القول الصّراح في البخاري وصحيحه الجامع

الميرزا فتح الله بن محمّد جواد الإصبهاني

القول الصّراح في البخاري وصحيحه الجامع

المؤلف:

الميرزا فتح الله بن محمّد جواد الإصبهاني


المحقق: الشيخ حسين الهرساوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-024-X
الصفحات: ٢٦٢

الترمذي والجمع بين الصحاح الستة للعبدري وكتاب المناقب لابن المغازلي وغيرها من الكتب المعتمدة والأسفار المعتبرة ، ومع ذلك ذكر ابن تيمية أن هذا الحديث موضوع عند أهل الحديث لايرتاب أحد من أهل المعرفة بالحديث أنه موضوع ، وأن واضعه جاهل (١). والعجب أنه مع كونه حنبلياً كيف رضي بخروج الإمام أحمد من زمرة أهل المعرفة بالحديث ، مع كثرة اطرائه في مدحه ، واختياره على مثل أبي حنيفة ، والشافعي ، لكنه نشأ من قلّة تتبعه وكثرة وقاحته.

ومنها : حديث « سدّ الأبواب إلاّ باب علي » (٢).

المروي في كثير من كتبهم المعتمدة منها : صحيح الترمذي ، وخصائص النسائي ، ومسند الأمام أحمد ، ومسند البزار ، وجمع الجوامع للسيوطي ، وكنز العمال للمتقي ، وتاريخ المدينة للسيد نورالدين السمهودي ، ورواه الطبراني في الكبير ، والأوسط وغيرهم (٣).

__________________

أصحابه ، جاء علي عليه‌السلام تدمع عيناه ، فقال : مالي لم تؤاخ بيني وبين أحد من اخواني؟ قال : أنت أخي في الدنيا والاخرة ، وفي رواية حذيفة : آخا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أصحابه الأنصار والمهاجر ، فكان يواخي بين الرجل ونظيره ، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال : هذا أخي ، سنن الترمذي ٥ : ٣٠٠ رقم ٣٨٠٤ ، المستدرك ٣ : ١٤ ، الرياض النضرة ٢ : ١٦٨ ، الإصابة ٢ : ٢٣٤ ، أسد الغابة ٣ : ٧٢ ، كنز العمال ٦ : ١٥٣ ، المناقب لابن المغازلي : ٣٧ ، كفاية الطالب : باب ٤٧ : ١٩٢.

١. منهاج السنة ٤ : ٩٦.

٢. ومن أراد التحقيق في الحديث المذكور فعليه بالرسالتين لابن حجر أحدهما « القول المسدد في الذب عن أحمد » والثانية « أجوبة ابن حجر على رسالة القزويني » الاول وقد طبع في كراس مستقلة والثاني طبع في آخر المجلد الاول من كتاب المرقاة في شرح المشكاة للقاري ط المحققة ت جميل العطار ، دار الفكر ١٤١٢ هـ.

٣. سنن الترمذي ٥ : ٦٤١ رقم ٣٨١١ ، مسند أحمد ١ : ١٧٥ ، ٤ : ٣٧٩ ، الخصائص للنسائي : ١٣ ،

٢١

ذكر ابن تيمية أنه ممّا وضعه الشيعة على طريق المقابلة.

ومنها : حديث : « من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى ابراهيم في حلمه ، وإلى موسى في بطشه ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب » (١).

رواه جماعة كثيرة ، منهم باختلاف في بعض الألفاظ ، منهم : البيهقي ، والحاكم ، والديلمي ، وابن شاهين ، وعبدالرزاق ، وابن بطة ، وأبونعيم ، والحافظ عمر بن محمد بن جعفر ، وأبو الخير الحاكمي ، والنطنزي ، وابن المغازلي ، ومحب الدين الطبري ، والسيد على الهمداني ، وغيرهم ، ومع هذا حكم جماعة منهم بأنه موضوع على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

ومنها : حديث « لمبارزة علي يوم الخندق مع عمرو بن عبدود ، أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة » (٣).

رواه كثير منهم : أبو القاسم السهيلي في روض الأُنف ، والماوردي في

__________________

المستدرك ٣ : ١٢٥ ، حلية الأولياء ٤ : ١٥٣ السنن الكبرى للبيهقي ٧ : ٦٥ ، مسند البزار كشف الأستار ٣ : ١٩٥ ، جامع الأصول ٩ : ٤٧٣ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٤١ ، مجمع الزوائد ٩ : ١١٤ القول المسدد في ذب عن أحمد : ١٧.فتح الباري ٧ : ١٢ ، عمدة القاري ٧ : ٥٩٢ ، ارشاد الساري ٦ : ٨١ ، الرياض النضرة ٢ : ١٩٢ ، تذكرة الخواص : ٤١ ، كفاية الطالب : ٢٠٠ ، تاريخ المدينة المنورة ١ : ٣٣٧ ، أخبار القضاة ٣ : ١٤٩.

١. كنز العمّال ١ : ٢٢٦ ، الرياض النضرة ٢ : ٢١٨ ، ذخائر العقبى : ٩٣ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٥٦ ، المناقب للخوارزمي : ٤٩ و ٢٤٥ ، مناقب ابن المغازلي : ٢١٢ ، كفاية الطالب : ١٢١.

٢. منهاج السنة ٣ : ١٢٨.

٣. المستدرك ٣ : ٣٢ ، السيرة الحلبية ٢ : ٣٤٩ ، كنز العمال ٦ : ١٥٨ ، ولفظ الحديث : « لضربة علي خير من عبادة الثقلين » و « قتل علي لعمرو أفضل من عبادة الثقلين » و « لمبارزة علي لعمرو بن ودّ أفضل من أعمال أمّتي إلى يوم القيامة.

٢٢

سيره ، وبرهان الدين الحلبي الشافعي في انسان العيون في سيرة الأمين والمأمون ، ( يعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بل أورده الحاكم في المستدرك على الصحيحين ، ونصّ على صحته واستدرك به على الشيخين أنهما لم يخرجاه مع أنه على شرطهما (١).

وذكر ابن تيمية أنه من الأكاذيب الموضوعة ، ولذا لم يروه أحد من العلماء المسلمين في شيء من الكتب التي يعتمد عليها ، بل ولا يجوز أن يكون قتل كافر أفضل من عبادة الجن والأنس ، فإن ذلك يدخل فيه عبادة الأنبياء ، وقد قتل من الكفار من كان قتله أعظم من قتل عمروبن عبدود ، وعمرو هذا لم يكن فيه معاداة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومضارّته له وللمؤمنين ، مثل ما كان من صناديد قريش الذين قتلوا ببدر مثل أبي جهل وعقبة بن أبي معيط ، وشيبة بن ربيعة ، والنضر بن الحرث ، وأمثالهم الذين نزل فيهم القرآن ، وعمرو هذا لم ينزل فيه شيء من القرآن ولاعرف له ذكر في غزاة بدر ولا أحد ولا غير ذلك من مغازي قريش التي غزا فيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا في سرايا ، ولم يشتهر ذكره إلاّ في قصة خندق.

ومع أن قصته ليست مذكورة في الصحاح ونحوها ، كما نقلوا في الصحاح مبارزة الثلاثة يوم مبارزة حمزة ، وعبيدة ، وعلي ، مع عتبة ، وشيبة ، والوليد ، وكتب التفسير والحديث مملوأة بذكر المشركين الذين كانوا يؤذون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل أبي جهل وعقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحرث ، وغيرهم وبذكر رؤوساء الكفار مثل الوليد بن المغيرة وغيره ، ولم يذكر أحد عمرو بن عبدود ، لا في هؤلاء ولا في هؤلاء ، ولا كان من مقدمي القتال ، فكيف يكون قتل مثل هذا أفضل من عبادة الثقلين؟

__________________

١. المستدرك ٣ : ٣٢.

٢٣

ومن المنقول بالتواتر : أن الجيش لم ينهزم بقتله ، بل بقوا بعده محاصرين مجدين كما كانوا قبل قتله ] (١) .....

وبعد ما شاهدت في الكتب المعتبرة ، وسمعت من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر المناقب والفضائل لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام وحقّانيته ، ننظر بعين الانصاف ، من دون عصبية ، إلى ما في البخاري من الإشكال ، الموهن لأصحيته بين الكتب ، وذلك في أمور (٢).

__________________

١. منهاج السنة ٤ : ١٧٢ ، ما بين المعقوفتين كما ذكره المستنسخ قد سقط بقدر الصفحتين ، وألحقناها على ما في المنهاج كما نقل عنه المؤلف رحمهم‌الله.

٢. الظاهر أنه رحمهم‌الله قد فرغ من الاستشهاد بروايات الفضائل ، وأورد عليهم في الجرح والتعديل وألزمهم بما لا يمكن التخلّص منه ، ولذلك ابتدأ بذكر الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام.

٢٤

الأمر الأول : البخاري وعدم روايته عن الصادق عليه‌السلام

[ ويعدّ من أشدّ تعصباتهم في الجرح والتعديل قولهم في الصادق عليه‌السلام ]!

قال الذهبي في الكاشف : جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب أبو عبدالله الهاشمي المدني الصادق ، أحد الأعلام ، وأمه أمّ فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وأمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، ولهذا كان يقول : ولّدني أبوبكر مرتين ، روى عن أبيه وجدّه لأمه القاسم ، وعبيدالله بن أبي رافع ، وعروة ، وعطاء ، ونافع ، ومحمد بن المنكدر ، وعنه خلائق لا يحصى منهم : ابنه موسى ، وشعبة ، والسفيانان ، مالك ، ووهب ، وحاتم بن اسماعيل ، وعبدالوهاب الثقفي ، وأبوعاصم ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وهو أكبر منه ، ويحيى بن سعيد قال : ابن المديني سئل يحيى عن جعفر بن محمد؟ فقال : في نفسي منه شيء (١).

وأقول : عدم اخراج البخاري لحديثه عليه‌السلام وعدم الإحتجاج به ، واعتقاد عدم قابليته العياذ بالله ، للايداع في صحيحه السقيم ، مع اخراجه مرويات كثير من الخوارج والنواصب والكذابين ، والوضاعين ، والإحتجاج بهم وايداع أحاديثهم في كتابه ، وان كان كافياً في الدلالة على نصبه وضلالته وشقاءه ، كالدلالة على ترجيح روايات هؤلاء الملاحدة الملاعين والعياذ بالله على رواياته عليه‌السلام (٢).

__________________

١. الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة ١ : ١٨٦ رقم ٨٤ ـ ٨٧.

٢. فمن أراد أن يطلع على تفضيل ذلك فعليه بكتابنا : « الامام البخارى وصحيحه الجامع ».

٢٥

لكن صرّح محقّقهم المدقّق الذي يفتخرون بإفاداته أعني ابن تيمية بهذا المطلب ، لكمال تورطه في النصب والعداوة وتوغّله في الوقاحة والشقاء ، قال في المنهاج ، مظهر المزيد اللجاج والاعوجاج ما هذا نصّه : وبالجملة فهؤلاء الأئمة الأربعة ليس منهم من أخذ عن جعفر قواعد الفقه ، لكن رووا عنه الأحاديث كما رووا عن غيره ، وأحاديث غيره أضعاف أحاديثه ، وليس بين الزهري وحديثه نسبة لا في القوة ولا في الكثرة ، وقد استراب البخاري في بعض حديثه لما بلغه عن يحيى بن سعيد فيه كلام فلم يخرّج له (١).

ويمتنع أن يكون حفظه للحديث كحفظ من يحتج بهم البخاري ، وهذه العبارة تنادى على البخاري ، ويحيى بن معين ، ويحيى بن سعيد ، الذي هو أقدمهم وأعلمهم بالنصب والإنحراف عن أهل البيت عليهم‌السلام (٢).

__________________

١. منهاج السنة ٤ : ١٤٣.

٢. ومن المؤسف في ذلك الأمر بالتَّدوين في الحديث النبوي على رأس المائة الأولى ونشر الحديث والآثار من دون مشاركة لأحد من أهل البيت الذين هم أعرف بالسنن من غيرهم لاسيّما الصادقين عليهما الاسلام ، حيث كانا من أحفظ الناس وأعلمهم ، كما في سير أعلام النبلاء ٦ : ٢٥٧ ، فكيف لا يؤخذ عنهما الحديث والآثار؟

فالبخاري لا يروي عن الصّادق عليه‌السلام ؛ ويروي عن « مروان بن الحكم » الّذي هو قاتل طلحة ، وقال فيه ابن حبّان وغيره معاذ الله أن نحتج بخبر رواه مروان بن الحكم. الجرح والتعديل ٨ : ٢٧١ ، سير أعلام النبلاء ١ : ٣٦ و ٣ : ٤٧٦ ، تهذيب التهذيب ١٠ : ٩١.

ولتلك المصيبة روى النسائي في سننه : عن ابن عباس قال : اللّهم العنهم ، قد تركوا السُّنَّة من بغض علي. سنن النسائي ٥ : ٢٥٣ ، السنن الكبرى ٥ : ١١٣.

وقال النيسابوري في ذلك في الجهر بالبسملة في الصلاة : ان علياً عليه‌السلام كان يبالغ في الجهر بالتسمية ، فلما كان زمن بني اُمية بالغوا في المنع عن الجهر سعياً في ابطال آثار علي. تفسير النيسابوري المطبوعة بهامش جامع البيان للطبري ١ : ٧٩.

٢٦

وأمّا شقاء ابن تيمية وضلالته فممّا لا يحتاج إلى بيان ، حيث لا يرضى بمساواة الصادق صلوات الله عليه لسائر من روى عنهم البخاري ، بل ادعى أولاً : ترجيح الزهري (١) عليه عليه‌السلام.

وثانياً : امتناع أن يكون عليه‌السلام مثل من يحتج بهم البخاري ، وستعرف أن البخاري احتج بجماعة من الخوارج والنواصب المطعونين بالكذب والوضع عند أئمتهم (٢) ، فالثابت عن البخاري ترجيح غيره عليه صلوات الله عليه.

__________________

وجعفر بن محمد هو الذي اعترف بامامته وجلالته في العلم كبار أئمتهم ، روى الذَّهبي عن عمرو بن أبي مقدام ، قال : كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين وقد رأيته واقفاً عند الجمرة يقول : سلوني ، سلوني.

وعن صالح بن أبي الأسود ، سمعت جعفر بن محمد يقول : سلوني قبل أن تفقدوني ، فانه لا يحدِّثكم أحدٌ بعدي بمثل حديثي.

وقال ابن أبي حاتم : سمعت أبا زُرعة ، وسئل عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، وسهيل عن أبيه ، والعلاء عن أبيه ، أيها أصح؟ قال :

لا يُقْرَنُ جعفر الى هؤلاء. وسمعت أبا حاتم يقول : جعفر لا يسأل عن مثله سير أعلام النبلاء ٦ : ٢٥٧.

وقد عاصره أركان الحديث وائمة المذاهب الحنفية والمالكية وكلّهم إعترفوا بجلالته وعلوّ مقامه.

فيا عجباً من البخاري على ما ذكر في ترجمته : يتوضأ ويصلي عند كتابة كل حديث ثم يروي عن مروان بن الحكم ، عدوّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قاتل طلحة ، ويروي عن طائفة غير معلومة الإسلام كما قاله يحيى بن سعيد شيخ المشايخ وإمام الأئمة في حديث السُّنة.

وطائفة من الرجال ضعّفهم نفس البخاري في كتابه « الضعفاء » وأورد أسمائهم ، ثم خرّج رواياتهم في الصحيح!!!

١. أنظر كتاب « تدوين الأمويين للحديث النبوي ودور ابن شهاب الزُّهْري » ، فإنّا قد استوفينا البحث في الزهري وبيان خدمته للأمويين مدّة خمس وأربعين سنة في تدوين الحديث ، حيث قالوا فيه : أنه كان جندياً لهم ، ومنديلاً يمسحون به أيديهم المتلطخة ، وأفسد نفسه بصحبتهم ، وقد جعلوه جسراً يعبرون به.

٢. فمن أراد التفصيل فيما ذكر ، فليراجع كتاب « الامام البخاري وصحيحه الجامع » باب : من روى

٢٧

والثابت عن ابن تيمية استمالة ترجيحه على غيره بل امتناع مماثلته ومساواته لغيره في الحفظ وقد علم مما سبق انحراف الذهبي ذهب الله بنوره أيضاً عن أهل البيت عليهم‌السلام حيث أنه بعد أن التزم في كتاب الميزان أن يذكر كلّ من تكلّم فيه أئمة السند بتليين مّا وأن لا يشذ عنه أحد مما ذكر في كتاب البخاري وابن عدي في الرجال استثنى منهم الصحابة والأئمة الأربعة ، يعني أبا حنيفة ، وأحمد بن حنبل ، والشافعي ومالكاً.

وقال : إنهم وإن تكلّموا فيهم لكني لا أذكرهم في كتابي هذا لجلالتهم في الإسلام (١).

ومع هذا تعرض لذكر الصادق صلوات الله عليه في هذا الكتاب ، وأمّا استثناءه فيمن استثنى فيدل على أن الذهبي لم يعتقد مساواته لمالك وأبي حنيفة مثلاً في الجلالة والعظمة.

ويدلك هذا وأمثاله على أن أعاظم قدمائهم وعلمائهم لم يزالوا منحرفين عن أهل البيت عليهم‌السلام ، وأن ما تصدّى جماعة من متأخريهم لإثباته من أنهم لم يزالوا من أهل الولاء لهم والتمسك بحبلهم والإستناد إلى أخبارهم وبذل أموالهم وأنفسهم في سبيل مودتهم إنّما هو أكاذيب لفّقوها فراراً عن إلزامات الشيعة لهم.

هذا الذهبي على إمامته وجلالته عندهم تأنّف من ذكر الصحابة في كتابه ،

__________________

عنهم في الصحيح وضعّفهم نفسه في ضعفائه ، وكذا النواصب والمرجئة والخوارج ومن ضُعِّف بضرب من الجرح في كلمات أئمتهم وكبار مصنِّفيهم في الجرح والتعديل.

١. ميزان الاعتدال ١ : ٢.

٢٨

وفيهم ضعفاءٌ ، مجروحون ، مقدوحون ، مطعونون ملعونون ، ومن ذكر أئمتهم في الفروع مع ما هم عليه من الضلال والفساد المذكور على لسان علمائهم النقاد كما ستعرف ، وتعرض لذكره عليه‌السلام في المقدوحين ، والعياذ بالله ، وان مدحه بأنه برّ صادق كبير الشأن ، قال في صدر كتاب الميزان :

« أمّا بعد هدانا الله وسددنا ووفقنا لطاعته ، فهذا كتاب جليل مبسوط في ايضاح نقلة العلم النبوي وحملة الآثار ، ألّفته بعد كتابي المنعوت بالمغني ، وطوّلت العبارة ، وفيه أسماء عدّة من الرواة زائداً على من في المغني ، زدت معظمهم من الكتاب الحافل المذيل على الكامل لابن عدي ، وقد ألّف الحفّاظ مصنّفات جمّة في الجرح والتعديل ما بين اختصار وتطويل.

فأول من جمع كلامه في ذلك الإمام الذي قال فيه أحمد بن حنبل : ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطّان ، وتكلّم في ذلك بعده تلامذته ، يحيى بن معين ، وعلي بن المديني ، وأحمد بن حنبل ، وعمر بن علي الفلاس ، وأبو خيثمة ، وتلامذتهم : كأبي زرعة ، وأبي حاتم ، والبخاري ، ومسلم ، وأبي إسحاق الجوزجاني السعدي ، وخلق من بعدهم مثل : النسائي ، وابن خزيمة ، والترمذي ، والدولابي ، والعقيلي ، وله مصنّف مفيد في معرفة الضعفاء ، ولأبي حاتم بن حبان كتاب كبير عندي (١) في ذلك ، ولأبي أحمد بن عدي كتاب الكامل ، هو أكمل الكتب وأجلّها في ذلك ، وكتاب أبي الفتح الأزدي ، وكتاب أبي محمد بن أبي حاتم في الجرح والتعديل ، والضعفاء للدارقطني ، والضعفاء للحاكم ، وغير ذلك.

__________________

١. والمراد به كتاب « المجروحين » المطبوع في ثلاثة أجزاء.

٢٩

وقد ذيّل ابن طاهر المقدسي على الكامل لابن عدي ، بكتاب لم أره ، وصنّف أبو الفرج بن الجوزي كتاباً كبيراً في ذلك ، كنت اختصرته أولاً ، ثم ذيّلت عليه ذيلاً بعد ذيل.

والساعة فقد استخرت الله عزّوجلّ في عمل هذا المصنّف ورتّبته على حروف المعجم حتى في الآباء ليقرب تناوله ورمزت على اسم الرجل من أخرج له في كتابه من الأئمة الستة البخاري ، ومسلم ، وأبي داود ، والنسائي ، والترمذي ، وابن ماجة برموزهم السائرة ، فإن اجتمعوا على اخراج رجل فالرمز « ع » وان اتفق عليه أرباب السنن الأربعة فالرمز « عو ».

وفيه من تكلم فيه مع ثقته وجلالته بأدنى لين ، وأقل تجريح ، فلولا أن ابن عدي أو غيره من مؤلفي كتب الجرح والتعديل ذكروا ذلك الشخص لما ذكرته لثقته ، ولم أر من الرأي أن أحذف اسم أحد ممن له ذكر بتليين مّا في كتب الأئمة المذكورين ، خوفاً من أن يتعقّب عليّ ، لا أني ذكرته لضعف فيه عندي ، إلاّ ما كان في كتاب البخاري وابن عدي وغيرهما ، من الصحابة ، فانّي أُسقطهم لجلالة الصحابة ، ولا أذكرهم في هذا المصنّف ؛ فإن الضعف إنّما جاء من جهة الرواة إليهم ، وكذا لا أذكر في كتابي من الأئمة المتبوعين في الفروع أحداً لجلالتهم في الاسلام وعظمتهم في النفوس ؛ فإن ذكرت أحداً منهم فأذكره على الإنصاف وما يضرّه ذلك عند الله ولا عند الناس » (١).

__________________

١. ميزان الإعتدال ١ : ١ ـ ٣.

٣٠

مع العترة الطاهرة

ولو تشبث ناصب عنيد ومتعصّب جحيد ، بأن اعراض البخاري عن الصادق عليه‌السلام وعن روايته ليس لكونه ناصباً منحرفاً ، بل دعاه إلى ذلك مزيد التحقيق والتنقيد والتنقيح والتورع وصون الشريعة المطهرة من إدخال ما ليس منها فيها.

قلنا له : هذا والله عين النصب والإِنحراف ، وللنواصب والخوارج أن يقولوا : ما دعانا إلى ما قلنا في حق علي عليه‌السلام وأهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ مزيد التحقيق والتنقيد والتورع وصون الشرع المقدس ، ولذا صرفنا أعمارنا ووجهنا همّنا إلى إسقاطهم واسقاط كلماتهم عن درجة الإعتبار حتى لا يدخل في الشريعة ما ليس منها ، نعوذ بالله من هذه الهذيانات.

ولنذكر هنا أموراً ، ثم نتعرض للوجه الثاني من الوجوه الواردة على البخاري :

الأوّل : في بيان حال مجالد الذي قال القطان شيخ مشايخ البخاري : أنه أحب إليّ من جعفر!

قال الذهبي في ميزان الإعتدال : مجالد بن سعيد بن عمير الهَمْداني مشهور ، صاحب حديث ، على لين فيه ، روى عن قيس بن أبي حازم ، والشعبي ، وعنه يحيى القطان ، وأبو أسامة وجماعة ، قال ابن معين وغيره : لا يحتج به (١).

__________________

١. سير أعلام النبلاء ٦ : ٢٨٦.

٣١

وقال أحمد : يرفع كثيراً مما لا يرفعه الناس ليس بشيء.

وقال النسائي : ليس بالقوي (١) ، وذكر الأشج : أنه شيعي ؛ وقال الدارقطني : ضعيف ، وقال البخاري : كان يحيى بن سعيد يضعّفه ، وكان ابن مهدي لا يروي عنه ، وقال الفلاس : سمعت يحيى بن سعيد يقول : لو شئت أن يجعلها لي مجالد كلّها عن الشعبي عن مسروق عن عبدالله فَعَلَ! (٢)

وقيل لخالد الطحان : دخلت الكوفة فَلِمَ لم تكتب عن مجالد؟ قال : لأنّه كان طويل اللحية!

قلت : مِن أنكر ما له من الشعبي عن مسروق عن عائشة مرفوعاً : لو شئت لأجرى الله معي جبال الذَّهب والفضة (٣).

فظهر أن مجالد مطعون عند مهرة فن الرجال ، وأن الإمام أحمد بن حنبل قال في حقه : ليس بشيء ، ويحيى بن معين قال : لا يحتجّ به ، ويحيى بن سعيد القطان الفتّان يرميه بالوضع ، ويقول : لو شئت أن يجعل مجالد هذه الأحاديث كلّها عن الشعبي عن مسروق عن عبدالله فَعَلَ ؛ ومع هذا يقول هذا الفتّان الشقي : أنه أحب إلي من جعفر ، نعوذ بالله ونشتكي إلى الله.

الثاني : أن جماعة من أعيان العامة ألّفوا كتباً ورسائل في مناقب العترة العلوية ، وذكروا فيها من الأخبار والآثار المروية بطرقهم ما لايحصى.

وذكروا أن مودة السادات من أجزاء الإيمان ، ومن الفرائض الأكيدة ،

____________

١. المصدر السابق.

٢. ميزان الإعتدال ٤ : ٤٣٨ و ٤٣٩.

٣. ميزان الإعتدال ٤ : ٤٣٨ ـ ٤٣٩.

٣٢

وقالوا بوجوب تعزير المستخف بهم ، بل بكفره ، وحكموا بحرمة إهانتهم ، والوقيعة فيهم ، وإن أخطأوا في الإعتقاد ، أو فسقوا بالجوارح.

وذكروا أن السادات يموتون على الإيمان كأزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والعشرة المبشرة ، فهؤلاء وإن وقع منهم ما وقع في الدنيا إلاّ أنهم حال الخروج منها يموتون مع كمال الإيمان ، تصديقاً لبشارة ربّ العالمين.

والكلام في هذا المطلب طويل ، من أراده فعليه المراجعة إلى كتبهم ، ونحن لا نذكر منها إلاّ أحرفاً وأسطراً يسيرة.

والغرض أنه اذا كان إساءة الأدب والإيذاء بالنسبة إلى السادات العلوية بهذه المثابة ، فكيف يكون حال من استخفّ بسيدهم وإمامهم وحجتهم وعمادهم الذي تراب نعاله كحل الجواهر لأعين هؤلاء السادات ، وبشرف الإنتساب إليه والإنقياد له يرجون من الله رفع الدرجات ونيل المثوبات وغفران السيئات.

وبالجملة فجماعة منهم ألّفوا الكتب والرسائل في هذا المعنى فراراً عن إلزامات الشيعة ، وإصلاحاً لحال أسلافهم ، ودفعاً لتشنيع الشيعة عليهم بالنصب والإنحراف والبغض ، ولن يصلح العطار ما أفسده الدهر.

وعدّ صاحب الصواعق هذا الإلزام والتشنيع من جملة تعصبات الشيعة ، قال في تعداد التعصبات.

التاسع عشر : أن أهل السنة أفرطوا بغض أهل البيت ، ذكر ذلك ابن شهر آشوب ، وكثير من علمائهم ، ولقّبوهم بالنواصب وهو كذب صرد وعصبيّة ظاهرة ، فإنهم يقولون : إن الله تعالى أوجب محبّة أهل بيت نبيّه على جميع

٣٣

بريته ولا يؤمن أحدكم حتى تكون عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحب إليه من نفسه ، ويروون في ذلك أحاديث.

منها : ما رواه البيهقي ، وأبو الشيخ ، والديلمي ، أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه.

ويكون عترتي أحب إليه من نفسه » (١).

وأخرج الترمذي ، والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنه أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « أحبّوا أهل بيتي بحبّي » (٢) ، إلى غير ذلك من الأخبار.

ويقولون : من ترك المودّة في أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد خانه ، وقد قال الله تعالى : ( لاتخونوا الله والرسول ) (٣) ، ومن كره أهل بيته فقد كرهه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولقد أجاد من أفاد :

ولا تعدل بأهل البيت خلقاً

فأهل البيت هم أهل السيادة

وبغضهم لأهل العقل خسر

حقيقي وحبّهم عبادة (٤)

ويوجبون الصلاة عليهم في الصلوات ، قال الشيخ الجليل فريد الدين أحمد بن محمد النيسابوري رحمهم‌الله : من آمن بمحمد ولم يؤمن بأهل بيته فليس بمؤمن ، أجمع العلماء والعرفاء على ذلك ولم ينكره أحد ، انتهى كلام صاحب الصواعق.

__________________

١. مسند أحمد ٣ : ٢٠٧ ، فردوس الأخبار ٥ : ١٥٤.

٢. سنن الترمذي ٥ : ٦٦٤ رقم ٣٧٨٩ ، المستدرك للحاكم ٣ : ١٥٠ ، المعجم الكبير للطبراني ١٠ : ٢٨١ رقم ١٠٦٦٤.

٣. الانفال : ٢٨.

٤. رشفة الصادي : ٩٩.

٣٤

وذكر ملك العلماء شهاب الدين الدولت آبادي (١) في رسالة مناقب السادات : هم حجة الله على الورى فيهم نزل ، ( هل أتى ) (٢) ، و ( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلاّالمودّة في القربى ) (٣) ، وعليه قول الشاعر :

من معشر حبّهم دين وبغضهم

كفر وقربهم منجى ومعتصم

مودّة القربى واجبة على المؤمن والسني بالنص الصريح ومن لم يقبل ولـم يتبع فلـيس بمؤمن موحد بل هو كافـر ملحد ملعون مرتد

وقال المناوي في فيض القدير ما هذا نصّه : أخلفوني ، بضمّ الهمزة واللام ، أي : يكونوا خلفائي في أهل بيتي علي وفاطمة وابنيهما ، فاحفظوا حقي فيهم ، وأحسنوا الخلافة عليهم بإعظامهم واحترامهم ونصحهم ، والإحسان إليهم ، وتوقيرهم والتجاوز عن مسيئهم ، ( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ) (٤).

قال المجد اللغوي : وما احتج به من رمي عوامهم بالابتداع وترك الاتباع ، لاينج فإنه إذا ثبت هذا في معين لم يخرج عن حكم الذرية فالقبيح عمله لا ذاته.

وقد منع بعض العمال على الصدقات بعض الأشراف لكونه رافضياً فرأى تلك الليلة أن القيامة قد قامت ، ومنعته فاطمة من الجواز على الصراط فشكاها لأبيها ، فقالت : منع ولدي رزقه.

__________________

١. شهاب الدين أحمد بن شمس الدين الزاولي الهندي الحنفي المتوفى ٨٤٩ هـ مفسر ، نحوي ، عارف بالبلاغة ، تولى القضاء ، ومن تصانيفه : شرح البزدوي في الأصول.

٢. الدهر : ١.

٣. الشورى : ٢٣.

٤. الشورى : ٢٣.

٣٥

فاعتل بأنه يسبّ الشيخين ، فالتفتت فاطمة إليهما وقالت : أتؤاخذان ولدي؟ قالا : لا ، فانتبه مذعوراً في حكاية طويلة.

ولما جرى على الإمام أحمد بن حنبل من الخليفة العباسي ما جرى ، ندم وقال : اجعلني في حلّ ، فقال : ما خرجت من منزلي حتى جعلتك في حلّ ، إعظاماً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقرابتك منه.

وحكى المقريزي عن بعض العلماء أنه كان يبغض بعض أشراف المدينة لتظاهرهم بالبدع فرأى المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النوم فعاتبه ، فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاشا لله ما أكرههم وإنّما كرهت تعصبهم على أهل السنة فقال : مسئلة فقهية أليس الولد العاق يلحق بالنسب؟ قال : نعم ، قال : هذا ولد عاق (١).

أقول : الحكاية التي أجملها في منع بعض العمال هي التي ذكرها مفصلة ، السيد نورالدين علي السمهودي في جواهر العقدين.

وحكاها أيضاً رضي الدين علي الحسيني الشامي في تنضيد العقود ، نقلاً عن السيد عبد الرحيم السمهودي في كتاب الإشراف عن فضل الأشراف ، قال السيد نور الدين المذكور : وهو من أعيان علماء العامة كما يظهر من المراجعة إلى كتبهم ، أخبرني الإمام الشيخ العلامة محقق المالكية في زمنه شهاب الدين أحمد بن يونس القسطنطني المغربي نزيل الحرمين الشريفين في مجاورته بالمدينة النبوية سنة خمس وسبعين وثلاثمائة.

أن بعض مشايخه ممن يثق به أخبره أن شخصاً من أعيان المغاربة عزم على التوجه من بلاده للحج ، قال : حضر إليه شخص من أصحاب الثروة مبلغاً

__________________

١. فيض القدير ١ : ٢١٩ رقم ٣٠٢.

٣٦

أظنّه مائة دينار ، وقال له إذا وصلت إلى المدينة النبوية فسأل عن شخص من الأشراف بها يكون صحيح النسب ، فتدفع ذلك إليه عسى أن يكون لي بذلك وصلة بجده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قال : فلما رجع إليهم ذلك المغربي أخبر : أنه قدم المدينة وسأل عن أشرافها ، فقيل له : أن نسبهم صحيح غير أنهم من الشيعة ، الذين يسبون ، قال : فكرهت دفع ذلك لأحد منهم.

قال : ثم جلس إلي واحد منهم ، أو قال : جلست إليه فسألته عن مذهبه؟ فقال : شيعي.

فقلت له : لو كنت من أهل السنة لدفعت إليك مبلغاً عندي ، قال : فشكى فاقته وشدّة احتياجه ، وسئلني شيئاً منه ، فقلت : لا سبيل إلي أن أعطيك شيئاً.

فذهب عني فلمّا نمت تلك الليلة رأيت أن القيامة قد قامت والناس يجوزون على الصراط فأردت أن أجوز فأمرتْ فاطمة عليها‌السلام يعني فمنعت ، فصرت استغيث ولا أجد مغيثاً حتى أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاستغثت به ، وقلت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منعتني فاطمة من الجواز على الصراط! فالتفت إلي وقال : قد قالت : انّك منعت ولدها رزقه.

فقلت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والله ما منعته إلاّ لأنّه يسبّ الشيخين ، قال : فالتفتت فاطمة عليها‌السلام إلى الشيخين وقالت لهما : تؤاخذان ولدي بذلك؟ فقالا : لا ، بل سامحناه بذلك.

قال : فالتفت إلي وقال : ما الذي أدخلك بين ولدي وبين الشيخين؟ فانتبهت فزعاً ، وأخذت المبلغ وجئت إلى ذلك الشريف فدفعته له ، فتعجب من

٣٧

ذلك ، وقال : بالأمس سئلتك في يسير منه ، فامتنعت ، والآن كيف جئتني به؟ فقال : فقصصت عليه القصة فبكى ، وقال : أشهدك عليَّ وأشهد الله ورسوله أني لا أسبهما أبداً ما حييت (١).

وقال في تنضيد العقود : وعدم الإنتقال لما يصدر من ذريته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أجلّ القربات وأعظم المثوبات.

ففي توثيق عرى الإيمان للبازري : أنّ من علامات محبته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محبة ذريته ، واكرامهم والاغضاء عن انتقادهم.

فمن انتقد ذرية محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يحب محمداً قط ، وان يغضّ الإنسان من انتقاد ذرية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل البيت لأنهم قوم شرّفهم الله تعالى واجلاهم ، فلا تعيب عليهم أفعالهم كما تعيب الأفعال فيمن أقدارهم بحسب أفعالهم.

وقال الشيخ عبد القادر العبدروسي في كتاب عقد اللئآل في فضائل الآل : حكى التقي المقريزي ، عن يعقوب المغربي ، أنه كان بالمدينة النبوية في رجب سنة سبع عشرة وثمانمائة ، فقال له الشيخ العابد الفاسي : وهما بالروضة المكرمة.

إنّي كنت أبغض أشراف المدينة النبوية بني حسين ، لتظاهرهم بالرفض ، فرأيت وأنا نائم تجاه قبر الشريف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول : يا فلان باسمي : ما لي أراك تبغض أولادي؟

فقلت : حاشا لله ما أكرههم ، وإنّما كرهت ما رأيت من تعصبهم على أهل السنة ، فقال لي : مسألة فقهية ، أليس الولد العاق يلحق بالنسب؟ فقلت : بلى يا

__________________

١. جواهر العقدين للسمهودي : ٣٥٣ ـ ٣٥٥ ، فضل آل البيت للمقريزي : ١١١ ، رشفة الصادي للحضرمي : ٢٦٢.

٣٨

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : هذا ولد عاق فلمّا انتبهت صرت لا ألقى من بني حسين أحداً إلاّ بالغت في اكرامه ، ثم قال : قال التقي المقريزي : وعندي عدّة حكايات صحيحة مثل هذا في حق بني حسن ، وبني حسين ، فإياك والوقيعة فيهم وان كانوا على أي حالة لأن الولد ولدٌ على كلّ حال صلح أو فجر (١).

وأيضاً في ذلك الكتاب ، ورأى الشيخ المحقق العارف المدقق أبو العباس المديني المغربي : فاطمة الزهراء رضي الله عنها كشفاً ، وهي تقول في أشراف يبغضون الشيخين : أنفك معك وإن كان أجذع.

وقال ملك العلماء شهاب الدين أحمد بن عمر الهندي الدولت آبادي صاحب « البحر الموّاج في التفسير والإرشاد » في النحو ، و « بديع البيان والمعاني » وغيرها ، وهو من عظماء أهل السنة وعلمائهم كما صرّح به بعضهم ، ويعرف أيضاً من كتاب « كشف الظنون » ، و « سبحة المرجان » ، و « تسلية الفؤاد » ، وغيرها ، قال في رسالة « مناقب السادات » ما هذا لفظه ... (٢).

__________________

١. فضل آل البيت للمقريزي : ١١١ ، رشفة الصادي : ٢٦٣.

٢. ذكر المؤلف فقرات باللغة الفارسية تعريبها كما يلي : لو أقرّ شخص على نفسه الإسلام وآمن بجميع شرائعه وعمل به ثم أهان علوياً وخاطبه بالتصغير « عُليوياً » فقد كفر.

وهكذا حال من أبغض محبوب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو تقوّل بقوله استخفافاً : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحب اليقطين وأنا لا أحب » فإنه أيضاً كافر.

وعلى ذلك حال من تكبّر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتكبّر على أحد من أهله.

فاعلم ، أن التكبر والتحقير والظلم بالنسبة إلى الولد يعود إلى الوالد بحكم العقل والشرع والدّين والحس ، وهو أمر ثابت معلوم على كلّ ذي مسك ، وعند كل من تربى في حجور الأمهات الصالحة بالتربية الصحيحة.

نعم الإهانة إلى العبد وإن كان نسله من الكفار يسري إلى صاحبه ، ولا يخفى ذلك على أحد ، لأنك

٣٩

__________________

لو سألت المبتدئين المشتغلين بعلوم العربية وقرّاء الكافية في تركيب « زيداً ضربت غلامه » كانت في التقدير « أهنت » والإهانة يكون على زيد في ضرب غلامه.

فما تقول ، وما تحتسب!؟ أن الإهانة إلى خف العالم بأنه نجس ، مع أنه يصنع من جلود البقر والحمار ، وذلك أيضاً كفر.

فكيف بإهانة أحد من أولاد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو جزء له ومن صلبه ونسله؟!

حاش لله لا يظنه أحداً.

وفي كتاب « تذكرة الأولياء » يقول : من آمن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يؤمن بأولاده ـ أي يتكبّر بالنسبة إلى أهل بيته ـ فحكمه حكم من لم يؤمن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأن في كتاب « زاهدي » و « عياني » يقول : « المؤّدة لأولاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي شرط الإيمان ».

وهكذا فيه بعد ذكر حديث : « حبّك في شيء يعمي ويصم ويبكم » يقول : ونتيجة الكلام أن المودة لأولاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضروري بالنسبة إلى جميع أولاده نسباً من دون خصوصية إلى أخيارهم لأن لفظة « القربى » في الآية المباركة مطلقة ، فلا تنحصر في خواصهم حتى يقول أحد : المقصود بلزوم المودّة لأولاد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعني ، أخيارهم ، وهكذا الامتثال لأمر الله المنزل في القرآن ، وهذه المودة التي كانت من أصول الطاعة.

فلو نظرت إلى مسيئهم في ارتكاب المعاصي وصار ذلك إلى عدم رعاية حقوقهم وقد شبهت نفسك بمن جنّ عليه ، ترك الصوم والصلاة لما سبّه شخص ولشدّة غضبه عليه يترك الصوم والصلاة ، لأنه يتدارك بذلك من خصومه!!

وكذا فيه : يقول الشيخ أحمد البخاري : من كان له محبة لأولاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فطرته وقلبه فيشمله العطية والمغفرة من ربه ، ومن لم يكن من فطرته وقلبه بل يكتسب ولم يتعب نفسه ولا يجهد فهو الذي باعد عن رحمة الله وطرد مرجوماً وإن كان يمسح جبينه على الأرض من الصباح إلى المساء ، وعلم علم الأولين والآخرين لا ينفعه ولا يعتمد عليه ، فربّ عالم زاهد لا يتقرب بذلك.

فمن علائم الإيمان مودة أولاد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن آثار المودة أنه يسرّه رؤيتهم.

وفيه أيضاً : أن ايذاء العلوية ايذاء لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وفي الباب أحاديث كثيرة لا نذكرها اقتصاراً.

فإيذاء أولاد الحسين عليه‌السلام ايذاء للنبي ولعلي وفاطمة ، وايذاءهم بنص الأحاديث يوجب الكفر والملعنة اتّفق أهل السّنة والجماعة على كفر واللعن على قاتل الحسين ، وأمره هكذا في السنة

٤٠