إستقصاء الإعتبار - ج ٥

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-177
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٣٩٣

الرجال (١) ، وإسحاق الجريري لا يبعد أن يكون هو إسحاق بن جرير المذكور بالوقف في رجال الكاظم عليه‌السلام من كتاب الشيخ (٢) ، والنجاشي قال : إنّه ثقة من غير ذكر الوقف (٣) وقد مضى القول في مثل هذا مرارا ، ولفظ الجريري غير مصرّح به في الرجال ، الاّ أنّ الظاهر من المرتبة ما قلناه ، والراوي عنه في النجاشي ابن أبي عمير ، أمّا رواية سعدان فقد يتخيّل فيها نوع شي‌ء ، والتسديد ممكن ، الاّ أنّ الأمر غير ضروريّ ، وفي التهذيب : إسحاق الجوهري (٤) ، وأظنّه تصحيفا ، وعلى تقدير الصحة فهو مجهول.

المتن :

في الخبرين واضح ، وتأويل الشيخ بعيد عن الظاهر جدّا ، والتعبير في عبارة بعض الأصحاب بالسكتة بين أذان المغرب والإقامة هو المراد بالنَفَس (٥) ، وربما يحمل الخبر الأوّل على أنّ المغرب تزيد على غيرها بالنَفَس ، وإن كان الظاهر من الرواية اختصاصها به ، أو يفرق بين القعود والجلوس بأن يحمل الجلوس على مسمّاه ، والعقود على زيادة استقرار ، وفيه ما فيه.

وقد روى الشيخ في زيادات التهذيب من كتاب الصلاة ، عن سعد ، عن الحسين بن عمر بن يزيد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن‌

__________________

(١) كما في رجال النجاشي : ١٩٢ / ٥١٥ ، رجال الطوسي : ٢٠٦ / ٦٤ ، الفهرست : ٧٩ / ٣٢٦.

(٢) رجال الطوسي : ٣٤٣ / ٢٤.

(٣) رجال النجاشي : ٧١ / ١٧٠.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٥ / ٢٣١ وفيه : إسحاق الجريري.

(٥) كما في مجمع الفائدة ٢ : ١٧٥ ، الحبل المتين : ٢١٠.

٨١

مسكان ، قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام أذّن وأقام من غير أن يفصل بينهما بجلوس (١) ، والحديث معتبر.

وروى في غير الزيادات بطريق فيه الحسن بن شهاب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بدّ من قعود بين الأذان والإقامة » (٢).

وروى عن الحسين بن سعيد ، عن سليمان بن جعفر الجعفري قال : سمعته يقول : « افرق بين الأذان والإقامة بجلوس أو بركعتين » (٣).

وعن الحسين بن سعيد ، عن أحمد بن محمّد ـ وهو ابن أبي نصر ـ قال : قال : « القعود بين الأذان والإقامة في الصلاة كُلّها إذا لم يكن قبل الإقامة صلاة يصلّيها » (٤) وهذا الخبر مع صحته يدل على أنّ الفصل يتحقّق بأيّ صلاة صلاّها الإنسان قليلة أو كثيرة.

وقد مضى (٥) في بحث المواقيت نقل حديث في ركعتي الفجر ، رواه الشيخ بسند معتبر ، على أنّه لا يكون بين الأذان والإقامة إلاّ الركعتان ، وذكرنا احتمال إرادة ركعتي الفجر واحتمال غيرهما ، وهذا الخبر ظاهر في مطلق الصلاة ، فالظاهر من ذاك الخبر إرادة ركعتي الفجر ، فيدلّ على اختصاص أذان الصبح بركعتي الفجر للفصل على سبيل الفضل بتقدير العموم في الفصل بغيرهما ، كما في رواية سليمان ، ويجوز تخصيص العموم.

وأمّا ما تضمّنه خبر ابن مسكان من عدم جلوسه عليه‌السلام فيحتمل أن‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٥ / ١١٣٨ ، الوسائل ٥ : ٣٩٩ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٤ / ٢٢٦ ، الوسائل ٥ : ٣٩٧ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٤ / ٢٢٧ ، الوسائل ٥ : ٣٩٧ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٤ / ٢٢٨ ، الوسائل ٥ : ٣٩٧ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٣.

(٥) في ج ٤ : ٤٧١ ـ ٤٧٢.

٨٢

يكون عليه‌السلام فصّل بغيره ، أو لبيان الجواز كما قيل (١) ، وفيه نوع تأمّل ؛ لأنّ بيان الجواز في المستحب غير ظاهر الوجه.

وفي بعض الأخبار المعدود في الموثّق أنّه سئل عليه‌السلام ما الذي يجزئ من التسبيح بين الأذان والإقامة؟ قال : يقول : « الحمد لله » (٢).

وروى الشيخ في التهذيب بسند فيه الحسين بن راشد وجعفر بن محمّد بن يقطين (٣). والأوّل : مهمل في الرجال (٤) ، والثاني : لم أقف عليه فيها ، ومع ذلك فهو مرفوع مضمر ، إلاّ أنّ التساهل في السنن لو تمّ دليله كفى في العمل به ، وقد قدّمنا فيه القول.

والمتن : قال : « يقول الرجل إذا فرغ من الأذان وجلس : اللهم اجعل قلبي بارّا ( وعيشي قارّا ) (٥) ورزقي دارّا واجعل لي عند قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرارا ومستقرّا ».

وليكن هذا آخر الجزء الثاني من كتاب استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار (٦) والله المسؤول أن يوفّق لإكماله بجاه محمّد المصطفى وآله ، وأن يجعل سعينا مصروفا فيما يرضيه عنّا من الأعمال ، ويدفع عنّا بمنّه عظائم الأخطار والأهوال.

وقد اتّفق بتوفيق الله الابتداء والانتهاء في مشهد سيّد الشهداء‌

__________________

(١) انظر الحبل المتين : ٢١٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٠ / ١١١٤ ، الوسائل ٥ : ٣٩٨ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٤ / ٢٣٠.

(٤) انظر منهج المقال : ١١٢.

(٥) ما بين القوسين ليس في المصدر.

(٦) في « رض » زيادة : ويتلوه الجزء الثالث أبواب كيفية الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها.

٨٣

وخامس أصحاب العباء عليه وعلى جدّه وأبيه وأخيه والتسعة من ذراريه أفضل الصلاة والسلام ، وكان الختام يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من شهر صفر ختم بالخير والظفر من شهور السنة السادسة والعشرين بعد الألف الهجرية على من شرّفت به أكمل التحيّة ، وكتب مؤلّفه العبد : محمّد بن الحسن بن زين الدين العاملي عاملهم الله بلطفه وكرمه.

٨٤

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه الاستعانة وعليه التكلان

الحمد لله على آلائه والصلاة على أشرف أنبيائه

وعلى أكرم أحبّائه (١)

__________________

(١) في « رض » : أحبابه.

٨٥
٨٦

قوله :

أبواب كيفيّة الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها.

باب وجوب قراءة الحمد.

الحسين بن سعيد (١) ، عن فضالة ، عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الذي لا يقرأ فاتحة (٢) الكتاب في صلاته ، قال : « لا صلاة (٣) إلاّ بقراءتها في جهر أو إخفات » قلت : أيّهما أحبّ إليك إذا كان خائفا أو مستعجلا يقرأ سورة أو فاتحة الكتاب؟ قال : « فاتحة الكتاب ».

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن عبد الله بن سنان قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إنّ الله تعالى فرض من الصلاة الركوع والسجود ألا ترى لو أنّ رجلا دخل في الإسلام لا يحسن (٤) يقرأ القرآن أجزأه أن يكبّر ويسبّح ويصلّي ».

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على من لم يحسن فاتحة الكتاب حسب ما تضمّنه ، ويكون قوله : « إنّ الله فرض من الصلاة الركوع والسجود » يعني به فرضا إذا تركه عامدا أو ساهيا كان عليه إعادة الصلاة ؛ لأنّهما ركنان ، وليس كذلك القراءة ، لأنّه ليس على من‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣١٠ / ١١٥٢ : أخبرني الحسين بن سعيد.

(٢) في الاستبصار ١ : ٣١٠ / ١١٥٢ : بفاتحة.

(٣) في الاستبصار ١ : ٣١٠ / ١١٥٢ : زيادة : له.

(٤) في الاستبصار ١ : ٣١٠ / ١١٥٣ زيادة : أن.

٨٧

نسي القراءة حتى دخل الركوع إعادة الصلاة ، وكان الفرق بينهما من هذا الوجه.

السند‌

في الخبرين واضح الحال ، لمعلوميّة جلالة رجالهما ممّا تقدّم (١) من المقال ، والنضر في الثاني هو ابن سويد على الظاهر من الممارسة ، والتصريح في الرجال (٢) برواية الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد.

أمّا رواية الحسين بن سعيد عن فضالة في الأوّل فقد قدّمنا (٣) فيه القول ، حيث إنّ النجاشي نقل رواية (٤) أنّ ما يرويه الحسين بن سعيد عن فضالة فهو غلط ، إنّما هو الحسن عن فضالة ؛ لأنّ الحسين لم يلقَ فضالة ، وأن أخاه الحسن تفرّد بفضالة دون الحسين ، ورأيت الجماعة تروي بأسانيد مختلفة الطرق عن الحسين بن سعيد عن فضالة ، والله أعلم (٥). انتهى.

والظاهر أنّ قول : ورأيت ، من كلام النجاشي ، ويحتمل أن يكون من تتمّة كلام الراوي وهو الحسين بن محمّد (٦) بن يزيد السورائي ، والراوي عن هذا الحسين أبو الحسن البغدادي السورائي ، والرجلان غير معلومي الحال.

وفي ترجمة الحسن بن سعيد قال النجاشي ما ذكره الحسين بن‌

__________________

(١) في ج ١ : ٧٠ و ١٦٢ و ١٩٥ و ٢١٦ و ٣٩٨ وج ٣ : ١٩١.

(٢) انظر الفهرست : ١٧١ / ٧٥٠.

(٣) في ص ٧٣.

(٤) في « م » زيادة : الحسين.

(٥) رجال النجاشي : ٣١٠ / ٨٥٠.

(٦) كذا في النسخ ، والظاهر زيادة : بن محمّد.

٨٨

محمّد السورائي على سبيل الجزم (١) ، وفي فضالة بن أيّوب ذكرها رواية عمّن (٢) ذكرناه ، ولعلّ توسّط الحسن لا يضرّ بالحال ، لكونه يصير معلوما ، ويظهر من الشيخ في الفهرست عدم الالتفات إلى هذا ؛ لأنّه إنّما ذكر اختصاص الحسن بزرعة وسماعة فقط (٣).

المتن :

في الأوّل : كما ترى يدل على أنّه لا صلاة إلاّ بقراءة فاتحة الكتاب ، وقد تقرّر في الأُصول أنّ المنفيّ في مثل هذا الصلاة الصحيحة لا الكاملة (٤) ، على وجه يغني عن الذكر هنا ، غير أنّه يمكن ادعاء ظهور مثل هذا المتن في البطلان من حيث السؤال ، وإن كان باب الاحتمال واسعا.

أمّا قوله عليه‌السلام : « في جهر أو إخفات » فيحتمل أمرين :

أحدهما : أن يراد في الصلاة الجهريّة والإخفاتيّة.

والثاني : أن يراد القراءة جهرا أو إخفاتا في كل من الصلاتين ، والفائدة تظهر عند القائلين بالتخيير في الصلوات بين الجهر والإخفات (٥) ، فليتأمّل.

وما تضمّنه الخبر من قوله : قلت أيّهما أحبّ ، إلى آخره. وإن اقتضى بظاهره عدم وجوب الفاتحة للمستعجل والخائف نظرا إلى أنّ الأحبّ يستعمل في الأفضل ، إلاّ أنّ إرادة الوجوب من الأحبّ لا مانع منها ، وأظنّ‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٥٨ ، وفيه : الحسين بن يزيد.

(٢) في « فض » و « م » : عن من.

(٣) الفهرست : ٥٣ / ١٨٦.

(٤) انظر معالم الدين : ١٥٩.

(٥) حكاه في منتقى الجمان ٢ : ١٣.

٨٩

الاستعمال موجودا في الأخبار ، لكن لا يحضرني الآن خصوص محلّه ، وعلى كل حال فالإجماع على وجوب الفاتحة كما نقله في المنتهى (١) يسهّل الخطب.

وما عساه يقال : إنّ الإجماع المدّعى لا يخلو من إجمال ، ولا مانع من تخصيصه بتقدير العموم بغير المستعجل والخائف.

فيه : أنّ القائل بهذا غير معلوم ، بل الظاهر انتفاؤه ، والعبارة المنقولة عن المنتهى هذه : ويتعيّن الحمد في كلّ ثنائيّة وفي الأوليين من الثلاثيّة والرباعيّة ، ذهب إليه علمائنا أجمع (٢). وهذا غير خفي الظهور في التعميم.

وما قد يقال من أنّ الخبر المبحوث عنه كما يحتمل ما ذكر يحتمل أن يراد أنّه هل الأولى للخائف والمستعجل الفاتحة فقط ، أو هي مع السورة؟ وحينئذ يبقى دلالة الأحبّ على الأفضل ؛ إذ المراد أنّ الأفضل الاقتصار على الحمد ، لا أنّ الحمد مستحبة ، والفرق بين الأمرين أنّ المراد هنا بالأحبّ كون الحمد وحدها أفضل الفردين الواجبين على تقدير وجوب السورة ، وعلى تقدير استحبابها تكون الحمد أفضل وحدها ، بمعنى تحقّق الكمال بها على الأكمليّة على الحمد والسورة ، على أنّه يجوز أن يراد بالأحبّ مجرّد الكمال بوجه (٣) يساوي قراءة السورة.

فالجواب عنه : أمّا أولا : فلأنّ الظاهر خلاف ما ذكر.

وأمّا ثانيا : فلأنّ أفضليّة الحمد وحدها للمذكورين إن أريد به مع‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٧٠.

(٢) المنتهى ١ : ٢٧٠.

(٣) في « رض » : على وجه.

٩٠

إمكان الإتيان بالسورة فلا وجه لكون الترك أفضل ، وإن أُريد مع عدم الإمكان ( لا وجه لافضليّته كما هو واضح.

فإن قلت : يحتمل أن يراد مع عدم الإمكان ) (١) ويكون الأحبّ إخبارا عن أنّ مثل هذه الضرورة تصيّر الفاتحة أفضل ، والنسبة إلى عدم الفضل ـ وإن لم يكن الفرد ممكنا ـ واقعة في مثل أفضليّة البقاع في الصلاة ، فإنّها شاملة لمن لم يتمكّن من الفعل فيها ، كما قدّمناه في الجزء الثاني مفصّلا.

قلت : لا يخفى بُعد التوجيه بل عدم استقامته ، وقد قدّمنا ما يقتضي الجواب عن المشار إليه.

وأمّا ثالثا : فلأنّ تحقّق الكمال بالفاتحة على تقدير استحباب السورة لا يليق بحكمة الشارع ، وبالجملة فالاحتمالات البعيدة تركها أولى من ذكرها ، وإنّما تعرّضنا لذلك لدفع احتمال مّا.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ في بعض الأخبار المعتبرة ـ وسيأتي بعضها ـ ما يدلّ على الاكتفاء بالفاتحة عن السورة في الجملة ، فتكون مستحبة ، وهذا الخبر كما ترى يدل على أنّ الخائف والمستعجل ، الفاتحة له أفضل من السورة ، أمّا إجزاء الفاتحة وحدها فالظاهر من الخبر استفادته ، وإن أمكن أن يقال : إنّ غاية ما يدلّ عليه ترجيح الفاتحة على قراءة السورة عوضا عن الفاتحة ، أمّا كون قراءة الفاتحة تكفي عن السورة أم لا فأمر آخر.

وفي التهذيب روى عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته‌

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من « فض ».

٩١

يقول : « إنّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة » (١).

وروى الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إنّ فاتحة الكتاب تجزئ وحدها في الفريضة » (٢).

والشيخ حمل الخبرين على الضرورة لمعارضة بعض الأخبار ، وقد ذكرنا في حواشي التهذيب ما لا بدّ منه ، وسيأتي في آخر الباب الآتي في أنه لا يقرأ بأقلّ من سورة ، ذكر المهمّ في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى (٣).

ولا يخفى أنّ الخبر المبحوث عنه يلوح منه كون الصلاة يراد بها الفريضة ؛ إذ الجهر والإخفات وإن تحقّقا في نوافل الليل والنهار على ما في بعض الأخبار ، إلاّ أنّ الانصراف إلى الفريضة ربّما يدّعى له نوع تبادر ، ولو شك في ذلك ربّما يدل قوله : أيّهما أحبّ إليك ، إلى آخره. على الفرائض ، ولو أريد النوافل بهذا لزم كون مورد الخبر جميعه النوافل ، فلا يتمّ الاستدلال به ، ومن هنا يعلم أنّ الاستدلال به على شرطيّة الفاتحة في النوافل لا وجه له ، وقد وقع الخلاف في الشرطيّة وعدمها.

وينقل عن العلاّمة في التذكرة أنّه قال : بعدم وجوب الفاتحة في النافلة محتجّا بالأصل (٤) ، وعن الشهيد في الذكرى أنّه قال : إن أراد ـ يعني العلاّمة ـ الوجوب بالمعنى المصطلح فهو حق ، لأنّ الأصل إذا لم يكن واجبا لا يجب أجزاؤه ، وإن أراد الوجوب المطلق ليدخل فيه الوجوب بمعنى الشرط بحيث ينعقد النافلة من دون الحمد فممنوع (٥). انتهى.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧١ / ٢٥٩ ، الوسائل ٦ : ٣٩ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٧١ / ٢٦٠ ، الوسائل ٦ : ٤٠ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢ ح ٣.

(٣) انظر ص ١٣٦ ـ ١٣٩.

(٤) التذكرة ٣ : ١٣٠.

(٥) الذكري : ١٨٦.

٩٢

ولقائل أن يقول : إنّ الشرطيّة متوقفة على الدليل ، والأصل يقتضي عدمها ، فالاستدلال من العلاّمة بالأصل لا وجه لمنعه ، غاية الأمر أنّ انعقاد النافلة بدون الفاتحة يتوقّف على الدليل ، وعموم فعل النافلة يتناول ما يقع بالفاتحة وعدمها ، والمنع حينئذ يندفع.

ويمكن الجواب : بأنّ مراد الشهيد هو الثاني ، لما هو معلوم من أنّ حقيقة المنع طلب الدليل ، وما ذكر من العمومات محل تأمّل ؛ لأنّ العبادة متلقّاة من الشارع ، فما لم يقم دليل على الاكتفاء بغير الفاتحة لم يحكم بانعقاد النافلة.

( فإن قلت : الأمر في الآية الشريفة (١) بقراءة ما تيسّر يتناول النافلة ، بل الظاهر من مساق الآية الاختصاص بنافلة الليل ، كما ذكره جماعة من المفسّرين ومنهم الإمام الطبرسي رحمه‌الله (٢) وإذا ثبت في صلاة الليل ثبت في غيرها ؛ إذ لا قائل بالفصل.

قلت : غاية ما تدل عليه الآية الأمر بقراءة ما تيسّر في النافلة ، لكن ثبوت الشرطيّة لا يستفاد من الآية إلاّ بتكلّف أنّ الأمر للوجوب ولو على وجه يرجع إلى الشرطيّة ، وفيه ما فيه.

فإن قلت : إذا كان الأمر للوجوب فأيّ مانع من وجوب القراءة في النافلة من دون اعتبار الشرطيّة؟

قلت : المانع هو لزوم وجوب النافلة بالشروع ، ولا أعلم القائل به ، وكلام الشهيد رحمه‌الله يوضح الحال ، وأمّا اعتبار الشرطيّة فما فيه واضح ) (٣).

__________________

(١) المزمل : ٢٠.

(٢) مجمع البيان ٥ : ٣٨٢ ، أبو السعود في تفسيره ٩ : ٥٣ ، والمحقّق الأردبيلي في زبدة البيان : ٩٥ و ٩٦.

(٣) ما بين القوسين ساقط من فض.

٩٣

فإن قلت : إذا ثبت الصحّة بالدخول في النافلة يتوقف البطلان على الدليل.

قلت : مجرد الدخول لا يقتضي الصحة ما لم يثبت موافقة أمر الشارع ، فليتأمّل.

وأمّا الثاني : فالظاهر منه حصر المفروض في الركوع والسجود وأنّ القراءة ليست بمفروضة ، وسيجي‌ء في بحث القنوت نقل حديث دال على أنّ القراءة سنّة (١) ، والعجب من عدم تفطّن جماعة من المتأخّرين لردّ الاستدلال بآية ( فَاقْرَؤُا ) بالحديث الذي أشرنا إليه.

واحتمال أن يقال : إنّ ثبوت الركوع بالنصوصيّة وكذلك السجود بخلاف القراءة ، واضح الدفع.

أمّا ما تضمّنه من قوله : « ألا ترى » إلى آخره. فلا يخلو من إجمال ، وقد ذكر بعض محقّقي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ أنّ الخبر يدل على أنّ العاجز عن القراءة يتعوّض بالتكبير والتسبيح ، وإطلاقه يقتضي عدم وجوب مساواة ذلك لمقدار القراءة ، وعدم وجوب ما زاد على قوله : الله أكبر وسبحان الله ، بل لو قيل بالاكتفاء بالتسبيح وحده لم يكن بذلك البعيد ، بأن يحمل التكبير في قوله عليه‌السلام : « أجزأه أن يكبّر ويسبّح » على تكبيرة الإحرام (٢). انتهى.

ولقائل أن يقول : إنّ أوّل الكلام المستدل فيه بالإطلاق يقتضي أن يكون التكبير المذكور غير تكبيرة الإحرام ، والثاني يفيد احتمال كونه تكبيرة الإحرام ، ومع الاحتمالين كيف يصلح الاستدلال به إطلاقا وغيره.

__________________

(١) انظر ص ٢٩٩.

(٢) حبل المتين : ٢٢٩.

٩٤

على أنّ الذي يخطر في البال أنّ المقصود من الخبر نفي فرضيّة القراءة ، وذكر التسبيح والتكبير لمجرّد التنبيه على الفرق بين الركوع والسجود والقراءة ، لا لبيان ما يجزئ عن القراءة أيّ شي‌ء هو تفصيلا ليقال : إنّ إطلاقه يقتضي عدم وجوب المساواة.

وبالجملة إن كان هذا الخبر هو الدليل على أنّ العاجز عن القراءة يأتي بالتسبيح والتكبير ، ففيه نظر واضح من حيث احتمال التكبير لتكبيرة الإحرام وغيرها ، وإن كان غيره موجودا فالكلام في هذا قليل الثمرة ، إلاّ أنّي لم أقف الآن على دليل غيره.

وفي الذكرى : لو قيل بتعيّن ما يجزئ في الأخيرتين من التسبيح كان وجها ، لأنّه قد ثبت بدليّته عن الحمد في الأخيرتين ، فلا يقصر بدل الحمد في الأوّلتين [ عنهما ] (١) انتهى.

وقد ذكر بعض محقّقي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ أنّه لا بأس به (٢).

وفي نظري القاصر أنّه محلّ تأمّل : أمّا أوّلا : فلأنّ صريح بعض الأخبار أنّ الحمد عوض عن التسبيح من حيث اشتمالها على التحميد والدعاء ، لا أنّ التسبيح بدل الحمد.

وأمّا ثانيا : فلأنّ الخبر المبحوث عنه على تقدير دلالته لا يدلّ على أكثر من التسبيح والتكبير ، فالتهليل بغير دليل نوع من التشريع ، واحتمال الاكتفاء به لكونه من الذكر السائغ خلاف المطلوب من التعويض.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ظاهر الخبر أنّ من دخل في الإسلام‌

__________________

(١) الذكري : ١٨٧ ، وبدل ما بين المعقوفين في النسخ : عنها ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) البهائي في الحبل المتين : ٢٢٩.

٩٥

لا يحسن القرآن (١) أجزأه ما ذكر ، والقرآن (٢) يتناول الفاتحة والسورة ، فعلى تقدير إحسان السورة أو بعضها يحتمل أن يتقدم على الذكر ؛ لظاهر الخبر.

وقول بعض محققي الأصحاب : إنّ اللام في القرآن محتملة للعهد يعني الفاتحة (٣). محلّ تأمّل ، لأنّ الظاهر من اللفظ خلافه ، والاحتمال البعيد لا يقدح ، إلاّ أن يقال : إنّ القراءة تنصرف إلى قراءة الصلاة ، ولمّا ثبت قراءة الحمد ترجّح احتمالها ، وفيه ما لا يخفى.

وحكى بعض محقّقي المتأخّرين رحمه‌الله في شرح الإرشاد عن بعض الشروح : أنّ فيه حكاية عن حديث الأعرابي الذي لا يحسن القرآن يعوض بالتسبيح ، ثم ذكر أنّ ظاهره التسبيحات الأربع (٤). والخبر لم أقف عليه الآن (٥) ، وللأصحاب تفريعات في المقام يطول بذكرها لسان الكلام ، والدليل فيها محلّ تأمّل.

أمّا ما ذكره الشيخ رحمه‌الله في الخبر من الحمل على من لم يحسن فاتحة الكتاب ، فالظاهر منه أنّه فهم ما نقلناه عن بعض المعاصرين (٦) ، لكن قول الشيخ في تعيين الفرض لا وجه له ، فإنّ إرادة هذا المعنى من الفرض لم يعرف من الأخبار وغيرها ، والاحتياج إليه من حيث إنّه لو أريد بالفرض لم يعرف من الأخبار وغيرها ، والاحتياج إليه من حيث إنّه لو أريد بالفرض ما ثبت من القرآن لزم الإبطال عمدا وسهوا بكل ما ثبت به ، وهو محلّ تأمّل ، لاحتمال أن يقال : إنّ ما ثبت بالقرآن على قسمين بتقدير ثبوت عدم بطلان الصلاة حال الإخلال سهوا بما ثبت بالقرآن.

__________________

(١) في « رض » : القراءة.

(٢) في « رض » : القراءة.

(٣) كما في الحبل المتين : ٢٢٩.

(٤) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢١٥ و ٢١٦.

(٥) انظر سنن أبي داود ١ : ٢٢٠ / ٨٣٢.

(٦) راجع ص ٩٥.

٩٦

بقي في المقام شي‌ء ، وهو أنّ قوله عليه‌السلام : « ألا ترى » إلى آخره. على تقدير تقرير الشيخ يفيد نوع منافرة ؛ لأنّه إذا حمل أوّل الخبر على أنّ من نسي القراءة حتى دخل في الركوع ليس عليه إعادة بخلاف غيره ، فاللازم منه أنّ قوله عليه‌السلام : « ألا ترى » غير موافق لأنّ لزوم التعويض عن القراءة وعدم التعويض عن غيرها أمر آخر ، ألا ترى أنّ التكبير يعوض عنه مع كونه ركنا ، ولو كان المراد بذكر التعويض بيان عدم الالتفات كما ذكره الشيخ لما وافق في الظاهر ، وغير بعيد أن يكون المراد ما ذكره الشيخ والتعويض إشارة إلى عدم التعيين ، وقد ذكرت في حاشية التهذيب وجها آخر بل وجهين ، من أراده وقف عليه.

ثم إنّ السجود في الخبر لا يبعد أن يراد به مجموع السجدتين ؛ إذ الواحدة لا تبطل الصلاة بالإخلال بها سهوا ، كما سيأتي (١) إن شاء الله تعالى ، وقد كان على الشيخ التنبيه عليه في الجملة.

قوله :

باب الجهر ببسم الله الرحمن الرّحيم‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن عبد الرحمن ابن أبي نجران ، عن صفوان قال : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام أيّاما وكان (٢) يقرأ في فاتحة الكتاب بسم (٣) الله الرحمن الرحيم ، فإذا كانت‌

__________________

(١) في ج ٦ : ٧٩.

(٢) في الاستبصار ١ : ٣١٠ / ١١٥٤ : فكان.

(٣) في الاستبصار ١ : ٣١٠ / ١١٥٤ : ببسم.

٩٧

صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم وأخفى ما سوى ذلك.

محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إذا قمت للصلاة أقرأ بسم الله الرحمن الرّحيم في فاتحة الكتاب؟ قال : « نعم » قلت : فإذا قرأت فاتحة الكتاب أقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم مع السورة؟ قال : « نعم ».

وعنه ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ ابن مهزيار ، عن يحيى بن (١) عمران الهمداني قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام : جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أُمّ الكتاب فلمّا صار إلى غير أُمّ الكتاب من السورة تركها؟ فقال العباسي (٢) : ليس بذلك بأس ، فكتب بخطّه : « يعيدها » مرّتين ، على رغم أنفه ـ يعني العباسي (٣).

محمّد بن عليّ بن محبوب ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن حمّاد بن زيد ، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال : صلّى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام في مسجد بني كاهل فجهر مرّتين ببسم الله الرّحمن الرّحيم وقنت في الفجر وسلّم واحدة ممّا يلي القبلة.

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣١١ / ١١٥٦ زيادة : أبي.

(٢) في الاستبصار ١ : ٣١١ / ١١٥٦ العياشي.

(٣) في الاستبصار ١ : ٣١١ / ١١٥٦ العياشي.

٩٨

السند :

في الأوّل : واضح بعد ما كرّرنا القول فيه فيما مضى (١) من جهة أحمد ابن محمّد بن الحسن بن الوليد ، والحسين بن الحسن بن أبان.

والثاني : فيه محمّد بن عيسى عن يونس ، وقد مضى القول في استثنائه من نوادر الحكمة لمحمّد بن أحمد بن يحيى (٢).

والثالث : فيه يحيى بن عمران وهو مجهول الحال ؛ لأنّ العلاّمة في الخلاصة ذكر في القسم الأوّل ما هذه صورته : يحيى بن عمران الهمداني يونسيّ (٣) ، ولم أقف عليه في غير الخلاصة.

والرابع : محمّد بن حمّاد فيه ثقة في النجاشي (٤) ، وأمّا الكاهلي فقد تقدّم (٥) أنّه ممدوح مع نوع كلام.

المتن :

في الأوّل : واضح الدلالة على قراءة بسم الله الرّحمن الرّحيم في الفاتحة ، وفي المنتهى : إنّ بسم الله آية من أوّل الحمد ومن كلّ سورة هي في أوّلها إلاّ براءة ، وهي بعض سورة في أثناء النمل ، فيجب في الصلاة قراءتها مبتدأ بها في أوّل الفاتحة ، وهو مذهب فقهاء أهل البيت عليهم‌السلام.

__________________

(١) في ج ١ : ٣٩ و ٤١.

(٢) في ج ١ : ١٢٩.

(٣) الخلاصة : ١٨١ / ٣.

(٤) رجال النجاشي : ٣٧١ / ١٠١١.

(٥) في ج ٣ : ١٢١.

٩٩

انتهى (١).

وقد استدل بالخبر على الجهر بالبسملة في الأخيرتين أو الأخيرة على تقدير قراءة الفاتحة ، وفي نظري القاصر أنّه محلّ تأمّل ذكرته في مواضع.

والحاصل : أنّه لا يبعد ادعاء تبادر كون الصلاة لا يجهر فيها أو يجهر إنّما هو باعتبار الأليين ، والخبر كما ترى تضمّن صلاة لا يجهر فيها ، ومع تبادر ما ذكرناه لا يتناول غير الأوّلتين من الإخفاتيّة ، ولو أريد بالصلاة الركعات كان خلاف المتبادر ، وعلى هذا فالتنصيص من الخبر على الجهر بالبسملة في الأخيرتين محلّ كلام.

أمّا احتمال أن يقال : إنّ المستفاد منها بتقدير التناول الاختصاص بالإمام كما هو صريح الرواية ، والقائلون بالجهر في البسملة في الأخيرتين لا يخصّون الإمام (٢) وحينئذ لا يتمّ الاستدلال.

فيمكن الجواب عنه بعدم القائل بالفصل ؛ إذ المنقول عن ابن إدريس عدم جواز الجهر مطلقا (٣) ، وعن غيره وجوب الجهر (٤) كذلك ، والاستحباب مثله ، وفيه نظر يعرف ممّا يأتي عن ابن الجنيد (٥).

وما ذكره الوالد قدس‌سره في (٦) عدم تناول الرواية للأخيرتين ، لعدم معلوميّة كونه عليه‌السلام كان يقرأ فيهما ، بل الظاهر أنّه كان يسبّح.

ففيه : أنّ هذا محلّ كلام بالنسبة إلى غيره ممّن يعتقد رجحان القراءة‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٧١.

(٢) كما في روض الجنان : ٢٦٨.

(٣) السرائر ١ : ٢١٨.

(٤) كما في الجمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٣٢.

(٥) انظر ص ١٠١.

(٦) كذا في النسخ ، والأنسب : من.

١٠٠