إستقصاء الإعتبار - ج ٤

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-176-1
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥٥٠

ذهاب الحمرة من المغرب ، وآخر وقت المضطرّ ربع الليل (١).

إذا عرفت هذا فالأوّل : يدلّ على أنّ القرص إذا توارى كان وقت الصلاة ، وغير خفيّ إطلاق التواري ، إلاّ أنّ المتبادر التواري عن الأُفق الحسّي ، والمنقول عن السيّد كما ترى أوّلاً غروب الشمس (٢) ، وقد يدّعى إرادة التواري عن الأُفق الحسّي ، واحتمال غيره ممكن ، والمصرّح به من المنقولة أقوالهم منتف ، لكنّ المنقول من بعض المتأخّرين عن الشيخ القول بغيبوبة القرص (٣). والذي ذكرته من المختلف.

وفي الحبل المتين : أنّ ذلك مذهب الشيخ في المبسوط والاستبصار وابن الجنيد ، والمرتضى في بعض كتبه ، وابن بابويه في علل الشرائع (٤). والذي سمعته من قول ابن الجنيد على ما حكاه في المختلف لا يعطي ذلك إلاّ على ما احتملناه ، ولعلّ ابن الجنيد والسيّد صرّحا في كتبهما بما نقل ، وأمّا الاستبصار فالأخبار المبدوء بها إن كانت مذهباً فالخبر المبحوث عنه كما ذكرناه له دلالةٌ.

وأما الثاني : فقد تضمّن الغروب ، والظاهر أنّ الشيخ فهم منه غيبوبة القرص لما يدلّ عليه كلامه في المعارض ، إلاّ أنّ فيه ما ستسمعه إن شاء الله.

والثالث : ظاهر الدلالة على المطلوب ، وهو متناول لمطلق الأُفق.

والرابع : كذلك.

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٣٧.

(٢) راجع ص ٣١٩.

(٣) كالمنتهى ١ : ٢٠٣.

(٤) الحبل المتين : ١٤٢ ، المبسوط ١ : ٧٤ ، الاستبصار ١ : ٢٦٥ ، حكاه عنه في المختلف ١ : ٤٤ ، حكاه عن السيد في الجمل في المختلف ١ : ٤٤.

٣٢١

والخامس : نحوه.

والسادس : فيه الغيبوبة وله دلالةٌ على قول السيّد المرتضى (١) أوّلاً.

والسابع : فيه غيبوبة الشمس إلاّ أنّ قوله : « حتى يغيب حاجبها » غير واضح المعنى ، ويحتمل أن يكون لفظ « حتى » مصحّفاً وإنّما هو « حين » ويراد بالحاجب المانع من مشاهدة الأُفق من غيم ونحوه ، ويحتمل أن يكون « حتى » صحيحة ، والمراد بالحاجب الشعاع.

وقد نقل بعض المخالفين في شرح حديثهم عن مالك أنّه قال : وقت المغرب يدخل بغيبوبة الشمس وشعاعها المستولي عليها. وفيه دلالة على رجحان الاحتمال ، إلاّ أنّ عمل الشيخ بمقتضى الأخبار المذكورة على هذا التقدير يفيد اعتبار غيبوبة القرص مع الشعاع.

وما تضمّن من الأخبار غيبوبة الكرسي والقرص يقتضي عدم اعتبار غيبوبة الشعاع ، إلاّ أن يحمل المطلق على المقيّد ، فإطلاق بعض محقّقي المعاصرين سلّمه الله غيبوبة القرص في أنّه مذهب الشيخ في الاستبصار (٢) لا يخفى ما فيه بعد ما قلناه ، ولم أقف الآن على مصرّح بهذا.

وما يأتي من الحديث المتضمّن لصعود أبي قبيس ورؤية الشمس ربما يدلّ على مطلق غيبوبة القرص ، إذ من المستبعد غيبوبة الشعاع مع بقاء القرص خلف جبل أبي قبيس ، إلاّ أنّ باب الاحتمال واسع.

والثامن : تضمّن غيبوبة الشمس ، وقد سمعت القول (٣) في ذلك.

والتاسع : كما ترى تضمّن الابتداء والغاية في الوقت ، وحمله على‌

__________________

(١) راجع ص ١٢٩٥.

(٢) البهائي في الحبل المتين : ١٤٢.

(٣) في ص ١٢٩٦.

٣٢٢

نهاية الفضيلة ممكن ، إلاّ أنّه لا يوافق مذهب الشيخ الآتي بيانه : من أنّ آخر الأوّل وقت الاختيار إلى غيبوبة الشفق. ولا مذهب غيره : من أنّ آخر وقت الفضيلة غيبوبة الشفق ، إلاّ أنّ الأقوال التي سمعتها ليس فيها القول بوقت الفضيلة ، بل في كلام أبي الصلاح آخر وقت الإجزاء ذهاب الحمرة ، وآخر وقت المضطر ربع الليل (١). وظاهرٌ أنّ مراده بالإجزاء الاختيار ، وسيأتي من شيخنا قدس‌سره في فوائد الكتاب الحمل على الاستحباب. ومضى في فوائد شيخنا أيّده الله في باب أنّ لكلّ صلاة وقتين ذكر وقت الفضيلة (٢) ، وسيأتي من الشيخ تصريح بأنّه يقول في هذا الكتاب بزوال الحمرة في الغيبوبة ، حيث قال بعد ذكر خبرين : إنّهما لا ينافيان ما اعتبرناه في غيبوبة الشمس من زوال الحمرة ؛ لأنّه لا يمتنع أن يكون قد زالت الحمرة عنها وإن كانت الشمس باقيةً خلف الجبل ، لأنّها تغرب عن قوم وتطلع على آخرين ، وهذا كما ترى يوجب تقييد هذه الأخبار الواردة في الغيبة على الإطلاق.

فالعجب من بعض محقّقي المعاصرين حيث نسب إلى الشيخ في الكتاب القول بسقوط القرص على الإطلاق (٣).

وبالجملة : فالعمل بمجرّد هذه الأخبار من دون التفات إلى منتهى الأحاديث معلوم الانتفاء ، على أنّ معلوميّة إفتاء الشيخ في الكتاب محلّ تأمّل كما يظهر لمن تتبّعه.

إذا عرفت هذا فالخبر المبحوث عنه كما يحتمل ما قدّمناه يحتمل أن يراد أنّ أوّل الاختيار أوّل الفضيلة ممتدّاً إلى اشتباك النجوم ، وحينئذ‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٣٧.

(٢) في ص ١٢٤٩.

(٣) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢١.

٣٢٣

لا ينافي ما دلّ على منتهى الفضيلة أو الاختيار إلى أزيد من ذلك ، أو يحمل اشتباك النجوم على ذهاب الشفق ، وفيه ما فيه.

والعاشر (١) : ظاهرُ الدلالة على أنّ وقتي المغرب قبل الشفق ، والشيخ غير قائل على ما يظهر ممّا يأتي ، والقائل بأنّ الأوّل للفضيلة والثاني للإجزاء لا أظنّه يقول بهذا ، ويمكن حمل الثاني على ثاني الفضيلة (٢) على معنى تفاوت الفضيلة ، وحينئذ يكون الإجزاء بعد الشفق ، ولم أرَ من صرّح به ، وعلى كلّ حال إطلاق أنّ الشيخ قائل بالأخبار المذكورة مشكل.

والحادي عشر (٣) : تضمّن الغروب ، الاّ أنّ ما يفيده من انحصار الوقت ينافي العاشر (٤) في الجملة ، والحمل على منتهى الفضل ممكن ، بخلاف ما يقوله الشيخ : من وقت الاختيار وأنّ المحدود وقت واحد والعاشر (٥) تضمّن وقتين.

ويمكن التوجيه بعدم المانع من قول الشيخ : بأنّ الأوّل وقت المختار ويتفاوت في الفضل ، كما مضى نحوه في وقتي الظهرين ، فليتأمّل في ذلك كلّه فإنه حريّ بالتأمّل التام على تقدير العمل بجميع الأخبار في المقام.

بقي شيئان ، أحدهما : أنّ ما تضمّنه الثاني من دخول الوقتين الكلام فيه بالنسبة إلى الاشتراك من الأوّل وعدمه كما تقدّم في الظهرين ، إلاّ أنّ المعارض هنا وهو السادس يقتضي صرف الثاني إلى نفي الاشتراك من الأوّل عند من يعمل بالخبرين (٦).

__________________

(١) في النسخ : التاسع ، والصواب ما أثبتناه.

(٢) في « فض » : الفريضة.

(٣) في النسخ : العاشر ، والصواب ما أثبتناه.

(٤) في النسخ : التاسع ، والصواب ما أثبتناه.

(٥) في النسخ : التاسع ، والصواب ما أثبتناه.

(٦) في « فض » زيادة : ومن لم يعمل بهما له الاستدلال بالآية الشريفة المفسَّرة بالخبر المعتبر وهو خبر زرارة الصحيح في الفقيه.

٣٢٤

وثانيهما : أنّ الرابع تضمّن أنّ من أخّر الصلاة إلى أن تستبين النجوم كان خطّابيّاً ، والحال أنّ التأخير أعمّ من قصد الموافقة لأبي الخطّاب في كونه وقتاً أم لا ، والإشكال واضحٌ ، ولعلّ المراد تهويل التأخير ، أو أنه عليه‌السلام فهم من السائل اعتقاد التأخير ، والظاهر من الجواب الثاني. والخطّابية منسوبة إلى محمّد بن أبي زينب (١) أبي الخطّاب عليه ما يستحقه.

قوله :

فأمّا ما رواه الحسن بن سماعة ، عن صفوان بن يحيى ، عن يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن وقت المغرب قال : قال لي : « مسّوا بالمغرب قليلاً فإنّ الشمس تغيب عندكم قبل أن تغيب [ من ] (٢)عندنا ».

عنه ، عن سليمان بن داود ، عن عبد الله بن الصباح قال : كتبتُ إلى العبد الصالح عليه‌السلام يتوارى القرص ويقبل الليل ثمّ يزيد الليل ارتفاعا وتستتر عنّا الشمس وترتفع فوق الليل ( حمرة ويؤذّن عندنا المؤذّنون أفأُصلّي حينئذ وأُفطر إن كنت صائماً ، أو أنتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الليل؟ ) (٣) فكتب إليَّ : « أرى لك أن تنتظر [ حتى تذهب (٤) ] الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك ».

أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الصلت ، عن بكر بن‌

__________________

(١) في « فض » : أبي وهب.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من الاستبصار ١ : ٢٦٤ / ٩٥١.

(٣) ما بين القوسين ساقط من « فض ».

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه من الإستبصار ١ : ٢٦٤ / ٩٥٢.

٣٢٥

محمّد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سأله سائل عن وقت المغرب ، فقال (١) : « إنّ الله ( عزّ وجلّ ) (٢) يقول في كتابه لإبراهيم عليه‌السلام ( فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً ) (٣) فهذا أوّل الوقت ، وآخر ذلك غيبوبة الشفق ، وأوّل وقت العشاء ذهاب الحمرة ، وآخر وقتها إلى غسق الليل نصف الليل ».

سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبي همام إسماعيل ابن همام قال : رأيت الرضا عليه‌السلام وكنّا عنده لم نصلّ المغرب حتى ظهرت النجوم ثمّ قام فصلّى بنا على باب دار ابن أبي محمود.

عنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن داود الصرمي قال : كنت عند أبي الحسن الثالث عليه‌السلام يوماً فجلس يتحدّث (٤) حتى غابت الشمس ثمّ دعا بشمع وهو جالس يتحدّث ، فلمّا خرجت من البيت نظرت وقد غاب الشفق قبل أن يصلّي المغرب ، ثمّ دعا بالماء وتوضّأ وصلّى.

فالوجه (٥) في هذه الأخبار أحد شيئين : أحدهما أن يكون إنّما أمَرهم أن يمسّوا بالمغرب قليلاً ويحتاطوا ليتيقّن بذلك سقوط الشمس ؛ لأن حدّها غيبوبة الحمرة من (٦) ناحية المشرق لا غيبوبتها عن العين ، يدلّ على ذلك :

ما رواه محمّد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٦٤ / ٩٥٣ : قال.

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٦٤ / ٩٥٣ : تعالى.

(٣) الأنعام : ٧٦.

(٤) في الاستبصار ١ : ٢٦٤ / ٩٥٥ : يحدّث.

(٥) في الاستبصار ١ : ٢٦٤ / ٩٥٥ زيادة : الأول.

(٦) في الاستبصار ١ : ٢٦٤ / ٩٥٥ : عن.

٣٢٦

محمّد ، عن محمّد بن خالد والحسين بن سعيد ، عن القاسم بن عروة ، عن بريد بن معاوية ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض ومن غربها ».

أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن القاسم بن عروة ، عن بريد بن معاوية قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من ناحية المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض ومن غربها ».

عنه ، عن علي بن سيف ، عن محمّد بن عليّ قال : صحبت الرضا عليه‌السلام في السفر فرأيته يصلّي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق يعني السواد.

عنه ، عن عليّ بن أحمد بن أشيم ، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق ، وتدري كيف ذلك؟ » قلت : لا ، قال : « لانّ المشرق مطلّ على المغرب هكذا ورفع يمينه فوق يساره فاذا غابت من ها هنا ذهبت الحمرة من ها هنا ».

محمّد بن عليّ بن محبوب ، عن أحمد بن الحسن ، عن عليّ بن يعقوب ، عن مروان بن مسلم ، عن عمّار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إنّما أمَرت أبا الخطّاب أن يصلّي المغرب حين تغيب الحمرة من مطلع الشمس ، فجعله هو الحمرة التي من قبل المغرب ، فكان يصلّي حين يغيب الشفق ».

٣٢٧

السند‌ :

في الأوّل : الحسن بن سماعة ، وقد تقدّم القول فيه مفصّلاً (١) من أنّ العلاّمة قال في الحسن بن محمّد بن سماعة : أبوه من ولد سماعة بن مهران (٢).

والكشي قال : حدّثني حمدويه ، عن الحسن بن موسى قال : كان ابن سماعة واقفيّاً ، وذكر أنّ محمّد بن سماعة ليس من ولد سماعة بن مهران ، له ابن يقال له : الحسن بن سماعة واقفي (٣). وهذا وإن اقتضى المغايرة للحسن بن محمّد بن سماعة ، إلاّ أنّ التحقيق الذي قدّمناه يغني عن الإعادة.

وفي كتاب شيخنا المحقّق في الرجال : الحسن بن سماعة بن مهران واقفي ، وليس بالحسن بن محمّد بن سماعة كما يأتي في موضعه (٤). وأشار بما يأتي إلى ما نقله في الحسن بن محمّد بن سماعة من كلام الكشي ، وإذا راجعت ما مضى يتضح الحال ، غير أنّ المغايرة يقتضي أن يكون ما ذكره الشيخ في طرق الكتاب إلى الحسن بن محمّد بن سماعة (٥) لم يدخل فيه مثل الرواية عن الحسن بن سماعة ، إلاّ أن يقال : إنّ الحسن ابن سماعة هنا يراد به ابن محمّد بن سماعة ، وهو لا ينافي تلك المغايرة ، فليتأمّل.

__________________

(١) في ص ٩٧٦.

(٢) رجال العلاّمة : ٢١٢ / ٢ ، وفيه : وليس محمد بن سماعة أبوه من ولد سماعة بن مهران.

(٣) رجال الكشي ٢ : ٧٦٨ / ٨٩٤.

(٤) منهج المقال : ١٠٠ ، ١٠٧.

(٥) انظر الاستبصار ٤ : ٣٢٨.

٣٢٨

ويعقوب بن شعيب مضى عن قريب (١) ، غير أنّ في الرجال : يعقوب ابن شعيب الأزرق من رجال الباقر عليه‌السلام في كتاب الشيخ مهملاً (٢). ولا سبيل إلى احتماله هنا بعد الرواية عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، نعم في الفهرست أنّ الراوي عن يعقوب بن شعيب بن ميثم الثقة : الحسن بن سماعة (٣) ، والراوي عن الحسن : حميد ، وفي الخبر كما ترى صفوان هو الراوي عنه ، ولا بُعد فيه ، لكن في النجاشي الراوي عنه محمد بن أبي عمير (٤) ، والأمر سهلٌ.

والثاني : فيه سليمان بن داود ، وقد تقدّم أنّه مشترك (٥). أمّا عبد الله بن الصباح فلم أقف عليه في الرجال ، وفي التهذيب : عبد الله بن وضّاح (٦). وهو ثقة ، والظاهر أنّه الصواب.

والثالث : فيه علي بن الصلت ، وهو مهمل في النجاشي (٧) والفهرست (٨).

إلاّ أني رأيت في كتاب الحجّ من التهذيب رواية عن عليّ بن الريان ابن الصلت (٩) ، وفيه أيضاً : عن عليّ بن الصلت (١٠) ، فيحتمل الاتحاد ،

__________________

(١) في ص ١٢١٩.

(٢) رجال الطوسي : ١٤٠ / ١٥.

(٣) الفهرست : ١٨٠ / ٧٩٥.

(٤) رجال النجاشي : ٤٥٠ / ١٢١٦.

(٥) راجع ص ١٢٩٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٥٩ / ١٠٣١.

(٧) رجال النجاشي : ٢٧٩ / ٧٣٥.

(٨) الفهرست : ٩٦ / ٤٠٦.

(٩) التهذيب ٥ : ٢٠٩ / ٧٠١.

(١٠) التهذيب ٥ : ١٨١ / ٦٠٥.

٣٢٩

ويكون ثقة ، والراوي عن ابن الريان : عليّ بن إبراهيم في النجاشي (١) والفهرست (٢). وعن ابن الصلت في الفهرست : أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه (٣). والمرتبة غير بعيدة ، إلاّ أنّ باب الاحتمال واسعٌ ، والنجاشي محقّق ، وذكر الرجلين قرينة التعدّد.

وأمّا بكر بن محمّد فهو مشترك (٤) ، إلاّ أنّ الظاهر كونه بكر بن محمّد الأزدي الثقة في النجاشي (٥) ؛ لأنّ الصدوق رواها عن بكر بن محمّد (٦) ، وفي الطرق ذكر الطريق إلى بكر بن محمد الأزدي (٧). والظاهر إرادة الأزدي في أصل الكتاب عند الإطلاق ، وما قاله بعض محقّقي المتأخّرين رحمه‌الله : من تعيّن كونه الأزدي لأنّ غيره لم يرو عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٨). ففيه : أنّ من أصحاب الصادق عليه‌السلام بكر بن محمّد العبدي مهملاً في كتاب الشيخ (٩).

والرابع : لا ارتياب فيه.

والخامس : فيه داود الصرمي ، والموجود في كتاب الشيخ من رجال علي بن الحسين عليهما‌السلام داود الصرمي مهملاً (١٠). والرواية كما ترى عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام ، وفي النجاشي داود بن مافِنَّة الصرمي ، وروى عن‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٧٨ / ٧٣١.

(٢) الفهرست : ٩٠ / ٣٧٦.

(٣) الفهرست : ٩٦ / ٤٠٦.

(٤) انظر هداية المحدثين : ٢٥.

(٥) رجال النجاشي : ١٠٨ / ٢٧٣.

(٦) الفقيه ١ : ١٤١ / ٦٥٧.

(٧) مشيخة الفقيه ( الفقيه ٤ ) : ٣٣.

(٨) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢٢.

(٩) رجال الطوسي : ١٥٦ / ٣٠.

(١٠) رجال الطوسي : ٨٨ / ١.

٣٣٠

الرضا عليه‌السلام ، وبقي إلى أيّام أبي الحسن صاحب العسكر عليه‌السلام (١). وحينئذ تعيّن أنّه المذكور ، وهو مهمل أيضاً.

والسادس : فيه القاسم بن عروة ، وقد تقدّم القول فيه (٢).

وحكى بعض محقّقي المتأخّرين رحمه‌الله أنّ العلاّمة وصف بعض الأحاديث الذي هو فيها بالصحة (٣). وفيه ما فيه. ومحمّد بن خالد هو البرقي لرواية أحمد بن محمّد بن عيسى عنه كما يستفاد من الرجال (٤).

والسابع : فيه القاسم بن عروة.

والثامن : فيه عليّ بن سيف ، والمذكور في الرجال عليّ بن سيف بن عميرة ثقة في النجاشي (٥). وفي رجال الرضا عليه‌السلام من كتاب الشيخ مهملاً (٦). ومحمّد بن عليّ فيه اشتراك (٧).

والتاسع : فيه عليّ بن أحمد بن أشيم ، وهو مجهول الحال على ما صرّح به في الرجال (٨).

والعاشر : فيه أحمد بن الحسن وفيه اشتراك (٩) ، إلاّ أنّ ابن فضّال كأنّه قريب ؛ لأنّ الراوي عنه الصفّار وهو في مرتبة ابن محبوب ، مضافاً إلى روايته عن عمّار الساباطي بكثيرٍ ، وإن كانت الوسائط مختلفة ، لكن‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٦١ / ٤٢٥.

(٢) في ص ٣١٩.

(٣) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢٢ ، وهو في المختلف ٢ : ٦٠.

(٤) انظر الفهرست : ١٤٨ / ٦٢٨.

(٥) رجال النجاشي : ٢٧٨ / ٧٢٩.

(٦) رجال الطوسي : ٣٨٢ / ٣١.

(٧) انظر هداية المحدثين : ٢٤٤.

(٨) راجع خلاصة العلاّمة : ٢٣٢ / ٥.

(٩) انظر هداية المحدثين : ١٧٠.

٣٣١

الاحتمال واسع الباب. وعليّ بن يعقوب مجهول.

المتن :

في الأوّل : ربما يستفاد منه اعتبار غيبوبة الحمرة ، والحمل على الاستحباب ممكن ؛ لوجود المعارض الآتي والسابق الدال على غيبوبة القرص ؛ واحتمال تقييد ما دلّ على غيبوبة القرص بذهاب الحمرة له وجه عند من يعمل بالخبر المبحوث عنه ونحوه.

وتوجيه الشيخ للأمر في هذا الخبر لا يخلو من نوع قصور عبارةً ومراداً ؛ لأنّ قوله : أحدهما أن يكون إنّما أمرهم أن يمسّوا بالمغرب قليلاً أو يحتاطوا (١) ليتيقّن بذلك سقوط الشمس ، لأنّ حدّها غيبوبة الحمرة. يقتضي التردّد ، ويفيد أنّ الأمر إمّا للوجوب أو للاحتياط ، والحال أنّ الأمر للوجوب عند المحققين.

ولو احتُمل أن يكون في الحديث للاستحباب بقرينة السياق لم يتمّ مطلوب الشيخ من الحكم بأنّ الغيبوبة حدّ لا غيبوبة الشمس عن العين ، على أنّ يعقوب بن شعيب كوفّي على ما في كتاب الشيخ (٢) ، والصادق عليه‌السلام مدني ، والاختلاف بين الكوفة والمدينة في الأُفق تبعد ملاحظته من الشارع ، فالظاهر أنّ اعتبار الاستحباب له وجه.

وينقل عن الشهيد في الذكرى أنّه حمل الأخبار المتضمّنة للتوقيت بغيبوبة القرص على ذهاب الحمرة ، حملاً للمطلق على المقيّد (٣).

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٦٥ : ويحتاطوا.

(٢) رجال الطوسي : ٣٣٦ / ٥٣.

(٣) الذكرى : ١٢٠.

٣٣٢

ولا يخلو من وجهٍ لو تكافأت الأخبار ، والذي سنده خالٍ من الارتياب في هذا الباب غير صريح في التوقيت بغيبوبة الحمرة ، وهو الرابع ، لاحتماله الضرورة بوجه لا يعلمه الراوي.

والثاني : كما ترى يدلّ على أنّه عليه‌السلام أراد الاحتياط ، وهو دليل على أنّ اعتبار ذهاب الحمرة للاستحباب ، على أنّ مقتضى الخبر حصول الليل وهو السواد في الأُفق ، وتكون الحمرة فوقه ، والخبر التاسع يعطي الاكتفاء بمجرد ظهور السواد في الأفق ، الاّ أن يحمل ذاك على هذا لو صحّ السندان.

وما اعتبره جدّي (١) قدس‌سره وغيره (٢) فيما أظنّ من وصول الحمرة إلى قمّة الرأس يدلّ عليه رواية غير نقيّة السند رواها الشيخ في التهذيب (٣) ، وقد يدلّ عليه هذا الخبر من حيث قوله : « ذهاب الحمرة » والأمر كما ترى ، وصريح الخبر المبحوث عنه أنّ ما ذكر فيه على سبيل الاحتياط.

والثالث : ظاهر في أنّ رؤية الكوكب أوّل الوقت ، ولا يبعد كونه دالاًّ على غيبوبة الحمرة بالكناية.

وقوله : « إنّ الله يقول في كتابه لإبراهيم » لا يخلو من خفاء ؛ إذ الظاهر يقول حكايةً لإبراهيم أو عن إبراهيم ، والخبر موصوفٌ بالصحة في المختلف والحبل المتين (٤) ، والذي هنا قد سمعت القول في سنده ، وفي الفقيه طريقه إلى بكر بن محمد الأزدي فيه : إبراهيم بن هاشم (٥).

__________________

(١) الروضة البهية ١ : ١٧٨ ، المسالك ١ : ٢٠.

(٢) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢٣.

(٣) التهذيب ٤ : ١٨٥ / ٥١٦ ، الوسائل ٤ : ١٧٣ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٤.

(٤) المختلف ٢ : ٤٧ ، الحبل المتين : ١٤١.

(٥) مشيخة الفقيه ( الفقيه ٤ ) : ٣٣.

٣٣٣

والخبر دالّ على انتهاء وقت المغرب بغيبوبة الشفق ، وهو يتناول المختار وغيره ، كما هو المنقول عن الشيخ في الخلاف (١) ، وقد مضى في آخر الباب السابق خبر عبيد بن زرارة المعتبر الدال على وقتي الظهرين (٢) ، فإنّ في التهذيب (٣) فيه زيادةً تركها الشيخ في هذا الكتاب ، وهي : « ومنها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل ، إلاّ أنّ هذه قبل هذه » وحينئذ يحمل هذا الخبر المبحوث عنه على آخر وقت الفضيلة.

وقد يقال : إنّ خبر عبيد بن زرارة لا يخرج عن الإجمال وغيره عن البيان.

وفيه : وجود كثير من الأخبار المؤيّدة لخبر عبيد بن زرارة ، كما سيجي‌ء إن شاء الله.

وفي التهذيب : روي عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن صفوان ابن يحيى ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن وقت المغرب ، قال : « ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق » (٤) وقد وصفه بعض محقّقي المتأخّرين سلّمه الله بالصحة (٥) ، ولعلّه من غير الموضع الذي ذكرته ، فإنّ هذا في زيادات التهذيب.

وفي المختلف ذكر في احتجاج الشيخ والسيّد المرتضى للقول بأنّ آخر وقت المغرب غيبوبة الشفق : ورواية إسماعيل بن جابر ، وبقوله‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٦١.

(٢) في ص ١٢٨٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٥ / ٧٢ ، الوسائل ٤ : ١٥٧ أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٥٨ / ١٠٢٩ ، الوسائل ٤ : ١٨٢ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٢٩.

(٥) الحبل المتين : ١٤١.

٣٣٤

تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (١) قال العلاّمة : وقال السيد المرتضى ، قيل في الدلوك : إنّه الزوال ، وقيل : إنّه الغروب ، وهو عليهما جميعاً يحصل الوقت للمغرب ممتدّاً إلى غسق الليل ، والغَسَق : اجتماع الظلمة.

وأجاب العلاّمة عن الاحتجاج بالآية : بأنّ الغَسَق هو نصف الليل ، لرواية عبيد بن زرارة وما رواه بكر بن محمد في الصحيح ، وعن الرواية بأنّها محمولة على الفضيلة ، وهذا يقتضي قوله بالفضيلة.

ومن الغريب أنه (٢) ذكر : أنّ الغَسَق الانتصاف للرواية ، وفي أوّل استدلاله على مختاره من امتداد العشاء إلى الانتصاف بالآية قال : إنّ في بعض الأقوال : غَسَق الليل انتصافه (٣). ولم يذكر رواية عبيد بن زرارة للدلالة على ذلك ، وغير خفي أنّ بعض الأقوال لا يصلح حجةً لولا الرواية ، ولعلّ مراده بالبعض الرواية لكن مقام الاستدلال لا يليق به ما ذكره.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ التتمّة التي نقلناها في خبر عبيد بن زرارة ذكر بعض محقّقي المعاصرين سلّمه الله أنّها دالّة على امتداد وقت المغرب إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار أربع ركعات ، كما هو مذهب السيّد وابن الجنيد وابن إدريس والمتأخّرين ، قال : والجار في قوله : « إلى انتصاف الليل » متعلّق بمحذوف سوى المحذوف الذي يتعلّق به الجار في قوله : « من غروب الشمس » والتقدير : ويمتدّ إلى انتصاف الليل.

وممّا يؤيّد ما دلّ عليه هذا الحديث ما رواه داود بن فرقد ، وذكر‌

__________________

(١) الإسراء : ٧٨.

(٢) في « فض » زيادة : كما ترى.

(٣) المختلف ٢ : ٤٦.

٣٣٥

الخبر السابق في هذا الباب (١). انتهى.

وقد يقال : إنّه يستفاد منه اختصاص المغرب من الأوّل بمقدار أدائها ، كما هو قول السيّد المرتضى (٢) ، وجماعة من المتأخّرين (٣) ، فلا وجه للاقتصار على حكم العشاء ، إلاّ أن يدّعى احتمال الاستثناء فيها للانتصاف ، وفيه ما فيه.

وربما يقال : إنّه إذا ثبت الاختصاص في العشاء ثبت في المغرب ؛ إذ لا قائل بالفصل ، بل قيل على ما أظنّ : إنّ الاشتراك والاختصاص في الظهرين يقتضي الاشتراك في العشاءين والاختصاص (٤). ولكن فيه ما فيه.

فإن قلت : إن كان وجه الدلالة على الاختصاص من قوله : « إلاّ أنّ هذه قبل هذه » ففيه : أنّه قد تقدّم في الظهرين قبل هذا ، وقد وجّهت الاشتراك من الأوّل وحمل ما دلّ على التقديم على النسيان ، فكذا هنا.

قلت : الفرق أنّ في الظهرين ورد ما دلّ على دخول الوقتين إذا زالت الشمس بخلاف العشاءين.

نعم يمكن أن يقال : إنّه إذا ثبت الاشتراك مطلقاً في الظهرين بما ذكر في التوجيه سابقاً ثبت في العشاءين ؛ لعدم القائل بالفرق ، إلاّ أنّ ثبوت الإجماع مشكلٌ ، وما دلّ على أنّ هذه قبل هذه في العشاءين يحتاج تقييده بغير الناسي إلى دليل ، ورواية زرارة الصحيحة في الفقيه الدالة على أنّ الله تعالى فرض أربع صلوات فيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل (٥) ، ربما‌

__________________

(١) البهائي في الحبل المتين : ١٤٣.

(٢) رسائل السيد المرتضى ١ : ٢٧٤.

(٣) كالعلاّمة في التحرير ١ : ٢٧ ، الشهيد الأول في الدروس ١ : ١٣٩.

(٤) كذا في النسخ ، والأنسب : الاشتراك والاختصاص في العشائين.

(٥) الفقيه ١ : ١٢٤ / ٦٠٠ ، الوسائل ٤ : ١٠ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢ ح ١.

٣٣٦

يقتضي الاشتراك من الأوّل ، وورودها في تفسير الآية يدلّ على أنّ الآية كذلك ، إلاّ أنّه ربما يقال : إنّ الرواية والآية من قبيل المجمل ، ورواية عبيد ابن زرارة مبيّنة بأنّ هذه قبل هذه في العشاءين ، والحمل على غير الناسي يتوقّف على المعارض الدال عليه ، وسيأتي القول في المعارض.

واحتمال أن يقال : إنّ الآية والرواية من قبيل العموم فيقتصر في تخصيصها على غير الناسي ويبقى ما عداه.

يدفعه أنّ رواية عبيد أيضاً عامّة ، إلاّ أن يقال : إنّ التكليف لغير العالم محلّ الإشكال ، فالحكم ببطلان صلاة العشاء نسياناً في وقت المغرب المختص يحتاج إلى دليل مع إطلاق الآية.

وفيه : أنّ العبادة موقوفة على حكم الشارع ، فالصحة لا بدّ لها من دليل ، على أنّ ما تقدّم (١) في باب أن لكلّ صلاة وقتين من خبر زيد الشحّام يدلّ على اختصاص المغرب من أوّل الوقت ، لقوله عليه‌السلام : « ووقتها وجوبها » إلاّ أن يقال : إنّ وقتها في الجملة وجوبها ، كما في غيرها من الأخبار.

وفي نظري القاصر أنّ رواية زرارة لا تخلو من دلالة على اختصاص الظهر والمغرب والعشاء ؛ لأنّ صورتها : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أخبرني عمّا فرض الله تعالى ، قال : « خمس صلوات في الليل والنهار » قلت : سمّاهنّ الله وبيّنهنّ في كتابه؟ فقال : « نعم ، قال الله عزّ وجلّ لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) ودلوكها زوالها ، ففيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سمّاهن وبيّنهن ووقّتهن ، وغَسَق الليل‌

__________________

(١) في ص ١٢٠١.

٣٣٧

انتصافه ، ثم قال ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) (١) فهذه الخامسة ، وقال في ذلك ( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) وطرفاه المغرب والغداة ( وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) (٢) هي صلاة العشاء الآخرة » الحديث (٣).

ووجه الدلالة : أنّ الظاهر من الرواية كون الأمر بالصلوات في الأوقات المذكورة ، وما دلّ على الاشتراك من الأخبار في الظهرين ، لا ينافي الاختصاص ؛ لجواز إرادة ما بعد الاختصاص ، فالحمل على الاشتراك من الأوّل وإن أمكن ، إلاّ أنّ ظاهر الخبر خلافه ، على أنّ ما دلّ على أنّ هذه قبل هذه يؤيّد إرادة غير وقت الاختصاص ، لأنّه قد علم من خبر زرارة القبليّة ، فلا بدّ أن يراد فيما بعد الاختصاص.

فإن قلت : يحتمل أن يُراد بيان مدلول خبر زرارة على معنى أنّ هذه قبل هذه في الاختصاص ، فيكون تأكيداً لمدلول الآية والرواية.

قلت : التأسيس أولى من التأكيد ، كما قرر في الأُصول ، وما دلّ على دخول الوقتين من الأوّل في الظهر محتمل لإرادة دخول الوقتين مجازاً أو استعارةً ، بسبب القرب بين الوقت المشترك والمختصّ كما مضى.

وممّا يؤيّد الاختصاص ذكر الصبح في خبر زرارة ، ومن هنا يعلم أنّ ما نقله بعض محقّقي المعاصرين سلّمه الله عن بعض الأصحاب : من الاستدلال على امتداد وقت المغرب إلى مقدار أربع من العشاء برواية زرارة (٤). لا يخلو من وجه ، واعتراضه عليه : بأنّه لا يلزم من كون ما بين‌

__________________

(١) الإسراء : ٧٨.

(٢) هود : ١١٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٤١ / ٩٥٤ ، الوسائل ٤ : ١٠ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢ ح ١.

(٤) البهائي في الحبل المتين : ١٤٣.

٣٣٨

الزوال إلى نصف الليل ظرفاً لأربع صلوات إحداها المغرب امتداد الوقت إلى ذلك الحد. محلّ بحث إن كان استدلال القائل بنحو ما قلناه ، وإن كان استدلاله بمجرّد كون الوقت من الزوال إلى النصف فللاعتراض وجه.

هذا كلّه على تقدير عدم الالتفات إلى ما دلّ على دخول الوقتين في العشاءين من حين الغروب ، وهو خبر زرارة في التهذيب الواقع في طريقه الحكم بن مسكين ، وهو مجهول ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا زالت الشمس » إلى أن قال : « فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة » (١) فإنّ هذا الخبر على تقدير العمل به يقال نحو ما قيل في الظهرين من إمكان الجمع بينه وبين ما دلّ على أنّ هذه قبل هذه للعالم ؛ لكنّ السند قد سمعته.

وفي الحبل المتين نقل عن عبيد بن زرارة نحو المتن على ما رأيت من النسخة (٢) ، ولم أقف على الخبر في كتب (٣) الحديث ، وأظنّه من الكافي (٤) وعدّه من الصحاح (٥). وقد يتعجب من ذكره مع القول بأنّ خبر عبيد بن زرارة ناطق باختصاص العشاء بأربع من آخر النصف ؛ لقوله عليه‌السلام : « الاّ أنّ هذه قبل هذه » والحال أنّ احتمال الاختصاص بالعالم قائم ؛ لمعارضة ما دلّ على دخول الوقتين.

وما ذكره في وقت الظهرين : من أنّ المراد بدخول الوقتين موزّعاً ؛ لدلالة قوله عليه‌السلام في خبر عبيد : « إلاّ أنّ هذه قبل هذه » فيه ما قدّمناه من‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩ / ٥٤ ، الوسائل ٤ : ١٢٥ أبواب المواقيت ب ٤ ح ١.

(٢) الحبل المتين : ١٤١.

(٣) في « فض » : كتاب.

(٤) الكافي ٣ : ٢٧٦ / ٥ ، الوسائل ٤ : ١٣٠ أبواب المواقيت ب ٤ ح ٢١.

(٥) في « فض » : وقد عدّه من الصحاح ، وفي « رض » : وعدّة من الصحابة.

٣٣٩

الاحتياج إلى ترجيح هذا الوجه على إرادة العالم ، مع إمكان رجحانه بأنّه أقرب إلى ظاهر دخول الوقتين ، وإمكان حمل خبر عبيد على العالم ، إلاّ أنّ التسديد ممكن ، غير أنّ موجب الكلام هو احتياج المقام إلى زيادة بيان ، والله تعالى أعلم بالحال هذا.

والرابع : قد مضى فيه القول (١).

وأمّا الخامس : فكالرابع ، وتوجيه الشيخ لا يتمّ فيهما.

واستدلاله بالسادس غير ظاهر الوجه ؛ لأنّ مفاده كون غيبوبة الحمرة تقتضي غيبوبة الشمس من شرق الأرض وغربها ، وهذا لا يدلّ على أنّ وقت المغرب ذلك ، فلا ينافي ما دلّ على أنّ وقت المغرب غيبوبة القرص ولا يؤيد اعتبار غيبوبة الحمرة.

وكذلك السابع.

والثامن : من يدلّ على حال السفر والتأخير فيه إلى أزيد من هذا موجودٌ في الأخبار كما سيأتي (٢).

والتاسع : قد مضى فيه القول (٣).

والعاشر : كما ترى صريحٌ في أنّ أبا الخطّاب كان يصلّي المغرب إذا غاب الشفق ، وحينئذ فمذهبه يكون هذا ، والخبر السابق المتضمّن للسؤال عن تأخير المغرب لاشتباك النجوم ، فقال عليه‌السلام في الجواب : « خطّابيّة » يدلّ على أنّ مذهب أبي الخطّاب غير مدلول الخبر المبحوث عنه ، وقد قدّمنا فيه احتمالين ، ولا يبعد زيادة احتمال آخر ، وهو أن يكون الغرض منه عليه‌السلام

__________________

(١) في ص ١٣٠٥.

(٢) في ص ١٣١٨.

(٣) في ص ١٣٠٥.

٣٤٠