إستقصاء الإعتبار - ج ٥

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-177
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٣٩٣

للإمام.

ثمّ إنّ الحديث على تقدير ما ذكرناه يختص (١) الجهر للإمام بالبسملة في الأليين ، أمّا الأخيرتان فقد علمت عدم القول بالفصل ، لكن الأوليين على ما يظهر من العلاّمة في المختلف لا يخلو الحكم فيهما من إشكال ، لأنّه قال : اتفق الموجبون للجهر في القراءة على وجوبه في البسملة فيما يجهر فيه ، وإنّما الخلاف وقع في مواضع :

الأوّل : أوجب ابن البرّاج الجهر بها فيما يخافت فيه وأطلق ، وأوجب أبو الصلاح الجهر بها في أوّلتي الظهر والعصر في ابتداء الحمد والسورة التي تليها ، والمشهور الاستحباب.

لنا : الأصل براءة الذمّة من الوجوب ، ولأنّها جزء من السورة التي يجب الإخفات فيها (٢) ، لكن صرنا إلى الاستحباب عملا بقول الأصحاب ، احتجّوا بما رواه صفوان ، ونقل الرواية ، ثم أجاب : بأنّ الإمام عليه‌السلام كما يداوم على الواجب يداوم على المندوب.

ثم قال : الثاني المشهور استحباب الجهر بالبسملة فيما يخافت فيه للمنفرد والإمام ، ونقل ابن إدريس عن بعض أصحابنا أنّ الجهر بها في كلّ صلاة إنّما هو للإمام ، وأمّا المنفرد فيجهر بها في الجهريّة ويخافت فيما عداها ، وأظنّ أنّ المراد بذلك البعض هو ابن الجنيد ، لأنّه هو أفتى بذلك في كتاب الأحمدي.

ثم استدل العلاّمة بالشهرة ، ونقل الاحتجاج بأنّ الأصل وجوب المخافتة فيما يخافت فيه ، لأنّها جزء الفاتحة خرج منه الإمام لرواية‌

__________________

(١) كذا في النسخ ، والأنسب : يخصّص.

(٢) في المصدر زيادة : فتتعيّن فيها المساواة.

١٠١

صفوان ، وأجاب بمنع عموم وجوب المخافتة. انتهى (١).

ولا يخفى عليك بعد وجود القائل ودلالة الرواية ، لا وجه لما ذكره العلاّمة ، والشهرة محلّ كلام في إثبات الحكم الشرعي إذا كانت بين المتأخّرين.

وربّما يقال : إنّ الجهر والإخفات على تقدير استحبابهما يمكن العمل بالشهرة في البسملة ، أمّا على تقدير الوجوب فالخروج عن السورة مشكل ، إلاّ أن يقال : إنّ دليل الوجوب لا يتناول البسملة ، إذ الأخبار مجملة ، والقائلون بالوجوب (٢) لا إجماع بينهم على البسملة.

وفيه : أنّ العمل بالخبر الدال على أنّ من جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه يتناول البسملة كما سيأتي (٣) ، إلاّ أن يقال : إنّ المتبادر الجهر في الجميع والإخفات في الجميع ، وفيه ما لا يخفى ، وعلى كلّ حال المقام واسع البحث.

ثمّ إنّ قول العلاّمة في الجواب : بمنع عموم وجوب المخافتة ، إن أراد به أنّ الشهرة تخصّص العموم ، ففيه ما قدّمناه ، وإن أراد أنّ غيرها يخصّص فكان عليه أن يذكره ، ولو وجد لما كان للاقتصار على الشهرة وجه.

وقد يقال : إنّ وجوب المخافتة لمّا كان مرجعه إلى الشهرة لما تقدّم من العلاّمة أنّ المشهور وجوب المخافتة ، والجهر مع الرواية الآتية فيمن أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه أو أجهر فيما لا ينبغي الجهر ، إلى آخره.

__________________

(١) المختلف ٢ : ١٧١.

(٢) راجح ص ١٠.

(٣) في ص ١٢٠.

١٠٢

والرواية مجملة كما مضى ، والشهرة لا تفيد في البسملة لوقوع الاختلاف فيها ، فيترجّح الاستحباب بالإطلاقات ، وصحيح (١) علي بن جعفر الدال على جواز الجهر والإخفات (٢) على تقدير عدم حمله على التقية كما سيأتي (٣).

إلاّ أن يقال : إنّ الخبر على تقدير العمل به لا يخصّ البسملة.

وفيه : أنّ مقام التأييد به أمر آخر وإن كان لا يخلو من شي‌ء.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما قدّمناه من الاستدلال بالخبر المبحوث عنه للأخيرتين ، قد اعتمد عليه جماعة ، والعلاّمة في المختلف لم يستدل به ، بل نقل عن ابن بابويه أنّه قال : واجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم في جميع الصلوات ، والشيخ في المبسوط والخلاف والنهاية قال : يستحب الجهر بها فيما لا يجهر فيه ، وقال السيّد المرتضى في الجمل : وتفتتح القراءة ببسم الله الرّحمن الرّحيم [ وتجهر بها ] (٤) في كلّ صلاة جهر أو إخفات ، وقال الشيخ في الجمل : والجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم فيما لا يجهر بالقراءة فيه في الموضعين ، وقال ابن إدريس : المستحب إنّما هو الجهر في الأوّلتين في الصلاة الإخفاتيّة دون الأخيرتين ، فإنّه لا يجوز الجهر فيهما بالبسملة ، قال العلاّمة : وكلام المتقدمين يقتضي عموم استحباب الجهر.

ثم قال : احتج ابن إدريس بأنّ الصلاة إمّا جهريّة أو إخفاتية ( فالاخفاتيّة : الظهر والعصر ، والجهر بالبسملة في الركعتين الأوّلتين‌

__________________

(١) في النسخ زيادة : خبر ، حذفناها لاستقامة العبارة.

(٢) التهذيب ٢ : ١٦٢ / ٦٣٦ ، الوسائل ٦ : ٨٥ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٥ ح ٦.

(٣) في ص ١٢٦.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

١٠٣

مستحب ؛ لأنّ فيهما تتعيّن القراءة فأمّا الأخيرتان فلا تتعيّن فيهما القراءة ) (١). ولا خلاف في أنّ الصلاة الإخفاتيّة لا يجوز الجهر فيها بالقراءة ، والبسملة من جملة القراءة ، وإنّما ورد في الصلاة الإخفاتيّة التي تتعيّن فيها القراءة ولا تتعيّن إلاّ في الأوّلتين فحسب ، وأطال الكلام ، ثم أجاب عنه العلاّمة بأنّه لا يلزم من عدم التعيّن عدم استحباب الجهر (٢).

وأنت خبير بأنّه لا يبعد أن يكون مرجع قول ابن إدريس إلى أنّ الخبر وارد في الأوّلتين ، وإن كان في كلامه نوع تشويش.

ثم إنّ العلاّمة ذكر في قول الشيخ السابق : في الموضعين : أنّ ابن إدريس فسّر الموضعين : بالظهر والعصر.

واحتمل العلاّمة أن يكون المراد بالموضعين قبل الحمد وبعدها ولكلّ وجه ، إلاّ أنّ ما في خبر الكاهلي الآتي (٣) بيانه من قوله : جهر مرّتين ، ربّما يؤيّد قول العلاّمة في احتماله.

أمّا ما قد يقال : إنّ الخبر المبحوث عنه إذا اقتضى جهرة عليه‌السلام فيما ذكر فالتأسي يفيد الاستحباب ، فيندفع به قول ابن إدريس ، وكذلك ما روي أنّ من علامات المؤمن الجهر ببسم الله (٤).

ففيه أوّلا : أنّ الخبر لا يتناول الأخيرتين ، وثانيا : أنّ الجهر ببسم الله‌

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من « فض ».

(٢) المختلف ٢ : ١٧٢ ـ ١٧٣ ، وهو في الفقيه ١ : ٢٠٢ ، والمبسوط ١ : ١٠٥ ، والخلاف ١ : ٣٣١ ، والنهاية : ٧٦ ، وفي جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٣٢ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٨٣ ، وفي السرائر ١ : ٢١٨.

(٣) في ص ١١١.

(٤) التهذيب ٦ : ٥٢ / ١٢٢ ، الوسائل ١٤ : ٤٧٨ أبواب المزار ب ٥٦ ح ١.

١٠٤

يتحقّق بالأوليين لحصول علامة المؤمن.

والعجب من بعض محقّقي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ أنّه أجاب عن حجّة ابن إدريس بعد نقلها : بأنّه لا خلاف في وجوب إخفات القراءة فيهما ، فعلى مدّعي استحباب الجهر في بعضها ـ يعني البسملة ـ إثبات جواز التبعيض. والجواب هذا لفظه : شمول الدليل موضع النزاع (١).

وينبغي أن يعلم أنّ اختصاص الرواية بالإمام ظاهر لكن التأسّي لا يخلو من إجمال ؛ لأنّ فعله عليه‌السلام إنّما كان في الجماعة فالتأسّي به إن كان في خصوص الجماعة لزم تقييد إطلاق الأصحاب في استحباب التأسّي ، والحال أنّ المستدل بالرواية على استحباب الجهر في موضع الإخفات على الإطلاق ، فاستدلاله لا بدّ فيه من ضميمة عدم القائل بالفرق.

وإن كان التأسّي يقتضي الاستحباب مطلقا ، فإشكاله واضح ؛ فإنّ فعله عليه‌السلام خاص بالإمامة.

إلاّ أن يقال : إنّ الاعتبار بالتأسّي في الفعل لا في خصوص الإمامة ؛ إذ لو اقتضى التأسي التخصيص لزم التخصيص بالصلاة الخاصة لو جهر في الظهر مثلا ، مع أنّ الظاهر عدم الفرق بينها وبين العصر ، فعلم أنّ التأسي في مطلق الفعل.

وفيه إمكان الفرق بين الجماعة وصلاة الظهر ، ولم أرَ من كشف قناع هذا الإجمال في حقيقة التأسّي.

وظاهر العلاّمة في المختلف حيث لم يتعرض في الجواب عن الاستدلال بالرواية الاعتراف بشمول الحكم للمنفرد ، وإلاّ كان الأولى‌

__________________

(١) البهائي في الحبل المتين : ٢٢٨.

١٠٥

الجواب بما يقتضي بيان هذا ، وكلام بعض المتأخّرين الذي أشرنا إليه (١) من إطلاق التأسّي يقتضي صريحا إرادة التأسّي في الفعل مطلقا ، والنظر فيه واضح ، ( فينبغي التأمّل في هذا كله فإنّه حريّ بالتأمّل التام ) (٢) (٣).

فإن قلت : قد روى الكليني في كتاب الروضة حديثا عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عثمان ، عن سليم ابن قيس قال : خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وذكر الخطبة وقد تضمّنت أنّه عليه‌السلام قال : « قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ولو حملت الناس على تركها وحوّلتها إلى مواضعها. لتفرّق عنّي جندي حتى أبقى وحدي » ـ وعدّدها عليه‌السلام إلى أن قال ـ : « وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم » (٤).

وهذا يدلّ على أنّ الجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم مطلوب على سبيل الوجوب ، لذكره عليه‌السلام أشياء واجبة متروكة منها قوله عليه‌السلام : « وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات » قبل ما نقلناه من الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.

قلت : لا يخلو الخبر من دلالة ، إلاّ أنّه في التعميم للأخيرتين والإمام والمنفرد ، أو التخصيص بالإمام والمنفرد مجمل ، على انّ فيه : « لو أمرت بمقام إبراهيم عليه‌السلام فرددته إلى موضعه » وهذا واضح الإشكال ، والسند‌

__________________

(١) في ص ١٠٥.

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٣) في « فض » زيادة : إذا تقرّر ذلك فاعلم أن العلاّمة في المختلف نقل. وهي غير ملائمة للمقام.

(٤) الكافي ٨ : ٥٨ / ٢١.

١٠٦

لا يخلو من شي‌ء بالنسبة إلى سليم بن قيس وغيره.

فإن قلت : السند مشتمل على حمّاد بن عيسى ، وقد نقل الكشّي الإجماع على تصحيح ما يصح عنه (١) ، فلا يضرّ الكلام في سليم وغيره.

قلت : قد مضى القول (٢) في مثل هذا بما يغني عن الإعادة ، لكن القائل بأنّ معنى الإجماع ما سبق لا وجه لعدم عمله بالخبر ، وربّما يدّعى انتفاء الإجمال فيه نظرا إلى أنّ الظاهر العموم.

فإن قلت : ما وجه التوقف في سليم بن قيس مع أنّ العلاّمة قال في الخلاصة : إنّ الوجه عندي الحكم بتعديل المشار إليه (٣).

قلت : وجه التوقف ما كرّرناه في أحوال العلاّمة ، مضافا إلى عدم توثيقه من الشيخ (٤) والنجاشي (٥) ، على أنّ العلاّمة حكم بتعديله والتوثيق أمر زائد كما لا يخفى.

إلاّ أن يقال : إنّ التعديل في الرجال يراد به التوثيق كما سبق نقله عن جدّي قدس‌سره في الدراية (٦) ، وفيه ما فيه.

وينبغي أن يعلم أنّ في الفهرست (٧) والنجاشي ، الراوي عن سليم : إبراهيم بن عمر اليماني وأبان بن أبي عيّاش (٨) ، وفي الرواية إبراهيم بن‌

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٦٧٣ / ٧٠٥.

(٢) في ج ١ : ٦٠ ـ ٦١.

(٣) الخلاصة : ٨٣ / ١.

(٤) رجال الطوسي : ٤٣ / ٥.

(٥) رجال النجاشي : ٨ / ٤.

(٦) الدراية : ٧٣.

(٧) الفهرست : ٨١ / ٣٣٦.

(٨) رجال النجاشي : ٨ / ٤ وليس فيه : أبان بن أبي عياش.

١٠٧

عثمان ، واحتمال الوهم بسبب تصحيف عمر بعثمان قريب من اللفظ ، وإن كان احتمال عدم التصحيف له نوع قرب ، نظرا إلى أنّ الراوي عن إبراهيم ابن عثمان حمّاد بن عيسى ، وعلى كلّ حال رواية إبراهيم بن عثمان عن سليم لا يخلو من غرابة ؛ لأنّ إبراهيم بن عثمان من أصحاب أبي الحسن موسى عليه‌السلام والصادق عليه‌السلام ، وسليم من أصحاب الحسن والحسين وعلي بن الحسين عليهم‌السلام وهذا يقتضي الإرسال.

أمّا على تقدير رواية إبراهيم بن عمر اليماني فيمكن رفع الإرسال ؛ لأنّ إبراهيم من أصحاب الباقر عليه‌السلام ، وسليم مذكور في أصحابه عليه‌السلام ، وحينئذ ربّما يتعيّن كون الراوي في الرواية المبحوث عنها ابن عمر لا ابن عثمان ، وفي ابن عمر كلام تقدّم (١) ، وفي الخلاصة ذكر اختلاف أسانيد الكتاب بغير ما ذكرناه ، واعتماده على الكشي وهو مضطرب (٢).

وأمّا الثاني : فهو كما ترى يدل على أنّ التسمية في الفاتحة والسورة لا بدّ منها ، وقد سبق الإجماع المنقول ، غير أنّ معاوية بن عمّار قد يستبعد سؤاله عن مثل هذا ، فإنّه كالمعلوم من أهل البيت عليهم‌السلام في الفاتحة ، أمّا مع السورة فيحتمل أن يكون السؤال من جهة جواز التبعيض في السورة على ظاهر بعض الأخبار ، وإن أمكن أن يقال : إنّ ظاهر الخبر خلاف ذلك وأن المتبادر منه لزوم قراءة البسملة كالفاتحة ، غاية الأمر أنّ وجود المعارض الدال على التبعيض ربّما يقتضي حمل هذا الخبر على خلاف ظاهره ، وسيأتي (٣) في خبر أنّه لا يقرأ بأقلّ من سورة ولا بأكثر ، ونذكر إن شاء الله‌

__________________

(١) في ج ١ : ٨٥.

(٢) في « رض » و « م » زيادة : فينبغي التأمّل في هذا كلّه فإنّه حريّ بالتأمّل التام هذا.

(٣) في ص ١٣٢.

١٠٨

تعالى ما لا بدّ منه فيه.

وما قد يقال : من أنّ هذا الخبر يدلّ على وجوب السورة بعد الحمد ؛ إذ وجوب البسملة إذا اقتضاه الخبر نظرا إلى المشاركة للحمد في الحكم ظاهرا أفاد المطلوب ، لكن بضميمة عدم جواز التبعيض ، أو جوازه وتعيّن أحد الأمرين إمّا السورة أو بعضها.

يمكن الجواب عنه : بأنّ غاية ما يدل عليه الخبر قراءة البسملة مع السورة ، أمّا الوجوب فلا ، وكون البسملة في الفاتحة واجبة لا يلزم مثلها في السورة ؛ لجواز اختصاص الخبر بالتنبيه على أنّ البسملة جزء من كلّ سورة ، وحينئذ تشترك الفاتحة والسورة من هذه الجهة ، ويبقى حكم الوجوب مستفادا من غيره ، فإن تمّ الدليل على الوجوب في السورة أمكن حمل الخبر على الوجوب فيهما.

فإن قلت : ظاهر الخبر تساوي الفاتحة والسورة في لزوم قراءة البسملة ، أمّا احتمال ما ذكرت فبعيد ، وعلى تقدير قربه فهو مساو لغيره ، ولا مانع من استفادة الأمرين من الخبر.

قلت : إذا لوحظ الخبر بعين العناية يظهر رجحان ما ذكرناه ، وعلى تقدير عدمه فالخبر لا يفيد المطلوب من وجوب السورة مع الاحتمال ووجود المعارض.

وأمّا الثالث : فربّما يدل بتقدير صحّته على وجوب السورة ؛ لأنّ الظاهر من الإعادة يفيد ذلك إن رجع إلى الصلاة ، وإن رجع إلى البسملة ـ على معنى أنّ نفي البأس في تركها لا وجه له ، بل تعاد البسملة ، وتكون الفائدة في المبالغة دفع احتمال رجحان الترك على الإتيان بالبسملة ـ أمكن أن يقال بعدم الدلالة على وجوب السورة ، إلاّ أنّ الظاهر من الخبر خلافه ،

١٠٩

بل لا وجه له.

نعم على التقدير الأوّل لا مانع من أن يقال : إنّ الإعادة بسبب فعل خلاف المشروع في الصلاة وإن كانت السورة مستحبة ، كما ذكرناه في الحديث الذي ورد بأنّه لا يقرأ بأقلّ من سورة في حواشي التهذيب لدفع من استدل به على وجوب السورة.

واحتمال استبعاد الوجه في الخبر بأنّ إعادة الصلاة بترك المستحب غير واضحة الوجه ، يدفعه أنّ الصلاة كيفيّة متلقّاة من الشارع ، فلا مانع من البطلان بفعل المستحب على هيئة مخالفة للمنقول.

ولا يتوجه أنّ في الأخبار ـ كما سيأتي (١) ـ ما يدلّ على التبعيض ، وحينئذ لا بدّ من حمل الخبر على وجه لا ينافي ذلك ، ولو حمل على إعادة البسملة بنحو ما ذكر في الوجه الثاني أمكن ، بخلاف إعادة الصلاة.

لإمكان الجواب بالحمل على أنّ ترك البسملة لم يكن على وجه الإتيان ببعض السورة ، بل يجوز أن يكون الترك بقصد كون السورة غيرها وإن كان ظاهر الخبر خلافه ، إلاّ أنّ في الجواب نوع إشعار به.

ويحتمل أن تكون الإعادة لوقوع الفعل بغير موافقة الشرع مع إمكان الاطّلاع عليه ، وفي هذا نوع تأمّل.

ولعلّ الأولى الحمل على الاستحباب في الإعادة ، والمبالغة لدفع قول العيّاشي ، وتوهّم الوجوب لعلّه اندفع بوجه من الوجوه ، هذا.

والعيّاشي المذكور لا أعلم حاله ، وضبطه في التهذيب (٢) : العبّاسي ، في نسخة معتبرة بالباء المفردة والسين المهملة.

__________________

(١) في ص ١٤٨ ـ ١٤٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٩ / ٢٥٢.

١١٠

والرابع : كما ترى تضمّن جهرة عليه‌السلام مرّتين ، وهو مجمل ؛ إذ المرّتان محتملة للفاتحة وللسورة ، فيراد بالمرّتين في كل ركعة من الأوّلتين ، ويحتمل أن يراد بالمرّتين في الفاتحة الواقعة في الركعتين ، فتكون السورة لا يستحب فيها الجهر بالبسملة ، ولا يبعد ادّعاء ظهور الأوّل ، بل عدم القائل بالثاني فيما أعلم يؤيّد نفيه ، وقد تقدّم في الأقوال ما يغني عن الإعادة لمناسبة هذا الخبر منها.

وما تضمّنه من قوله : وقنت في الفجر ، ربّما يدل على الاختصاص بالفجر ، والأخبار في ذلك ستأتي مفصّلة إن شاء الله ، ( كما يأتي ) (١) في التسليم للإمام ، فليكن هذا الخبر على ذكر لما يأتي بسبب المعارضة.

ولا يخفى أنّه ربّما يستفاد من الخبر عدم الجهر في البسملة في الأخيرتين على الاحتمال الأوّل إلاّ أن تكون الصلاة مقصورة.

وما تضمنه الخبر من قوله : « مرّتين » فهو محتمل لأن يراد : أنّه عليه‌السلام قال : يعيدها يعيدها ، كما يحتمل أن يراد : أنه يعيدها مكرّرة في الصلاة بتضمين يعيدها معنى : يقرأها ، ولا يخفى وضوح الأوّل.

قوله :

فأمّا ما رواه محمّد بن عليّ بن محبوب ، عن محمّد بن الحسين ، عن صفوان ، عن عبد الله بن بكير ، عن مسمع البصري قال : صلّيت مع أبي عبد الله عليه‌السلام فقرأ : بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله ربّ العالمين ، ثم قرأ السورة التي بعد الحمد ولم يقرأ بسم الله الرّحمن‌

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من « فض ».

١١١

الرّحيم ، ثم قام في الثانية فقرأ الحمد ولم يقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم ، ثمّ قرأ سورة أخرى.

فلا ينافي هذا الخبر الأخبار التي قدّمناها ؛ لأنّه تضمّن حكاية فعل ، ويجوز أن يكون مسمع لم يسمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم لبعد كان بينه وبينه ، ويحتمل أن يكون إنّما ترك لضرب من التقيّة والاضطرار.

فأمّا ما رواه محمّد بن عليّ بن محبوب ، عن عليّ بن السندي ، عن حمّاد عن حريز ، عن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون إماما يستفتح بالحمد ولا يقول : بسم الله الرّحمن الرّحيم ، قال : « لا يضرّه ولا بأس بذلك ».

فالوجه فيه أن نحمله على حال التقيّة دون حال الاختيار ، يدلّ على ذلك :

ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد ومحمّد ، عن العباس بن معروف ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي جرير (١) زكريا بن إدريس القمي قال : سألت أبا الحسن الأوّل عليه‌السلام : عن الرجل يصلّي بقوم يجوز (٢) أن يجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم ، قال : « لا يجهر ».

السند‌

في الأوّل : فيه عبد الله بن بكير ، وقد مضى القول (٣) مكرّرا في‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣١٢ / ١١٦٠ : حريز.

(٢) في التهذيب ٢ : ٦٨ / ٢٤٨ ، والاستبصار ١ : ٣١٢ / ١١٦٠ : يكرهون.

(٣) في ج ١ : ١٢٥.

١١٢

شأنه.

ومسمع البصري وهو ابن عبد الملك بن مسمع بن مالك الذي يقال له : كردين ، وقد ذكر العلاّمة في الخلاصة إنّه شيخ بكر بن وائل بالبصرة ووجهها وسيّد المسامعة (١) ، والنجاشي سبقه إلى هذا الكلام ، وزاد أنّه كان أوجه من أخيه عامر (٢).

وقد يتعجب من العلاّمة أنّه قال في العنوان : مسمع بن مالك ، وقيل : ابن عبد الملك أبو سيّار. والنجاشي ذكر ما قدّمناه من أنّه مسمع بن عبد الملك بن مسمع بن مالك (٣). ونقل عبارة النجاشي مع نقل الخلاف ، وهو الموجب لما ذكرناه.

وعلى كل حال لا يزيد الرجل على المدح إن ثبت من الوجاهة ذلك ، أمّا كونه سيّد المسامعة فلا يبعد أن يكون إشارة إلى ما ذكره النجاشي في نسبه بعد ما قدّمناه : من أنّه ابن مالك بن مسمع بن سيّار ، فهو سيّد المسامعة حيث صاروا ثلاثة ، والسيادة باعتبار علوّ الشأن على جدّه وجدّ جدّه ، والعلوّ غير معلوم الحقيقة.

وفي الكشي قال محمّد بن مسعود : سألت أبا الحسن عليّ بن الحسن بن فضّال عن مسمع كُردِين أبي سيّار؟ فقال : هو ابن مالك من أهل البصرة وكان ثقة (٤). ولا يخفى عليك الحال ، غير أنّ الظاهر توهّم العلاّمة من هنا أنّ الأب مختلف فيه ؛ لأنّ النجاشي قال : ابن عبد الملك ، وابن‌

__________________

(١) الخلاصة : ١٧١ / ١٣.

(٢) رجال النجاشي : ٤٢٠ / ١١٢٤.

(٣) الخلاصة : ١٧١ / ١٣.

(٤) رجال الكشي ٢ : ٥٩٨ / ٥٦٠.

١١٣

فضّال قال : ابن مالك ، وأنت خبير بأنّ النسبة إلى الجدّ غير عزيزة الوجود ، والأمر سهل.

والثاني : فيه عليّ بن السندي ، وقد كرّرنا القول (١) في أن حاله لا تزيد على الجهالة.

والثالث : كما ترى فيه أحمد ومحمّد ، على ما وجدت من النسخة الآن ، وأحمد هو ابن محمّد بن عيسى على الظاهر ، ولا يبعد أن يكون محمّد هو ابن محمّد بن عيسى أخو أحمد ، وفي التهذيب أحمد بن محمّد (٢) ، ولعلّه الصواب ، واحتمال كون ما هنا كذلك في حيّز الإمكان.

أمّا أبو جرير زكريا بن إدريس فغير ثقة ، وذكر شيخنا المحقّق ـ أيّده الله ـ في كتاب الرجال ما يدل على أنّه معتمد (٣) ، ولم يظهر لي الآن وجهه ، وقد تقدّم منّا كلام في الرجل. وفي الخلاصة : إنّ زكريّا بن إدريس كان وجها (٤). وهذا لا يزيد على المدح ، وفي غير الخلاصة لم يذكر ذلك على ما وجدته من كتاب الشيخ وفهرسته والنجاشي ، وظاهر الرواية روايته عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام.

والشيخ ذكره في رجال الصادق عليه‌السلام والرضا عليه‌السلام (٥) أيضا ، ولم يذكره في رجال موسى عليه‌السلام ، إلاّ أنّ المعلوم وجوده في زمنه عليه‌السلام ، وعدم روايته عنه لظنّ الشيخ محتمل لو لا الرواية المذكورة ، فالعذر للشيخ في ترك ذكره في رجال موسى عليه‌السلام غير واضح.

__________________

(١) في ج ١ : ٣٥٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٨ / ٢٤٨.

(٣) منهج المقال : ١٤٩.

(٤) الخلاصة : ٧٦ / ٨.

(٥) رجال الطوسي : ٢٠٠ / ٧٢ و ٣٧٧ / ٢.

١١٤

المتن :

في الأوّل : ما ذكره الشيخ من جواز عدم سماع مسمع في غاية البُعد ؛ لأنّ البُعد بينه وبين الإمام يقتضي عدم السماع في السورتين ، والخبر تضمّن الفرق ، ولعلّه لو قال : لجهره عليه‌السلام جهرا متفاوتا ( يسمع تارة ولا يسمع أُخرى ) (١) أمكن ، إلاّ أنّ الجزم من الراوي بعدم القراءة لا وجه له ، بل اللازم أنّ يقول : لم أسمع.

والحمل على التقيّة قد ينافيه قراءتها مرّة وتركها أخرى ، ويمكن أن توجّه التقيّة بأنّ القراءة في الأوّل كانت لعدم من يتّقى ثم تجدّد في الأثناء كما ينبّه عليه أنّه عليه‌السلام قرأها في أوّل الفاتحة من أوّل الصلاة وتركها في البواقي.

ويحتمل أن يكون ترك البسملة في الاولى من السورة لجواز التبعيض فيها ، على ما يدل عليه بعض الأخبار ، ولا ينافيه ما تقدّم لإمكان التوجيه السابق ؛ وقوله : ثم قام في الثانية ، إلى آخره. يراد به أنّه قرأ الحمد مع البسملة ولم يقرأ البسملة مع السورة ؛ وقوله : فقرأ الحمد ولم يقرأ بسم الله. لا صراحة فيه بكون البسملة للفاتحة ، ولا مانع من إرادة الفاتحة جميعها لتدخل البسملة ، والترتيب في قوله : ثم قرأ سورة أُخرى. يجوز أن يكون من حيث المغايرة للسورة الاولى ، لا لترتيب ينافي ما قلناه ، وقوله : سورة أخرى وإن تناول البسملة إلاّ أنّ التخصيص بالمقام والجمع لا مانع منه.

__________________

(١) في « فض » و « م » : تسمع تارة ولا تسمع اخرى.

١١٥

والثاني : كما يحتمل ما قاله الشيخ من التقية يحتمل السؤال عن تركها ناسيا ، فإنّه لا يضرّ بحال الصلاة ، وربّما أيّد هذا ظاهر قوله : ولا يقول ، عوض : لا يجهر. وإن أمكن موافقته للتقية أيضا بنوع من التوجيه.

والثالث : كما يحتمل التقيّة ، يحتمل أن يراد نفي الجهر على سبيل التعيّن ، وربّما يقرّب التقية كون الإمام مظنّة حضور أهل الخلاف ، ولا يخفى أنّ إطلاق الرواية وإن تناول الجهريّة لا يضرّ بحال التقيّة لما هو المعروف من مذهب الحنفيّة (١) ، وعلى التوجيه الثاني تختص بالإخفاتيّة ، فكان حمل الشيخ أولى.

قوله :

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبيد الله بن عليّ الحلبي. والحسين بن سعيد ، عن عليّ بن النعمان ومحمّد بن سنان وعبد الله بن مسكان ، عن محمّد بن عليّ الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّهما سألاه عمّن يقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم حين يريد يقرأ ( فاتحة الكتاب قال : ) (٢) « نعم (٣) إن شاء سرّا ، وإن شاء جهرا » قال : أفيقرأها مع السورة الأُخرى؟ قال : « لا ».

فالوجه في هذا الخبر ما قلناه في الخبر الأوّل من حمله على التقيّة ، ويجوز أن يكون المراد به من كان في صلاة نافلة وأراد أن يقرأ من‌

__________________

(١) انظر أحكام القرآن لأبي بكر الجصاص ١ : ١٥.

(٢) في الاستبصار ١ : ٣١٢ / ١١٦١ بدل ما بين القوسين : بفاتحة الكتاب فقال لهم.

(٣) ليست في الاستبصار ١ : ٣١٢ / ١١٦١ ، والظاهر أن « لهم » فيه مصحف « نعم ».

١١٦

بعض سورة جاز له أن لا يقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم.

يبين ما ذكرناه :

ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن أبان بن عثمان ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يفتتح القراءة في الصلاة أيقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم؟ قال : « نعم ، إذا افتتح الصلاة فليقلها في أوّل ما يفتتح ثمّ يكفيه ممّا بعد ذلك ».

السند‌

في الأوّل : مشتمل على طريقين إن جُعل الحسين بن سعيد فيه معطوفا على سعد بن عبد الله فيكون الشيخ روى بطريقيه عن سعد والحسين ، وإن جعل الحسين معطوفا على محمّد بن أبي عمير ليكون أحمد بن محمّد بن عيسى راويا عن عبيد الله الحلبي بطريق وعن محمّد بن الحلبي بآخر كان الشيخ راويا بطريق واحد عن سعد ، غاية الأمر أنّه يتشعّب من الطريق طريقان.

وتوضيح الحال أنّ على الأوّل يروي الشيخ عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي عمير عن حمّاد ، عن عبيد الله. ويروي عن الحسين بن سعيد ، عن عليّ بن النعمان وابن سنان وابن مسكان ، عن محمّد الحلبي ، وهما ـ أعني محمّدا وعبيد الله ـ يرويان عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

وعلى الثاني يروي الشيخ ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، وأحمد يروي تارة عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن عبيد الله. وتارة عن الحسين ، عن علي بن النعمان ومن معه ، عن محمّد الحلبي ،

١١٧

وهما يرويان عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

فإن قلت : الظاهر من قوله : ومحمّد بن سنان وعبد الله بن مسكان ، رواية الحسين بن سعيد عن عبد الله بن مسكان ، والظاهر من الروايات عدم رواية الحسين بن سعيد عن عبد الله بن مسكان ، بل محمّد بن سنان في الرجال يروي عن عبد الله بن مسكان (١) ، وكذا في الروايات.

قلت : لا بُعد في رواية الحسين بن سعيد عن عبد الله ، وأظنّ في الروايات وجوده (٢) إلاّ أنّه لم يحضرني الآن محلّه ، ورواية محمّد بن سنان عنه لا تفيد الانحصار ، نعم يستفاد من الرجال رواية أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان عنه كما في النجاشي (٣) ، بل فيه ما يدل على أنّ رواية عبد الله بن مسكان عن محمّد الحلبي بواسطة أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن سنان ، فلا يبعد أن يكون الظاهر : عن عبد الله بن مسكان ، وإن أمكن توجيه ما هنا ، وعلى كل حال السند لا ارتياب فيه بعد ما قدّمناه (٤).

والثاني : كذلك لما ذكرناه في أبان مكرّرا (٥) في [ الجزأين ] (٦) الأوّلين.

المتن :

في الأوّل : ما ذكره الشيخ فيه من التقيّة هو أعلم بوجهه بالنسبة إلى قوله : « إن شاء سرّا وإن شاء جهرا » وقوله في جواب قراءتها مع السورة‌

__________________

(١) انظر رجال النجاشي : ٢١٤ / ٥٥٩.

(٢) التهذيب ٢ : ١٣٤ / ٥٢١ ، الوسائل ٦ : ٦٦ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٦ ح ٢.

(٣) رجال النجاشي : ٢١٤ / ٥٥٩.

(٤) في ج ١ : ١٠٢ ، ١١٤ ، ١١٨ ـ ١٢٠ ، ١٧٠ ، ٢٧٣ وج ٢ : ١٠ ، ٣٢٨.

(٥) راجع ج ١ : ١٨٣ وج ٢ : ١٧٧.

(٦) في النسخ : الخبرين ، والظاهر ما أثبتناه.

١١٨

الأُخرى : « لا » فإنّ المعروف من مذهب أهل الخلاف (١) غير هذا ، ولو حمل على أنّ الجهر ببسم الله في الإخفاتية وتركه جائزان أمكن ، كما أنّ حمل قوله : قال : « لا » على عدم تعيّن البسملة في السورة بجواز التبعيض ممكن أيضا ، كما أنّه يمكن حمل قوله في الأوّل : « إن شاء سرّا وإن شاء جهرا » على أنّ قراءة الفاتحة لا بدّ فيها من البسملة إن شاء في الجهر وإن شاء في السرّ ، بناء على التخيير في الصلاة بين السرّ والجهر كما يفهم من بعض الأخبار الآتية (٢) في وجه الجمع من بعض الأصحاب ، وحينئذ يكون قوله : أفيقرأها ، إلى آخره. إشارة إلى أنّ تعيّنها في السورة كتعيّن البسملة في الفاتحة ، والجواب تضمّن نفيه ، فيدل على جواز الترك والتبعيض كما ستسمع القول (٣) في ذلك إن شاء الله.

ومن هنا يعلم أنّ ما ذكره بعض محقّقي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ من أنّ ما تضمّنه هذا الخبر من كفاية تلاوة البسملة في الفاتحة عن تلاوتها مع السورة ، لا إشكال فيه على القول بعدم وجوب قراءة السورة ؛ لأنّه إذا جاز تركها جاز تبعيضها ، ويمكن حمله على التقيّة (٤). محل نظر :

أمّا أوّلا : فلما قدّمناه.

وأمّا ثانيا : فلأنّ الخبر تضمن النهي عن البسملة وأين هو عن جواز ترك البسملة ، فلا بُدّ من توجيه النهي على ما قرّرناه ، فليتأمّل.

وأمّا حمل الشيخ على صلاة النافلة فمن البعد بمكان.

__________________

(١) انظر المغني والشرح الكبير ١ : ٥٥٦.

(٢) في ص ١٢٠.

(٣) في ص ١٤٨.

(٤) البهائي في الحبل المتين : ٢٢٤.

١١٩

والثاني : كما ترى إن أراد الشيخ به بيان حكم النافلة كما هو الظاهر فالخبر لا يدلّ عليه بخصوصه ، والإطلاق فيه يتناول الفرض على تقدير جواز التبعيض ، لكن الشيخ لما كان مانعا من التبعيض تعيّن عنده الحمل على النافلة.

قوله :

باب وجوب الجهر في القراءة‌

روى حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال : « أيّ ذلك فعل متعمّدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، وإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شي‌ء عليه وقد تمّت صلاته ».

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد ، عن موسى بن القاسم ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلّي الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة هل يجوز (١) عليه أن لا يجهر؟ قال : « إن شاء جهر وإن شاء لم يفعل ».

فهذا الخبر موافق للعامّة ولسنا نعمل به ، والعمل على الخبر الأوّل.

السند‌

في الأوّل : وإن كان الطريق إلى حريز غير مذكور في المشيخة هنا‌

__________________

(١) في التهذيب ٢ : ١٦٢ / ٦٣٦ ، والاستبصار ١ : ٣١٣ / ١١٦٤ لا يوجد : يجوز.

١٢٠