إستقصاء الإعتبار - ج ٥

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-177
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٣٩٣

أنّ المضطر كالمريض الذي يشق عليه قراءتها كثيرا أو من أعجلته حاجة لا يجب عليه السورة ، وهو حقّ. انتهى (١).

ولا يخفى أنّ اعتبار الكثرة في المشقّة غير ظاهر الوجه ، فإنّ الرواية الخامسة تضمّنت مطلق المريض ، وعلى تقدير عدم الالتفات إليها لضعف السند ، أمكن أن يقال أوّلا : إنّ اعتماد الشيخ على الرواية مع جزمه في الرجال بردّ الرواية المشتملة على محمّد بن عيسى عن يونس (٢) المقيّدة بعدم المؤيّد ، يدل على أنّ في مثل هذا المقام وجد المؤيّد عنده ؛ وحينئذ لا فرق بين هذا وبين توثيق الرجل في كتابيه وتوثيق النجاشي ، كما قدّمنا القول في مثل هذا في الجزء الثاني (٣).

وليس لقائل أن يقول : إنّ هذا يستلزم صحّة جميع الأخبار ـ الواردة في التهذيب والاستبصار عن محمّد بن عيسى عن يونس ، والذي يظهر من المعاصرين خلافه.

لإمكان الجواب بعدم التفطّن لهذا الوجه (٤) ، أو لجواز كون الشيخ اعتمد على قرائن لا تصلح حجّة لغيره.

وفيه : أنّ هذا لو تمّ لزم عدم قبول قوله في التعديل ؛ لجواز اعتماده على قرائن ليست حجّة عند غيره.

إلاّ أنّ يقال : إنّ في الرجال لا بدّ من البحث عن الجارح.

وفيه : أنّه على تقدير انتفاء الجارح يحكم بالتعديل ، وحينئذ يرجع‌

__________________

(١) حكاه عن الكركي في مجمع الفائدة ٢ : ٢١٤.

(٢) انظر الفهرست : ١٨٢.

(٣) الفهرست : ١٨١ / ٧٨٩ ، رجال الطوسي : ٣٦٤ / ١١ ، ٣٩٤ / ٢ ، رجال النجاشي : ٤٤٦ / ١٢٠٨.

(٤) في « فض » : الجواب.

١٤١

إلى إفتاء الشيخ بالعدالة.

إلاّ أن يقال : إنّ في الروايات يجوز أن يكون اعتماد الشيخ ليس على الراوي ، بل على كونها من الأُصول المعتمدة ، أو من رواة متعددين.

وفيه : أنّه راجع إلى الحكم بالصحة وهو كالتوثيق ، وفي البين كلام.

وقد وجدت بعض محقّقي المتأخرين رحمه‌الله اعتمد على رواية محمّد ابن عيسى عن يونس (١) ، لكن لم يذكر في توجيهه ما يدل على ما ذكرناه ، بل من حيث إنّ الاستثناء لا يقتضي الطعن ، وفيه نوع تأمّل.

والعجب من شيخنا قدس‌سره أنّه وصف بعض الأخبار التي فيها محمّد بن عيسى عن يونس بالصحة ، مع جزمه بالردّ (٢) ؛ لكن أظنّ أنّه نقل الرواية من كلام من أشرنا إليه اعتمادا على أنّ تصحيحه لا ارتياب فيه ، ولم يتفطّن لمذهبه في محمّد بن عيسى عن يونس.

وعلى كل حال فالرواية المبحوث عنها إذا لم تصلح للاستدلال بما قلناه ، يمكن أن يؤيّدها ما رواه الشيخ في زيادات الصلاة من التهذيب في باب صلاة المضطر عن سعد ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن حمّاد بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٣) قال : « لا يصلّي على الدابّة الفريضة إلاّ مريض يستقبل به القبلة ويجزؤه فاتحة الكتاب » الحديث (٤). وقد تقدّم في هذا الكتاب في الجزء الثاني في باب الصلاة في المحمل (٥) ؛ وإنّما نقلناه من‌

__________________

(١) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢٠٥.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ١١١. ولم نعثر على الوصف بالصحة.

(٣) في التهذيب ٣ : ٣٠٨ / ٩٥٢ زيادة : عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٠٨ / ٩٥٢ ، الوسائل ٤ : ٣٢٥ أبواب القبلة ب ١٤ ح ١.

(٥) راجع ج ٤ : ١٧٣.

١٤٢

التهذيب لأنّ طريقه إلى سعد في المشيخة فيه صحيح بلا مرية ، وهو : عن المفيد ، عن محمّد بن علي بن الحسين ، عن أبيه (١). أمّا ما مضى ففيه : محمّد بن قولويه ، وقد مضى فيه (٢) نوع توقّف (٣) ، ( وعلى كل حال ) (٤) الخبر مؤيّد لأنّ مطلق المرض مجوّز للفاتحة وحدها.

ثم إنّ الخبر المبحوث عنه ـ وهو الخامس ـ قد استدل بمفهومه على أنّ غير المريض لا يجزؤه الفاتحة وحدها فتجب السورة.

وفيه : أنّ مفهوم الوصف غير واضح الحجّيّة كما ذكرناه في الأُصول مفصّلا ، وقد حاول بعض الأصحاب (٥) الاستدلال بما نقلناه في حواشي التهذيب على حجّيته بتحقق الذمّ على المخالفة بتقدير الخطاب بما يقتضي الوصف لو أمر السيّد عبده بإعطاء العالم فأعطى الجاهل ، وذكرنا في جوابه ، هناك احتمال كون الذم لعدم الأمر بإعطاء الجاهل لا لمخالفة الأمر ، وأيّدناه بمفهوم اللقب ؛ إذ ليس بحجة عند القائل مع تحقّق الذم لو قال : أعط زيدا فأعطى عمرا ، وفصّلنا المقام هناك زيادة على هذا.

وقد مضى في الكتاب ذكر ما وقع للأصحاب في المطلق والمقيّد من الجمع مع التنافي مع القول بعدم حجّيّة مفهوم الوصف ، مع أنّ التنافي لا يتمّ بدونه.

__________________

(١) مشيخة التهذيب ( التهذيب ١٠ ) : ٧٣.

(٢) في ج ١ : ١١٤.

(٣) في « م » زيادة : وأمّا ثعلبة بن ميمون ، فهو وإن كان لا يقصر عنه محمّد بن قولويه إلاّ أن الظاهر زيادته على ابن قولويه في المدح ، وإن كان بعض مشايخنا جزم بصحّة الحديث عن ابن قولويه والحسن [ في ] حديث ثعلبة ، ولا يبعد التساوي.

(٤) بدل ما بين القوسين في « فض » : وأما.

(٥) كالشهيد في الذكرى : ٥ ، وحكاه عن البعض في معالم الأصول : ٨٢.

١٤٣

ويخطر في البال الآن إمكان الاحتجاج على حجّيّة مفهوم الوصف بما اشتهر من أنّ تعليق الحكم على الوصف يشعر بالعليّة ، ولا ريب أنّ انتفاء العلّة يقتضي انتفاء المعلول.

ويمكن الجواب : بأنّ الإشعار بالعليّة ليس بالصريح ، وبتقدير العلّة ليست تامّة ، وفيه ما فيه.

إذا عرفت هذا فالخبر السادس يدل مفهوم الشرط فيه على أنّ مقتضي سقوط السورة العجلة أو تخوّف (١) شي‌ء ، لكن العجلة والتخوّف لا يخلوان من إطلاق ، وأظنّ القائل بالضرورة لا يطلق كما مضى القول فيه ، والشيخ في الظاهر أنّه قائل بذلك لو كان في الاستبصار قوله يصلح للاعتماد ، ولا يبعد أن يكون قوله : « أو تخوّف » ترديدا من الراوي على سبيل الشكّ فيما قاله الإمام عليه‌السلام ، ولا أقلّ من الاحتمال.

أمّا الاستدلال على وجوب السورة بآية ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ ) ففيه : ما هو أظهر من أن يبيّن بعد ما سبق منّا ، والحاصل أنّ ما في الآية كما يحتمل الموصولة يحتمل النكرة الموصوفة ، فالعموم في الموصولة إنّما يصلح للاستدلال لو تعيّن ، وعلى ما قدّمناه من أنّ ظاهر بعض الأخبار ثبوت القراءة من السنّة ينفي دلالة الآية.

ومن عجيب ما وقع للعلاّمة في المختلف أنّه استدل بالآية ووجّه الاستدلال بها :

أوّلا : بأنّ الأمر للوجوب.

وثانيا : بأنّ لفظة « ما » للعموم ، لحسن الاستثناء الذي هو إخراج‌

__________________

(١) راجع ص ١٣٣.

١٤٤

ما يتناوله اللفظ كما في العدد.

وثالثا : بأنّ القراءة لا تجب في غير الصلاة (١).

ولا يخفى أنّه يتوجّه على الثاني أنّ انحصار « ما » في العموم بالنسبة إلى الآية غير ظاهر ، بعد احتمال النكرة الموصوفة ، وصحة الاستثناء إن كان المراد به في الآية فهو فرع إرادة العموم والحال أنّه أصل المدّعى ، وعلى تقدير وقوع الاستثناء يكون قرينة إرادة العموم ، لا أنّ كلّ ما وجد لفظ « ما » كان عامّا.

أمّا ما قد يقال عليه : من أنّ ظاهر الآية وجوب قراءة كل ما تيسّر ، فينبغي أن يقول : خرج ما فوق السورة بالإجماع ، ولا يكتفي بقوله : ولا تجب في غير الصلاة ؛ فيمكن الجواب عنه : بأنّ مراده لا يجب قراءة الحمد والسورة في غير الصلاة.

أمّا استدلاله في المختلف على وجوب السورة بأنّ وجوب التسمية بعد الحمد قبل السورة يستلزم وجوب السورة ، إشارة إلى ما مضى من رواية يحيى بن عمران الهمداني ؛ ففيه ما مضى مفصّلا.

واعتراضه في المختلف على الاستدلال بجواز اختصاص وجوب البسملة بمن قرأها لا مطلقا ، ثمّ جوابه بأنّ السورة إذا لم تكن واجبة لم تكن أبعاضها واجبة ؛ لأنّ علماءنا بين قائلين : أحدهما أوجب السورة ، والآخر لم يوجبها فلم يوجب أبعاضها ، فالفرق ثالث (٢).

فيه : أنّ الجواب لا يطابق السؤال ؛ لأنّ حاصله أنّ البسملة تجب على من قرأ السورة ، وهذا يحتمل أن يراد بالوجوب الحقيقة ويجوز أن يراد به‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ١٦١.

(٢) المختلف ٢ : ١٦٢.

١٤٥

الشرطيّة.

فإن كان المراد الأوّل احتمل أن يراد أنّ المصلّي مخيّر بين السورة وبعضها ، فإن اختار السورة وجبت البسملة ، وإن اختار البعض لا يجب ، والمورد كلامه يحتمل هذا ؛ لأنّه قال : يجوز اختصاص وجوب البسملة ، إلى آخره. وإرادة أنّ وجوبها مختصّ بالسورة لا مفردة غير بعيدة ، فلا يفيد قوله إحداث ثالث ، والجواب كما ترى يدل على أنّه فهم من السؤال جواز وجوب البسملة في بعض الأحوال فدفعه بأنّه إحداث ثالث.

وأمّا على تقدير الشرطيّة فالأمر واضح ، ولا يبعد توجيه السؤال والجواب ، إلاّ أنّ العبارة قاصرة.

وقد نقل عن الشيخ أنّه احتجّ برواية عليّ بن رئاب ومثلها رواية الحلبي (١) ، والروايتان مرويّتان في التهذيب (٢) ، وهنا كما ترى أحدهما.

ثم قال العلاّمة : إنّ أصحّ ما وصل إلينا في هذا الباب هذان الحديثان ، ولأنّ الأصل براءة الذمّة ، ولأنّ إجزاء بعض السورة يستلزم عدم وجوب السورة ، والملزوم ثابت ؛ لما رواه عمر بن يزيد في الصحيح ، وذكر الرواية الآتية ، ثم أجاب : بأنّ الخبر الأوّل محمول على الضرورة لما رواه عبيد الله الحلبي ، وذكر الرواية الأخيرة هنا ، ووجّه الاستدلال بها من جهة مفهوم الشرط بناء على أنّ الترديد من الإمام عليه‌السلام ، ثم قال : وأصالة براءة الذمة غير ثابتة مع العلم بشغلها بالتكليف ، فلا يسقط إلاّ مع العلم بنفيه ، وأجاب عن خبر عمر بن يزيد : بإرادة تكرار السورة في الركعتين (٣) ، كما سيأتي ذكره‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف ٢ : ١٦٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٧١ / ٢٥٩ ، ٢٦١.

(٣) المختلف ٢ : ١٦٣.

١٤٦

فيه إن شاء الله (١).

وفي نظري القاصر أنّ المقام محلّ تأمّل :

أمّا أوّلا : فما ذكره من الحمل على الضرورة فيه عدم الانضباط كما تقدم ، مع تصريحه في المنتهى بعدم الوجوب مع بعض الضرورات (٢).

وأمّا ثانيا : فلأنّ ما دلّ على التبعيض غير مخصوص بخبر عمر بن يزيد ، كما ستسمعه (٣).

وأمّا ثالثا : فلأنّ اشتغال الذمّة إن أُريد به بالصلاة كما هو الظاهر فيكون زوال الاشتغال بفعلها مع السورة منتفيا ، ففيه : أنّ اشتغال الذمّة بمطلق الصلاة يتحقّق بما علم من الشارع وجوبه ، وما لم يعلم يكفي في الامتثال تحقّق الوقوع كيف كان إذا وافق الأمر ولم يتحقّق النهي ، ولزوم توقّف العبادة على النقل مسلّم فيما ثبت ، لكن مع تعارض الأخبار إمّا يحمل على الاستحباب أو يترك العمل ، لكن الترك منفي بالإجماع ، فلم يبق إلاّ حال الضرورة للسقوط ، وعدمها للوجوب أو الاستحباب ، والأوّل له مرجوحيّة بما قدمناه.

ويقين البراءة اعتباره لو تمّ لم يعمل بالأدلّة الظنّية ، إلاّ أن يقال : في مواد الاختلاف يعتبر لا مطلقا.

وفيه : أنّ اليقين للبراءة إذا وجب لا يلتفت إلى الأدلة الظنيّة ، على أنّ اشتغال الذمّة بيقين بعد فعل الصلاة بغير سورة غير معلوم ، نعم قبل فعلها معلوم ، والمطلوب في الحالين.

__________________

(١) في ص ١٤٧.

(٢) المنتهى ١ : ٢٧٢.

(٣) في ص ١٥١.

١٤٧

اللهم إلاّ أنّ يقال : إن فعلها بدون السورة يزيل اليقين الحاصل لاشتغال الذمّة ولا يحصل يقين ببراءة الذمّة ، وبينهما فرق ، فليتأمّل.

قوله :

فأمّا ما رواه سعد ، عن أحمد بن محمّد ، عن العباس بن معروف ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الله بن مسكان ، عن الحسن بن السري ، عن عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يقرأ الرجل السورة الواحدة في الركعتين من الفريضة قال : « لا بأس إذا كانت أكثر من ثلاث آيات ».

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على أنّه يجوز له إعادتها في الركعة الثانية دون أن يبعّضها ، وذلك إذا لم يحسن غيرها ، فأمّا إذا أحسن غيرها فإنّه يكره له ذلك.

يدل على ذلك.

ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمّد ، عن موسى بن القاسم ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يقرأ سورة واحدة في الركعتين من الفريضة وهو يحسن غيرها ، فإن فعل فما عليه؟ فقال : « إذا أحسن غيرها فلا يفعل فإن لم يحسن غيرها فلا بأس ».

فأمّا ما رواه سعد ، عن محمّد بن عيسى ، عن ياسين الضرير ، عن حريز بن عبد الله ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سئل عن السورة يصلّي بها الرجل في الركعتين من الفريضة ، فقال : « نعم إذا كانت ست آيات قرأ بالنصف منها في الركعة الأولى والنصف الآخر‌

١٤٨

في الركعة الثانية ».

فهذا الخبر محمول على حال التقيّة دون حال الاختيار.

ويدل على ذلك :

ما رواه الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن إسماعيل بن الفضل قال : صلّى بنا أبو عبد الله أو أبو جعفر عليهما‌السلام فقرأ بفاتحة الكتاب وآخر سورة المائدة فلما سلّم التفت إلينا فقال : « أمّا إنّي أردت أن أعلّمكم ».

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد ، عن البرقي ، عن سعد بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل قرأ في ركعة الحمد ونصف سورة هل يجزؤه في الثانية أن لا يقرأ الحمد ويقرأ ما بقي من السورة؟ فقال : « يقرأ الحمد ثم يقرأ ما بقي من السورة ».

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على النوافل دون الفرائض.

يدلّ على ذلك :

ما رواه أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أخيه الحسين بن علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن تبعيض السورة ، فقال : « أكره ولا بأس به في النافلة ».

السند‌

في الأوّل : فيه الحسن بن السري ولم يتقدم الكلام فيه ، والموجود في الرجال الحسن بن السري الأنباري يعرف بالكاتب مذكور مهملا في رجال الصادق عليه‌السلام من كتاب الشيخ ، وفي رجال الباقر عليه‌السلام كذلك (١) ، وفي‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ١١٥ / ١٩ ، ١٦٦ / ١١.

١٤٩

الفهرست : الحسن بن السري الكاتب له كتاب ، وذكر أنّ الراوي عنه الحسن بن محبوب (١) ؛ وفي رجال الصادق عليه‌السلام من كتاب الشيخ الحسن ابن السري الكرخي مهملا (٢) ، وفي النجاشي على ما ذكره شيخنا ـ أيّده الله ـ في الكتاب بعد أنّ نقل عن الخلاصة ما هذا لفظة : الحسن بن السري الكاتب الكرخي ثقة ، وأخوه عليّ ، رويا عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، ثم قال ـ سلّمه الله ـ : وزاد النجاشي : له كتاب رواه عنه الحسن بن محبوب (٣).

وهذا كما ترى يدل على اتحاد الكاتب والكرخي ، ويؤيّد ما أسلفناه من أنّ الشيخ كثيرا مّا يذكر الرجل الواحد متعددا إذا رآه موصوفا بصفات مختلفة فليكن الحكم ملحوظا في مواضع ، وما ذكره الشيخ من وصف الأنباري ووصف الكرخي لا يخلو من نوع منافرة إلاّ أنّ الجمع ممكن.

ثم إنّ المنقول في كتاب شيخنا ـ أيّده الله ـ في عليّ بن السري ما هذه صورته : اعلم أنّي لم أجد في النجاشي عليّا هذا ولا توثيقه إلاّ مع أخيه ، والعبارة هكذا : الحسن بن السري الكاتب الكرخي وأخوه عليّ رويا عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وظاهر ابن داود : أنّ العبارة : ثقتان رويا ، إلى آخره. وهو الذي يقتضيه توثيقهما على ما في الخلاصة ورجال ابن داود. انتهى (٤).

ولا يخفى أنّ ظاهر العبارة في عليّ يقتضي إسقاط ثقة ولعلّها من النسخة ؛ لأنّ تتمّة الكلام تفيد ذلك.

__________________

(١) الفهرست : ٤٩ / ١٦٣.

(٢) رجال الشيخ : ١٦٨ / ٣٩.

(٣) منهج المقال : ٩٩ ، وهو في الخلاصة : ٤٢ / ٢٣ ، وفي رجال النجاشي : ٤٧ / ٩٧.

(٤) منهج المقال : ٢٣٣ ، وهو في الخلاصة : ٤٢ / ٢٣ ، ٩٦ / ٢٨ ، ورجال ابن داود : ٧٣ / ٤١٨ ، ١٣٨ / ١٠٥٢.

١٥٠

ومن العجب ما وقع للعلاّمة في الخلاصة أنّه قال : علي بن السري الكرخي روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام ثقة قاله النجاشي وابن عقدة ـ إلى أن قال ـ : وقال الكشي في موضع آخر : قال نصر بن الصباح : علي بن إسماعيل ثقة وهو علي بن السري فلقب إسماعيل بالسري ، ونصر بن الصباح ضعيف عندي لكن الاعتماد على تعديل النجاشي (١). انتهى.

وأنت خبير بعد ملاحظة الكشي بما وقع من التوهم في عبارته ، كما نبّه عليه شيخنا ـ أيّده الله ـ وتوثيق النجاشي كذلك ، فليتأمّل.

والثاني : لا ارتياب فيه.

والثالث : فيه ياسين الضرير وحاله في الرجال (٢) لا يزيد على الإهمال ، وأبو بصير تكرّر القول فيه (٣).

والرابع : لا ارتياب في رجاله بعد ما قدّمناه (٤) في أبان ، وإسماعيل بن الفضل ليس في الرجال غير الهاشمي الثقة (٥) ، فتعيّن كونه إيّاه على الظاهر ، واحتمال جهالته بعيد.

والخامس : فيه البرقي ، وهو على الظاهر محمّد بن خالد ، لرواية أحمد بن محمّد بن عيسى عنه في الرجال (٦) ، وفيه كلام مضى (٧) مفصّلا.

والسادس : واضح الرجال.

__________________

(١) الخلاصة : ٩٦ / ٢٨ ، وهو في رجال الكشي ٢ : ٨٦٠ / ١١١٩.

(٢) انظر الفهرست : ١٨٣ / ٧٩٥ ، رجال ابن داود : ٢٠١ / ١٦٨٩.

(٣) في ج ١ : ٧٣ ، ١٣٠.

(٤) في ج ١ : ١٨٣ ، ج ٢ : ١٧٧.

(٥) راجع رجال الشيخ : ١٤٧ / ٨٨ ، خلاصة العلاّمة : ٧ / ١.

(٦) راجع الفهرست : ١٤٨ / ٦٢٨.

(٧) في ج ١ : ٩٥.

١٥١

المتن :

في الأوّل : قال العلاّمة في المختلف فيه نحو ما قاله الشيخ فيه ، إلاّ أنّ العلاّمة بعد ذكر احتمال تكرار السورة الواحدة في الركعتين قال : إذ الأفضل قراءة إنّا أنزلناه في الركعة الاولى والتوحيد في الثانية ، فقال عليه‌السلام : لا بأس بالواحدة فيهما ؛ لما رواه علي بن جعفر ، وذكر الرواية الثانية (١) ، والشيخ كما ترى حملها على ما إذا لم يحسن غيرها ، فأمّا إذا أحسن غيرها فإنّه يكره ذلك.

ولا يخفى أنّ حمل الشيخ أولى من حمل العلاّمة ؛ لأنّ مقتضى الرواية نفي البأس إذا كانت السورة أكثر من ثلاث آيات ، وحينئذ لو أُريد نفي البأس بالنسبة إلى الأفضل كما ذكره العلاّمة ينبغي أن يكون الجواب من دون هذا الشرط ، إذ منطوقه أنّ تكرار السورة في الركعتين إذا كانت أكثر لا بأس به ، ولو كان المراد أنّ السورتين المذكورتين في كلام العلاّمة أفضل لكان ما عداهما لا بأس به.

واستدلال العلاّمة برواية علي بن جعفر لا يطابق مطلوبه ، وقد يمكن التسديد بتكلّف ، وحمل الشيخ كما ترى يوافقه رواية علي بن جعفر.

وما قد يقال : إنّ النهي في قوله عليه‌السلام في رواية علي بن جعفر : « فلا يفعل » حقيقة في التحريم ، فالحمل على الكراهة مشكل ، يمكن الجواب عنه : بعدم معلوميّة القائل بالتحريم.

أمّا ما تضمّنته الرواية الاولى من قوله عليه‌السلام : « إذا كانت أكثر من ثلاث‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ١٦٣.

١٥٢

آيات » فقد قيل (١) : إنّه بظاهره يقتضي خروج البسملة من السورة ؛ إذ ليس في السور ما يكون مع البسملة ثلاث آيات ، فإنّ أقصر سورة سورة الكوثر ، وهي مع البسملة أربع ، والإجماع انعقد على أنّها جزء من كل سورة.

وفي كلام بعض محققي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ : لعلّ المراد بالسورة ما عدا البسملة من قبيل تسمية الجزء باسم الكل (٢). انتهى.

وقد يقال : إنّ دلالة الخبر على وجود سورة ثلاث آيات إنّما هو بالمفهوم ، ودلالة المفهوم قد تترك للامتناع ، كما قرّروه في قوله تعالى : ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ) (٣).

ويجوز أن تكون فائدة ذكر الثلاث آيات للتنبيه على أنّ تكرار جميع السور جائز ، لكن العبارة غامضة في الغاية.

ولشيخنا الشهيد في الذكرى كلام حاصله : أنّ الحديث لو كان واردا في تكرير السورة في الركعتين لم يكن للتقييد بزيادتها على الثلاث فائدة (٤).

وهذا لا يخلو من وجه ، بل لا يبعد ظهور الخبر في التبعيض من حيث دلالة رواية أبي بصير الآتية (٥) على تقسيم الستّ آيات صريحا ، وهذا ظاهرا. ورواية علي بن جعفر لا تأبى ذلك.

وأمّا خبر إسماعيل بن الفضل ففي دلالته على التقيّة كما ذكر الشيخ‌

__________________

(١) الحبل المتين : ٢٢٥.

(٢) الحبل المتين : ٢٢٥.

(٣) النور : ٣٣.

(٤) الذكرى : ١٨٦.

(٥) ولكنّها لا يأتي شرحها فيما بعد.

١٥٣

تأمّل ؛ لاحتمال أن يكون عليه‌السلام أراد تعليمهم الجواز ، واحتمال الإعلام بحضور من يتّقى يشكل بأنّ الظاهر عدم حصول الفائدة ، إلاّ أن يقال : بأنّ عدم حصولها لا يضرّ بالحال.

وما ذكره الشيخ في توجيه خبر سعد بن سعد في غاية البعد ، والرواية المستدل بها على الحمل ظاهرة في الكراهة بالنسبة إلى الفريضة ، إلاّ أن تحمل الكراهة على التحريم ، وللشيخ في هذا اضطراب كما يعرفه من اطّلع على كتابيه.

وذكر العلاّمة في موضع من المختلف ـ لكن لم يحضرني الآن ـ : أنّ الكراهة قد يراد بها المعنى الأُصولي وقد يراد بها معنى يتناول التحريم (١). لكن الظاهر من الخبر الكراهة الأُصوليّة.

بقي في المقام شي‌ء وهو أنّ الشيخ كما ترى جعل تكرار السورة الواحدة مكروها مع إحسان غيرها ، وخبر حمّاد المشهور اقتضى أنّه عليه‌السلام قرأ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ، في الركعتين (٢) ، والظاهر من الخبر أنّه عليه‌السلام أراد بيان الصلاة الكاملة ، فلا بدّ أن يقال باستثناء سورة الإخلاص من التكرار المكروه ، فما ذكره العلاّمة : من أفضليّة إنّا أنزلناه في الاولى والإخلاص في الثانية (٣). محلّ تأمّل ، وإن كان في الأخبار ما يقتضيه ، إلاّ أنّ خبر حمّاد أسلم سندا فيما أظن ، وما قد يقال : إنّ ظاهر خبر حمّاد في النافلة فيختص بها ، فيه ما لا يخفى.

__________________

(١) المختلف ٢ : ٩٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٨١ / ٣٠١ ، الوسائل ٥ : ٤٥٩ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٣) المختلف ٢ : ١٦٣.

١٥٤

قوله :

باب القران بين السورتين في الفريضة.

أخبرني الشيخ رحمه‌الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن الهروي (١) ، عن أبان ، عن عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقرأ سورتين في ركعة؟ قال : « نعم » قلت : أليس يقال : أعط كل سورة حقّها من الركوع والسجود؟! فقال : « ذلك في الفريضة فأمّا في النافلة فليس به بأس ».

محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمّد بن الحسين ، عن صفوان ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : « إنّما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة فأمّا النافلة فلا بأس ».

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أخيه الحسين ، عن علي بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن القران بين السورتين في المكتوبة والنافلة ، فقال : « لا بأس ».

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على ضرب من الرخصة ، وإن كان الأفضل ما قدّمناه ؛ لأنّ القران بين السورتين ليس ممّا يفسد الصلاة وقد جاءت الروايات صريحة بالكراهيّة.

السند‌

في الأوّل : فيه الهروي على ما وجدته من نسخه الآن ، وفي التهذيب القروي (٢) في نسخة معتبرة ، وفي الرجال : عبد السلام بن صالح‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣١٦ / ١١٧٩ والتهذيب ٢ : ٧٠ / ٢٥٧ : القروي.

(٢) التهذيب ٢ : ٧٠ / ٢٥٧.

١٥٥

الهروي من أصحاب الرضا عليه‌السلام (١) ، وله مناسبة ؛ لرواية الحسين بن سعيد عنه ، وعبد السلام المذكور قال العلاّمة في الخلاصة : إنّه ثقة صحيح الحديث (٢) ؛ وفي فوائد جدّي قدس‌سره عليها : هذا لفظ النجاشي تبعه عليه المصنف (٣).

ثم حكى قدس‌سره عن الشيخ أنّه ذكر في كتابه أنّه عاميّ ، وتبعه على ذلك المصنّف ـ يعني العلاّمة ـ في باب الكنى بعبارة يظهر منها أنّ العامي غير هذا ، ثم قال قدس‌سره والظاهر أنّهما واحد ثقة عند المخالف والمؤالف. انتهى.

ولم نجد (٤) ما ذكره قدس‌سره في كتاب الشيخ ، والظاهر أنّ النقل من كتاب ابن طاوس ، وفيه أوهام كثيرة.

ولبعض فضلاء المتأخّرين كلام في المقام ، حاصله : أنّ التصريح بكونه صحيح الحديث يقتضي الجزم بكونه إماميّا ؛ لأنّ الصحيح ما يرويه العدل الإمامي.

ولا يخفى دفع هذا بأنّ تعريف الصحيح المذكور اصطلاح للمتأخّرين ، والمتقدّمون على خلاف هذا ، وقد مضى القول في ذلك مفصّلا.

أمّا ما قد يقال : إنّ الصدوق روى في كتاب كمال الدين رواية ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد السلام بن صالح الهروي (٥) ، وهذا يدل‌

__________________

(١) انظر رجال الكشي ٢ : ٨٧٢ ، رجال الطوسي : ٣٨٠ / ١٤ ، رجال النجاشي : ٢٤٥ / ٦٤٣.

(٢) رجال العلاّمة : ١١٧ / ٢.

(٣) فوائد الشهيد على الخلاصة : ١٩.

(٤) موجود في المطبوع من كتاب الشيخ في أصحاب الرضا عليه‌السلام : ٣٨٠ / ١٤ و ٣٩٦ / ٥.

(٥) حكاه في الوسائل ٤ : ٩٨ أبواب أعداد الفرائض ب ٣٠ ح ٤ عن عيون أخبار الرضا عليه‌السلام.

١٥٦

على أنّ المذكور هنا ليس في هذه المرتبة.

فالجواب عنه واضح ؛ لأنّ إبراهيم بن هاشم مذكور في أصحاب الرضا عليه‌السلام ، وما وقع في النجاشي بعد حكايته عن الكشي القول بأنّه من أصحاب الرضا عليه‌السلام من قوله : وفيه نظر (١). قد ذكرنا وجهه في كتاب معاهد التنبيه : من احتمال كون النظر لا من جهة أنّه من أصحاب الرضا عليه‌السلام ، بل لكونه تلميذ يونس بن عبد الرحمن ؛ فإنّ الكشي ذكر أنّه تلميذ يونس بن عبد الرحمن من أصحاب الرضا عليه‌السلام ، وإن كان الحق أنّ احتمال كون النظر ليس من جهة يونس ، لا يخلو من وجه ؛ لما ذكره النجاشي في ترجمة محمّد بن علي بن إبراهيم الهمداني : أنّ إبراهيم بن هاشم يروي عن إبراهيم بن محمّد الهمداني عن الرضا عليه‌السلام (٢). وإن كان احتمال الرواية بواسطة تارة وبعدمها أُخرى في حيّز الإمكان ، إلاّ أنّ ظاهر عبارة النجاشي خلاف هذا في الترجمة المذكورة.

وعلى تقدير الاعتماد على هذا فالتصريح بأنّ عبد السلام من أصحاب الرضا عليه‌السلام لا يمنع من رواية إبراهيم بن هاشم عنه وإن لم يكن من أصحاب الرضا عليه‌السلام ، فليتأمّل.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الرواية المنقولة عن كمال الدين تضمنت إيمان عبد السلام ، إلاّ أنّ الشهادة منه لنفسه ؛ لأنّ فيها قال : ـ أعني عبد السلام ـ : دخلت إلى باب الدار التي حبس فيها أبو الحسن عليه‌السلام ـ إلى أن قال ـ : فدخلت إليه ، وحكى كلاما ، ثم قال : قال لي : « يا عبد السلام أمنكر أنت لما أوجب الله عزّ وجلّ لنا من الولاية كما ينكره غيرك؟ » قلت : معاذ‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٦ / ١٨.

(٢) رجال النجاشي : ٣٤٤ / ٩٢٨.

١٥٧

الله بل أنا مقرّ بولايتكم (١). انتهى.

وربّما يقال : إنّ الخبر وإن كان ( فيه ما فيه ) (٢) ، إلاّ أنّ اعترافه بما ذكر كاف في إيمانه ، والطريق إليه حسن ، فما ذكره جدّي قدس‌سره نقلا عن الشيخ من كونه عاميّا (٣) ربّما يندفع بهذا ، فليتأمّل ، هذا.

وينبغي أن يعلم أنّي وقفت بعد ما ذكرته على رواية من الشيخ في باب صلاة العيدين وفيها تصريح برواية الحسين بن سعيد عن أحمد بن عبد الله القروي عن أبان (٤) ، وحينئذ يتعيّن أن يكون الموجود هنا هو القروي ، ونسخة الهروي تصحيف ، والمذكور فيما يأتي مجهول الحال ، لأنّي لم أقف عليه في الرجال.

والثاني : فيه عبد الله بن بكير ، وقد مضى القول فيه مفصّلا (٥).

والثالث : لا ارتياب فيه كما لا يخفى.

المتن :

في الأوّل : لا يخفى دلالة صدره على أنّ القران بين السورتين جائز على الإطلاق ، إلاّ أنّ قول السائل : قلت : أليس يقال ، محتمل لأن يكون مراده أنّ إطلاق الجواب بالجواز يقتضي نوع منافرة للأمر بإعطاء كل سورة حقها على سبيل الاستحباب ، كما يحتمل أن يكون على سبيل الوجوب ،

__________________

(١) لم نعثر عليها في كمال الدين ، ولكنّها موجودة في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٨٢ / ٦ ، الوسائل ٤ : ٩٨ أبواب أعداد الفرائض ب ٣٠ ح ٤ ، بتفاوت يسير.

(٢) بدل ما بين القوسين في « م » : منه.

(٣) راجع ص : ١٥٦.

(٤) التهذيب ٣ : ١٣٢ / ٢٨٨.

(٥) في ج ١ : ١٢٥.

١٥٨

وعلى التقديرين قد يشكل الإطلاق في الجواب أوّلا ، كما يشكل الجواب بقوله عليه‌السلام : « ذاك في الفريضة » لأنّ إطلاق التجويز في الجواب الأوّل ملائمته للتفصيل خفيّة.

ولا يبعد أن يكون السائل فهم الإطلاق ثم سأل عن وجه الجمع بين الجواز وبين ذاك الدال على الرجحان ، فأزاح عليه‌السلام الريبة بالفرق بين الفرض والنفل ، ولعلّه عليه‌السلام لمّا علم أنّ السائل يستفصل عن الأمرين أجمل في الأوّل ، وعلى كل حال فذكر الشيخ الرواية في الأوّل مع ظاهر دلالتها على وجوب إعطاء كل سورة حقّها الدال على تحريم القران ، مع ادّعائه دلالة الثانية على الكراهة ، لا يخلو من تأمّل ؛ لأنّ الكراهة في الأخبار تستعمل بمعنى التحريم بكثرة.

وعلى تقدير دلالة الخبر الأوّل على التحريم يحمل الثاني عليه ، بجواز استعمال الكراهة فيه ، ولو كان الأوّل صريحا في عدم التحريم أمكن أن يقال : إنّ الكراهة مشتركة في الأخبار بين التحريم والكراهة ، ومع الاشتراك لا ينافي الخبر الأوّل الدال على الجواز (١) ، إلاّ أن يقال : إنّ الخبر الأوّل في حيّز الإجمال بسبب ما قدّمناه من الاحتمال ، فيبقى الخبر الثاني صالحا للكراهة ، لا أنّه صريح كما قاله الشيخ ، فإنّ الصراحة ينافيها استعمال الكراهة في التحريم ، وبالجملة فالمقام واسع البحث ، وقد ذكرت في حاشية التهذيب ما لا بدّ منه أيضا.

غير أنه ينبغي أن يعلم أنّ الشيخ في زيادات التهذيب روى الثالث بزيادة بعد قوله : « لا بأس » وهي : وعن تبعيض السورة ، قال : « أكره‌

__________________

(١) في « رض » : عدم الجواز.

١٥٩

ولا بأس به في النافلة » وعن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أيقرأ فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به؟ قال : « إن قرأت فلا بأس وإن سكتّ فلا بأس » (١).

والشيخ رحمه‌الله في التهذيب قال بعد الرواية : قوله : لا بأس بالقران بين السورتين في المكتوبة ، محمول على أنّه إذا كان إحدى السورتين الحمد ، وليس في الظاهر أنّه لا بأس بقراءتهما بعد الحمد (٢).

وهذا الكلام من الشيخ رحمه‌الله غريب وقد حمل الخبر هنا كما ترى على الرخصة وأنّ الأفضل عدم القران ، وأنت خبير بدلالة الكلام على أنّ في الرواية الاولى لا بدّ من التوجيه السابق ، ولولاه لكانت الرواية في غاية الإجمال ، وقد ذكرت في كتاب معاهد التنبيه ما يتوجه في المقام بعد الزيادة التي في التهذيب.

والحاصل أنّ الشيخ يظهر منه عدم القول بجواز التبعيض في الفرض ، بل يظهر من بعض الأصحاب نفي القول به (٣) ، وحينئذ فما تضمنته الرواية من الزيادة في جواب السؤال عن التبعيض من قوله عليه‌السلام : « أكره » لا بدّ من حمله على التحريم ، وإذا حمل عليه يستبعد حمل الكراهة في أوّله على غير التحريم ، فقول الشيخ هنا : إنّ الروايات جاءت صريحة بالكراهة ، لا يخلو من تأمّل ، إلاّ أنّ الأمر ربّما يسهل على تقدير عدم تحقّق الإجماع على نفي التبعيض ، وبتقدير الثبوت ربّما يقال : إنّه لا مانع من استعمال الكراهة في خبر واحد تارة بمعنى التحريم للمعارض ، وتارة لغيره ، إلاّ أنّ‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩٦ / ١١٩٢ ، الوسائل ٨ : ٣٥٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩٦.

(٣) كما في مجمع الفائدة ٢ : ٢٠٦.

١٦٠