إستقصاء الإعتبار - ج ٥

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-177
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٣٩٣

وأمّا عدّه الخبر الذي فيه الحسين بن الحسن [ من الصحاح ] (١) فلا أدري وجهه ، وقد تقدم بعض القول في الحسين (٢) ، والإعادة لأمر مّا ، فليتأمّل.

والثاني : فيه القاسم بن محمّد الجوهري ، وقد تكرر القول فيه من أنّه واقفي مهمل في الرجال على ما وقفت عليه (٣) ، وظنّ ابن داود أنّهما اثنان أحدهما ثقة (٤) ، لا نعلم وجهه. والحسين بن أبي العلاء تقدم أنّ حاله لا تزيد على المدح في الجملة فيما يظن (٥) ، والضمير في « عنه » للحسين بن سعيد.

والثالث : واضح الرجال سليم من الارتياب بعد ما كرّرنا القول فيه (٦) ، والعلاء هو ابن رزين ، وتخيّل البعض (٧) الاشتراك لا وجه له.

والرابع : فيه أبو بصير ، والحسين هو ابن عثمان ، ( وسماعة مضى احتمال عدم القدح فيه (٨) ؛ لعدم ذكر النجاشي كونه واقفيا ، وهو مقدّم على الشيخ ، إلاّ أنّي وجدت الآن التصريح بأنّه واقفي من الصدوق في موضعين :

أحدهما : في نافلة شهر رمضان.

وثانيهما : فيمن أفطر في يوم من شهر رمضان (٩) ، فليتدبّر ) (١٠).

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى ، راجع الحبل المتين : ٢٤٠.

(٢) راجع ج ١ : ٤١.

(٣) راجع ج ١ : ١٨٢.

(٤) رجال ابن داود : ١٥٤ / ١٢١٩.

(٥) راجع ج ١ : ١٥٢.

(٦) راجع ج ١ : ١٥٢.

(٧) لم نعثر عليه.

(٨) راجع ج ١ : ١١٠.

(٩) الفقيه ٢ : ٨٨ / ٣٩٧ و ٧٥ / ٣٢٨.

(١٠) ما بين القوسين أثبتناه من « م ».

٢٢١

والخامس : واضح بعد ما قدّمناه في أبان مرارا (١).

المتن :

في الأوّل : استدل به على استحباب وضع اليدين قبل الركبتين ـ كما هو ظاهر الشيخ ـ عند إرادة السجود ، وقد يشكل بأنّ فعله عليه‌السلام يجوز أن يكون أحد جزئيات المأمور به ، مضافا إلى ما يأتي في بعض الأخبار من قوله عليه‌السلام : « لا تنظروا إلى ما أصنع وافعلوا ما تؤمرون » (٢) فإنّ الخبر كما نذكره يشعر بعدم استحباب التأسّي على الإطلاق.

ولعلّ الأولى الاستدلال بقوله عليه‌السلام في خبر زرارة المعتبر المذكور في التهذيب حيث قال عليه‌السلام : « فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخرّ ساجدا وابدأ بيديك تضعهما على الأرض قبل ركبتيك تضعهما معا » (٣).

واحتمال أن يقال بالوجوب لظاهر الأمر يدفعه عدم ظهور القائل بالوجوب ، مضافا إلى الأصل والأوامر المطلقة.

أمّا احتمال أن يقال في الخبر المبحوث عنه : إنّ لفظ « قبل » يجوز أن يكون بكسر القاف وفتح الباء الموحدة بمعنى محاذاة اليدين للركبتين ، ففيه : أنّ غيره من الأخبار يدفع الاحتمال سيّما خبر زرارة.

والثاني : كما ترى له دلالة على الجواز ، وقد يستفاد الاستحباب من عجزه.

__________________

(١) راجع ج ١ : ١٨٣.

(٢) انظر ص : ٢٣٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٨٣ / ٣٠٨ ، الوسائل ٥ : ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

٢٢٢

والثالث : يتضح حاله من السابق.

وما تضمنته الأخبار الثلاثة بل الأربعة من ذكر اليدين كأنّ المراد بهما الكفّان باطنهما كما هو المتبادر.

ثم إنّ ما تضمنه الثاني : من قوله : « وإذا أراد » إلى آخره. هو الموجود في النسخ وفي التهذيب (١) ، لكن في الحبل المتين وجدته في نسخ منه : وإذا أراد أن يقوم رفع يديه قبل ركبتيه (٢) ، وكأنّه سهو قلم.

وينبغي أن يعلم أنّ الشيخ في التهذيب روى عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن العلاء ، عن محمّد قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد ، وإذا أراد أن يقوم رفع ركبتيه قبل يديه ، ثم قال : وعنه ، عن القاسم بن محمّد الجوهري ، وذكر الرواية الثانية إلى قوله : « نعم » ، ثم قال : وعنه عن صفوان إلى آخر الثالثة (٣) ، وهنا كما ترى على ما وجدت من النسخة جعل قوله : « وإذا أراد » من رواية الحسين بن أبي العلاء.

ولا يبعد أن يكون سبق النظر من الشيخ من رواية إلى رواية أو (٤) أنّ ما هنا هو الأصل وما في التهذيب موهوم.

وفي الحبل المتين هكذا : محمّد بن مسلم قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد ، وإذا أراد أن يقوم ، إلى آخره (٥). ولعلّ‌

__________________

(١) تقدّم في ص ٢١٩ أن العبارة غير موجودة في الاستبصار ، وتوجد في التهذيب ٢ : ٧٨ / ٢٩١ في رواية الحسين بن أبي العلاء.

(٢) الحبل المتين : ٢٤٠.

(٣) التهذيب ٢ : ٧٨ / ٢٩١ ، الوسائل ٦ : ٣٣٧ أبواب السجود ب ١ ح ١.

(٤) في « م » : و.

(٥) الحبل المتين : ٢٤٠.

٢٢٣

الرواية من التهذيب ، وتعبير ابن مسلم من المصنّف ، أو هو مأخوذ من الكافي ، فليتأمّل في ذلك كلّه.

وأمّا الرابع : فما ذكره الشيخ فيه في غاية البعد ، ولعلّ الأولى التوجيه بما ذكره في الخامس (١) ، وإن كان التوجيه في الرابع أقرب منه في الخامس ؛ لأنّ قوله عليه‌السلام : « لا بأس » محتمل لنفي الحرج ، بخلاف الخبر الخامس ؛ فإنّ الظاهر منه المساواة في القبول من دون ترجيح ، لكن مع وجود المعارض فالتأويل لا بأس به ، وما قاله الشيخ ـ من عدم بطلان الصلاة أو عدم استحقاق العقاب ـ زيادة عن قدر الحاجة ، بل غير موافق لقوله عليه‌السلام : « هو مقبول منه » كما لا يخفى.

قوله :

باب السجود على الجبهة‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أبي عبد الله البرقي ، عن محمّد بن مضارب (٢) قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إنّما السجود على الجبهة ، وليس على الأنف سجود ».

محمّد بن علي بن محبوب ، عن موسى بن عمير (٣) ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن ابن بكير وثعلبة بن ميمون ، عن بريد ،

__________________

(١) راجع ص ٢١٩.

(٢) في الاستبصار ١ : ٣٢٦ / ١٢٢٠ : مصادف.

(٣) في « فض » : موسى بن عمر ، وهو الصحيح الموافق للتهذيب ـ راجع معجم رجال الحديث ١٩ : ٥٥. إلاّ انه يأتي التصريح بأنّه موسى بن عمير فيما بعد.

٢٢٤

عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « الجبهة إلى الأنف ، أيّ ذلك أصبت الأرض في السجود أجزأك ، والسجود عليه كلّه أفضل ».

أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن علي بن فضّال ، عن مروان بن مسلم وعمار الساباطي قال : « ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد ، أيّ ذلك أصبت به الأرض أجزأك ».

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد ( عن محمّد ) (١) بن يحيى ، عن عمّار ، عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام (٢) قال : « قال علي عليه‌السلام : لا تجزئ صلاة لا يصيب فيها الأنف ما يصيب الجبين ».

فهذه الرواية محمولة على ضرب من الكراهية دون الفرض ؛ لأنّ الفرض هو السجود على الجبهة ، والإرغام (٣) سنّة على ما بيّنّاه.

ويؤكد ما قلناه : ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نجران ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام (٤) : « السجود على سبعة أعظم : الجبهة ، واليدين ، والركبتين ، والإبهامين من الرجلين ، وترغم بأنفك إرغاما ».

أمّا الفرض فهذه السبعة ، وأمّا الإرغام بالأنف فسنّة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

السند‌

في الأوّل : فيه مع البرقي ـ وهو محمّد لاحتمال الكلام فيه بما‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٢) في « رض » : عن أبي جعفر عليه‌السلام.

(٣) في الاستبصار ١ : ٣٢٧ / ١٢٢٣ زيادة : بالأنف.

(٤) في الاستبصار ١ : ٣٢٧ / ١٢٢٤ زيادة : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٢٢٥

مضى (١) ـ محمّد بن مضارب ، فإنّه مذكور مهملا في رجال الصادق عليه‌السلام من كتاب الشيخ (٢) ، وفي التهذيب ابن مصادف (٣) ، وهو على ما ذكره العلاّمة في الخلاصة نقلا عن ابن الغضائري لا يزيد على الإهمال ، لأنّ ابن الغضائري وثّقه في كتاب وضعّفه في آخر على ما حكاه العلاّمة (٤) ، والحال في ذلك غير خفية.

والثاني : فيه موسى بن عمير ، وهو ابن يزيد الصيقل ، لرواية محمّد ابن علي بن محبوب عنه في الفهرست (٥) ، وفي النجاشي موسى بن عمير في النسخة الموجودة فيما وقفنا عليه (٦) ، وابن داود ذكره ابن عمر (٧) ، وفي التهذيب ابن عمر (٨) ولا يبعد الاعتماد على ما في النجاشي والفهرست ؛ لجواز الإتيان باللفظ مصغرا وغيره ، والأمر سهل.

وبُرَيد فيه بالباء الموحدة في نسخة وهو العجلي الثقة ، وفي أُخرى غير مضبوط.

وقد عدّه بعض محقّقي المعاصرين من الموثق (٩) ، ولا اعلم وجهه مع وجود موسى بن عمر فيه ، وهو غير موثّق ولا ممدوح.

__________________

(١) راجع ج ١ : ٩٥.

(٢) رجال الطوسي : ٣٠٠ / ٣٢٢ و ٣٢٢ / ٦٨٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٨ / ١٢٠٠.

(٤) خلاصة العلاّمة : ٢٥٦ ، إلاّ أنّ فيه : محمّد بن مصادف.

(٥) الفهرست : ١٦٣ / ٧٠٩ ، وفيه : موسى بن عمر.

(٦) رجال النجاشي : ٤٠٥ / ١٠٧٥ ، إلاّ أنّ فيه موسى بن عمر.

(٧) رجال ابن داود : ١٩٤ / ١٦١٩.

(٨) التهذيب ٢ : ٢٩٨ / ١١٩٩.

(٩) البهائي في الحبل المتين : ٢٤١.

٢٢٦

والثالث : فيه الحسن بن علي بن فضّال ، وقد تكرّر القول فيه (١). ومروان بن مسلم كذلك ، وهو ثقة. وعمّار كذلك لكنه فطحي على قول الشيخ (٢) ، والنجاشي اقتصر على التوثيق (٣).

والرابع : محمّد بن يحيى فيه ليس هو العطّار ؛ لأنّه الراوي عن أحمد بن محمّد ، بل إمّا الخثعمي أو الخزّاز أو غيرهما ، ويبعد كونه الخثعمي ؛ لتوسط ابن أبي عمير بينه وبين أحمد بن محمّد في الرواية عنه على ما في الرجال (٤) ، وقد عدّه بعض محققي الأصحاب (٥) من الموثق (٦) ، ولا اعلم وجهه بعد احتمال محمّد بن يحيى لغير من وثّق ، ولعلّه من غير التهذيب.

والخامس : لا ارتياب فيه (٧).

المتن :

في الأوّل : يدل على أنّ الأنف ليس عليه سجود ، فهو لو صحّ ينفي قول الصدوق بوجوب الإرغام كما يُظن من عبارته في الفقيه ، حيث قال : إنّ الإرغام سنّة من تركه لا صلاة له (٨). لكن الخبر كما ترى ، وردّ قوله‌

__________________

(١) راجع ج ٤ : ١٢٩ و ٣٧٩.

(٢) الفهرست : ١١٧ / ٥١٥.

(٣) رجال النجاشي : ٢٩٠ / ٧٧٩.

(٤) الفهرست : ١٦٢ رقم ٧٠١.

(٥) في « رض » : المعاصرين سلمه الله.

(٦) البهائي في الحبل المتين : ٢٤١.

(٧) في « رض » : في رجاله.

(٨) الفقيه ١ : ٢٠٥.

٢٢٧

بالأخير ستسمع القول فيه (١).

والثاني : ظاهر الدلالة على أنّ الجبهة حدّها من القصاص ـ مثلّث القاف ـ وهو منتهى منابت شعر الرأس من جهة الوجه إلى الأنف ، وأن كل جزء منها لو أصاب الأرض بفعل الإنسان أجزأ في السجود ، ولو صحّ لاندفع به قول معتبر قدر الدرهم كما ينقل عن الصدوق (٢) وابن إدريس (٣) والشهيد في الذكرى (٤) ؛ وإن كان في نظري القاصر أنّ كلام الصدوق في الفقيه لا يفيد الوجوب ؛ لأنّه ذكر السجود على العود والسواك مع ذكره الدرهم (٥) ، فلا بدّ من الحمل على الاستحباب في الدرهم ، أو حمل العود والسواك على مقدار الدرهم ، ( والثاني في غاية البعد بخلاف الأوّل.

أمّا الاستدلال للمعتبرين بخبر زرارة (٦) الدال على إجزاء مقدار الدرهم ) (٧) ومقدار طرف الأنملة (٨) ، ففيه : أنّ طرف الأنملة أقلّ من مقدار الدرهم.

ودلالة الخبر المبحوث عنه على أفضليّة وضع جميع الجبهة ظاهرة.

أمّا قوله : « إلى الأنف » فالمراد به الطرف الأعلى ، وقد يحتمل أن يعود ضمير « كلّه » إلى الأنف ، وبُعده ظاهر ، كما أنّ احتمال إرادة كل من‌

__________________

(١) في ص ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٥ ، المقنع : ٢٦.

(٣) السرائر ١ : ٢٢٥.

(٤) الذكرى ٣ : ١٤٩.

(٥) الفقيه ١ : ٢٣٦ / ١٠٣٩.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٣ / ١ ، الوسائل ٦ : ٣٥٦ أبواب السجود ب ٩ ح ٥.

(٧) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٨) حكاه عن الصدوق وابن إدريس في الذكرى ٣ : ٣٨٩ ، السرائر ١ : ٢٢٥.

٢٢٨

الجبهة والطرف من الأنف كذلك ، واستبعاد تخصيص الأفضل بالجبهة كلها من دون ذكر الأنف يقربه أنّ المقام لبيان الجبهة لا لبيان محالّ السجود.

والثالث : واضح الدلالة على إجزاء المسمّى من الموضع المذكور.

ولا يخفى أنّ خبر زرارة لو أفاد المطلوب من اعتبار الدرهم لما نافاه شي‌ء من هذه الأخبار ؛ لأنّها تضمنت بيان الجبهة التي يصح السجود عليها ، وهي من جهة إجزاء كل جزء من قبيل العام ، فلا مانع من تخصيصه ، بل لا يبعد أن يكون من قبيل المجمل فلا مانع من بيانه ، إلاّ أنّ الكلام في المبيّن ، وما وجّه به شيخنا قدس‌سره الاستدلال من خبر زرارة (١) ذكرنا ما فيه في غير هذا الموضع ، والمحصّل ما هنا.

والرابع : لعلّه محمول على الفضل في إصابة الأنف لما أصاب الجبين ؛ ( إذ ) (٢) الوجوب لا يعلم القائل به.

ثم إنّه كما ترى يتناول كلما يصح السجود عليه ، والعجب من جدّي قدس‌سره أنّه استدل بالخبر على تحقّق الإرغام بغير التراب (٣) ، والحال أنّه تضمّن الجبين صريحا ، ولعل نظره قدس‌سره إلى أن المراد بالجبين الجبهة لشدة الاتصال بينهما ، وهو غير بعيد ، والشيخ كما ترى فهم هذا من الرواية حيث قال : إنّ الفرض هو السجود على الجبهة والإرغام سنة (٤). اللهم إلاّ أن يقال : إنّ مراد الشيخ بيان الفرض وكل ما عداه سنّة ، وفيه ما فيه.

والخامس : إنّما يدل على مطلوب الشيخ من كون الإرغام سنّة على‌

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ٤٠٥.

(٢) بدل ما بين القوسين في « رض » و « م » : إذا أراده.

(٣) المسالك ١ : ٣٢.

(٤) راجع ص ٢٢٥.

٢٢٩

تقدير إرادة المستحب منها ، واحتمال إرادة ما ثبت من السنّة ممكن ، لأنّه عليه‌السلام لما ذكر الفرض علم أنّ السنّة تقابله ، ولمّا تقرّر أنّ الفرض ما ثبت من القرآن فالسنّة ما ثبت بها ، غير أنّ الحق اشتراك السنّة ، ومع الاشتراك لا يخرج عن الأصل إلاّ بالتعين ، أو يقال : إنّ السنّة هنا يراد بها ما ثبت بالسنّة ، وهو أعم من الواجب والندب ، فلا يخرج عن الأصل ، إلاّ أن يقال إنّ قوله عليه‌السلام : « وترغم بأنفك » جملة خبرية في معنى الأمر فيفيد الوجوب.

ولا ينافي ذلك بيان كون الإرغام من السنّة ، وهذا وإن كان فيه تأمّل سبق بيان وجهه مفصّلا ، من جهة احتمال الجملة الخبرية للاستحباب بسبب العدول ، إلاّ أنّه وجه للاستدلال عند من يطلق كون الخبرية للوجوب إذا كانت في مثل هذه المواضع ، فليتأمّل.

والإرغام : إلصاق الأنف بالرغام ـ بالفتح ـ وهو التراب ، ونقل عن المرتضى رحمه‌الله : إلصاق الطرف الأعلى منه ، وهو ممّا يلي الحاجبين (١). وعن ابن الجنيد : أنّه مماسّة الأرض بطرف الأنف وحدبته (٢) ، سواء الرجل والمرأة (٣).

وفي نظري القاصر أنّ ما في حديث حمّاد المشهور من قوله : وسجد على ثمانية أعظم ـ إلى أن قال : ـ والأنف (٤). يدل على أنّ الإرغام بما ذكره ، واحتمال أن يكون الإرغام غير ما ذكر لا وجه له.

__________________

(١) جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٣٢.

(٢) في « م ». والذكرى : وجدبته ، وفي « رض » و « فض » بلا نقطة ، ولعل الأنسب ما أثبتناه مهملا بمعنى الارتفاع ، مقاييس اللغة ٢ : ٣٦.

(٣) حكاه عنه في الذكرى : ٢٠٢.

(٤) الفقيه ١ : ١٩٦ / ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨٢ / ٣٠١ ، الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

٢٣٠

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الخبر المبحوث عنه اشتمل على أنّ السجود على سبعة أعظم ، وكذلك خبر حمّاد ، وهذا في الجبهة والركبتين واضح ، أمّا في اليدين فعلى تقدير ما نقل عن السيد المرتضى أنّ السجود على مفصل ( الكف على ) (١) الزندين (٢) له وجه ، أمّا على تقدير الكفين فالعظم لا يخلو من خفاء.

والعجب من العلاّمة في المختلف أنّه نقل قول السيّد ، ثم قال : والمشهور اعتبار اليدين ؛ لما رواه زرارة (٣). والأمر كما ترى ، لكن لا خروج عن المشهور.

أمّا الأنامل فالعظم [ فيها ] (٤) أيضا خفي.

ولا يبعد أن يكون قوله : « سبعة أعظم » من باب التغليب ، وقد ذكر بعض شرّاح حديث المخالفين الحديث وقال : إنّه من باب التغليب (٥) ، فليتدبّر.

أمّا ما عساه يقال في الخبر الأخير : من أنّ كون السبعة من القرآن لا يخلو من خفاء ، ففيه : أنّ أهل البيت عليهم‌السلام أدرى بما فيه ، وفي الظاهر يمكن أن يقال : إنّ الأمر بالسجود يراد (٦) به على الأعضاء السبعة ، لتفسيرهم عليهم‌السلام ، هذا.

وفي بعض الأخبار المعتبرة ما يدل على قول ابن الجنيد (٧) في‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٢) جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٣٢ ، وفيه : مفصل الكفين عند الزندين.

(٣) المختلف ٢ : ١٨٦.

(٤) في النسخ : فيهما ، وما أثبتناه هو الأنسب.

(٥) كما في إرشاد الساري ٢ : ١٢٠.

(٦) في « رض » : ويراد.

(٧) راجع ص ٢٣٠.

٢٣١

الجملة ، وهو ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن المرأة تطول قصتها ، فإذا سجدت وقع بعض جبهتها على الأرض وبعض يغطيه الشعر ، هل يجوز ذلك؟ قال : « لا حتى تقع جبهتها على الأرض » (١) وقد حملت هذه الرواية على الاستحباب. وفيه : أنّ ما تقدم من الأخبار قابل للجمع بينها وبين هذه الرواية ببيان (٢) مقدار الواجب من غيرها ، على معنى أنّ محل الواجب من السجود ما كان حدّه كذا وكذا ، ( لا أنّ ) (٣) كل جزء حصل تحقّق الوجوب ، ولو دلّ على الثاني لكان ظاهرا وهذا الخبر صريح. ولا يخفى أنّ ابن الجنيد قوله مركّب على ما نقل (٤) ، والخبر لا يدل عليه ، وبدونه لا يتحقق الموافق على مدلول الرواية ، فربما يتم الحمل على الاستحباب ، فليتأمّل المقام ، وبالله سبحانه الاعتصام.

قوله :

باب الإقعاء بين السجدتين‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن الحسين بن عثمان ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا تقع بين السجدتين إقعاء ».

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبيد الله الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١٣ / ١٢٧٦ ، قرب الاسناد : ٢٢٤ ، وفيهما : حتّى تضع جبهتها.

(٢) في « رض » فبيان.

(٣) في « رض » : إلاّ أن. ، وفي « م » : لأن.

(٤) حكاه عنه في الذكرى : ٢٠٢.

٢٣٢

بالإقعاء في الصلاة ما بين السجدتين ».

فالوجه في هذه الرواية الرخصة أو حال الضرورة ، غير أنّ الأفضل ما قدّمناه في الرواية الاولى ، وذلك أيضا مطابق للروايات التي أوردناها في كتابنا الكبير.

ويؤكد ذلك أيضا :

ما رواه معاوية بن عمّار وابن مسلم والحلبي جميعا قالوا (١) : « لا تقع بين السجدتين كإقعاء الكلب ».

السند‌

في الأوّل : فيه أبو بصير.

والثاني : لا ارتياب في صحته.

والثالث : فيه أنّ الطريق إلى الثلاثة غير مذكور في المشيخة ، وفي الفهرست ما لا يفيد الدخول في الطرق ، مضافا إلى أنّ الظاهر إسناد القول إليهم كما في النسخة المنقول منها ، وفي التهذيب « قالوا قال » في نسخة ، وعلى هذا يكون من قبيل الخبر المضمر وإن كان الحق أنّه لا يضرّ بالحال لو سلم من غيره.

المتن :

في الأوّل : ظاهره التحريم ، غير أنّ المشهور الكراهة (٢) ، والصدوق‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٢٨ / ١٢٢٧ زيادة : قال.

(٢) كما في المعتبر ٢ : ٢١٨ ، المختلف ٢ : ٢٠٨ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٠٩ ، الحبل المتين : ٢١٥.

٢٣٣

في الفقيه ظاهره عدم الجواز حال التشهد ، ونفي البأس بين السجدتين ، لأنّه قال : ولا بأس بالإقعاء بين السجدتين ، ولا بأس به بين الاولى والثانية ، وبين الثالثة والرابعة ، ولا يجوز الإقعاء في موضع التشهد (١). ومراده بالأولى والثانية الركعة الاولى والثانية ، وهكذا الثالثة والرابعة ، فيدل (٢) على نفي البأس بعد السجدة الثانية من الاولى ومن [ الثالثة ] (٣).

ونقل عن ابن إدريس أنّه قال : لا بأس به بين السجدتين ولا يجوز في التشهدين (٤).

وعن الشيخ في المبسوط (٥) والمرتضى (٦) عدم الكراهة مطلقا.

ولا يخفى أنّ نفي البأس من الصدوق محتمل لأن يكون المراد به نفي عدم الجواز بقرينة ذكره في التشهد.

ثمّ إنّه علّل النفي في التشهد بأنّ المقعي ليس بجالس ، إنّما يكون بعضه قد جلس على بعض فلا يصبر للدعاء (٧) والتشهد.

وهذا التعليل موجود في رواية زرارة في التهذيب ، وهي صحيحة ، وفيها : « وإيّاك والقعود على قدميك فتتأذّى بذلك ، ولا تكن قاعدا على الأرض فتكون إنّما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهد والدعاء » (٨)

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٦.

(٢) في « فض » فدل.

(٣) في النسخ : الرابعة ، والصواب ما أثبتناه.

(٤) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٢٠٨ ، وهو في السرائر ١ : ٢٢٧.

(٥) المبسوط ١ : ١١٣.

(٦) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ٢١٨.

(٧) في « رض » : على الدعاء.

(٨) التهذيب ٢ : ٨٣ / ٣٠٨ ، الوسائل ٥ : ٤٦١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

٢٣٤

وكأنّ الصدوق رحمه‌الله فهم منها الاختصاص بالتشهد ، ويكون الدعاء ما يذكر في التشهد. ويؤيّده أنّ قبل هذا : « فإذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك ـ إلى أن قال ـ : وإيّاك » إلى آخره.

وعدم الجواز ربما يستفاد من ظاهرها ، إلاّ أن يعارض بأنّ الأوامر فيها أكثرها للاستحباب فيبعد الدلالة على التحريم. وفيه : أنّ الظاهر الوجوب ما لم يخرج الدليل بعض الأحكام ، والموجود هنا ممّا يصلح للإخراج غير موجود ، فإنّ الثاني من الأخبار المبحوث عنها تضمن جواز الإقعاء بين السجدتين فيبقى حكم التشهد على أصله من الخبر ، غير أنّ كثرة الأوامر الواردة في الخبر للاستحباب مع الشهرة تؤيّد عدم التحريم ، مضافا إلى ظاهر التعليل وإن احتمل أن يراد منه كون الجلوس للتشهد لا يتحقق إلاّ على الأرض ، إلاّ أنّ قوله : « والدعاء » لا يوافق عدم الجواز ، فربما يقرب أن يكون مراد الصدوق الكراهة من عدم الجواز ، ومن نفي البأس عدم الكراهة.

وعلى كل حال المستفاد من الرواية أنّ الإقعاء المأمور بتركه هو الجلوس على العقبين مع الاعتماد على صدور القدمين ، قيل : وهذا التفسير هو المشهور بين الفقهاء (١) ، ونقل جماعة من الأصحاب عن بعض أهل اللغة أنّه الجلوس على الأليتين ناصبا الفخذين كإقعاء الكلب (٢) ، وهو مدلول الخبر الأخير ، ويمكن أن يقال بتقدير العمل بالخبر الأخير والأوّل أنّ النهي عن الإقعاء بين السجدتين كإقعاء الكلب ، وما تضمن الجواز ـ وهو الثاني ـ يحمل على الجلوس على صدور القدمين ، إلاّ أنّه غير خفي عدم‌

__________________

(١) كما في جامع المقاصد ٢ : ٣١٠ ، الحبل المتين : ٢١٥.

(٢) كما في المعتبر ٢ : ٢١٨ ، المنتهى ١ : ٢٩١ ، مجمع الفائدة ٢ : ٢٧١.

٢٣٥

موافقته لخبر زرارة ، ويمكن أن يكون الإقعاء ( مطلقا مكروها ) (١) والإقعاء المخصوص في رواية زرارة غير جائز ، وفيه ما لا يخفى ، لكن الأمر سهل بعد ما سمعته ، فليتأمّل.

قوله :

باب من يقوم من السجدة الثانية إلى الركعة الثانية.

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب الخزّاز ، عن عبد الحميد بن عواض (٢) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : رأيته إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى جلس حتى يطمئن ثم يقوم.

سماعة ، عن أبي بصير قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية من الركعة الأولى حين تريد أن تقوم فاستو جالسا ثم قم ».

فأمّا ما رواه علي بن الحكم ، عن رحيم قال : قلت للرضا عليه‌السلام : أراك إذا صلّيت فرفعت رأسك من السجود في الركعة الاولى والثالثة فتستوي جالسا ثم تقوم ، فنصنع كما تصنع؟ قال : « لا تنظروا إلى ما أصنع ( وافعلوا ) (٣) ما تؤمرون ».

__________________

(١) في « رض » : مكروها مطلقا.

(٢) في النسخ : عواص ، وفي مجمع الرجال ٤ : ٦٩ و ٦ : ٨١ : غواض ، وما أثبتناه موافق للاستبصار ١ : ٣٢٨ / ١٢٢٨ ، ورجال النجاشي : ٤٢٤ / ١١٣٨ ، ورجال الطوسي : ١٢٨ / ١٨ ، ٢٣٥ / ٢٠٢ ، ٣٥٣ / ٦.

(٣) في الاستبصار ١ : ٣٢٨ / ١٢٣٠ : اصنعوا.

٢٣٦

إنّما قال عليه‌السلام : « لا تنظروا إلى ما أصنع » لئلاّ يعتقدوا أنّ ذلك يلزمهم على طريقة الفرض ، دون أن يكون قد منعه أن يقتدي بفعله على جهة الفضل والكمال ، وهذه الجلسة من آداب الصلاة لا من فرائضها.

والذي يدل على ذلك :

ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحجّال ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة قال : رأيت أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما‌السلام إذا رفعا رؤوسهما من السجدة الثانية نهضا ولم يجلسا.

السند‌

في الأوّل : لا ارتياب فيه بعد ما قدّمناه (١) في ابن الوليد [ أحمد ، وعبد الحميد ] (٢) بن عواض ثقة.

والثاني : فيه ـ مع عدم الطريق إلى سماعة ـ أبو بصير.

والثالث : فيه مع جهالة الطريق إلى علي بن الحكم جهالة رحيم.

والرابع : موثق ، غير أنّه مقبول للإجماع على تصحيح ما يصح عن عبد الله بن بكير (٣) ، إلاّ أن يقال : إنّ ما قدّمناه في أوّل الكتاب من معنى الإجماع (٤) لا يقتضي الصحة المصطلح عليها.

والعجب من عدّ بعض محقّقي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ هذا الخبر‌

__________________

(١) في ج ١ : ٣٩.

(٢) في « م » : أحمد بن عبد الله لحميد ، وفي « رض » : احمد وبن عبد الحميد ، وفي « فض » : أحمد بن عبد الحميد. والظاهر ما أثبتناه.

(٣) انظر رجال الكشي ٢ : ٦٧٣ / ٧٠٥.

(٤) راجع ج ١ : ٦٠ ـ ٦٣ ، ٧١.

٢٣٧

من الموثق مع عدّه خبر أبان بن عثمان من الصحيح (١) ـ كما تقدم القول فيه (٢) ـ مع الاشتراك في العلّة.

المتن :

في الأوّل : ظاهر الدلالة على فعل الإمام عليه‌السلام الجلوس ، لكن التأسّي لما كان مستحبا عند محقّقي الأصحاب (٣) فيما لم يعلم فيه الوجوب حكم باستحباب الجلسة لغيره ، وربما يقال ما قدّمناه عن قريب من أنّ فعله عليه‌السلام يجوز أن يكون لا للاستحباب بل للإباحة.

والثاني : يفيد الاستحباب من حيث الأمر ، إن اكتفينا في السنن بمثل الخبر.

فإن قلت : فعله عليه‌السلام في الأوّل لا بدّ من كونه راجحا ، وهو معنى الاستحباب.

قلت : ليس كل فعل يفعله عليه‌السلام في الصلاة يكون راجحا رجحان الاستحباب.

نعم ربما يقال فيما نحن فيه : إنّ الجلوس أمر زائد على القيام من السجدة ، فلا بدّ أن يكون له رجحان ، إلاّ أن يقال : إنّ فعله عليه‌السلام لو كان فيه تكرار ربما يفيد الاستحباب ، أمّا فعل المرّة فيجوز أن يكون لغرض من الأغراض أو لعذر ، ولعلّ الاستحباب بالإجماع المنقول مع الخبر فيسهل‌

__________________

(١) البهائي في الحبل المتين : ٢٤١.

(٢) في ج ١ : ١٨٣.

(٣) في « م » : عند الأصحاب ، وعلى أي حال فمنهم البهائي في الحبل المتين : ٢٤٤ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢٦٩.

٢٣٨

الخطب ، والإجماع حكاه بعض المتأخرين (١).

ويؤيّده ما يظهر من أنّ الخلاف إنّما هو في الوجوب والاستحباب والأوّل منقول عن السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه وأنّه ادّعى عليه الإجماع (٢) ، ولا يخلو من غرابة ، ولا يبعد أن يريد بالوجوب ( تأكّد ) (٣) الاستحباب كما يستعمل في كلام المتقدمين ، مثل الصدوق والمفيد ، بل في الأخبار وجوده بكثرة.

وأمّا ما ذكره الشيخ في تأويل الثالث فلا بأس به ، ولولاه لانتفى استحباب التأسّي عند من يعمل بالخبر.

وأمّا الرابع : فالاستدلال به على الاستحباب لا يخلو من إشكال ؛ لأنّ ترك المستحب وإن ذكر بعض محقّقي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ جوازه لبيان الجواز (٤) ، إلاّ أنّ في البال بعد ذلك ، لأنّ بيان الجواز فيما لم يظن وجوبه غير ظاهر ، إلاّ أن يقال : إنّ احتمال وجوب التأسي لمّا كان ممكنا احتيج إلى دفعه بالترك ، فليتأمّل.

قوله :

باب وضع الإبهام في حال السجود‌

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أبيه ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن‌

__________________

(١) كالعلاّمة في المنتهى ١ : ٢٩١ ، وانظر مجمع الفائدة ٢ : ٢٦٩ و ٢٧٠.

(٢) الانتصار : ٤٦ ، وحكاه عنه في المدارك ٣ : ٤١٣.

(٣) ليس في « م » وفي « فض » : ذلك.

(٤) البهائي في الحبل المتين : ٢٤٤.

٢٣٩

أبي نجران ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة قال ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : السجود على سبعة أعظم : الجبهة ، واليدين ، والركبتين ، والإبهامين ، وترغم بأنفك إرغاما ، أمّا الفرض فهذه السبعة ، وأمّا الإرغام فسنّة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيغ ، عن أبي إسماعيل السرّاج ، عن هارون بن خارجة قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام وهو ساجد وقد رفع قدميه من الأرض وإحدى قدميه على الأخرى.

فالوجه في هذا الخبر هو أنّه يجوز أن يكون عليه‌السلام إنّما فعل ذلك لضرورة دعته إلى ذلك دون حال الاختيار.

السند‌

في الأوّل : لا ارتياب فيه بعد ما قدمناه في أحمد بن محمّد بن يحيى من عدم توقف مشايخنا فيه (١) ، وأحمد بن محمّد الراوي عنه ابن محبوب هو ابن عيسى ، وابن أبي نجران : عبد الرحمن.

والثاني : فيه أبو إسماعيل السرّاج ، وفي الكافي في صلاة الحوائج صرح بأنّ اسمه عبد الله بن عثمان بن عمرو الفزاري (٢) ، وفي الرجال عبد الله بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزاري أخو حمّاد بن عثمان (٣) ، وقد وثّقه النجاشي في ترجمة حمّاد بن عثمان (٤) ، ولم ينقل شيخنا ـ أيّده الله ـ

__________________

(١) راجع ج ١ : ٤١ و ٩٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٧٨ / ٦ وفيه : عن عبد الله بن عثمان أبي إسماعيل السراج.

(٣) انظر رجال ابن داود : ٨٤ / ٥٢٢ ، خلاصة العلاّمة : ٥٦ / ٤.

(٤) رجال النجاشي : ١٤٣ / ٣٧١.

٢٤٠