إستقصاء الإعتبار - ج ٥

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-177
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٣٩٣

١
٢

٣
٤

قوله (١) :

أبواب القبلة‌

باب من اشتبه عليه القبلة في يوم غيم‌

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن العباس ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن إسماعيل بن عباد ، عن خراش ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت (٢) : جعلت فداك ، إنّ هؤلاء المخالفين علينا يقولون : إذا أطبقت علينا أو أظلمت (٣) فلم نعرف (٤) السماء كنّا وأنتم سواء في الاجتهاد. فقال : « ليس كما يقولون ، إذا كان كذلك فليصلّ لأربع وجوه ».

الحسين بن سعيد ، عن إسماعيل بن عباد ، عن خراش ، عن بعض أصحابنا مثله.

__________________

(١) في « رض » : قال.

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٩٥ / ١٠٨٥ زيادة : له.

(٣) في الاستبصار ١ : ٢٩٥ / ١٠٨٥ زيادة : علينا.

(٤) في « فض » : يعرف.

٥

فأمّا ما رواه محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : « يجزئ التحرّي (١) أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة ».

وعنه ، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال : سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم تر الشمس ولا القمر ولا النجوم ، قال : « اجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك ».

الحسين بن سعيد ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة قال : سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم تُر الشمس ولا القمر ولا النجوم ، قال : « تجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك ».

فالوجه في هذه الأخبار أن نحملها على حال الضرورة التي لا يتمكن الإنسان فيها من الصلاة إلى أربع جهات ، فإنّه يجزؤه التحرّي ، فإمّا إذا تمكن فلا بد من الصلاة إلى أربع جهات.

السند :

في الأوّل : فيه إسماعيل بن عباد ، والموجود في رجال الرضا عليه‌السلام من كتاب الشيخ ابن عباد [ القصري ] (٢) مهملا (٣). وعدّ بعض له من أصحاب الكاظم عليه‌السلام (٤) لا نعلم مأخذه.

__________________

(١) في « د » و « رض » : المتحري.

(٢) في النسخ : القصير ، والصواب ما أثبتناه.

(٣) رجال الطوسي : ٣٦٨ / ١٣.

(٤) نقله في منهج المقال : ٥٧.

٦

وخراش مذكور في رجال الصادق عليه‌السلام من كتاب الشيخ مهملا (١) ، لكن لا يخفى أنّ الطريق في الأوّل إلى إسماعيل بن عباد فيه عبد الله بن المغيرة. وقد نقل الكشي الإجماع على تصحيح ما يصح عنه. والطريق إليه صحيح ، لأنّ العباس على الظاهر هو ابن معروف ، كما كرّرنا القول في ذلك (٢) ، أو ابن عامر.

فالذي اعتمد على فهم أنّ المراد بالإجماع المذكور كون الخبر إذا صح إلى مثل عبد الله كفى في صحة جميعه يلزمه صحة الخبر. وقد اعترف به بعض محققي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ ولم يعدّه من الصحاح (٣) ، فلا أدري الوجه فيه.

ونحن قد قدّمنا في أول الكتاب (٤) أنّ الشيخ قد ردّ بعض الأخبار المشتملة على الإرسال ـ بعد وجود من اجمع على تصحيح ما يصح عنه ـ بالضعف بسبب الإرسال ، والشيخ أدرى بمراد الكشي من العبارة في الإجماع على تصحيح ما يصح عن الرجل ، وذكرنا ما يمكّن توجيه الإجماع المذكور ، وهو أنّ الغرض منه الاكتفاء عن القرائن للعمل بخبر الواحد.

والثاني : معلوم الحال.

والثالث : لا ارتياب فيه بعد ما قدّمناه.

والرابع : فيه عثمان بن عيسى ، وقد قدّمناه أيضا حاله (٥).

__________________

(١) رجال الطوسي : ١٨٩ / ٦٧. وفيه : خداش.

(٢) في ج ١ : ٦٥.

(٣) البهائي في الحبل المتين : ١٩٨.

(٤) في ج ١ : ٦٠.

(٥) في ج ١ : ٧١ ـ ٧٢.

٧

والخامس : موثق (١).

المتن :

في الأوّل قيل : إنّ القائلين بأنّه مع اشتباه القبلة يصلّى لأربع جهات استدلوا به (٢). وفي الذكرى : أنّه وإن ضعف ، إلاّ أنّ عمل عظماء الأصحاب يعضده مع البعد عن قول العامة ، قال رحمه‌الله : إلاّ أنّه يلزم من العمل به سقوط الاجتهاد بالكلية في القبلة ، لأنه مصرح به ، والأصحاب يفتون بالاجتهاد ، ثم قال : ويمكن أن يكون الاجتهاد الذي صار إليه الأصحاب هو ما أفاد القطع بالجهة من نحو مطلع الشمس ومغربها دون الاعتقاد المفيد للظن كالرياح (٣).

وفي نظري القاصر : أنّ الرواية محتملة لأن يكون المراد بقوله فيها : إنّ هؤلاء المخالفين ، إلى آخره. دفع ما تخيّله أهل الخلاف : من أنّ الاجتهاد في الأحكام الشرعية لا بدّ منه في الجملة. لا كما يقوله الشيعة من : أنّ الإمام المعصوم لا يحكم بالاجتهاد بل بالعلم. وحينئذ حاصل الجواب : أنّ تعذر العلم في المسألة المتكلم فيها لا وجه له ، إذ بالصلاة إلى الأربع جهات يتحقق العلم ، وعلى هذا يصير مفاد الرواية أنّه لو أريد تحصيل العلم في القبلة مع الاشتباه فهو ممكن بالصلاة إلى أربع جهات ، فالإلزام للخصم حاصل ، وما ورد من الأخبار المتضمنة لإجزاء أيّ جهة مع التحيّر لا ينافي هذا الخبر بالوجه الذي قررناه.

__________________

(١) لاشتماله على زرعة وسماعة وهما واقفيان.

(٢) كما في مدارك الأحكام ٣ : ١٣٧.

(٣) الذكرى : ١٦٦.

٨

فإن قلت : المنافاة باقية ، لأنّ تحصيل العلم إذا أمكن تعيّن ، فما دلّ على الاكتفاء بأيّ جهة ينافي اعتبار حصول العلم مع الإمكان.

قلت : إذا ثبت الاكتفاء بالظن فلا مانع من القول بأنّ تحصيل العلم إنّما هو من باب فعل الأولى ، نعم لو لم يدل دليل على الظن كان اللازم وجوب تحصيل العلم عينا ، على أنّ الرواية إذا احتمل فيها إلزام الخصم فيمكن ادعاء كون الصلاة إلى أيّ جهة يحصّل العلم الشرعي ، لأنه تابع للدليل ، فإذا ورد ما يقتضي الاكتفاء بأيّ جهة كفى في المطلوب.

ومن هنا يعلم أنّ ما ذكره شيخنا الشهيد رحمه‌الله من أن الرواية يلزم من العمل بها سقوط الاجتهاد (١). محل تأمّل ، لأنّ مفادها على تقدير إلزام الخصم ليس نفي الاجتهاد مطلقا ، بل في المادة المذكورة ، وليس الاجتهاد منفيا فيها على أن يكون الاكتفاء بالأربع جهات لمن لم يجتهد ، بل إنّما يدل على أنّ تحصيل العلم ممكن ، فلا وجه للاجتهاد المفيد للظن.

وقول شيخنا الشهيد رحمه‌الله في الفرق بين الاجتهاد المفيد للقطع وما أفاد الظن لا يثمر نفعا مع إطلاق الرواية ، بل صراحتها في تحصيل العلم الذي هو القطع.

هذا كلّه على تقدير العمل بالرواية والنظر إلى ما دلّ على إجزاء أيّ جهة ، لكن في بعض تلك الأخبار قد وقع نوع اختلاف ، فإنّ الشيخ كما ترى نقل في الرواية الثالثة أنّه « يجزئ التحرّي ».

وابن بابويه نقل في بعض الأخبار المعتبرة ما هذا لفظه : عن زرارة ومحمّد بن مسلم ، عن أبي (٢) جعفر عليه‌السلام أنّه قال : « يجزئ المتحير أبدا‌

__________________

(١) الذكرى : ١٦٦.

(٢) ليست في « فض » و « د ».

٩

أينما توجه إذا لم يعلم أين وجه القبلة » (١). والفرق بين العبارتين ظاهر ، فإنّ ما نقله الشيخ يدل بظاهره على إجزاء الاجتهاد المعبّر عنه بالتحرّي إذا لم تعلم القبلة ، وعبارة رواية الصدوق تفيد أنّ المتحيّر ـ وهو من لم يعلم ويظنّ جهة القبلة ـ يجزؤه كيف ما توجّه.

وربما يؤيد رواية الصدوق أنّه روى أيضا في الصحيح عن معاوية بن عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « نزلت هذه الآية في قبلة المتحير ( وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) (٢) » الآية (٣).

وعلى هذا فالخبر المبحوث عنه المتضمن للصلاة إلى أربع جهات يمكن حمله على الأكملية كما تقدم ، ولو نظرنا إلى روايتي الصدوق أمكن أن يقال : إنّ من لم يعلم (٤) القبلة تخيّر أيّ جهة شاء ، وعلى رواية الشيخ يراد أنّ الظنّ كاف في العبادة إلى أيّ جهة شاء ، وحينئذ لا بد من حمل الخبر الأوّل على عدم الظنّ فلا تنافي.

وحمل الشيخ على الضرورة محل تأمّل : أمّا أولا : فلأنّ مفاد الخبر الأوّل من المنافيين إجزاء التحرّي أبدا ( مع عدم العلم ) (٥) وظاهر (٦) أنّ المراد به الاجتهاد في القبلة ، أما الصلاة ( إلى أربع ) (٧) فلا يدل عليها الخبر ، ولو دل على الجهة لأفاد أنّ الاجتهاد كاف في الصلاة إلى جهة ، والخبر‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٩ / ٨٤٥ ، الوسائل ٤ : ٣١١ أبواب القبلة ب ٨ ح ٢.

(٢) البقرة : ١١٤.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٩ / ٨٤٦ ، الوسائل ٤ : ٣١٤ أبواب القبلة ب ١٠ ح ١.

(٤) في « د » : لم يظن.

(٥) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٦) في « رض » و « د » زيادة : الخبر.

(٧) في « د » : إلى جهة أو أربع.

١٠

الأوّل المتضمن للأربع لو خلى من الاحتمال السابق منا يحمل على حالة عدم إمكان الاجتهاد أو تساوي الظنون في الأربع جهات.

وأمّا ثانيا : فلأن ثاني المنافيين (١) ظاهر في الاجتهاد ، ولا دلالة له على ما ينافي الأربع على نحو ما قلناه في الأوّل ، وكذلك الثالث.

وأمّا ثالثا : فلأنّ قول الشيخ على تقدير الحمل على الضرورة : فإنّه يجزؤه التحرّي. إن أراد به أنّه يجزؤه الاجتهاد مع الضرورة ، فالمفهوم منه أنّ مع عدم الضرورة لا يجزؤه الاجتهاد ، وحينئذ لا وجه للصلاة إلى الأربع جهات وكلامه يقتضي ذلك.

واحتمال أن يريد الشيخ أنّ الاجتهاد إنّما يكفي مع الضرورة ، ومع عدمها يجب تحصيل العلم وهو يحصل بالصلاة إلى أربع جهات ، فيه : أنّ المتعارف من اعتبار العلم على وجه التعين (٢) لا كونه في جملة الأربع ، ولو تمّ ما ذكره لزم أنّ المضطر لو أمكنه أكثر من جهة وجب والخبران لا يدلان عليه ، فليتأمّل في هذا.

أمّا ما قاله شيخنا قدس‌سره في فوائد الكتاب من : أنّ هذه الروايات ـ يعني ما ظن الشيخ منافاتها ـ إنّما تدل على الأمر بالاجتهاد بالقبلة إذا فقد العلم ، وهذا ممّا لا نزاع فيه بل الاتفاق عليه واقع ، وأمّا الصلاة إلى الجهات الأربع عند من أثبته فإنّما يثبت مع فقد العلم والظن. انتهى ، ففيه تأمّل :

أمّا أوّلا : فلأنّ ما أفاد انتفاء العلم هو أحد الأخبار وهو أوّلها ، وأمّا الآخران فمفادهما الاجتهاد إذا لم تر الشمس والقمر والنجوم ، [ واستفادة ] (٣)

__________________

(١) في « د » و « رض » : المنافيات.

(٢) في « د » و « رض » : اليقين.

(٣) في النسخ : إفادة ، والأولى ما أثبتناه.

١١

العلم من المذكورات غير واضحة على الإطلاق. ولو أراد بالعلم ما يشمل الظنّ فالخبر الأوّل قد دل على أنّ مجرد إطباق السماء يقتضي الصلاة إلى الأربع جهات مع إمكان تحصيل الظنّ وعدمه.

وأمّا ثانيا : فقوله : إنّ الاتفاق واقع على الاجتهاد مع عدم العلم. فيه : أنّ العلاّمة في المختلف نقل عن ابن أبي عقيل أنّه قال : لو خفيت عليه القبلة لغيم أو ريح أو ظلمة فلم يقدر على القبلة صلّى حيث شاء. قال العلاّمة : وهو الظاهر من اختيار ابن بابويه.

ونقل عن الشيخين أنّهما قالا : متى أطبقت السماء بالغيم ولم يتمكن الإنسان من استعلام القبلة أو كان محبوسا في بيت لا يجد دليلا على القبلة فليصلّ إلى أربع جهات مع الاختيار ، ومع الضرورة إلى أيّ جهة شاء ، قال العلاّمة : وهو الظاهر من كلام ابن الجنيد وأبي الصلاح وسلاّر (١).

ثمّ نقل عن ابن أبي عقيل الاحتجاج : بأنّه لو كان مكلفا بالاستقبال حال عدم العلم كان تكليف ما لا يطاق ، وبالروايتين المذكورتين هنا وهي أولى ( المنافيات وثانيها ) (٢) (٣). وغير خفي أنّ كلام ابن أبي عقيل وحجته لا يعطيان وجوب الاجتهاد مع فقد العلم إلاّ بتكلف.

وأمّا ثالثا : فما ذكره : من أنّ الصلاة إلى الأربع جهات مع فقد العلم والظن. فيه : أن المنقول في المختلف لا يوافقه على الإطلاق ، والعجب أنّه قدس‌سره اختار مذهب ابن أبي عقيل في فوائد الكتاب بعد أن ذكر روايتي الصدوق السابقتين ، وحكى عن المختلف أنّه نفى عنه البعد. والذي في‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ٨٤.

(٢) بدل ما بين القوسين في « فض » : المنافيين وثانيهما.

(٣) المختلف ٢ : ٨٥.

١٢

المختلف قد سمعته من حكاية قول ابن أبي عقيل واستدلاله.

ثم إنّ العلاّمة احتج على ما اختاره من قول الشيخين والجماعة المذكورين معهما : بأنّه متمكن من الاستقبال فيكون واجبا عليه ، أمّا المقدمة الأولى : فلأنّه بفعل الأربع يحصل الاستقبال ، وأمّا الثانية فإجماعية ، وبما رواه خراش ، وذكر الرواية الأولى :

وأجاب عن حجة ابن أبي عقيل بمنع الملازمة ، إذ مع الإتيان بالصلاة أربع مرّات يخرج عن العهدة ، وهو ممّا يطاق ، وعن الخبر الأوّل ـ يعني صحيح زرارة ـ بالحمل على ضيق الوقت أو على التحرّي مع غلبة الظن ، إذ مع عدم العلم يجزئ الظن.

ثم قال : وهو الجواب عن الثاني مع ضعف سنده وكونه (١) مرسلا. ثم قال : ومع ذلك فقول ابن أبي عقيل ليس بذلك المستبعد (٢). انتهى.

ولا يخفى عليك أنّه يتوجه عليه أنّ الجواب بمنع الملازمة إنّما يتم على تقدير تحقق التكليف بالاستقبال المعلوم حال عدم العلم ليكون فعل الأربع وسيلة إلى ( الامتثال ) (٣) والحال أنّ ما دل على الاكتفاء بأيّ جهة شاء صحيح ، فالتكليف بالأربع لا وجه له. نعم لو اقتصر المستدل على الأوّل من أدلته أمكن توجيه الجواب ، وحمل الخبر على ضيق الوقت فرع صلاحية المعارض للمعارضة ، والحمل على غلبة الظن كذلك ، مضافا إلى أنّ الرواية كما سمعته من نقل الصدوق لا يوافق الحمل.

ثم إنّ ما ذكر من الصلاة إلى الأربع جهات إنما يتحقق الوجوب في‌

__________________

(١) في النسخ : أو كونه ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) المختلف ٢ : ٨٥.

(٣) في « رض » : أن يتناول.

١٣

الأربع على تقدير التكليف بالقبلة لتكون مقدمة إلى تحصيل القبلة ، والحال قد سمعته. هذا.

وينقل عن السيد رضي الدين بن طاوس القول بالقرعة في المتحير (١). وأظنّ أنّ في إطلاق أخبار القرعة ما يتناوله كما في بعض أخبار الخنثى في الميراث (٢) ، غير أنّ السند فيه جهالة ، وعلى تقدير السلامة فالتخصيص في الأخبار المعتبرة موجود.

وما يقتضيه ظاهر عبارة شيخنا الشهيد رحمه‌الله في قواعده : من نفي القرعة في العبادات إجماعا (٣). لا يخلو من إجمال كما يفهم من مراجعتها ، فليتأمّل.

قوله :

باب من صلّى إلى غير القبلة ثم تبيّن

بعد ذلك قبل انقضاء الوقت وبعده.

علي بن مهزيار ، عن فضالة بن أيوب ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا صليت وأنت على غير قبلة واستبان لك أنّك صليت وأنت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد ، وإن فاتك الوقت فلا تعد ».

محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد (٤) ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن‌

__________________

(١) الأمان : ٩٤ ، ٩٥ ، حكاه عنه في الروضة ١ : ٢٠١.

(٢) الوسائل ٢٦ : ٢٩١ أبواب ميراث الخنثى.

(٣) القواعد والفوائد ٢ : ٢٢ و ٢٣.

(٤) في الاستبصار ١ : ٢٩٦ / ١٠٩١ زيادة : بن يحيى.

١٤

خالد قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلّي لغير القبلة ، ثم ( يصحي فيعلم ) (١) أنّه صلّى لغير القبلة ، كيف يصنع؟ قال : « إن كان في وقت فليعد صلاته ، وإن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده ».

علي بن الحسن الطاطري ، عن محمّد بن أبي حمزة ، عن عبد الله بن مسكان ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمّد بن الحسين ، عن يعقوب بن يقطين قال : سألت عبدا صالحا (٢) عن رجل صلّى في يوم سحاب على غير القبلة ثم طلعت الشمس وهو في وقت ، أيعيد الصلاة إذا كان قد صلّى على غير القبلة؟ وإن كان قد تحرّى القبلة بجهده أتجزؤه صلاته؟ فقال : « يعيد ما كان في وقت ، فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه ».

عنه ، عن أحمد ، عن الحسين ، عن فضالة ، عن أبان ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا صلّيت على غير القبلة فاستبان (٣) لك قبل أن تصبح أنّك صلّيت على غير القبلة فأعد صلاتك ».

عنه ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحجّال ، عن ثعلبة ( بن ميمون ) (٤) عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت : الرجل يقوم من الصلاة ، ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى أنّه قد انحرف عن

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « رض » و « فض » : يعلم.

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٩٦ / ١٠٩٣ : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام.

(٣) في « فض » و « رض » : واستبان.

(٤) ما بين القوسين ليس في الاستبصار ١ : ٢٩٧ / ١٠٩٥.

١٥

القبلة يمينا وشمالا ، قال : « قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب (١) قبلة ».

وعنه ، عن أحمد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن القاسم بن الوليد ، قال : سألته عن رجل تبيّن له ـ وهو في الصلاة ـ أنّه على غير القبلة ، قال : « يستقبلها إذا ثبت ذلك ، وإن كان فرغ منها فلا يعيدها ».

الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن الحصين قال : كتبت إلى عبد صالح (٢) : الرجل يصلّي في يوم غيم في فلاة من الأرض ولا يعرف القبلة ، فيصلّي حتى إذا فرغ من صلاته بدت له الشمس فإذا هو قد صلى لغير القبلة أيعتدّ بصلاته أم يعيدها؟ فكتب : « يعيدها ما لم يفته الوقت أو لم يعلم أنّ الله تعالى يقول ـ وقوله الحق ـ : ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) (٣).

السند :

في الأوّل : لا ارتياب فيه.

وكذلك الثاني ، بعد ما قدمناه (٤) في سليمان بن خالد ( وهشام بن سالم ) (٥).

__________________

(١) في « د » و « فض » : المغرب والمشرق.

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٩٧ / ١٠٩٧ : كتبت إلى العبد الصالح عليه‌السلام.

(٣) البقرة : ١١٤.

(٤) في ج ١ : ٣٧٨.

(٥) ما بين القوسين ليس في « فض » و « رض ».

١٦

والثالث : فيه علي بن الحسن الطاطري مع ما في الطريق إليه كما مضى أيضا (١) ، والحاصل أنّ علي بن الحسن واقفي ثقة ، والطريق إليه فيه جهالة. وأمّا محمّد بن أبي حمزة : فالثمالي ثقة ، وغيره من المذكورين في رجال الصادق عليه‌السلام مهمل (٢) ، والأمر سهل في المقام. وعبد الله بن مسكان مع سليمان بن خالد غنيان عن البيان.

والرابع : ليس فيه ارتياب.

والخامس : ضمير « عنه » راجع إلى محمّد بن علي بن محبوب ، وأحمد هو ابن محمّد بن عيسى ، والحسين هو ابن سعيد ، فالسند لا ارتياب فيه ، لأنّ الظاهر من أبان كونه ابن عثمان يعلم من ممارسة الأخبار ، واحتمال غيره في حيّز الإمكان البعيد.

والسادس : فيه ثعلبة بن ميمون ، وقد تقدّم (٣) ما يدل على المدح فيه من كتب الرجال واحتمال التوثيق. أمّا الحجّال : فمضى (٤) أنّه عبد الله الثقة.

والسابع : فيه محمّد بن عيسى الأشعري المعبّر عنه بأبيه ، وقد تقدم القول فيه (٥). وأمّا القاسم بن الوليد فالمذكور في الرجال مهمل يروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٦).

والثامن : فيه محمّد بن الحصين ، وقد ذكر في رجال الهادي عليه‌السلام من‌

__________________

(١) في ج ٤ : ٢٤٢.

(٢) رجال الطوسي : ٢٨٧ / ١٠٩ ، ٢٩٧ / ٢٨٠ ، ٣٠٦ / ٤١٦.

(٣) في ج ١ : ٤١٠.

(٤) في ج ٤ : ٣٠٤ و ٤٣٧.

(٥) في ج ١ : ٢٠٧.

(٦) رجال الشيخ : ٢٧٣ / ٣ ، رجال النجاشي : ٣١٣ / ٨٥٥.

١٧

كتاب الشيخ : ( محمّد بن الحصين الأهوازي مهملا ) (١) ومحمّد بن الحصين الفهري مع لفظ ملعون (٢) ، وفي أصحاب الصادق عليه‌السلام محمّد بن الحصين الجعفي مهملا (٣).

وعلى كل حال الرجل معلوم ، غير أنّ المتعارف من العبد الصالح موسى عليه‌السلام ، والذي من أصحاب الهادي عليه‌السلام لا يناسب الرواية من هذه الجهة ، وكونه أهوازيا يناسب رواية الحسين بن سعيد.

ولا يبعد أن يكون الاشتباه من « أبي الحسن » حيث اشترك موسى والهادي عليهما‌السلام فيه ، أو يطلق العبد الصالح على غير موسى عليه‌السلام ، والأمر سهل في الرواية.

المتن :

في الأوّل : يدل بظاهره على أنّ من صلّى لغير القبلة يعيد في الوقت دون خارجه ، غير أنّ الصلاة حينئذ إمّا أن تكون بالاجتهاد المفيد للظن الشرعي أو بغيره.

والثاني : يفيد ظاهر قوله عليه‌السلام فيه : « فحسبه اجتهاده » على عدم الإعادة في خارج الوقت مع الاجتهاد ، فيخصّ الأوّل أو يقيّد ، إلاّ أنّ الاجتهاد لا يخلو من إجمال ، وقد سمعت فيما مضى كلام الشهيد في الفرق بين الاجتهاد المفيد للقطع والمفيد للظن ، لكنّي لم أقف على دليل الفرق مع بيان حقيقة القطع وعدمه.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٢) رجال الشيخ : ٤٢٣ / ٢٥ ، ٤٢٤ / ٣٩.

(٣) رجال الشيخ : ٢٨٦ / ٨٥.

١٨

وفي المختلف : لو اجتهد فظن القبلة فصلّى ثم تبيّن الخطاء بعد فراغه ، قال الشيخ : فإن كان في الوقت أعاد الصلاة على كل حال ، وإن كان قد مضى فلا إعادة ، إلاّ أن يكون استدبر القبلة فإنّه يعيدها على الصحيح من المذهب ، وقال قوم من أصحابنا لا يعيد ، وهو اختيار المفيد وسلاّر وأبي الصلاح وابن البراج ، وقال المرتضى : إن كان الوقت باقيا أعاد ، وإن كان خارجا لا إعادة وإن كان مستدبرا ، واختاره ابن إدريس وابن الجنيد (١). انتهى.

ولا يخفى دلالة الكلام على أنّ محل الخلاف مع الاجتهاد المفيد للظن.

ثم إنّ الخبرين المبحوث عنهما يختلج في البال دلالتهما على أنّ الصلاة وقعت إلى جهة واحدة ، إذ لو وقعت إلى الأربع لم يتم الحكم فيها إلاّ بنوع تكلّف ، وعلى هذا فربما يؤيّد أنّ القول بأنّ الصلاة إلى الأربع مع عدم الظن ، فيندفع احتمال ما في البين.

وما يقتضيه عدم الاستفصال من الإمام عليه‌السلام في الأوّل لا يفيد العموم في غير الظانّ ، لأنّ السائل ليس من قسم من يحتمل في حقه غير الظنّ كما لا يخفى.

وربما يستفاد من الخبرين أنّ مطلق وجود الوقت يقتضي الإعادة فيتناول إدراك جميع الصلاة في وقتها أو بعضها ، إلاّ أن يدّعى تبادر جميع الوقت ، وفيه ما فيه ، غير أنّ ثبوت الاكتفاء بالركعة في الوقت لا يخلو من شي‌ء كما ذكرناه في محل آخر.

__________________

(١) المختلف ٢ : ٨٦.

١٩

أمّا إمكان أن يقال : إنّ الخبر الأوّل يتناول من صلّى لغير القبلة ظانّا ثم تغيّر ظنّه بظنّ آخر أو بعلم ، بخلاف الثاني لتضمنه العلم ، وإن كان فيه تأمّل ، لأنّه من كلام السائل ، فلا يفيد تقييدا بعد الملاحظة ، لأنّ السؤال عن بعض أفراد العام والمطلق لا يفيد تقييدا أو تخصيصا كما قدّمنا فيه القول.

وعلى تقدير تناول الخبر الأوّل قد تكثر (١) أفراد المسألة بسبب اختلاف الظنّ (٢) إلاّ أنّي لم أر الآن من صرح بذلك.

ولا يخفى أنّ ظاهر الخبرين الحكم بالإعادة بعد العلم أو الظنّ إذا فرغ من الصلاة ، أمّا لو كان في الأثناء ففيه تفصيل سنشير إليه في غيرهما من الأخبار.

وأمّا الرابع : فدلالته على الإعادة في الوقت فقط ظاهرة ، وقول السائل : وإن كان تحرّى. ربّما يفيد جواز الصلاة من دون تحرّ ، فالجواب حيث لم يتعرض لإنكار السؤال قد يدل على الجواز أيضا ، إلاّ أنّ الظاهر من السؤال الاستفهام عن فعل الصلاة مع المبالغة في الاجتهاد ، فيكون قوله : وإن ، إلى آخره. لبيان الفرد الأكمل ، لا لبيان صورة الاجتهاد في الجملة ، على أنّ احتمال غير الاجتهاد لا يأبى نفيه السؤال.

ثمّ إنّ الأخبار الثلاثة دالّة بإطلاقها على ما يشمل الاستدبار واليمين واليسار ، وستسمع القول فيما ظنّ دلالته على الإعادة مطلقا في الاستدبار (٣).

والخامس (٤) : لا يخلو من إجمال ، لأنّ قوله : « قبل أن تصبح » ‌

__________________

(١) في « رض » : تكون.

(٢) في « فض » زيادة : وله وجه ، وهي في « د » مشطوبة.

(٣) في ص ٢٤.

(٤) في « فض » زيادة : كما ترى.

٢٠