إستقصاء الإعتبار - ج ٤

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-176-1
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥٥٠

منها ، وحينئذ انحصر الدليل فيما ذكره ، وهو عين المصادرة.

وأمّا ثانياً : فلأنّ الثبوت في الأعظم إن كان معلّلاً بما يقتضي الجريان في غيره ليكون من مفهوم الموافقة ، ففيه ما أسلفناه في مفهوم الموافقة من أنّه لا وجه لاعتبار الأولويّة ؛ إذ الاعتبار لوجود العلّة سواء كانت في المساوي أو غيره ، وإن كانت العلّة مفقودة فلا فائدة في الاستدلال بمفهوم الموافقة.

وأمّا ثالثاً : ( فلأنّ الأصل لا وجه له مع عدم ثبوت المأخذ ، ومعه لا حاجة للأصل إن كان عامّاً ، وإن كان خاصّاً ) (١) فانتفاء الأصل جليٌّ.

وأمّا رابعاً : فالتعسّر لا وجه له بعد إمكان فعل العبادة تماماً ، وبالجملة لم أقف على دليل ما ذكر ، والعجب من جزم شيخنا قدس‌سره بما نقلناه عنه (٢) من دون ذكر الدليل.

الثاني : على تقدير الثبوت بالبيّنة لو تعارضت البيّنات على وجه لا يمكن الجمع بأن تشهد بالاعتبار ولم يحصل المرجّح احتمل ترجيح التمام للأصل. وفيه ما قدّمناه من ظاهر الخبر المفسِّر للآية المخرج عن الأصل (٣).

وقد يقال : إنّ تعارض البيّنتين ينتفي ، إذ الفرض رجحان بيّنة القصر ، ( بالخبر وقد ) (٤) فرض أوّلاً عدم المرجّح به ، والجواب ممكن بأنّ المنفي المرجّح الخاصّ المقرّر.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٢) راجع ص ١٠٩٨.

(٣) راجع ص ١٠٨٨.

(٤) في « رض » و « د » : والخبر قد.

٦١

ونقل شيخنا قدس‌سره عن المعتبر أنّ فيه الأخذ بالمُثبِتة والقصر ، واستوجهه مع الإطلاق ، قال قدس‌سره : أمّا لو كان النفي منضمّاً إلى الإثبات كدعوى الاعتبار وتبيّن القصور ، فالمتّجه تقديم بيّنة النفي ؛ لاعتضادها بأصالة التمام (١).

وفي نظري القاصر أنّه محلّ تأمّل ؛ لأنّ الاعتبار قد يكون من الجانبين ، فالترجيح غير ظاهر الوجه على الإطلاق في صورة عدم الإطلاق ، وعلى تقدير أن يراد بالإطلاق من غير اعتبار فوجه تقديم المثبتة غير ظاهر ، واحتمال كون العلّة تقديم بيّنة (٢) الخارج وهو المثبت ، فيه : أنّ أصالة التمام آتية فيه ، فتكون مرجّحة لغيره ، فلا يقدّم المثبت ، فليتأمّل في ذلك.

الثالث : قال بعض الأصحاب (٣) الظاهر عدم وجوب الاعتبار مع تعارض البيّنات ، للأصل ، وتساقط البيّنات بالتعارض مع أصالة البراءة ، ويحتمل الوجوب ؛ لأنّه مما يتوقف عليه الواجب كما قيل في رؤية هلال شهر رمضان والعيد والوقت (٤).

ولا يخفى عليك أنّ الوجوب للتوقّف فرع الوجوب ، وأصالة التمام تنفيه ، والفرق بين المذكورات وبين ما نحن فيه ممكن بالعسر وبلزوم خروج الوقت ، إلاّ أن يقال بلزوم تأخير العبادة إلى ضيق الوقت ، والحق أنّ أصالة التمام يتوقف الخروج عنها على العلم الشرعي بالمسافة ، وتحصيله‌

__________________

(١) مدارك الأحكام ٤ : ٤٣٣ ، وقد قال به المحقّق في المعتبر ٢ : ٤٦٧.

(٢) ليست في « رض ».

(٣) في « رض » زيادة : إن.

(٤) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ٣٦٨.

٦٢

غير واجب في المشروط ، إذ هو المفروض.

واحتمال أن يقال : إنّ التمام مشروط بعدم السفر إلى المسافة فلا بدّ من العلم بالشرط ، ( يمكن دفعه بأنّ التمام غير مشروط ، بل المشروط القصر ، فليتأمّل.

الرابع : لو حصل العلم بالمسافة ) (١) في أثنائها احتمل وجوب القصر إذا كان القصد إلى المحل الذي هو مسافة بعد العلم ؛ لتحقّق القصد إلى المسافة. وفيه أنّ الظاهر من قصد المسافة كونه مع العلم بها ، بل تحقّق القصد من دون العلم ربما يدّعى نفيه.

فما ذكره بعض الأصحاب : من ترجيح القصر لانكشاف المسافة المقصودة (٢). محلّ تأمّل ، أمّا لو كان الباقي مسافة من حين العلم فلا ارتياب في القصر ، لكن هل يجب القصر في محل العلم أو لا بدّ من السير إلى مثل (٣) محلّ الترخص كما في البلد؟ احتمالان ، ولا يبعد أن يرجّح الأوّل بأنّ ما تضمّن خفاء الأذان والجدران لا يتناول هذا ، وإطلاق القصر في المسافة لا مقيّد له.

ولو بلغ الصبي في أثناء المسافة احتمل فيه انضمام السابق إلى اللاحق.

وفيه : أنّ التكليف إنّما حصل في الأثناء ، ويحتمل اعتبار المسافة بعد التكليف ، والفرق بينه وبين ما تقدّم لا يخلو من خفاء ، وإن ادّعى بعض ظهوره (٤).

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٢) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ٣٦٨.

(٣) ليست في « رض ».

(٤) مجمع الفائدة ٣ : ٣٦٩.

٦٣

قوله :

باب المسافر يخرج فرسخاً أو فرسخين ويقصّر في

الصلاة ثم يبدو له عن الخروج.

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفّار ، عن محمّد بن عيسى ، عن سليمان بن حفص المروزي قال ، قال الفقيه عليه‌السلام : « التقصير (١) في الصلاة بريدان أو بريد ذاهباً وجائياً ، والبريد ستّة أميال وهو فرسخان ، والتقصير في أربعة فراسخ ، فإذا خرج الإنسان (٢) من منزله يريد اثني عشر ميلاً وكان (٣) أربعة فراسخ ثم بلغ فرسخين ونيّته الرجوع أو فرسخين آخرين قصَّر ، وإن رجع عما نوى عند بلوغ فرسخين وأراد المقام فعليه التمام (٤) ، وإن كان قصَّر ثم رجع عن نيّته أعاد الصلاة ».

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد ابن أبي نصر ، عن الحسين (٥) بن موسى ، عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن الرجل يخرج في سفر يريده فدخل عليه الوقت وقد خرج من القرية على فرسخين فصلّوا وانصرفوا فانصرف (٦) بعضهم في حاجة فلم يقض له الخروج ما يصنع في الصلاة التي كان‌

__________________

(١) في « د » : القصر.

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٢٧ / ٨٠٨ : الرجل.

(٣) في الاستبصار ١ : ٢٢٧ / ٨٠٨ زيادة : ذلك.

(٤) في « د » : الإتمام.

(٥) في « رض » ونسخة في « د » الحسن ، وكذا في التهذيب ٤ : ٢٢٧ / ٦٦٥.

(٦) في « د » : فصرف.

٦٤

صلاّها ركعتين؟ قال : « تمّت صلاته ولا يعيد ».

فالوجه في هذا الخبر أحد شيئين :

أحدهما : أنّه إذا كان الوقت قد مضى لم يكن عليه الإعادة ، وإنّما يلزم الإعادة ما دام الوقت باقياً. والثاني : أنّه وإن لم يقض له الخروج لم يرجع عن نية السّفر ، ومتى كان كذلك لم يكن عليه الإعادة ، بل كان عليه تقصير ما بينه وبين ثلاثين يوماً ، على ما بيّنّاه في كتابنا الكبير.

السند‌ :

في الأوّل : فيه سليمان بن حفص المروزي ولم أَرَه في الرجال ، نعم في رجال الهادي عليه‌السلام : سليمان بن حفصويه من كتاب الشيخ (١).

والثاني : كما ترى فيه الحسين بن موسى ، وفي الرجال ذكر الحسين ابن موسى في أصحاب الرضا عليه‌السلام من كتاب الشيخ مهملاً (٢) ، وفي رجال الكاظم عليه‌السلام : الحسين بن موسى واقفي (٣) ، وفي رجال الصادق عليه‌السلام : الحسين بن موسى الأسدي الخياط كوفي (٤) ، وفيهم أيضاً الحسين بن موسى الهمداني مهملاً (٥).

وفي فوائد شيخنا المحقق أيّده الله على الكتاب : في بعض النسخ‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٤١٥ / ٢ ، وذكره في أصحاب الرضا عليه‌السلام بعنوان : سليمان المروزي ٣٧٨ / ٧.

(٢) رجال الطوسي : ٣٧٣ / ٢٤.

(٣) رجال الطوسي : ٣٤٨ / ٢٥.

(٤) رجال الطوسي : ١٧٠ / ٧٧. وفيه : الحنّاط.

(٥) رجال الطوسي : ١٧٠ / ٧٨.

٦٥

عن الحسن ، والظاهر أنّه على التقديرين ابن موسى الحنّاط (١) ، والحسين منسوب إلى الوقف من غير توثيق. انتهى.

وما ذكره : من أنّه ابن موسى الحنّاط (٢) على التقديرين. مبني على ظن الاتّحاد ، والذي في كتاب الشيخ الحسن بن موسى الحنّاط والحسن بن موسى الأزدي وكلاهما من أصحاب الصادق عليه‌السلام (٣).

ثم قوله ـ سلّمه الله ـ : والحسين منسوب إلى الوقف. يقتضي التغاير كما لا يخفى ، والأمر سهل.

المتن :

في الأوّل : تضمّن أنّ البريد فرسخان وقد تقدّم نقله عن القاموس (٤) ، إلاّ أنّ الأخبار السابقة إنّما دلّت على أنّه أربعة فراسخ ، فالمعارضة (٥) حاصلة ، وتفسير البريد بالستة أميال يدلّ على أنّ الفرسخ هنا هو الفرسخ السابق في الأخبار ، واحتمال أن يراد بالفرسخ ما يساوي فرسخين غير تامّ ، واحتمال أن يراد بالميل غير الميل الوارد في الأخبار السابقة كالفرسخ في غاية البعد.

لكن قد يدّعى أنّ فيه تتميم الرواية وإن بَعُد. وفيه وجود الفرق بينه وبين الفرسخ ؛ فإنّ الفرسخ نقل شيخنا ـ أيّده الله ـ : أنّه موجود بقدر (٦)

__________________

(١) في « رض » : الخيّاط.

(٢) في « رض » : الخيّاط.

(٣) رجال الطوسي : ١٦٨ / ٤١ ، ٤٢.

(٤) القاموس المحيط ١ : ٢٨٧ ، وقد تقدم في ص ١٠٨٠.

(٥) في « د » : والمعارضة.

(٦) في « د » : تقدر ، وفي « رض » : يعد.

٦٦

الفرسخين الشرعيين في خراسان ، بخلاف الميل.

إلاّ أن يقال : إنّ الخروج عن الشرعي في الفرسخ يقتضي جواز الخروج في الميل.

وما تضمنته الرواية من قوله : « بريد ذاهباً وجائياً » محتمل لأنّ يراد بريد ذاهباً ، وبريد جائياً ؛ ولأنّ يراد بريد في الذهاب والإياب ؛ لكن على الأوّل إن أُريد بالبريد ما فسّر بالفرسخين لزم أن من أراد الفرسخين ذهاباً وإياباً لزمه التقصير ولا أعلم القائل به. وعلى الثاني فالأمر أشدّ إشكالاً.

وقوله : « والتقصير في أربعة فراسخ » لا يخلو من منافرة لقوله : « بريدان أو بريد ذاهباً وجائياً » لأنّ البريدين إن أُريد بهما أربعة فراسخ تعيّن إرادة الاحتمال الثاني ، وقد عرفت إشكاله. وإن أُريد بالبريد الأربعة فراسخ أشكل قوله : « والبريد فرسخان » وما ذكره شيخنا أيّده الله من أنّه لا يبعد أن يكون قوله : « والبريد » من كلام الرّاوي ، ولا يخفى عليك الحال.

ثمّ العجب من الشيخ ، حيث لم يذكر ما في الخبر من المخالفة لما سبق منه ؛ فإنّ ظاهره تارة اعتبار الرجوع وتارة عدم اعتباره ، لكن لا دلالة له على الرجوع في اليوم.

وقوله في الخبر : « ثم بلغ فرسخين ونيّته الرجوع » محتمل لأنّ يراد أنّ نيّته الرجوع في الأثناء لا يوجب الرجوع إلى التمام ، ولا يخلو من إشكال ؛ لأنّ الظاهر من بعض الأصحاب اعتبار استمرار القصد (١) ، وجزم به شيخنا قدس‌سره (٢) والوالد قدس‌سره والرواية لا تصلح حجة عليهم ، إلاّ أنّ الدليل عليه لا أعلمه الآن في كلام الأصحاب ، وما نذكره في الخبر الآتي لم يذكره‌

__________________

(١) كالمحقق في الشرائع ١ : ١٣٥ ، والعلاّمة في التذكرة ٤ : ٣٨٢.

(٢) مدارك الاحكام ٤ : ٤٨٠.

٦٧

الأصحاب لمخالفته لما حكموا به ، كما تعلمه من ملاحظته وما نذكره ، والإجماع مشكل الإثبات هنا ، إلاّ أن يقال : إنّ قصد الثّمانية هو سبب القصر ، فإذا انتفى بقصد عدمها انتفى السبب لا بعدم قصدها ، فإنّ الذهول قد يحصل ، والرجوع معه إلى التمام مشكل.

أمّا التردّد فقد جزم شيخنا قدس‌سره بأنّه موجب الرجوع إلى التمام (١). والشهيد في الذكرى ذكر استمرار القصد (٢). والأمر كما ترى من جهة الرواية.

وما تضمّنه الخبر من قوله : « رجع عمّا نوى وأراد المقام فعليه الإتمام » صريح في أنّ نيّة الإقامة في أثناء الأربعة توجب التمام ، لكن فيه أنّ الرجوع عمّا نوى كيف يجامع نيّة المقام لولا ما قدّمناه من دلالتها على عدم تأثير نيّة الرجوع في القصر.

وما تضمّنه من إعادة الصلاة قد وجدت في زيادات الصلاة من التهذيب في باب الصلاة في السفينة ما يدل عليه ، وهو ما رواه الشيخ ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي ولاّد قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني كنت خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن هبيرة وهو من الكوفة على نحو (٣) عشرين فرسخاً في الماء فسرت يومي ذلك أُقصّر الصلاة ثمّ بدا لي في الليل الرجوع إلى الكوفة فلم أدر أُصلّي في رجوعي بتقصير أم بتمام ، وكيف كان ينبغي أنّ أصنع؟ فقال (٤) : « إن كنت‌

__________________

(١) مدارك الاحكام ٤ : ٤٨١.

(٢) الذكرى : ٢٥٦.

(٣) في « د » زيادة : من.

(٤) في « رض » : قال.

٦٨

سرت في يومك الذي خرجت فيه بريداً كان عليك حين رجعت أن تصلّي بالتقصير لأنّك كنت مسافراً إلى أن تسير إلى منزلك » قال : « وإن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريداً فإنّ عليك أن تقضي كلّ صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل تَزُمُّ من مكانك ذلك ، لأنّك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير حتى رجعت ، فوجب عليك قضاء ما قصّرت ، وعليك إذا رجعت أن تتم الصلاة حتى تصير إلى منزلك » (١).

وهذا الحديث صحيح ، وفيه دلالة على قضاء الصلاة وتعيّن القصر في الأربع ، وربما دلّ على أنّ الرجوع عن نيّة السفر يقتضي التمام (٢) ، لأنّ قوله : « من قبل تَزُمّ » يدلّ على أنّه بعد ذلك لا يفضي ما فعل ، ولا وجه لعدم القضاء مع كونه قصراً ، فتعيّن أن يكون تماماً ، والظاهر أنّ معنى تزمّ : تعزم (٣) ، ويؤيّده وجود نسخة تؤمّ بمعنى تقصد (٤) ، غاية الأمر أنّ في الخبر ما يقضي نوع شك وهو قوله : « لأنّك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير » فإنّ هذه تقتضي أنّ التقصير لا يجوز إلاّ بعد الأربع ، والأمر كما ترى واضح الإشكال.

وما تضمّنه من قوله : « وعليك إذا رجعت أنّ تتم الصلاة » ربما يدل على اعتبار الرجوع بالفعل لا نيّته ، وحينئذ يمكن حمل ما دلّ على العزم على الرجوع ، وقد يمكن أن يقال : إنّ مراده بقوله عليه‌السلام : « إذا رجعت » إرادة الرجوع ، لما تقدم من ظهور إرادة العزم. وفيه أنّ تأويل الأوّل ليس أولى‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩٨ / ٩٠٩ وفيه : أن تريم ، بدل : تزم ، الوسائل ٨ : ٤٦٩ أبواب صلاة المسافر ب ٥ ح ١ وفيه : تؤمّ ، بدل : تزم.

(٢) في « رض » : الإتمام.

(٣) لم نعثر في كتب اللغة على هذا المعنى.

(٤) في « د » : القصد.

٦٩

من تأويل الثاني.

والعجب من مشايخنا وشيخنا الشهيد قدس‌سرهم أنّهم لم يذكروا هذا الخبر في الاستدلال لقضاء الصلاة ، وإنّما اقتصروا على رواية المروزي (١) ، وردّها شيخنا قدس‌سره بالضعف ، ثم قال : ولو صحّت لكانت محمولة على الاستحباب (٢). وكذلك في الاستدلال للتمام إذا نوى الرجوع مع أنّه محتمل لذلك احتمالاً ظاهراً كما قدّمناه ، هذا.

وأمّا الثاني : فقد عرفت حال سنده إلاّ أنّه في الفقيه مروي في الصحيح (٣) ، ومع معارضة الخبر السابق عن التهذيب فالحمل على الاستحباب ممكن.

أمّا ما قاله الشيخ : من الحمل على خارج الوقت. فلا يخلو من تأمّل مع إمكان الاستحباب ، وعدم تعرض الشيخ للخبر الذي ذكره في التهذيب غريب. والله تعالى أعلم بالحقائق.

قوله :

باب الذي يسافر إلى ضيعته أو غيرها (٤).

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد ابن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن أبان بن عثمان ، عن إسماعيل بن الفضل قال : سألت‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٥٦.

(٢) مدارك الاحكام ٤ : ٤٤٠.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨١ / ١٢٧٢ ، الوسائل ٨ : ٥٢١ أبواب صلاة المسافر ب ٢٣ ح ١.

(٤) في الاستبصار ١ : ٢٢٨ : أو يمرّ بها.

٧٠

أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن رجل سافر من أرض إلى أرض وإنّما ينزل قراه وضيعته قال : « إذا نزلت قراك وضيعتك (١) فأتم الصلاة ، فإذا كنت في غير أرضك فقصّر ».

محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن عيسى ، عن عمران بن محمد قال : قلت لأبي جعفر الثاني عليه‌السلام : جعلت فداك إنّ لي ضيعة على خمسة عشر ميلاً خمسة فراسخ ، فربما خرجت إليها وأُقيم فيها ثلاثة أيّام أو خمسة أيّام أو سبعة أيّام فأُتمّ الصلاة أم أُقصّر؟ فقال : « قصّر في الطريق وأُتمّ في الضيعة »

وعنه ، عن علي بن إسحاق بن سعد ، عن موسى بن الخزرج قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : أخرج إلى ضيعتي ومن منزلي إليها اثنا عشر فرسخا أُتمّ الصلاة أم أُقصّر؟ قال : « أتمّ ».

عنه ، عن محمّد بن سهل ، عن أبيه قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام ، عن رجل يسير إلى ضيعته على بريدين أو ثلاثة وممرّه على ضياع بني عمّه أيقصّر ويفطر أم يتمّ ويصوم؟ قال : « لا يقصّر ولا يفطر ».

محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال ، عن ( عمرو بن سعيد المدائني ) (٢) عن مصدّق بن صدقة ، عن عمّار بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل يخرج في سفر فيمرّ بقرية له أو دار فينزل فيها ، قال : « يتمّ الصلاة ولو لم يكن له إلاّ نخلة واحدة ولا يقصّر ، وليصم إن حضره الصوم وهو فيها ».

قال محمد بن الحسن : ما تضمّن هذه الأخبار من الأمر‌

__________________

(١) في « رض » : أو ضيعتك.

(٢) بدل ما بين القوسين ، في « رض » : عمر بن سعيد المديني.

٧١

بالإتمام (١) في ضيعة الإنسان يحتمل وجوهاً ، منها : أنّه يلزمه التمام إذا عزم على المقام عشرة أيّام.

السند‌ :

في الأوّل : ليس فيه ارتياب بعد ما قدّمناه وذكرنا توثيق إسماعيل بن الفضل فيما تقدم أيضاً (٢).

والثاني : فيه عمران بن محمد وهو الأشعري وقد وثّقه الشيخ في رجال الرضا عليه‌السلام من كتابه (٣). والنجاشي لم يوثّقه (٤) ، وكذا الشيخ في الفهرست (٥).

والثالث : فيه علي بن إسحاق بن سعد ، والشيخ في رجال من لم يرو عن الأئمة عليهم‌السلام ذكر : علي بن إسحاق بن سعد الأشعري وأنّ الراوي عنه البرقي (٦).

والنجاشي قال : علي بن إسحاق بن عبد الله بن سعد الأشعري ثقة (٧). وهو ما ذكره الشيخ ؛ لأنّ النجاشي ذكر أنّ الراوي عنه أحمد بن محمّد البرقي. وأمّا موسى بن الخزرج فلم أقف عليه في الرجال.

والرابع : فيه محمّد بن سهل وهو ابن اليسع ، لأنّه من أصحاب الرضا‌

__________________

(١) في « د » : بالتمام.

(٢) راجع ص ١٠٨٢.

(٣) رجال الطوسي : ٣٨١ / ٢١.

(٤) رجال النجاشي : ٢٩٢ / ٧٨٩.

(٥) الفهرست : ١١٩ / ٥٢٦.

(٦) رجال الطوسي : ٤٨٦ / ٥٦.

(٧) رجال النجاشي : ٢٧٩ / ٧٣٩.

٧٢

والجواد عليهما‌السلام (١) ، وفي الرجال محمد بن سهل مكرر (٢) لكن من أصحاب الصادق عليه‌السلام في كتاب الشيخ (٣).

ثمّ إنّ محمّد بن سهل غير ثقة ، وأبوه ثقة مرّتين في النجاشي (٤). لكن لا يخفى أنّ ضمير « عنه » يرجع إلى محمد بن علي بن محبوب وهو مذكور في كتاب الشيخ في رجال من لم يرو عن الأئمّة عليهم‌السلام (٥) ، فروايته عن محمد بن سهل الذي هو راوٍ عن الجواد عليه‌السلام قد يستبعد ، إلاّ أنّه في حيّز الإمكان ، والشيخ فيما تقدم ذكر علي بن إسحاق في رجال من لم يرو مع أنّ الراوي عنه أحمد البرقي ، وهو مذكور في رجال الجواد والهادي عليهما‌السلام من كتاب الشيخ (٦). وبالجملة فاصطلاح الشيخ مجمل المرام.

والخامس : موثّق كما تقدّم (٧).

المتن :

في الأوّل : وإن كان مطلقاً في الإتمام في القرى ، إلاّ أنّه سيأتي ما يقيّده ممّا يدلّ على الاستيطان ، وما ذكره الشيخ في الوجه الأوّل من إقامة عشرة أيّام لا يتمّ في هذا الخبر ؛ لأنّه تضمّن القصر في غير أرضه ، والإقامة‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٦٧ / ٩٩٦.

(٢) في « د » : مكررا.

(٣) رجال الطوسي : ٢٨٩ / ١٤٧ ١٥٠ ، ٣٨٨ / ٢٥.

(٤) كذا نقله عنه ابن داود في رجاله : ١٠٨ ، ٢٠٨ ولكن الموجود فيه التوثيق مرّة واحدة. راجع رجال النجاشي : ١٨٦ / ٤٩٤.

(٥) رجال الطوسي : ٤٩٤ / ١٨.

(٦) رجال الطوسي : ٣٩٨ / ٨ و ٤١٠ / ١٦.

(٧) راجع ج ١ : ٧٩ و ١٦٨.

٧٣

لا فرق فيها بين أرضه وغيرها ، كما لا يخفى.

والثاني : فيه دلالة على التقصير في الأربع ، فلو (١) قيل بالتخيير يحمل الخبر على الجواز. وما قد يظنّ من أنّ ظاهر الأمر يقتضي التعيين فذكرنا مثله سابقاً ، ولا مانع من كون السائل فهم التخيير بسبب ذكر الخمسة فراسخ في السؤال. أمّا حمل الشيخ على نيّة الإقامة فهو مع بُعده عن الظاهر لا يفي بدفع ما يدلّ عليه الخبر من التقصير فيما دون الثمانية حتماً ، فكان الأولى من الشيخ الالتفات إلى هذا ، فليتأمّل.

وأمّا الثالث : فالأولى فيه ما قاله شيخنا أيّده الله من أنّ الأمر بالإتمام يراد به في الضيعة وإن احتاج إلى تقييد الضيعة بالاستيطان ، ولو حمل على الإتمام في الطريق لكون الأربعة تقتضي التخيير ، ويجوز أن يكون عليه‌السلام رأى المصلحة في أمره بالإتمام كما رأى المصلحة في السابق في الأمر بالقصر ، إلاّ أنّ الخروج من مضايقة كون الأمر للوجوب العيني يقتضي الحمل الأوّل ، وقد توجّه الثاني بأنّ الاحتياج إلى التقييد يساوي الاحتياج إلى صرف الأمر عن ظاهره.

والرابع : يمكن حمله على إرادة عدم التقصير والإفطار في الضيعة ، أو أنّه على سبيل الإنكار كما ذكره شيخنا أيّده الله أمّا حمل الشيخ ففي غاية البعد كما في الثالث.

والخامس : لا يكاد يحوم التوجيه حول ما قاله الشيخ : من إرادة إقامة عشرة أيّام بعد قوله : « ولو لم يكن له إلاّ نخلة واحدة » وظاهر النهي عن التقصير والأمر بالصيام ، وقد استند إلى هذه الرواية القائلون بمجرّد الملك في لزوم التمام وإن لم يكن منزلاً ، والأمر كما ترى.

__________________

(١) في « رض » : ولو.

٧٤

قوله :

والذي يدلّ على ذلك :

ما رواه سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن إسماعيل بن مرّار ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من أتى ضيعته (١) ثمّ لم يرد المقام عشرة أيّام قصّر ، وإن أراد المقام عشرة أيّام أتم الصلاة ».

عنه ، عن إبراهيم ، عن البرقي ، عن سليمان بن جعفر الجعفري ، عن موسى بن حمزة بن بزيع قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك إن لي ضيعة دون بغداد فأخرج من الكوفة أُريد بغداد فأُقيم في تلك الضيعة أُقصّر أو أُتمّ؟ فقال : « إن لم تنو المقام عشرة أيّام فقصّر ».

والوجه الثاني : أن تكون الأخبار محمولة على من يمرّ بمنزل له كان قد استوطنه ستّة أشهر فصاعداً فحينئذ يجب عليه التمام ، يدلّ على ذلك :

ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نصر ، عن حمّاد بن عثمان ، عن علي بن يقطين قال : قلت لأبي الحسن الأوّل عليه‌السلام : الرجل يتّخذ المنزل فيمرّ به أيتمّ أم يقصّر؟ قال : « كلّ منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل وليس لك أن تتمّ فيه ».

عنه ، عن أيوب بن نوح ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٣٠ / ٨١٥ : ضيعة.

٧٥

عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يسافر فيمرّ بالمنزل له في الطريق أيتمّ الصلاة أم يقصّر؟ قال : « يقصّر ، إنّما هو المنزل الذي يوطنه (١) ».

عنه ، عن أيوب ، عن صفوان بن يحيى ، عن سعد ابن أبي خلف قال : سأل علي بن يقطين أبا الحسن الأوّل عليه‌السلام عن الدار يكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمرّ بها؟ قال : « إن كان ممّا قد سكنه أتمّ فيه الصلاة ، وإن كان ممّا لم يسكنه فليقصّر ».

عنه ، عن أيّوب ، عن أبي طالب ، عن ابن أبي نصر ، عن حمّاد ابن عثمان ، عن علي بن يقطين قال : قلت لأبي الحسن الأوّل عليه‌السلام : إنّ لي ضياعاً ومنازل بين القرية والقريتين (٢) الفرسخين والثلاثة فقال : « كلّ منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير ».

عنه ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن الحسن ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يقصّر في ضيعته؟ فقال : « لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيّام ، إلاّ أن يكون له فيها منزل يستوطنه » فقلت : ما الاستيطان؟ فقال : « أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستّة أشهر ، فإذا كان كذلك يتمّ فيها متى يدخلها ».

السند‌ :

في الأوّل : فيه إسماعيل بن مرّار ، وهو في الظاهر مجهول الحال وإن كان مذكوراً في الرجال (٣) ، والراوي عنه إبراهيم بن هاشم ، وربما يستفاد‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٣٠ / ٨١٨ : توطّنه.

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٣٠ / ٨٢٠ زيادة : الفرسخ و.

(٣) رجال الطوسي : ٤٤٧ / ٥٣.

٧٦

من رواية إبراهيم عنه نوع مدح ؛ لما يظهر من القول في إبراهيم أنّه أوّل من نشر حديث الكوفيين بقم ، وأنّ أهل قم كانوا يُخرِجُون الراوي لمجرّد توهّم الريب فيه ، فلو كان إسماعيل فيه ارتياب لما روى عنه إبراهيم ، وفيه نظر إلاّ أنّه قابل للتوجيه ، ومن ثمَّ قلنا : في الظاهر أنه مجهول ، فتأمّل.

والثاني : فيه البرقي والظاهر أنّه محمد وقد تقدّم الكلام فيه (١) ، وسليمان بن جعفر ثقة في الرجال (٢) ، أمّا موسى بن حمزة بن بزيع فغير مذكور فيما رأيت.

والثالث : لا ارتياب فيه ، وكذلك الرابع والخامس.

والسادس : فيه أبو طالب وهو مشترك بين الثقة وغيره (٣) ، وقد يقرب احتمال عبد الله بن الصلت لولا أنّ الراوي عنه أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، والراوي عن أبي طالب البصري المذكور مهملاً البرقي أيضاً ، على أنّ في الرجال أبا طالب الشغراني والراوي عنه محمد البرقي (٤) وهو بصري أيضاً ، فاحتمال اتحاده مع السابق ممكن لولا اختلاف الراوي عنه ، وهو مهمل ولا يخفى قرب مرتبة أيّوب بن نوح منه.

وأمّا السابع : ففيه أحمد بن الحسن في النسخة التي وجدتها ، وفي نسخة أحمد بن الحسين ، وهو في التهذيب (٥) ، وأحمد بن الحسن على ما هنا مشترك ، وعلى تقدير الحسين كذلك (٦) ، إلاّ أنّ شيخنا قدس‌سره قال في فوائد‌

__________________

(١) في ص ٦٨.

(٢) وثقه النجاشي في رجاله : ١٨٢ / ٤٨٣ ، والشيخ في الفهرست : ٧٨ / ٣١٨ ، وفي الرجال : ٣٥١ / ١٠ ، ٣٧٧ / ١.

(٣) هداية المحدثين : ٢٨٦.

(٤) رجال النجاشي : ٤٥٩ / ١٢٥٥ ، والفهرست : ١٨٧ / ٨٤١ ، وفيهما : الشعراني.

(٥) التهذيب ٣ : ٢١٣ / ٥٢٠.

(٦) راجع هداية المحدثين : ١٧٠ ، ١٧١.

٧٧

الكتاب : إنّ الظاهر كون أحمد بن الحسين هو ابن عمر بن يزيد وقد وثّقه النجاشي (١). فتكون الرواية صحيحة ، وشيخنا أيّده الله قال في فوائده : إنّه إمّا ابن عمر بن يزيد أو ابن الحسين بن سعيد ، وعلى كلّ حال فالرواية في الفقيه مروية بطريق صحيح (٢).

المتن :

في الأوّل : كما ترى لا يدلّ على مطلوب الشيخ ، ولا يبعد أن يكون لفظ « ضيعته » في الخبر غلط ، وإنّما هي ضيعةً (٣) ، لكن النسخة التي رأيتها ما ذكرته ، وعلى تقدير ذلك يشكل الخبر بأنّ ما دلّ على إقامة ستّة أشهر ينافيه إطلاق الرواية ، ولو قيّد بعدم الإقامة ستّة أشهر رجع إلى ملاحظة الوجه الثاني ، لا أنّه مستقل كما لا يخفى.

والثاني : ما قلناه آتٍ فيه ، على أنّ الحمل المذكور يقتضي أنّ مسير الأربعة فراسخ يوجب التقصير حتماً ؛ لأنّه عليه‌السلام حينئذ جعل التقصير ما لم ينو مقام عشرة أيّام ، ولو كان التخيير محتملاً لما تعيّن التمام ، واحتمال إرادة الرجوع ينافيه ظاهر الأخبار ، وبالجملة فالشيخ لو ترك هذا الوجه كان أسْلَم له من محاذير لا تخفى على من تأمّل الأخبار ولاحظها بعين الاعتبار.

وأمّا الثالث : فالظاهر منه الاستيطان في الحال وما يقاربه كما نفصّله فيما بعد عند ذكر خبر ابن بزيع ، والظاهر من كلام الشيخ في الوجه الثاني اعتبار الماضي ، فالخبر لا يدل على مطلوبه. وهكذا الرابع.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٨٣ / ٢٠٠.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٨ / ١٣١٠.

(٣) كما في المطبوع من الاستبصار ، راجع ص ٧١.

٧٨

أمّا الخامس : فله دلالة على ما قاله الشيخ من جهة صدره وإن كان عجزه يقتضي خلاف ذلك.

والسادس : مثل ما عدا الخامس.

والسابع : كما ترى يدل على نحو غير الخامس ، لكن الوالد قدس‌سره وشيخنا قدس‌سره ظنا منه الدلالة على إقامة كلّ سنة ستة أشهر (١) وقد ظنا أيضاً أنّ كلام الصدوق في الفقيه يدلّ على ذلك (٢).

وفي نظري القاصر أنّه محل نظر :

أمّا أوّلاً : فلأنّ خبر سعد بن أبي خلف دلّ على الماضي ، وخبر محمد بن إسماعيل يقتضي الفعل الواقع فيه إمّا الحال أو الاستقبال ، وحينئذ لا بدّ من التجوّز في خبر سعد بإرادة ما تضمّنه خبر محمد بن إسماعيل ، أو التجوّز في خبر محمد بن إسماعيل بإرادة ما في خبر سعد ؛ إذ (٣) التنافي واقع.

أو يجمع بينهما بإرادة ما يقرب من الحال في خبر سعد ، ويراد في خبر محمد بن إسماعيل بالحال وما قاربه من الماضي ، لكن إرادة الحال المحض والاستقبال من خبر سعد موقوفة على القرينة ، وإرادة الماضي من خبر محمد بن إسماعيل كذلك ، وكذلك تقدير إرادة ما يقرب من الحال ، والقرينة منتفية في الجميع بالنسبة إلينا ، وجعل أحد الخبرين قرينة في الآخر موقوف على العلم ليترجّح أحد الأمرين أو الأُمور ، وحيث لا قرينة فيمكن ادّعاء العمل بكلّ من الخبرين لعدم الترجيح.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٤ : ٤٤٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٨.

(٣) في « رض » : إذا.

٧٩

ولا يضرّ بحال السائلين من حيث الإجمال ؛ لاحتمال علم كلّ واحد بالقرينة ولم تصل إلينا ، وحينئذ فالعمل يجوز بكلّ منهما ، فيكتفى بالإقامة الماضية والإقامة في الحال ، أمّا الاستقبال فالظاهر أنّه منتف ، إذ لا وجه للإقامة المستقبلة في التمام قبلها إلاّ بقصد الإقامة ، وانتفاء تأثيره كأنّه واضح ؛ إذ لا قائل به ، فلم يبق إلاّ ما ذكرناه.

ولو قطع النظر عن رواية سعد ، وكان الالتفات إلى رواية محمّد بن إسماعيل كما وقع للوالد قدس‌سره وشيخنا قدس‌سره فالظاهر أنّه لا بدّ من التزام عدم تأثير الماضي من الإقامة بل يعتبر الحال ، وحينئذ لا وجه لاعتبار كلّ سنة ، إذ الظاهر منه أنّه لو مضى سنة أو أكثر خالية من الإقامة لا يتم والحال أنّ ظاهر الخبر اعتبار الحال ، فالتعبير بكل سنة غير واضح الوجه.

نعم ربما يدّعى دخول ما قرب من الحال ، كأن يقيم نصف السنة الأخير مثلاً ثمّ يسافر في أول السنة الثانية ، فإنّ الأُولى بالنسبة إلى الثانية وإن كانت ماضية إلاّ أنّها قريبة من الحال ، بخلاف ما إذا أقام نصف سنة من الاولى في أوّلها ثم سافر نصف سنة ورجع في أول الثانية ، أو أقام نصف سنة ثم سافر وبقي مسافراً ، أو أقام في غير الضيعة سنة ثم رجع فإنه يبعد دخوله في الخبر ، وإن كان للمناقشة في صدق الحال مجال ، إلاّ أنّ بالتكلّف يمكن ادّعاء الدخول في الخبر ، وعلى كل حال لا وجه لاعتبار كل سنة.

ولو نظرنا إلى الجمع بين الخبرين فيراد الإقامة في الماضي والحال ، وردّ الإشكال في أنّ الماضي والحال لا يشترط اجتماعهما ، بل لو فرض حصول الإقامة في سنة ماضية ثمّ وقع الفصل بين الماضية والسنة الثانية وتحقّقت الإقامة في السنة الثالثة مثلاً يصدق الإقامة ستةً في الماضي والحال ، وإرادة الاتصال غير مستفادة من الخبرين.

٨٠