إستقصاء الإعتبار - ج ٤

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-176-1
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥٥٠

وسبقه إلى ذلك النجاشي (١). والشيخ في رجال من لم يرو عن الأئمّة عليهم‌السلام قال : محمّد بن قولويه الجمّال والد أبي القاسم جعفر بن محمّد يروي عن سعد بن عبد الله وغيره (٢). وغير خفي أنّ كونه من أصحاب سعد لا يفيد التوثيق.

وابن طاوس في كتاب الرجال الذي جمعه قال ـ بعد ذكر طريق محمّد بن قولويه وعلي بن الريّان ومحمّد بن عبد الله بن زرارة ـ : إنّه لم يستثبت حال محمّد بن عبد الله ، وباقي الرّجال موثوقون (٣) (٤). وهذا كما ترى يدلّ على توثيق محمّد بن قولويه ، وربما يعتمد على توثيق ابن طاوس ، إلاّ أنّ في البين كلاماً ، وقد تقدّم القول في جميع هذا (٥) ، والإعادة لبعد العهد.

ثم إنّ اشتمال السند على رواية عليّ بن حديد وعبد الرحمن بن أبي نجران ، كان الوالد قدس‌سره يقول : إنه شاهد على أنّ ما يقع في الأسانيد من رواية عليّ بن حديد عن عبد الرحمن سهو ، وأنّ الواو واقعة موقع « عن » وقد قدّمنا (٦) في بعض الأسانيد الكلام في هذا ، غير أنّ الاعتماد على ذلك مشكلٌ.

والثاني : فيه محمّد بن عيسى عن يونس ، ويزيد بن خليفة ، وقد مضى القول فيهما غير بعيد (٧).

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٧٨ / ٤٦٧.

(٢) رجال الطوسي : ٤٩٤ / ٢٢.

(٣) في « رض » : موثّقون.

(٤) التحرير الطاووسي : ١٣٤.

(٥) راجع ص ٨١.

(٦) في ص ٩٦٠.

(٧) راجع ص ٥٤ ، ١٢٧٦.

٤٠١

والثالث : صحيح على ما تقدّم (١).

والرابع : هو الموجود فيما رأيناه من النسخ ، والتغاير (٢) في السند بأحمد ، والمتن واحد.

والخامس : ليس فيه ارتياب إلاّ من جهة الحصين بن أبي الحصين ، فإنه مجول الحال ، إذ لم نقف عليه في الرجال.

والسادس : فيه أنّ الطريق إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر غير مذكور في المشيخة. وعبد الرحمن بن سالم هو الأشلّ المذكور مهملاً في النجاشي (٣) ، ورجال الصادق عليه‌السلام من كتاب الشيخ (٤) ، والعلاّمة في الخلاصة قال : إنّه ضعيف (٥). وإسحاق معلوم الحال.

والسابع : فيه هشام بن الهذيل ، وهو مجهول الحال ، لعدم ذكره في الرجال على ما رأيناه.

والثامن : لا ارتياب فيه إلاّ من جهة عليّ بن عطيّة ، فإن النجاشي وثّق علي بن عطيّة مع أخيه الحسن كما قدّمنا (٦) ، وذكرنا أنّ احتمال عدم التوثيق من العبارة مدفوع.

والشيخ في الفهرست قال : عليّ بن عطيّة له كتاب ، وذكر أنّ الراوي عنه ابن أبي عمير (٧) ، والراوي هنا ابن أبي عمير ، ولم يذكر‌

__________________

(١) في ص ٧٢٠.

(٢) أي التغاير بين الثالث والرابع.

(٣) رجال النجاشي : ٢٣٧ / ٦٢٩.

(٤) رجال الطوسي : ٢٦٦ / ٧١١.

(٥) خلاصة العلاّمة : ٢٣٩ / ٧.

(٦) في ص ١٣٤١ ١٣٤٣.

(٧) الفهرست : ٩٧ / ٤١٠.

٤٠٢

الشيخ أنّه ثقة ، والاتحاد مظنون ، فيكون ثقة ، إلاّ أنّ الشيخ في رجال الصادق عليه‌السلام من كتابه ذكر عليّ بن عطيّة العوفي ، وعليّ بن عطيّة السلمي (١). والوصف بالسلمي لا يوافق الحسن بن عطيّة أخا عليّ بن عطيّة ، لأنّه الدغشي مع وصف آخر غير السلمي كما مضى (٢) ، وحينئذ يحصل الاشتباه ، إلاّ أنّ الشيخ له اضطراب في أمثال هذا بخلاف النجاشي ، فليتأمّل.

المتن :

لا بدّ قبل الكلام فيه من ذكر أقوال الأصحاب المنقول في وقت الصبح ، فعن السيّد المرتضى ، وابن الجنيد ، والمفيد ، وسلاّر ، وغيرهم : أنّ آخره طلوع الشمس (٣).

وعن ابن أبي عقيل : آخره للمختار طلوع الحمرة المشرقيّة ، وللمضطر طلوع الشمس. وهو اختيار ابن حمزة (٤).

وعن الشيخ قولان ، أحدهما : أنّ آخره طلوع الشمس ، والثاني كقول ابن أبي عقيل.

قال العلاّمة : وهو اختياره في المبسوط والخلاف (٥).

ولا يخفى أنّ الظاهر من هذا النقل أنّه لا خلاف في الأوّل ، وفي الفقيه : ووقت الفجر حين يعترض الفجر ويضي‌ء حسناً ويتجلّل الصبح‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٢٦٧ / ٧٢٥ و ٢٤٣ / ٣١٧.

(٢) في ص ١٣٤١.

(٣) حكاه عنهم في المختلف ٢ : ٥٢ ، وهو في المقنعة : ٩٤ ، والمراسم : ٦٢.

(٤) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٥٢ ، وهو في الوسيلة : ٨٣.

(٥) المختلف ٢ : ٥٢ ، وهو في المبسوط ١ : ٧٥ ، الخلاف ١ : ٢٦٧.

٤٠٣

السماء وكان كالقباطي ، أو مثل نهر سُورى. وهذا كما ترى يعطي أنّ أوّل طلوع الفجر ليس وقتاً ، إلاّ أنّه قال بعد ذلك : ومن صلّى الغداة في أوّل وقتها أُثبتت له مرّتين ، ومن صلاّها في آخر وقتها أُثبتت له مرّة واحدة ، قال الله عزّ وجلّ ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) (١) يعني أنّه تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار (٢). انتهى.

وهذا يدلّ على أنّ لها وقتين أو وقتاً له أوّل وآخر غير طلوع الشمس ، وحينئذ لا بدّ من حمل قوله : ووقت الفجر. على منتهى الفضيلة ليوافق قوله : ومن صلّى الغداة في أوّل وقتها ، إلى آخره ؛ إذ لو حمل على أنّه أوّل الفضيلة لم يوافق ما ذكره من الصلاة في آخر وقتها ، إذ لم يعلم الآخر ، ويخالف ما ذكره من إثباتها مرّتين ، لأنّ هذا مدلول رواية إسحاق المتضمّنة لأنّ الوقت مع طلوع الفجر ، إلاّ أن يحمل الإضاءة حسناً والتجلّل على هذا ، وهو في غاية البعد ، ولو سلّم قربه لم يعلم الآخر أيضاً ، ولو أراد بالآخر طلوع الحمرة كما نقل عن ابن أبي عقيل (٣) ، أو الإسفار كما تضمّنه بعض الأخبار (٤) ، فالمقام لا يدلّ عليه ، بل ذكر تجلّل الصبح السماء ينافي كون الآخِر الإسفار والحمرة إلاّ بتكلّف ، والاعتماد على المعلومية ممكن.

كما أنّ قول السيّد المرتضى ومن تابعه : بأنّ الآخر طلوع الشمس (٥).

__________________

(١) الإسراء : ٧٨.

(٢) الفقيه ١ : ١٤٣ / ٦٦٤.

(٣) نقله في المختلف ٢ : ٥٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤٠ / ١٤٠٩ ، الوسائل ٤ : ٢٦٦ أبواب المواقيت ب ٥١ ح ١.

(٥) المتقدم في ص ١٣٥٩.

٤٠٤

مع دلالة الأخبار على أنّ لكلّ صلاة وقتين (١) لا يخلو من إجمال ، لكن السيّد ربما لا يعمل بالأخبار ، أمّا العلاّمة حيث اختار مذهب السيد ومن تابعه واستدل بما تسمعه ، وأجاب عن حجة الشيخ بالحمل على الاستحباب والفضيلة (٢) ، فيتوجه عليه أنّ في الأخبار التي في حجّة الشيخ ما يوجب الإشكال في الاستحباب كما نذكره إن شاء الله.

وإذا عرفت هذا فاعلم أنّ الخبر الأوّل ظاهر في أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّي الصبح إذا اعترض الفجر وأضاء حسناً ، وهذا بعض مدلول عبارة الفقيه (٣) ، ولا ريب أنّ الإضاءة الحسنة تقتضي عدم كون الصلاة مع الفجر في أوّل طلوعه ، وبعض الأخبار تدلّ على الثاني ، ولو حمل على أنّ الإضاءة الحسنة هي طلوعه معترضاً احترازاً عن الفجر الكاذب ، بَعُدَ عن اللفظ ، لكن بسبب المعارض لا بأس به.

وفي الظّن أنّ قول الصدوق : ويتجلّل الصبح السماء (٤). يحتمل أن يريد به انتهاء الأول ، ويكون مبدأ الأوّل الإضاءة حسناً في أوّل الطلوع ، لما يأتي (٥) في الخبر المتضمن للتجلّل من أنّ ظاهره أنّ التجلّل آخِر ، وعلى هذا التوجيه لا يتوجّه على الشيخ أنّ هذا الخبر المبحوث عنه ينبغي أن يكون من قبيل المعارض ، فليتأمّل.

والثاني : لا بدّ من حمل قوله : « ويضي‌ء » على نحو السابق ، ليطابق مراد الشيخ ، وإن كان احتمال كون الفضيلة بعد الإضاءة لا من حين الطلوع داخلاً في حيّز الإمكان ، وقد روى الصدوق في كتاب الصوم بطريقه‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٢٥ أبواب المواقيت ب ٢٦.

(٢) المختلف ٢ : ٥٣.

(٣) الفقيه ١ : ١٤٣.

(٤) الفقيه ١ : ١٤٣.

(٥) في ص ١٣٦٤.

٤٠٥

الحسن ، عن عاصم بن حميد ، عن ليث المرادي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقلت : متى يحرم الطعام؟ إلى آخر الرواية (١) الآتية من الشيخ (٢) ، وهي تفيد أنّ إضاءة الفجر أوّل طلوعه كما يقتضيه حكم الصائم ، فيندفع به بعض ما احتملناه ويؤيّد بعضا ، ومخالفته لما سبق منه محتاجة إلى مزيد توجيه ، فليتأمّل.

والثالث : له ظهور في أنّ الصلاة حين طلوع الفجر ليست من فعل الفرض وقت الفضيلة ، وحينئذ يستفاد منه أنّ الفضيلة بعد الإضاءة ، إلاّ أنّ الخبر الآتي الدال على إثبات الصلاة مرّتين قد ينافيه ، ولا يبعد أن يحمل الآتي على وجه لا ينافي (٣) ما دلّ على الإضاءة ، إلاّ أنّ في البين لا بدّ من الاختلاف (٤) في الأخبار كما يعلم من ملاحظتها أجمع.

والرابع : كالثالث.

والخامس : يدلّ على مجرّد ظهور الفجر ، وما تضمّنه السؤال فيه من قوله : إنّ بعض مواليك يصلّي إذا طلع الفجر المستطيل. الظاهر أنّ المراد به المستطيل في العرض من غير أن تشرق الأرض به ، وقوله : إذا اعترض في أسفل الأرض. يريد به إضاءة الأرض ، والجواب حينئذ يدلّ على مجرّد الظهور ، لكن لا يخفى أنّ فيه منافاة لما تضمن الإضاءة الحسنة إلاّ بتكلّف ، ولو حمل المستطيل على الفجر الأوّل ، والمعترض في أسفل الأرض على الثاني ويراد بأسفل الأرض الأُفق ، يبعّد بأنّ فعل الصبح في الفجر الأوّل‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٨١ / ٣٦١ ، الوسائل ٤ : ٢٠٩ أبواب المواقيت ب ٢٧ ح ١.

(٢) في ص ١٣٦٣.

(٣) في « د » لا ينافيه.

(٤) في « رض » اختلاف.

٤٠٦

معلوم من المذهب ، إلاّ أن يقرب بوقوعه من الجاهل.

والسادس : كما ترى يدلّ على أنّ الأفضل فعل الصبح مع طلوع الفجر ، لأنّ السؤال عنه ، وقد قدّمنا (١) أنّ الصدوق أتى بمدلول الرواية ، وظاهرها يخالف عبارته أوّلاً إلاّ بالتأويل ، وكذلك الشيخ بالنسبة إلى الخبر الأوّل.

( وفي الفقيه في باب علّة التقصير ذكر أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرّ الفجر على ما فُرِضَتْ بمكّة لتعجيل عروج ملائكة الليل إلى السماء وتعجيل نزول ملائكة النهار إلى الأرض ، وكانت ملائكة النهار وملائكة الليل تشهدون مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاة الفجر ، فلذلك قال الله تعالى ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) (٢) يشهده المسلمون ويشهده ملائكة النهار وملائكة الليل (٣). وهذا يدلّ على أنّ الصبح وإن تأخّرت عن أوّل الفجر يشهدها المذكورون ، وحينئذ يمكن حمل ما دل على المعيّة ونحوها على ما دلّ على الإضاءة والتجلّل ، وهذا الكلام رواية سعيد بن المسيّب ، إلاّ أنّ نقل الصدوق لها المزية ، فتأمّل ) (٤).

والسابع : يدلّ على الإضاءة إلاّ بالتأويل السابق.

وفي القاموس : سورى كطوبى : بلدة بالعراق ، وموضع من أعمال بغداد ، وقد يُمدّ (٥).

والثامن : كالسابع.

__________________

(١) في ص ١٣٦٠.

(٢) الإسراء : ٧٨.

(٣) الفقيه ١ : ٢٩١ / ١٣٢١ ، الوسائل ٤ : ٥١ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ١٩.

(٤) ما بين القوسين ساقط من « فض » و « رض ».

(٥) القاموس المحيط ٢ : ٥٥.

٤٠٧

قوله :

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن موسى بن بكر ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ».

وما رواه سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب وعبد الله بن محمّد بن عيسى ، عن عمرو بن عثمان ، عن أبي جميلة المفضّل بن صالح ، عن سعد بن ظريف (١) ، عن الأصبغ بن نباته قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة ».

فالوجه في هذين الخبرين أن نحملهما على صاحب الأعذار ومن له حاجة ضروريّة تمنعه من الصلاة في أوّل الوقت ، حسب ما قدّمناه في غيره من الصلوات.

يدلّ على ذلك :

ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدّق بن صدقة ، عن عمّار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في الرجل إذا غلبته عينه أو عاقه أمر أن يصلّي المكتوبة من الفجر ما بين أن يطلع الفجر إلى أن تطلع الشمس ، وذلك في المكتوبة خاصة ، فإن صلّى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتمّ وقد جازت صلاته ».

__________________

(١) في « د » و « رض » والاستبصار ١ : ٢٧٥ / ٩٩٩ : طريف.

٤٠٨

وروى محمّد بن يعقوب ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « وقت الفجر حين ينشقّ إلى أن يتجلّل الصبح السماء ، ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً ، لكنه (١) وقت لمن شغل أو نسي أو نام ».

الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير المكفوف قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن الصائم متى يحرم عليه الطعام؟ فقال : « إذا كان الفجر كالقبطيّة البيضاء » قلت : فمتى تحلّ الصلاة؟ فقال : « إذا كان كذلك » قلت (٢) : ألست في وقت من تلك الساعة إلى أن تطلع الشمس؟ فقال : « لا إنما نعدّها صلاة الصبيان » ثم قال : « إنه لم يكن يحمد الرجل أنْ يصلّي في المسجد ثم يرجع فينبّه أهله وصبيانه ».

وروى الحسين بن سعيد ، عن النضر وفضالة ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لكل صلاة وقتان ، وأوّل الوقتين أفضلهما ، ووقت الفجر (٣) حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء ، ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً ، ولكنه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام ، ووقت المغرب حين تجب (٤) الشمس إلى أن تشتبك النجوم ، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلاّ من عذر أو علّة ».

__________________

(١) في « د » و « رض » : ولكنّه.

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٧٦ / ١٠٠٢ : فقلت.

(٣) في الاستبصار ١ : ٢٧٦ / ١٠٠٣ : ووقت صلاة الفجر.

(٤) في الاستبصار ١ : ٢٧٦ / ١٠٠٣ : تحجب.

٤٠٩

السند‌ :

في الأوّل : فيه موسى بن بكر ، وقد تقدّم (١) عن قريب أنّه مهمل في الرجال. وأمّا عبد الله بن المغيرة فقد مضى (٢) أيضاً أنّ فيه قولاً [ للكشي (٣) ] بالوقف ، والنجاشي لم يذكره بالوقف بل وثّقه مرّتين (٤) ، وفي الرجال عبد الله بن المغيرة مهملاً في رجال الصادق عليه‌السلام (٥) ، وغير خفيّ أنّ المذكور هنا لا يحتمله ، والراوي عن عبد الله بن المغيرة الثقة أيوب بن نوح ، والمرتبة مع أحمد بن محمد بن عيسى واحدة.

والثاني : فيه أبو جميلة ، وقد ضعّف في الخلاصة (٦) ، والشيخ ذكره مهملاً في الفهرست وكتاب الرجال (٧). وأمّا عمرو بن عثمان ، فهو الثقة على الظاهر ؛ لأنّ الراوي عنه من في مرتبة محمّد بن الحسين وعبد الله بن محمّد ، وأمّا غيره ممن سمّي بهذا الاسم فمن أصحاب الصادق عليه‌السلام في كتاب الشيخ (٨) والمرتبة بعيدة. والأصبغ بن نباته فقد قيل : إنّه من خواصّ أمير المؤمنين عليه‌السلام (٩).

__________________

(١) في ص ١٣٢٩.

(٢) في ص ٩٩.

(٣) في النسخ : للشيخ ، والصواب ما أثبتناه.

(٤) رجال النجاشي : ٢١٥ / ٥٦١.

(٥) لم نعثر على ذكره في رجال الصادق عليه‌السلام ، لكنه ذكر في أصحاب الكاظم والرضا عليهما‌السلام ، راجع رجال الطوسي : ٣٥٥ / ٢١ ، ٣٥٦ / ٣٢ ، ٣٧٩ / ٤.

(٦) الخلاصة : ٢٥٨ / ٢.

(٧) الفهرست : ١٧٠ / ٧٤٣ ، رجال الطوسي : ٣١٥ / ٥٦٥.

(٨) رجال الطوسي : ٢٤٧ / ٣٨٦.

(٩) كما في الفهرست : ٣٧.

٤١٠

والثالث : معلوم الحال ، لتكرره في المقال.

والرابع : حسن.

والخامس : فيه أبو بصير المكفوف ، وقد قدّمنا (١) ما يدلّ من الأخبار الواردة في هذا الكتاب على خروجه عن الدين أو ما قاربه ، وفي الفقيه رواها عن ليث المرادي ، وهو الثقة (٢) الذي لا ريب فيه ، وأمّا المكفوف فهو يحيى بن القاسم ، وحينئذ لا يخلو الأمر من إشكال ، إلاّ أنّ الاعتماد ربما كان على الفقيه ، وإن كان في البين توقف من احتمال التصرف بسبب الاجتهاد أو من سهو القلم.

والسادس : لا ارتياب فيه على ما أظنّ ، لأنّ النضر هو بن سُوَيْد كما تقدّم (٣) ، وابن سنان الراوي عن أبي عبد الله عليه‌السلام عبد الله كما قدّمناه (٤) مفصّلاً.

المتن :

في الأوّلين استدلّ به العلاّمة على القول بأنّ آخر وقت الصبح طلوع الشمس ، وبالرواية السابقة عن عبيد بن زرارة حيث قال فيها : « ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس » ثم إنّه نقل احتجاج الشيخ برواية الحلبي وهي الرابعة ، ورواية أبي بصير الخامسة ، قال العلاّمة : وحمل يعني الشيخ الخبرين على صاحب العذر ، والجواب : أنّه ليس أولى من الحمل على‌

__________________

(١) في ص ٨٩٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٨١ / ٣٦١ ، الوسائل ٤ : ٢٠٩ أبواب المواقيت ب ٢٧ ح ١.

(٣) في ص ١٩٧.

(٤) في ص ٦٤٣.

٤١١

الاستحباب والفضل ، ويدلّ عليه قوله : « ولا ينبغي تأخير ذلك » ولو كان حراماً لقال : ولا يجوز ، أو : لا يحلّ. انتهى (١).

ولا يخفى أنّ الاستدلال بالأخبار الضعيفة محلّ بحث ، وخبر الحلبي سنده فيه إبراهيم ، وكثيراً ما يوصفه بالصحة.

وحمله على الاستحباب بدلالة لفظ (٢) ، « لا ينبغي » يشكل أوّلاً : بأنّ « لا ينبغي » لا يمتنع حملها على التحريم ؛ لاستعمالها في ذلك بكثرة في أخبارنا.

وثانياً : بتقدير التجوّز فالأخبار الكثيرة الدالة على فعل الصبح فيما دون ذلك ظاهرة في انتهاء الوقت ، وفيها نوع دلالة على الاختيار ، وكان الأولى التنبيه على رجحان الأفضليّة من غير لفظ « لا ينبغي » لذكره الأخبار الضعيفة.

وقد اقتفى شيخنا قدس‌سره أثر العلاّمة في دلالة لفظ « لا ينبغي » واعترض على استدلال الشيخ للقول بأنّ آخر وقت المختار الإسفار برواية الحلبي (٣) ، بأنّ جعل ما بعد الإسفار وقتاً لمن شغل يقتضي عدم فوت وقت الاختيار ، فإنّ الشغل أعم من الضروري ، واستدلّ على اعتبار طلوع الشمس بأصالة عدم تضيّق الوقت ، وبالأخبار المذكورة المبحوث عنها.

ثم قال : ويمكن أن يستدلّ بصحيح عليّ بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل لا يصلّي الغداة حتى تسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر ، أيركعهما أو يؤخّرهما؟ قال : « يؤخّرهما » (٤) وجه‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ٥٣.

(٢) في « رض » : لفظة.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٨ / ١٢١ ، الوسائل ٤ : ٢٠٧ أبواب المواقيت ب ٢٦ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤٠ / ١٤٠٩ ، الوسائل ٤ : ٢٦٧ أبواب المواقيت ب ٥١ ح ١.

٤١٢

الدلالة أنّ ظاهر الخبر امتداد الوقت إلى ما بعد الإسفار وظهور الحمرة وكلّ من قال بذلك قال بامتداده إلى طلوع الشمس (١). انتهى.

وقد ذكرت ما فيه مفصّلاً في حواشي الروضة وحاشية التهذيب.

والذي يقال هنا أوّلاً : أنّ ما ذكره من أنّ الشغل أعمّ من الضروري ، فيه : أنّ ظاهر قوله : « لا ينبغي تأخير ذلك عمداً » يشعر بالضروري.

وثانياً : أنّ الأصل يخرج عنه بظواهر الأخبار ، والأخبار الضعيفة ليست حجة ، والموثّق منها عنده كذلك.

وثالثاً : أنّ صحيح علي بن يقطين لا صراحة فيه بالجواز ، بل يجوز أن يراد فيه السؤال عمّن أخّر الصلاة عمداً ، وإن أثم ، هل يفعل الركعتين أم لا؟ والإطلاق في السؤال لا يفيد العموم ، والجواب ليس فيه ما يقتضي الجواز كما هو واضح ، على أنّ احتمال القضاء غير ممتنع في الرواية على تقدير القول بخروج الوقت ، لكن لم أر الآن من صرّح بخروج وقت المختار ويصير الفرض قضاء ، ويحتمل أن يكون على نحو غيره من أوقات المضطر والمختار في الجملة ، وإن كان بعض الأصحاب صرّح بالقضاء في غير هذا الموضع.

وربما يقال : إنّ ما دلّ على فعل الصبح إذا صار الفجر كالقبطيّة البيضاء والإضاءة الحسنة تتناول الإسفار ؛ لأنّه قد يحصل بما ذكر ، فينبغي القول به ، إلاّ أن يقال ما قدّمناه : من أنّ الإضاءة يراد بها أوّل الفجر جمعاً بين الأخبار ، ويؤيّده خبر أبي بصير (٢).

__________________

(١) مدارك الاحكام ٣ : ٦٢ ٦٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٩ / ١٢٢ ، الوسائل ٤ : ٢١٣ أبواب المواقيت ب ٢٨ ح ٢.

ونقدّم في ص ١٣٦٣.

٤١٣

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الحديث الثالث يدلّ على أنّ وقت المضطر في الجملة من أوّل الفجر إلى طلوع الشمس ، وظاهر الحال أنّ ذكر طلوع الفجر لا دخل له بالضرورة ، لأنّه وقت فضيلة على ما مضى.

ويمكن الجواب : بأنّ وقت المضطر ممتدّ من أوّل الاختيار إلى آخر الاضطرار.

وفيه : أنّ ذكر وقت الاختيار للمضطرّ غير ظاهر الوجه ، ولعلّ المراد أنّ الإنسان لمّا كان له حالتان : حالة اختيار وحالة اضطرار ، أراد عليه‌السلام أن يبيّن أنّ وقت الإنسان ممتدّ إلى طلوع الشمس من أوّل الفجر ، وإن كان قد يختلف الأشخاص بالاختيار والاضطرار ، فليتأمّل.

ويحتمل أن يراد بما بين طلوع الفجر بيان الامتداد في الأثناء ، لا من الأوّل ، وفيه نوع بُعد ، إلاّ أنّه قابل للتوجيه ، هذا بالنسبة إلى قول الشيخ بوقتي الاختيار والاضطرار ، ولو قيل بوقتي الفضيلة والإجزاء أمكن أن يقال : إنّ المضطر إذا فعل في وقت الإجزاء كان له وقت فضيلة ، وحينئذ يكون الخبر مفاده أنّ الفضيلة لمن ذكر ممتدّة إلى طلوع الشمس ، لكن لا على وجه التأخير عمداً ، بل لو انتبه من النوم أو عاقه أمر وزال العائق شرع في الصلاة ، ومن هنا يندفع ما يتوجّه على الشيخ في استدلاله بالخبر المبحوث عنه.

والرابع : كما ترى ظاهر في أنّ وقت الصبح حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء ، فإن حمل على الفضيلة كان أوّل الفضيلة الانشقاق ، وفيه : أنّ بعض الأخبار دالة (١) على الإضاءة الحسنة ونحو ذلك إلاّ بالحمل السابق.

__________________

(١) في « فض » : دال.

٤١٤

والحقّ أنّه مع رفع الأخبار الضعيفة من البين يمكن الجمع بين هذا الخبر وبين الأوّل بحمل الانشقاق على الإضاءة ، والتجلّل يراد به الإسفار كما يأتي (١) من معناه ، أو يراد بالغاية لأوّل الوقت (٢) ويراد بالتجلل الإضاءة ، وحينئذ يكون قبل الإضاءة ليس للفضيلة بل من قبيل وقت الإجزاء ، إلاّ أنّك قد سمعت (٣) عبارة الفقيه المتضمّنة لرواية إسحاق بن عمّار ، واعتماده أكبر شاهد على صحّتها ، وحينئذ يفيد أنّ أوّل الفجر من وقت الفضيلة ، إلاّ أن يحمل قوله في الرواية : مع طلوع الفجر ، على الإضاءة ، ولا بُعد في بقاء ملائكة الليل إلى ذلك الوقت.

والخامس : ربما كان له ظهور في أنّ المراد مجرّد طلوع الفجر من الأفق كما ينبّه عليه ذكر الإفطار ؛ إذ الإجماع كأنّه واقع على أنّ أوّل الصوم مجرّد الطلوع.

وما تضمّنه من قوله : قلت : ألست في وقت ، إلى آخره. ربما (٤) يدلّ بظاهره على أنّ وقت الصبح غير وقت الصوم ؛ لأنّ قوله عليه‌السلام في الجواب : « إنّما نعدّها صلاة الصبيان » يقتضي أن يكون عليه‌السلام فهم من السائل أنّ غرضه فعل الصبح بعد الإسفار ، كما يدلّ عليه بعض الأخبار السابقة والخبر الثاني (٥) صريحاً (٦) : من أنّ آخر وقت الفضيلة أن يتجلّل الصبح السماء.

__________________

(١) في ص ١٣٧١.

(٢) كذا في النسخ ، والأنسب : أول الوقت.

(٣) في ص ١٣٦٠.

(٤) في « رض » : إنّما.

(٥) وهو خبر الحلبي المتقدم في ص ١٣٦٣.

(٦) في « فض » : صريح.

٤١٥

ويمكن الجواب : بأنّ المراد من السائل أنّ امتداد الفضيلة هل هو من أوّل الفجر إلى طلوع الشمس أم لا؟ والجواب : بأنّ ذلك إشارة إلى أنّ النهاية صلاة الصبيان ، لا جميع ما ذكر من الأوّل إلى طلوع الشمس.

وما تضمّنه من قوله : ثم قال : « إنه لم يكن يحمد » إلى آخره. يحتمل أن يكون المراد فيه أنّ الصلاة في أول الوقت أولى للإنسان وعياله ، فلو بكّر إلى المسجد وصلّى في أوّل الوقت ثم رجع إلى منزله فينبّه عياله لأجل الصلاة لم يكن فعله محموداً ؛ لأنّ صلاتهم وقعت في غير الفضيلة ، وإن كان ذكر الصبيان في الرواية يقتضي نوع مخالفة ، لقوله عليه‌السلام فيها : « إنما نعدّها صلاة الصبيان » لأنّه دالّ على أنّ التأخير لطلوع (١) الشمس وقت للصبيان ، إلاّ أنّه يمكن أن يوجّه بأنّ صلاة الصبيان وإن اتسع وقتها إلاّ أنّ الأولى تقديمها بالنسبة إليهم في وقتهم ، فلا يرد عدم الفرق بينهم وبين غيرهم.

ويحتمل أن يكون المراد بقوله : « نعدّها » إلى آخره. أنّ ثوابها ناقص كصلاة الصبيان.

على أنّ الخبر يحتمل معنىً آخر بالنسبة إلى قوله : « لم يكن يحمد » إلى آخره. وهو أنّ وقت الصبيان وإن تأخّر إلاّ أنّه لا ينبغي للإنسان أنْ يترك تنبيههم من النوم قبل أن يخرج إلى المسجد ؛ لأنّ رجوعه من المسجد إليهم مذموم من حيث إنّ البقاء في التعقيب إلى طلوع الشمس محمود في الأخبار ، إلاّ أن يقال : إنّ التعقيب غير مخصوص بالمسجد. وفيه : أنّ كمال التعقيب في المسجد لا ريب فيه ، وهو كاف في عدم الحمد.

__________________

(١) في « رض » : إلى طلوع.

٤١٦

والسادس : ظاهر الدلالة على أنّ وقت صلاة الفجر حين ينشقّ إلى أن يتجلّل الصبح السماء ، غير أنّه ربما يستفاد منه أنّ هذا مبدأ وقت الفضيلة ومنتهاه ، فيكون في قوّة قوله : والوقت الأوّل للصبح كذا وآخره كذا ، كما ينبّه عليه قوله : « ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً » إلى آخره.

ويحتمل أن يراد بالوقتين : الاختيار والاضطرار ، أو الفضيلة والإجزاء ، ويراد بالأوّل من كلّ منهما كما سبق ، وحينئذ قوله : « ووقت الفجر » يريد به أنّ أوّله أفضل من آخره ، وكان الأوّل له نوع ظهور.

وما تضمّنه من ذكر وقت المغرب له دلالة على أنّ للمغرب وقتين بنحو ما ذكر في الصبح ، والأوّل حينئذ إلى اشتباك النجوم وهو الأفضل ، غير أنه لا يخفى دلالة بعض الأخبار السابقة على أنّ اشتباك النجوم أوّل الوقت ، ويمكن التوجيه بأن يراد بالاشتباك غير غيبوبة الحمرة المشرقية بل المغربية ، ولا مانع من استعمال الاشتباك في معنيين كما يستفاد من الأخبار السابقة (١).

ويحتمل أن يراد وقت فضيلتها من غيبوبة القرص إلى اشتباك النجوم على معنى ابتداء الفضيلة لا انتهائها ، وحينئذ يصير مثله في الصبح ، ويراد أنّ ابتداء فضيلة الصبح من الانشقاق إلى أن يتجلّل الصبح السماء ، كما أنّ ابتداء فضيلة المغرب من غيبوبة القرص إلى اشتباك النجوم ، وهذا يؤيّد إرادة الفضيلة من الوقت الأوّل والإجزاء من الثاني ، إلاّ أنّ اللازم منه أنّ فعل المغرب بعد الاشتباك يكون إجزاءً ، ولعلّه لا مانع منه ، فيكون للمغرب إجزاءان ، أحدهما هذا والآخر بعد غيبوبة الشفق ، كما أنّ للظهر إجراءين ،

__________________

(١) راجع ص ١٢٩٢.

٤١٧

أحدهما قبل القدم والآخر بعد المثل ونحوه ، وعلى هذا فالصبح كذلك ، مع نوع بُعد في التوجيه.

وحاصل الأمر في الصبح أنّ أوّل الفضيلة من الانشقاق إلى أن يتجلّل الصبح السماء ، وبعد التجلّل إجزاء إلى الإسفار ، وبعد الإسفار إجزاء إلى طلوع الشمس ، وفيه ما لا يخفى.

وفي الظن أنّ هذا الخبر مع صحته أوضح دلالة على قول الشيخ ومن تابعه على أنّ الوقتين للمختار والمضطر ، غير أنّه ليس بصريح في أنّ للصبح والمغرب وقتين ، من حيث احتمال قوله : ووقت الصبح ووقت المغرب ، لكن (١) لا يخفى أنّ العموم فيه لا مخصِّص له ، إذ احتمال إرادة الوقتين للجميع قابل للتوجيه.

ولا يبعد أن يراد بالوقتين : الفضيلة والأفضل ، إلاّ الصبح والمغرب ، فلا يكون لهما ذلك ، بل الوقت الأول أفضل. والآخر وإن كان فيه فضل إلاّ أنّه لا ينسب إلى الآخر بل في ذاته كما سبق عن قريب نحوه ، وهذا الخبر له نوع دلالة ؛ لأنّ الظاهر من قوله : « ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً ولكنه وقت » يراد به الوقت الأوّل المشتمل على ذي الفضل والأفضل ، والمعنى حينئذ أنّه لا ينبغي أن يؤخّر عن الأفضل إلاّ مع الضرورة ، وقوله : « وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين » يراد به الوقت الثاني.

ولا يخفى أنّ هذا لا يرجّح قول الشيخ ؛ لإمكان جريانه على القول بأنّ الأوّل للفضل والثاني للإجزاء ، وقد ذكرت في حاشية التهذيب بعد حديث يدل على أنّ للصلاة أكثر من وقتين كلاماً يؤيّد ما ذكرت هنا ، ولو لا إرادة الاختصار والاستغناء بما قلناه لنقلناه.

__________________

(١) ليست في « فض » ، وفي « رض » : ولكن.

٤١٨

اللغة :

قال في الصحاح : القبطية ثياب بيض رقاق من كتان يتخذ بمصر ، والجمع قباطيّ (١). وفي الحبل المتين : تجلّل الصبح السماء بالجيم بمعنى انتشاره فيها وشمول ضوئه لها (٢). ولا يخفى أنّ إطلاق التفسير مشكل بعد ما قرّرناه. وفي القاموس : وجبت الشمس : غابت (٣).

قوله (٤) :

باب وقت نوافل النهار.

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي محمّد الحسن بن حمزة العلوي رحمه‌الله عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة ، عن عدّة أنّهم سمعوا أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يصلّي من النهار حتى تزول الشمس ولا من الليل بعد ما يصلّي العشاء حتى ينتصف الليل ».

محمّد بن علي بن محبوب ، عن علي بن السندي ، عن محمّد ابن أبي عمير ، عن جميل بن درّاج ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « كان علي عليه‌السلام لا يصلّي من الليل شيئاً إذا صلّى العتمة حتى ينتصف الليل ، ولا يصلّي من النهار حتى تزول الشمس ».

__________________

(١) الصحاح ٣ : ١١٥١ ( قبط ).

(٢) الحبل المتين : ١٤٤.

(٣) القاموس المحيط ١ : ١٤١ ( وجب ).

(٤) في « رض » : قال.

٤١٩

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب ، عن إسماعيل بن جابر قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي أشتغل ، قال : « فاصنع كما نصنع ، صلّ ستّ ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر يعني ارتفاع الضحى الأكبر واعتدّ بها من الزوال ».

وعنه ، عن عمّار بن المبارك ، عن ظريف بن ناصح ، عن القاسم ابن الوليد الغسّاني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : جعلت فداك صلاة النهار صلاة النوافل في كم هي؟ قال : « ستّ عشرة ، أيّ ساعات النهار شئت أن تصلّيها صلّيتها ، إلاّ أنّك إذا صلّيتها في مواقيتها أفضل ».

عنه ، عن علي بن الحكم ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال لي : « صلاة النهار ستّ عشرة ركعة أيّ النهار شئت ، إن شئت في أوّله وإن شئت في وسطه وإن شئت في آخره ».

عنه ، عن علي بن الحكم ، عن سيف (١) ، عن عبد الأعلى قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن نافلة النهار ، قال : « ستّ عشرة ركعة متى ما نشطت ، إنّ علي بن الحسين عليه‌السلام كانت له ساعات من النهار يصلّي فيها ، فإذا شغله ضيعة أو سلطان قضاها ، إنّما النافلة مثل الهدية متى ما اتي بها قبلت ».

محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن عمرو بن عثمان ، عن محمّد بن عذافر ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « صلاة‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٧٨ / ١٠٠٩ : سيف بن عميرة.

٤٢٠