إستقصاء الإعتبار - ج ٥

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-177
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٣٩٣

وفي التهذيب ، إلاّ أنّه يمكن استفادته من الفهرست ، لأنّه قال في ترجمة حريز : أخبرنا بجميع كتبه وبرواياته ، وذكر طرقا ، منها : عن عدّة من أصحابنا ، عن محمّد بن عليّ بن الحسين ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر ومحمّد بن يحيى وأحمد بن إدريس ، كلّهم عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد وعليّ بن حديد وعبد الرحمن بن أبي نجران ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز (١) ، وهذا الطريق ليس فيه ارتياب إلاّ من جهة العدّة.

والذي يظهر من الشيخ في ترجمة محمّد بن عليّ بن الحسين أنّ في العدّة إليه الشيخ المفيد (٢) ، وقد قدّمنا أنّه لا يبعد استفادة الطريق من الفهرست في مثل هذا من قوله : بجميع كتبه وبرواياته.

وما قد يقال : من الفرق بين قوله : بجميع كتبه وبرواياته ، وبين قوله : ورواياته ، فإنّ الثاني يدل على جميع رواياته ، والأوّل على أنّه أخبرنا برواياته في الجملة.

يمكن الجواب عنه : بأنّ الجمع المضاف في مثله يفيد العموم ، والعدول إلى العبارة المذكورة ربّما يكون لغرض آخر لا لما ذكر.

وما قد يقال : إنّه ذكر في الفهرست طرقا لجميع كتبه والروايات ، أحدها ما ذكر ، والبواقي محل كلام في الصّحة ، والعلم بأنّ كلّ واحد من الطرق لجميع الكتب والروايات غير معلوم ، لجواز أن يكون البعض المذكور لبعض الروايات ، ولم يعلم أنّ هذه الرواية منها.

يمكن الجواب عنه : بأنّ الظاهر من مثل هذه العبارة إرادة أنّ الطرق‌

__________________

(١) الفهرست : ٦٢ / ٢٣٩.

(٢) الفهرست : ١٥٦ / ٦٩٥ ، رجال الطوسي : ٤٩٥ / ٢٥.

١٢١

لجميع الكتب والروايات متحدة ، لكن مجال القول واسع ولم أر الآن من كشف حقيقة الحال هنا.

وما ذكره بعض محقّقي المتأخّرين رحمه‌الله في ردّ الرواية بأنّ الشيخ لم يذكر طريقه في المشيخة إلى حريز (١).

فيه : أنّ الاقتصار على ذلك محلّ تأمّل ، بل ينبغي التنبيه على ما ذكرناه لأنّه مهمّ ، أمّا توقّفه في حريز فقد مضى منّا (٢) فيه الكلام ، وفي الفقيه طريقه صحيح إلى حريز (٣).

والثاني : لا ارتياب فيه.

المتن :

في الأوّل : كما ترى يدل على أنّ من جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه متعمّدا نقض صلاته وعليه الإعادة ، ولفظ : لا ينبغي ، من كلام السائل وإن كان لا يفيد شيئا على الإطلاق لكن التقرير هنا ربّما يدّعى إفادته ، لولا أنّ قوله عليه‌السلام : « وعليه الإعادة » ظاهر في وجوب الجهر والإخفات ؛ ولو لا إمكان أن يقال : إنّ الإعادة على الاستحباب لا مانع منها للمعارض ، لأمكن أن يقال : إنّ الظاهر فيما لا ينبغي يؤيّد الاستحباب ، والحق أنّ « لا ينبغي » لا صراحة فيها في الاستحباب على ما يظهر من كثير من الأخبار ، وعلى كلّ حال فالخبر بعد قوله : « وعليه الإعادة » غير محتاج إلى بيان أنّ « نقص » فيه بالصاد المهملة أو المعجمة كما‌

__________________

(١) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢٢٦.

(٢) في ج ١ : ٥٦.

(٣) مشيخة الفقيه ( الفقيه ٤ ) : ٩.

١٢٢

وقع لبعض (١).

أمّا ما يقتضيه من الإجمال فيما يجهر فيه وما يخفى فظاهر ، والفائدة تظهر في ظهر الجمعة ؛ إذ لم يعلم أنّها ممّا يجهر فيه أو يخفى ، فالاستدلال من العلاّمة (٢) وغيره (٣) على عدم الجهر فيها بالخبر محل تأمّل ذكرناه في كتاب معاهد التنبيه ، وسيأتي إن شاء الله في هذا الكتاب.

وما تضمّنه من حكم الساهي والناسي والجاهل واضح ، لكن الموجود في كلام المتأخّرين عذر الجاهل ، ولا أدري الوجه في تخصيصه ، كما أنّ في كلام بعض محقّقي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ تخصيص جاهل الحكم كذلك (٤) ، ولا يخفى تناوله للناسي ومن معه ، سواء ذكر قبل الركوع أو بعده وسواء كان في أثناء القراءة أو في آخرها إلاّ على احتمال ذكرناه في حواشي الروضة ، وهو أنّ ظاهر السؤال عمّن وقع منه ذلك فيفيد فوات المحل ، وفيه ما لا يخفى.

وقد روى الشيخ في التهذيب ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن حديد وعبد الرحمن بن أبي نجران ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه وأخفى فيما لا ينبغي الإخفات فيه ، وترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه ، أو قرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه فقال :

__________________

(١) وهو الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢٢٧.

(٢) التذكرة ٣ : ١٥١ ، مختلف الشيعة ٢ : ١٧٠ ، المنتهى ٥ : ٨٦.

(٣) كالمحقّق في المعتبر ٢ : ١٧٦ ، و ٣٠٤.

(٤) البهائي في الحبل المتين : ٢٢٩.

١٢٣

« أيّ ذلك فعل ناسيا أو ساهيا فلا شي‌ء عليه » (١).

وهذا الحديث يدل بظاهره أنّه لا شي‌ء على من فعل ما ذكر مع النسيان والسهو ، ومفهومه أنّ عليه شيئا لو (٢) انتفى السهو والنسيان ، والشي‌ء مجمل ، إلاّ أنّه يمكن استفادة بيانه من الخبر المبحوث عنه وهو الإعادة ، غير أنّ في الخبر المبحوث عنه زيادة الجهل ، والخبر الأخير ترك فيه ، والظاهر منه الدخول في جملة من عليه شي‌ء.

ويمكن أن يقال : إنّه لا مانع من استفادة حكمه من الخبر المبحوث عنه وان بيّن الخبر الآخر من جهة الإجمال إلاّ أنّه يبقى من جهة ما تضمنه الخبر الآخر من ترك القراءة وفعلها لا يخلو من إشكال ؛ لأنّ الإعادة للصلاة لو علمت من الخبر المبحوث عنه في الجهر والإخفات في حقّ الجاهل يلزم منه أنّ الإعادة في تارك القراءة وفاعلها فيما ذكر في الرواية مسكوت عنها.

ولو نظرنا إلى المفهوم ، ثبوت (٣) شي‌ء على الإطلاق ، فإذا حمل في حق الجاهل في الجهر والإخفات على أنّه لا شي‌ء عليه ، يبقى إطلاق الشي‌ء على تارك القراءة وفاعلها مجملا ، فيمكن أن يحمل على سجود السهو إذا قيل به لكلّ زيادة ونقيصة ، لكن دليل هذا غير سليم كما ستعلمه (٤) ، فيمكن أن يخصّ هذا ، وفيه ما فيه من عدم القائل فيما أعلم بوجوب سجود السهو في الفرض المذكور ، فليتأمّل.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤٧ / ٥٧٧ ، الوسائل ٦ : ٨٦ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ٢.

(٢) في « رض » : إن.

(٣) في « ض » و « م » : بثبوت.

(٤) انظر ج ٦ : ٩٢.

١٢٤

وقد عرفت من ذكر السند أنّ الخبر المبحوث عنه صحيح في الفقيه ، لأنّه رواه عن حريز عن زرارة ، وطريقه إلى حريز صحيح ، وفي المتن زيادة عما هنا بعد قوله : « تمّت صلاته » : فقال : قلت له : رجل نسي القراءة في الأوّلتين فذكرها في الأخيرتين ، فقال : « يقضي القراءة والتسبيح والتكبير الذي فاته في الأوّلتين ولا شي‌ء عليه » (١) وهذه الزيادة في المعروف من الأصحاب المتأخّرين عدم القول بها ، وظاهر الصدوق العمل بالمضمون ، غير أنه لا يخلو من إجمال ، لأنّ قوله : « يقضي » إلى قوله : « في الأوّلتين » يحتمل تعلّق في الأوّلتين ، بيقضي ويحتمل التعلّق بفاته ، وعلى التقدير الأوّل محل القضاء غير معلوم ، وكذا على الثاني.

واحتمال أن يراد القضاء بعد الصلاة لما فاته في الأوّلتين ممّا ذكر ممكن ، واحتمال الاستحباب في القضاء في حيّز الإمكان ، لظاهر عدم القول بين المتأخّرين بالوجوب ، فيمكن الاستعانة به على أنّ باقي الأحكام من الإعادة على الاستحباب ؛ والأمر لا يخلو من إشكال.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ المنقول عن الشيخ دعوى الإجماع في الخلاف على وجوب الجهر في الصبح وأوّلتي المغرب والعشاء ، والإخفات فيما عداها (٢) ؛ والعلاّمة في المختلف قال : إنّه المشهور بين علمائنا ، ونقل عن ابن الجنيد القول بجواز العكس ويستحب أن لا يفعله ، وهو قول السيد المرتضى في المصباح ؛ ثم استدل العلاّمة بخبر زرارة واصفا له بالصحة ، وبالاحتياط ، ونقل احتجاج ابن الجنيد بالأصل والخبر الثاني ، وأجاب أنّ الأصل متروك مع الدليل الذي ذكره ، والرواية محمولة على الجهر العالي ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٧ / ١٠٠٣ ، الوسائل ٦ : ٩٤ أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٠ ح ٦.

(٢) حكاه عنه في الحبل المتين : ٢٢٩.

١٢٥

ثم نقل حمل الشيخ المذكور هنا (١).

وفي المعتبر اعترض المحقّق على الحمل المذكور للشيخ بأنّه تحكّم فإنّ بعض الأصحاب لا يرى وجوب الجهر (٢).

وفي نظري القاصر أنّ كلام العلاّمة والمحقّق محل تأمّل :

أمّا الأوّل : فلأنّ الرواية الاولى مع وجود المعارض لا يبقى دلالتها على الوجوب صريحة ؛ لاحتمال حمل الإعادة على الاستحباب ، والحمل على التقيّة يحتاج إلى المرجّح ، مع احتمال غيره وموافقة الخبر للأصل المؤيّد كما سبق عن الشيخ في أوّل الكتاب ، فقول العلاّمة بأنّ الأصل متروك ، فيه : أنّ الترك مع تعارض الأخبار لا وجه له ، وحمل الرواية الثانية على الجهر العالي لا وجه يقتضيه مرجّحا ، واحتمال الاستحباب قائم.

وأمّا الثاني : فلأنّ القول بعدم وجوب الجهر لا يضرّ بحال الاستدلال ، ولا يقوّي التحكم ؛ إذ الحكم وإن لم يكن إجماعيّا لا بدّ للجمع بين الأخبار من وجه ، ولمّا كان ظاهر الخبر الأوّل الإعادة ظنّ الشيخ عدم موافقة غير الحمل على التقيّة في الثاني ، وإن كان الحق إمكان الحمل على الاستحباب في الإعادة ، فإن كان غرض المحقّق بالتحكّم الإشارة إلى أنّ ترجيح التقيّة لا بدّ له من مرجّح ، أمكن توجيهه ، إلاّ أنّ ذكر القائل لا وجه له إلاّ بتكلّف مستغنى عنه.

ومن العجيب في المقام دعوى الشيخ الإجماع مع خلاف السيد ، وله نظائر.

وقد ذكر بعض محقّقي المتأخّرين رحمه‌الله عن الكافي رواية رواها سماعة‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ١٧٠ ، وهو في الخلاف ١ : ٣٣٢.

(٢) المعتبر ٢ : ١٧٧.

١٢٦

قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) (١) قال : « المخافتة ما دون سمعك ، والجهر أن ترفع صوتك شديدا » (٢).

وفي مجمع البيان نقل الطبرسي وجوها في تفسير الآية :

منها : النهي عن إشاعة الصلاة عند من يؤذيك ، ولا تخافت عند من يلتمسها.

ومنها : أن لا تجهر جهرا يشتغل به من يصلّي قربك ، ولا تخافت حتى لا تسمع نفسك.

قال الطبرسي رحمه‌الله : وقريب منه ما رواه أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « الجهر رفع الصوت شديدا ، والمخافتة ما لم تسمع إذنك ، واقرأ قراءة وسطا ( وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) أي بين الجهر والمخافتة ». انتهى (٣). ولم أقف الآن على الرواية التي ذكرها.

وفي الفقيه : واجهر بجميع القراءة في المغرب وعشاء الآخرة والغداة من غير أن تجهد نفسك أو ترفع صوتك شديدا ، وليكن ذلك وسطا ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ يقول ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) (٤) وظاهر كلامه الجزم بتفسير الآية فيما ذكره.

ومن هنا يعلم أنّ ما ذكره بعض محقّقي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ من أنّه ربّما يستدل على عدم وجوب شي‌ء من الجهر والإخفات بعينه في شي‌ء‌

__________________

(١) الإسراء : ١١٠.

(٢) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢٢٤ وهي في الكافي ٣ : ٣١٥ / ٢١ ، الوسائل ٦ : ٩٦ أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٣ ح ٢.

(٣) مجمع البيان ٣ : ٤٤٦.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٢.

١٢٧

من الصلاة بقوله تعالى ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ ) الآية (١).

ويجاب بجواز أن يكون المراد ـ والله أعلم ـ جهرا أو إخفاتا زائدين على ما هو المعتاد ، ولعلّ المراد عدم الجهر في الكل والإخفات في الكلّ ، والله أعلم بمراده (٢).

محلّ تأمّل ؛ لأنّ كلام الصدوق يعطي الجزم بالتفسير ، ومن المستبعد كونه منه مجرّد الاحتمال ، ولو نظرنا إلى ظاهر الآية أمكن أن يقال : إنّ مدلولها ما ذكره الصدوق.

وعلى كل تقدير : في الآية نوع منافرة للقول بوجوب الجهر والإخفات ؛ لأنّ القائلين بالوجوب غير مانعين من الزائد عن المعتاد مع تحقّق الجهر والإخفات فيما نقل عن الأصحاب ، إلاّ أن يقال بأنّ مراد الأصحاب الجهر والإخفات المعتادان ، فليتأمّل.

وإذا تمهّد هذا فالثاني كما ترى يحتمل أن يراد بما يجهر فيه ما جعله الشارع جهريّا ، والسؤال حينئذ عن جواز ترك أصل الجهر وعدمه ، ويحتمل أن يكون السؤال عن زيادة الجهر ، فكأنّ العلاّمة في المختلف فهم الاحتمال الثاني فأجاب بما تقدم (٣). والآية تنفي جواز الجهر العالي ، ولعلّ المراد بالعالي ما لم يخرج عن المعتاد ، وعلى تقدير ما احتملناه أوّلا لا يبقى لجوابه وجه من دون بيان الرجحان.

ثم إنّ الحمل على التقيّة في كلام الشيخ غير خفي أنّ المراد به التقيّة في قوله عليه‌السلام : « إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر » فلا يتوجه : أنّ فعل الجهر‌

__________________

(١) الإسراء : ١١٠.

(٢) الحبل المتين : ٢٢٩.

(٣) في ج ١ : ١٢٦.

١٢٨

إذا جاز عندهم تخييرا ، جاز الأمر به منه عليه‌السلام لأنّه أحد الفردين ؛ لإمكان أن يظنّ تعيّنه فيحصل (١) خوف الضرر.

بقي في المقام شي‌ء ، وهو أنّ العلاّمة في المنتهى قال : أقلّ الجهر الواجب أنّ يسمع غيره القريب أو يكون بحيث يسمع لو كان سامعا بلا خلاف بين علمائنا ، والإخفات أن يسمع نفسه أو بحيث يسمع لو كان سامعا ، وهو وفاق (٢).

وفي كلام بعض الأصحاب أنّه لا بُدّ من انضمام العرف بأن يسمّى فيه الجهر والإخفات ؛ وقيل : لا بدّ من ظهور جوهر الحروف وعدمه لتحقّق التباين الكلي (٣).

وفي الأخبار المعتبرة ما يقتضي الاكتفاء بسماع الهمهمة كما ذكرناه في حواشي التهذيب ، وسيأتي إن شاء الله بعض الأخبار في الباب الآتي (٤) في إسماع الرجل نفسه.

وما ذكره جدّي قدس‌سره في الروضة : من أنّ الحق أنّ الجهر والإخفات كيفيّتان متضادّتان. وأقلّ الجهر أن يسمعه من قرب منه صحيحا مع اشتمالها على الصوت الموجب لتسميته جهرا عرفا ، وأكثره أن لا يبلغ العلوّ المفرط ، وأقلّ السرّ أنّ يسمع نفسه خاصة صحيحا أو تقديرا ، وأكثره أن لا يبلغ أقلّ الجهر (٥).

ففيه تأمّل ؛ لأنّ اعتبار الجهر عرفا يقتضي أنّ السرّ وإن بلغ أقلّ الجهر‌

__________________

(١) في « م » : فيحتمل.

(٢) المنتهى ١ : ٢٧٧.

(٣) مجمع الفائدة ٢ : ٢٢٦.

(٤) في ص ١٨٠.

(٥) الروضة البهية ١ : ٢٦٠.

١٢٩

لا يضرّ بالحال إذا لم يحصل وصف الجهر ، نعم لو لم يعتبر ما ذكر أمكن ما قاله ، ولعلّ الأمر سهل.

قوله :

باب الجهر في النوافل بالنهار‌

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أبيه ، عن محمّد بن عليّ بن محبوب ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « السنّة في صلاة النهار بالإخفات (١) والسنّة في صلاة الليل بالإجهار ».

فأمّا ما رواه محمّد بن عليّ بن محبوب ، عن عليّ بن السندي ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل هل يجهر بقراءته من التطوع بالنهار؟ قال : « نعم ».

فالوجه في الجمع بينهما أن نحمل الرواية الأُولى على الفضل والندب دون الفرض والوجوب ، والرواية الأُخرى على الجواز ورفع الحظر.

السند‌

في الأوّل : فيه ـ مع الإرسال ـ الحسن بن عليّ بن فضّال ، وقد قدّمنا القول فيه بأنّه فطحيّ ثقة.

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣١٣ / ١١٦٥ : بالإخفاء.

١٣٠

والثاني : فيه عليّ بن السندي ، وقد مضى عن قريب (١) ، وعثمان بن عيسى كرّرنا القول فيه (٢).

المتن :

في الأوّل : كما ترى ظاهر في إطلاق صلاة النهار والليل المتناول للنوافل والفرائض ، إلاّ أنّ الصبح يحتاج إلى تخصيص ، إلاّ أن يقال : إنّها من صلاة الليل. وفيه ما فيه ؛ لكن الشيخ على ما يقتضيه العنوان حمله على النوافل ، ولعلّ الوجه فيه ما قلناه ، أو لأنّ ما يقتضيه لفظ السنّة فيه يفيد الاستحباب ، ولمّا كان الجهر والإخفات واجبين عنده في الفرائض تعيّن الحمل على النوافل ، ولو حمل لفظ السنّة على ما ثبت بالسنّة أعم من الوجوب والندب أمكن ، إلاّ أنّ احتمال الثبوت من القرآن ينفي ذلك ، وإن كان فيه ما فيه.

ثم إنّ نوافل النهار على تقدير الحمل يحتمل التناول للأداء والقضاء مع التخالف ، إلاّ أن يدّعى تبادر الأداء ، وعلى كل حال ربّما يخرج غير الرواتب ، إلاّ أن يدّعى إرادة ما يصلّي بالنهار ، وفيه بُعد (٣).

وأمّا الثاني : فما ذكره الشيخ فيه لا وجه له ؛ لأنّ المفروض كون الجهر والإخفات مندوبين ، فالحمل على الفضل دون الفرض غير واضح الوجه ، إلاّ أن يراد بالفرض على سبيل الشرطيّة أو دفع التوهم ، لكن على تقدير الجهر في نوافل النهار إمّا أن يكون مندوبا أو مباحا ، والثاني بعيد ،

__________________

(١) في ج ١ : ٣٥٥.

(٢) راجع ج ١ : ٧١ ، ١٨٥.

(٣) في « رض » زيادة : ما فيه.

١٣١

والأوّل يحتمل كونه أقلّ ثوابا من الإخفات ، إلاّ أن يعارض بأنّ خير الأعمال أحمزها ، وفيه : أنّ هذا في غير الموظّف ، فليتأمّل.

وقد روى الشيخ في زيادات التهذيب الخبرين (١) وحمل الثاني على الرخصة ، وله وجه. وفي المنتهى : المستحب في نوافل الليل الجهر ، وفي نوافل النهار الإخفات ، وهو مذهب علمائنا أجمع (٢).

قوله :

باب أنّه لا يقرأ في الفريضة

بأقلّ من سورة ولا بأكثر منها‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمّد ، عن محمّد بن يعقوب ، عن أحمد بن إدريس ، عن ( محمّد بن أحمد بن يحيى ) (٣) ، عن محمّد بن عبد الحميد ، عن سيف بن عميرة ، عن منصور بن حازم قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة ولا بأكثر ».

الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن العلاء ، عن محمّد (٤) ، عن‌

__________________

(١) الخبر الأوّل : التهذيب ٢ : ٢٨٩ / ١١٦٠ ، الوسائل ٦ : ٧٧ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٢ ح ٢.

الخبر الثاني : التهذيب ٢ : ٢٨٩ / ١١٦١ ، الوسائل ٦ : ٧٧ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٢ ح ٣.

(٢) المنتهى ١ : ٢٧٨.

(٣) كذا في النسخ ، وفي الاستبصار ١ : ٣١٤ / ١١٦٧ : أحمد بن محمّد بن يحيى ، وفي التهذيب ٢ : ٦٩ / ٢٥٣ : محمّد بن يحيى ، وفي الكافي ٣ : ٣١٤ / ١٢ : محمّد بن أحمد ، وهو الصواب ، راجع معجم رجال الحديث ١٦ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦.

(٤) في الاستبصار ١ : ٣١٤ / ١١٦٨ : عن محمّد بن مسلم.

١٣٢

أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة ، فقال : « لا ، لكل سورة ركعة » (١).

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « إنّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة ».

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على حال الضرورة دون حال الاختيار.

يدل على ذلك :

ما رواه الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن حسن الصيقل قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيجزئ عنّي أن أقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها إذا كنت مستعجلا أو أعجلني شي‌ء؟ فقال : « لا بأس ».

محمّد بن يعقوب ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها ، ويجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل والنهار ».

سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبد الله الحلبي (٢) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس أن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣١٤ / ١١٦٨ : فقال له لكل ركعة سورة.

(٢) في الاستبصار ١ : ٣١٥ / ١١٧٢ : عن عبيد الله بن علي الحلبي ، وكذا في التهذيب ٢ : ٧١ / ٢٦١.

١٣٣

الأوّلتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئا (١) ».

السند‌

في الأوّل : ليس فيه ارتياب إلاّ من جهة محمّد بن عبد الحميد ، فإنّا قد كرّرنا القول فيه : من أنّ النجاشي ذكر عبارة توهم أنّ التوثيق لأبيه لا له (٢) ؛ والذي يظهر أنّ توثيق الأب في عنوان الابن بعيد جدّا عن مثل النجاشي ، والعبارة هكذا : محمّد بن عبد الحميد بن سالم العطّار أبو جعفر ، روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام وكان ثقة (٣).

ولجدّي قدس‌سره اضطراب في ذلك ، ففي فوائد الخلاصة قال : إنّ الظاهر أنّ الموثّق الأب (٤) ، وعلى كتاب ابن داود ما يستفاد منه أنّ الموثّق الابن.

وبعض محقّقي المعاصرين يظهر منه التوقف في هذه الرواية ، فإنّه ذكرها مع نوع طعن في السند (٥) ؛ والأمر لا يخلو من تأمّل ؛ لما قدمناه.

وأمّا سيف بن عميرة فهو ثقة ، وينقل عن ابن شهرآشوب القول بأنّه واقفي (٦) ، لكن حال ابن شهرآشوب غير معلوم.

والثاني : ليس فيه ارتياب.

وكذلك الثالث ، غير أنّ فيه شيئا ينبغي التنبيه عليه ، وهو أنّ النجاشي نقل عن الكشي ، عن نصر بن الصباح أنّه قال : كان أحمد بن‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣١٥ / ١١٧٢ : أو يحدث شي‌ء.

(٢) راجع ج ١ : ٢١٢.

(٣) رجال النجاشي : ٣٣٩.

(٤) فوائد الشهيد على الخلاصة : ٢٢.

(٥) البهائي في الحبل المتين : ٢٢٦.

(٦) انظر معالم العلماء : ٥٦ / ٣٧٧.

١٣٤

محمّد بن عيسى لا يروي عن ابن محبوب من أجل أنّ أصحابنا يتّهمون ابن محبوب في أبي حمزة الثمالي ، ثم تاب ورجع (١) ؛ وقد قدّمنا القول في هذا مفصلا (٢) ، والحاصل أنّ ذكر التوبة في ذلك تدفع التوقف لظهور الخطأ ، غاية الأمر أنّ في البين نوع كلام من حيث تاريخ أبي حمزة الثمالي والحسن بن محبوب على ما يستفاد من الرجال ، فإنّ المستفاد عدم الرواية عن أبي حمزة إلاّ من جهة الإجازة ، وإطلاق الرواية من دون لفظ « إجازة » ربّما لا يضر بالحال ؛ لأنّه أحد مذهبي أصحاب الدراية في إطلاق الرواية من دون لفظ « إجازة » ولعلّ التوبة من أحمد لظهور جواز ذلك عنده ، أو ظهور كونه عذرا بالنسبة إلى غيره ، والأمر ربّما كان غير عسر التوجيه.

أمّا ما وقع في الكشي (٣) من المخالفة لما في النجاشي ـ وإنّما الاتهام في ابن أبي حمزة (٤) ، ولعلّه البطائني لضعفه ـ فالظاهر أنّه من أغلاط نسخ الكشي الموجودة الآن ، لكن العجب من النجاشي أنّه لم يبيّن حقيقة الحال من جهة التاريخين كما نبّهنا عليه فيما سلف ، فليتأمّل فيه.

والرابع : فيه محمّد بن سنان وحسن الصيقل ، وقد مضيا (٥) مكرّرين بضعف الأوّل وجهالة الثاني على معنى أنّه مذكور في الرجال (٦) بما لا يزيد على الإهمال ؛ وظنّ بعض الأصحاب أنّه ابن العطّار الثقة ، لا نعلم وجهه.

والخامس : فيه محمّد بن عيسى ، عن يونس.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٨٢ / ١٩٨ ، وهو في الكشي ٢ : ٧٩٩ / ٩٨٩.

(٢) في ج ٢ : ١٤٦.

(٣) في ترجمة الحسن بن محبوب ، رجال الكشي ٢ : ٨٥١ / ١٠٩٥.

(٤) في « فض » زيادة : الثمالي.

(٥) في ج ١ : ١٢١ ، ج ٤ : ٥٢٦.

(٦) انظر رجال الطوسي : ١٦٦ / ١٣.

١٣٥

والسادس : لا ارتياب فيه.

المتن :

لا بدّ قبل الكلام فيه من بيان مقدمة ، وهي : أنّ العلاّمة في المنتهى قال : لا خلاف بين أهل العلم في جواز الاقتصار على الحمد في النافلة ، وكذا في جوازه مع ضيق الوقت في الفريضة. وفي موضع آخر قال : لو لم يحسن إلاّ الحمد وأمكنه التعلّم وكان الوقت واسعا وجب عليه التعلّم ؛ لأنّها كالحمد في الوجوب ، أمّا لو لم يمكنه التعلّم أو ضاق الوقت صلّى بالحمد وحدها للضرورة ، ولا خلاف في جواز الاقتصار على الحمد في هذه المواضع وفي النافلة للعارف والمختار (١).

وفي المختلف قال : المشهور أنّه يجب على المختار قراءة سورة بعد الحمد ـ إلى أن قال ـ : وهو اختيار الشيخ في الجمل والخلاف والاستبصار ، واختاره المرتضى وابن أبي عقيل وأبي الصلاح وابن إدريس ، وللشيخ رحمه‌الله قول آخر : إنّ الواجب الحمد ، والسورة مستحبة وهو اختيار ابن الجنيد وسلاّر. انتهى (٢).

ولا يخفى دلالة كلام المنتهى على ما ينافي ما ذكره بعض المتأخّرين من وجوب التعويض إذا لم يحسن السورة ، بل صرّح المحقّق الشيخ علي بعد ذكر التعويض بادعاء عدم التصريح لأحد بالسقوط ، على ما نقل عنه.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٧٢.

(٢) المختلف ٢ : ١٦١ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٨٠ ، الخلاف ١ : ٣٥٣ ، الاستبصار ١ : ٣١٤ ، الانتصار : ٤٤ ، الكافي في الفقه : ١١٧ ، السرائر ١ : ٢٢١ ، ٢٢٢ ، النهاية : ٧٥ ، المراسم ، ٦٩.

١٣٦

وفي حواشيه على المختصر قال : يفهم من التقييد بسعة الوقت أنّه مع الضيق لا يجب ، وليس كذلك ؛ إذ لا دليل على السقوط ، إذ لا يسقط شي‌ءٌ من الأُمور المعتبرة في الصلاة لضيق الوقت ، ولا أعلم لأحد التصريح بسقوط السورة للضيق ، بل التصريح بخلافه موجود في التذكرة (١). انتهى.

وهذا لا يخلو من غرابة وستسمع الأخبار في المقام.

لكن على تقدير سقوط السورة مع ضيق الوقت فالمراد بالضيق إن كان عدم اتساع الوقت لقراءتها ، أمكن ، وإن كان المراد ضيقه عن واجب الصلاة أشكل بلزوم الدور ، كما يعرف بالتأمّل.

وقد ذكر العلاّمة في الإرشاد أنّ من لم يحسن القراءة وجب عليه التعلّم ، فإن ضاق الوقت قرأ ما يحسن ، ولو لم يحسن شيئا سبّح الله وهلّله وكبّره بقدر القراءة (٢).

وفي فوائد جدّي قدس‌سره على الكتاب : وليكن ما يجزئ في الأخيرتين مكرّرا بقدر الفاتحة. والظاهر من كلامه التكرار في الأوّلتين بقدر الفاتحة والسورة ، وكلام العلاّمة كالصريح في ذلك ، لأنّه ذكر وجوب الفاتحة والسورة (٣).

وقول العلاّمة : فإن ضاق الوقت ، إلى آخره. يدل على وجوب السورة ؛ للدلالة على قراءة ما يحسن ، وفيه منافاة لما في المنتهى (٤).

وقد يمكن أن يقال : إنّ الأخبار الدالة على التبعيض تحمل على من‌

__________________

(١) حكاه عنه في مجمع الفائدة ٢ : ٢١٤ ، التذكرة ٣ : ١٣١ و ١٣٦.

(٢) الإرشاد ١ : ٢٥٣.

(٣) الإرشاد ١ : ٢٥٣.

(٤) راجع ص ١٣٦.

١٣٧

يحسن (١) البعض ، إلاّ أنّه في غاية البعد.

ولو حمل الضيق في كلام من رأينا كلامه من الأصحاب (٢) على أنّه لم يبق من الوقت إلاّ مقدار قراءة ما يحسن مع باقي الأفعال وبالتعويض يخرج الوقت ، فهو ممكن لكن بتكلّف ، إلاّ أن يقيّد بأنّ المراد عدم الزيادة على مقدار الواجب من القراءة أي الفاتحة وسورة قصيرة كاملة ، فعلى تقدير إمكان التعلّم يجب الاشتغال إلى أن لا يبقى إلاّ وقت ما يعلمه بناء على عدم وجوب العوض ، وعلى القول به إلى مقداره ، كما ذكره بعض محققي المتأخّرين رحمه‌الله (٣) وفيه تكلّف أيضا ، وبالجملة فالمقام محل نظر.

وقد تقدّم منّا كلام في أوّل هذا الجزء في الحديث المتضمن لأنّ من لم يحسن قراءة القرآن يجزؤه التكبير والتسبيح ، وذكرنا ما لا بدّ منه فيه (٤).

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الخبر الأوّل قد ذكر في الاستدلال لوجوب السورة من المتأخّرين (٥) ، كما يظهر من الشيخ ، ومن الذاكرين العلاّمة في المختلف غير واصف له بالصحة (٦) ـ وأظنّ اقتفى أثره بعض محققي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ (٧) ـ وهو غريب من العلاّمة ، فإنّه في الخلاصة (٨) ظاهره توثيق محمّد بن عبد الحميد.

__________________

(١) في « رض » : لم يحسن.

(٢) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢١٣.

(٣) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢١٤.

(٤) راجع ص ٩٤ ـ ٧ ـ ١٥٣١.

(٥) راجع ص ١٣٢.

(٦) المختلف ٢ : ١٦٢.

(٧) البهائي في الحبل المتين : ٢٢٤.

(٨) الخلاصة : ١٥٤ / ٨٤.

١٣٨

ثم إنّ الخبر لا ينافي القول باستحباب السورة في نظري القاصر ، لأنّه لا مانع من الاستحباب وعدم جواز التبعيض ، كما لم يجز في النافلة فعلها بغير الركوع ونحوه ، وقد يعبّر عن هذا بالشرط.

مضافا إلى ما ذكره بعض مشايخنا من أنّ القرآن لمّا ثبت من الأخبار جوازه في الفريضة ، فلا بدّ من حمل النهي في هذا الخبر عن الأكثر على الكراهة ، فليحمل ما دلّ على الأقلّ عليها (١) ؛ إذ من المستبعد تخالف النهي في الخبر بالكراهة والتحريم.

فإن قلت : إذا دلّ الدليل على وجوب السورة لا مانع من إبقاء النهي في الخبر على حقيقته في الناقص ، ولزوم استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه لا يضر بالحال مع الضرورة.

قلت : الأمر كما ذكرت ، إلاّ أنّ الكلام في إثبات الوجوب.

نعم ما ذكره بعض محقّقي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ : من أنّ النهي في الخبر محمولٌ على الكراهة فيما زاد جمعا بين الأخبار ، لما سيأتي في القراءة ، فكذا فيما نقص ، تفصيّا من استعمال النهي في حقيقته ومجازه معا (٢). محل تأمّل ؛ لأنّ مجرّد التفصّي لا يقتضي ما ذكره إلاّ بعد ردّ دليل الوجوب ، وكأنّه اعتمد على ذلك حيث ردّ الأدلة.

وربّما يقال : إنّ الخبر مشتمل على نهيين : أحدهما عن الأقل والآخر عن الأكثر ، فلو حمل النهي الثاني على الكراهة يبقى النهي الأوّل على حقيقته ، فليس من حمل اللفظ على حقيقته ومجازه ، بل حمل كل لفظ على معنى فالأوّل حقيقي والثاني مجازيّ ، فليتأمّل.

__________________

(١) كما في المدارك ٣ : ٣٥٠.

(٢) البهائي في الحبل المتين : ٢٢٤.

١٣٩

والثاني : كما ترى وإن كان ظاهره أنّ لكل ركعة سورة إلاّ أنّ بمعونة النهي عن قراءة السورتين يفهم أنّ الرجحان في السورة على تقدير كراهة القران كما يستفاد من الأخبار الآتية (١) ، وعلى تقدير تحريم القران يحتمل إرادة انتفاء التحريم بالسورة سواء كانت واجبة أو مستحبة.

ولو قيل : إنّ في هذا نوع عدول عن ظاهر الخبر ، فالجواب أنّ المعارضة توجب هذا ، بل هو أخفّ من المحامل المذكورة من الشيخ.

وأمّا الثالث : فهو صريح في جواز الاقتصار على الفاتحة في الفريضة ، وحمل الشيخ له على الضرورة للرواية الرابعة لا يخلو من تأمّل على تقدير صحّة الرواية ؛ لأنّ السؤال فيها تضمّن الاستعجال ، وهذا لا يفيد تقييدا إذا لم يكن من الإمام عليه‌السلام ؛ إذ السؤال عن بعض أفراد المطلق لا يفيد تقييده في نظري القاصر على الإطلاق ، نعم قد يفيد التقرير في بعض الأفراد وإن كان نادرا ، وممّا يؤيّد هذا ، التأمّل في أكثر موارد السؤال عن أفراد العام والمطلق.

على أنّ الخبر بتقدير تقييده إنّما يفيد الاستعجال ، وهو غير منضبط على وجه يتّضح به الحال ؛ وقد ذكرنا في المقدّمة كلام بعض الأصحاب في ضيق الوقت وعدم إمكان التعلّم (٢) ؛ والذي يظهر من الشيخ هنا ـ نظرا إلى الرواية ـ إرادة مطلق العجلة ، ولم أقف على مبيّن حقيقة الأمر في الضرورة.

وفي كلام بعض المتأخّرين على مختصر المحقّق ـ عند قوله : وفي وجوب سورة مع الحمد (٣) للمختار ، إلى آخره ـ : يفهم من التقييد بالمختار‌

__________________

(١) في ص ١٤٨ ـ ١٤٩.

(٢) راجع ص ١٣٦.

(٣) في المختصر : ٣٠ زيادة : في الفرائض.

١٤٠