إستقصاء الإعتبار - ج ٤

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-176-1
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥٥٠

عنه كما في الفهرست (١) ، واحتمال عطف محمّد بن أبي عمير على العلاء يبعّده أنّ رواية صفوان عن ابن أبي عمير غير معهودة ، أمّا رواية الحسين ابن سعيد عن ابن أبي عمير فموجودة بكثرة.

والثالث : فيه محمّد بن سنان.

والرابع : فيه عدم الطريق إلى ابن مسكان ، وإن كان في الظاهر بناه على السابق ، كما هي عادة الكليني في الكافي ؛ أمّا يعقوب بن سالم البزّاز فبهذا الوصف لم أقف عليه في الرجال.

والخامس : فيه جهالة الطريق إلى ابن مسكان (٢) ، ثمّ إنّ في الطريق إلى عبد الله بن مسكان في الفهرست ابن أبي عمير (٣) وهنا بالعكس إن كان ابن مسكان عبد الله ، كما يستفاد من الإطلاق على الاحتمال كما قدّمناه (٤).

وربما يدّعى عدم المانع من رواية كل منهما عن الآخر ، إلاّ أنّ الحقّ قرب احتمال غير عبد الله ، فليتأمّل.

والسادس : ضمير « عنه » يرجع إلى الحسين بن سعيد على الظاهر ، ولا يخفى تشويش الأحاديث في الترتيب.

والذي في التهذيب (٥) في أوّل الأحاديث المنافية ما رواه الحسين بن سعيد ، وذكر الحديث ، ثم قال : وروى عن صفوان ـ إلى أن قال ـ : وعنه ،

__________________

(١) الفهرست : ١٤٨ / ٦٢٦.

(٢) في « فض » زيادة : إلاّ على ما سبَق.

(٣) لم نعثر عليه في نسخة الفهرست الموجودة لدينا ، ولكن نقله في معجم رجال الحديث ١٠ : ٣٢٤ هكذا : قال الشيخ في النسخة المخطوطة : عبد الله بن مسكان ثقة له كتاب رويناه بالإسناد الأول عن ابن أبي عمير و.

(٤) في ص ١٢١.

(٥) التهذيب ٢ : ١٣٣ / ٥١٨ و ١٣٤ / ٥١٩ ٥٢٣.

٤٦١

عن ابن سنان ـ إلى أن قال ـ : وبهذا الإسناد ، عن ابن مسكان ، عن يعقوب ابن سالم ـ إلى أن قال ـ : وعنه ، عن ابن أبي عمير ـ إلى أن قال ـ : وعنه ، عن صفوان وابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجاج.

ولا يخفى سلامة هذه الأحاديث في الجملة ، لكن ينبغي أن يعلم أنّ في البين خللاً ؛ لأنّ قول الشيخ في التهذيب : وعنه عن ابن أبي عمير ، بعد قوله : وبهذا الإسناد ، يوهم أنّ الضمير لمحمّد بن سنان ، والظاهر أنّه راجع إلى الحسين بن سعيد ، وكذا ضمير عنه ، عن صفوان. وإنّما أتى بضمير « عنه » في قوله : عن ابن أبي عمير ، مع أنّه قال قبل هذا : وبهذا الإسناد ، إشارةً إلى أنّ الرواية عن ابن مسكان ليست من الحسين بن سعيد ، بل من الحسين بن سعيد عن محمّد بن سنان عن ابن مسكان ، وهي طريقة البناء على الإسناد السابق للكليني كما قدّمنا فيه القول (١) عن قريب.

وكأنّ الشيخ فهم هذا فأراد البيان بالفرق بين الطريقين بأنّ الأول مبنيّ على رواية محمد بن سنان ، والثاني راجع إلى الحسين بن سعيد ، وفي هذا الكتاب اشتبه الحال عليه ، هذا ما يخطر بالبال ، وعليه فقوله هنا : ابن مسكان في قوة قوله : عن الحسين بن سعيد عن محمّد بن سنان عن ابن مسكان ، وهكذا قوله : ابن مسكان ثانياً في قوّة الإعادة السابقة ، وهذه طريقة الكليني كما نبّهنا عليه سابقا.

وقوله في التهذيب : وبهذا الإسناد عن ابن مسكان أوضح شاهد على ما قلناه ؛ لأنّ عدوله عن الإتيان بلفظ « عنه » للتنبيه على أنّ الراوي عن ابن مسكان ليس هو الحسين بن سعيد ، لكن الخلل هنا في قوله : ابن مسكان‌

__________________

(١) راجع ص ١٤٠٥.

٤٦٢

عن ابن أبي عمير ، فإنّ الصواب : عنه عن ابن أبي عمير ليرجع إلى الحسين ابن سعيد كما في التهذيب وكما في قوله هنا : عنه عن صفوان ، فليتأمّل هذا ، فإنّ له أثراً في مواضع من روايات الشيخ ، وقد نبّه الوالد قدس‌سره في المنتقى على مواضع من ذلك ، إلاّ أنّ في هذا المحلّ لا أدري كلامه فيه إذ لم يحضرني الكتاب (١).

والسابع : فيه محمّد بن سنان مع الإرسال.

والثامن : فيه القاسم بن محمّد وهو الجوهري ، وقد مضى القول فيه مكرّراً ، كالحسين بن أبي العلاء (٢) ، من أنّ الذي وقفت عليه في الرجال ما قيل فيه : أوجه أخويه (٣). وما نقل عن ابن طاوس في البشرى أنّه وثّقه (٤) ، وأظنّ أنّ وجه التوثيق من حيث إنّ أحد أخويه ثقة فيكون ثقة من حيث إنّه أوجه من الثقة ، وغير خفيّ أنّ الأوجه لا يدلّ على التوثيق ؛ لاحتماله الوجاهة في أمر آخر ، ولو لا ما ذكره جدّي قدس‌سره من أن الوجاهة تقتضي المدح ، لأمكن النظر فيه ، وإن كان ما ذكره جدّي قدس‌سره لا يدفع النظر من حيث هو ، بل لاحتمال كونه اتفاقياً إذ لم ينقل الخلاف.

التاسع : فيه علي بن أبي حمزة وأبو بصير ، وحالهما تكرّر بيانه (٥) ، وقد نقلنا عن (٦) هذا الكتاب فيما مضى أنّ فيه حديثاً يدلّ على ما يقتضي القدح في أبي بصير بما يوجب الخروج عن الدين.

__________________

(١) في « فض » زيادة : حالة الاشتغال بهذا التأليف.

(٢) في ص ١٢٩ و ١٠٩.

(٣) كما في رجال النجاشي : ٥٢ / ١١٧ ، ورجال ابن داود : ٧٩ / ٤٦٨.

(٤) نقله ابن داود في رجاله : ٧٩ / ٤٦٨.

(٥) راجع ص ٥١ ، ٩٢ ، ١٩١.

(٦) كذا في النسخ ، والأنسب : في.

٤٦٣

والعاشر : فيه أنّ الطريق إلى ابن أبي عمير في المشيخة غير سليم من النظر ، وعدّه حسناً في كلام بعض (١) غير واضحٍ.

والحادي عشر : فيه أنّ الطريق إلى صفوان غير مذكور في المشيخة ، إلاّ أنّه يمكن من الفهرست تصحيح الطريق إليه إن كان ابن يحيى ؛ لأنّه ذكر الطريق إلى رواياته جميعاً وهو صحيح ، غير أنّه يمكن أن يقال : إنّ الطريق إلى رواياته موقوف على كون هذا الخبر من رواياته ، والحال أنّ الطريق إليه غير معلوم.

ويمكن الجواب : بأنّ نقل الشيخ الرواية يفيد كونها من رواياته وإن لم يعلم الطريق ، نعم في الفهرست أنّ له كتباً مثل كتب الحسين بن سعيد ومسائل ـ إلى أن قال ـ : وروايات أخبرنا بجميعها جماعة عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه (٢). والجميع يحتمل العود إلى الروايات خاصة ، أو إليها مع الكتب والمسائل ، وعلى الأوّل يتوقّف دخول ما نحن فيه على أن يكون من الروايات لا من الكتب.

والحقّ أنّ الظاهر إرادة الجميع من الكتب والمسائل والروايات ، ولا ينافي هذا ما ذكره النجاشي في الطريق إلى كتبه : من أنّ الراوي عنه محمّد ابن الحسين بن أبي الخطاب (٣) ، والشيخ ذكر أنّ الراوي عنه للجميع يعقوب بن يزيد والحسين بن سعيد (٤) ؛ لإمكان تعدّد الراوي كما لا يخفى ، ومن هنا يندفع ما يتوجّه على شيخنا المحقق أيّده الله في تصحيحه‌

__________________

(١) مجمع الرجال ٧ : ٢١٥.

(٢) الفهرست : ٨٣ / ٣٤٦.

(٣) رجال النجاشي : ١٩٨ / ٥٢٤.

(٤) الفهرست : ٨٣ / ٣٤٦.

٤٦٤

طريق الصدوق بسبب صفوان كما مضى ، فليتأمّل.

المتن :

في الأوّل والثاني والثالث ربما (١) استدل به للمشهور من أنّ آخر الوقت لركعتي الفجر طلوع الحمرة ؛ لأنّ البعديّة تستمر إلى طلوع الحمرة ، فإذا خرج ما بعدها بالإجماع بقي الباقي.

وكذلك الرابع والخامس.

وقد يقال : إنّ ما دلّ على نفي البَعْدِيّة كرواية زرارة السابقة (٢) يقتضي حمل الفجر في هذه الأخبار على الأوّل ، وكونه خلاف الظاهر لا ضير فيه بسبب الجمع ، واحتمال حمل رواية زرارة على الأفضلية وإبقاء هذه الأخبار على ظاهرها من إرادة الفجر الثاني ينافيه صراحة رواية زرارة في المنع للتنظير بالصوم.

وقد نقل عن الشيخ أنه حمل الفجر على الأوّل في هذه الأخبار (٣) وقد ذكره في التهذيب على سبيل الاحتمال (٤) ، ووجهه ظاهر بعد ما قلناه ؛ واعترض بعض مشايخنا عليه بمخالفة الظاهر (٥) ، وقد علمت إمكان دفعه ، غير أنّ الاحتمال السابق في رواية زرارة ربما يستفاد منه عدم المعارضة.

أمّا ما تضمنه خبر زرارة من كونهما من صلاة الليل وقد دلّ على جواز فعل صلاة الليل بعد الفجر بعض الأخبار في الجملة ، فلا يضرّ بحال‌

__________________

(١) في « رض » : إنما.

(٢) في ص ١٣٩٥.

(٣) حكاه عنه في روض الجنان : ١٨٢ ، وهو في المبسوط ١ : ٧٦.

(٤) التهذيب ٢ : ١٣٤.

(٥) كصاحب المدارك ٣ : ٨٥.

٤٦٥

الرواية ؛ إذ لا مانع من التخصيص بغير من صلّى صلاة الليل على تقدير دلالتها على المنع ، أو يقال : إنّ فعل صلاة الليل جائز دون ركعتي الفجر ، كما يدلّ عليه صحيح أحمد بن محمّد بن أبي نصر السابق (١) ، حيث قال فيه : « احش (٢) بهما صلاة الليل وصلّهما قبل الفجر » إلاّ أنّ في بعض الأخبار تصريحاً بفعل صلاة الليل مع ركعتي الفجر بعد الفجر ، وهو خبر إسحاق بن عمار السابق (٣) في آخر الباب الذي قبل هذا ، غير أنّ السند غير سليم.

والسادس : حينئذ يحمل على الأول.

وربما استدل شيخنا قدس‌سره على اعتبار الحمرة بما رواه عليّ بن يقطين في الصحيح (٤) على ما نقلته في حاشية الروضة ولم أقف الآن عليه قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل لا يصلّي الغداة (٥) حتى تسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخّرهما؟ قال : « يؤخّرهما » (٦) دلّ الحديث على اعتبار الحمرة في عدم فعلهما بعدها ، ولا يخفى أنّ الحمرة وقعت من السائل فلا يفيد تقييداً ، بل المنع من فعلهما بعد الفجر متناول لهذه الصورة ، والجواب عن بعض الأفراد لا يفيد تخصيصاً ، فليتأمّل.

والعجب من شيخنا قدس‌سره أنه قال : والمعتمد جواز تقديمهما بعد صلاة الليل وإن كان تأخيرهما إلى أن يطلع الفجر الأوّل أفضل ، ثم استدل على‌

__________________

(١) راجع ص ١٣٩٦.

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٨٣ / ١٠٣٤ : احشوا.

(٣) راجع ص ١٣٨٦.

(٤) المدارك ٣ : ٨٦.

(٥) في النسخ : الرجل يصلي الغداة ، وما أثبتناه من التهذيب.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٤٠ / ١٤٠٩ ، الوسائل ٤ : ٢٦٦ أبواب المواقيت ب ٥١ ح ١.

٤٦٦

جواز التقديم بصحيح أحمد بن محمّد بن أبي نصر المتضمّن لقوله : « احش بهما صلاة الليل » وصحيح ابن أبي يعفور الدال على الجواز قبل الفجر ومعه وبعده ، وصحيح محمّد بن مسلم ، وخبر زرارة الدال على أنّهما قبل الفجر فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة ، ثم قال : ويدلّ على أنّ الأفضل تأخيرهما صحيح عبد الرحمن بن الحجاج وهو السادس ، قال قدس‌سره : وإنّما حملنا الفجر على الأوّل ليناسب الأخبار السابقة (١).

وأنت خبير بأنّ الجواز إن أراد به الإباحة فلا وجه له في العبادة والأمر في الأخبار (٢) ينافيه ، وإن أراد تساوي الرجحان في التقديم والتأخير لدلالة بعض الأخبار على جواز الفعل قبل وبعد (٣) ، فيشكل بأنّه لا يقول به ، بل يقول بأفضليّة التأخير إلى أن يطلع الفجر الأول ، مع أنّ رواية زرارة الدالة على أنّ موضعهما قبل طلوع الفجر فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة ، لا يمكن حمل الفجر فيها على الأول ، فإطلاق حمل الفجر في الجميع على الأول لا يتمّ ، وإن أراد قدس‌سره ما عداها فالبيان لا بدّ منه ، إلاّ أنّ هذا قابل للتسديد بسبب المعلومية ، وإن كان ما ذكره من الفضل لدلالة صحيح عبد الرحمن حيث قال فيه : « صلّهما بعد ما يطلع الفجر » يشكل بأنه قدس‌سره قال بعد ما نقلناه عنه : ولعلّ هذه الرواية مستند الشيخ والمرتضى في جعلهما ذلك الوقت ، والجواب : المعارضة بالأخبار المستفيضة المتضمّنة للأمر بفعلهما مع صلاة الليل من غير تقييد بطلوع الفجر الأول ، مع إمكان القدح فيها بعدم وضوح مرجع الضمير (٤). انتهى.

__________________

(١) المدارك ٣ : ٨٤.

(٢) راجع ص ١٣٩٥.

(٣) راجع ص ١٤٠٢.

(٤) المدارك ٣ : ٨٥.

٤٦٧

ولا يخفى عليك الحال بعد ما قررناه في السند (١) ، وعلى تقدير القدح كيف يدل على الأفضلية؟

والعجب أيضاً من الوالد قدس‌سره أنّه في الرسالة قال : أوّل وقتهما الفراغ من صلاة الليل وهو الأفضل ، مع أنّ حكم من لم يصلّ يصير متروكاً بالكلية ، وإطلاق الأفضليّة أيضاً يشكل بما دلّ على تقديم ركعتي الفجر على الفجر ، وعلى صلاة الليل بعد الفجر في الجملة.

وفي كلام بعض محقّقي المعاصرين سلّمه الله ما حاصله : أنّ ما تضمنته الأخبار الدالة على صلاة ركعتي الفجر قبله وبعده وعنده ، يراد به الأوّل ؛ لدلالة بعض الأخبار على أنّه يُحشى بهما صلاة الليل ، إذ المراد صلاتها في وقتها. انتهى (٢).

وأنت خبير بأنّ وقتها غير منحصر فيما قبل الفجر ؛ لما نقله من خبر سليمان بن خالد المعدود من الصحاح الدال على فعل صلاة الليل مع ركعتي الفجر بعد طلوعه ، فالإطلاق لا يخلو من غرابة ، وبالجملة فالمقام من مزالّ الأقدام.

والسابع : كما ترى صريح في جواز فعل الركعتين إذا صار الضوء بحذاء رأسك ، وهذا يدلّ على جواز التأخير بعد الفجر بزمان طويل بعد التنوير ، فاستدلال الشيخ به على الاستظهار لتبيّن الصبح غريب.

والثامن : كذلك.

أمّا التاسع : فالاستدلال به على التقيّة مجمل ، وقد فصّل في التهذيب فقال : إنّ المراد بالفجر : الثاني ، لأنّ عند مخالفينا أنّ هاتين الركعتين‌

__________________

(١) في ص ١٤٠٥.

(٢) البهائي في الحبل المتين : ١٤٨.

٤٦٨

لا يصلّيان إلاّ بعد طلوع الفجر الثاني (١) ، ولا يخفى أنّ ظاهر كلام الشيخ يدل على عدم اتفاقهم ، وفي التهذيب يدل على الاتفاق ، وقد قدّمنا (٢) احتمال كون هذا لا ينافي احتمال التقية في خبر زرارة ، لجواز كون القليل منهم يتّقى ، إلاّ أنّه بعيد.

ثم العجب من الشيخ في التهذيب أنّه حمل ما دلّ على فعلهما قبلُ وبعدُ على الأوّل ، مستدلاًّ بالثامن والتاسع على الفجر الأوّل ، قائلاً : إنّ قوله في الثامن : « بحذاءِ رأسك » يدلّ عليه ، وكذلك قوله في التاسع : « وقد نوّر » لأنّ الفجر الثاني لا يكون كذلك (٣) ، وهنا كما ترى جعلهما من المنافي ، ولم يتعرض للاحتمال المذكور في التهذيب مع ادعائه الظهور في إرادة الأوّل.

وفي التهذيب قال بعد الاستشهاد بالخبرين : ويحتمل أن تكون هذه الأخبار وردت للتقية (٤). وظاهر لفظ : الأخبار ، الشمول ، واحتمال الرجوع إلى ما دلّ على فعلهما قبلُ وبعدُ لا وجه له ، ولو رجع إلى الخبرين لم يتم الاستدلال بهما على إرادة الفجر الأوّل من الأخبار الدالة على فعلهما قبله وبعده.

ثم إنّه في التهذيب احتمل في الأخبار الدالة على فعلهما قبله وبعده أن تكون متوجهة إلى من لم يدرك حشوهما في صلاة الليل (٥) ، وهذا وجه لا بأس به ، وكان (٦) الأولى ذكره هنا ، وإن كان لا بد فيه من زيادة تقييد ، كما‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٣٥.

(٢) في ص ١٤٠٠.

(٣) التهذيب ٢ : ١٣٥.

(٤) التهذيب ٢ : ١٣٥.

(٥) التهذيب ٢ : ١٣٤.

(٦) في « د » : فكان.

٤٦٩

يفهم ممّا قدمناه (١) من احتمال فعلهما قبل الفجر بتقدير التلبّس بأربع من صلاة الليل.

ولا يخفى ما في خبر أبي بصير من التخليط كما هو منقول عنه (٢) من أنّه كان مخلّطا لأنّ الظاهر من الخبر أنّ جوابه عليه‌السلام له لكونه من الشكّاك ، واحتمال أن يراد السؤال عن جوابه عليه‌السلام لغيره بالصلاة بعد الفجر لا يناسب ظاهر السؤال عن فعله ، وقد يمكن التسديد ، إلاّ أنّ الراوي لا يستحق ذلك ، فليتأمّل.

وأمّا العاشر : فقوله عليه‌السلام فيه : « فإن قمت » هو الموجود فيما وقفت عليه من النسخ ، وكذا في التهذيب (٣) ، وكأنّ المراد بالقيام النظر في الفجر ، واحتمال أن يكون تصحيف « نمت » كما يدلّ عليه الحادي عشر ممكنٌ إلاّ أنّ ذكر النوم فيه لا يدل على أنّه سبب الإعادة ، لاحتمال أن يكون سببها فعلهما قبل الفجر.

ولا يخفى أنّ فعلهما قبل الفجر منه عليه‌السلام يدل على الجواز ، أمّا الأفضلية فقد يستفاد كونها قريب الفجر ، وترك فعل الأفضل منه عليه‌السلام إمّا لبيان عدم تعيّن الوقت ، أو لأنّ النوم ربما يستمرّ إلى خروج الوقت ، ولعل الأوّل أولى ، لولا أنّ السياق لا يوافقه ، وأمّا الثاني فهو في الحادي عشر له وجه دون العاشر.

وقد يحتمل أن يقال : إنّ في الخبر (٤) دلالة على أنّ فعلهما مع صلاة‌

__________________

(١) في ص ١٤٠٩.

(٢) انظر رجال الكشي ١ : ٤٠٤ / ٢٩٦.

(٣) التهذيب ٢ : ١٣٥.

(٤) في « فض » : في الخبرين.

٤٧٠

الليل لا يقتضي الأفضليّة ، كما يدلّ عليه الإطلاق في الأخبار.

ثم إنّ العاشر بظاهره يفيد الإعادة قبل الفجر والحادي عشر يفيد العنديّة ، ولعلّه لا يضرّ بالحال ، غير أنّ الخبرين لو صحّا أمكن إبداء الإشكال في إطلاق التوقيت بصلاة الليل في الدلالة على الأفضليّة ، كما سبق نقله عن الوالد قدس‌سره في الرسالة ، حيث قال : بعد صلاة الليل وهو الأفضل (١) ، هذا.

والشيخ كما ترى حمل الفجر فيهما على الأول ولم يتقدم منه ذكر الفجر الأول في التوقيت ، نعم هو في التهذيب (٢) ، وعلى تقدير ما ذكره فإطلاق قوله : قبل الفجر الأول ، ثم قوله : يستحب (٣) أن يعيدهما ما لم يطلع الثاني ، لا يخلو من شي‌ء ؛ لأنّ إطلاق الأوّل يفيد أنّ الاستحباب للإعادة مقيد بالقبليّة للأوّل ، وقوله : ما لم يطلع الثاني ، يدلّ على الاستحباب وإن فعل مع الأوّل ، إلاّ أنّ العبارة قابلة للتسديد ، وأمّا الروايتان فبعيد عنهما ما قاله.

وما ذكره شيخنا قدس‌سره في فوائد الكتاب : من أنّ هاتين الروايتين يعني الأخيرتين إنّما تضمنتا الأمر بإعادة ركعتي الفجر الواقعتين ليلاً إذا نام المتنفّل بعدهما ، فلا يتم الاستدلال بهما على استحباب الإعادة مطلقا ؛ فيه : أنّه مبني على أنّ نسخته « نمت » أو أنّه فهم من « قمت » إرادة النوم ، فتأمّل.

ويبقى في المقام شي‌ء ، وهو أنّ الشيخ روى في التهذيب في باب الأذان عن الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) راجع ص ١٤١١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٣٤.

(٣) في الاستبصار ١ : ٢٨٥ / ١٠٤٥ : يستحب له.

٤٧١

قال : قلت له : إنّ لنا مؤذّناً يؤذّن بليل ، فقال : « أما إنّ ذلك ينفع الجيران لقيامهم (١) ، وأمّا السنّة فإنّه ينادى مع طلوع الفجر ، ولا يكون بين الأذان والإقامة إلاّ الركعتان » (٢).

وهذا الحديث صحيحٌ على ما تقدّم بيانه (٣) ، وفيه نوع دلالة على امتداد وقت ركعتي الفجر لِما بعد الفجر الثاني ؛ لأنّ الظاهر من الركعتين هما ، ولو أُريد بهما ما يستحب الفصل به بين الأذان والإقامة بعيد عن التعريف ، إلاّ بأن يراد بالتعريف الركعتان اللتان أُمر بهما للفصل.

وقد ينظّر في هذا بأنّ ما دلّ على الركعتين على الإطلاق محل كلام من جهة السند فيما أظنّ ، وما دلّ على الخصوص بالظهرين والصبح يشكل التعلّق به هنا ، أمّا الظهران فلأنّ احتمال الخصوص يقتضي عدم تعين دلالة التعريف عليه ، وأمّا الصبح فلعدم الصراحة في كونهما غير ركعتي الفجر ، إلاّ أنّ الاحتمالات المذكورة توجب عدم صلاحيّة الخبر المبحوث عنه للاستدلال ، وإن لم يتعين أحدها.

وبالجملة لا يتم الاستدلال على جواز تأخير ركعتي الفجر إلاّ مع انتفاء الاحتمالات ، فحينئذ يشكل دلالته (٤).

اللغة‌ :

احشوا بالحاء المهملة والشين المعجمة من حشا القطن في الشي‌ء‌

__________________

(١) في المصدر زيادة : إلى الصلاة.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٣ / ١٧٧ ، الوسائل ٥ : ٣٩٠ أبواب الأذان والإقامة ب ٨ ح ٧.

(٣) في ص ٤٩ ، ١٣٨ ، ١٥٤.

(٤) في « فض » زيادة : والعجب من عدم تعرض بعض محققي المعاصرين سلمه الله للكلام فيه بعد ذكره سوى ما هو ظاهر منه فتأمل. وهي مشطوبة في « د ».

٤٧٢

جعله فيه ، كذا في الحبل المتين (١). ولا يخفى أنّ الظاهر من الأخبار فعلهما بعد صلاة الليل ، فالحشو غير ظاهر بالنسبة إلى صلاة الليل ، فكأنّ المراد إدخالهما في وقت صلاة الليل بتقدير فعلهما بعدها ، إلاّ أنّ في الأخبار كونهما من صلاة الليل كما تقدم ، فلعلّ المراد بذلك فعلهما في وقتها ، ويجوز أن يراد الحقيقة على تقدير فعلهما معها ، ومع (٢) الإطلاق فاحتمال كونهما منها ولو انفردتا عنها لا يخلو من إشكال ، والفائدة تظهر في النذر وشبهه ، ولم أرَ من ذكر ذلك من الأصحاب ، فينبغي تأمّله.

قوله :

باب (٣) من فاتته صلاة فريضة هل يجوز له أن يتنفّل أم لا؟.

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أُذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور ، أو نسي صلوات (٤) لم يصلّها ، أو نام عنها ، فقال : « يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار ، فإذا دخل وقت صلاة ولم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت ، وهذه أحقّ بوقتها فليصلّها ، فإذا قضاها فليصلّ ما قد فاته ممّا قد مضى ، ولا يتطوع بركعة حتى يقضي‌

__________________

(١) الحبل المتين : ١٤٨.

(٢) في « رض » : امّا مع.

(٣) في الاستبصار ١ : ٢٨٦ و « رض » زيادة : وقت.

(٤) في « رض » و « فض » : صلاة.

٤٧٣

الفريضة » (١).

سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال : سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس أيصلّي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ فقال : « يصلّي حين يستيقظ » قلت : يوتر أو يصلّي الركعتين (٢)؟ قال : « بل يبدأ بالفريضة ».

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن حسين بن عثمان ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس ، فقال : « يصلي الركعتين ثم يصلّي الغداة ».

عنه ، عن النضر بن سويد ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حرّ الشمس ثم استيقظ فركع ركعتين ثم صلّى الصبح ، وقال : يا بلال مالك؟ فقال بلال : أرقدني الذي أرقدك يا رسول الله » قال : « وكره المقام وقال : نمتم بوادي شيطان ».

فالوجه في هذين الخبرين أن نحملهما على من يريد أن يصلّي بقوم وينتظر اجتماعهم جاز له حينئذ أن يبدأ [ بركعتي ] (٣) النافلة كما فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأمّا إذا كان وحده فلا يجوز له ذلك على حال.

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٨٦ / ١٠٤٦ زيادة : كلّها.

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٨٦ / ١٠٤٧ : ركعتين.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : بركعة. وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٢٨٦ / ١٠٤٩ ، هو الأنسب.

٤٧٤

السند‌ :

في الأوّل : لا ارتياب فيه على ما تقدّم (١) من القول في أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ، وابن أبان في أول الكتاب وغيره ، وكذا في عمر بن أُذينة (٢).

والثاني : لا ريب فيه بعد ما مضى أيضا (٣).

والثالث : كذلك بالنسبة إلى عدم الصحة (٤).

والرابع : صحيح كما مضى أيضا (٥).

المتن :

في الأول مشتمل على أحكام لا يخلو من إجمال :

الأوّل : من فاتته صلاة بغير طهور أو بنسيان يقضيها في أيّ ساعة ، ودلالته على وجوب القضاء على الفور إذا ذَكَرَ من حيث إنّ الجملة الخبرية في معنى الأمر ، وقد تقدّم فيه القول من جهة أنّ دلالة الجملة الخبرية على معنى الأمر لكونها أبلغ من الأمر ، كما صرّح به العلماء ، وإن كان فيه كلام أسلفناه.

والحاصل أنّ المقرر كون البلغاء يعدلون عن الأمر إلى الخبر للدلالة على أنّ الأمر المطلوب كأنّه واقع حثّا على فعله.

__________________

(١) في ص ٢٥ و ٢٧.

(٢) راجع ص ٢٠٩.

(٣) راجع ص ٤٦ ، ١٠٤ ، ١١٤ ، ١٢١٩.

(٤) راجع ص ٤٩ ، ٥١ ، ٧٨ ، ١٣١ ، ٧٢٠.

(٥) راجع ص ١٣٨ و ١٥٤.

٤٧٥

وقد يتوجه عليه : أنّه إنّما يتم لو علم أنّ العدول سببه ذلك على وجه الحصر ، وقد ذكر علماء المعاني ما يقتضي عدم الانحصار ، وعلى تقدير الانحصار فهو متوقف على العلم بالعدول.

ولعلّ الجواب عن الثاني ممكن بأنّ الظاهر من بيان الأحكام إرادة الطلب ، أمّا الأوّل فلا يبعد أن يدّعى تبادره في الأحكام ، إلاّ أنّا قدّمنا في هذا الكتاب احتمال أن يكون العدول عن الأمر لكونه حقيقةً في الوجوب ، فإذا عدل عنه احتمل أن يكون لإرادة الاستحباب.

وما عساه يقال : إنّ فيه مخالفة لكون الأمر وما في معناه للوجوب على القول به.

يمكن الجواب عنه : بأنّ المناقشة حاصلة في اتحاد الأمر والجملة الخبرية في الدلالة على الوجوب ، لما ذكرناه من الاحتمال ، وادعاء أنّ أدلة وجوب المأمور به تأتي في ما هو في معناه محلّ كلام.

ثم إنّ الفور إذا لم يدلّ عليه الأمر لوقوع الخلاف فيه وإمكان الدخل في أدلّته ، كما ذكر في الأُصول ، وإن كان يختلج في الخاطر دلالته بسبب أنّ الأمر موضوع للحال ، كما هو إجماعي عند النحاة ، وإجماعهم حجة كما قرر ، وذكرت هذا في حواشي المعالم ، إلاّ أنّ فيه نوع كلام ليس هذا محلّه ، غير أنّ الخبر المبحوث عنه فيه دلالة على الفورية بقوله : « في أيّ ساعة » إلاّ أن يقال : إنّ « إذا » قد اختلف في دلالتها على العموم ، فقيل : إنّها دالّة (١) ، وقيل : مهملة (٢) ، وبتقدير الخلاف لا يتم المطلوب ؛ لاحتمال عدم العموم ، ويراد بكلّ ساعة بعض آناء الذكر التي يجب فيها القضاء.

__________________

(١) حكاه في تمهيد القواعد : ٣٨٢.

(٢) انظر تمهيد القواعد للشهيد الثاني : ٣٨١.

٤٧٦

وتفصيل الأمر أنّ القضاء إذا وجب في وقت من أوقات الذكر فذلك الوقت لا يتعيّن فيه زمان للقضاء ، بل يجوز في جميع أجزائه ، والفائدة في قوله : « أيّ ساعةٍ » الاحتراز (١) عن تخيّل الكراهة أو التحريم في بعض الأوقات الواردة في الأخبار كحال طلوع الشمس وبعد العصر.

ولا يخفى أنّ المقام يدلّ على عموم « إذا » كما ذكر في المفرد المحلّى إذا وقع في كلام الشارع ، فإنّه وإنْ لم يفد العموم وضعاً ، يفيده بسبب أنّ ما عداه لا يليق بالحكمة ، وهنا يقال كذلك ؛ إذ لو أُريد وقت معيّن من غير بيان نافى الحكمة ، أو غير معيّن فكذلك ، وحينئذ يكون للعموم.

ويمكن أن يقال : بجواز إرادة وقت غير معيّن على نحو النكرة ، إلاّ أنْ يدّعى أنّ مثله يقال في المفرد المحلّى ، وفيه إمكان الفرق ، إلاّ أنّه سيأتي (٢) بعض القول في هذا عند ذكر أدلّة بعض العلماء في الباب الآتي ، وحينئذ فالخبر لا يصلح بنفسه للاستدلال على المضايقة.

فإن قلت : أيّ فائدة لعدم كون « إذا » للعموم؟ والحال أنّه إذا تحقق الذكر في وقت ما وجب ، وهو المطلوب.

قلت : إذا لم يفد العموم في وقت الذكر ، لا يتم المطلوب ، من حيث إنّ وقت الذكر قد يتسع ، فإذا أفاد لفظ « إذا » فعل الفائت في آن من آناء الذكر جاز التأخير ، والمطلوب الوجوب في أوّل المراتب ، فتأمّل.

فالعجب من بعض محقّقي المعاصرين سلّمه الله أنّه أطلق استفادة المضائقة من الخبر وعدم التوسعة (٣). فينبغي التأمّل فيما قلناه لوجود الفائدة‌

__________________

(١) في « فض » و « رض » : للاحتراز.

(٢) في ص ١٤٢٩.

(٣) البهائي في الحبل المتين : ١٥١.

٤٧٧

في عدم صراحته في الدلالة بعد ذكر ما لا بدّ منه في الباب الآتي (١).

الثاني من أحكام الخبر : أنّ من صلّى بغير طهور أو نسي صلوات يقضيها إذا ذكرها ، في ظاهره يتناول اليوميّة وغيرها ، فإذا خرج ما لا يجب قضاؤه بالإجماع والأخبار بقي ما عداه ، وحينئذ يمكن الاستدلال به على بعض ما هو محلّ الخلاف ، كصلاة الكسوف إذا علم به ونسي وإن احترق بعض القرص ، فإنّ القائل بوجوب القضاء احتجّ بهذا الخبر مع غيره.

واعترض عليه شيخنا قدس‌سره بأنّ أخبار قضاء الفوائت لا عموم لها ، ولهذا لم يحتجّ بها الأصحاب على وجوب القضاء مع انتفاء العلم (٢).

وقد يقال : إنّ نفي العموم عن هذا الخبر محلّ بحث ، وعدم الاستدلال به مع انتفاء العلم لعدم دخوله في الخبر ، وعدم صيغة العموم في الخبر غير مسلّم ، فإنّ ترك الاستفصال دليل العموم.

الثالث من الأحكام : أنّ من فاته شي‌ء من الصلاة وشرع في فعلها قضاءً ولم يتمّها له الإتمام ما لم يتخوّف ذهاب وقت الحاضرة.

وإجمال هذا لا ريب فيه ، من حيث إنّ فوات وقت الحاضرة أمّا وقت الفضيلة أو وقت الإجزاء ، ومع الإجمال لا يمكن الاستدلال به على المنع من فعل الفائتة إذا خاف فوت الفضيلة ، إلاّ أن يقال : إنّ فيه إطلاقاً يتناول وقت الفضيلة ، فيصير من قبيل العموم ، ولا يخلو من وجه.

إلاّ أنّه ربما يعارض بأنّ ما تضمنه صدره : من لزوم القضاء في أيّ ساعة ذكر ، صريح في اللزوم على تقدير دلالته ، وإذا حصل الإجمال في وقت الصلاة الحاضرة بقي مدلول صدره إلى أن يعلم المانع.

__________________

(١) في ص ١٤٢٨.

(٢) المدارك ٤ : ١٣٦.

٤٧٨

وفيه : أنّ بعد دخول الوقت قد علم المانع إجمالاً ، فلم يبق الخطاب بالوجوب معلوم التعلّق ، ومع عدم العلم لا مانع من فعل الحاضرة ، مضافاً إلى أنّ الحكم المجمل في وجوب العمل به من دون البيان محلّ تأمّل.

وقد يقال : إنّ المجمل إذا لم يبيّن فهو من قبيل العموم ، إذ لو أُريد غيره لَنافى الحكمة.

وفيه : أنّه يجوز كون عدم البيان بالنسبة إلينا ، أمّا لو لم يقع بيان أصلاً فيحتمل كونه لإرادة العموم ، وما نحن فيه لم يعلم عدم البيان كما سيأتي (١) من الأخبار في القضاء ، وحينئذ يجوز حصول البيان للسائل ، وبهذا يندفع ما قد يظنّ إجماله بالنسبة إلينا ، إلاّ أن يقال : إنّه يجب على الراوي بيان ما فيه البيان ، ويشكل بجواز ذكر البيان ولم ينقل إلينا ، إلاّ أنّ ما نحن فيه سيأتي (٢) ما قد يصلح للبيان.

وما يقتضيه الخبر : من أنّه يتم ما قد فاته ما لم يتخوّف على تقدير وقت الفضيلة يتناول ما إذا شرع في القضاء على تقدير الاتحاد ولم يتم الفائت ، أو شرع مع التعدد وأتم الفرض ولم يشرع في آخر ، أو شرع في آخر ولم يتمه ، وعلى تقدير التلبس وهو في أثناء الفرض إذا خاف فوت الفضيلة يشكل قطع الصلاة ، وعلى تقدير الإجزاء قد يشكل بإمكان إدراك ركعة من الوقت بتقدير الإتمام ، ولا يبعد أن يدّعى تبادر عدم التلبس بالفريضة ، كما يدلّ عليه جوهر قوله : « فليقض » وبالجملة فالإجمال ربما يدّعى فيه ، والظهور كذلك.

الرابع من الأحكام : أنّ من فاته شي‌ء لا يتطوّع بركعة حتى يقضي‌

__________________

(١) في ص ١٤٤٠.

(٢) في ص ١٤٤٠.

٤٧٩

الفريضة ، والإجمال فيه أيضا بالنسبة إلى هذا الحكم ، لكن الشيخ كما ترى جعل العنوان : من فاتته فريضة هل يتنفّل أم لا؟ وعليه فالشيخ كأنّه فهم ظهور القضاء في الفائت ، ويختلج في الخاطر أنّ قوله : « حتى يقضي » يحتمل إرادة قضاء الحاضرة بمعنى فعلها ، وقضاء الفائتة على معنى أنّه لا يتطوّع وعليه الفائتة ، لكن يمكن ادعاء رجحان ما احتملناه من حيث إنّ قوله : « فإذا قضاها فليصلّ » يراد به فعل الصلاة ، وحينئذ يكون قوله : « حتى يقضي » بمعنى الفعل على نهج واحد.

وعلى تقدير الحمل على قضاء الفائتة يدلّ الخبر على المنع من التطوع سواء كانت الفائتة متحدة أو متعددة ، وسيأتي (١) ما قد يدلّ على عدم الوجوب في المتعددة بل وفي المتحدة ، وحينئذ فالأمر بالقضاء في الخبر لا يمكن حمله على الوجوب مطلقاً ، بل إمّا على الاستحباب ، أو على الوجوب والاستحباب على وجه يسوغ التجوّز معه ، فالنهي عن التطوع كذلك ، فلا يدلّ على التحريم. إلاّ أنّ يقال : إنّ المعارض لما اقتضى حمل الأمر على ما ذكر لا يلزم مثله في النهي ولا معارض ، ويشكل بوجود المعارض في التطوع كما يأتي (٢). هذا ما خطر في البال فينبغي التأمّل فيه.

وأمّا الثاني : فله ظهور في عدم فعل الوتر وركعتي الفجر ، وأمّا المنع في غيرهما على الإطلاق كما هو مدلول الأوّل وإطلاق العنوان فمشكل ، وعدم القائل بالفرق فيه ما ستسمعه ، ( ولو تمّ فالثالث ) (٣) يدلّ على جواز‌

__________________

(١) في ص ١٤٣٨.

(٢) في ص ١٤٣٨.

(٣) بدل ما بين القوسين في « فض » ولو تمّ الخبر والثالث ، وفي « د » : ولو تمّ والثالث ، وتقدّم في ص ٤٥٥ عدم صحّة الخبر الثالث من حيث السند.

٤٨٠