القول الصّراح في البخاري وصحيحه الجامع

الميرزا فتح الله بن محمّد جواد الإصبهاني

القول الصّراح في البخاري وصحيحه الجامع

المؤلف:

الميرزا فتح الله بن محمّد جواد الإصبهاني


المحقق: الشيخ حسين الهرساوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-024-X
الصفحات: ٢٦٢

فالحمدلله على ثبوت ما اعترف به نفسه.

عبدالله بن عمرو بن العاص

هو زاهد القوم!! روى البخاري في مواضع عديدة من صحيحه ما محصله :

انه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان عبدالله بن عمرو بن العاص يصوم ولايفطر ويصلي ولا ينام.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له : ان لجسدك عليك حقاً ، وان لعينك عليك حقاً ، وان لزوجك عليك حقّاً ، وان لزورك عليك حقّاً ، فصم وأفطر وقم ونم وصم من الشهر ثلاثة أيام ، فان الحسنة بعشر أمثالها ، وذلك مثل صيام الدهر ، فقال عبدالله : اني اطيق أفضل من ذلك ، قال فصم يوماً وأفطر يومين ، قال : اني اطيق أفضل من ذلك ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصم يوماً وأفطر يوماً فذلك صيام داود ، وهو أفضل الصيام فقلت : اطيق أفضل من ذلك ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا أفضل من ذلك (١).

ومجمل أحواله انه أيضاً ممن تخلّف عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وفارقه وخرج عن طاعته وعصاه وآذاه وقاتله وحاربه وأعان اعداءه وأخذل أولياءه.

وكان على ميمنة عسكر معاوية ، وتقلّد سيفين من غاية حرصه على القتال.

__________________

١. صحيح البخاري كتاب الصوم باب صوم الدهر رقم ١٩٧٦ وأطرافه رقم ١١٣١ ، ١١٥٢ ، ١١٥٣ ، ١٩٧٤ ، ١٩٧٥ ، ١٩٧٦ ، ١٩٧٧ ، ١٩٧٨ ، ١٩٧٩ ، ١٩٨٠ ، ٣٤١٨ ، ٣٤١٩ ، ٣٤٢٠ ، ٥٠٥٢ ، ٥٠٥٣ ، ٥٠٥٤ ، ٥١٩٩ ، ٦١٣٤ ، ٦٢٧٧.

١٦١

وافتخر بارتكاب هذه العظائم الكبائر والانحراف عن امام الأبرار ، وموالاة قدوة الأشرار والفجار ، وانشدّ في ذلك الاشعار.

وكلّ من اتصف ببعض هذه الصفات فضلاً عن كلّها فهو هالك كافر خارج عن طاعة الله عاص لله ورسوله مؤذ لله مندرج في زمرة من أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقاتلته من القاسطين مفارق لله ورسوله تارك لما أمر الله به في كتابه متهورٌ في ضلالة ، منهمك في الشقاوة ، موصوف بكلّ رذيلة ، ويجب الاجتناب عنه والتحرز منه وعدم الاعتماد عليه ، لما رواه الحاكم في المستدرك ـ وهو على ما نصّ عليه علمائهم من أعظم الائمة الذين حفظ الله بهم الدين وانتفع بتصانيفه أهل المشرق والمغرب ـ.

قال : قال له : ـ اي لعبدالله بن عمروبن العاص ـ أبوه يوم صفّين أخرج فقاتل ، قال : يا أبتاه أتأمرني أن أخرج فأقاتل وقد كان من عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قد سمعت؟!

قال : انشدك بالله أتعلم ان ما كان من عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليك; أنه أخذ بيدك فوضعها في يدي فقال : اطع أباك عمرو بن العاص قال : نعم ، قال : فإني آمرك أن تقاتل ، قال فخرج يقاتل فلمّا وضعت الحرب قال عبدالله :

لو شهدت جمل مقامي ومشهدي

بصفّين يوماً شاب منها الذوائب

عشية جاء أهل العراق كأنهم

سحاب ربيع زعزعته الجنائب

وجئناؤهم ندوي كأن صفوفنا

من البحر موج موجه متراكب

١٦٢

اذا قلت قدولوا سراعاً بدت

لناكتائب منهم وارجحنت كتائب

فدارت رحانا واستدارت رحاهم

سراة النار ما تولي المناكب

فقالوا لنا إنا نرى أن تبايعوا

علياً فقلنا : بل نرى ان نضارب (١)

وفي أسد الغابة لابن الاثير الجزري ، قال في ترجمة ابن عمرو بن العاص :

وكانت معه راية أبيه يوم اليرموك ، وشهد معه أيضاً صفّين ، وكان على الميمنة (٢) ، قال له أبوه : يا عبدالله اخرج فقاتل ، فقال : يا ابتاه أتامرني ان أخرج فاقاتل؟ وقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعهد إلي ما عهد ، قال : اني انشدك الله يا عبدالله الم يكن آخر عهد اليك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أخذ بيدك ووضعها في يدي؟ وقال : اللهم بلى ، قال : فاني اغرم عليك ان تخرج فتقاتل فخرج وتقلّد سيفين (٣).

وما ذكر من انه ندم بعد ذلك لا يفيد في اصلاح حاله فان التوبة عن حقوق الناس لايكفي فيها مجرد الندم ، سيّما انه ندم على القتال ، لاعلى التخلّف عن أمير المؤمنين ومفارقته ، وهل يرجع بعد ذلك إلى متابعته والتفرد بحاشيته.

وحسبك في هذا المقام شهادة عمرو بن العاص على ان الخروج على أمير المؤمنين خلع رقية الاسلام وتهوّر في الضلالة واعانة على الباطل.

__________________

١. المستدرك ٣ : ٥٢٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٣١ : ٢٧٨ ، وفيه زيادات مثل قوله :

وجئنائهم ندوي كأن صفوفنا

من البحر موج موجه متراكب

فدارت رحانا واستدارت رحاهم

سراة النار ما تولي المناكب

فقالوا لنا إنا نرى أن تبايعوا

علياً فقلنا : بل نرى ان نضارب.

٢. تاريخ مدينة دمشق ٣١ : ٢٧١ ـ ٢٧٢.

٣. المصدر السابق

١٦٣

قال سبط ابن الجوزي ، وهو من أئمة الحنفية ومن شراح الجامع الصغير وصحيح مسلم ، ومحامده موجودة في كتب القوم ، قال في كتاب تذكرة خواص الامة :

وفي هذا السنة وهي سنة ستّ ثلاثين ، اتفق معاوية وعمرو بن العاص على قتال علي واصطلحا على ذلك قبل نزول علي على النخيلة في أيام وقعة الجمل بعد ان كان معاوية قد يئس منه ، وعزم عمرو على المسير إلى نصرة علي ، فاعطاه معاوية مصراً طعمة فمال إليه.

وقال أهل السير لما حصر عثمان خرج عمرو بن العاص إلى الشام فنزل فلسطين ، وكان يؤلب على عثمان لانحرافه عنه فاقام بفلسطين حتى قتل عثمان.

عمرو بن العاص ومعاوية

فقيل لمعاوية انه لا يتم ذلك الأمر الاّ بعمرو ، فانه دويهة العرب ، فكتب إليه يستدعيه ويستعطفه ، ويعده المواعيد ان هو وافقه على قتال أمير المؤمنين ، ويذكر ما جرى على عثمان ، فكتب اليه عمرو :

« أما بعد فاني قرئت كتابك وفهمته ، فأما ما دعوتني إليه من خلع ربقة الإسلام من عنقي والتهون معك في الضلالة واعانتي إياك على الباطل واختراط السيف في وجه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وهو أخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووليه ووصيه ، ووارثه ، وقاضي دينه ومنجز وعده ، وصهره على ابنته سيدة نساء العالمين ، وأبو السبطين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة.

وأما قولك : انك خليفة عثمان فقد عزلت بموته ، وزالت خلافتك.

١٦٤

وأما قولك : أن أمير المؤمنين أشلى الصحابة على قتل عثمان فهو كذب ، وزور ، وغواية ، ويحك يا معاوية أما علمت أن أبا الحسن بذل نفسه لله تعالى ، وبات على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال فيه : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فكتابك لايخدع ذا عقل وذا دين والسلام ».

فلما قرء كتابه قال له عتبة بن أبي سفيان : لاتيأس منه ، فكتب إليه وارغبه في الولاية واشركه معه في سلطانه وكان في أسفل كتابه :

جهلت ما تعلم محلك عندنا

فارسلت شيئاً من عتاب وما تدري

فثق بالذي عندي لك اليوم آنفاً

من العز والاكرام والجاه والقدر

واكتب عهداً ترتضيه مؤكداً

واشعفه بالبذل مني وبالبر

فكتب اليه عمرو يقول :

أبى القلب مني أن يخادع بالمكر

بقتل بن عفان أجر إلى الكفر

واني لعمرى ذو دهاء وفطنة

ولست أبيع الدين بالرشح والدفر

أليس صغيراً ملك مصر ببيعة

هي العار في الدنيا على الال من عمرو

وذكر سيف عن هشام بن محمد أنه كتب عمرو إلى معاوية :

معاوي لا اعطيك ديني ولم أنل

به منك دنيا فانظرن كيف تصنع

١٦٥

فان تعطني مصراً فاربح بصفقة

أخذت بها شيخاً يضر وينفع

فكتب إليه معاوية : قد أقطعتك مصراً طعمة ، واشهد عليه شهوداً ، وبات عمرو طول ليلته متفكراً فدعى غلاماً يقال له وردان ، ( وهو الذي ينسب إليه مكان بمصر يقال له سوق وردان ) فقال له : ماترى يا وردان؟

فقال : ان مع علي آخرة ولا دنيا ، وان مع معاوية دنيا ولا آخرة ، فالتي مع علي تبقى ، والتي مع معاوية تفنى ، فلما أصبح ركب فرسه ومعه عبدالله ابنه ، وهو يقول له : لا تذهب إلى معاوية ولا تبع آخرتك بدنيا فانية ، وهو متحير فلم يزل حتى وصل إلى طريقين ، أحدهما : تأخذ إلى المدينة ، والأخرى : إلى دمشق ، فوقف عندهما ، ثم ضرب رأس فرسه ، نحو دمشق ، وقال معاوية ارفق من علي وأتى معاوية (١).

ثم ان عبدالله بن عمرو كان يحدث عن كتب اليهود والنصارى ، التي حملها معه من الشام في وقعة اليرموك ، حتى أتقاه الناس ، وقلّ حديثه مع أنه كان أكثر حديثاً من أبي هريرة ، وكانوا قد يقولون له : حدّثنا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا تحدثنا عن الصحيفة.

وتفصيل الواقعة مذكور في كثير من الكتب ، منها « شرح نخبة الفكر » لعلي القاري ، ومنها : « حاشية القالي المسمات بقضاء الوطر ».

__________________

١. تذكرة الخواص : ٨٦ ـ ٨٧.

١٦٦

عبدالله بن عمرو بن العاص في كلام معاوية

ثم ان معاوية الذي عقد البخاري باباً في مناقبه ، وروى في حقه أنه فقيه ، كذّب عبدالله بن عمرو.

وقد رواه البخاري أيضاً ، في صحيحه عن الزهري قال : كان محمد بن جبير بن مطعم يحدّث ، انه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش ، ان عبدالله بن عمرو بن العاص يحدث ، انه سيكون ملك من قحطان ، فغضب معاوية فقام ، فاثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال :

أما بعد فانه بلغني ان رجالاً منكم يتحدّثون أحاديث ليست في كتاب الله ، ولاتؤثر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاؤلئك جهالكم ، فإياكم والأماني التي تضلّ أهلها ، فاني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ان هذا الأمر في قريش ، لا يعاديهم أحد الاّ كبَّه الله على وجهه ، وما أقاموا الدين (١).

والرواية تدل على ان عبدالله بن عمرو كان عند معاوية من المضلِّين الجهال ولعمري ان هذا هو مصداق المثل المعروف : ويل لمن كفّره نمرود.

عبدالله بن الزبير

أثنى عليه علماء العامة في كثير من كتبهم ووصفوه بمحامد عظيمة ومحاسن فخيمة وعدّه جماعة منهم من مصاديق الخلفاء الاثني عشر الذين ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه يكون الدين بهم عزيزاً.

____________

١. صحيح البخاري كتاب المناقب باب مناقب قريش رقم ٣٥٠٠ وكتاب الاحكام باب الامراء من قريش رقم ٧١٣٩.

١٦٧

ونقلوا من كثرة صلاته وعباداته أشياء ، منها : انه قسم الدهر على ثلاث ليال : فليلة هو قائم حتى الصباح ، وليلة هو راكع حتى الصباح ، وليلة هو ساجد حتى الصباح.

ومنها : انه كان يواصل الصوم سبعاً ، يصوم يوم الجمعة فلا يفطر الاّ يوم الجمعة الاخر ، ويصوم بالمدينة فلا يفطر الاّ بمكة ، ويصوم بمكة فلا يفطر الاّ بالمدينة.

قالوا ولقد قام يوماً إلى الصلاة فمرّ حجر من حجارة المنجنيق بلبنة مطبوخة من شرفات المسجد فمرت بين لحيته وصدره فوالله ما خشع لها بصره ، ولا قرائته ، ولاركع دون الركوع الذي كان يركع.

ولقد كان اذا دخل في الصلاة خرج من كل شيء اليها ، ولقد كان يركع في الصلاة فيقع الزحم على ظهره ويسجد فكأنه مطروح ، إلى غير ذلك كثيرة.

وهو أيضاً لا يقصر في المطاعن عن أخويه المتقدمين بل يربوا عليهما بكثير بل لا يمكن استيفاء جميع ما فيه في هذه الرسالة على بعضها.

وهو على ما نص عليه عمر بن الخطاب الذي يزعم علماء القوم انه كان مسدداً ، يقع في الخارج كلّما ، يجري على لسانه وينزل الوحي على طبق رأيه : كان شيطاناً كاملاً ، ففي محاضرات الراغب الاصبهاني : « مرّ عمر رضي الله عنه بصبيان يلعبون وفيهم عبد الله بن الزبير فعدا ، ووقف عبدالله بن الزبير ، فقال له عمر : ما لك لا تذهب مع الصبيان؟ فقال : يا أمير المؤمنين لم أجن اليك فاخافك ، ولم يكن في الطريق ضيق فاوسعه لك ، فقال عمر : اي شيطان يكون هذا » (١).

__________________

١. محاضرات الراغب ١ : ٥٦.

١٦٨

والراغب هذا من أجلة علماء القوم ، نقل السيوطي في بغية الوعاة عن الزركشي : أن فخرالدين الرازي ، عدّ الراغب من أئمة السنة ، وقرنه بالغزالي ، وقال : هذه فائدة حسنة ، قال : وكنت أظنه معتزلياً فتحقق عندي خلافه بهذا الكلام (١).

ثم ان ابن الزبير الحد بمكة وعليه نصف عذاب العالم بمقتضى رواياتهم.

ففي كنز العمال : يلحد رجل من قريش بمكة يقال له عبدالله عليه شطر عذاب العالم.

وعن ابن عمر انه سيلحد في الحرم رجل لو توزع ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت (٢).

وعن ابن عمر : يحلّها وتحلّ به رجل من قريش لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتا (٣).

وعن ابن عمر أيضاً : يلحد بمكة كبش أي سيّد من قريش اسمه عبدالله عليه مثل أوزار نصف الناس (٤).

وعن عثمان يلحد رجل من قريش بمكة يكون عليه نصف عذاب العالم (٥).

وعن عثمان ورجال المحدثين ثقات ، وذكر العلامة محمد بن علي

__________________

١. بغية الوعاة ٢ : ٢٩٧ رقم ٢٠١٥ وقد اختلفوا في اسم الراغب ، وقد ذكره السيوطي في بغية الوعاة المفضل بن محمد ، والذهبي في السير الحسين بن محمد بن المفضل.

٢. مسند أحمد ٢ : ٢١٩ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ٣٧٦.

٣. المصدر السابق.

٤. المصدر السابق.

٥. المصدر السابق.

١٦٩

الحكيم الترمذي من أعيان العامة الذي قالوا فيه انه من الاوتاد الاربعة ومدائحه معلومة من فيض القدير للمناوي ، ذكر في كتاب نوادر الاصول :

حدّثنا ابراهيم بن المستمر الهذلي قال : حدّثني عبدالرحمن بن سليمان قال : سمعت أبي يذكر عن أبيه قال : صحبت ابن عمر من مكة إلى المدينة فقال النافع لا تمرّ بي على المصلوب ، يعني ابن الزبير فما فجئه في جوف الليل الاّ ان صك محمد جذعه فجلس فمسح عينيه ثم قال : يرحمك الله يا أبا خبيب ان كنت وان كنت ، ولقد سمعت أباك الزبير يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من يعمل سوء يجز به في الدنيا أو في الاخرة ، فان يك هذا بذاك فهه ، فهه (١).

قال أبو عبدالله : فأما في التنزيل فقد احمله فقال : ( من يعمل سوءاً يجز به ) (٢) ، دخل فيه البر والفاجر ، والولي والعدو ، والمؤمن والكافر ، ثم يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الحديث بين الموطنين ، فقال : يجزيه في الدنيا أو في الاخرة ، وكأنه أخبر بانه يجزي بذلك السوء في أحد الموطنين ، إما في الدنيا وإما في الاخرة.

وليس يجمع عليك الجزاء في الموطنين ، ألا ترى إن ابن عمر قال : فان يك هذا بذاك فهه به ، معناه انه قاتل في حرم الله وأحدث حدثاً عظيماً فيها حتى أحرق البيت ، ورمى الحجر الأسود بالمنجنيق ، فانصدع حتى صبب بالفصه ، فهو إلى يومنا كذلك وسمع للبيت آمين.

وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم فتح مكة أنها لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحلّ

__________________

١. تاريخ مدينة دمشق ٢٨ : ٢٤٠.

٢. النساء : ١٢٣.

١٧٠

بعدي وانما احلت بي ساعة من نهار ، حرمت يوم خلقت السموات والارض.

ولما رأى ابن عمر فعله ثم رآه مقتولاً مصلوباً ، ذكر قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من يعمل سوء يجزبه ، ثم قال : ان يك هذا القتل بذلك الذي فعله فهه به ، أي ، ان كان جوزي بذلك السوء ، السوء من هذا القتل والصلب.

وروى العلامة السيوطي في جمع الجوامع عن اسحاق بن سعيد عن أبيه قال : أتى عبدالله بن عمر عبدالله بن الزبير ، فقال : يابن الزبير ايّاك والالحاد في حرم الله تعالى ، فاني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول سيلحد فيه رجل من قريش لو أن ذنوبه توزن بذنوب الثقلين لرجحت عليه فانظر لا يكون.

ومن ظريف الأمر أن البخاري أيضاً أورد في صحيحه ، ما يدل على ان ابن الزبير أحلّ حرم الله ، وهذه ألفاظه في كتاب التفسير :

حدّثني عبدالله بن محمد قال : حدّثني يحيى بن معين ، قال حدّثنا حجاج ، قال ابن جريج ، قال ابن أبي مليكة ، وكان بينهما شيء فغدوت على ابن عباس فقلت : أتريد أن تقاتل ابن الزبير فتحل حرم الله؟

فقال : معاذ الله ، ان الله كتب ابن الزبير وبني أميّة محلين ، واني والله لا أحلُّه أبداً (١).

وفي فتح الباري للعسقلاني : ان الضمير في قوله : « بينهما » راجع إلى ابن عباس وابن الزبير قال : قوله : « محلّين » أي أنهم كانوا يحلّون القتال في الحرم ، وإنّما نسب ابن الزبير إلى ذلك ، وان كان بنو أمية هم الذين ابتدأوه في القتال وحصروه.

__________________

١. صحيح البخاري كتاب التفسير باب ، ثاني اثنين اذهمافي الغار ... التوبة : ٤٠ ، رقم ٤٦٦٥.

١٧١

وإنّما بدأ منه أولاً دفعهم عن نفسه لإنّه بعد أن ردّهم الله عنه ، حصر بني هاشم ليبايعوه فسرّع فيما يؤذن بإباحة القتال ، وكان الناس يسمّون ابن الزبير المحلّ لذلك (١).

ومن عجيب الأمر ما في هذه الرواية من ان ابن عباس يرى ابن الزبير أهلاً للخلافة لشرف نسبه مع أنه قد وقع منه بالنسبة إلى ابن عباس ما وقع كما سيأتي ، ومع انه قد طعن فيه في صدر الرواية بما نقلنا وفي ذيله بكلام آخر لم ننقله.

ومع ان جماعة منهم ذكروا انه قال : كانت في ابن الزبير ضلال لا تصلح معها للخلافة.

ومن اطلع على بعض ما وقع بين ابن عباس وابن الزبير من مشاجرات والمذاكرات جزم بان هذه الجملة التي لم نوردها موضوعة على ابن عباس.

ومن شنائع أحواله انه كان يقاتل على الدنيا وتحمل وزر جميع من قاتل وقتل معه ، والأخبار الواردة في ذم التكالب على الدنيا وطلب الرياسة الباطلة ومقاتلة الناس عليها مما لا يمكن احصاؤها.

روى البخاري في كتاب الفتن عن أبي المنهال قال : لما كان ابن زياد ومروان بالشام ووثب ابن الزبير بمكة ووثب القراء بالبصرة ، فانطلقت مع أبي إلى ابي برزة الأسلمي حتى دخلنا عليه في داره وهو جالس في ظل عُلِّيَّة له من قصب ، فجلسنا إليه فأنشأ أبي يستطعمه الحديث ، فقال : يا أبا برزة ألا ترى ما وقع فيه الناس؟ فأول شيء سمعته تكلّم به : إني إحتسبت عند الله أني أصبحت

__________________

١. فتح الباري ٨ : ٢٦٢.

١٧٢

ساخطاً على أحياء قريش ، إنكم يا معشر العرب كنتم على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة والضلالة ، وإن الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى بلغ بكم ما ترون ، وهذه الدنيا التي أفسدت بينكم ، ان ذاك الذي بالشام والله إن يقاتل إلاّ على الدنيا ، وان هؤلاء الذين بين أظهركم والله إن يقاتلون إلاّ على الدنيا ، وإن ذاك الذي بمكّة والله إن يقاتل إلاّ على الدنيا (١).

وفي فتح الباري : في معنى « ان ذاك الذي بمكة » زاد يزيد بن ذريع يعني ابن الزبير.

والحاكم في المستدرك أيضاً أورد هذه الرواية ، وفي فتح الباري في معنى قول أبي برزة : اني احتسبت عند الله ، ان معناه انه يطلب بسخطه على الطوائف المذكورين من الله أجراً على ذلك لان الحب في الله والبغض في الله من الايمان (٢).

فثبت بنص ابن حجر ، ان البغض على ابن الزبير بغض في الله ، وان السخط عليه يوجب الغفران ، وان حبه كما هو شعار السنّية خروج عن الإيمان.

وقال ابن الملقن في شرحه : وأما قول أبي برزة : « واحتسابه سخطه على أخبار قريش عند الله تعالى » فكأنه قال : الّلهم لا أرضى ما يصنع قريش من القتال على الخلافة ، فاعلم ذلك من نيتي واني أسخط أفعالهم واستباحتهم للدماء والاموال ، فأراد ان يحتسب ما يعتقده من انكار القتال في الإسلام عند الله وذخراً ، فانّه لم يقدر من التعبير عليهم الاّ بالقول والنية التي بها يأجر الله عباده.

__________________

١. صحيح البخارى كتاب الفتن باب ٢١ ، رقم ٧١١٢.

٢. فتح الباري ١٣ : ٦٢ كتاب الفتن.

١٧٣

وروى الحاكم في المستدرك باسناده ، عن نافع عن ابن عمر ، انه قال لرجل سأله عن القتال مع الحجاج ، أو مع ابن الزبير ، فقال له ابن عمر : مع أي الفريقين قاتلت فقتلت ففي لظى ، قال وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (١).

ومن قبائحه التي لا تحصى الدفاتر الطوال ، لوازم شناعتها انه كان ينقص أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وجميع بني هاشم ، واغرى أباه الزبير على قتاله ، وأغرى عائشة على وقعة الجمل ، وأهانها ، وخوّفها ، بقوله :

أدركنا علي; وحلف يميناً كاذبة وسنّ سنّة شهادة الزور ، وهي أول شهادة زور وقعت في الاسلام على ما نصّ عليه علماؤهم ، وقاتل أمير المؤمنين عليه‌السلام وسبه وشتمه واسقط ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الخطبة في الجمعة وغيرها ، ولا يشك جاهل فضلاً عن عالم في كفر من وُصف ببعض هذه الصفات فضلاً عن جميعها ، وضلالته وانهماكه في خسارته وشقاوته.

وأدلة الكبرى وان كانت بيّنة مبيّنة مشروحة ومبسوطة ، إلاّ ونحن نأتي بجملة من الأخبار الواردة من طرق القوم ثم نعطف على بيان الصغرى.

وحقيقة هذا الطعن تنحل إلى مطاعن لاتحصى ، يليق أن يفرد كلّ منها بفصل وباب.

فنقول : يدل عليها مضافاً إلى ما سبق ، مما يدل على أن معصية علي معصية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطاعته طاعته ، ومفارقته مفارقته ، وانه باب حطة من خرج عنه كان كافراً.

__________________

١. المستدرك ٤ : ١٧١.

١٧٤

وما أورده البدخشاني من عظماء أهل السنة في مفتاح النجاة قال : أخرج مسلم والترمذي والنسائي عن زر بن حبيش ، قال : سمعت علياً عليه‌السلام يقول : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة أنه لعهد النبي الأميّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليّ أنه لايحبني إلاّ مؤمن ولايبغضني الاّ منافق (١).

وأخرج أحمد والترمذي وحسنه ، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يحب علياً منافق ولا يبغض علياً مؤمن » (٢).

وفي رواية ابن أبي شيبة : لا يبغض علياً الاّ مؤمن ولا يحبه منافق (٣) ، وعند الطبراني في الكبير عنها : لا يحب علياً الاّ مؤمن ولايبغض علياً الاّ منافق.

وأخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري والبزار والطبراني في الاوسط عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قالا : « كنّا نعرف المنافقين ببغضهم علياً » (٤).

وأخرج الطبراني في الكبير عن سلمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي : « محبك محبي ومبغضك مبغضي » (٥).

قال وأخرج الطبراني في الكبير عن أم سلمة رضي الله عنها عن رسول

__________________

١. مسند أحمد ٦ : ٢٩٢ ، صحيح مسلم ١ : ٨٦ رقم ٧٨ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٤٣ رقم ٣٧٣٦ ، سنن النسائي ٨ : ١١٦ و ١١٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٢ رقم ١١٤ ، المعجم الأوسط ٣ : ٨٩ رقم ٢١٧٧ ، مصابيح السنة ٤ : ١٧١ رقم ٤٧٦٣ ، مسند أبي يعلى ١ : ٢٥٠ رقم ٢٩١ ، تاريخ بغداد ١٤ : ٤٢٦ ، حلية الأولياء ٤ : ١٨٥ ، فتح الباري ٧ : ٥٧ ، عارضة الأحوذي ١٣ : ١٧٧ ، الإستيعاب ٣ : ٣٧ ، صفة الصفوة ١ : ٣١٢.

٢. مسند أحمد ١ : ٨٤ ، سنن النسائي كتاب الايمان ، ٨ : ١١٧ ، رقم ١٩ و ١٣١ ، سنن الترمذي ٥ : ٣٠٦.

٣. جامع الأصول ٩ : ٤٧٣ ، تيسير الوصول ٣ : ٢٧٢ ، الرياض النضرة ٢ : ٢١٤.

٤. سنن الترمذي ٥ : ٦٣٥ رقم ٣٧١٧ ،

٥. المستدرك ٣ : ١٣٠ ، مجمع الزوائد : ٩ / ١٣٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٢٦٩ ـ ٢٨٠.

١٧٥

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من أحب علياً فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ومن أبغض علياً فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله (١).

قال : وأخرج أبو يعلى والبزار عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من آذى علياً فقد آذاني ».

قال : وأخرج ابن عدي عن جابر رضي الله عنه : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعلي : يا علي لو أن أمتي أبغضوك لأكبهم الله على مناخرهم في النار (٢).

وأخرج الديلمي عن الحسين رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لو أن عبداً عبد الله مثل ما قام نوح في قومه ، وكان له مثل أحد ذهباً فأنفقه في سبيل الله ، ومُدّ في عمره حتى يحج ألف عام على قدميه ، ثم قتل بين الصفاء والمروة مظلوماً ، ثم لم يوالك يا علي لم يشم رائحة الجنّة ولم يدخلها (٣).

وأخرج ابن مردويه عن عطية بن سعد قال : دخلنا على جابر بن عبدالله رضي الله عنه وهو شيخ كبير فقلنا : أخبرنا عن هذا الرجل ـ علي بن أبي طالب ـ فرفع حاجبيه ثم قال : ذاك من خير البشر ، فقيل له : ما تقول في رجل يبغض علياً؟ قال : ما يبغض علياً الاّ كافر (٤).

__________________

١. المستدرك ٣ : ١٤١ رقم ٤٦٤٨ ، كشف الأستار ٣ : ٢٠١ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٣٥ ، ذخائر العقبى : ٦٥ ، تاريخ الخلفاء : ١٧٣ ، كنز العمال ١٢ : ٢٠٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٢٧١.

٢. تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٢٩٨.

٣. فردوس الأخبار ٣ : ٤٠٩ ـ ٤١٠ رقم ٥١٤١.

٤. مسند أحمد ٤ : ٤٣٨ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٣٥ رقم ٣٧٢٧ ، المعجم الكبير ٢٣ : ٣٨٠ رقم ٩٠١ ، مسند أبي يعلى ١٢ : ٦٩٠٤ ، تحفة الاشراف ١٣ : ٦٤ رقم ١٨٢٩٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٢٦٨ ـ ٣٠٠ ، كفاية الطالب : ٦٩ ، مطالب السؤول : ٨٧.

١٧٦

وأخرج عن سالم بن أبي الجعد ، قال : تذاكروا فضل علي عند جابر بن عبدالله فقال : وتشكون فيه؟ فقال بعض القوم : انه أحدث ، قال : وما يشك فيه الاّ كافر ، أو منافق.

وأخرج أحمد والبزار وأبو يعلى وابن عدي والحاكم وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن علي كرم الله وجهه ، قال : دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ان فيك مثلاً من عيسى أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه ، وأحبه النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به ، ألا وانه يهلك فيَّ اثنان محب مفرط يفرطني بما ليس في ومبغض يحمله شنآني على ان باهتني (١).

وروى البخاري في كتاب الايمان من صحيحه ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : سباب المسلم فسق وقتاله كفر ، ورواه في كتاب الفتن وفي كتاب الادب أيضاً (٢).

وروى الحاكم في المسستدرك عن أبي عبدالله الجدلي ، قال : دخلت على أم سلمة رضي الله عنها فقالت لي أيسب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكم؟ فقلت : معاذ الله أو سبحان الله أو كلمة نحوها ، قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من سبّ علياً فقد سبني (٣). هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه (٤).

__________________

١. مسند أحمد ١ : ١٦٠ ، المستدرك ٣ : ١٢٣ ، الرياض النضرة ٢ : ٢١٧ ، كفاية الطالب : ١٩٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٢٩٣ ـ ٢٩٦.

٢. صحيح البخاري كتاب الايمان باب : خوف المؤمن من أن يحبط عمله رقم ٤٨ وكتاب الأدب باب ما ينهى عنه من السباب رقم ٦٠٤٤ وكتاب الفتن باب : لاترجعوا بعدي كفاراً رقم ٧٠٧٦.

٣. مسند أحمد ١٠ : ٢٢٨ رقم ٢٦٨١٠ ، جامع الصغير ٦ : ١٤٧ رقم ٨٧٣٦ المطبوع على متن فيض القدير للمناوي تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٢٦٦.

٤. المستدرك ٣ : ١٢١ وفي طبعة ٣ : ١٣١ رقم ٤٦١٦.

١٧٧

وقد رواه أبوبكر بن عثمان البجلي عن أبي اسحاق بزيادة الفاظ ، قال : سمعت أبا عبدالله الجدلي يقول : حججت وأنا غلام فمررت بالمدينة واذا الناس عنق واحد فاتبعتهم فدخلوا على أم سلمة زوجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعتها يقول : يا شبث (١) بن ربعي فاجابها رجل جلف جاف لبيك يا أمّتاه ، قالت : يسبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ناديكم؟ قال : وأنى ذلك؟ قالت : فعلي بن أبي طالب ، قال : انا لنقول أشياء نريد عرض الدنيا ، قالت : فاني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من سبّ علياً فقد سبني ، ومن سبني فقد سبّ الله تعالى (٢).

وفي المستدرك أيضاً ، عن أبي مليكة قال : جاء رجل من أهل الشام فسبّ علياً عند ابن عباس ، فحصبه ابن عباس فقال : يا عدوّ الله آذيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة وأعدّ لهم عذاباً مهيناً ) (٣) ، لو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حياً لآذيته ، قال : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه (٤).

ولنكتف بهذا المقدار فان الكلام في ذلك يطول جدّاً.

ولنذكر بعض ما صدر من هذا الشقي مما يعلم منه انطباق جميع أخبار الذم واللعن والطرد عليه.

فنقول : ذكر علاّمتهم المحدّث ابن عبد البر في الاستيعاب قال علي بن

__________________

١. وفي المستدرك « شبيب ».

٢. فيض القدير ٦ : ١٤٧ ، المستدرك ٣ : ١٢١.

٣. الأحزاب : ٥٧.

٤. المستدرك ٣ : ١٢١ وفي طبعة ٣ : ١٣١ رقم ٤٦١٨.

١٧٨

أبي طالب : ما زال الزبير يعدّ منا أهل البيت حتى نشأ عبدالله.

وذكر ابن الاثير الجزري في كتاب أسد الغابة : وكان علي رضي الله عنه يقول : ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ له عبدالله (١)

وذكر سبط ابن الجوزي في التذكرة : وفي رواية ، أن علياً لما التقى بالزبير ، قال له : كنا نعدك في خيار بني عبدالمطلب حتى بلغ ابنك السوء ففرّق بيننا (٢).

قال ابن أبي الحديد في أواخر شرحه : روى المسعودي عن سعيد بن جبير ان ابن عباس دخل على ابن الزبير فقال له ابن الزبير : إلى مَ تؤتيني وتعنفي؟ قال ابن عباس : اني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : بئس المرء المسلم ليشبع ويجوع جاره ، وأنت ذلك الرجل ، فقال ابن الزبير لاكتم بغضكم أهل البيت منذ أربعين سنة!

وتشاجرا فخرج من مكة فاقام بالطائف حتى مات.

قال وقطع عبدالله بن الزبير في الخطبة ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جُمَعاً كثيرة فاستعظم الناس ذلك فقال : اني لا أرغب عن ذكره ، ولكن له أهيل سوء ، اذا ذكرته اطلعوا أعناقهم فأنا أحب ان اكْبِتهم.

قال : لما كاشف عبدالله بن الزبير بني هاشم وأظهر بغضهم ، وعابهم وهمّ بما همّ به في أمرهم ، ولم يذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبته ، لا يوم الجمعة ولا غيرها ، عاتبه على ذلك قوم من خاصّتة ، وتشاءموا بذلك منه ، وخافوا عاقبته.

فقال : والله ما تركت ذلك علانية الاّ وأنا أقوله سراً وأكثر منه ؛ لكني رأيت

__________________

١. أسد الغابة ٣ : ٢٤٣ رقم ٢٩٤٧ ، الإستيعاب ٣ : ٩٠٦ رقم ١٥٣٥.

٢. تذكرة الخواص : ٧١.

١٧٩

بني هاشم اذا سمعوا ذكره اشرأبّوا وأحمرّت ألوانهم ، وطالت رقابهم والله ما كنت لآتي لهم سروراً وأنا أقدر عليه ، والله لقد هممت ان أحظر لهم حظيرة ثم أضرمها عليهم ناراً!!

فاني لا أقتل منهم إلاّ آثماً كفّاراً سحّاراً ، لا إنماهم (١) الله ، ولا بارك عليهم ، بيت سوء ، لا أول لهم ولا آخر ، والله ما ترك نبي الله فيهم خيراً ، استفرع نبي الله صدقهم فهم أكذب الناس.

فقام اليه محمد بن سعد بن أبي وقاص فقال : وفّقك الله يا أمير المؤمنين! أنا أول من أعانك في أمرهم ، فقام عبدالله بن صفوان بن أمية الجمحي ، فقال : والله ما قلت صواباً ، ولا هممت برشد ، أرهط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعيب ، وإياهم تقتل ، والعرب حولك! والله لو قتلت عدّتهم أهل بيت من الترك مسلمين ما سوّغه الله لك ، والله لو لم ينصرهم الناس منك لنصرهم الله بنصره.

فقال : اجلس أبا صفوان فلست بناموس (٢).

فبلغ الخبر عبدالله بن العباس ، فخرج مغضباً ومعه ابنه حتى أتى المسجد فقصد المنبر فحمد الله فاثنى عليه ، وصلّى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال : أيها الناس ان ابن الزبير يزعم أن لا أول لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا آخر ، فيا عجباً كل العجب لافترائه ولكذبه! والله ان أول من أخذ الإيلاف ، وحمى عيرات قريش لهاشم ، وإنّ أول من سقى بمكة عذباً ، وجعل باب الكعبة ذهباً لعبدالمطلب ، والله لقد نشأت ناشئتنا مع ناشئة قريش ، وإن كنا لقالتهم اذا قالوا ، وخطباءهم اذا خطبوا ،

__________________

١. لا أكثر عددهم.

٢. الناموس : الحاذق.

١٨٠