الله أن يرزقه ولداً عالماً ، فولد له شيخنا هذا بعد صلاة الترويح من ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة احدى وخمسين

٨٦

وسبعمائة بدمشق ونشأ بها وتفقه بها على العماد بن كثير ولهج بطلب الحديث والقراآت. فسمع من ابن أميلة والصلاح بن أبي عمرو بن كثير في آخرين.

وذكر له اجازة من الذين هم جماعة ، ورحل إلى القاهرة والاسكندرية واعتنى بالقراآت وبرز فيها وبنى مدرسة سماها دار القرآن ودخل بلاد الروم فنشر بها علم القراآت في البلاد الاسلامية.

وكان شكيلاً حسناً ، فصيحاً ، بليغاً ، وتلقب في بلاد الروم بالإمام الأعظم ، وحجّ مرّات واستقرّ أخيراً بشيراز ، وكان أوقاته بين قراءة قرآن واسماع حديث وغير ذلك ، وبورك له فيها.

وكان مع ازدحام الناس عليه يؤلف قدر ما يكتب الناسخ ، لاينام عن قيام الليل في سفر ولا حضر ، ولا يترك صوم الإثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر.

وله المؤلفات العديدة الجامعة المفيدة ، وعدّد جملة منها إلى أن قال : ذكر منها ابن فهد تسعة وثلاثين مؤلفاً ، توفي في يوم الجمعة سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة ، (١).

ولنكتف بهذا النبذ اليسير فالجرعة تدل على القدير.

ولنشرع في ذكر وجوه القدح في صحيحه السقيم ونوردها في فصلين :

أولهما : في ذكر جملة من رواياته الموضوعة وأحاديثه الباطلة مما يجب الحكم بوضعها وبطلانها ولو بنى على أصول العامة وقواعدهم ، أو حكم

__________________

١. الضوء اللامع للسخاوي ٩ : ٢٥٥ ـ ٢٥٩ وهذه الترجمة تلخيص لما في الضوء اللامع.

٨٧

علمائهم بوضعها وبطلانها او استشكلوا فيها ، وهي وان كانت كثيرة لا تحصيها هذه العجالة الاّ أنا نأتي ببعضها ليستدل به على باقيها.

والثاني : في ذكر جملة من رواته الوضاعين الكذابين والخوارج والنواصب بمقتضى تصريحات علمائهم وناقديهم في الحديث والرجال.

٨٨

الفصل الثاني

الروايات المتكلّم فيها

٨٩
٩٠

الفصل الأول : في نبذ من الروايات المشار إليها مع قطع النظر عن التعرض لحال رواتها مما يشهد مضامينها بما فيها.

حديث : خِطبة عائشة

فمنها : ما رواه في كتاب النكاح عن عروة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب عائشة ، فقال له أبوبكر : إنّما أنا أخوك ، فقال : « أنت أخي في دين الله وكتابه وهي لي حلال » (١).

واستشكل بعض علماء العامة ، وهو المغلطاي بن قليج الحنفي ، فانه قال : في صحة هذا الحديث نظر ، لأن الخلّة لأبي بكر إنّما كانت بالمدينة وخطبة عائشة كانت بمكة! فكيف يلتئم قوله : إنّما أنا أخوك؟

وأيضاً : فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما باشر الخطبة بنفسه كما أخرجه ابن أبي عاصم من طريق يحيى بن عبدالرحمن بن خاطب عن عائشة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسل خولة بنت حكيم إلى أبي بكر يخطب عائشة فقال لها أبوبكر وهي لا تصلح له انّما هي بنت أخيه ، فرجعت ، فذكرت ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : ارجعي فقولي له أنت أخي في الإسلام وابنتك تصلح لي.

فاتت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال : ادعي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء فانكحته (٢).

__________________

١. صحيح البخاري كتاب النكاح باب تزويج الصغار رقم ٥٠٨١.

٢. فتح الباري ١١ : ٢٦.

٩١

واثنى السيوطي في « حسن المحاضرة » على هذا الرجل ، (١) وقال : الامام الحافظ علاء الدين ، ولد سنة تسع وثمانين وستمائة (٢).

وكان حافظاً عارفاً بفنون الحديث ، علاّمة في الأنساب ، وله أكثر من مائة مصنّف كشرح البخاري وشرح ابن ماجة وغير ذلك مات في سنة ٧٦٢ هـ (٣).

وأجاب عن هذا الإشكال العسقلاني في فتح الباري بما لفظه ، قلت : اعتراضه الثاني يردّ اعتراضه الاول بوجهين :

أحدهما : أن المذكور في الحديث الأخوة ، وهي أخوة الدّين والّذي اعترض به الخلّة ، وهي أخص من الاخوة ، ثم الذي وقع بالمدينة هو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو كنت متّخذاً خليلاً ... الحديث. الماضي في المناقب من رواية أبي سعيد فليس فيه اثبات الخلّة إلاّ بالقوّة لا بالفعل.

الوجه الثاني : أن في الثاني اثبات ما نفاه في الاول ، والجواب عن اعتراضه بالمباشرة امكان الجمع ، بأنه خاطبه بذلك بعد أن أرسلها (٤).

____________

١. المغلطاي.

٢. وقيل : سنة ٦٩٠ ، وقيل غير ذلك.

٣. مغلطاي بن قِليج بن عبدالله علاء الدّين ، البَكْجَري : امام وقته وحافظ عصره ، صنّف الكثير ، فمن ذلك « شرح البخاري » نحو عشرين مجلّداً ، و « اكمال تهذيب الكمال » ثلاثة عشر مجلّداً ، وشرح قطعة من سنن ابن ماجة في خمس مجلّدات ، وغير ذلك من التصانيف ، كان من علماء الحنفي المذهب ، مات سنة ٧٦٢ هـ وتصانيفه أكثر من مائة ، وكان عارفاً بالأنساب معرفة جيّدة. أنظر : الدرر الكامنة ٤ : ٣٥٢ ، البداية والنهاية ١٤ : ٢٨٢ ، وتاج التراجم : ٢٦٨ رقم ٣٠١ ، ذيل تذكرة الحفاظ : ٣٦٥ ، طبقات الحفاظ : ٥٣٨ ، شذرات الذهب ٦ : ١٩٧ ، هدية العارفين ٢ : ٤٦٧.

٤. فتح الباري ١١ : ٢٦.

٩٢

أقول : توضيح ايراد المورد بحيث يظهر منه سقوط هذا الجواب وفساده ، أن مراد أبي بكر بقوله : إنّما أنا أخوك ماذا؟

فإن أراد الأخوّة الثابتة بمقتضى الاسلام ، حيث أن المؤمنين بعضهم أخوة بعض ، لزم منه اعتقاد بطلان نكاح المسلمين والمسلمات ، وبطلان الأنكحة السابقة الواقعة في هذه الشريعة ، بل في جميع الشرايع ، وانسداد باب التناكح بين المسلمين بالمرّة.

وهذا مما لا يمكن أن ينسب إلى بليد أحمق ، ويتأنف عن احتماله كلّ سفيه أخرق ، فكيف يعتقده الخليفة الذي هو في غاية الدهاء والفراسة؟!

وان أراد منه الاخوّة الثابتة له بالخصوص بتخصيص من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك فهذا التخصيص قد ثبت في حديث الخلّة بالمدينة ، وهو متأخر عن تزويج عائشة!

فكيف يقوله أبو بكر بمكة؟

وحديث الخلّة ، المشتمل على تخصيصه بالاخوة رواه البخاري في باب المناقب بطرق عديدة :

منها : ما عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو كنت متّخذاً خليلاً غير ربي لاتّخذت أبابكر خليلاً ، ولكن أخوّة الاسلام ومودّته (١).

ومنها : ما عن ابن عباس : لو كنت متّخذاً خليلاً من أمّتي لاتّخذت أبابكر ، ولكن أخي وصاحبي (٢).

__________________

١. صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة باب ٣ ، رقم ٣٦٥٤.

٢. المصدر السابق : باب ٥ ، رقم ٣٦٥٦.

٩٣

وتوضيح الايراد الثاني : ان ظاهر ما رواه البخاري أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باشر الخطبة بنفسه وهو ينافي ما في الرواية الاخرى ، أنه أرسل خولة لخطبتها ، ولا يمكن الجمع أيضاً ، فإنه بعد أن عرف أبوبكر أن أخوّة الاسلام لا تمنع من التزويج بما ذكرت له خولة ، وبلّغت إليه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف شافه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثانياً بهذا التوهم الفاسد والاعتقاد الكاسد؟

اذا عرفت هذا ظهر لك فساد ما أجاب به العسقلاني ، فإن قوله المذكور في حديث الاخوّة ، وهي أخوة الدين ، والذي اعترض به الخلة وهي أخصّ من الاخوّة ، في غاية الضعف والبطلان ، وناش من عدم فهم مرام المورد ، حيث أن المورد حمل الاخوّة على الاخوة الخاصة الثابتة لابي بكر لتخصيص لما في الحمل على الاخوّة العامة في الدين من الشناعة.

وذكر أن هذه الاخوّة الخاصة ثابتة في حديث الخلّة ، وهو بالمدينة ولشهرة هذا الحديث اكتفى بقوله : أن الخلة كانت بالمدينة ، ولم يرد أن الخلة هي الاخوة حتى يورد عليه بأنها غيرها ، وأنها أخص منها.

ولما رأى المورد ان رعاية جانب الخليفة أولى من البخاري احتمل أن يكون مراد الخليفة الاخوة في الدين فاستشكل في حديث البخاري وصحته!

فان من ابتلى ببليّتين يختار أهونهما ، والعسقلاني غفل عن ذلك كله وتفوّه بما لا محصّل له.

بل يزيد الامر به شناعة ، من أن المراد الاخوة في الدين ، وأن الخلة غير الاخوة مع أن حديث الخلة مما تعرض هو لشرحه ، وكان حين الجواب بباله حتى أنه أشار اليه بقوله : الحديث الماضي في المناقب عن أبي سعيد ، ولاحول ولا قوّة إلاّ بالله.

٩٤

وأما جوابه عن الاشكال الثاني : بامكان الجمع ، فقد عرفت ما فيه ، فلابد له من تكذيب الحديث أو تحميق الخليفة وتضليله ، فإن اختار الأول فقد أجاد ، وان أصرّ على العناد وقدح في الخليفة الغير السالك مسلك السداد ، فهذا هو عين المراد لأهل الرشاد وأشهى إلينا من تكذيب حديث صحيح امامهم العماد.

نسبة الخلاف إلى ابراهيم

ومنها : ما أورده في مواضع عديدة من صحيحه.

منها : ما في كتاب التفسير : قال : حدّثنا اسماعيل ، قال حدّثنا أخي عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يلقى ابراهيم أباه فيقول : يا ربّ إنّك وعدتني الاّ تخزني يوم يبعثون فيقول الله : اني حرمت الجنة على الكافرين ، وفي رواية أخرى : فيقول : يا ربّ انّك وعدتني ألاّتخزني يوم يبعثون ، وأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ (١).

ولا يخفى ما في هذا الإفتراء من غاية الازراء بشأن ابرهيم عليه‌السلام ومخالفته لنصّ الكتاب الكريم.

أما أولاً : فلخطائه في اعتقاد أن تعذيب أبيه خزي له بل خزي أعظم ، وأي خزي أعظم من هذا.

فان ذلك مما لا يتخيّله من له أدنى عقل ودراية فضلاً عن النبي المعصوم المبعوث للهداية.

وثانياً : للجهل بالمراد من وعده تعالى بأن لايخزيه.

وثالثاً : مخالفته للدلائل العقلية الدالة على المنع من الاستغاثة للمشركين من بعد ما تبيّن لهم أنهم أصحاب الجحيم.

__________________

١. صحيح البخاري كتاب أحاديث الأنبياء رقم ٣٣٥٠.

٩٥

قال الرازي في تفسيره : وسبب هذا المنع ما ذكره الله تعالى في قوله : ( من بعد ما تبيّن لهم أنهم أصحاب الجحيم ) (١) ، وأيضاً قال : ( أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ) (٢) والمعنى أنه تعالى لما أخبر عنهم انه يدخلهم النار وطلب الغفران لهم جار مجرى طلب أن يخلف الله وعده ووعيده ، وأنه لا يجوز.

وأيضاً ، لما سبق قضاء الله تعالى بأنه يعذبهم فلو طلبوا غفرانه لصاروا مردودين وذلك يوجب نقصان درجة النبي وحطّ مرتبته.

وأيضاً أنه قال : ( ادعوني استجب لكم ) (٣) وقال عنهم أنهم اصحاب الجحيم فهذا الاستغفار يوجب دخول الخلف في أحد هذين النصين وأنه لايجوز.

ورابعاً : مخالفته لأمر الله تعالى بل إصراره على المخالفة حيث لم ينته بنهي الله تعالى إيّاه في الدنيا عن الاستغفار ، وصرح بممنوعيته عن الاستغفار لابيه الفخر الرازي في تفسيره (٤) في قوله تعالى : ( وما كان استغفار ابراهيم لأبيه ).

وخامساً : بمنافاة هذه الرواية لقوله تعالى ( فلما تبين له أنه عدوّ لله تبرّأ منه ) ، قال العسقلاني : قد استشكل الاسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعن في صحته ، فقال بعد أن أخرجه :

« هذا حديث في صحته نظر من جهة أن ابراهيم عالم بأن الله لايخلف الميعاد ، فكيف يجعل ما بأبيه خزياً له مع علمه بذلك ».

__________________

١. التوبة : ١١٤. ٢. النساء : ١١٦.

٢. المؤمن : ٦٣. ٤. التفسير الكبير ١٦ : ٢١٢.

٩٦

وقال غيره : هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى : ( وما كان استغفار ابراهيم لأبيه إلاّ عن موعدة وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنه عدوٌّ لله تبرّأ منه ) (١).

قال : والجواب عن ذلك ، أن أهل التفسير اختلفوا في الوقت الذي تبرّأ ابراهيم فيه من أبيه ، فقيل : كان ذلك في الحياة الدنيا لما مات مشركاً ، وهذا الوجه للطبري من طريق حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، واسناده صحيح.

وفي الرواية فلمّا ، مات لم يستغفر له ، ومن طريق علي بن طلحة عن ابن عباس نحوه ، قال : استغفر له ما كان حيّاً فلمّا مات امسك.

وأورد أيضاً ، من طريق مجاهد وقتادة وعمرو بن دينار نحو ذلك ، وقيل إنّما تبرّأ منه يوم القيامة لما آيس منه حين مسخ على ما صرّح به في رواية ابن المنذر التي أشرت إليها ، وهذا أخرجه الطبري أيضاً من طريق عبدالملك بن أبي سليمان سمعت سعيد بن جبير يقول : ان ابراهيم يقول يوم القيامة : ربّ والدي ، فإذا كانت الثالثة أخذ بيده فيلتفت إليه وهو ضبعان فيتبرّأ منه.

ومن طريق عبيد بن عمير قال : يقول ابراهيم لأبيه : اني كنت آمرك في الدنيا فتعصيني ولست تاركك اليوم ، فخذ بحقوتي فيأخذ بضبيعيه فيمسخ ضبعاً ، فإذا رآه ابراهيم مسخ تبرّأ منه.

ويمكن الجمع بين القولين بأنه تبرّأ منه لما مات مشركاً ، فترك الاستغفار لكن لما رآه يوم القيامة ادركته الرقة والرأفة فسأل فيه ، فلمّا رآه مسخ يئس منه حينئذ وتبرّأ تبرّياً أبديّاً.

__________________

١. التوبة : ١١٤.

٩٧

وقيل أن ابراهيم لم يتيقّن موته على الكفر لجواز أن يكون آمن في نفسه ولم يطلع ابراهيم على ذلك ويكون وقت تبريه منه بعد اكالة التي وقعت في هذا الحديث (١).

هذا غاية ما تشبّثوا به لدفع الطعن عن هذا الخبر وفسادها مما لا يخفى.

أما الأخير : الذي نسب إلى القيل : فيرده جميع رواياتهم التي اذعنوا بصحتها.

منها : ما نقله العسقلاني وقال : اسناده صحيح.

ومنها : ما أورده في الدر المنثور ، قال : أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : ( فلمّا تبيّن له ) (٢) حين مات وعلم أن التوبة قد انقطعت منه.

وأخرج الفريابي وابن خزيمة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وأبوبكر الشافعي في فوائده ، والضياء في المختارة عن ابن عباس قال : لم يزل ابراهيم يستغفر لأبيه حتى مات ، فلمّا تبيّن له أنه عدوّ لله فتبرّأ منه ، يقول : لما مات على الكفر.

وأما ما ذكره بقوله : ويمكن الجمع ، فلا معنى محصل له لان مناط الاشكال على أن ابراهيم بعد علمه بأنه كان مشركاً ومات عليه كما سلّمه في هذا الجواب ، كيف استغفر له ويشفع فيه مع علمه بأنه تعالى لا يخلف الميعاد.

فإن أراد العسقلاني من قوله : لمّا رآه أدركته الرقة ، بيان داعي الاستغفار فهو من قبيل أصوات الحيوانات التي تصدر من غير ارتباط ، حيث أن الكلام

__________________

١. فتح الباري تفسير سورة الشعراء ٨ : ٤٠٥.

٢. التوبة : ١١٤.

٩٨

والاشكال في عدم جواز الاستغفار ، فالجواب عنه ببيان داعيه كما ترى ، وان أراد أن الرقة والرأفة يجوز ارتكاب المنهي عنه فهو مما لا يتفوّه به عاقل فضلاً عن فاضل.

وكيف لايلتزم به في تجويز جميع الشنايع والقبائح والفسق والزنا واللواط فلو زنى أحد بإمرأة شابّة دعته إلى الزنا من باب الرأفة والرقة لزمه الحكم بالجواز والاباحة؟!

وأما كلامه الاول : فحاصله الاختلاف في أن وقت التبري هل هو في الدنيا بعد موته او في الآخرة بعد مسخه؟

وتخيّل أنه لو كان التبري في القيامة لم يلزم قبح ، ووجوه الفساد في هذا الكلام أيضاً واضحة ، اما أولاً : فلأن صريح كتاب الله وقوع التبري من ابراهيم حيث قال : ( تبيّن له أنه عدوّ لله تبرّأ منه ) (١).

وأتى بصيغة الماضي الفعلين جميعاً وصرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز من غير دليل غير جائز.

وثانياً : ان من الواضح تعدد الروايات على وقوع التبري في الدنيا وفيها باعتراف العسقلاني بصحته وهي موافقة لظاهر القرآن والروايات المخالفة أقل عدداً غير موصوفة بالصحة مخالفة لظاهر القرآن.

ومن البيّن ترجيح الاولى فيزيد الاشكال لا أنه يندفع.

ثالثاً : أنه على فرض ترجيح الروايات الثانية يندفع الاشكال الاخير الذي ذكره غير الاسماعيلي.

__________________

١. التوبة : ١١٤.

٩٩

وأما الاول : فباق مجاله حيث أن مناطه ليس على المخالفة لظاهر الآية ، بل على أن ابراهيم بعد ما علم شرك آزر وعلم ان الله لا يخلف الميعاد كيف جعل ما بابيه خزياً له؟

ورابعاً : أن الاقوال الاخيرة التي نقلها عن سعيد بن جبير وعبيد الله بن عمير لا يدل على أن المراد من التبري في الآية هو التبري في الآخرة ، فإنّهما اقتصرا على ذكر قصة ابراهيم من غير أن يفسر الآية بذلك.

وخامساً : أن هذه الاقوال والروايات بعينها مما يستشكل فيها الاسماعيلي وغيره ، اذ هي مثل ما في البخاري ويرد عليها ما يرد عليه من طعن في حديث البخاري كيف لا يطعن عليها ، وهل هذا الاّ مثل أن يجاب عن الاشكال باعادة حديث البخاري.

سادساً : أنه لو حمل حديث التبري يوم القيامة اختل نظم الآية وفات ما هو المقصود المهم منها ، اذ الغرض منها أن ابراهيم مع كونه أواهاً حليماً موصوفاً بشدّه الرقّة والشفقة لَما تبيّن له كفر أبيه تبرّأ منه ولم يستغفر له والمؤمنون أولى بان لا يستغفروا للمشركين ، ولهذا ذكر هذه الآية عقيب قوله : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ) (١).

قال الرازي في تفسيره : في توصيف ابراهيم عليه‌السلام بالاوّاه والحليم ما لفظه : اعلم أنه تعالى انما وصفه بهذين الوصفين في هذا المقام لأنه تعالى وصفه بشدّة الرقّة والشفقة والخوف والوجل ، ومن كان كذلك فإنه لعظيم رقّته على أبيه

__________________

١. التوبة : ١١٣.

١٠٠