إستقصاء الإعتبار - ج ٥

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-177
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٣٩٣

وفي المختلف نقل احتجاج ابن بابويه بالآية ، وأجاب بالمنع من إرادة صورة النزاع ، إذ ليس فيه دلالة على وجوب القنوت في الصلاة ، أقصى ما في الباب وجوب الأمر بالقيام لله إن قلنا بوجوب المأمور به ، وكما يتناول الصلاة كذا غيرها ، سلّمنا وجوب القيام في الصلاة لكنّها يحتمل وجوب القنوت ويحتمل وجوب القيام حال القنوت وهو الظاهر من مفهوم الآية ، وليس دلالة الآية على وجوب القيام الموصوف بالقنوت بأولى من دلالتها على تخصيص الوجوب بحالة القيام ، بل دلالتها على الثاني أولى لموافقتها بالبراءة الأصلية (١). انتهى.

ولقائل أن يقول : إنّ الأمر إذا كان للوجوب دلّت الآية على وجوب القيام حال الدعاء ، ولا يجب إلاّ في الصلاة فيكون الدعاء واجبا. وقد يجاب : بأنّ الدعاء لا يتعين في القنوت لما سبق من احتمال غيره. وفيه : أنّ الدعاء في الصلاة لا يتعين وجوب القيام له مطلقا.

والحق أنّ الوجوب في الأمر محل تأمّل ، لما ذكرناه في فوائد التهذيب من : أنّ سياق الآية يقتضي إمّا الندب أو الاشتراك بينه وبين الوجوب ، والترجيح للوجوب مشكل ، فأصالة البراءة لا مخرج عنها.

أمّا ما قاله العلاّمة رحمه‌الله : من وجوب القيام لله. فقريب ، إذ لا قائل بالوجوب في غير الصلاة. ثم تسليمه وتجويز القيام الواجب مع عدم وجوب القنوت مشكل ، فإنّ المستحب كيف يجب له القيام إلاّ على سبيل الشرطية.

أمّا قوله : وليس دلالة الآية ، إلى آخره. فلم يظهر لي دلالته على‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ١٩٠.

٣٠١

مطلوبه إلاّ بتكلف إرادة نفس القيام من القنوت لا الدعاء ، فيراد بقوله : تخصيص الوجوب بحالة القيام ، الخضوع لله حالة القيام. وقوله : القيام الموصوف بالقنوت ، يريد به المشتمل على الدعاء.

وغير خفي أنّ الكلام الواقع عقيب التسليم يقتضي أنّ القيام لله في الصلاة واجب ، لكنّه يحتمل وجوب القنوت ويحتمل وجوب القيام حال القنوت ، وهذا كما ترى يدل على إرادة الدعاء لا مجرد القيام.

وقوله : ليس دلالة ، إلى آخره. إن كان من تتمة السابق ففيه منافاة له من حيث دلالة الأخير على أنّ نفس القيام قنوت بمعنى الخضوع ، ولو أريد الدعاء في الأخير لم يتم الفرق إلاّ بأن يراد بالتخصيص كون القيام قنوتا بمعنى الخضوع ، وسيجي‌ء من كلام اللغة ما يعطي أنّه يقال على القيام : قنوت (١). فيمكن حمل كلامه على القيام ، إلاّ أنّه لا يتم على الإطلاق ، فليتأمّل.

قوله :

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن صالح ، عن عبد الملك بن عمرو قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القنوت قبل الركوع أو بعده ، قال : « لا قبله ولا بعده ».

وعنه عن البرقي ، عن سعد بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن القنوت ، هل يقنت في الصلاة كلّها أم‌

__________________

(١) انظر ص ٣٠٧.

٣٠٢

فيما يجهر فيها بالقراءة؟ قال : « ليس القنوت إلاّ في الغداة والوتر والجمعة والمغرب ».

وروى سعد ، عن أبي جعفر ( أحمد بن محمد ) (١) ، عن الحسن بن علي بن فضّال ، عن يونس بن يعقوب قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القنوت في أيّ الصلوات أقنت؟ قال (٢) : « لا تقنت إلاّ في الفجر ».

فالوجه في هذه الأخبار أن نحملها على أنّه ليس في هذه الصلوات القنوت على جهة الفضل وتأكد الندب على الحد الذي ثبت في غيرها من الصلوات التي يجهر فيها ثم بعد ذلك في الفرائض ، لأنّ القنوت في الصلوات يترتّب فضله ، فالقنوت (٣) في الفرائض أفضل منه في النوافل ، وفيما يجهر فيه من الفرائض أفضل ممّا لا يجهر فيه ، وصلاة المغرب والفجر من بين ما يجهر فيه أشد تأكيدا في هذا الباب.

وإذا حملنا الأخبار على هذه الوجوه ثبت لكل واحد منها وجه صحيح لا ينافي ما عداه ، ويجوز أن يكون أنّ ما نفوا عن بعض الصلوات القنوت وخصّوا به (٤) بعضا لضرب من التقية والاستصلاح ، لأنّ من العامّة من يذهب إلى ذلك. والذي يدل على ذلك :

ما رواه علي بن مهزيار ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام في القنوت : إن شئت فاقنت وإن‌

__________________

(١) في التهذيب ٢ : ٩١ / ٣٣٩ والاستبصار ١ : ٣٤٠ / ١٢٨٠ لا يوجد : أحمد بن محمّد.

(٢) في التهذيب ٢ : ٩١ / ٣٣٩ والاستبصار ١ : ٣٤٠ / ١٢٨٠ : فقال.

(٣) في النسخ : والقنوت ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٣٤٠ / ١٢٨٠.

(٤) في النسخ لا يوجد : به ، أثبتناه من الاستبصار ١ : ٣٤٠ / ١٢٨٠.

٣٠٣

شئت فلا تقنت » قال أبو الحسن : « وإذا كانت التقية فلا تقنت ، وأنا أتقلد هذا ».

وروى محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القنوت؟ فقال : « فيما يجهر فيه (١) » قال : فقلت له : إنّي سألت أباك ، فقال : في الخمس كلها ، فقال : « رحم الله أبي ، إنّ أصحاب أبي أتوه فسألوه فأخبرهم بالحق ، ثم أتوني شكّاكا فأخبرتهم بالتقية ».

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد الجوهري ، عن أبان بن عثمان ، عن إسماعيل الجعفي ومعمر بن يحيى ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « القنوت قبل الركوع وإن شئت فبعده ».

فالوجه في قوله عليه‌السلام : « وإن شئت فبعده » أن نحمله على حال القضاء لمن فاته في موضعه ، أو حال التقية لأنّه مذهب بعض العامّة.

السند :

في الأوّل : فيه عبد الملك بن عمرو ، ولم نقف على ما يقتضي مدحه فضلا عن التوثيق. وما رواه الكشي عن حمدويه ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن صالح ، عن عبد الملك بن عمرو قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : « إنّي لأدعو لك حتى اسمّي دابتك » (٢) فيه : أنّه ينتهي في الشهادة إلى نفسه ، وقول جدّي قدس‌سره في فوائد الخلاصة : إنّه ملحق‌

__________________

(١) في التهذيب ٢ : ٩٢ / ٣٤١ والاستبصار ١ : ٣٤٠ / ١٢٨٢ زيادة : بالقراءة.

(٢) رجال الكشي ٢ : ٦٨٧ / ٧٣٠ ، وفيه : لأدعو الله.

٣٠٤

بالحسن (١). لا أعلم وجهه بعد أن قال : إنّه شهادة لنفسه ، ثم قال : مع ذلك فهو مرجّح بسبب المدح. وفي رجال الصادق عليه‌السلام من كتاب الشيخ مذكور مهملا (٢).

أمّا جميل بن صالح فالذي في النجاشي : جميل بن صالح الأسدي ثقة وجه ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام ، ذكره أبو العباس في كتاب الرجال (٣). وهذا كما ترى قد يحتمل أنّ الذكر من أبي العباس للجميع من التوثيق والرواية ، كما يحتمل العود للرواية. وأبو العباس يقال لابن عقدة وابن نوح كما سبق ذكره من جدّي قدس‌سره في موضع آخر اتفق مثله ، وابن عقدة معلوم الحال ، وكان شيخنا ـ أيّده الله ـ يقول : إنّ الظاهر كونه ابن نوح ، لأنّه شيخ النجاشي (٤). فالاعتناء بقوله أظهر ، وفيه نوع تأمّل. وبتقديره في ابن نوح كلام يعرف من الرجال (٥) ، غير أنّ الظاهر من العبارة العود إلى الرواية للقرب ، فليتأمّل.

والثاني : فيه البرقي ، وقد تكرر القول فيه (٦).

والثالث : موثق على ما مضى (٧) في ابن فضال وابن يعقوب ، وفيه دلالة على أنّ أبا جعفر أحمد بن محمّد بن عيسى كما سبق نقله عن العلاّمة في الخلاصة (٨) ، حيث قال : إنّ كلما رواه الشيخ عن سعد عن أبي جعفر‌

__________________

(١) حكاه عنه في حاوي الأقوال ٤ : ١٢٤.

(٢) رجال الطوسي : ٢٦٦ / ٧١٤.

(٣) رجال النجاشي : ١٢٧ / ٣٢٩.

(٤) منهج المقال : ٣٩ ، ٤٧ ، ٣٩٠.

(٥) رجال النجاشي : ٨٦ / ٢٠٩ ، الفهرست : ٣٧ / ١٠٧.

(٦) راجع ج ١ : ٩٥.

(٧) في ج ٤ : ٣٧٩.

(٨) راجع ج ١ : ١٧١.

٣٠٥

فهو أحمد بن محمّد (١). وإن كان ما نحن فيه ليس بكلي إلاّ أنّه مؤيد ، وذكرنا سابقا (٢) أنّ في الكافي ما يدل على أنّ أبا جعفر إذا روى عنه سعد لا يتعين كونه أحمد بن محمّد لتفسيره بغيره.

والرابع : لا ارتياب فيه ، وأحمد بن محمّد هو ابن أبي نصر لما صرح به في التهذيب (٣).

والخامس : معروف الرجال بما تكرر من المقال (٤).

والسادس : فيه القاسم بن محمّد الجوهري وهو معروف الحال أيضا.

وأمّا إسماعيل الجعفي فهو وإن كان مشتركا (٥) بين ابن عبد الرحمن وبين ابن جابر ، والأوّل لا أعلم توثيقه والمدح ربّما يستفاد من الرجال في الجملة ، وابن جابر فيه كلام تقدم (٦) ، والحاصل أنّ الشيخ وثقه في رجال الباقر عليه‌السلام من كتابه (٧) ، لكن لا يبعد أن يكون ابن جابر ، لأنّ النجاشي قال : إنّه روى حديث الأذان (٨). والمروي في الأذان عنه رواية أبان بن عثمان ، وقد مضى في أوّل الكتاب الإشارة إلى ذلك وفي الجزء الثاني منه أيضا ، فليتدبّر.

أمّا معمّر ففيه اشتراك بين من وثق في الخلاصة (٩) ومن ذكر مهملا‌

__________________

(١) خلاصة العلاّمة : ٢٧١.

(٢) راجع ج ١ : ١٧١.

(٣) التهذيب ٢ : ٩١ / ٣٤٠.

(٤) راجع ج ١ : ٧٣ ، ١٣٠.

(٥) انظر منهج المقال : ٥٦ و ٥٧.

(٦) في ج ٢ : ٤٣٥.

(٧) رجال الطوسي : ١٠٥ / ١٨.

(٨) رجال النجاشي : ٣٢ / ٧١.

(٩) خلاصة العلاّمة : ١٦٩ / ٢.

٣٠٦

في رجال الصادق والباقر عليهما‌السلام من كتاب الشيخ (١).

المتن :

ينبغي أن يعلم قبل الكلام فيه أنّ بعض محققي الأصحاب نقل أنّ القنوت لغة يطلق على معان خمسة : الدعاء والطاعة والسكون والقيام في الصلاة والإمساك عن الكلام ، وفي الشرع على الدعاء في أثناء الصلاة في محل معيّن ، سواء كان معه رفع اليدين أم لا ، ولذلك عدّوا رفعهما من مستحبات القنوت ، وربّما يطلق على الدعاء مع رفع اليدين وعلى رفع اليدين حال الدعاء. انتهى (٢).

ولا يخفى أنّ المتبادر من الشرع عند الشارع ، واستحباب رفع اليدين إن كان في كلامه أفاد ما ذكره ، وإن كان من كلام المتشرعة ففيه ما فيه.

وإذا عرفت هذا فاعلم أنّ العلاّمة في المختلف ذكر في أدلّة الاستحباب الخبر الأوّل واصفا له بالصحيح ، وهو أعلم بوجهه. ثم قال : لا يقال : هذا الحديث متروك بالإجماع ، لأنّ الإمامية اتفقت على استحبابه أو وجوبه قبل الركوع ، والحديث الذي استدللتم به يقتضي نفي التعبد به قبل الركوع وبعده. لأنّا نقول : لا نسلّم أنّه متروك بل نحن نقول بموجبه ، إذ نفي التعبد به متروك بالإجماع على ما بيّنتم ، فيحمل النفي على إرادة نفي الوجوب ، إذ لا يمكن حمله إلاّ عليه (٣). انتهى ، ولما ذكره وجه.

وعدم تعرض الشيخ للخبر لا يخلو من غرابة ، وما ذكره في الأخبار‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣١٥ / ٥٦٩.

(٢) الحبل المتين : ٢٣٤.

(٣) المختلف ٢ : ١٩٠.

٣٠٧

على الإجمال لا يتناول هذا إلاّ بتكلف ظاهر.

والثاني : كما ترى يدل على حصر القنوت فيما ذكر ، وفي خبر ابن مسكان السابق ضميمة العشاء. وحمل الشيخ الأوّل لا يخفى عدم وضوحه سيّما في هذا الخبر ، أمّا التقية فلها وجه ، ويؤيّدها الثالث.

وما قاله من النوافل بعيد الاستفادة من إطلاق الأخبار ، إذ الانصراف إلى النافلة محل كلام.

وتقييده بما يجهر فيه من الفرائض غير ظاهر الوجه بتقدير شمول الأخبار للنوافل ، فإنّ بعضها تضمن السؤال عن جميع الصلوات ، والجواب دل على أفضلية القنوت فيما يجهر فيه على ما ذكره الشيخ.

والرابع : في دلالته على التقية خفاء ، لأنّ ما تقدم (١) من الشيخ اقتضى حمل الأخبار كلها ، وقد اشتملت على إطلاق وتقييد ، وظاهر الخبر المستدل به أنّه مع التقية لا قنوت مطلقا ، وصدر الخبر المبحوث عنه كما ترى يدل على التخيير في القنوت وعدمه ، وبمعونة ذلك إذا حمل على بيان الجواز يدل على أنّه مع التقيّة لا يجوز القنوت مطلقا. ولعلّ الأولى حمل القنوت في الخبر على رفع اليدين ليتم صدره وعجزه ، إذ مع التقية لا مانع من الدعاء بخلاف رفع اليدين ، وإن كان عند المخالفين القنوت برفع اليدين في الجملة لا مانع منه إلاّ أنّه يجوز كون الترك أبلغ في البعد عن التهمة.

أمّا ما تضمنه الخبر من قوله : قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام » ثم قوله عليه‌السلام : « وأنا أتقلد هذا » بعيد المرام ، وهم عليهم‌السلام أعلم بمقاصدهم.

وقد ذكرت في فوائد الكتاب نوع كلام في حمل الخبر على رفع‌

__________________

(١) في ص ٣٠٣.

٣٠٨

اليدين ، والحاصل أنّ قوله عليه‌السلام : « وأنا أتقلد هذا » يدل على أنّ المتروك لا يخلو من خطر ، فلو كان المراد به ( رفع اليدين فالترك لا خطر فيه ليحتاج إلى ما قاله عليه‌السلام ، بخلاف ما إذا كان المراد به ) (١) الدعاء ، فإنّ احتمال الوجوب يقتضي التعبير بما ذكره ، فليتأمّل.

( فإن قلت : القائل : « وأنا أتقلد هذا » الإمام أو أحمد بن محمّد؟

قلت : كل محتمل ، ولكن (٢) ما ذكرناه بناء على احتمال ظهور كونه من الإمام عليه‌السلام ، وقد يحتمل أبو الحسن أن يكون علي بن مهزيار فيندفع بعض المحذور ، ولكن سيأتي ما ينفيه ) (٣).

إذا عرفت هذا فاعلم أنّه ورد في معتبر الأخبار الأمر بالقنوت في كل صلاة فريضة ونافلة صريحا ، وأمّا خصوص القنوت ففي بعض (٤) معتبر الأخبار بعد السؤال عما يقال في القنوت : « ما قضى الله على لسانك ، ولا أعلم فيه شيئا موقّتا » وفي بعضها ما يقتضي أنّه يجزئ فيه : « اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا في الدنيا والآخرة إنّك على كل شي‌ء قدير ».

وذكر بعض محقّقي الأصحاب ـ سلّمه الله ـ أنّ المنفي في الأوّل الموظف المنقول عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥). وله وجه ، ولو حمل على عدم الموظف المعين بحيث لا يجزئ غيره ( في الفضل ) (٦) أمكن.

وفي الفقيه روى عن الحلبي في الصحيح أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٢) في « فض » : وكلّ.

(٣) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٤) ليست في « فض » و « م ».

(٥) البهائي في الحبل المتين : ٢٣٥.

(٦) ما بين القوسين ساقط عن « فض ».

٣٠٩

القنوت فيه قول معلوم؟ فقال : « أثن على ربك وصلّ على نبيك واستغفر لذنبك » (١) ولعلّ الجواب يفيد عدم التعين (٢) ، وإنّما ذكر عليه‌السلام ما ذكره على وجه الإعلام باختيار الأكمل ، وإن كان ظاهر السؤال عن المعلوم والجواب مطابق له ، هذا.

وفي معتبر الأخبار : أنّ القنوت كلّه جهار (٣) ، وحمله بعض الأصحاب على غير المأموم (٤) ، وكأنّه لما ورد في الأخبار من أنّه لا يسمع الإمام شيئا (٥).

وأمّا رفع اليدين مضمومة الأصابع إلاّ الإبهام وبسط الكف وجعله إلى السماء محاذيا للوجه ، ففي رواية (٦) موجود ، وعدم إمرار اليد على الوجه آخره لرواية تضمنت النهي عنه (٧).

قوله :

باب وجوب التشهد وأقل ما يجزئ منه‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن العباس بن معروف ، عن علي بن مهزيار ، عن حماد (٨) ، عن حريز بن عبد الله ، عن زرارة قال : قلت‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٧ / ٩٣٣ ، الوسائل ٦ : ٢٧٨ أبواب القنوت ب ٩ ح ٤.

(٢) في « م » : التعيين.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠٩ / ٩٤٤ ، الوسائل ٦ : ٢٩١ أبواب القنوت ب ٢١ ح ١.

(٤) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٣٠٣.

(٥) انظر الوسائل ٨ : ٣٩٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٢.

(٦) دعائم الإسلام ١ : ٢٠٥ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٤٠٩ أبواب القنوت ب ٩ ح ١.

(٧) الاحتجاج : ٤٨٦ ، الوسائل ٦ : ٢٩٣ أبواب القنوت ب ٢٣ ح ١.

(٨) في الاستبصار ١ : ٣٤١ / ١٢٨٤ زيادة : بن عيسى.

٣١٠

لأبي جعفر عليه‌السلام : ما يجزئ من القول في التشهد في الركعتين الأوّلتين؟ قال : « أن يقول (١) : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له » قلت : فما يجزئ ( من تشهد الركعتين ) (٢) الأخيرتين؟ فقال : « الشهادتان ».

محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن الحجال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن يحيى بن طلحة ، عن سورة بن كليب قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن أدنى ما يجزئ في (٣) التشهد ، قال : « الشهادتان ».

أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي عمير ، عن سعد بن بكر ، عن حبيب الخثعمي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « إذا جلس الرجل للتشهد فحمد الله وأثنى عليه أجزأه ».

عنه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك التشهد الذي في الثانية يجزئ أن أقوله في الرابعة؟ قال : « نعم ».

فأمّا ما رواه محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن منصور بن حازم ، عن بكر بن حبيب قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن التشهد ، فقال : « لو كان كما يقولون واجبا على الناس هلكوا ، إنّما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون ، إذا حمدت الله أجزأك ».

فالوجه في هذا الخبر أنّ نفي الوجوب إنّما توجه إلى ما زاد‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٤١ / ١٢٨٤ : تقول.

(٢) في الاستبصار ١ : ٣٤١ / ١٢٨٤ : من التشهّد في الركعتين.

(٣) في الاستبصار ١ : ٣٤١ / ١٢٨٥ : من.

٣١١

على الشهادتين ؛ لأنّ ذلك مستحب وليس بواجب مثل الشهادتين.

والذي يدل على ذلك :

ما رواه أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب الخزّاز ، عن محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : التشهد في الصلاة ، قال : « مرّتين » قال : قلت : كيف مرّتين؟ قال : « إذا استويت جالسا تقول : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ثم تنصرف » قال : قلت : قول العبد : التحيات لله والصلوات الطيبات لله ، قال : ( هذا اللطف (١) من الدعاء ، يلطّف العبد ربه ».

السند‌

في الأوّل : واضح بعد ما قدمناه في محمّد بن قولويه (٢).

والثاني : فيه الحجّال ، والمعروف به عبد الله بن محمّد الثقة ، غير أنّ رواية محمّد بن يحيى العطار عنه في الظن أنّها غير معقولة ؛ لأنّ الحجال من أصحاب الرضا عليه‌السلام في كتاب الشيخ (٣) ، والراوي عنه في الفهرست سعد بن عبد الله عن الحسن بن علي الكوفي عن الحجال (٤) ، فكيف يروي عنه محمد بن يحيى؟! واللازم من تعمير الحجال عدم اختصاصه بالرضا عليه‌السلام. ولا يبعد أن يكون الحجال غير عبد الله بن محمّد ، وفي‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٤٢ / ١٢٨٩ : هذا اللفظ.

(٢) راجع ج ١ : ١١٤.

(٣) رجال الطوسي : ٣٨١ / ١٨.

(٤) الفهرست : ١٠٢ / ٤٢٨.

٣١٢

التهذيب كما هنا (١) ، وذكر النجاشي أنّ الراوي عن ثعلبة بن ميمون عبد الله بن محمد الحجال ( المزخرف (٢) ، وهو يعيّن الاتحاد ، والخلل في رواية محمّد بن يحيى عنه. وأمّا يحيى بن طلحة فلم أقف عليه في الرجال ) (٣). وسورة بن كليب لا يزيد على الإهمال.

والثالث : فيه سعد بن بكر ، وهو مجهول الحال. وأمّا حبيب الخثعمي ففي الرجال بهذا العنوان في الفهرست ، والراوي عنه ابن أبي عمير (٤) ، وفي رجال الصادق عليه‌السلام من كتاب الشيخ حبيب الأحول الخثعمي (٥) ، والرجلان مهملان. وفي النجاشي حبيب بن المعلل الخثعمي ثقة ثقة صحيح له كتاب رواه محمّد بن أبي عمير (٦). ولا يخفى أنّ اتحاده مع من في الفهرست واضح. أمّا الأحول فغير معلوم.

ثم إنّ الرواية هنا بواسطة بين ابن أبي عمير وبين حبيب ، والأمر سهل.

وفي النجاشي أنّه روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن والرضا عليهم‌السلام ، والرواية كما ترى عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وهذا يقتضي روايته عن أربع من الأئمّة ، فلا يبعد أن يكون اقتصار النجاشي يوجب نوع ارتياب في الرواية هنا ، والشيخ في رجال الصادق عليه‌السلام ذكر حبيب بن المعلل الخثعمي مهملا (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٠١ / ٣٧٥.

(٢) رجال النجاشي : ١١٧ / ٣٠٢.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « م » وفي « رض » بنقيصة : عنه ، وأمّا يحيى.

(٤) الفهرست : ٦٤ / ٢٤٣.

(٥) رجال الطوسي : ١٨٥ / ٣٤٤.

(٦) رجال النجاشي : ١٤١ / ٣٦٨.

(٧) رجال الطوسي : ١٧٢ / ١١٦.

٣١٣

والرابع : واضح.

والخامس : فيه عثمان بن عيسى وبكر بن حبيب ، والأوّل تكرر القول فيه (١) ، والثاني مهمل في الرجال (٢).

والسادس : واضح الحال ؛ لما مضى في علي بن الحكم من المقال (٣).

المتن :

في الأوّل : ظاهره الاكتفاء في التشهد الأوّل بالشهادة المذكورة ، والتشهد الثاني لا بدّ فيه من الشهادتين ، والتعريف فيهما كأنّه للمعهود الذهني ، ولو كان للخارجي أشكل بما لا يخفى.

ثم إنّ المعروف بين الأصحاب وجوب الشهادتين في التشهدين (٤) ، بل قال بعض الأصحاب : إنّه إجماعي فيما يظهر (٥) ، وعلى هذا فالتأويل في الخبر لا بدّ منه ، إمّا بما ذكره بعض محققي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ من احتمال اكتفائه عليه‌السلام بما ذكر اعتمادا على التلازم العادي (٦) ، وإن كان فيه نوع تأمّل ؛ لأنّ ظاهر السؤال عما يجزئ في التشهد ، والجواب كما ترى يدل على أنّ هذا المذكور يجزئ ، والتلازم العادي غير معلوم ، وبتقديره يشكل‌

__________________

(١) راجع ج ١ : ٧١.

(٢) رجال الطوسي : ١٥٦ / ٢٨ ، رجال ابن داود : ٢٣٤ / ٨١ وفيه : بكر بن عبد الله بن حبيب.

(٣) راجع ج ١ : ٢٤٩.

(٤) كما في النهاية : ٨٣ ، الشرائع ١ : ٨٨ ، الروضة البهية ١ : ٢٧٦.

(٥) كما في مجمع الفائدة ٢ : ٢٧٤.

(٦) البهائي في الحبل المتين : ٢٥٠.

٣١٤

اعتباره بل ينبغي التلازم الشرعي ، وأصالة عدم النقل لا وجه لها في المقام ، ولو قيل : إنّ التلازم في الشهادة بالرسالة للشهادة بالوحدانية ، أمكن ، لكن الأمر بالعكس ، غير أنّ التوجيه لا بدّ منه. وقد يحتمل أن يكون السائل عالما بالحال وإنّما السؤال عن كيفية الشهادة بالوحدانية ، وفيه الإشكال الأوّل لكن ربّما يقرب التوجيه.

وبالجملة : بعد عدم الخلاف لا بدّ من التوصل إلى التأويل وإن بعد ، وما عساه يظن من أنّ الشيخ قائل بمضمون الرواية حيث بدأ بها في أوّل الباب ، وقد قرر في أوّل الكتاب (١) ما يفيد الاعتماد على ما ينقله أوّلا ، فيه أوّلا : عدم الاطراد من الشيخ كما يعلم من ملاحظة الكتاب. وثانيا : إنّ في الأخبار الأوّلة ما يفيد اعتبار الشهادتين على الإطلاق ( وهو الثاني ، إلاّ أن يقال : إنّ مفاد الثاني أدنى ما يجزئ في التشهد ، وهو لا يخرج عن الإطلاق ) (٢) والأوّل مقيد ، وفيه : احتمال تقييد الأوّل بالنسبة إلى التشهد الأوّل بالخبر الثاني ، وعلى كل حال مرام الشيخ غير ( معلوم ليحصل به تحقق الخلاف.

أمّا ما يقال في الخبرين : من دلالتهما على عدم وجوب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) (٣) ففيه : أنّ الخبرين إنّما مورد السؤال فيهما عن التشهد ، والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خارجة عن حقيقته ، لأنّ التشهد تفعّل من الشهادة ، وهي الخبر القاطع.

وما يقال : من أنّ التشهد صار في قوة العلمية للمسموع من‌

__________________

(١) راجع ج ١ : ٢٤.

(٢) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

٣١٥

الشهادتين والصلاة ، ففيه : أنّ الإطلاق بتقدير كونه حقيقة يجوز الخروج عنها للدليل إن ثبت ، وستسمعه (١).

ثم إنّ الثاني كما ترى يدل على أنّ الشهادتين مجزئة على الإطلاق ، وفي الشهادة بالوحدانية يمكن تقييده بما تضمّنه الأوّل ، أمّا الشهادة بالرسالة فيمكن بقاء الإطلاق فيها ، فيؤتى بها بأيّ وجه كان ، كما قرّره بعض الأصحاب في كتب الفروع (٢). ويمكن أن يقيّد بما رواه الشيخ في التهذيب ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان قال : حدثنا عبد الله بن بكير ، عن عبد الملك بن عمرو الأحول ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « التشهد في الركعتين الأوّلتين : الحمد لله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ، اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد ، وتقبّل شفاعته وارفع درجته » (٣).

وهذا الحديث وإن كان عبد الملك فيه لا يخلو من كلام في صلاحية حديثه للاعتماد كما قدمناه عن قريب (٤) ، إلاّ أنّه بالنسبة إلى الشيخ يمكن ما قلناه وإلى غيره ممّن يظن في معنى الإجماع على تصحيح ما يصح عن الرجل أنّ ما بعده لا يضر بحال الصحة وإن ضعف يمكن أيضا بتقدير الاعتماد على الثاني ، وبدونه فالأوّل كاف في الحكم المذكور ، لأنّ فيه إطلاقا (٥) أيضا.

__________________

(١) في ص ٣٣٣.

(٢) الشهيد في الذكرى : ٢٠٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٩٢ / ٣٤٤ ، الوسائل ٦ : ٣٩٣ أبواب التشهد ب ٣ ح ١.

(٤) في ص ٣٠٤.

(٥) في « رض » : إطلاقه.

٣١٦

والعجب من بعض محققي المعاصرين (١) ـ سلّمه الله ـ أنّه لم يذكر خبر عبد الملك في الصحاح ولا في غيرها ، بل ذكره في مقام التأييد لغيره ، والحال ما قد سمعت ، على أنّ الخبر الأوّل قد صرّح بأنّ الإطلاق فيه للمعروف من الشهادة ، وبتقدير الاعتماد على خبر عبد الملك يصير التقييد به واضحا ، فتكون العهديّة واضحة ، فليتأمّل.

وما عساه يقال : إنّ عبد الملك موصوف بالأحول ، والذي اعتمد على مدحه بل توثيقه في كلام بعض (٢) صريحا ـ وإن كان الظن أنّه موهوم ، لأنّه نقله عن الكشي وليس فيه ما يقتضيه ـ ليس فيه وصف الأحول ، لإمكان الجواب بأنّ الشيخ ذكر في رجال الصادق عليه‌السلام عبد الملك بن عمرو الأحول (٣) ، والظاهر أنّه المذكور في الكشي (٤).

وعلى كل حال بعد وجود ابن بكير عند القائل بما ذكرناه في معنى الإجماع لا عذر لترك ذكره. وقد وصفه جدّي قدس‌سره بالصحة في الروضة (٥) ، والحال ما ترى.

وما تضمنه الخبر المذكور من قوله : « التشهد » إلى آخره. يدل على أنّ لفظ الحمد لله من التشهد ، كما أنّ الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع إله عليهم‌السلام منه ، وكذلك وتقبل شفاعته ، إلاّ أنّ الإجماع أخرج الحمد لله وتقبل شفاعته ، وحينئذ يتأيّد ما قلناه عن قريب : من أنّ التشهد يقال للصلاة على محمّد وإله صلوات الله عليهم مع الشهادتين.

__________________

(١) البهائي في الحبل المتين : ٢٥٠.

(٢) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢٧٣.

(٣) رجال الطوسي : ٢٦٦ / ٧١٤.

(٤) رجال الكشي ٢ : ٦٨٧ / ٧٣٠.

(٥) الروضة البهية ١ : ٢٧٦ ـ ٢٧٧.

٣١٧

هذا كلّه على تقدير العمل بالخبر ، وبدونه فإطلاق الأوّل يقتضي الإتيان بالشهادة بالرسالة كيف اتفقت ( بالضمير أو الظاهر أو التوزيع على ) (١) نحو ما قرره البعض (٢).

وأمّا الثالث : فالذي يظن منه أنّ الحمد والثناء فيه محمول على ما قبل التشهد ، ولو حمل على ظاهره كان واضح المنافاة لما تقدم ، مع عدم معلومية القائل به ، لكن الشيخ كما ترى حيث لم يذكره في المنافي ربما يستفاد منه القول به ، غير أنّ الاعتماد على الفتوى من الشيخ هنا محل تأمّل كما كررنا القول فيه.

والرابع : يدل ظاهرا على أنّ التشهد في الأوّل يجزئ في الثاني ، ولمّا كان الخبر الأوّل بظاهره دالاّ على الاكتفاء بالشهادة بالوحدانية ، ربّما يدل هذا الخبر المبحوث عنه على إجزائه في الثاني ، والأوّل لمّا تضمن الشهادتين في الثاني يمكن حمله على الأفضل ، لكن الإجماع المظنون من البعض أو الشهرة يقتضي أن يحمل الأوّل على معلومية الشهادة بالرسالة في كونها تابعة ، وحينئذ يفيد هذا الخبر أنّ في التشهد الأوّل الشهادتين ، لدلالة الخبر الأوّل عليهما ، وإن كان في البين نوع إشكال من حيث إنّ الظاهر كون التشهد الأوّل غير الثاني ، لكن عدم معلومية القائل يسهل الخطب.

وربّما يستفاد من هذا الخبر أنّ الصلاة على النبي وإله عليهم‌السلام في الثاني كالأوّل ، لدلالة خبر عبد الملك على أنّ في الأوّل الصلاة ، ودلالة هذا على المساواة ، وقد يشكل بأنّ ظاهر الخبر المبحوث عنه خلاف ذلك ، بل‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « رض » : والظاهر أن التوزيع ، وفي « م » : أو الظاهر أو التوزيع.

(٢) انظر ص ٣١٦.

٣١٨

السؤال عن أقل المجزي ، ويجاب : بأنّ أقلّ المجزي يتحقّق بترك المستحبات ونحو ذلك.

وقد اتفق لبعض محققي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ أنّه ذكر الخبر المبحوث عنه في المؤيّدات لوجوب الصلاة على النبي وإله عليهم‌السلام ، ولم يذكر في الصحاح ولا الحسان (١). وهو غريب ؛ فإنّ الخبر هنا صحيح بلا ارتياب.

نعم في التهذيب ذكر قبله رواية عن محمّد بن يعقوب ثم قال : وعنه (٢). وهو يوهم الإرسال ، ومراعاة هذا الكتاب تزيل الارتياب وتبيّن أنّ الضمير في التهذيب لأحمد ، وعلى كل حال فضميمة خبر عبد الملك لهذا الخبر يدل على أنّ في الثاني وتقبّل شفاعته كما فيه الحمد لله في أوّله. وما ورد في الخبر الحسن (٣) في باب الأذان في بيان صفة صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المعراج وأنّه قال في أوّل التشهد : « بسم الله » إلى آخره (٤). لا ينافي هذا كما هو واضح.

وما في الفقيه من قوله : « بسم الله وبالله » إلى آخره. في التشهد الأخير والأوّل (٥) ، لا يضر بالحال ، لكن ذكره في الأخير فيه تأييد للرجحان فيه. والحمد لله في الأوّل حينئذ هو الأولى ، لما يقتضيه ظاهر خبر عبد الملك من كونه من التشهد ، كما أنّ وتقبل شفاعته كذلك ، غاية الأمر أنّ جواز‌

__________________

(١) البهائي في الحبل المتين : ٢٥٠.

(٢) التهذيب ٢ : ١٠١ / ٣٧٧.

(٣) في « رض » زيادة : في الكافي.

(٤) الكافي ٣ : ٤٨٢ / ١ ، علل الشرائع : ٣١٢ / ١ ، الوسائل ٥ : ٤٦٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٠.

(٥) الفقيه ١ : ٢٠٩.

٣١٩

في الثاني يستفاد من الخبر المبحوث عنه ، فليتأمّل.

والخامس : فيما أظن أنّ المراد به دفع ما يقوله أهل الخلاف من التحيات قبل التشهد.

وقوله : « إنّما كان القوم » يراد بالقوم أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقوله : « إذا حمدت الله أجزأك » يؤيّد ما قلناه ، وكأنّه عليه‌السلام أراد بيان أقل ما يجزئ قبل التشهد على وجه الاستحباب.

وقول الشيخ في الحمل على ما زاد على الشهادتين لا يأبى ما قلناه ، وإن كان المتبادر منه ما بعد الشهادتين. والخبر المستدل به أوضح شاهد على ما قلناه.

ثم إنّ الخبر المستدل به وهو السادس كما ترى يحتمل بالنسبة إلى قوله : « مرّتين » أن يريد به التشهد في الرباعية والثلاثية الأوّل والثاني. ويحتمل أن يراد بالمرّتين : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله. وربّما يرجّح هذا أنّ ظاهر الحديث الانصراف بعد ما ذكره ، ولا يتم إلاّ في الثنائية ، وقد يستفاد منه أنّ التشهد إذا كان هذا فما دل على التشهدين يحمل على المذكور.

وربّما يقال : إنّ قوله في الخبر : « ثم تنصرف » يراد به الانصراف من التشهد ، كما يلزم القائل بوجوب التسليم من تأويله بهذا.

والخبر غير خفي الصحة بعد ما كرّرنا القول فيه من أنّ علي بن الحكم هو الثقة بقرينة رواية أحمد بن محمّد بن عيسى عنه (١).

ولا يخفى أنّ دلالته على عدم وجوب الصلاة على النبي وإله عليهم‌السلام

__________________

(١) راجع ج ١ : ٢٤٩.

٣٢٠