إستقصاء الإعتبار - ج ٤

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-176-1
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥٥٠

فعل الركعتين ، ومع التعارض يمكن الحمل على الاستحباب ، وإنْ أشكل بالرابع ، فإنّ فعله عليه‌السلام خلاف المستحب بعيد ، وبيان الجواز أبعد في مقام الاستحباب ، وحمل الشيخ على انتظار الاجتماع غير واضح رجحانه على الاستحباب.

وعلى تقدير التساوي أو الرجحان فالخبر الأوّل لا يكون النهي فيه مفيداً للتحريم على الإطلاق ، بل إمّا للكراهة أو للأعم من التحريم والكراهة ، وعلى التقديرين فهو متجوز فيه (١) ، ومعه لا تبقى دلالته على تحريم التطوع ظاهرة ، إلاّ أن يقال : إنّه للتحريم إلاّ ما خرج بالدليل ، وفيه : أنّ الكلام في الاستدلال بمجرد النهي ؛ إذ لنا أن نقول : إنّ الدليل كما دلّ على فعل الراتبة قبل القضاء مطلقاً أو ركعتي الفجر كذلك يدلّ على جواز غيرها أو غير ركعتي الفجر.

ففي الخبر الصحيح السابق عن عمر بن يزيد فيما رواه الصدوق أنّه سأل عن الرواية التي تضمّنت أنّه لا ينبغي التطوع في وقت الفريضة ، فأجابه عليه‌السلام : « ما بين الأذان والإقامة » فلو كان مطلق الوقت موجباً لما حصر عليه‌السلام ، إلاّ أن يقال : إنّ الجواب عن مادّة خاصّةٍ ، وفيه ما فيه ، لكن الخبر قدّمنا فيه احتمالاً آخر يدفع الاستدلال ، كما تقدّم (٢) أيضا إطلاق بعض الأخبار.

وفي صحيح بعض الأخبار دلالة على أنّ خمس صلوات يصلّى في كلّ وقت ، وهو شامل للفريضة والنافلة ، وقد ذكرنا في حواشي الروضة ما لا بدّ منه أيضاً.

__________________

(١) في « فض » و « رض » : متجوّز به.

(٢) في ص ١٤١٥.

٤٨١

وقد يقال : إنّ الأخبار المطلقة تقيّد بهذه.

وفيه : أنّ صراحة بعض هذه الأخبار في فعل ركعتي الفجر وعدم صراحة الاولى في التحريم يوجب عدم بقاء المطلق ، وبتقديره عدم إرادة التحريم.

ثم إنّ الأخبار الواردة بالصلوات المستحبات على الإطلاق ، بل بعضها في وقت الفريضة كصلاة جعفر الدال بعضها على جعلها من النوافل الراتبة كما تضمّنه الخبر الصحيح ، ولا يبعد احتمال منع النافلة إذا تضيّق وقت الفضيلة كما يشعر به بعض الأخبار المعتبرة وغيرها ، وحينئذ يحمل الخبر الأوّل على هذا.

ولبعض محقّقي المتأخّرين رحمه‌الله كلام في المقام ، وهو أنّه ذكر من الأدلة على [ عدم (١) ] جواز فعل النافلة لمن عليه فريضة : خبر زرارة المتقدّم المتضمّن لصلاة ركعتي الفجر بعده المشتمل على ذكر القياس ، ثم قال : والظاهر منها هو المنع من النافلة وقت الفريضة بحيث يخرجها عن وقتها [ ولا يشمل الفوائت (٢) ] ، إذ لا يقال : دخل عليك وقت الفريضة ، لأنّ وقتها دائم. انتهى (٣).

وحاصل مرامه أنّ المتبادر من الرواية على تقدير البناء على ظاهرها من المنع فيما إذا دخل عليك وقت الفريضة ، ومن كان عليه فريضة لا يقال : دخل عليك الوقت ؛ لأنّ وقت القضاء مستمرّ ، وحينئذ على تقدير المنع فالحكم يقيّد بغير ما في ذمّة الإنسان من الفوائت ، وهذا الكلام جيّد ،

__________________

(١) ما بين المعقوفين ساقط من النسخ ، أثبتناه من المصدر.

(٢) ما بين المعقوفين ساقط من النسخ ، أثبتناه من المصدر.

(٣) مجمع الفائدة ٢ : ٤٤.

٤٨٢

ولا يتوجه عليه أنّ القضاء وإن كان موسّعاً بتقدير القول به إلاّ أنّ من موانعه الحاضرة إذا خاف فوتها قطعاً ، فإذا زال هذا المانع وهو خوف الفوات صحّ أنْ يقال دخل وقت القضاء ؛ لإمكان أنْ يقال : إنّ تبادر دخول الوقت في مثل هذا محلّ كلام.

وما عساه يقال في التنظير بالصوم المسمّى قياساً قد سمعت ما فيه ، ولا يبعد أن يكون إشارة إلى الأفضلية ؛ لدلالة الأخبار على جواز نافلة الفجر بعده في الجملة ، ولو لا دلالة بعض الأخبار في الصوم ( على المنع من التطوع ) (١) لأمكن أن يستدلّ بالرواية على جوازه من حيث الإذن في صلاة ركعتي الفجر المقتضية للحمل على الأفضليّة في الصلاة فكذا في الصوم ، إذ من المستبعد قياس الأفضليّة على المتعيّن وجوباً ، وربما يقال : إنّ ما دلّ على المنع من صوم النافلة محمول على الأفضل ، إلاّ أنّ الإجماع قد ادعي على أنّ من عليه من شهر رمضان شي‌ء لا يتطوّع ، والله تعالى أعلم.

قوله :

باب من فاتته صلاة فريضة فدخل

عليه وقت صلاة فريضة أُخرى (٢).

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد ابن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال : سألته عن رجل نسي الظهر حتى دخل وقت العصر ، قال : « يبدأ بالظهر ، وكذلك الصلوات‌

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من « د » و « رض ».

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٨٧ : وقت صلاة أُخرى فريضة.

٤٨٣

تبدأ بالتي نسيت ، إلاّ أن تخاف أن يخرج وقت الصلاة فتبدأ بالتي أنت في وقتها ثم تقضي التي نسيت ».

الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن عروة ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أُخرى فإن كنت تعلم أنّك إن صلّيت (١) التي فاتتك (٢) كنت من الأُخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك ، فإنّ الله عز وجل يقول ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) (٣) وإن كنت تعلم أنّك إن صلّيت التي فاتتك فاتتك التي بعدها (٤) فابدأ بالتي أنت في وقتها واقض الأُخرى ».

الحسين بن سعيد ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي (٥) قال : سألته عن رجل نسي أن يصلّي الاولى حتى صلّى العصر ، قال : « فليجعل صلاته التي صلّى الاولى ثم يستأنف العصر » قال : قلت : فإن نسي الأُولى والعصر جميعاً ثم ذكر ذلك عند غروب الشمس؟ فقال : « إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر ثم ليصلّ العصر ، وإن خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ولا يؤخّرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعاً ، ولكن يصلّي العصر فيما قد بقي من وقتها ثم ليصلّ الاولى بعد ذلك على أثرها ».

عنه ، عن فضالة ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة فإن استيقظ‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٨٧ / ١٠٥١ : إذا صليت.

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٨٧ / ١٠٥١ : التي قد فاتتك.

(٣) طه : ١٤.

(٤) في الاستبصار ١ : ٢٨٧ / ١٠٥١ : بعدها أيضاً.

(٥) في نسخة من الاستبصار ١ : ٢٨٧ / ١٠٥٢ : عن أبي عبد الله.

٤٨٤

قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة ، وإن استيقظ بعد الفجر (١) فليصلِّ الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس ».

عنه ، عن حمّاد ، عن شعيب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن نام رجل (٢) ولم يصلّ صلاة المغرب والعشاء الآخرة أو نسي فإن (٣) استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما ، وإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة ، وإن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصلِّ الفجر ثم المغرب ثم العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس ، وإن (٤) خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصلِّ المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها ثمّ ليصلّها ».

السند‌ :

في الأوّل : فيه سهل بن زياد ومحمّد بن سنان وأبو بصير وقد قدّمنا القول فيهم (٥) ، كما قدّمنا (٦) أنّ العدّة الراوية عن سهل فيها الثقة ، لكنه غير نافع.

والثاني : فيه القاسم بن عروة ، وقد مضى (٧).

والثالث : فيه ابن سنان وهو محمّد ، كما قدّمناه (٨) ، وأنّ احتمال عبد الله منتف ، وما وقع في بعض الطرق من ذكر عبد الله بعد الحسين نبّه‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٨٨ / ١٠٥٣ زيادة : فليبدأ.

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٨٨ / ١٠٥٤ : الرجل.

(٣) في الاستبصار ١ : ٢٨٨ / ١٠٥٤ : فإذا.

(٤) في الاستبصار ١ : ٢٨٨ / ١٠٥٤ : فإن.

(٥) في ج ١ : ٧٠ ، ١٢١ ، ١٣٤.

(٦) في ج ١ : ١٣٤ ، ١٣٥ ، ١٤٢.

(٧) في ج ١ : ٤٣٩.

(٨) في ص ١٢١.

٤٨٥

الوالد قدس‌سره على أنّه سهو (١) ، ولا يبعد أن يكون عبد الله هو أخو محمّد لا عبد الله بن سنان ، وإن اشتركا في اسم الأب ؛ إذ ليس محمّد أخا عبد الله ، كما يعلم من الرجال ، وبالجملة فاحتمال عبد الله الثقة لا وجه له ، والتفصيل أزيد من هذا قد سبق.

والرابع : فيه أنّ الشيخ رواها عن ابن سنان في التهذيب (٢) بدل ابن مسكان كما تقدم (٣) ، وعلى تقدير ابن سنان هو عبد الله فهي صحيحة ، وأمّا ابن مسكان ففيه احتمال ، وإن أمكن ادعاء ظهور عبد الله لما يأتي (٤) ، إلاّ أنّ روايته عن أبي عبد الله ربما يشكل بما ذكره النجاشي نقلاً عن الكشي (٥) ، فيقرب (٦) إلى الصواب ابن سنان.

وما ذكره شيخنا قدس‌سره في فوائد الكتاب : من أنّ الشيخ رواها بنحو ما ذكرناه في التهذيب وأنّه الصواب. إن أراد بوجه الصواب الرواية عن أبي عبد الله ، ففيه : أنّ رواية ابن مسكان عن أبي عبد الله موجودة بكثرة كما قدمناه (٧) ، وكلام الكشي المحكي في النجاشي محلّ تأمّل ، وإن كان لأنّ ابن سنان روى عنه فضالة دون ابن مسكان فالموجود في الرجال رواية غير فضالة عنهما ، بل ابن أبي عمير روى عنهما وغيره ، فالصواب محلّ كلام ،

__________________

(١) منتقى الجمان ١ : ٣٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٠ / ١٠٧٦.

(٣) في ص ١٤٢٥.

(٤) في « فض » و « رض » : مما يأتي.

(٥) وهو ما رواه الكشي انّه لم يسمع من أبي عبد الله عليه‌السلام إلاّ حديث : ( من أدرك المشعر فقد أدرك الحج ) رجال الكشي ٢ : ٦٨٠ / ٧١٦ ، ولم نعثر على النقل في النجاشي : ٢١٤ / ٥٥٩ ، ولعل المصنف أخذه من الخلاصة : ١٠٦ / ٢٢.

(٦) في « فض » : فيتأيد ، وهي مشطوبة في « د » ولكن في هامشها : فيقرب.

(٧) في ص ١٢٠ ، ١٤٧.

٤٨٦

إلاّ أنّه سيأتي (١) عن قريب رواية فضالة عن عبد الله بن مسكان وربما حصل الظنّ بأنّ الحكم مطّرد ، فليتأمّل.

والخامس : فيه أبو بصير ، والظاهر أنّه الضعيف لرواية شعيب عنه وقد قدّمنا (٢) وجه ضعفه عن قريب مجملاً ، وبعيدٍ مفصّلاً.

المتن :

في الأوّل لا يخفى ظهوره في أنّ المراد ( بالفائتة غير المقضيّة ) (٣) ، والعنوان من الشيخ ربما يقتضي بظاهره خلافه ، إلاّ أنه لا مانع من إرادة العموم في العنوان.

ثم إنّ الخبر قد يدلّ على ما يشمل القضاء بقوله : « وكذلك الصلوات » إلاّ أنّ احتمال إرادة غير الظهر من المغرب والعشاء المؤدّاتين ربما يدّعى ظهوره ، والفائدة تظهر في الدلالة على الفائتة مع الاتحاد إذا خرج وقتها هل يجب فعلها قبل الحاضرة أم لا؟ وعلى تقدير حمل الخبر على الحاضرتين تنتفي الدلالة المطلوبة ، وما تضمّنه من خوف خروج الوقت يراد به وقت الإجزاء.

نعم قد يحصل الظن بخروج الوقت فيصلّي الحاضرة ثم يظهر اتساعه ، فاحتمال العدول بها إلى السابقة ، أو صحّتها لكونها في المشترك ، أو يفرق بين المشترك في نفس الأمر مع أنّه في الظن وقت اختصاص ، أو أنّ المشترك على تقدير وقوع ركعة إنّما يجزئ مع عدم قصد الاختصاص ،

__________________

(١) في ص ١٤٤١.

(٢) في ص ١٤٠٧.

(٣) ما بين القوسين كذا في النسخ ، والأنسب : بالمنسية غير الفائتة.

٤٨٧

احتمالات ، والخبر مجمل.

وقوله : « ثم تقضي التي نسيت » لا تدلّ على تعيّن القضاء قبل المغرب ؛ لأنّ دلالة : « ثم » على الترتيب محتمل لترتبها على العصر ، ويحتمل غير ذلك ، وستسمع القول في غيرها من الأدلّة إنشاء الله تعالى.

وأمّا الثاني : فلا يبعد أن يراد بالفائتة نحو ما في الأول ، ويراد فواتها عن وقتها الأوّل ، وقوله : « كنت من الأُخرى في وقت » ربما يدلّ على الوقت في الجملة ولو بإدراك ركعة منه ، والتنكير يشعر به ، وهذا الاحتمال في الأول أيضاً ، لكنه موقوف على ثبوت دليل : أنّ إدراك الركعة كاف على الإطلاق ، وفيه نوع تأمّل ذكرناه في محلّ آخر.

والحاصل أنّ ظاهر الخبر الاكتفاء بوقت ما ، والإجمال فيه حاصل إلاّ بتقدير ادعاء الشمول للبعض والجميع ، والأوّل كما ترى ظاهره كذلك ؛ لأنّ وقت الصلاة يتناول البعض والجميع ، وفي نظري القاصر أنّ احتمال إرادة الفائتة غير الخارج وقتها يستفاد منه احتمال كون الآية الشريفة مراداً بها أنّ الصلاة مأمور بها في وقتها والوقت حاصلٌ ، أو أنّ الأمر بالصلاة مطلق ما دام الوقت ، والفرق بين الأمرين يظهر بالتأمّل.

وعلى هذا ، فقوله سبحانه ( لِذِكْرِي ) محتملٌ أن يراد به ليكون ذاكراً لي ، ويحتمل أن يكون ذكر الآية لا من حيث الأمر ، بل من حيث إنّ العلّة الذكر ، وذكره على كلّ حال مأمور به ، فيدخل فيه هذه الحال.

وما ذكره بعض محقّقي المعاصرين سلّمه الله من أنّه ورد في بعض الأحاديث المعتبرة في تفسير قوله عز وجل ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ

٤٨٨

لِذِكْرِي ) أي ذكر صلاتي (١) ، وأشار بأنّ هذا مستفاد من خبر زرارة الحسن عنده. ففيه : أنّ استفادة ما ذكره محلّ تأمّل ، كما أنّ وصفه بالحسن كذلك ؛ لوجود القاسم بن عروة وقد تقدّم ما يدلّ على حاله بما لا يفيد مدحاً (٢).

وعلى كلّ حال فقد نقل عن السيّد المرتضى أنّه قال بالمضايقة في القضاء (٣) ، كما ذكرناه في حواشي التهذيب ، وكذلك غيره (٤) أيضاً ، واحتمل الاستدلال على ذلك بعض محقّقي المعاصرين سلّمه الله بأنّ الأمر بالشي‌ء يستلزم عدم الأمر بضده (٥) ، وقد ذكرنا ما فيه في الحاشية ، والحاصل أنّ الضدّيّة إنّما تتحقق مع القول بالتضيق وهو أصل المدعى ، وقد ذكر شيخنا قدس‌سره هذا الدليل (٦) ، والكلام فيهما واحد.

فإن قلت : الضديّة تتحقّق في الموسّع بالنسبة إلى الفعل وإنْ كان الواجب موسّعاً ، وحاصل الأمر أنّ الموسّع لو جاز فعله مع جواز فعل الواجب الآخر لزم اجتماع الضدّين.

قلت : المصرّح به في كلام بعض الأصحاب اشتراط الضيق في التضاد (٧) ، وما ذكرت من الاحتمال في الموسّع قد يتوجّه عليه أنّ التضاد في الفعل لا يتعين انتفاؤه بترك القضاء ، بل يتحقق بترك أحد الواجبين إمّا القضاء أو المؤدّاة ، فلا وجه لاختصاص المنع بالقضاء.

__________________

(١) البهائي في الحبل المتين : ١٥١.

(٢) في ص ٣١٩.

(٣) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ٤٠٨ ، وهو في رسائل المرتضى ٢ : ٣٦٤.

(٤) كالحلّي في السرائر ١ : ٢٧٢.

(٥) البهائي في الحبل المتين : ١٥١.

(٦) المدارك ٤ : ٣٠١.

(٧) كما في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٢٦.

٤٨٩

والحق أنّ الاعتبار يشهد بأنّ النهي عن الضد أو عدم الأمر بالضد وإنْ كان لا يتحقّق إلاّ بخصوص الفعل ، إلاّ أنّ ما نذكره فيما بعد من الإشكال في ذلك يلزم منه توجّه أحد الأمرين إلى الفعل ، لكن الترجيح للقضاء على صاحبة الوقت لا وجه له ، إذ الفعل كما اعتبر في القضاء يعتبر في الأداء ، وأمّا التعبير من شيخنا المعاصر سلّمه الله بقوله : عدم الأمر بضده ، فالغرض منه : الإشارة إلى أنّ ما قاله أهل الأُصول من الخلاف في استلزام الأمر بالشي‌ء النهي عن ضدّه غير واضح بما بيّنه في الزبدة (١) ، وأنّ الذي ينبغي أن يقال : عدم الأمر بضدّه.

وقد يناقش في هذا بأنّ الضد المبحوث عنه هو الضد الخاص ، وهو الأمر الوجودي ، والمحقّقون على أنّ المأمور به الماهيّة والفرد وجود له (٢) لأنّه لا يتم إلاّ به ، فالضد غير مأمور به عندهم ، وحينئذ لا فائدة في قولنا : الأمر بالشي‌ء يستلزم عدم الأمر ، لأنّ عدم الأمر حاصل قبل الأمر بالشي‌ء ، واحتمال أن يقال : إنّ الضد قد يكون كلّياً إضافيّاً فيتحقق الأمر به ويتم المراد ، يمكن أن يجاب عنه : بأنّه خروج عن محل النزاع وهو الضد الخاص.

فإن قلت : قد صرّح الأُصوليون بأنّ الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضدّه العام (٣) ، وحينئذ فيه دلالة على تحقّق الضد في الكلّي.

قلت : قد ذكر بعضهم أنّ للضد العام معنىً يرجع إلى الأمر الوجودي ، كما نقلناه في حواشي المعالم ، وإنْ أشكل الحال في قولهم‌

__________________

(١) زبدة الأصول : ٨٢.

(٢) في « د » و « رض » : والفرد وجوبه ، وفي « فض » : وجود به ، والظاهر ما أثبتناه.

(٣) كما في مبادي الأصول : ١١٢ ، ومعالم الأصول : ٦٣.

٤٩٠

الأمر بالشي‌ء ، بورود ما قلناه عليه ، إلاّ أنّ المطلوب هنا في الإيراد بالنسبة إلى محل النزاع.

وبالجملة : يخطر في البال أنّ قولهم : الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضدّه ، لا يخلو من إشكال على تقدير أن يكون الأمر إنّما هو بالماهيّة ، لأنّ الأمر بالشي‌ء في قوّة الأمر بالماهيّة والضد الخاص للماهيّة وهو الأمر الوجودي ، غير واضح ، ولو أُريد بالضد الخاص الكلّي الإضافي لزم التهافت ، كما لو أُريد بالأمر بالشي‌ء الفرد لزم اختيار مذهب القائل بأنّ المأمور به الفرد الغير المعيّن ، وهو مزيّف.

وما يتوجّه على قولهم : من أنّ الأمر بالماهيّة يستلزم أن يكون الفرد مقدمة الواجب ، لا أنّه الواجب ، والحال أنّ العبادة الواجبة توصف بأنّها مأمور بها ، ومن ثَمَّ إذا وقعت على غير وجهها يقال : إنّ فاعلها لم يأت بالمأمور به ، وحينئذ يحتاج الجمع بين هذه الأُمور إلى مزيد نظر ، ومحلّه غير هذا ، وإنّما ذكرناه بالعرض ، فليتأمّل.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ في الآية احتمالات في كلام المفسّرين.

والعجب من شيخنا قدس‌سره أنّه أجاب عن الآية بعد نقل استدلال العلاّمة بها للمضايقة باحتمالها لأُمور (١) ولم ينقل هذا الخبر ، والضعف فيه لو منع ذكره لمنع ذكر قول المفسِّرين.

ثم إنّ الخبر على تقدير أن يراد بالفائتة ما خرج وقتها بالكلّية ، يحتمل أن يكون ذكر الآية لأنّ الأمر بإقامة الصلاة لذكر الله ، وهو يتناول الأداء والقضاء ، وهذان الاحتمالان وإنْ بَعُدا ، ليسا بأبعد ممّا ذكره المفسِّرون‌

__________________

(١) المدارك ٤ : ٣٠٢.

٤٩١

من احتمال ذكرى إيّاها في الكتب ونحو ذلك ، هذا.

وما تضمّنه الخبر من قوله : « إنْ كنت تعلم » إلى آخره. ربما يدلّ على اعتبار العلم ، ولعلّ المراد به ما يشمل الظن ، كما أنّ الفوات فيه محتمل لفوات جميع الوقت أو بعضه كما مضى ، وقوله : « واقض الأُخرى » على الاحتمال الأوّل يراد به فعل الأُخرى ، وعلى الثاني ظاهر ، ولا يخفى أنّ فوات الثانية بفعلها يشكل في صورة فوات البعض دون البعض ، كما لو علم أنّه إذا قضى الفائتة أدرك ركعة (١) ، وعلى تقدير إرادة القضاء الحقيقي ربما (٢) يتناول هذه الصورة ، ولا أعلم الآن القائل به.

وأمّا الثالث : فصدره كما ترى ظاهر في المؤدّاتين ، لكن فيه تقييد بآخر الوقت ، وغير خفي أنّ العصر إذا كانت في المشترك يشكل قوله : يجعلها الاولى ، وعلى تقدير الوقوع في المختص فجعلها الاولى محتمل ، لكنه مخالف لإطلاق بطلان العصر.

وما تضمّنه من قوله : « لا يخاف فوت إحداهما » يراد به الظهر والعصر ، وهو ظاهر في بقاء الوقت ، لدلالة البدأة بالعصر ، والأمر بصلاة الظهر على أثرها له دلالة على تعيّن فعلها قبل المغرب ، فيدلّ على القول بالمضايقة في الفائتة المتحدة.

والرابع : قد تقدّم (٣) أنّ له دلالةً على امتداد وقتي المغرب والعشاء لمن ذكر في الرواية إلى الفجر ، وهو منقول عن المحقّق في المعتبر (٤) ،

__________________

(١) في « ش » : الركعة.

(٢) في « رض » : إنّما.

(٣) في ص ١٣٥٤.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٠٩.

٤٩٢

واحتمال أن يقال : إنّهما غير صريحتين في الأداء فيجوز إرادة القضاء ولو على وجه الاستحباب كما ينبّه عليه ذكر فعلهما بعد الصبح ، مع دلالة بعض الأخبار على الاستحباب مع التعدد يدفعه ذكر البدأة بالعشاء على تقدير عدم إمكان فعلهما ، إذ القضاء يقتضي تقديم المغرب.

أمّا دلالة الرواية على الاختصاص بالعشاء فظاهرة ، غير أنّه يظهر منها المخالفة لحكم اختصاص النصف ، لأنّ من اتسع الوقت له لِفِعْل خمس ركعات يفعل الفرضين ، والخبر يعطي أنّ الخوف من فوت إحداهما يقتضي البدأة بالعشاء ، لكن لا يخفى أنّ ما دلّ على أنّ إدراك الركعة كافٍ ، يتحقق به إدراكهما بتقدير إدراك الخمس.

ثم إنّ الخبر ظاهر في أنّ الفائتة مع التعدد لا يجب تقديمها على الحاضرة مع السعة ، لدلالته على أنّ المغرب والعشاء يفعلهما قبل طلوع الشمس ، وهو يدل على اتساع الوقت ، ويستفاد منه أنّ المراد بخوف الفوات فوات وقت الفضيلة للصبح ، وهذا ربما يشمل المتحدة المشترط في تقديمها عدم خوف الفوات ، إلاّ أن يدّعى أنّ ما لا يجب تقديمه يكفي فيه خوف فوت الفضيلة بخلاف ما يجب ، وستسمع (١) إن شاء الله الكلام في المتحدة.

وأمّا الخامس : فكالرابع ، وفيهما دلالة على كراهة القضاء حين طلوع الشمس وبقاء شعاعها ، ولا يخفى أنّ ما سبق من رواية زرارة في الباب السابق (٢) الدالة على جواز القضاء في أيّ وقت ينفي الكراهة ، والجمع بينه وبين هذين بحمل الجواز على نفي التحريم وهذين على الكراهة ، لكن‌

__________________

(١) في ص ١٤٣٦.

(٢) في ص ١٤١٧.

٤٩٣

الأول وهو الصحيح بالنسبة إلى ما بعد طلوع الشمس لا يدلّ على النهي ، وأمّا الثاني فالأمر بترك العشاء يدلّ على ما ذكر ، لكن سنده قد علمته.

قوله :

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال ، عن عمرو بن سعيد المدائني ، عن مصدّق بن صدقة ، عن عمّار بن موسى الساباطي (١) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل (٢) تفوته المغرب حتى تحضر العتمة ، قال (٣) : « إنْ حضرت العتمة وذكر أنّ عليه صلاة المغرب فإنْ أحبّ أن يبدأ بالمغرب بدأ ، وإنْ أحبّ بدأ بالعتمة ثم صلّى المغرب بعدها ».

فهذا خبر شاذّ مخالف للأخبار كلّها ؛ لأنّ العمل على ما قدّمناه من أنّه إذا كان الوقت واسعاً ينبغي أن يبدأ بالفائتة ، وإنْ كان الوقت ضيِّقا (٤) بدأ بالحاضرة ، وليس هنا (٥) وقت يكون الإنسان فيه مخيّراً ، ويمكن أنْ يحمل الخبر على الجواز ، والأخبار الأوّلة على الفضل والاستحباب.

فأمّا ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن العبّاس ، عن إسماعيل ابن همام ، عن أبي الحسن عليه‌السلام أنّه قال : في الرجل يؤخّر الظهر حتى يدخل وقت العصر : « فإنّه يبدأ بالعصر ثم يصلّي الظهر ».

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٨٨ / ١٠٥٥ : عن عمار الساباطي.

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٨٨ / ١٠٥٥ : الرجل.

(٣) في الاستبصار ١ : ٢٨٨ / ١٠٥٥ : فقال.

(٤) في الاستبصار ١ : ٢٨٨ / ١٠٥٥ : مضيقاً.

(٥) في الاستبصار ١ : ٢٨٨ / ١٠٥٥ : ههنا.

٤٩٤

فالوجه في هذا الخبر هو أنّه إذا تضيّق وقت العصر بدأ به ، ثم صلّى الظهر على ما فصّلناه.

فأمّا ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن علي بن خالد ، عن أحمد بن الحسن بن علي (١) ، عن عمرو بن سعيد المدائني ، عن مصدّق ابن صدقة ، عن عمّار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس وهو في سفر كيف يصنع؟ أيجوز له أن يقضي بالنهار؟ قال : « لا يقضي صلاة النافلة (٢) ولا فريضة بالنهار ، ولا يجوز له ولا يثبت له ، ولكن يؤخّرها فيقضيها بالليل ».

فهذا خبرٌ شاذّ لا يعارض به الأخبار التي قدّمناها مع مطابقتها لظاهر الكتاب وإجماع الأُمّة.

السند‌ :

في الأوّل : معلوم الحال بعد ما تكرر فيه المقال (٣).

والثاني : صحيح على الظاهر أنّ العباس فيه ابن معروف لما (٤) تكرّر في الأسانيد ، وقد قدّمنا (٥) في أول الكتاب جزم الوالد قدس‌سره بذلك ، ويحتمل ابن عامر لأنّ سعداً يروي عنه في الرجال (٦) ، والمرتبة قريبة مع ابن‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٨٩ / ١٠٥٧ زيادة : بن فضال.

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٨٩ / ١٠٥٧ : نافلة.

(٣) راجع ص ١١٤.

(٤) في « رض » : كما.

(٥) في ص ٤٥.

(٦) انظر رجال النجاشي : ٢٨١ / ٧٤٤.

٤٩٥

محبوب ، واحتمال غيرهما في حيّز الإمكان ، إلاّ أنّ الظن حاصل بالمقدّم.

والثالث : فيه عليّ بن خالد ، وفي إرشاد المفيد ذكر علي بن خالد وأنه كان زيديّاً ورجع لما رأى من كرامات أبي جعفر الثاني عليه‌السلام (١) ، ولا يبعد أن يكون هو المذكور.

المتن :

في الأوّل : يحتمل أن يراد بالمغرب فيه غير مغرب تلك الليلة التي حضرت العتمة فيها ، ويكون السؤال بسبب احتمال تقدّم المغرب على العشاء أداءً وقضاءً ، ولو حملت على مغرب الليلة خالف الإجماع ، والشيخ كما ترى كلامه لا يخلو من تأمّل ؛ لأنّ المفهوم من الخبر فائتة الليلة وحمل الخبر على الجواز لا وجه له ، ولو حمل على أنّ الفائتة من غير الليلة كما ذكرناه فالأخبار السابقة دالة على الوجوب.

وقد نقل العلاّمة في المختلف عن الشيخ القول بالمضايقة ، وهو وجوب ترتيب الفائتة على الحاضرة ما لم يتضيّق وقت الحاضرة ، قال : وقد صرّح في المبسوط بأنّه إذا علم أنّ عليه قضاءً وادّى فريضة الوقت فإنّه لا يجزؤه (٢).

والظاهر أنّ الوجوب على الفور كما يقتضيه كلام المبسوط ، وينقل عن سلاّر القول بالفوريّة أيضاً (٣) ، وعن السيّد المرتضى وابن إدريس المنع من الاشتغال بغير القضاء في الوقت المتّسع ، ومنعا من التكسب بالمباح‌

__________________

(١) إرشاد المفيد ٢ : ٢٩١.

(٢) المختلف ٢ : ٤٣٥ ، وهو في المبسوط ١ : ١٢٧.

(٣) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٤٣٦ وهو في المراسم : ٩٠.

٤٩٦

وأكل ما يزيد على ما يمسك الرمق (١).

ونقل أيضاً في المختلف القول بالتوسعة وأنّ الأوْلى تقديم الفائتة عن بعض المتقدمين (٢) ، وعن أبي جعفر ابن بابويه التوسعة أيضا (٣) ، ولم ينقل عن الشيخ التوسعة ، وكلامه في هذا المقام يفيده على تقدير أنّ ما يذكره هنا يكون مذهباً ، كما ينقل عنه في مواضع منها ما تقدم في المواقيت.

وللعلاّمة تفصيل في المسألة ، وهو أنّ الفائتة إنْ ذكرها في يوم الفوات وجب تقديمها على الحاضرة ما لم يتضيّق وقت الحاضرة سواء اتحدت أو تعدّدت ، وإنْ لم يذكر حتى يمضي ذلك اليوم جاز له فعل الحاضرة ، واستدل على ذلك بأخبار ، منها خبر زرارة المتقدم فيه البحث (٤) ، وقد عرفت أنّ دلالته لا تخلو من إجمال.

وما استدل به العلاّمة أوضحت القول فيه في رسالة مفردة في الظن أنّه لا مزيد عليه.

واستدل شيخنا قدس‌سره (٥) على وجوب تقديم المتحدة بصحيح صفوان ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس وقد كان صلّى العصر ، فقال : « كان أبو جعفر عليه‌السلام أو كان أبي عليه‌السلام يقول : إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها ، وإلاّ صلّى المغرب ثم‌

__________________

(١) حكاه عنهما في المختلف ٢ : ٤٣٧ ، وهو في المسائل الرسية ( رسائل المرتضى ٢ ) : ٣٦٥ ، وفي السرائر ١ : ٢٧٤.

(٢) المختلف ٢ : ٤٣٧.

(٣) المختلف ٢ : ٤٣٦ ، وهو في الفقيه ١ : ٢٣٢ ، ٢٣٣.

(٤) في ص ٤٨٨ ٤٩٢.

(٥) المدارك ٤ : ٢٩٩.

٤٩٧

صلاّها » (١).

ولا يخفى أنّ دلالة هذه الرواية على الوجوب محلّ كلام ، بل الظاهر من سياقها الندب ، والوجه فيه : أنّ قوله : « إن أمكنه » يُشعر بعدم التحتّم ، وما عساه يقال : إنّ الوجوب فرع الإمكان أيضاً ، يمكن الجواب عنه بأنّ الإمكان وإن كان شرطاً عقلاً إلاّ أنّ الإتيان به في الرواية محتمل لأن يراد به القدرة المعتبرة في وجوب الفعل ، ويحتمل أن يراد به الأعم.

ولو نوقش بأنّ الظاهر إرادة القدرة فقوله : « وإلاّ صلّى المغرب ثم صلاّها » يدلّ على لزوم صلاتها بعد المغرب ، فإن كان اعتماد شيخنا قدس‌سره على المضائقة مع الاتحاد حتى في فعلها بعد الفريضة فالمعهود منه خلافه ، بل الفورية لا يقول بها على الإطلاق ، وإذا لم يكن كذلك دلّ الخبر على الاستحباب في الفعل بعد الحاضرة ، ومعه يقرب الاستحباب في البدأة ، هذا كلّه على تقدير صحّة خبر صفوان.

والذي وقفت عليه في التهذيب ما رواه عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان (٢) ، والطريق إليه عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن إسماعيل (٣) ، وقد قدّمنا القول (٤) في محمّد بن إسماعيل ، والحاصل أنّه من الشيوخ فلا يبعد أن يكون من قبيل أحمد بن محمد بن يحيى وابن الوليد.

ثم إنّ الوالد قدس‌سره كان يختار الاستحباب في المتحدة والمتعدّدة ، والوجه فيه يظهر ممّا نقرّره وقرّرناه ، إلاّ أنّ اعتماد شيخنا قدس‌سره على‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩٣ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٢٦٩ / ١٠٧٣ ، الوسائل ٤ : ٢٨٩ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٦٩ / ١٠٧٣.

(٣) مشيخة التهذيب ( التهذيب ١٠ ) : ٤٧ ٥٠.

(٤) في ص ١٨٦ و ٢٤٧.

٤٩٨

الاستحباب في المتعددة (١) لرواية ابن سنان المتقدمة عن التهذيب (٢) ، وفي هذا الكتاب عن ابن مسكان الدالة على فعل الصبح قبل المغرب والعشاء.

وفي المختلف استدلّ العلاّمة على وجوب تقديم فائتة اليوم وإن تعدّدت بما رواه زرارة في الصحيح عن الباقر عليه‌السلام (٣) ، والرواية على ما وقفت عليها في التهذيب فيها إبراهيم بن هاشم ومحمّد بن إسماعيل عن الفضل ، وهي مروية عن محمّد بن يعقوب (٤) ، وقد سمعت القول في محمد بن إسماعيل (٥) ، وفي الحبل المتين مروية في الصحيح (٦) ، وشيخنا أيضاً وصفها بالصحة (٧) ، ومتن الرواية قال : « إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ باوليهن (٨) فأذّن لها وأقم ثم صلّها ثم صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة ، قال : وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « وإنْ كنت قد صلّيت الظهر وقد فاتتك الغداة فذكرتها فصلّ أيّ ساعةٍ ذكرتها ولو بعد العصر ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صلّيتها » وقال : « إن نسيت الظهر حتى صلّيت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى ثم صلّ العصر فإنّما هي أربع مكان أربع ، وإنْ ذكرت أنّك لم تصلّ الاولى وأنت في صلاة العصر وقد صلّيت منها ركعتين فصلّ‌

__________________

(١) المدارك ٤ : ٢٩٩.

(٢) راجع ص ١٤٢٦.

(٣) المختلف ٤ : ٤٣٨.

(٤) التهذيب ٣ : ١٥٨ / ٣٤٠.

(٥) راجع ص ١٨٦ ، ٢٤٧ ، ١٤٣٦.

(٦) الحبل المتين : ١٤٩.

(٧) المدارك ٤ : ٣٠٠.

(٨) في التهذيب : بأوّلهن.

٤٩٩

الركعتين الباقيتين وقم فصلِّ العصر ، وإنْ كنت ذكرت أنّك لم تصلّ العصر حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصلِّ العصر ثم صلِّ المغرب ، وإنْ كنت قد صلّيت المغرب فقم فصلِّ العصر ، وإنْ كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثم ذكرت العصر فانوها العصر ثم سلّم ثم صلِّ المغرب ، وإن كنت قد صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصلِّ المغرب ، وإنْ كنت ذكرتها وقد صليت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثم سلّم ثم قم فصلّ العشاء الآخرة ، وإنْ كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صلّيت الفجر فصلِّ العشاء الآخرة ، وإنْ كنت ذكرتها وأنت في ركعة أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمّ قم فصلّ الغداة وأذّن وأقم ، وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعاً فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة ، ابدأ بالمغرب ثم صلّ العشاء ، وإنْ خفت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثم بالغداة ثم صلّ العشاء ، وإن خشيت أن تفوتك صلاة الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة ثم صلّ المغرب والعشاء ابدأ باوليهما لأنّهما جميعاً قضاء أيّهما ذكرت فلا تصلّهما إلاّ بعد شعاع الشمس » قال : قلت : لم ذاك؟. قال : « لأنّك لست تخاف فوته » (١).

وهذا الخبر أجاب عنه شيخنا قدس‌سره بالحمل في المتعددة على الاستحباب ، لمعارضة خبر ابن سنان (٢) ، والوالد قدس‌سره كان يقول ـ بتقدير العمل به ـ : إنّ حمل بعضه على الاستحباب يقتضي حمل جميع أوامره على الاستحباب ؛ إذ من المستبعد اختلاف الخبر الواحد في الأوامر ، وقد يقال : إنّ بعض الأوامر فيه للوجوب قطعاً وهو حال ذكر الفائتة المتحدة مع فوات‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٥٨ / ٣٤٠ ، الوسائل ٤ : ٢٩٠ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٢) المدارك ٤ : ٣٠٢.

٥٠٠